المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرد على الدكتورفي ادعائه الإحاطة بالسنة النبوية - الانتصار للسلف الأخيار

[محمد محب الدين أبو زيد]

الفصل: ‌الرد على الدكتورفي ادعائه الإحاطة بالسنة النبوية

‌الرد على الدكتور

في ادعائه الإحاطة بالسنة النبوية

قال الدكتور: (ص: 19): «إن من دوافع البحث الرئيسية أن باب الأسماء الحسنى يفتقر إلى دراسة علمية استقصائية حصرية تشمل كل ما ورد في الأصول القرآنية والنبوية ..... ولما يسر الله عز وجل الأسباب في هذا العصر وأصبح ذلك أمرًا ممكنًا بعد أن ظهرت تقنية البحث الحاسوبية، وقدرة الحاسوب على قراءة ملايين الصفحات في لحظات معدودات أقدمت على البحث وأنا لا أتوقع ما توصلت إليه من نتائج» (1).

قلت:

فهنا يزعم الدكتور أنه باستخدام تقنية البحث الحاسوبية أصبح قادرًا على عمل دراسة علمية استقصائية حصرية تشمل كل ما ورد في الكتاب والسنة.

وهذا كلام غير صحيح؛ إذ إنه لا يستطيع أحد مهما أوتي من علم أن يحيط بكل ما ورد في السنة النبوية.

(1) وقال أيضًا في أحد البرامج: «الكمبيوتر يقرأ السنة كلها في دقيقة أو دقيقتين» اهـ.

وهذا الكلام مسجل عندي بصوته وصورته. يغفر الله لي وله.

ص: 29

قال الإمام الشافعي رحمه الله:

«من قال: إن السنة كلها اجتمعت عند رجل واحد. فسق، ومن قال إن شيئا منها فات الأمة. فسق» اهـ (1).

وقال أيضا في «الرسالة» (ص: 42 - 43):

«لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه منها موجودا عند غيره» اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر في «التمهيد» (8/ 68 - 69):

«أخبار الآحاد عند العلماء من علم الخاصة، لا ينكر على أحد جهل بعضها، والإحاطة بها ممتنعة، وما أعلم أحدا من أئمة الأمصار مع بحثهم وجمعهم إلا وقد فاته شيء من السنن المروية من طريق الآحاد، وحسبك بعمر بن الخطاب فقد فاته من هذا الضرب أحاديث فيها سنن ذوات عدد من رواية مالك في «الموطأ» ومن رواية غيره أيضًا، وليس ذلك بضار له، ولا ناقص من منزلته، وكذلك سائر الأئمة لا يقدح في أمانتهم ما فاتهم من إحصاء السنن؛ إذ ذاك يسير في جنب كثير، ولو لم يجز للعالم أن يفتي ولا أن يتكلم في العلم حتى يحيط بجميع السنن ما جاز ذلك لأحد أبدًا

» اهـ.

(1)«توضيح الأفكار» للصنعاني (1/ 55).

ص: 30

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (20/ 233):

«إن الإحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الأمة ..... وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يمكن ادعاؤه قط

» اهـ.

وقال أيضا (20/ 238 - 239) بعد أن ذكر آثارا كثيرة تدل على خفاء بعض السنة على أكابر الصحابة:

(فهؤلاء كانوا أعلم الأئمة وأفقهها وأتقاها وأفضلها، فمن بعدهم أنقص، فخفاء بعض السنة عليه أولى، فلا يحتاج إلى بيان. فمن اعتقد أن كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأمة أو إمامًا معينًا فهو مخطئ خطأ فاحشًا قبيحًا).

ولا يقولن قائل: الأحاديث قد دونت وجمعت، فخفؤها والحال هذه بعيد؛ لأن هذه الداويين المشهورة في السنن إنما جمعت بعض إنقراض الأئمة المتبوعين. ومع هذا فلا يجوز أن يُدعَى انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في دواوين معينة، ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم، ولا يكاد ذلك يحصل لأحد، بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط بما فيها، بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير؛ لأن كثيرا مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول أو بإسناد منقطع، أو لا يبلغنا بالكلية، فكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين. وهذا أمر لا يشك فيه من علم القضية» اهـ.

ص: 31

قلت: يتبين من كلام هؤلاء الأئمة رحمهم الله: أنه لا يمكن لأحد أن يحيط علما بكل نصوص السنة النبوية مهما بلغت درجته في العلم والحفظ (1)، واعتبر ذلك بالإمام أحمد رحمه الله فإنه مع عظيم علمه وحفظه لما يقرب من «مليون» حديث - كما ذكرت آنفا - قد خفيت عليه أشياء من السنة.

قال الإمام ابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص: 461):

«وقد روينا عن الإمام أحمد بن حنبل - مع كونه طاف الشرق والغرب في طلب الحديث - أنه قال لابنه: ما كتبتَ عن فلان؟ فذكر له أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخرج يوم العيد من طريق ويرجع من أخرى.

فقال الإمام أحمد بن حنبل: إنا لله، سنة من سنن رسول الله لم تبلغني.

وهذا قوله مع إكثاره وجمعه» اهـ.

فإن ادعى الدكتور أنه توفر لديه «موسوعات إلكترونية» ولم يتوفر ذلك لأئمة المسلمين المتقدمين فإحاطته بالسنة أوسع من إحاطتهم! !

قلت:

إن الموسوعات الإلكترونية التي اعتمد عليها الدكتور تحتوي على عشرات الآلاف من الأحاديث، كما ذكر ذلك الدكتور نفسه (ص: 14) ونقلته فيما سبق. والأئمة كانو يحفظون أضعاف أضعاف هذا العدد، فإحاطتهم بالسنة أوسع من إحاطة الدكتور بلا شك.

(1) إنَّ أخشى ما أخشاه أن يقول الدكتور أو أحد أتباعه: إن هؤلاء الأئمة قد قالوا هذا الكلام؛ لأنه لم يكن عندهم «كمبيوتر» ! !

ص: 32

كذلك فأنه يوجد عدد كبير من الكتب المخطوطة لم يطبع بعد، ولا توجد بالتأكيد على الموسوعات الإلكترونية، ولو قال قائل: إن عدد الكتب المخطوطة التي لم تطبع بعد أكثر من عدد الكتب المطبوعة. لما بعد عن الصواب إن شاء الله، ومن اطلع على فهارس المخطوطات علم ذلك.

ومن هذه الكتب المخطوطة كتاب في شرح الأسماء الحسنى، يعتمد عليه كثير من العلماء مثل: القرطبي والمناوي وغيرهما، وهو كتاب:«الإنباء في شرح الصفات والأسماء» للإمام الإقليشي (1). ومع أهمية هذا الكتاب؛ فإن الدكتور لم يطلع عليه، مع أنه أصل في الموضوع الذي يبحثه الدكتور، وقد ادعى استقصاء جميع الكتب فيه (2)! !

• كذلك فإن كثيرًا من كتب المسلمين قد فقدت على مر الزمان، بسبب عوادي الحروب والأيام وتفريط المسلمين وغفلتهم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن كمية الكتب المفقودة تساوي أضعاف كمية الكتب الموجودة (3). هذه الكتب لم يصلنا عنها سوى أسمائها، اطلع عليها كثير من علماء المسلمين المتقدمين، ولم نطلع عليها نحن ولم يطلع عليها الدكتور كذلك.

(1) وعندي نسخة مصورة عن أصلها المخطوط في المكتبة الأزهرية.

(2)

كذلك فإنه يوجد عدد كبير من الكتب المطبوعة لا يوجد على الموسوعات الإلكترونية كما هو معلوم لدى الباحثين.

(3)

انظر «القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب والأجزاء التراثية» للدكتور حكمت ياسين (ص: 11 - 12).

ص: 33

قال العلامة الدكتور محمود الطناحي في «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي» (ص: 22):

«في مصنفات السيوطي، وفي مقدمة «الخزانة» و «التاج» ، وفي أثنائهما كتب كثيرة لا نعرف لها وجودا الآن. ولا زالت الأيام تظهرنا على مخطوطات نفيسة كنا نعدها من المفقودات وكم في الزوايا من خبايا» اهـ.

وهذه قائمة ببعض هذه الكتب المفقودة:

1 -

السنن للأوزاعي.

2 - سنن أبي الحسن المصري.

3 -

سنن الوليد بن مسلم.

4 - سنن ابن عدي.

5 -

سنن علي بن المديني.

6 - السنن لإسماعيل القاضي.

7 -

السنة: لابن أبي حاتم. 8 - السنة: لأبي بكر الأثرم.

9 -

السنة: لأبي الشيخ.

10 - السنة: للعسال.

11 -

السنة: للطبراني.

12 - السنة: لمحمد بن السري.

13 -

السنة: للسجزي.

14 - مسند ابن منيع.

15 -

مسند بقي بن مخلد.

16 - مسند الحسن بن سفيان.

17 -

مسند عثمان الدارمي. 18 - مسند ابن زيدان البجلي.

19 -

مسند قاسم بن أصبغ. 20 - مسند ابن سنجر الجرجاني.

21 -

مسند مسدد بن مسرهد. 22 - مسند ابن المقرئ.

23 -

مسند يحيى الحماني.

24 - مسند ابن أبي عمر العدني (1).

ص: 34

هذه أمثلة لبعض الكتب المفقودة، وقد سبق أن ذكرت أن عدد الكتب المفقودة أكثر بكثير من الكتب المطبوعة والمخطوطة، ومن هذا تعلم أن دعوى الدكتور إحاطته بالسنة النبوية دعوى مرفوضة تماما.

والدعاوى ما لم تقيموا عليها .... بينات أبناؤها أدعياء

ولقد أحصى أحد المستشرقين في كتابه «خزائن الكتب العربية في الخافقين» (1/ 97) عدد الكتب في مكتبات البلدان العربية فبلغ نحو ثلاثة ملايين مجلد ما بين مخطوط ومطبوع.

فإذا أضفنا إلى ذلك عدد الكتب المفقودة، تضاعف هذا العدد أضعافا كثيرة. وإذا سلمنا أن الدكتور اطلع على 50 ألف مجلد -كما يدعي (1) - فماذا يساوي ذلك بجانب هذه الملايين من المجلدات؟ !

ولا شك أنه يوجد في هذه الكتب كثير من الأحاديث التي لم يطلع عليها الدكتور، فكيف يدعي أنه أحاط علما بالسنة؟ !

والواقع أنه لم يحط علما إلا بجزء يسير من السنة النبوية، ولكن غره الحاسب الآلي وما عليه من موسوعات إلكترونية! !

علمت شيئا وغابت عنك أشياء ..... فانظر وحقق فما للعلم إحصاء

للعلم قسمان ما تدري وقولك لا

أدري ومن يدعي الإحصاء هَذَّاء

* * *

(1) ادعى ذلك الدكتور في لقاء معه في إحدى القنوات الفضائية. وهو مسجل عندي بصوته وصورته.

ص: 35