الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرد على طعنه في الإمام
الوليد بن مسلم رحمه الله
قال الدكتور (ص: 8): «في نهاية القرن الثاني ومطلع القرن الثالث الهجري حاول ثلاثة من رواه الحديث جمعها - أي: جمع الأسماء الحسنى التسعة والتسعين - باجتهادهم؛ إما استنباطًا من القرآن والسنة أو نقلًا عن اجتهاد الآخرين في زمانهم، الأول منهم -وهو أشهرهم وأسبقهم- الوليد بن مسلم مولى بني أمية (ت: 195 هـ) وهو عند علماء الجرح والتعديل كثير التدليس والتسوية في الحديث
…
» اهـ.
أقول:
نفهم من كلام الدكتور أن هذه الأسماء المشهورة بين الناس هي من اجتهاد الوليد بن مسلم أو مِن نقله عن اجتهاد بعض شيوخه، والوليد يدلس تدليس التسوية؛ فلذلك لا نقبل منه هذه الأسماء!
وهذا طعن ليس في محله؛ لأن تدليس التسوية خاص بالرواية لا بالاجتهاد (1). والوليد بن مسلم رحمه الله قد جمع هذه الأسماء باجتهاده
(1) وتدليس التسوية هو كما قال الحافظ العراقي في «التقييد والإيضاح» (ص: 96): «أن يجيء المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة، وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف، وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة، فيعمل المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيُسقِط منه شيخَ شيخِه الضعيف، ويجعله من رواية شيخِه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل -كالعنعنة ونحوها-، فيصير الإسناد كله ثقات ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه؛ لأنه قد سمعه منه، فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي عدم قبوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل» اهـ.
هو، كما صرح بذلك العلماء ومنهم الدكتور، فطعن الدكتور في الوليد بن مسلم رحمه الله بتدليس التسوية في هذا الموضع خطأ. والله أعلم.
• وإذا افترضنا أن الوليد نقل هذه الأسماء عن اجتهاد بعض شيوخه، كما صرح بذلك بعض العلماء؛ لم يكن للدكتور أن يطعن في نقله بتدليس التسوية؛ لأن الذي يدلس تدليس التسوية يسقط شيخ شيخه وهنا نقل عن شيوخه مباشرة.
• ومما يوضح خطأ الدكتور في طعنه في الوليد بتدليس التسوية في هذا الأمر: أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله كان إمامًا في الفقه من أهل الاجتهاد، ولكنه مع ذلك كان ضعيفا في الحديث (1). فهل نقول: إننا لا نقبل اجتهاداته الفقهية؛ لأنه كان ضعيفا في الحديث؟ !
وكذلك حفص بن سليمان المقرئ كان ضعيفًا في الحديث (2)، ولكنه إمام في القراءة، فهل ضعفه في الحديث يمنعنا أن نقرأ بروايته عن عاصم؟ !
غاية ما في الأمر أن نقول: إن سرد الأسماء بهذه الصورة المشهورة بين الناس هي من اجتهاد الوليد بن مسلم، فنقبل منها ما ثبت في الكتاب
(1) ضعَّفه في الحديث جمع من أهل العلم، منهم: ابن المبارك والثوري ويحيى القطان وابن معين والبخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن عدي وابن حبان وغيرهم.
وراجع: «المجروحين» لابن حبان (2/ 405)، و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (8/ 449)، و «تاريخ بغداد» (15/ 572 - 582).
(2)
ضعَّفه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم كما في ترجمته من «تهذيب الكمال» .
والسنة ونرد ما لم يثبت. أما أن نطعن في اجتهاده بأمر لا دخل له في الاجتهاد فهذا بعيد عن الإنصاف (1).
هذا مع العلم بأن الوليد بن مسلم إمام كبير وعالم جليل من أتباع التابعين. وقد أثنى عليه كثير من الحفاظ والأئمة. وحديثه مخرج في الكتب الستة كلها.
قال الإمام أحمد بن حنبل: «ما رأيت في الشاميين أعقل من الوليد بن مسلم» .
وقال الإمام ابن سعد: «كان ثقة، كثير الحديث» .
وقال الإمام علي بن المديني: «ما رأيت من الشاميين مثله، وقد أغرب الوليد أحاديث صحيحة لم يشركه فيها أحد» .
وقال الإمام يعقوب بن سفيان: كنت أسمع أصحابنا يقولون: «علم الشام عند إسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم، فأما الوليد فمضى على سنته محمودًا عند أهل العلم، متقنًا صحيحًا صحيح العلم» اهـ.
وقال الإمام أبو زرعة الدمشقي سألت أبا مسهر عن الوليد بن مسلم فقال: «كان من ثقات أصحابنا. وفي رواية: من حفاظ أصحابنا» (2) اهـ.
(1) هذا مع العلم بأن التدليس -بكل صوره- ليس قدحًا في الراوي، غاية ما هنالك: أننا لا نقبل روايته التي لم يصرح فيه بالتحديث. أما إذا صرح بالتحديث فروايته مقبولة إذا كان ثقة. والأعمش والثوري مع إمامتهما وجلالتهما في الحديث كانا يدلسان تدليس التسوية.
وراجع «الكفاية» للخطيب (ص: 518 - 520)، و «تدريب الراوي» (1/ 282، 286 - 288).
(2)
هذه الأقوال كلها في ترجمة الوليد من «تهذيب الكمال» (31/ 92 - 94).