المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسماء قد حذفها الدكتور من الإحصاءويمكن تطبيق شروطه عليها - الانتصار للسلف الأخيار

[محمد محب الدين أبو زيد]

الفصل: ‌أسماء قد حذفها الدكتور من الإحصاءويمكن تطبيق شروطه عليها

‌أسماء قد حذفها الدكتور من الإحصاء

ويمكن تطبيق شروطه عليها

لقد اجتهد الدكتور في استخراج شروط لإحصاء الأسماء الحسنى التسعة والتسعين، ثم بناء على شروطه هذه أخرج بعض الأسماء من جملة الأسماء الحسنى، وسأوضح هنا أن بعض الأسماء التي أخرجها يمكن تطبيق شروطه عليها.

• وقبل أن أبدأ في ذلك لابد من التنبيه على شيء مهم وهو:

أن الدكتور لم يعد لفظ الجلالة من جملة التسعة والتسعين اسما (1).

وليس له دليل على ذلك؛ فإن من المعلوم أنه عند الإحصاء نقوم بإدخال الاسم الأساسي في العدد، يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد وأنا الماحي وأنا الحاشر وأنا العاقب» (2). فعد النبي صلى الله عليه وسلم «محمدا» وهو الاسم الرئيس ضمن الأسماء الخمسة.

وعليه؛ فيلزم الدكتور أن يُدخِل لفظ الجلالة ضمن الأسماء التسعة والتسعين ويحذف اسما من الأسماء التي أثبتها؛ ذلك لأنه يدعي أن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة تسعة وتسعون اسما فقط! وإلا نقض قوله في ذلك. أما نحن فنقول: لا يوجد دليل على أن الأسماء

(1) صرح الدكتور بذلك (ص: 708).

(2)

أخرجه: البخاري (4/ 225).

ص: 68

الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة تسعة وتسعون اسما فقط؛ بل هي أكثر من ذلك، وقد سبق الرد على الدكتور في هذه المسألة (ص: 36).

• هذا، وإن أكثر من عد الأسماء الحسنى التسعة والتسعين عد من جملتها لفظ الجلالة «الله» ، بل لا أعلم عالما عدها إلا وأدخل لفظ الجلالة فيها، ومِن هؤلاء العلماء: الوليد بن مسلم، وابن حزم، وابن العربي المالكي، والغزالي، والقرطبي، وابن حجر، وابن عثيمين، وعمر سليمان الأشقر وغيرهم.

* أما الأسماء التي أخرجها الدكتور من جملة الأسماء الحسنى ويمكن تطبيق شروطه عليها:

1 -

«النور» : هذا الاسم قد نفى الدكتور أن يكون من الأسماء الحسنى المطلقة بقوله (ص: 94): «وبخصوص تسمية الله بالنور والهادي والبديع؛ فهذه الأسماء لم ترد في القرآن والسنة إلا مقيدة بالإضافة، فتذكر كما قيدها الله عز وجل، فاسم النور ورد مقيدا بالإضافة في قوله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35]

» اهـ. ولم يذكره في الأسماء الحسنى التي جمعها.

قلت:

لقائل أن يقول: إن هذا الاسم قد ورد مطلقا في قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو ذر رضي الله عنه: هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنى أراه» (1). فأَحَد معاني الحديث: أن الله سبحانه نور؛ فلا يمكن رؤيته.

(1) أخرجه: مسلم (1/ 111).

ص: 69

قال إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله في «التوحيد» (2/ 512):

«وقوله: «نور أنى أراه» . يحتمل معنيين: أحدهما نفي؛ أي: كيف أراه، وهو نور؟ والمعنى الثاني: أي: كيف رأيته وأين رأيته وهو نور لا تدركه الأبصار

» اهـ (1).

• ويؤيد عد هذا الاسم ضمن الأسماء الحسنى أن الأمة تلقت هذا الاسم بالقبول، وأن أحدا من السلف الصالح لم ينكره، كما سيأتي في كلام الإمام ابن القيم قريبا. فهذا الاسم تتوفر فيه كل الشروط التي اشترطها الدكتور في إحصاء الأسماء الحسنى، فقد ورد في السنة مطلقا منونا مفردا مرادا به العَلَمِيَّة ودالَّا على كمال الوصفية.

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (6/ 386):

«النص في كتاب الله وسنة رسوله قد سمى الله نور السماوات والأرض، وقد أخبر النص أن الله نور، وأخبر أنه يحتجب بالنور. فهذه ثلاثة أنوار في النص» اهـ (2).

وقال الإمام الإقليشي في «الإنباء» (ق: 87/ أ):

«وتسمية الله نورا صحيح في الشرع والنظر. أما الشرع: فقوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35]، فإن احتج المحتج وقال: أراد منير السماوات والأرض، أو هادي أهل السماوات والأرض، وأبى من

(1) وانظر كلام الإمام ابن القيم الآتي قريبًا.

(2)

وانظر كذلك «مجموع الفتاوى» (6/ 392).

ص: 70

تسمية الله نورا، احتججنا عليه بالحديث الذي خرجه مسلم في «صحيحه» عن أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ قال:«نور أنى أراه» (1). وفي حديث ابن عباس المخرج في مصنف الترمذي إذ قال: رأى محمد ربه. قيل له: أليس الله يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103]؟ قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره (2). فهذان الحديثان مصرحان بتسمية الله نورا» اهـ.

وقال الإمام ابن القيم في «الصواعق المرسلة» (ص: 398 - 399 - مختصره):

«إن النور جاء في أسمائه تعالى، وهذا الاسم مما تلقته الأمة بالقبول وأثبتوه في أسمائه الحسنى، وهو في حديث أبي هريرة والذي رواه الوليد ابن مسلم، ومن طريقه رواه الترمذي والنسائي، ولم ينكره أحد من السلف ولا أحد من أئمة أهل السنة

ولما سأل أبو ذر النبيَّ صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنى أراه» . رواه مسلم في «صحيحه» ، وفي الحديث قولان

المعنى الثاني في الحديث: أنه سبحانه نور فلا يمكن رؤيته؛ لأن نوره -الذي لو كشف الحجاب عنه لاحترقت السموات والأرض وما بينهما- مانع من رؤيته

» اهـ.

(1) أخرجه: مسلم (1/ 111).

(2)

أخرجه: الترمذي (3279)، والنسائي في «الكبرى» (6040 - تحفة).

وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه» اهـ.

ص: 71

• وممن عد «النور» أيضا من الأسماء الحسنى: قوام السنة الأصبهاني في «الحجة في بيان المحجة» (1/ 160)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (1/ 201)، والحليمي في «منهاج شعب الإيمان» (1/ 207)، والخطابي في «شأن الدعاء» (ص: 95)، والغزالي في «المقصد الأسنى» (ص: 46)، وابن حجر في «الفتح» (11/ 223) وغيرهم.

* * *

2 -

«الطبيب» : وهذا الاسم أخرجه الدكتور من الأسماء الحسنى المطلقة فقال: (ص: 80): «اسم «الطبيب» لابد أن يُذكر مقيدا؛ لأن المعنى عند التجرد ينقسم إلى كمال ونقص، فقد يكون معناه تدبير أسباب الشفاء، وقد يكون بمعنى السحر والإمراض والبلاء، قال ابن منظور: «والطِّبُّ والطُّبُّ: السحر

وقد طُبَّ الرجل، والمطبوب: المسحور» اهـ.

وقال الدكتور أيضا (ص: 82): «فالطبيب معناه عند التجرد منقسم إلى كمال ونقص، ولا يذكر في حق الله إلا مقيدا بموضع الكمال فقط، بخلاف الشافي فإن معناه مطلق في الكمال

» اهـ.

قلت:

كثير من الأسماء الثابتة في الكتاب والسنة ينقسم معناها عند التجرد إلى كمال ونقص، فاسم «الجَبَّار» مثلا قد يكون معناه: ذا العظمة والكبرياء. وقد يكون بمعنى: القَتَّال في غير حق. قال العلامة ابن منظور في «لسان العرب» (1/ 535): «والجَبَّار: القَتَّال في غير حق» اهـ.

ص: 72

بل قد يأتي بمعنى: الرجل والعبد، قال العلامة ابن منظور في «اللسان» (1/ 535): «وقال أبو عمرو: الجَبْر: الرجل

والجَبْر: العبد» اهـ.

فهل نقول: إن الجَبَّار ليس من أسمائه تعالى؛ لأن معناه عند التجرد ينقسم إلى كمال ونقص؟ ! اللهم لا. بل «الجبار» من الأسماء الحسنى الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. ولكن المعنى في حق الله هو المعنى الذي يدل على الكمال والجلال.

وكذلك اسم «المنان» أثبته كثير من العلماء في الأسماء الحسنى، وأثبته الدكتور كذلك. وهذا الاسم قد يأتي بمعنى: الإنعام والإعطاء، وقد يأتي بمعانٍ أُخر منها: القطع والضعف والإعياء والفترة (1). قال العلامة ابن منظور في «لسان العرب» (6/ 4277 - 4278): «المن: الإعياء والفترة

وقال الجوهري: والمن: القطع، ويقال: النقص» اهـ.

• وهنا شيء آخر يحسن التنبيه عليه: وهو أن العرب أطلقوا على السحر: طب، من باب التفاؤل، قال العلامة ابن منظور في «اللسان» (4/ 2631):«قال أبو عبيد: طُبَّ، أي: سُحِر. يقال منه: رجل مطبوب، أي: مسحور. كنوا بالطب عن السحر، تفاؤلا بالبُرء، كما كنوا عن اللديغ، فقالوا: سليم، وعن المفازة وهي مهلكة، فقالوا: مفازة، تفاؤلا بالفوز والسلامة. قال: وأصل الطب: الحذق بالأشياء والمهارة بها» اهـ.

(1) وقد صرح بذلك الدكتور (ص: 579) عند شرحه لاسم «المنان» ! !

ص: 73

قلت: وكذلك أطلقوا على الأعمى بصيرا من هذا الباب، قال العلامة ابن منظور رحمه الله في «اللسان» (1/ 291):«وقوله عليه السلام: «اذهب بنا إلى فلان البصير» . وكان أعمى، قال أبو عبيد: يريد به المؤمن. قال ابن سيده: وعندي أنه عليه السلام إنما ذهب إلى التفؤُّل إلى لفظ البصر أحسن من لفظ العمى

» اهـ.

فهل نقول: إن «البصير» ليس من الأسماء الحسنى؛ لأنه قد يطلق على الأعمى؟ ! !

فتبين بذلك أن هذه الحجة التي أبداها الدكتور لنفي اسم «الطبيب» ليست بحجة، إنما هي شبهة، وقد أجبت عليها. ولله الحمد.

* * *

3 -

«المحيط» : ذهب الدكتور إلى أن المحيط ليس من الأسماء الحسنى؛ لأنه لم ينطبق عليه شرط الإطلاق، فقال:(ص: 69): «والمحيط ورد مقيدا في غير آية كقول الله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54]، هذا فضلا عن إفادة الباء لمعنى الحلول الظرفية، وهو أحد معانيها اللغوية، فيذكر الاسم على تقييده بمعنى الكمال فقط» اهـ.

وذهب إلى أن «المقيت والشهيد والحفيظ والرقيب والحسيب» من الأسماء الحسنى؛ لأنها تنطبق عليها شرط الإطلاق مع أنها وردت مقيدة، فقال:(ص: 66): «ويدخل في معنى الإطلاق اقتران الاسم بالعلو المطلق؛ لأن معاني العلو جميعها سواء علو الشأن أو علو القهر أو علو

ص: 74

الذات والفوقية هي في حد ذاتها إطلاق؛ فالعلو يزيد الإطلاق كمالا على كمال، وجلالا فوق الجلال

ومن ثم فإن كل اسم اقترن بمعاني العلو أو الفوقية فهو مطلق في الدلالة على الحسن والكمال يفيد المدح والثناء على الله بنفسه، كقوله تعالى في اسمه المقيت:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85]، وقوله عز وجل في اسمه الشهيد:{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سبأ: 47]، وكذلك اسم الله الحفيظ في قوله تعالى:{وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ: 21]، والرقيب في قوله سبحانه:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52]، والحسيب أيضا في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86]

» اهـ.

قلت:

وهذه القاعدة التي جعل بها الدكتور هذه الأسماء من الأسماء التي ينطبق عليها شرط الإطلاق، لا أدري من أين أتى بها! وعلى كل حال، فلقائل أن يقول: يمكننا أن نأتي بقاعدة تشبه تلك التي أتى بها الدكتور لنجعل اسم «المحيط» ينطبق عليه شرط الإطلاق. فنقول:

ويدخل في معنى الإطلاق اقتران الاسم بالقدرة المطلقة والعلم المطلق؛ لأن معاني القدرة والعلم هي في حد ذاتها إطلاق، فالقدرة والعلم يزيدان الإطلاق كمالا على كمال، وجلالا فوق الجلال. ومن ثم؛ فإن كل اسم اقترن بمعاني القدرة والعلم فهو مطلق في الدلالة على الحسن والكمال يفيد المدح والثناء على الله بنفسه. واسم «المحيط» أتى مقرونا بمعاني القدرة والعلم، قال الإمام الطبري في «تفسيره» (25/ 6): «وقوله: {أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54] يقول تعالى ذكره: ألا

ص: 75

إن الله بكل شيء مما خلق محيط علما بجميعه وقدرة عليه، لا يعزب عنه علم شيء منه أراده فيفوته، ولكنه المقتدر عليه العالم بمكانه» اهـ.

وعليه فيكون «المحيط» اسما من أسماء الله تعالى. أقول هذا على وجه الإلزام. وإذا أمعن الإنسان النظر في الشروط التي استخرجها الدكتور يمكنه أن يجد أسماء أخرى تنطبق عليها هذه الشروط. والله أعلم.

* * *

ص: 76