الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول الاعتماد الكلي على الحاسب
وأصول البحث العلمي
الحاسب الآلي من نعم الله عز وجل على المسلمين وعلى طلبة العلم خاصة في هذا العصر، ذلك لأنه يسر عليهم طرق البحث وأمدهم بمعلومات هائلة في وقت قصير، ولكن الاعتماد الكلي على الحاسب الآلي كثيرًا ما يوقع في أخطاء فادحة؛ لأن الموسوعات العلمية التي في الأقراص المدمجة بها أخطاء كثيرة، منها: وقوع تصحيفات وتحريفات في كثير من الكلمات، وبها سقط كلمات وجمل كاملة في كثير من المواضع، كذلك فإن بها أخطاء في العزو، فقد تعزو كلامًا لكتاب ليس هو فيه، إنما هو في كتاب آخر
…
إلى غير ذلك من الأخطاء.
فعلى ذلك يمكن للباحث أن يستعين بـ (الكمبيوتر» في البحث، وإن يتخذه فهرسًا يدله على موضع الفائدة في الكتاب المطبوع، لكن أن يكون اعتماده الكلي على ذلك دون الرجوع إلى المصادر المطبوعة، فهذا خلاف البحث العلمي الجاد.
قال العلامة الدكتور محمود الطناحي في «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي» (ص: 8):
«إن طلبة العلم مطالبون بمعرفة فرق ما بين الطبعات، حتى تقوم
دراستهم على أساس صحيح متين، وحتى تمضي إلى ما يُراد لها من كمال ونفع» اهـ.
قلتُ: فطلاب العلم مطالبون بالحصول على أدق الطبعات وأتقنها؛ حتى تقوم دراساتهم وبحوثهم على أسس صحيحة متينة، والموسوعات الإلكترونية التي تستخدم بواسطة «الكمبيوتر» في الغالب مليئة بتلك الأخطاء التي بيَّنتها، فإذا اعتمد طالب العلم على «الكمبيوتر» اعتمادًا كليًّا جاءت دراسته سقيمة مليئة بالأخطاء والغرائب والعجائب؛ لأنَّ مصدره الذي استقى منه المعلومات مليءٌ بتلك الأخطاء والأغلاط.
أُقِيمَ لإصلاح الورى وهو فاسد
…
وكيف استِواءُ الظل والعودُ أعوجُ
• وقد عد الدكتور رمضان عبد التواب رحمه الله في كتابه «مناهج تحقيق التراث» (ص: 165) ذكر اسم المؤلف قبل اسم الكتاب في مصادر التخريج من بدع التحقيق، مع أن هذا الأمر لا يؤثر على صحة وإتقان البحث أو الكتاب المحقق، فكيف لو رأى اعتماد الباحثين والمحققين الآن على الموسوعات الإلكترونية وما فيها من أخطاء كثيرة تؤثر على صحة البحث وإتقانه؟ !
• ومن جانب آخر: فان الباحث مطالب بمراعاة أصول البحث العلمي، ومن ذلك: أن لا يعزو كلامًا لمصدر ويوجد مصدر آخر هو أولى بالعزو منه، وأن لا يعزو كلامًا في فن معين إلى مصدر لفن آخر. فيقبح جدًّا بالباحث أن يعزو حديثًا إلى كتاب من كتب اللغة، أو يعزو ترجمة راوٍ إلى كتاب من كتب الفقه، أو ما شابه ذلك.
قال العلامة الألباني رحمه الله في معرض رده على محمد علي الصابوني في «السلسلة الصحيحة» (4/ المقدمة ص: ك):
«وذكر (ص: 50) - يعني: الصابوني - حديث: «أرحنا بها يا بلال» . فقال في الحاشية مُخرِّجًا له: «لسان العرب» ! !
فلم يعرف هذا المسكين مصدرًا لهذا الحديث غير هذا الكتاب المعروف بأنه ليس من كتب الحديث، وإنما هو في اللغة، مع أنه في «سنن أبي داود» ومخرج في كتب السنة مثل «المشكاة» (1253) وغيره! » اهـ.
• هذا، وقد وقع الدكتور في أخطاء كثيرة نتيجة لعدم مراعاته لأصول البحث العلمي ولاعتماده الكلي على الحاسب الآلي، ولقد أخبرته ببعض هذه الأخطاء، فرد علي قائلًا: مادامت هذه الأخطاء ليست في إثبات الأسماء الحسنى نفسها فهي غير مهمة! !
سبحان الله! أنُقَدِّم للناس أخطاء وأغلاطًا وأوهامًا ونقول: مادام أنها ليست في إثبات الأسماء الحسنى فهي غير مهمة؟ !
وإليك الآن بعضًا من هذه الأخطاء التي وقعت في بحث الدكتور:
(1)
قال الدكتور (ص: 303): «وممن تسمى بإضافة العبودية لاسم الله «الأول» : الإمام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى، قال محمد بن طاهر القيسراني في وفيات سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة:«وفيها مات مسند زمانه الإمام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي ببغداد عن خمس وتسعين سنة»
…
» اهـ.
وقال في الحاشية: «تذكرة الحفاظ، أطراف أحاديث المجروحين لابن حبان للقيسراني (4/ 1315)» اهـ.
قلت:
وهذا خطأ فاحش، فليس هذا الكلام لمحمد بن طاهر القيسراني، وكيف يكون له وهو قد مات قبل أبي الوقت بست وأربعين سنة؟ ! ! فإن ابن طاهر قد مات سنة (507 هـ)(1)، فكيف يذكره في وفيات سنة (553 هـ)؟ !
كذلك فإن كتاب ابن طاهر الذي عزا إليه الدكتور هذا الكلام هو في أطراف أحاديث كتاب «المجروحين» لابن حبان؛ فكيف يكون كتابًا في أطراف الأحاديث مصدرًا لذكر ترجمة هذا الإمام؟ ! وكتاب «تذكرة الحفاظ» للقيسراني مجلد واحد فكيف يكون العزو هنا إلى مجلد الرابع؟ ! ظلمات بعضها فوق بعض! !
والصواب في ذلك: أن هذا الكلام هو للإمام الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (4/ 1315) وليس هو لابن طاهر القيسراني. والسر في هذا الخطأ أن كتاب «تذكرة الحفاظ» للذهبي معزو خطأ في «المكتبة الألفية» إلى كتاب «تذكرة الحفاظ في أطراف أحاديث المجروحين» لابن طاهر القيسراني، فلو كان الدكتور يراجع المصادر المطبوعة لما وقع في هذا الخطأ إن شاء الله تعالى.
* * *
(1) كما في «سير أعلام النبلاء» (19/ 371).
(2)
قال الدكتور (ص: 599): «هل سمي أحد من أهل العلم عبد المالك؟ جاء في «المدونة الكبرى» للإمام مالك بن أنس أنه قال: «سمعت عبد المالك (كذا) بن عبد العزيز بن جريح (كذا بالحاء المهملة) يحدث أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحميل غارم» اهـ.
قلت:
وهذا خطأ، والصواب في اسمه هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الإمام المشهور، تصحف على الدكتور فحسبه رجل آخر يدعى «عبد المالك» ، وهو في «المدونة»:«عبد الملك» على الصواب. والله أعلم.
* * *
(3)
قال الدكتور (ص: 385): «وأما مَن تسمى بالتعبد لاسم الله «الواحد» فكثير، منهم عبد الواحد بن زياد العبدي بصري ثقة حسن الحديث، روى عنه البخاري الكثير» اهـ.
وقال في الحاشية: «معرفة الثقات لأبي الحسن الكوفي 2/ 107» .
قلت:
لا أظن كثيرًا من القراء سيعرفون بسهولة من هو أبو الحسن الكوفي هذا؟ وإني لم أعرفه في بادئ الأمر، ثم سألت شيخنا الفاضل طارق بن عوض الله -حفظه الله-: هل تعرف أبا الحسن الكوفي هذا الذي له كتاب «معرفة الثقات» ؟ فقال لي: لا أعرفه. ثم فكر قليلًا ثم قال لي: لعله هو
العِجلي صاحب كتاب «الثقات» . ثم تناول كتاب «الثقات» للعجلي من مكتبته، فإذا على طرة الكتاب: أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن العجلي الكوفي. فقال لي: لعل من نسبه هكذا لم يكن يعرفه وأخذ اسمه مِن على طرة الكتاب! فقلت له: ليت هذا هو الذي حدث؛ لأن الذي قال هذا لا يعتمد أصلًا على الكتب، إنما يعتمد على «الكمبيوتر» ! !
ثم إن عبد الواحد بن زياد العبدي قد روى عنه أصحاب الكتب الستة فالعزو إلى الكتب التي اختصت بذكر الرواة الذين روى لهم الأئمة الستة أولى مثل: «تهذيب الكمال» ، و «تهذيب التهذيب» ، و «تقريب التهذيب» ، و «الكاشف» ، وغيرها.
* * *
(4)
قال الدكتور (ص: 463): «وممن تسمى بالتعبد لله بإضافته للاسم الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، قال السيوطي: «النوع التاسع والخمسون: المبهمات أي معرفة من أبهم ذكره في المتن أو الإسناد من الرجال والنساء، صنف فيه الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري» اهـ.
وقال في الحاشية: «تدريب الراوي 2/ 342» اهـ.
قلت:
وهذا عجيب؛ فإن «تدريب الراوي» كتاب في مصطلح الحديث، فكيف يجعل مصدرًا للتعريف بهذا الإمام؟ ! وهذا الإمام له ترجمة في كثير من كتب الرجال ومن أشهرها:«تاريخ دمشق» (36/ 395)، و «سير
أعلام النبلاء» (17/ 268). فالعزو إلى هذين الكتابين أو إلى غيرهما من كتب التراجم أولى. والله أعلم.
* * *
(5)
قال الدكتور (ص: 392): «وممن تسمى عبد الحق: أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر بن غالب بن عطية الغرناطي، صاحب كتاب «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» اهـ.
وقال في الحاشية: «كشف الظنون 2/ 1613
…
» اهـ.
قلت:
«كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون» وهو كتاب لمعرفة أسماء الكتب، كما يتضح من اسمه، فكيف يجعله الدكتور مصدرًا للتعريف بهذا الإمام؟ ! مع أن له ترجمة في «سير أعلام النبلاء» (21/ 198)! !
* * *
(6)
قال الدكتور (ص: 53): «وقال أبو عمرو بن الصلاح: أول من صنف في الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل
…
» اهـ.
وقال في الحاشية: «هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ص 10» .
قلت:
كلام الإمام ابن الصلاح في كتابه «معرفة علوم الحديث» (ص: 160) وهو من أشهر الكتب في علم مصطلح الحديث، وهو موجود على
«المكتبة الألفية» و «المكتبة الشاملة» وقد اعتمد عليهما الدكتور، فالعزو إليه أولى. والله أعلم.
• هذه أمثلة للأخطاء التي وقعت في بحث الدكتور، والتي كان بعضها نتيجة لاعتماده الكلي على الحاسب الآلي، ومنه يتبين للقارئ الكريم أن الدكتور لم يكن مصيبًا في قوله (ص: 707): «بعد جهد كبير ووقت طويل قطعتُه وأنا عاكف على المراجع وبين يدي حاسوبي الشخصي أقلب في الموسوعات وأراجع النتائج على المطبوعات
…
»! !
• وما كنت أود أن أذكر هذه الأخطاء التي نتجت عن استخدام الدكتور «الكمبيوتر» ؛ لأنه ما من أحد إلا وله أخطاء، خاصة مثل هذه الأخطاء التي ذكرتها، ولكن دفعني إلى أن أذكرها هنا: هو أن الدكتور ظن أنه باستخدام «الكمبيوتر» قد امتلك ناصية العلوم، وفاق السلف في العلم والبحث والاطلاع، فأردت أن أبين له أن هذا ظن باطل لا يغني من الحق شيئًا، وأن الاعتماد الكلي على «الكمبيوتر» يوقع في أخطاء فادحة، وإن استخدامنا «الكمبيوتر» دليل على نقص علمنا وحفظنا، وأن السلف الصالح لعظيم علمهم وحفظهم واطلاعهم كانوا في غنى عن «الكمبيوتر» . فكيف يكون النقص دليلًا على الكمال؟ !
• وأكتفي بهذا القدر، سائلًا الله عز وجل التوفيق والسداد في الأقوال والأفعال. إنه نعم المولى ونعم النصير.
* * *