المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب السلم - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٤

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌ باب السلم

وإذا كان في يده سيارة أو بيت أو دكان أو مزرعة: فهذه الأمور كلها الأمر فيها واضح. أنها تبع أو ملك للبائع لكن لما وجد بعض الإشكال في اللباس نص عليه المؤلف رحمه الله بياناً وإيضاحاً.

وبهذا انتهى ولله الحمد هذا الباب: باب بيع الأصول والثمار. وندخل في الباب الذي يليه وهو‌

‌ باب السلم

.

باب السلم

- قال رحمه الله:

- باب السلم.

السلم والسلف في لغة العرب واحد. إلا أن السلم لغة أهل الحجاز. والسلف لغة أهل العراق. السلم هي لغة النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار أنه من أهل الحجاز.

وسمي السلم سلماً لتسليم رب المال المال في مجلس العقد. وسمي السلف سلفاً. لتقديم رأس المال في مجلس العقد.

هذا ما يتعلق بمعنى السلف والسلم لغة. وأما اصطلاحاً:

- فقال المؤلف رحمه الله:

- وهو: عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد.

ذكر الحنابلة تعريفات كثيرة للسلم. اختار منها صاحب كتاب المطلع على أبواب المقنع هذا التعريف الذي ذكره المؤلف رحمه الله واختار هذا التعريف من الحنابلة المرداوي ثم جاء المؤلف رحمه الله واختار ما اختاره المرداوي وتكرر معنا أن الشيخ رحمه الله يميل في كثير من الأحيان إلى التعريفات التي يميل إليها المرداوي وهو والمرداوي وصاحب المطلع أصابوا في اختيار هذا التعريف فإن هذا التعريف من أوضح وأسلم التعريفات وأبسطها في الدلالة على معنى السلم.

- يقول رحمه الله:

- وهو عقد على موصوف في الذمة.

قوله: (وهو عقد). السلم عقد مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. فقوله: (وهو عقد) دل على أنه من العقود. وهو من العقود المشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.

- أما الكتاب: فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه

} [البقرة/282] ودين السلم من جملة الديون الداخلة في مفهوم الآية.

ص: 43

- وأما السنة: فأحاديث كثيرة: - من أصحها حديث ابن عباس وهو عمدة الباب وسيأتينا ويعول عليه في كثير من الفروع في السلم وهو قوله رضي الله عنه: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة والناتس يسلفون فيها في الثمار السنتين والثلاث) وفي لفظ: (السنة والسنتين). لكن لفظ السنتين والثلاث هو الذي في البخاري - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (منن أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.

هذا الحديث عمدة وأصل في هذا الباب كما سيأتينا الاستشهاد والاستدلال بألفظه مراراً وتكراراً.

وأجمعت الأمة في الجملة على مشروعية السلم.

- قال رحمه الله:

- وهو عقد على موصوف في الذمة.

خرج بذلك: المعين. فإن المعين لا يعقد عليه في عقد السلم وإنما يعقد عليه في عقد البيع.

وقوله: (على موصوف في الذمة). الذمة هي: وصف يصير به المكلف أهلاً للإلزام والالتزام.

فالذمة لا تكون إلا لمن يعقل وهو مكلف. فالمسجد لا ذمة له: فهو لا يبيع ولا يشتري ولا يقترض ولا يرهن ولا يفعل ما يفعله المكلفون.

فإذاً الذمة هي هذا الوصف الذي من اتصف به من المكلفين أصبح أهلاً أن يلتزم وأن يلزم.

فخرج به: الصبي والمجنون وكل من لم يكلف.

- قال رحمه الله:

- مؤجل.

خرج بقوله: (مؤجل) الحال.

وقوله: (عقد على موصوف في الذمة) لا تغني عن قوله: (حال). كما قد يتبادر إلى ذهن بعض من يقرأ الكتاب. فقد يكون الشيء موصوف في الذمة. وهو ليس مؤجلاً بل حال. فإذاً السلم لابد أن يكون مؤجلاً.

وهذا القيد سيذكره المؤلف رحمه الله في الشروط بالتفصيل وهو محل عناية من الفقهاء لكن الذي يعنينا الآن أن كلمة مؤجل تخرج الحال.

- ثم قال رحمه الله:

- بثمن مقبوض بمجلس العقد.

لابد في السلم أن يكون مقبوضاً في مجلس العقد. وسيأتينا تفصيل هذا الشرط. والذي يعنينا هنا أن بعض الفقهاء قالوا أن هذه الجملة إدخالها في التعريف خطأ.

والسبب: أن هذا الحكم من شروط السلم وليس من حقيقته.

ومن العلماء الذين رجحوا أن إدخال هذه الجملة في التعريف خطأ: ابن حجر العسقلاني رحمه الله فهو يرى أيضاً أن هذا من الشروط ولا يدخل في حقيقة السلم.

ص: 44

ومع ذلك مهما يكن من أمر أقول: أن وجود هذا القيد مفيد للغاية لأنه وإن لم يكن من حقيقة السلم إلا أنه يبين السلم على الوجه الأكمل.

والمقصود من التعريف هو أن يعرف الإنسان الشيء المعرف على وجحه يتضح به المراد. وإلا فإن حقيقة السلم هي: عقد على موصوف في الذمة مؤجل. وأما تسليم رأس المال في المجلس فهو من الشروط.

لكن كما قلت لك أن وجود هذا القيد مما يتمم من معرفة السلم.

صورة السلم المبسطة قبل أن ندخل في الأحكام:

* * صورة السلم: أن يقول شخص لآخر: خذ مائة ريال الآن على أن تعطيني مائة صاع من القمح بعد سنة.

فقوله: (عقد على موصوف في الذمة). الموصوف في الذمة في المثال هو: مائة صاع من القمح. (بثمن مقبوض في مجلس العقد) الثمن في المثال هو المائة ريال.

هذه هي صورة السلم العامة وهناك بعض التفصيلات ستأتي أثناء مدارسة مسائل هذا الباب.

وعقد السلم بالنسبة للمعاملات المعاصرة مهم جداً هو وعقد القرض والشركة وبعض الأبواب التي ستأتينا بعد هذا الباب لكثرة الحاجة إليها من جهة ولكثرة التخريج عليها من جهة أخرى.

فكثير من العقود المعاصرة تخرج على عقد السلم. فمن المهم لطالب العلم أن يفهم باستيعاب باب السلم.

- ثم قال رحمه الله:

- ويصح: بألفاظ البيع.

يعني: أنه لو عقد السلم بلفظ البيغ لصح.

تعليل ذلك:

- أن السلم نوع من البيوع والفرق بينه وبين البيع هو فقط في أنه جاز فيه بمقتضى السنة بيع المعدوم.

وإلا فهو والبيع شيء واحد فهو نوع من البيوع لكنه نوع خاص بشروط خاصة.

- ثم قال رحمه الله:

- والسلم والسلف.

يعني: ويجوز أن يعقد هذا العقد بلفظ السلم أو بلفظ السلف وهذا صحيح لأن السلم والسلف هما تقديم رأس المال وتأخير العوض وهذا حقيقة السلم لأن السلم والسلفهو ما ذكرت لك من تقديم رأس المال وتأخير العوض وهذا حقيقة السلم.

فإذاً يجوز أن نعقد هذا العقد بلفظ البيع أو السلم أو السلف.

وهذه المسألة الحاجة إليها يسيرة لأنه تقدم معنا أن العقود يجوز أن تعقد بأي لفظ يدل عليها.

ثم شرع المؤلف رحمه الله بالشروط:

- فقال رحمه الله:

- بشروط سبعة.

ص: 45

ـ قوله: (بشروط سبعة) يعني: مضافة إلى شروط البيع السابقة فيجب أن تتحقق في السلم الشروط العامة في البيع وهذه الشروط الخاصة.

وسيمر بك أن بعض هذه الشروط الخاصة تتوافق مع الشروط العامة في المعنى العام. مثل: شرط العلم بالمسلم فيه هذا يتوافق مع شرط العلم بالمبيع لكنه نص عليه هنا لأن فيه مزيد تفصيل ولأن معرفة السلعة في السلم تختلف عن معرفة السلعة في البيع الحاضر في البيع المعين.

بدأ المؤلف رحمه الله بأهم الشروط:

- فقال رحمه الله:

- أحدها: انضباط صفاته بمكيل وموزون ومذروع.

في الحقيقة سيتبين لك من خلال هذا الشرط ما هي الأعيان التي يجوز السلم فيها وما هي الأعيان التي لا يجوز السلم فيها وهو مبحث مهم جداً.

- يقول المؤلف رحمه الله:

- انضباط صفاته.

المقصود بقوله: (صفاته) كل الصفات التي يختلف فيها الثمن اختلافاً ظاهراً.

وانضباط الصفات في المبيع في السلم محل اتفاق لحديث ابن عباس السابق وهو نص بقوله: (في كيل معلوم ووزن معلوم).

ولأنه لو لم تضبط الصفات التي يختلف فيها الثمن لأدى هذا الاختلاف إلى التنازع عند تسليم المبيع.

وعلم من قول المؤلف رحمه الله أنه لابد أن تعرف الصفات التي يختلف فيها الثمن اختلافاً ظاهراً أنه لا يجب أن تعرف الصفات التي لا تؤثر على الثمن أو تؤثر فيه لكن تأثيراً يسيراً.

فهذه لا يجب أن تذكر في العقد لأن الإلزام بها فيه مشقة وعنت ولأنه ليس لها أثر على الثمن إلا أثر يسير وهو معفو عنه في العقود.

مثاله: لو قال: أسلمت إليك مائة ريال على أن تعطيني مائة صاع من التمر الأحمر.

فالتمر الأحمر الآن يأتي على درجات يعني: درجات في الحمرة وهي تختلف فبيان درجات الحمرة ليس بواجب لأن هذا لا يؤثر تأثيراً ظاهراً على الثمن.

أما في القديم فليس له أي أثر حسب ما فهمت من كبار السن أن لون التمرة ودرجة الحمرة والصفرة فيها ليس له أي أثر على قيمة التمر.

أما اليوم - فدرجة الصفرة والحمرة هل لها أثر على ثمن التمر؟ أو ليس لها أثر؟

ص: 46

- لها أثر كبير جداً لا سيما في بعض الأنواع. فإذاً هذا المثال إنما هو في التمر الذي ليس لدرجة الحمرة أثر على الثمن. أما في الأنواع التي له أثر على الثمن فلابد أن يبين.

الخلاصة: أن كل صفة لها تأثير بالغ في الثمن يجب أن تذكر.

- ثم قال رحمه الله:

- انضباط صفاته بمكيل.

المكيل: كالحبوب والثمار والمائعات.

قوله هنا: (انضباط صفاته بمكيل) تجوز في العبارة - بدل أن نقول خطأ - وصحة العبارة أن يقول: (انضباط صفاته كالمكيل) لأن انضباط الصفات لا يكون بالكيل وإنما يكون بذكر صفات إضافية.

فإذا قال أسلمت إليك في خمسين صاع من التمر. هل انضبط التمر الآن؟ مع موجود الكيل - هل انضبط؟ أو لا بد من ذكر صفات هذا التمر؟ لابد من ذكر صفات هذا التمر.

فقول المؤلف رحمه الله هنا: (بمكيل) عرفنا أن الأسلم فيها: (كمكيل).فالمكيلات من الأعيان التي تنضبط في الصفات.

- ثم قال رحمه الله:

- وموزون.

الموزون كالحرير والصوف.

ومن المعادن كالنحاس والذهب والفضة.

فكل هذه الأشياء من الموزونات وهي تنضبط بالصفة.

إجراء عقد السلم في المكيلات والموزونات: محل جواز باتفاق أهل العلم.

لأنها تنضبط بالصفات فلا إشكال في أن ن ( .... )(((لم تتبين لي)))

المكيلات والموزونات.

- قال رحمه الله:

- ومذروع.

المذروع: كالثياب والخيوط.

فهذه يجوز السلم فيها لأنها تنضبط بالصفات.

والمذروعات حكي فيها الإجماع أنه يجوز فيها السلم فقالوا المكيل والموزون والمذروع.

لكن الصواب أن المكيل والموزون هو الذي محل إجماع.

والمذروع يعني: اتفاق من الجماهير وخالف فيه بعض الفقهاء ولكن الصواب أنه ينضبط بالصفة.

بعد أن ذكر رحمه الله الأشياء التي يجوز فيها السلم انتقل إلى الأشياء التي لا يجوز فيها السلم عند الحنابلة:

- فقال رحمه الله:

- وأما المعدود المختلف كالفواكه ..

المعدودات تنقسم إلى قسمين:

- القسم الأول: ما لا تختلف آحاده اختلافاً ظاهراً. كالبيض والجوز. فهذه الأشياء من المعدودات لكن آحادها لا تختلف اختلافاً بيناً. فهذا ذهب الجماهير - وحكي إجماعاً - حكاه بعض الفقهاء إجماعاً - جواز السلم فيها.

ص: 47

- القسم الثاني: من المعدودات: ما تختلف آحادها اختلافاً ظاهراً مؤثراً في السعر.

وهذا القسم - الثاني - هو الذي ذكر المؤلف رحمه الله أمثلته:

- فقال رحمه الله:

- كالفواكه والبقول.

(الفواكه). كالرمان والخوخ والبرتقال والتفاح.

(والبقول). البقول: كالبصل والثوم وكل نبات ليس له ساق.

الفواكه والبقول: لا يجوز السلم فيها عند الحنابلة أنها من المعدودات التي تختلف آحادها اختلافاً ظاهراً مؤثراً في السعر. وهذا الاختلاف يمنع انضباط الصفات. فإذا أسلمت في برتقال. فالبرتقال منه الكبير ومنه الصغير وتختلف صفاته بما يمنع من السلم.

إذاً نحن الآن نتكلم عن المعدودات التي تتفاوت وإنما الفواكه والبقول أمثلة. وعرفنا الآن قول الحنابلة ودليلهم.

= القول الثاني: جواز السلم في المعدودات.

واستدل هؤلاء:

- بأنه يمكن أن تضبط صفتها بأحد أمرين: - الأمر الأول: تحديد الحجم: صغراً وكبراً. - أن تربط بالوزن. فإذا ربطت بالوزن أمكن أن تضبط الصفة.

وهي الآن في وقتنا هذا لا تباع إلا وزناً.

وهذا القول الثاني عليه العمل وهو إن شاء الله الأقرب لمقاصد الشرع.

وكما أن الإنسان يسلم في التمر بالإجماع مع أن التمر منه الكبير والصغير والحلو وما دون ذلك وتختلف صفاته بعض الاختلاف إلا أنه مع ذلك جاز فيه السلم فكذلك في الفواكه ولا فرق بأن تضبط بصفات معينة من حيث الحجم أو من حيث الحجم أو من حيث التنظير.

ما معنى التنظير؟

أن يقول له: في مثل هذه ويشير إلى فاكهة منظورة موجودة فيقول أسلمت إليك في مثل هذه.

فكل هذه الطرق الثلاث يمكن بها ضبط الصفات.

- ثم قال رحمه الله:

- والجلود والرؤوس.

الجلود والرؤوس لا يصح السلم فيها.

- أما الجلود فلأنها تختلف اختلافاً كثيراً متفاوتاً يؤثر على السعر بما لا يمكن ضبط صفته.

- وأما الرؤوس فلأن غالبها من العظام واللحم فيها قليل. ولأنها لا تباع وزناً.

= القول الثاني: جواز السلم في الرؤوس والجلود.

واستدل القائلون بالجواز:

- على أن الرأس يجوز السلم فيه: أن الرأس عبارة عن لحم وعظم. يجوز بيعه فيجوز السلم فيه كالسلم في اللحم مع العظم.

ص: 48

والذي يظهر لي في مسألة الرؤوس أن مذهب الحنابلة أقرب لأن اللحم مع العظم يمكن ضبطه بالوزن ويعرف عادة ويقدر من قبل أهل المعرفة. أما اللحم الذي في الرأس فهو يتفاوت تفاوتاً كثيراً ويتنوع وضبطه في الحقيقة فيه صعوبة بخلاف ضبط اللحم مع العظم فيه سهولة يمكن ضبطه بالوزن. لكن الرأس لا يوزن ولا يعرف مقدار الذي فيه بالوزن. فعلى كل حال الأقرب بالنسبة للرأس فيما يظهر لي الآن عدم جواز السلم فيه.

- ثم قال رحمه الله:

- والأواني المختلفة الرؤوس، والأوساط كالقماقم والأسطال الضيقة الرؤوس.

هذه الأشياء حكمها واحد: الأواني المختلفة الرؤوس، والقماقم والأسطال. هذه ثلاثة أواني لا يجوز السلم فيها.

تعليل الحنابلة: علل الحنابلة ذلك:

- بأنها تختلف اختلافاً ظاهراً في الحجم وفي جودة الاستعمال. بما لا يمكن ضبطه بالوصف.

وقوله: (القماقم) تطلق على أحد شيئين: - الشيء الأول: آنية خاصة يستخدمها أهل العطارة. - وتطلق أيضاً على آنية تستخدم في تسخين الماء. فتطلق على هذا وهذا.

= القول الثاني في هذه الأواني: جواز السلم فيها وذلك بأن تضبط بالوصف من حيث الحجم لأنها إنما تختلف من هذه الحيثية.

وهذا الخلاف لا يخفاكم أنه خلاف يتصور في القديم أما في وقتنا هذا فإنه لا ينبغي أن يكون هناك خلاف في جواز السلم في الأواني.

لماذا؟ لأنها أصبحت تصنع بدقة وبمواصفات ثابتة بما يستطيع معه الإنسان أن يحضر ما يريد من الأواني ويسلم فيها.

ففي وقتنا هذا لا إشكال أبداً في جواز السلم في الأواني لانضباطها ودقة التصنيع. نعم في القديم وربما لو رأى أحدكم الأواني القديمة للاحظ الاختلاف البين الذي بين الآنيتين وإن تشابهتا في الأداء والعمل. لكن في وقتنا هذا لا يتصور هذا الاختلاف.

- ثم قال رحمه الله:

- والجواهر.

الجواهر: كالدر والعقيق واللؤلؤ وكل ما يستخرج من البحار مما يطلق عليه أنه من الجواهر: فهذا لا يجوز السلم فيه لأنه يختلف في عدة نواحي: فيختلف أولاً: في الحجم وله دور كبير في الثمن. ويختلف في جودة الاستدارة وله أثر كبير في الثمن. ويختلف في جودة الإضاءة وله أثر كبير في الثمن.

لهذا كله رأى الحنابلة أنه لا يجوز السلم في الجواهر.

ص: 49

= والقول الثاني: جواز السلم فيها. وذلك بأن تضبط الصفات الثلاث فيذكر الحجم والاستدارة ولو على سبيل التقريب.

- ثم قال رحمه الله:

- والحامل من الحيوان.

الحوامل من الحيوان لا يجوز السلم فيها.

وفي الحقيقة المؤلف رحمه الله سيتكلم قريباً عن حكم السلم في الحيوان ولو أنه أخر الكلام عن الحيوان الحامل إلى حكم الحيوان لكان أنسب.

والذي جعله يقدم ذكر الحيوان الحامل أنه من قسم الممنوعات بينما الحيوان من الأقسام التي يجوز فيها السلم.

على كل حال: الحيوان الحامل عند الحنابلة لا يجوز السلم فيه وذلك لأن وصف الحيوان الحامل لا يمكن أن يتم على الوجه المطلوب إلا بوصف الحمل والحمل مجهول.

= القول الثاني: جواز السلم في الحيوان الحامل.

واستدلوا على هذا:

- بأن الحيوان الحامل جائز كما تقدم معنا في كتاب البيوع. والسلم نوع من البيوع كما أن الحمل الذي في البطن يثبت تبعاً ولا يثبت استقلالاً.

وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله. إلا في حالة واحدة إذا كان الحمل الذي في البطن مقصود. فإذا كان مقصوداً فالسلم فيه لا يجوز وهو محرم أنه مجهول وكثيراً لا سيما في وقتنا هذا وفي القديم ما يكون الحمل مقصود بأن يكون من فحل معين مقصود تمدح صفاته.

الخلاصة: أن الحيوان الحامل عند الحنابلة لا يجوز السلم فيه ويجوز على القول الصحيح إلا إذا كان الحمل مقصوداً. فإذا كان الحمل مقصوداً فإنه لا يجوز السلم فيه.

- ثم قال رحمه الله:

- وكل مغشوش.

لا يجوز السلم في المغشوشات. في أي سلعة كانت. من النقود أو من الأعيان.

والسبب أن الغش الذي في هذه السلعة يمنع من معرفة صفاتها المعرفة التامة. ومن شروط صحة السلم: معرفة صفة المسلم فيه.

نسينا أن نبين لكم في أول الباب مسميات ستتكرر معنا فنذكرها الآن:

- المسلم: هو المشتري. - والمسلم إليه: هو البائع. - والمسلم فيه: هي السلعة.

فرب المال هو: المسلم. ورب السلعة: المسلم إليه. والسلعة: هي المسلم فيها. إذاً هذه هي أركان السلم.

- ثم قال رحمه الله:

- وما يجمع أخلاطاً غير متميزة كالغالية والمعاجين.

ص: 50

ما يجمع أخلاطاً غير متميزة لا يجوز السلم فيه. ومثل المؤلف رحمه الله لهذا: بالغالية: وهي أخلاط من طيب.

والمعاجين: وهي ما يتداوى بها ويقصد المؤلف رحمه الله المركبات التي تركب من أكثر من عنصر سواء ليتداوي بها أو ليفعل بها أشياء أخرى.

هذه الأشياء التي اختلطت اختلاطاً غير متميز لا يجوز السلم فيها أنه لا يمكن وصف كل نوع من الأخلاط وصفاً دقيقاً لكونها اختلطت على وجه غير متميز وهذا صحيح.

الغالية مثلاً: لا يعرف إذا كانت قد أعدت من خمسة أنواع من الطيب لا يمكن أن نعرف صفات كل واحدة من هذه الأنواع بعد الخلط أنها اختلطت اختلاطاً غير متميز.

فإن افترضنا وجود آلة تستطيع أن تميز بدقة نسبة ونوع وصفة الأخلاط الغير متميزة فحينئذ جاز السلم.

وهذا قد يتصور في وقتنا المعاصر مع وجود الآلات الحديثة. أما في القديم فلا يتصور.

- قال رحمه الله

- فلا يصح السلم فيه.

راجع إلا جميع المذكورات بعد قول المؤلف رحمه الله: (وأما المعدود المختلف).

ثم بدأ المؤلف رحمه الله فيما يصح السلم فيه. وقبل أن ندخل فيما يصح السلم فيه: تبين معنا مما سبق أن القاعدة العامة للسلم أن كا ما يمكن أن يضبط بالصفة يجوز أن يسلم فيه.

وهذه القاعدة قاعدة متقنة جداً وسهل بها الفقهاء أحكام المسلم فيه من حيث ما يجوز وما لا يجوز أن يسلم فيه الإنسان. فكل ما يمكن أن يضبط في الصفة يجوز فيه السلم.

وهذه القاعدة توفر على طالب العلم جهداً كثيراً في تعداد ما يجوز السلم فيه وما لا يجوز.

ومع ذلك لما انتهى المؤلف رحمه الله من ما لا يجوز انتقل إلى ما يجوز.

- فقال رحمه الله:

- ويصح: في الحيوان.

الحيوان: اختلف فيه السلف والخلف والصحابة وكثير من الفقهاء في جواز السلم فيه أو عدمه.

= فالحنابلة يرون جواز السلم فيه. ومنهم الإمام أحمد. وهو من أئمة العلماء.

استدل الحنابلة على ذلك:

- بأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً ورد رباعياً.

ففي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم اقترض حيواناً.

- الدليل الثاني: أنه يمكن ضبط الحيوان باصفات التي يختلف فيها الثمن.)) الأذان ((.

ص: 51

= القول الثاني: في هذه المسألة: أن السلم في الحيوان لا يجوز.

واستدل هؤلاء بدليلين:

- الأول: أنه روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كره السلم في الحيوان.

- الثاني: أن ضبط وصف الحيوان متعذر أو صعب. لأنه إما أن تبالغ في اوصف وتستطرد في الوصف لينضبط وحينئذ يتعذر وجود الحيوان.

أو تقتصر على قدر معين من الوصف وحينئذ لا يكفي في الانضباط.

فإذا قلت: أنا أريد جمل صفته أن طول الرقبة كذا وشكل الظهر كذا والوجه كذا والقوائم كذا، يعني: استقصى الإنسان في الوصف فحينئذ إذا جاء وحل وقت السلم قد لا تجد بعيراً بهذا الوصف الدقيق ويتعذر إيجاده. وإن تذكر الأوصاف لم ينضبط بالوصف.

الراجح: ذكرت لكم مراراً وتكراراً أن أي مسألة يختلف فيها الصحابة فهي مسألة فيها صعوبة وإشكال - دائماً وأبداً قاعدة - فإن الصحابة رضي الله عنهم مع ما رزقهم الله من الفقه والفهم لا يختلفون إلا في مسأة فيها إشكال.

مع ذلك الأقرب والله أعلم جواز السلم في الحيوان. واختار هذا القول من المحققين ابن المنذر رحمه الله.

فإن قلت: لماذا لم يأخذ الإمام أحمد رحمه الله بأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أن قاعدة الإمام رحمه الله الأخذ بآثار الصحابة؟

فالجواب: من وجهين:

- الوجه الأول: أنا ذكرنا أن هذه المسألة اختلف فيها الصحابة.

- الوجه الثاني: أن مع أصحاب القول الأول نص أثري. والإمام أحمد رحمه الله لا ينظر آثار الصحابة ما دام في الباب حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

- قال رحمه الله:

- والثياب المنسوجة من نوعين.

الثياب المنسوجة من نوعين: يجوز السلم فيها إذا كانت متميزة كأن ينسج الثوب من القطن والحرير فحينئذ يجوز لأنها متميزة يمكن أن تضبط بالوصف.

- ثم قال رحمه الله:

- وما خلطه غير مقصود: كالجبن.

تقدم معنا أن ما خلطه مقصود وغير متميز لا يجوز السلم فيه.

هنا يريد المؤلف رحمه الله أن يبين ما خلطه غير متميز لكنه ليس بمقصود.

- فيقول رحمه الله:

- كالجبن.

مقصود المؤلف رحمه الله بقوله: (كالجبن) يعني: كالإنفحة التي في الجبن.

ولو أن المؤلف رحمه الله بين هذا لكان أوضح.

ص: 52

إذاً المثال: الإنفحة التي في الجبن. وإنما قال المؤلف رحمه الله: (كالجبن) لأن الجبن في وقته لا يمكن أن يتكون إلا إذا وضعت فيه الإنفحة.

والإنفحة هي: عصارة تؤخذ من معدة الجدي توضع على الجبن حتى يتجمد ويصفو ويطيب أكله.

فهذا الإنفحة يسيرة وغير مقصودة ولمصلحة الجبن. فاتصفت بهذه الصفات الثلاث فلم تؤثر لما اختلطت ولم تُمَيَّز، لم تؤثر مع أنها اختلطت ولم تميز.

- قال رحمه الله:

- وخل التمر.

يقصد بخل التمر: يعني: الذي فيه الماء. فخل التمر الذي فيه الماء له نفس الحكم ولنفس العلل.

- ثم قال رحمه الله:

- والسكنجبين.

هذا مرمب من السكر والخل. فهذا يوضع فيه حياناً ماء فهو أيضاً يجوز السلم فيه لأن ما وضع فيه وإن كان غير مقصود وإن كان غير متميز إلا أنه غير مقصود.

فهذه ثلاث أمثلة لما خلطه غير مقصود يجوز فيها السلم وتوقفنا على الشرط الثاني.

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 53

الدرس: (20) من البيع

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

- قال رحمه الله:

- الثاني: ذكر الجنس والنوع.

الشرط الثاني من شروط صحة السلم: معرفة المسلم به. فهذا من شروط صحة السلم: بالإجماع.

تعليل ذلك:

- أن المسلم فيه أحد العوضين فوجب أن يعرف.

- وكذلك: أن العلم بالمبيع من شروط صحة البيع والسلم نوع من البيوع كما تقدم معنا مراراً.

إذاً تبين معنا أن هذا الشرط محل اتفاق. لما قرر المؤلف رحمه الله الشرط بدأ بالتفصيل:

- فقال رحمه الله:

- ذكر الجنس والنوع.

هذه هي الأمور التي يعرف بها المسلم فيه. وهو المبيع كما تقدم معنا. ذكر الجنس وذكر النوع.

ذكر الجنس والنوع والقدر كما سيأتينا بعد قليل: واجب بالإجماع.

فإذا أراد أن يسلم في شيء من الثمار أو في غيرها فلابد أن يذكر الجنس والنوع.

فيقول: أسلمت في تمر. وهذا جنس. ونوعه: سكري - مثلاً وهذا هو النوع.

ص: 54

ومن الفقهاء من قال: أنه لا حاجة لذكر الجنس مع ذكر النوع. لأن ذكر النوع يغني عن ذكر الجنس.

على كل حال بيان جنسه وقدره أمر متفق على وجوبه كذلك أيضاً القدر وسيأتينا مصرحاً به في كلام المؤلف رحمه الله.

- ثم قال رحمه الله:

- وكل وصف يختلف به الثمن ظاهراً.

يعني: ويجب في بيان المسلم فيه أن يبين كل وصف يختلف فيه الثمن اختلافاً ظاهراً وهذا تقدم معنا بيان ((

))

وفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يجب على العاقدين: المسلم والمسلم إليه بيان جميع صفات المسلم فيه بل يجب فقط بيان الصفات التي يختلف بها الثمن.

ما عدا هذا من الصفات التي لا يختلف فيها الثمن فإنه لا يجب على العاقدين أن يذكراها في العقد.

- ثم قال رحمه الله:

- وحداثته وقدمه.

يجب أن يبين حداثة وقدم المسلم فيه.

تعليل ذلك:

- أن الثمن يختلف باختلاف الحداثة والقدم.

فيجب أن يقول: حديث أو قديم. لكن كلمة حديث وقديم: كلمة واسعة مطاطة ولا تكفي في بيان الحداثة والقدم. فيجب أن يقيد الحداثة والقدم بحسب السلعة.

ففي مثال التمر: يجب أن يقول: من تمر هذه السنة أو من تمر السنة السابقة أو من تمر التي قبلها. فلابد أن يبين ميزان الحداثة والقدم.

فإن شرطه قديماً ولم يبين: = فالحنابلة يرون في هذه الصورة أن المسلم إليه له أن يأتي بأي نوع من التمر قديم من السنة السابقة أو من التي قبلها أو من التي قبلها لأن الجميع يصدق عليه أنه قديم ولم يبين في العقد مقدار القدم.

فالحنابلة يرون أنه يجوز أن يأتي بأي تمر قديم من أي سنة.

والحقيقة لم أطلع على خلاف - وقد راجعت المسألة على عجل - لم أطلع على خلاف في هذه الصورة وهي: ما إذا شرط قديماً ولم يبين مقدار القدم.

لكن الحنابلة يرون أن المسلم إليه له أن يأتي بأي ثمن قديم ولو كان من عشر سنوات.

ولو كان يوجد قول آخر يقول أن تحديد المسلم فيه بالقدم بدون ضابط لا يوجد أصلاً وأنه يجب أن يحدد مدى قدمه وحداثتة لكان هذا القول في الحقيقة متوجه ويمنع من النزاع لا سيما وأنه يوجد فرق كبير بين القديم جداً والذي صنع في السنة السابقة.

- ثم قال رحمه الله:

- ولا يصح شرط: الأردأ أو الأجود.

ص: 55

لا يجوز أن يشرط الأردأ أو الأجود. والسبب أن هذا الشرط يوقع في الاختلاف إذ ما من جيد إلا ويوجد أجود منه. وما من سيء إلا ويوجد أسوأ منه.

وإذا كان هذا الشرط يوقع في التنازع والاختلاف فهو عكس المطلوب من شروط السلم وهي: انضباطه بما يقع في الاختلاف.

= والقول الثاني: أنه يجوز شرط الأردأ دون الأجود.

- لأنه إذا شرط الأردأ وأتى بأحسن مما ظنه المسلم فقد جاءه بخير مما سبقه فعليه أن يقبل.

فيجوز أن يشترط في العقد أن يأتي بالأردأ ويكون شرط صحيح لأنه مهما أتى فهو خير مما وقع العقد عليه.

- ثم قال رحمه الله:

- بل جيد ورديء.

يعني: بل يجوز أن يشترط أن يكون جيداً ورديئاً.

وظاهر عبارة المؤلف رحمه الله أنه يجوز ان يكون جيداً أو رديئاً.

والصواب عند الحنابلة أنه يجب أن يشترط أنه جيد أو رديء.

بمعنى أنه يجب أن يبين الجودة والرداءة. فهي من شروط بيان المسلم فيه التي تضاف إلى الجنس والقدر والنوع التي سبق الكلام عنها.

= والقول الثاني: أنه لا يجب أن نذكر الجيد ولا الرديء.

لماذا؟

- قالوا: لأن الصفات التي يختلف الثمن باختلافها مغنيه عن وصفه بأنه جيد أو رديء.

وهذا صحيح بلا إشكال. ولا معنى لكلمة جيد ولا معنى لكلمة رديء. - أَيُّ: معنى أن تقول سآتيك بتمر جيد. أي معنى لهذه الكلمة.

لأن الصفات السابقة التي يجب أن تبين لا ختلاف الثمن لا ختلافها تغني عن كلمة جيد وعن كلمة رديء. كما أن كلمة جيد ورديء كلمة لا تفيد في الحقيقة تصوراً دقيقاً للسلعة محل العقد.

فالصواب إن شاء الله أنه لا يجب أن يبين الجودة والرداءة أثناء عقد السلم.

- ثم قال رحمه الله:

- فإن جاء بما شرط أو أجود منه.

فإن جاء بما شرط أو أجود منه: وجب على المسلم أن يقبل هذه السلعة.

- لأنه جاءه بما عقد عليه وزيادة فوجب أن يقبل.

= والقول الثاني: أنه لا يجب أن يقبل بل له أن يمتنع وأن يطالب بمثل ما شرط في العقد تماماً.

- لأنه قد يدخل على المسلم إذا قبل الضرر والمنة.

ص: 56

والصواب: أنه يجب أن يقبل إلا إذا ترتب على ذلك ضرر. ولا نقول: لا يجب لأنه قد يترتب ضرر بل نقول: يجب إلا إذا ترتب ضرر. لأن الأصل أنه لا ضرر على الإنسان بأن يقبل السلعة الأجود من التي شرطت من العقد. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: أن رد المسلم للمسلم فيه يضر المسلم إليه. فربما يجتهد في توفير هذا النوع من السلعة فإذا ردها المسلم ربما لا يتمكن من إحضار السلعة المطابقة لصفات العقد فيدخل الضرر على المسلم إليه.

والشرع جاء بالتوسط ومراعاة طرفي العقد.

فنقول: القول الوسط: أنه يجب أن يقبل إلا إذا ترتب ضرر.

- ثم قال رحمه الله:

- من نوعه.

يعني: أنه يجب عند الحنابلة: أن يقبل إذا أتى بخير مما شرط إذا كان من نوعه. فإن لم يكن من نوعه فإنه لا يجب أن يقبل لكن يجوز.

فإذا أسلم في تمر سكري وأتاه ببرحي فحينئذ - هل يجب أو يجوز أن يقبل؟ يجوز.

وإذا شرط في السلم سكري وأتى بسكري أجود مما شرط؟ فإنه يجب. .

تلاحظ أن المؤلف رحمه الله بين الحكم إذا أتى بنفس النوع ولم يبين الحكم إذا أتى بجنس آخر كما إذا أسلم في تمر وأحضر قمحاً وهذا سيذكره المؤلف رحمه الله في آخر الفصل لأنه مسألة تكثر الحاجة إليها.

إذاً عرفنا الآن الحكم إذا أتى بنوع .... من نفس النوع أو إذا أتى بسلعة أجود لكن من نفس النوع.

- ثم قال رحمه الله:

- ولو قبل محله ولا ضرر في قبضه: لزمه أخذه.

المحل هو: وقت حلول القبض. أو وقت حلول الأجل.

إذا كان الاتفاق أن يحضر المسلم فيه في أول يوم من شهر صفر - مثلاً - وهو أتى بالمسلم فيه في منتصف شهر محرم.

فهو الآن أتى به قبل محله يعني: قبل وقت حلوله.

= فعلى المذهب: يجب أن يقبل وجوباً. إلا في صورة واحدة إذا ترتب على القبول ضرر كأن يأتي بفاكهة تفسد قبل حلول الأجل. فحينئذ لا يجب عليه أن يقبل وإلا فإنه يجب عليه القبول.

= والقول الثاني: أنه لا يجب عليه أن يقبل ولو بلا ضرر. وهذا مذهب المالكية. أنه إذا أتي بالسلعة قبل الوقت فلا يجب على المسلم أن يقبل ولو بدون ضرر.

ص: 57

ويظهر لي والله أعلم أن مذهب المالكية أصح وأنا لا نلزم المسلم أن يقبل السلعة ولو بدون ضرر ما دام الإتفاق والعقد على أن يأتي بالسلعة في وقت محدد فإنه يجب أن نلتزم بهذا العقد.

والحنابلة يقولون. أن تقديم المسلم فيه قبل وقته يقاس على الإتيان بسلعة أجود من المتفق عليه. فتقديم الأجل كرفع النوعية عندهم.

والصواب أن هذه المسألة لا تقاس على تلك. لأن تلك نفع محض. فإنه أتى بسلعة خير مما اتفق عليها.

أما تقديم الأجل فليس بنفع محض بل ربما يكون نفعاً وربما يكون لا نفع ولا ضرر إنما هو تقديم للسلعة عن وقتها وغالباً سيقع ضرر على المسلم لو قبل لأنه يكون قد رتب أموره على أساس أن السلعة ستأتي في وقت معين وتصرف في وقت معين.

على كل حال. الأقرب والله أعلم مذهب المالكية وهو أنه لا يجب على المسلم مطلقاً أن يقبل إذا أتي بسلعة قبل محلها.

انتهى المؤلف رحمه الله من الشرط الثاني وما زال في الشروط المتعلقة بالمسلم فيه:

- قال رحمه الله:

- الثالث: ذكر قدره.

الثالث من شروط المسلم فيه: ذكر القدر. تقدم معنا قريباً أن ذكر القدر أمر مجمع عليه.

لأنه لا يمكن أن يتميز المسلم فيه إلا بذكر قدره وإلا وقع في نزاع له أول وليس له آخر. لأن جهالة القدر أعظم أحياناًَ من جهالة الصفة. إذاً: هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ذكر قدره)

- قال رحمه الله:

- بكيل أو وزن أو ذرع يعلم.

معرفة القدر تكون بأي مقدار يعرف به مقادير السلع: كيل، وزن، عد، ذرع. بأي طريقة يعرف بها المقدار.

فإن بين قدره بالكيل والوزن فقد بينه بإجماع الفقهاء، فقد تم البيان بإجماع الفقهاء من أهل المعاني والظاهرية وغيرهم. بإجماع الفقهاء. إن بينه بالكيل والوزن.

وأما إن بينه بغير الكيل والوزن كأن يبينه بالعد أو بالذرع أو بأي وسيلة تبين مقدار السلعة فكذلك ذهب الجماهير جميع أهل العلم ما عدا ابن حزم إلى أنه كافي في بيان المقدار.

وقالوا إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الكيل والوزن في حديث ابن عباس رضي الله عنه لأن السلع غالباً ما تقاس بهذه الموازين في العهد النبوي.

ص: 58

وذهب ابن حزم إلى أن السلم إذا قدر بغير الكيل والوزن فهو باطل لأن الكيل والوزن هو المذكور في حديث ابن عباس فلا نخرج عن الكيل والوزن في بيان مقدار المسلم إليه. وهو قول غاية في الضعف ولا ينظر إليه في الحقيقة عند تأملك له فستجد أنه كذلك لا عبرة به ولا وزن له.

- ثم قال رحمه الله:

- يعلم.

يعني: يجب إذا أردت أن تبين مقدار المسلم فيه أن تستعمل وحدة معلومة.

فمثلاً - إذا قال شخص بعدت أو أسلمت في التمر خمسين صاعاً بصاع زيد. وصاع زيد مجهول لا يتساوى مع صاع النبي صلى الله عليه وسلم ولا مع صاع الناس وهو مجهول.

فهذا بينه في كيل ووزن لكنه كيل ووزن لا يعلم لأن صاع زيد مجهول لا يعلمه الناس.

فيجب إذا أراد الإنسان أن يبين أن يذكر وحدة معلومة للعاقدين.

وهذا الشرط يحتاج إليه في القديم كثيراً لاختلاف الأصواع أحياناً بين البلدان بل داخل البلد الواحدة قد تختلف.

أما اليوم فوحدات القياس متساوية في العالم تقريباً. فيكفي أن تقول أي وحدة من الوحدات المعروفة ولا يشترط أن تعين أنها وحدة البلد الفلاني أو غيره لا تحاد الأمر في وقتنا هذا.

- ثم قال رحمه الله:

- وإن أسلم في المكيل وزناً أو في الموزون كيلاً: لم يصح.

هذه المسألة من مفردات الحنابلة.

واستدلوا رحمهم الله على هذا الحكم:

- بأن السلم فيه مبيع يجب معرفة قدره فوجب الرجوع إلى القدر الشرعي وهو الكيل والوزن في العهد النبوي.

هكذا استدل الحنابلة رحمهم الله.

= والقول الثاني: للجماهير: الأئمة الثلاثة وغيرهم من أهل العلم ذهبوا إلى أنه يجوز أن يسلم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلاً.

واستدلوا على هذا:

- بأن المقصود في باب السلم هو معرفة المقدار وهذا يحصل سواء بالوزن لما يكال أو بالكيل لما يوزن.

ص: 59

وهذا القول الثاني أرجح وأقوى ونحن نقول أن مفردات الحنابلة في الغالب مسائل راجحة وقوية لأن الإمام أحمد رحمه الله لا يتفرد إلا بموجب صحيح ودليل قوي. لكن قد يشذ عن هذه القاعدة بعض المسائل التي لا يكون الراجح فيها مع الإمام أحمد رحمه الله ومن ذلك هذه المسألة التي معنا فقول الحنابلة فيها ضعيف في الحقيقة وبعيد من حيث التعليل وأيضاً فيه مشقة على الناس.

- ثم قال رحمه الله:

- الرابع: ذكر أجل معلوم.

يشترط في السلم أن يكون مؤجلاً. فإن كان حالاً بطل.

فإن قال: أسلمت إليك بخمسين صاعاً من التمر تسلمها لي الآن فهو باطل.

= وإلى هذا ذهب الجمهور: بطلان السلم الحال هو مذهب الجمهور.

واستدلوا على هذا بأدلة:

- الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنه: (إلى أجل معلوم). فأشار النص إلى أنه يتحتم وجود الأجل في عقد السلم.

- الدليل الثاني: أن عقد السلم اغتفرت فيه بعض الواجبات لأجل الرفق بالناس والرفق إنما يحصل مع وجود الأجل لا بدونه.

= القول الثاني: للإمام الشافعي واختاره شيخ الإسلام بن تيمية - رحمهما الله - أنه يجوز السلم الحال.

استدلوا بدليلين:

- الدليل الأول: أن السلم الحال أبعد عن الغرر من السلم المؤجل. وإذا جاز المؤجل مع أن الغرر فيه أظهر فيجوز المعجل من باب أولى.

- الدليل الثاني: أن السلم الحال غاية ما يكون بيع فلنصححه بيعاً.

الراجح: والله أعلم مذهب الجمهور. واختيار الشافعية وشيخ الإسلام في هذه المسألة فيه ضعف.

سبب الترجيح: نحن نقول أنه يجوز في السلم العقد على معدوم فإذا صححتم السلم حالاً وجعلتموه بمثابة البيع يلزم من ذلك جواز العقد في البيع على المعدوم وهذا لا يجوز.

شيخ الإسلام رحمه الله تنبه لهذه المشكلة فقال في الاختيارات يجوز السلم الحال إذا كانت السلعة موجودة حتى يخرج من هذا الإشكال.

وأنا أقول لا يزال الإشكال موجوداً ولا يخرج منه بقوله: (بشرط أن يكون السلم حالاً) لماذا؟ لأن العلماء أجمعوا على جواز السلم في المعدوم فإذا اشترطت أنت في هذه الصورة أن يكون السلم على الموجود لم يصبح من السلم.

ص: 60

وقول الشافعية: (فليكن بيعاً) نعم نقول فليكن بيعاً ولا يكون سلماً فالسلم شيء والبيع شيء آخر.

السلم له شروطه ومواصفاته وأحكامه الخاصة ومن أبرزها جواز بيع المعدوم والبيع له شروطه الخاصة ومن أبرزها عدم جواز بيع المعدوم.

فنقول: السلم الشرعي يجب أن يكون مؤجلاً. فإن أسلم حالاً فالبيع باطل.

قد تكون ثمرة الخلاف ليست كبيرة. لماذا؟ لأنه إذا أسلم حالاًوأبطلنا العقد. فماذا يصنع؟ يبيع بيع المعينات.

لكن الخلاف في الحقيقة مهم لتصور المسألة. فإنه يساعد على تصور المسائل والفروق بين العقود بشكل جيد.

إذاً الراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة وهو مذهب الأحناف والمالكية: أنه يشترط في بيع السلم الأجل.

- يقول رحمه الله:

- الرابع: ذكر أجل معلوم. له وقع في الثمن.

يشترط في الأجل أن يكون معلوماً. لأنه إذا لم يكن معلوماً وقع المتعاقدان في الغرر والجهالة.

والشرط الثاني للأجل: أن يكون له وقع في الثمن.

معنى قول الفقهاء: (له وقع في الثمن). أي: أثر في زيادته. فلابد أن يكون في الأجل له وقع في الثمن.

فإن أسلم في وقت قصير كأن يقول أسلمت في يومين أو أسلمت في ثلاثة أيام فهذه المدة ليس لها وقع في الثمن. السلم بناء على ذلك باطل لبطلان الأجل.

= القول الثاني: أنه لا يشترط في الأجل أن يكون له وقع في الثمن بل يجوز ولو كان الوقت قصيراً.

وانتصر لهذا ابن حزم رحمه الله وقال: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إلى أجل معلوم) ولم يقل إلى أجل طويل معلوم ولا إلى أجل قصير معلوم وإنما قال: (إلى أجل) وأطلق. هذا الدليل الأول.

- الدليل الثاني: أن المقصود من السلم إيقاع الرفق بالمتعاقدين. وهذا قد يقع حتى في الوقت القصير.

لذلك الراجح إن شاء الله أنته يجب أن يكون مؤجلاً لكن لا يشترط في هذا الأجل أن يكون له وقع في الثمن بل أي مدة من الزمن يحصل بها الإرفاق فهي كافية.

وبالغ ابن حزم فقال: ولو ساعة.

نحن نقول الساعة لا يحصل بها إرفاق لكن اليوم واليومين والثلاثة لا شك أنه يحصل بها إرفاق ويتسنى للمسلم إليه تجهيز المسلم فيه.

ص: 61

لما ذكر المؤلف رحمه الله الشرط الرابع ذكر محترزاته فما سيذكره من المسائل الثلاث هي موزعة على الشرط الرابع.

- قال رحمه الله:

- فلا يصح: حالاً ولا إلى الحصاد والجذاذ ولا إلى يوم.

قوله: (فلا يصح: حالاً) يرجع إلى قوله: (ذكر أجل)

وقوله: (ولا إلى الحصاد والجذاذ) يرجع إلى قوله: (معلوم)

وقوله: (ولا إلى يوم) يرجع إلى (وقع في الثمن)

مسألة (حالاً) هذه كما تقدم معنا أن اىلسلم الحال باطل عند جماهير الفقهاء وتقدم معنا الآن الخلاف.

قوله: (ولا إلى الحصاد والجذاذ) لا يصح السلم إلى الحصاد ولا إلى الجذاذ.

= هذا مذهب الحنابلة.

وعللوا ذلك بأمرين:

- الأمر الأول: أنه روي عن ابن عباس أنه كره تأجيل السلم إلى الحصاد والجذاذ.

- الثاني: أن تأجيله إلى الحصاد والجذاذ أمر مجهول لا ينضبط إذ الحصاد والجذاذ يبعد ويقرب.

= القول الثاني: جواز تأجيل السلم إلى الحصاد والجذاذ.

واستدلوا أيضاً على الجواز: أي استدل القائلون بالجواز بأمرين:

- الأمر الأول: أن الحصاد والجذاذ يعرف بالعرف والعاد واختلافه يسير.

- والأمر الثاني: أن ابن عمر رضي الله عنه يشتري ويبيع إلى العطاء. فيؤخذ منه جواز التأجيل إلى الجذاذ والحصاد.

الراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة. لماذا؟

لأن الجذاذ والحصاد أحياناً يطول وتمتد فترته ولاشك أن مثل هذا يوقع الخلاف والنزاع. ثم الأمر سهل نقول لهم: اضبطوا ذلك بوقت يعني بتاريخ بدل أن تدخلوا في متاهة الجذاذ والحصاد أذكروا تاريخاً محدداً يحصل فيه التسليم. وبهذا نكون رجحنا مذهب ابن عباس على مذهب ابن عمر على أن ابن عمر لم يرو عنه التصريح بجواز السلم إلى الجذاذ وإنما روي عنه ما يفهم منه الجواز وهو أنه يبيع ويشتري إلى العطاء بينما ابن عباس روي عنه التصريح أنه يكره أن يحد الإنسان الأمر بالجذاذ والحصاد.

فالأقرب والله أعلم ضبطاً للعقد مذهب الحنابلة.

- قوله رحمه الله:

- ولا إلى يوم.

تعليله ظاهر:

- لأنه ليس له وقع في الثمن.

ثم لما قرر هذا الحكم وهو الأجل استثنى مسألة مهمة:

- فقال رحمه الله:

- إلاّ في شيء يأخذه منه كل يوم: كخبز ولحم ونحوهما.

ص: 62

هذه المسألة مستثناة من اشتراط: أن الأجل ليس بمعلوم، واستثناء بالنسبة للسلع التي تستلف في الأيام الأولى من قضية له وقع في الثمن.

صورة المسألة/ أن يقول الإنسان لصاحب البقالة هذه مائة ريال أأخذ منتك كل يوم خبزاً أو أأخذ منك كل يوم لحماً.

فالآن صورة السلم موجودة لأنه يوجد رأس المال الذي قبض في مجلس العقد وهو مائة ريال والمسلم فيه وهي السلع التي يأخذها تباعاً.

والشرط الذي اختل في هذه الصورة هو شرط معلومية الأجل وأن يكون له وقع في الثمن كما تقدم معنا.

فهذه الصورة جائزة.

واستدلوا على جوازها بأمرين:

- الأمر الأول: أن الحاجة ماسة إليها وداعية إلى المعاملة بها. لاسيما في القديم، ولا سيما إلى الآن في بعض البلدان الحاجة ماسة لمثل هذا العمل. إما لحاجة المسلم أو لأنه أخرق والأخرق من مصلحته أن يقدم ثمن السلع التي سيستلمها مقدماً ويستلم السلع تباعاً لأن المبلغ لو بقي في يده فإنه سيتلفه في غير طائل.

إذاً: الدليل الأول هو الحاجة.

- العلة الثانية: أنه إذا جاز الشيء إلى أجل جاز إلى أجلين وثلاثة ولا فرق.

تبين معنا الآن أن هذه المسألة هي مسألة الإسلام في جنس إلى أجلين.

والإسلام في جنس إلى أجلين سيذكر المؤلف رحمه الله في الشرط السادس الذي سيأتينا إن شاء الله تفصيلاً عنه وسنأخذ هناك الفرق بين المسألة التي ستأتي وهذه المسألة.

والذي يعنينا الآن جواز هذه الصورة وأن سبب الجواز ما ذكرته لك من التعليلين.

لكن يشترط لجواز هذه المعاملة أن تكون الأجزاء معلومة بأن يقول: كل يوم آخذ كيلو لحم. أو نصف كيلو لحم. المهم يبين جزءاً كل يوم.

- ثم قال رحمه الله:

- الخامس: أن يوجد غالباً في محله ومكان الوفاء.

المحقق - وفقه الله - فتح الحاء والصواب: مَحِلِّهِ. بكسر الحاء وهذا يبدو أنه سهو لأنه هو ضبطها ضبطاً صحيحاً فيما تقدم وقبل محله.

فتصلح الفتحة إلى كسرة.

يشترط لصحة السلم: أن يوجد المسلم فيه في محله غالباً.

يعني: يشترط لصحة السلم أن يغلب وجود هذه السلعة في وقت حلول الأجل.

فإذا أسلم في رطب في الشتاء فالسلم باطل لأن الرطب لا يوجد في الشتاء واختل هذا الشرط وهو أن يوجد غالباً.

ص: 63

فإذا أراد أن يؤجل فعليه أن يضع أجلاً توجد فيه السلعة غالباً.

وهذا الشرط متفق عليه وصحيح بلا إشكال لأنه لا يمكن إتمام العقد وتسليم المسلم فيه إلا بأن يكون غالب الوجود في وقت محله.

- ثم قال رحمه الله:

- ومكان الوفاء.

يعني ويجب أن يوجد غالباً في مكان الوفاء.

فإن غلب على الظن عدم وجوده في مكان الوفاء فإن السلم باطل.

إذاً يجب أن نراعي في الأجل الزمان والمكان.

أما مثال الزمان: فتقدم أن يسلم في الرطب في الشتاء فهذا باطل.

المكان: كأن يسلم في مكان محاصر لا تدخله سلعة معينة ولو كانت توجد في ذلك الزمن لكن لا توجد في ذلك المكان فهذا السلم باطل لأنه يغلب عدم وجود هذه السلعة في هذا المكان كما قلت لك كالمكان المحاصر.

هذا معنى كلام المؤلف رحمه الله: (ومكان الوفاء). وإذا قرأت عبارة المؤلف رحمه الله تفهم منها هذا المعنى ببساطة وهو معنى وجيه وقيد جيد.

الشيخ منصور في شرحه في الروض فهم من هذا الكلام فهماً آخر فقال: (معنى في مكان الوفاء) يعني: أنه لا يجوز أن نسلم في ثمرة بستان معين. ولا في نتاج فحل معين. فحمل العبارة على هذا المعنى.

ويظهر لي أن ما حمله الشيخ منصور رحمه الله على هذا المعنى بعيد وأن سياق المؤلف رحمه الله سهل وواضح ومراد لكن لعله حمله على هذا الحمل لأن هذه العبارة لم تذكر في غالب كتب الحنابلة.

لكن مع ذلك أقول هذا الفهم الذي ذكرته لك أولاً وشرح العبارة بهذا المعنى هو الصحيح وهو المتبادر إلى الذهن.

نأتي مع ذلك إلى مسألة: السلم في بستان معين. وفي نتاج فحل معين التي ذكرها الشيخ منصور.

ذهب الجماهير وحكي إجماعاً أنه لا يجوز للإنسان أن يشترط ثمرة بستان معين.

- لأن ثمرة هذا البستان المعين معرضة للتلف فإذا تلفت لم يمكن للمسلم إليه أن يأتي بالمسلم فيه.

= والقول الثاني: أنه يجوز أن يسلم في ثمرة بستان معين بشرط أن يكون السلم بعد بدو الصلاح.

والصحيح إن شاء الله أنه لا يجوز السلم في ثمرة بستان معين مطلقاً لأن هذا فيه غرر ولأن فيه مخاطرة ولأنه لا حاجة لتخصيص ثمرة بستان معين.

ص: 64

فإذا كان الإنسان يرغب بمواصفات ثمرة بستان معين فالحل: أن يذكر هذه المواصفات ولا يذكر أنها من بستان معين.

فالأقرب وحكي إجماعاً وربما المخالف فيه نفر قليل من أهل العلم - بأنه لا يجوز أن يسلم في شيء معين. لا في ثمرة بستان ولا في نتاج فحل.

- ثم قال رحمه الله:

- لا وقت العقد.

يعني: أنه لا يشترط أن يوجد المسلم فيه في وقت العقد.

والدليل على هذا:

- أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أهل المكدينة على السلم في السنتين والثلاث ومن المعلوم أن الثمرة في السنتين والثلاث تنقطع.

فدل هذا على أنه لا يشترط وجود الثمرة من حين العقد إلى وقت التسليم.

- الدليل الثاني: أن اشتراط وجود الثمرة من حين العقد إلى وقت التسليم يمنع الإرفاق الموجود في السلم. إنما أردنا الأجل ليتمكن من تحصيل هذه السلعة. فإذا اشترطنا وجود هذه السلعة من حين العقد إلى التسليم فأين الإرفاق حينئذ الحاصل بتأجيل الثمن.

فالأقرب هو أنه لا يجب أن توجد السلعة في وقت العقد.

وهذا مذهب الجماهير فلم يخالف في هذه المسأل إلا الأحناف. وقولهم في هذه المسألة ضعيف جداً.

- ثم قال رحمه الله:

- فإن تعذر أو بعضه: فله الصبر أو فسخ الكل أو البعض.

(إن تعذر) يعني المسلم فيه. (فله) يعني: المسلم.

إذا تعذر المسلم فيه: إما أن لا تحمل الشجرة ثماراً لأي سبب من الأسباب أو أن تصاب بآفة أو أن يتغيب المسلم إليه أو لأي سبب من الأسباب تعذر تسليم المسلم فيه. (فله) أي للمسلم الخيار بين: الفسخ والصبر.

وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله هنا: (فله الصبر أو فسخ الكل) يعني فهو مخير بين أن يصبر وبين أن يفسخ.

ومفهوم عبارة المؤلف رحمه الله أنه إذا تلفت الثمرة فإن العقد لا يبطل. ولو تلفت الثمرة. وعللوا ذلك:

- بأن بقاء الثمرة ليس من شروط صحة السلم. بل نخير المسلم إذا تلفلت الثمرة بين أن يصبر إلى أن يتمكن المسلم إليه من إحضار الثمرة أو يفسخ.

= والقول الثاني: أن عقد السلم بمجرد تلف السلعة يبطل.

- لأن السلعة هي محل العقد. فإذا تلفت بطل العقد.

ص: 65

والراجح مذهب الحنابلة. وهو أن العقد لا يبطل وسبب الترجيح أن بطلان العقد بتلف السلعة إنما هو في بيوع الأعيان أما في البيوع التي تثبت في الذمة فإن تلف السلعة لا يؤدي إلى تلف العقد لأن السلعة ثابتة في الذمة فتلفت أو لم تتلف فهي ثابتة في الذمة. ولهذا لا إشكال إن شاء الله في أن الأقرب للصواب مذهب الحنابلة وهو أن العقد لا يبطل.

- يقول رحمه الله:

- الصبر أو فسخ الكل أو البعض.

الخلاف في البعض كالخلاف في الكل. يخير بين الصبر أو الفسخ.

= والقول الثاني: أن العقد يبطل.

إلا أنه في مسألة البعض من الفقهاء من قال إذا تلف البعض فإما أن يفسخ في الكل أو يصبر على الكل.

والصواب أن حكم البعض كحكم الكل. فما وجد يستلمه الإنسان وما تلف فالمسلم مخير بين الصبر أو الفسخ.

ثم لما بين أنه مخير بين الصبر أو الفسخ انتقل إلى الحكم فيما إذا اختار الفسخ.

- ثم قال رحمه الله:

- ويأخذ الثمن الموجود أو عوضه.

يعني: فإذا اختار الفسخ فإنه يأخذ الثمن الموجود إن بقي موجوداً أو مثله إن كان مثلياً أو قيمته إن كان من القيميات. إذاً إما أن يكون نفس الثمن موجود فيأخذه وإلا أن يكون الثمن غير موجوداً لكنه من المثليات فيأخذ مثله أو نرجع إلى القيمة في القيميات. إذاً الحكم مفصل على هذا النحو فيما إذا اختار الفسخ.

ولم يبين المؤلف رحمه الله ماذا يحصل إذا اختار الصبر لأنه إذا اختار الصبر فالأمر واضح.

يصبر إلى أن يأتي المسلم إليه بالسلعة.

- ثم قال رحمه الله:

- السادس: أن يقبض الثمن تاماً معلوماً قدره ووصفه قبل التفرق.

السادس من شروط الثمن لا من شروط المسلم فيه: أن يقبض الثمن تاماً في مجلس العقد.

اتفق الفقهاء كلهم على وجوب تسليم وتقديم الثمن.

واستدلوا على هذا:

- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أسلف فليسلف) قالوا معنى قوله: (فليسلف) يعني: فليعط.

- واستدلوا: بأن الإرفاق إنما يحصل بتقديم الثمن.

هذا محل اتفاق.

إلا أن المالكية فقط يجوزون التأخير لمدة ثلاثة أيام.

وقالوا: أن هذه المدة يسيرة ولا تمنع الإرفاق.

والراجح مذهب الجماهير أنته لا يجوز تأخير قبض الثمن لأي مدة بل يجب أن يقبض في مجلس العقد.

ص: 66

ويترتب على الخلاف بين الجمهور والمالكية مسألة أخرى وهي: ثبوت الخيار وعدمه.

فاخيار ثابت على قول المالكية لأنه إذا أجل الثلاثة أيام أمكنه أن يشترط الخيار مدة هذه الثلاثة أيام.

والخيار لا يثبت في عقد السلم عند الجمهور لأنه يجب أن يكون با

) في مجلس العقد.

وإذا كنا نرجح مذهب الجمهور وأنه لا يجوز تأخير ثلاثة أيام فتبعاً لذلك نرجح أنه لا خيار في السلم. بل يقع لازماً.

لأنه كيف يشترط الخيار والقبض لازم وواجب.

- يقول رحمه الله:

- السادس: أن يقبض الثمن تاماً معلوماً قدره ووصفه قبل التفرق.

إذاً يجب أن يقبض ويجب أن يكون معلوماً قدره ووصفه. الثمن الذي يسلم في مجلس العقد ينقسم إلى قسمين:

- إما أن يكون الثمن في الذمة.

- وإما أن يكون معيناً.

فإن كان في الذمة: فيجب بالإجماع بيان القدر والوصف.

القسم الثاني: أن يكون معيناً فإذا كان معيناً: = فذهب الحنابلة إلى وجوب معرفة القدر والوصف: فيجب أن تقول خمسين ريال سعودي: القدر خمسين والوصف ريال سعودي.

قالوا: - لأن الثمن لا يعلم على الوجه المطلوب إلا بذلك.

- ولأن الثمن يجب أن يعلم قياساً على السلعة ونحن قررنا فيما سبق أن السلعة المسلم فيها يجب أن تكون معلومة.

= القول الثاني: أنه يجب معرفة القدر دون الوصف.

= والقول الثالث: أنه لا يجب أن يعلم لا القدر ولا الوصف وإنما نكتفي بالمشاهدة فقط.

- قالوا: لأن المشاهدة مغنية عن معرفة القدر والوصف.

وفي الحقيقة: بالنسبة لي أنا لا ينتهي عجبي من هذا القول: يعني: أتعجب من أن يقال بعدم وجوب معرفة القدر والوصف قول عجيب وإن كان قال به أئمة ربما كبار لكن أنت إذا تأملت كيف ينضبط العقد بدون معرفة القدر والوصف. لا يمكن أن ينضبط. ووقوع الخلاف أمر لاشك فيه. هذا أمر.

الأمر الآخر نحن نقول إذا بطل العقد فإنه يجب الفسخ وقررنا في الدرس السابق أن كل ما قلنا يبطل العقد فثمرة ذلك أن يرجع المشتري بالثمن والمسلم إليه بالمسلم فيه. فكيف يرجع؟ بماذا يرجع؟ ربما يقول: كنت سلمت لك مبلغاً كبيراً أو صغيراً وإذا كان الثمن ليس من النقدين بل من العروض يختلفون في مقدار هذا العرض إلى آخره من الخلاف والنزاع.

ص: 67

ففي الحقيقة تعجبت من هذا القول ومن وجهى نظري أن مذهب الحنابلة لاشك أنه أرجح وأضبط وأقرب لقواعد البعد عن الشقاق في المعاملات المالية. وأي كفاية في المشاهدة.

- ثم قال رحمه الله:

- وإن قبض البعض ثم افترقا: بطل فيما عداه.

إذا قبض البعض ثم قبل أن يقبض الباقي افترقا صح في المقبوض وبطل في الذي لم يقبض.

وهذا مبني على مسألة سابقة تقدمت معنا وهي مسألة تفريق الصفقة.

فتقدم معنا أن تفريق الصفقة صحيح وأنه على مذهب الحنابلة يجوز أن يفرق الصفقة ومعنى تفريق الصفقة أن يصح العقد في بعض السلع ويبطل في بعضها. كذلك هنا نقول: يصح في القبوض ويبطل فيما لم يقبض.

- ثم قال رحمه الله:

- وإن أسلم في جنس إلى أجلين أو عكسه: صح إن بين كل جنس وثمنه وقسط كل أجل.

يقول رحمه الله: (إن أسلم في جنس إلى أجلين).

صورة المسألة: أن يسلم في خمسين صاع من التمر يسلم بعضه في محرم وبعضه في رجب.

فهو أسلم في جنس إلى أجلين. فهذه الصورة جائزة عند الحنابلة.

واستدلوا على هذا:

- بجنس ما استدلوا به في المسألة السابقة وهي أنه إذا جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وثلاثة وأربعة. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إلى أجل معلوم. فثبت جواز الأجل فيثبت جواز الأجلين.

(((الآذان))).

لكن يصح لجواز السلم في جنس إلى أجلين أن يبين أمرين:

- الأول: قسط كل أجل.

- والثاني: ثمن كل قسط.

فيقول: أسلمت إليك في خمسين أو في مائة صاع من التمر خمسين منها في محرم وخمسين منها في صفر. قيمة الخمسين الأولى كذا من المئة ريال وقيمة الخمسين الثانية كذا من المائة ريال فلابد أن يبين قسط كل أجل ويبين ثمن كل قسط.

واستدل الحنابلة على هذا:

- بأن الأجل الأبعد له قسط أكبر من الثمن. فيجب أن يبين حتى إذا فسخ العقد أمكن الرجوع بكل قسط بقيمته.

= القول الثاني: أنه لا يشترط أن يبين لا قسط ولا قيمة كل أجل. فإن تعذر إيفاء بعض هذا الجنس في أحد الأجلين سقط من الثمن بقدر ما يسقط من المسلم فيه. فإذا افترضنا أنه لم يتمكن من تسليم نصف المسلم فيه فإنه يسقط من الثمن النصف أيضاً. وإلى هذا يميل ابن قدامة رحمه الله.

ص: 68

لكن الأقرب مذهب الحنابلة. لأنه لا سيما في وقتنا هذا للأجل وقع عظيم في الثمن - اليوم في بيوع السلم الأجل له وقع كبير في السلم فيجب أن تبين قيمة كل قسط من البضاعة موزعة على الآجال حتى إذا تخلفت بعض البضاعة في بعض الآجال أمكن معرفة ثمنها وخصمه من قيمة السلعة أما إذا ترك الأمر هكذا أن نصف السلعة تساوي نصف الثمن فهذا يؤدي إلى الاختلاف بلا شك.

- يقول رحمه الله:

- (أو عكسه).

يعني: أسلم في جنسين إلى أجل.

إذا أسلم في جنسين إلى أجل فهو أيضاً يجوز.

صورته أن يسلم في بر وقمح إلى محرم فالآن في جنسين إلى أجل.

بين المؤلف رحمه الله شرط صحة هذا البيع:

- فقال رحمه الله:

- صح إن بين كل جنس وثمنه.

يعني: صح.

في الواقع: العبارة أسهل إذا قلنا صح إذا بين ثمن كل جنس.

فإذا بين ثمن كل جنس فإنه صحيح.

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أحمعين.

ص: 69

الدرس: (21) من البيع

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

- قال رحمه الله:

- السابع: أن يسلم في الذمة.

(السابع) يعني من شروط السلم. (أن يسلم في الذمة)

- ثم قال رحمه الله موضحاً هذا الشرط:

- فلا يصح في عين.

بناء على أنه يجب أن يكون في الذمة لا يصح في عين.

علل الحنابلة هذا الحكم:

- بأن السلم في المعين قد يفضي إلى بطلال السلم بتلف هذا المعين. بخلاف الذي في الذمة فإنه لا يبطل.

= وقال بعض الفقهاء: لا حاجة لهذا الشرط.

- لأن اشتراط الأجل يغني عنه.

والأقرب فيما يظهر لي أن هذا الشرط شرط صحيح ومعتبر: لأن شرط الأجل لا يغني عن شرط عدم التعيين إذ قد يسلم في عين معينة بشيء معين مؤجلاً. فإنه تقدم معنا أن السلم يجوز فيه أن يكون بسعة ليست مملوكة للمسلم إليه وقت العقد. لهذا أقول أن هذا الشرط صحيح ولا يغني عنه شرط آخر.

- ثم قال رحمه الله:

- ويجب الوفاء في موضع العقد.

ص: 70

قوله: (ويجب الوفاء في موضع العقد) يعني: أنه لا يشترط بيان موضع التسليم في العقد.

- لأن موضع التسليم هو موضع العقد عند الحنابلة.

ويستثنى من ذلك إذا كان موضع العقد لا يمكن التسليم فيه كأن يتم العقد في البر أو في البحر أو في الجو. فإن هذه الأماكن ليست موضعاً لتسليم المسلم فيه حينئذ لابد من تعيين موضعاً لتسليم السلعة.

فإذاً عرفنا الآن: أنه لا يجب عند الحنابلة تحديد موضع التسليم.

= القول اثاني: أنه يجب أن يحدد موضع التسليم مطلقاً.

- دفعاً للخلاف حول موضع إقباض المسلم فيه.

= والقول الثالث: أنه يجب في صورة واحدة وهي: ما إذا كان لحمله مؤونة. يعني: لحمله تكلفة مالية.

والصواب إن شاء الله مع تفصيل الحنابلة وهو: أنه لا يجب ذكر موضع تسليم المسلم فيه إلا إذا اقتضى الحال ذلك. فحينئذ لابد من بيان موضع التسليم.

والدليل على رجحان هذا القول:

- أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لم يحدد موضع تسليم السلعة وإنما اشترط الكيل والوزن والأجل فقط.

- ثم قال رحمه الله:

- ويصح شرطه في غيره.

أي مع عدم وجوب ذكره: أي: موضع التسليم في العقد إلا أنه يجوز اشتراط موضع التسليم.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم).

فإن اشترط مكاناً معيناً للتسليم سواء كان موضع العقد أو غيره وجب التقيد به.

- ثم قال رحمه الله:

- وإن عقدا ببر أو بحر: شرطاه.

يعني: وإن تم العقد في البر أو في البحر: (شرطاه) أي شرطا موضع التسليم.

وتعليل ذلك:

- تعذر التسليم في هذه المواضع.

وتقدم معنا بيان ما يتعلق بموضع التسليم.

وكان من الأنسب أن تكون هذه العبارة تبع لقوله: (ويجب الوقاء في موضع العقد) ولا يفصل بينهما في قضية اشتراط أن يسلم السلعة في غير محل العقد.

- ثم قال رحمه الله:

- ولا يصح بيع المسلم فيه: قبل قبضه.

= ذهب الجمهور من أهل اعلم إلى أنه لا يصح بيع المسلم فيه بل حكي إجماعاً. ولا يجوز عند الجماهير بيع المسلم فيه لا للمسلم إليه ولا لغيره ولا بمثل الثمن ولا بأكثر ولا بأقل.

واستدل الجماهير على هذا بدليلين:

ص: 71

- الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه وهذا المسلم فيه لم يقبض.

- الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن والمسلم فيه إذا باعه المسلم قبل قبضه فقد باعه قبل أن يدخل في ضمانه وربح فيه قبل أن يضمنه فوقع في نهي النبي صلى الله عليه وسلم.

= القول الثاني: وهو في الجملة مذهب المالكية ورواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم - وسيأتينا بعض القيود على مسألة اختيار ابن القيم - لكن في الجملة اختار هذا القول هؤلاء.

وهو: جواز بيع المسلم فيه إلى المسلم إليه وإلى غيره لكن بمثل الثمن أو أقل ولا يجوز بأكثر.

واستدل هؤلاء بدليلين:

- الأول: أن الأصل في المعاملات الحل.

- الثاني: ما صح عن ابن عباس أنه قال: إذا أسلفت في شيء ولم تأخذ فخذ عوضاً وفي رواية: عرضاً - عنه بأنقص منه ولا تربح مرتين.

فهذا الأثر الثابت عن ابن عباس فيه جواز بيع المسلم فيه.

لكن اشترط القائلون بالجواز شرطاً: هذه الشروط مروية عن القائلين بالجواز: عن الإمام أحمد وذكرها أيضاً ابن القيم وغيره.

- الشرط الأول: ان لا يربح. - كما تقدم. أن لا يربح إذا باع المسلم فيه.

- الثاني: التقابض إذا كان بينهما ربا.

- أن لا يجعله رأس مال لسلم آخر. لئلا يربح فيه مرتين ولئلا يكون من قلب الدين.

وفي الحقيقة إذا تأملت تجد أنه لا حاجة للشرط الثالث لأن الشرط الأول أن لا يربح فيه وإذا جعله رأس مال لسلم آخر فسيربح فيه لكن هكذا ذكر الفقهاء هذه الشرط.

الراجح إن شاء الله: أنه يجوز بيع المسلم فيه إلى المسلم إليه فقط دون غيره.

والدليل على ذلك:

- أن أثر ابن عباس فيه جواز بيع المسلم فيه إلى المسلم إليه فقط.

وممن فهم هذا الفهم في أثر ابن عباس: ابن القيم فهو يقول: وابن عباس لم يجز بيع السلم إلى لمن هو عليه.

ويظهر لي من سياق كلام ابن القيم أنه أيضاً يميل إلى هذا القول وهو الجواز لكن إلى المسلم إليه فقط دون غيره.

فهذا القول إن شاء الله هو الراجح.

ص: 72

ولا يغيب عن ذهنك أبداً أن القول بالمنع حكي إجماعاً. يعني يغني أن نقول الجماهير أن نقول: حكي إجماعاً فغالب السلف وفقهاء المسلمين على المنع ولذلك الورع والاحتياط يتوجه جداً في مثل هذه المسألة.

المسائل التالية مبنية في الغالب على مسألة البيع.

- يقول رحمه الله:

- ولا هبته.

يعني: ولا يجوز أن يهب المسلم المسلم إليه لأحد.

واستدلوا على ذلك:

- بالقياس على البيع. لأن في كل منهما تمليك.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الذمعب لا يجوز هبة المسلم فيه لا للمسلم إليه ولا لغيره.

والصواب أن الحنابلة يجيزون هبة المسلم فيه للمسلم إليه ولا يجيزونها لغيره.

واستدلوا على هذا: يعني: على الجواز:

- بأن هبة السلم للمسلم إليه هو في الحقيقة إسقاط وإبراء وليس معاوضة. وإذا كان إسقاطاً وإبراءً جاز.

= والقول الثاني: في أصل المسألة: جواز الهبة للمسلم إليه ولغيره.

- لأنه لا دليل على المنع.

- ولأن الهبة ليست من عقود المعاوضات التي يتشدد في شروطها بل هي من عقود التبرعات فإذا قال المسلم لرجل وهبتك السلم الذي لي عند فلان فأي محظور في هذا إذ ليس هذا من باب المعاوضات التي يشترط لها القبض والعلم وعدم الجهالة والغرر وإنما هي من باب التبرعات.

- ثم قال رحمه الله:

- ولا الحوالة به.

ذكرنا أن قوله: (ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه) وأن ما بعده من المسائل مبنية على المسألة في البيع.

هنا نقول: (ولا الحوالة به) يعني: ولا أن نحيل المسلم إليه السلم إلى رجل آخر.

صورة المسألة: أن يقول المسلم إليه للمسلم: أحلتك بالسلم (بالدين الذي علي) الذي علي على فلان فأحال المسلم إلى رجل آخر.

وذكرنا سابقاً أن المسلم هو: المشتري. والمسلم إليه: هو المدين البائع.

وكا قلت: هذه المسائل مبنية على البيع.

لذلك عللوا المنع:

- بأن هذه الحوالة إنما هي نقل للملك فمنع كالبيع.

وإذا كان الدليل مبني على مسألة منع البيع فقد تقدم معنا أن البيع جائز وإذا كان البيع جائزاً فكذلك الحوالة به جائزة.

- ثم قال رحمه الله:

- ولا عليه.

يعني: ولا يجوز احوالة بالمسلم فيه على شخص آخر.

ص: 73

صورة المسألة: أن يقول المسلم: أحلتك بالدين الذي لي على فلان لتأخذه. المسلم يقول لرجل يطلبه دين: أحلتك بديني على المسلم إليه المدين لي بكذا وكذا.

ولتبسيط المسألة: الحوالة به. المحيل هو: المسلم إليه. والحوالة عليه: المحيل هو: المسلم. وبهذا تتضح وتكون متوافقة.

بقينا في الدليل:

دليل الحنابلة على الصورة الثانية وهي إذا أحالها عليه:

- قالوا: أن من شروط الحوالة أن تكون على دين مستقر ودين السلم ليس ديناً مستقراً. لأنه تقدم معنا أنه إذا عجز المسلم إليه فالمسلم بالخيار بين الفسخ والصبر. فصار ديناً ليس مستقراً.

= والقول الثاني: أن السلم به والسلم عليه جائز.

- لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم من أحيل على مليء فليحتل.

فهذا النص يتناول دين السلم وغيره من الديون.

وهذا البحث في الحقيقة من صميم مباحث الحوالة وسيأتينا في الحوالة شروط الحوالة وأن منها على دين مستقر وماقشة هذه المسألة. والذي يعنينا الآن أن الحوالة بالسلم عليه: يعني: بدين السلم عليه: جائزة لعموم الحديث.

- ثم قال رحمه الله:

- ولا أخذ عوضه.

يعني: ولا يجوز أن يأخذ المسلم عوضاً عن دين السلم.

وأخذ العوض عن دين السلم هو البيع.

ولما كان أخذ العوض عن دين السلم هو البيع: لزم من هذا أن يبين الحنابلة مالفرق بين قولهم هنا: (ولا أخذ عوضه) وبين بيع المسلم إليه. لابد أن يبين الحنابلة لأنهم هم الذين ذكروا هذه الألفاظ.

وجدنا أن بعض الحنابلة بين الفرق لكن من أحسن من بين الفرق رجل كتب حاشية على شرح المنتهى فبين الفرق: فقال: الفرق بين أخذ العوض والبيع هو أنه المقصود في أخذ العوض أن يكون من غير النقدين ولغير المسلم إليه. فإذا أسلم في قمح فلما حل الأجل أخذ بدله شعيراً قهل هذامن بيع السلم أو من أخذ عوضه عليه؟ من أخذ العوض. وإذا باعه بخمسين ديناراً فهو من بيع السلم.

هكذا فرقوا بين اللفظين. وإلا في الحقيقة فهو بيع.

ولذلك الخلاف السابق في البيع ينطبق على الخلاف في الحوالة في مبادلة دين السلم بشيء من غير النقدين وتقدم معنا أن الصواب صحته إلا لغير المسلم إليه.

- ثم قال رحمه الله:

- ولا يصح الرهن والكفيل به.

ص: 74