المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عدد الأسماء الحسنىالثابتة في الكتاب والسنة - الانتصار للسلف الأخيار

[محمد محب الدين أبو زيد]

الفصل: ‌عدد الأسماء الحسنىالثابتة في الكتاب والسنة

‌عدد الأسماء الحسنى

الثابتة في الكتاب والسنة

قال الدكتور (ص: 20): «

لكن النتيجة التي أسفر عنها البحث يتصاغر بجانبها كل جهد، فقد ظهرت مفاجأة لم تكن في الحسبان، تلك المفاجأة تتمثل في أن ما تعرف الله به إلى عباده من أسمائه الحسنى التي وردت في كتابه وفي سنة رسوله تسعة وتسعون اسما وردت بنصها، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إجمالا إلى العدد المذكور في الحديث المتفق عليه، وذلك عند تمييزها عن الأوصاف، وإخراج ما قيد منها بالإضافة أو بموضع الكمال عند انقسام المعنى المجرد وتطرق الاحتمال

» اهـ (1).

أقول:

هذا كلام عجيب! كيف جوز الدكتور لنفسه أن يجزم بأن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة تسعة وتسعون اسما فقط؟ ! وما دليله على ذلك؟ هل النتيجة التي توصل إليها بواسطة «الكمبيوتر» تعد دليلا؟ ! لابد إذًا من دليل صريح من الكتاب أو السنة في أن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة تسعة وتسعون اسما فقط. {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].

والحديث المشهور الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعسة وتسعين

(1) وقال الدكتور مثل ذلك أيضًا (ص: 33، 712).

ص: 36

اسما من أحصاها دخل الجنة». قد شرحه العلماء بما يدل على أن مِن أسماء الله الحسنى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، وليس فيه حصر للأسماء الحسنى في هذا العدد، وليس فيه أيضا حصر للأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة في هذا العدد. وعامة أهل العلم على أن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين اسمًا.

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (22/ 482) في معرض رده على من زعم أنه لا يجوز الدعاء إلا بالتسعة والتسعين اسما:

«

وهذا القائل الذي حصر أسماء الله في تسعة وتسعين لم يمكنه استخراجها من القرآن، وإذا لم يقم على تعيينها دليل يجب القول به لم يمكن أن يقال: هي التي يجوز الدعاء بها دون غيرها؛ لأنه لا سبيل إلى تمييز المأمور من المحظور، فكل اسم يجهل حاله يمكن أن يكون من المأمور ويمكن أن يكون من المحظور، وإن قيل: لا تدعو إلا باسم له ذكر في الكتاب والسنة، قيل: هذا أكثر من تسعة وتسعين» اهـ.

قلت: فكلام شيخ الإسلام رحمه الله صريح في أن الأسماء المذكورة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين اسما.

وقال العلامة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد في «معجم المناهي اللفظية» (ص: 11):

«باب الأسماء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللقرآن العظيم توقيفية لا تكون إلا بنص، وقد جاء في القرآن نحو مائة اسم لله تعالى» اهـ.

قلت: وفي السنة أسماء أخر فيكون العدد أكثر من تسعة وتسعين كما هو ظاهر.

ص: 37

• ومما يدل على أن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين أن العلماء ذكروا أن الحكمة في عدم تعيين النبي صلى الله عليه وسلم للأسماء التسعة والتسعين أن يجتهد الإنسان ويدعوا بجميع الأسماء الحسنى التي استطاع أن يقف عليها من الكتاب والسنة، فيصيب العدد الموعود به فيها، وهذا ذهاب منهم إلى أن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين (1).

كذلك فإن بعض العلماء قد ذهبوا إلى أن التسعة والتسعين اسما إنما تستخرج من القرآن فقط دون السنة، وهذا يدل على أنهم يذهبون إلى أن في السنة أسماء أخرى، وأن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين كما هو ظاهر. ومن هؤلاء العلماء: سفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل (2)، والحافظ ابن حجر (3) وغيرهم.

ومن العلماء من ذهب إلى أن المراد بالعدد المذكور هو إحصاء تسعة وتسعين اسما من جملة أسمائه، فكل من حفظ هذا العدد من أسمائه استحق هذا الأجر، فهي تسعة وتسعون غير معينة ولا محددة (4). وهذا يدل على أن هؤلاء العلماء يذهبون إلى أن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين.

(1) انظر (ص: 43) من هذه الرسالة.

(2)

كما في «مجموع الفتاوى» (6/ 380).

(3)

كما في «الفتح» (11/ 222)، و «التلخيص الحبير» (4/ 339).

(4)

انظر «أسماء الله وصفاته» للدكتور عُمَر سليمان الأشقر (ص: 47).

ص: 38

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (6/ 380):

«الذين جمعوا الأسماء الحسنى اعتقدوا هم وغيرهم أن الأسماء الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة ليست شيئًا معينا، بل من أحصى تسعة وتسعين اسما من أسماء الله دخل الجنة. أو أنها وإن كانت معينة فالاسمان اللذان يتفق معناهما يقوم أحدهما مقام صاحبه، كالأحد والواحد، والمعطي والمغني» اهـ بتصرف.

ومن ذلك يتضح أن أكثر أهل العلم يقولون بأن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين اسما، والدكتور لم يذكر دليلا على ما ذهب إليه، ولا ذكر عالما قال بقوله! وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:«إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام» اهـ.

وقد بينت فيما سبق أن الدكتور لم يحط علما بالسنة كلها فقد يطلع غيره على أحاديث لم يطلع عليها هو، ويثبت بها أسماء لله عز وجلن فيصبح أكثر من تسعة وتسعين. هذا أمر لا مفر منه.

ولا أظن الدكتور سيصر على ادعاء الإحاطة بالسنة النبوية بعد ما ذكرنا كلام الإمام الشافعي رحمه الله في تفسيق من ادعى ذلك. والله الموفق.

* * *

ص: 39