الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذاً: إذا كان المدفوع وديعة وليس ديناً كما في المسألة السابقة.
يقول رحمه الله: (أخذها). يعني أخذها ربها ممن هي بيده سواء كانت بيد الوكيل الذي زعم أنه وكيل أو بقيت في يد المودع.
إذاً: يأخذها ممن هي بيده وهذا الحكم لا إشكال فيه.
- قال رحمه الله:
- فإن تلفت ضمّن أيهما شاء.
إن تلفت الوديعة فللمودع أن يضمن أياً منهما.
ـ فإن شاء ضمن المودع.
ـ وإن شاء ضمن مدعي الوكالة.
التعليل:
- قالوا: أما المودع: فلأنه فرط حيث دفع الوديعة بغير إذن شرعي فيلزمه الضمان.
- وأما الموكل فإنه يضمن لأنه استلم ما لا يستحق.
وبهذا عرفنا الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الدين الذي في الذمة والفرق هو أنه في المسألة الثانية له أن يضمن أيهما شاء وفي المسألة الأولى: لا يضمن إلا المدين. - يعني: عمرو في المثال.
وهذا هو الفرق بين المسألتين.
وبهذا انتهى الكلام ولله الحمد على الوكالة وننتقل إلى باب مهم وهو الشركة.
باب الشركة
- يقول رحمه الله:
- باب الشركة.
الشركة معناها في لغة العرب: الاختلاط.
ومعنى شارك غيره: يعني: دخل معه في عمل أو في غيره.
هذا معنى المشاركة.
والمؤلف رحمه الله على غير عادته عرف الشركة مع أنه لا يعرف في العادة.
- يقول رحمه الله:
- وهي: اجتماع في استحقاق أو تصرف.
عرف المؤلف رحمه الله الشركة مع أنه ليس من عادته التعريف ولعل السبب أن الشركة لها خمسة أنواع كما سيأتينا.
فذكر التعريف في بداية الباب يغني عن تكراره في الأنواع الخمسة.
أو لعله عرف الشركة لأهميتها وليتصور القارئ معناها.
أو عرف الشركة لا لسبب واضح.
يقول رحمه الله: (هي: اجتماع في استحقاق أو تصرف).
دل تعريف المؤلف رحمه الله على أن للبيع نوعين:
ـ النوع الأول: الشركة في المال - أو تسمى الشركة في الملك. أو تسمى شركة الأملاك.
ونقول الشركة في المال ولا نقول شركة الأموال وإنما نقول الشركة في المال. أو شركة الأملاك.
وهو الذي دل عليه المؤلف رحمه الله: (اجتماع في استحقاق).
ومعنى شركة التملك: أن يشترك اثنان في ملك عين بأي سبب شرعي.
سواء كان السبب شراء أو هبة أو إرث أو أي سبب شرعي لتملك الأعيان.
وهذا هو النوع الأول.
وهذا النوع غير مراد في الباب مطلقاً ولن يتحدث عنه المؤلف أبداً لكنه يذكر للتفريق بين أنواع الشركة.
ـ أما النوع الثاني: فهو شركة العقود وهو الذي عبر عنه المؤلف رحمه الله بقوله: (تصرف).
شركة العقود هي اجتماع في تصرف.
والمقصود بالتصرف نحو أن يبيع أن يستأجر أو أن يضارب على تفصيل سيأتينا.
هذا هو المقصود بالتصرف.
ما هو الفرق بين النوعين؟
إذا لاحظت ودققت ستجد أن الفرق بن النوعين هو في وجود العقد في الثاني وعدم وجوده في الأول. ففي الأول لا يوجد عقد.
في الثاني: لا توجد الشركة إلا من خلال عقد.
وهذا هو روح الفرق بين النوعين.
- ثم قال رحمه الله:
- وهي أنواع، فشركة عنان.
النوع الأول: شركة عنان.
والعنان مشتقة في لغة العرب من: (عَنَّ الأمر) لأنه عَنَّ لكل واحد منهما أن يشارك صاحبه.
وقيل: مشتقة من: عنان الفرس.
ووجه الاشتقاق أن كل واحد من الشريكين يتصرف بنصيب شريكه كما يتصرف الفارس بعنان الفرس.
والراجح: الاشتقاق الثاني.
والسبب: السبب في ترجيح هذا الاشتقاق من وجهين:
ـ الوجه الأول: أن هذا الاشتقاق اختاره الإمام الكسائي والأصمعي. وهما إماما هدى في اللغة ولقولهما ثقل. لا سيما الكسائي.
ـ الثاني: أن المعنى الثاني: أخص بشركة العنان بالذات من المعنى الأول. لأن الأول. فيه أنه عَنَّ لهما وكونه يعرض للإنسان أن يشارك غيره هذا موجود في جميع أنواع الشركات.
وإنما الشيء الخاص هو المعنى الثاني.
وأما في الاصطلاح فتكفل المؤلف بالبيان:
- فيقول رحمه الله:
- أن يشترك بدنان بماليهما المعلوم.
تعريف شركة العنان: أن يشترك بدنان بماليهما المعلوم.
ففي شركة العنان مال وبدن.
وقول المؤلف رحمه الله (بدنان). لا يريد التقييد وإنما يقصد التمثيل يعني ولو أكثر. ولو كان المشتركون أكثر من اثنين ثلاثة أو أربعة أو خمسة.
وقوله: (بماليهما المعلوم). عرفنا من كلام المؤلف أنه لابد أن يكون المال معلوماً.
فإن لم يكن معلوماً: بطلت الشركة.
والسبب في ذلك: أن الاشتراك بمال مجهول يؤدي إلى الغرر والاختلاف والجهالة.
والسبب الثاني: أن الاشتراك بمال مجهول يمنع الرجوع عند فسخ الشركة لأنه لا يعرف ما لكل واحد من مال حتى يرجع بماله بعد فسخ الشركة. وهذا لا إشكال فيه.
أن الاشتراك بمال مجهول لا تصح معه الشركة.
- ثم قال رحمه الله:
- ولو متفاوتاً.
يعني: يجوز الاشتراك بالمال ولو كان المال متفاوتاً. بأن يحضر أحدهما أكثر مما يحضر الآخر.
فإذا تفاوت المال جازت الشركة.
- لأنه لا دليل على اشتراط تساوي المالين.
- ثم يقول رحمه الله:
- ليعملا فيه ببدنيهما.
لابد في شركة العنان أن يعمل كل من الطرفين ولا يجوز أن يعمل أحدهما.
- لأن مبناها على الاشتراك في المال والبدن.
واسنثنى الحنابلة صورة واحدة ففيها يجوز أن يعمل أحدهما دون الآخر وهذه الصورة هي: أن يشترط مع ذلك أن يكون للعامل ربح أكثر من الآخر ليكون الربح الزائد مقابل العمل.
وإذا صححنا هذه الشركة التي يعمل فيها واحد مع وجود مالين فتخريجها الصحيح أنها عنان ومضاربة.
أما أنها عنان: فلأن المال من الاثنين.
وأما أنها مضاربة فلأن العمل من واحد فليست هي عنان من كل وجه ولا مضاربة من كل وجه بل هي عنان ومضاربة.
فيما عدا هذه الصورة لا يجوز أن يتولى العمل أحدهما دون الآخر عند الحنابلة.
= والقول الثاني: النه يجوز مطلقاً. سواء كان الربح أكثر له أو لم يكن.
فيجوز أن يشارك زبد وعمرو من كل واحد منهما مائة ألف والذي يعمل بالمال عمرو والربح مناصفة بينهما.
فهذه الصورة التي ذكرت صحيحة على القول الثاني باطلة عند الحنابلة.
والصحيح: الجواز. لأنه لا دليل على المنع ولأن مبنى المعاملات على الرضا فما دام الرضا موجوداً مع عدم وجود غرر ولا جهالة ولا ربا فلا يوجد ما يمنع.
وقد يكون السبب في هذا: شهرة صاحب المال الأول أو استشارته أحياناً أو إرادة العانل نفع صاحب المال. أياً كان السبب فلا يوجد مانع شرعي.
وهذا كما قلت هذا القول هو الراجح إن شاء الله.
- قال رحمه الله:
- فينفذ تصرف كل منهما فيهما: بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه.
ينفذ تصرف كل واحد منهما في نصيبه بحكم الملك وهذه لا تحتاج إلى تعليق لأنه يتصرف في ملكه وهذا أمر ظاهر.
وفي نصيب شريكه بعقد الوكالة.
وهذا يفيد أموراً:
ـ الأمر الأول: أن مبنى الشركة على الوكالة.
ـ الثاني: - وهو مفرع من الأول - أن مبنى الشركة على الأمانة.
ـ الأمر الثالث: أن لكل واحد منهما أن يتصرف في المالين بمجرد العقد ولو قبل اختلاط المال.
ـ الأمر الرابع: وهو مهم. أن كل ما يشترى بعد العقد فهو ملك للجميع. وكل ما يتلف بعد العقد فهو من ضمان الجميع. ولو كان مال أحدهما قبل العقد.
وهذه المسائل تعتبر كالقواعد في الشركات.
وسيأتينا أن المؤلف رحمه الله وغيره بعد شركة العنان يبدأون بالإحالة على أحكام العنان والمضاربة لأن الأحكام متفقة.
المهم هذه أربع مسائل هي كالقواعد لمسألة الشركة.
لم نذكر الدليل على المسألة - السابقة - الأصل وهي أنه يتصرف في ملك شريكه بالوكالة.
الدليل على هذا:
- أن كل واحد من الشريكين أذن لصاحبه في التصرف. والإذن في التصرف هو حقيقة الوكالة.
نحن تقدم معنا أن الوكالة إذن في التصرف.
إذاً: نقول نحن: لما أذن كل واحد منهما لأخيه بالتصرف فهذه هي حقيقة الوكالة.
- ثم قال رحمه الله:
- ويشترط (1) أن يكون رأس المال: من النقدين المضروبين.
يشترط لصحة الشركة: ـ أن تكون في النقدين المضروبين. فلا يصح أن يشتركا في عروض.
استدل الحنابلة على هذا بأمرين:
- الأول: أن النقود هي قيم الأشياء. فهي موضوع الشركة.
- الثاني: أن الاشتراك بالعروض يؤدي إلى الاختلاف والتنازع. لأن الاشتراك فيها مبني على تقدير القيمةوتقدير القيمة فيه اختلاف وتفاوت.
والقاعدة الشرعية: أن المعاملات المالية التي تؤدي إلى التنازع يمنع منها الشارع.
= والقول الثاني: جواز الاشتراك بكل أنواع المال. من نقد وعرض وغيره ومنفعة وغيرها.
واستدلوا على هذا:
- بأن الأصل في المعاملات الحل.
- وبأن المفسدة المذكورة من قبل أصحاب القول الأول تندفع بتقدير قيمة العرض من قبل من يرض به الشريكان وتكون الشركة مبنية على القيمة لا على العرض.
مثال ذلك/ إذا اشترك كل واحد منهما بسيارة - كل واحد أحضر سيارة - إذا أردنا إجراء العقد نقول:
كم قيمة سيارة زيد؟ قالوا خمسين.
كم قيمة سيارة عمرو؟ قالوا سبعين.
مبلغ الشركة كم؟ مائة وعشرين.
لزيد خمسين ولعمرة سبعين. ولا ننظر بعد إتمام العقد إلى العرض. إلى السيارة.
وبهذا نخرج من إشكال الاختلاف.
وهذا القول هو الصحيح. وعليه العمل من قديم وحديث. إذ قد لا يجد الناس نقداً يشتركون فيه لكن يجدا عرضاً يشتركان فيه والربح بينهما مناصفة.
- قال رحمه الله:
- ولو مغشوشين يسيراً.
يعني: ويعفى الغش اليسير في النقدين.
وعلة ذلك:
- أن الغش اليسير يصعب ويتعذر التحرز منه فعفي عنه لأن المشقة في الشرع تجلب التيسير ولو شرطنا على المتشاركين أن لا يشتركوا إلا بنقود خالصة لا غش فيها لأدى هذا إلى تضييق الشركة.
وفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا كان الغش كثيراً فإنه لا يجوز وهو كذلك لأنه إذا كثر الغش وجدت الجهالة في النقدين وتقدم معنا أن الجهالة تمنع عقد الشركة.
- ثم قال رحمه الله:
- (2) وأن يشترطا لكل منهما: جزءاً من الربح مشاعاً معلوماً.
يعني: ويشترط لصحة الشركة أن يشترط لكل واحد من الشريكين ربحاً وأن يكون هذا الربح مشاعاً معلوماً.
مثال ذلك/ أن يقول لأحدهما الربع وللآخر ثلاثة أرباع.
أو أن يقول لأحدهما النصف وللآخر النصف.
فالنصف والربع في الأمثلة جزء معلوم ولكنه مشاع.
فهم من إطلاق عبارة المؤلف رحمه الله أنه يجوز التفاوت في الجزء المشاع ولو مع التساوي في قدر المال.
فإذا أخرج زيد خمسين وعمرو خمسين فيجوز أن نشترط لعمرو سبعين في المائة.
وفهم من إطلاق كلام المؤلف رحمه الله أنه يجوز أن نشترط الأكثر للأقل يعني: يجوز أن نشترط الربح الأكثر لمن ماله أقل.
لأن هذا مفهوم من إطلاق عبارة المؤلف رحمه الله. وهذا صحيح. إذ لا يوجد في الأدلة الشرعية ما يدل على أنه يجب أن يكون الربح المشترط متناسباً مع قدر المال. لأنه قد يكون أحدهما أحذق بالعمل من الآخر وأقدر على تصريف الأمور فيشترط ربحاً زائداً ولو كان ماله أقل من مال صاحبه.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن لم يذكرا الربح أو شرطا لأحدهما جزءاً مجهولاً أو دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين: لم تصح.
يقول رحمه الله: (فإن لم يذكرا الربح) يعني: بطلت الشركة.
وينبني على البطلان: أن يكون لكل واحد منهما ربح ماله وأجرة مثله مخصوماً منها أجرة تشغيل ماله.
إذاً ينبني على هذا - كما قلت -: أن يكون لكل واحد ربح ماله وأجرة مثله لكن يخصم من أجرة المثل ما يقابل العمل في ماله. وينبني على هذا: أنه لا يضمن أي منهما مال الآخر لأنا حكمنا على الشركة بالفساد.
دليل الفساد إذا لم يذكرا ربحاً:
- استدلوا على هذا: بأن المقصود الأساس من الشركة الربح. فإذا أهمل بطلت الشركة.
وهذا الحكم: صحيح إلا إذا دل العرف على أن الشريكين إذا لم يذكرا الربح فالأصل أنه بينهما مناصفة. إذا كان العرف يدل على هذا فالشركة صحيحة والحكم أنه بينهما مناصفة.
قال رحمه الله: (أو شرطا لأحدهما جزءاً مجهولاً). كأن يقول: لك جزء من الربح ولي الباقي: فهذه الشركة فاسدة.
لأنه كما تقدم المقصود من هذا العمل الربح. فإذا أهمل بطلت الشركة.
وهذا مع أن العقل يستبعد وقوعه بين الناس إلا أنه يقع الآن كثيراً فيقول: فلنشترك وسأعطيك بعض الربح.
هذا هو الربح المجهول. فالشركة بناء على هذا باطلة. والحكم كما تقدم. كل واحد يأخذ ربح ماله.
يقول رحمه الله: (أو دراهم معلومة). لاشتراط الدراهم المعلومة: صورتان.
ـ الصورة الأولى: أن يقول: لك الربع - يعني: من الربح - وعشرين درهماً.
أو يقول: لك عشرون درهماً.
يعني: سواء كانت الدراهم المعلومة مع وجود نسبة مشاعة أو بدون وجود نسبة مشاعة في الكل الشرط باطل والشركة باطلة.
السبب: السبب: أنه ربما أن هذه الشركة لم تربح إلا هذه العشرين دينار. فيدخل الضيم والنقص على الآخر وربما ربحت الشركة ربحاً كبيراً جداً فيدخل النقص والضيم على من اشترط له دراهم معلومة.
قال رحمه الله: (أو ربح أحد الثوبين: لم تصح) أو اشترط ربح أحد الثوبين أو أحدى السفرتين أو جزءاً معيناً من البضاعة كما يحصل أحياناً ففي الكل: لا يجوز والشرط والعقد فاسد.
والتعليل: هو ما تقدم. إذ ربما لا يربح إلا في إحدى السفرتين دون الأخرى وربما لا يربح إلا في أحد الثوبين دون الآخر.
فالتعليل في المسائل هذه واحد.
وهذا: - أي تحديد ربح أحدهما بأس نوع من أنواع التحديد - من أشهر القوادح في الشركات ولو استمرأة بعض الناس فهو عقد باطل مخالف لمقتضى الشرع وخالف لموضوع الشركة.
ما هو موضوع الشركة؟ موضوع الشركة: الاشتراك المشاع في الأرباح.
فهذا الشرط في الحقيقة يتعارض ويناقض الأصل المقصود من الشركة. ولو كان كما قلت كثير من الناس يرى أنه لا بأس به وقد يتعامل بمقتضاه وهو باطل ومبطل للشركة.
- ثم قال رحمه الله:
- وكذا مساقاة ومزارعة ومضاربة.
يعني: ويشترط فيها أن يكون الربح جزءاً مشاعاً.
ولا يجوز في المساقاة ولا المزارعة أن يختار جزءاً معيناً من المزرعة يكون نتاجه له.
وسيخصص المؤلف رحمه الله باباً مستقلاً للمساقاة والمزارعة.
والمساقاة والمزارعة والمضاربة حكمها واحد وهو أنه يشترط أن يكون فيها جزءاً مشاعاً وكما قلت المساقاة والمزارعة سيفرد لها المؤلف رحمه الله باباً مستقلاً.
- ثم قال رحمه الله:
- والوضيعة: على قدر المال.
الوضيعة: هي الخسارة. والمؤلف رحمه الله يقول: أنها على قدر المال. يعني: تحسب بالنسبة فلكل منهما من الخسارة بقدر ماله.
فمن دفع ثلاثة أرباع المال: فعليه من الخيارة ثلاثة أرباع. ومن دفع الربع فعليه الربع.
وإذا كان المال مناصفة فالخسارة أيضاً مناصفة.
وهذا الحكم وهو أن الخسارة على قدر المال مطلقة مهما كان سبب الخسارة.
سواء كان سبب الخسارة أن تنقص أسعار السلع أو كان سبب الخسارة أن تتلف السلع فالأمر واحد.
فالخسارة على قدر المال.
وهذا الحكم بالإجماع أن الخسارة على قدر المالين.
فلا يجوز أبداً أن يقول: فلنشترك ولنعمل فإن كانت خسارة فهي علي. هذا الشرط باطل
لا يجوز - كما يصنعه بعض الناس - أن يقول فلنشترك وندخل في هذه المتاجرة فإن وجدت الخسارة فهي علي ومن مالي. هذا الشرط باطل فإذا وجدت الخسارة فهي على قدر المالين.
وهذا الشرط مهم في الحقيقة: والسبب أنه إيضاً كثيراً ما يقع الإخلال فيه من المشتركين.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا يشترط: خلط المالين.
= ذهب الأئمة الثلاثة: أحمد ومالك وأبو حنيفة إلى أنه لا يشترط خلط المالين.
ومعنى هذا: أن الشركة تبدأ وتنفذ بمجرد العقد ولكل منهما أن يتصرف بعد العقد مباشرة.
= وذهب الإمام الشافعي: إلى أنه يشترط لصحة الشركة خلط المالين قبل التصرف.
فعند الإمام الشافعي تضييق في هذا الباب.
وإذا قيل عند فلان تضييق في مسألة فإن هذا لا يعني أن قوله مرجوح.
التضييق والتوسيع تتبع فيه النصوص. الذي يدل على أن قول أحدهم مرجوح وجود الحرج والمشقة أما التضييق فليس من أسباب الترجيح.
((الأذان)).
والراجح قول الأئمة الثلاثة. الدليل:
الدليل أن المقصود من الشركة هي الإذن بالتصرف بتقليب المال لتحقيق الربح وهذا يتحقق مع الخلط وبدونه.
وأنا نبهت مراراً إلى كيفية الاستفادة من الأصل المقرر في الترجيح. هنا نستفيد من الأصل: نحن نقول أن موضوع الشركة والأصل من مشروعيتها هو الإذن في التصرف والمقصود من التصرف تحقيق الربح وهذا يكون مع الخلط وبدونه فإذا تحقق الأصل المقصود من الشركة مع الخلط وبدونه دل على رجحان قول الأئمة الثلاثة. لا سيما ونحن نبطل الشركة التي لا يراعى فيها شروط الربح ونعلل ذلك بأن الربح هو المقصود من الشركة.
وبهذا استطعنا أن نسخر معرفة المقاصد في الترجيح.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا كونهما من جنس واحد.
ولا يشترط أن يكون المالان من جنس واحد فيجوز أن يأتي أحدهما بدراهم والآخر بدنانير أو أحدهما بريالات والآخر بجنيهات.
= وذهب الإمام الشافعي إلى أنه يشترط اتحاد النقدين. فلابد أن يحضر كل منهما نقداً متحداً.
وهذه المسألة مبنية على المسألة السابقة وهي مسألة الاختلاط.
فإذا كان الراجح أنه لا يجوز الخلط فالراجح أنه لا يشترط اتحاد النقدين.
وبهذا انتهى الكلام عن شركة العنان. وننتقل إلى المضاربة.
فصل
- قال رحمه الله:
-) فصل) الثاني: المضاربة لمتجر به ببعض ربحه.
المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض.
والضرب في الأرض هو المشي فيها بقصد السفر.
والمضاربة مشروعة بالإجماع وبالسنة التقريرية وبالآثار الصحيحة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ أما الإجماع. فحكاه غير واحد من أهل العلم.
ـ أما السنة التقريرية فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء والناس يتعاملون بالمضاربة وأقرهم على ذلك.
ـ وأما الآثار الصحيحة: فثبت أن عمر رضي الله عنه وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وعائشة كلهم عامل بالمضاربة.
ولا شك إن شاء الله في أنه مشروع لهذه الأدلة القوية.
وإن وقع خلاف في بعض صوره. وإنما الكلام على أصل المشروعية.
يقول رحمه الله: (المضاربة لمتجر به ببعض ربحه) أي: أن المضاربة هي دفع المال لمن يتجر به ببعض ربحه.
وقول المؤلف رحمه الله هنا: (ببعض ربحه) أي: أنه لابد من تقدير نصيب العامل. يشترط لصحة المضاربة أن يقدر نصيب العامل فإن لم يقدر لم تصح المصاربة.
الدليل على هذا:
- أن العامل لا يستحق الربح إلا بالشرط فإذا لم يشترط لم يصر له ربحاً وفسدت المضاربة.
وقاعدة الحنابلة أن أي مضاربة تفسد تنقلب إلى عقد الإجارة ويعطى المضارب أجرة المثل.
= والقول الثاني: أن له ربح المثل. ولو قلنا بفساد المضاربة.
وهذا القول الثاني اختاره شيخ الإسلام رحمه الله وهو مقتضى العدل لأنه عمل على أساس أن له ربحاً لا على أن له أجره ..
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدرس: (33) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بالأمس توقفنا عند مسألة أن الحنابلة يرون أنه لابد من أن يفرض للعامل في المضاربة نصيباً محدداً وأنه من شروط صحة المضاربة.
وأخذنا دليلهم على هذا الشرط وتطرقنا لمسألة الأصل في المضاربة الفاسدة. ومذهب الحنابلة في هذا الأصل والقول الثاني.
وانتهينا من هذا كله.
اليوم نبدأ بتكميل المسألة: فنقول:
= القول الثاني: انه إذا لم يذكر نصيباً للمضارب فالأصل أن الربح بينهما نصفين ولا تبطل المضاربة.
والدليل على ذلك:
- أنهما عقدا عقد مضاربة وأطلقا فانصرف إلى المناصفة.
فصل
- وقوله رحمه الله:
- (المضاربة لمتجر به ببعض ربحه).
قوله: (ببعض ربحه) يدخل فيه: مسألة/ وهي: إذا قال: خذ هذا المال واتجر به والربح كله لي: فالعقد صحيح. وهو إبضاع.
والإبضاع هو: دفع لاالمال لمن يعمل به مجاناً.
وإن قال: (خذ هذا المال واتجر به والربح كله لك). فالعقد: صحيح. والعقد: عقد قرض.
وإن قال: (خذ هذا المال مضاربة والربح لك) أو قال: (خذ هذا المال مضاربة والربح لي) فهو عقد: فاسد.
- لأنه جمع بين عقد المضاربة والقرض والأصل في المضاربة الاشتراك في الربح.
والفرق بين المسألتين:
ـ في اللفظ فقط.
ففي الأول يقول: (خذ هذا المال واتجر به والربح لك) لم يذكر كلمة مضاربة.
وفي الثانية يقول: (خذ هذا المال مضاربة واتجر به والربح لك).
= والقول الثاني: أنه إذا قال: (خذ هذا المال مضاربة والربح لك أولي) فالعقد: صحيح. ولا يفسد بذلك.
- لأن العبرة في العقود بالمعاني والقصود لا بالألفاظ والمباني.
فإذا عرفنا أن قصده أن يكون العقد قرضاً أو إبضاع صححنا العقد ولو مع وجود كلمة مضاربة نظراً للمعنى وإهمالاً للفظ.
وهذا القول الثاني هو الصحيح. إن شاء الله. بناء عليه: صار حكم المسألة واحد سواء قال: مضاربة أو لم يقل: مضاربة والتفريق على المذهب وهو ضعيف.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن قال: ((وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا)) فنصفان.
إذا قال: (خذ هذا المال مضاربة والربح بيننا) فهو مناصفة.
والدليل على هذا: - أنه أضاف الربح إليهما ولا يوجد في اللفظ مرجح لأحدهما فاقتسماه على التساوي.
وهذا صحيح: فإذا قال: الربح بيننا انصرف إلى المناصفة.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن قال: ((وَلِي أَوْ لَكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ أَوْ ثُلُثُهُ)) صح والباقي للآخر.
إن قال رب المال: خذ هذا المال مضاربة وثلث الربح لي. فللعامل ثلثاه.
وإن قال العكس فالعكس.
وتعليل ذلك: - أن الربح حق منحصر في هما فإذا بين نصيب أحدهما صار الباقي للآخر.
وقال بعض الحنابلة: إذا قال: خذ هذا المال مضاربة والربع لي - يعني لرب المال -: فهي فاسدة. لأنه لم يسم نصيب العامل ونحن نقول لابد من تسمية نصيب العامل.
والصواب أنه صحيح وأنه في الواقع سمى نصيب العامل: لأن نصيب العامل هو: المتبقي.
* * مسألة/ فإن قال: خذ هذا المال ونصف الربح لك وربعه لي. كم الباقي؟ ربع. فهو عند الحنابلة: لرب المال. فالذي لم يسمى لرب المال.
وعللوا ذلك: - بأن العامل ليس له إلا ما شرط له. فما لم يشرط فهو مباشرة لرب المال.
هكذا قال الحنابلة.
ولو قيل: أن هذا الشرط يبطل العقد لأنه يؤدي إلى النزاع وإلى جهالة الربح وجهالة الربح تخل بمقصود الشركة وما يخل بمقصود الشركة يؤدي إلى البطلان. فلو قيل بهذا لكان هو المتوجه.
لكن الحنابلة بنوا هذا على أصل صحيح عندهم وهو: أن العامل لا يستحق الربح إلا بالشرط فكل شيء لم يشرط له فهو لرب المال.
- قال رحمه الله:
- وإن اختلفا لمن المشروط: فلعامل.
في هذه المسألة: اتفقوا على الجزء المشروط يعني: على تسمية الجزء المشروط فاتفقوا على أن المشروط هو النصف لكن اختلفوا لمن هذا الجزء المشروط؟ = فعند الحنابلة: أن الجزء المشروط للعامل.
واستدلوا على هذا بدليلين:
- الدليل الأول: أن العامل لا يستحق الربح إلا بالشرط. فالأصل أن الشرط في حق العامل.
- الدليل الثاني: أن العامل يختلف ربحه تبعاً لقة وكثرة العمل بينما رب المال لا يختلف لأن رأس المال ثابت. وما يختلف ربحه هو الذي يحتاج إلى اشتراط. وهو العامل. وهذه المسألة قد تكون قليلة الوقوع.
* * المسألة الثانية/ وهي التي محل إشكال: أن يختلفوا في مقدار الجزء المشروط. وهذا هو الإشكال. وهو الذي يقع. فيقول رب المال: اشترطت لك الربع فقط.
ويقول العامل: بل اشترط لي: النصف. وهنا تقع المشكلة الحقيقية.
ولو أن المؤلف رحمه الله ذكر هذه المسألة الثانية وترك المسألة التي ذكرها لكان أنفع.
حكمها:
= عند الحنابلة: إذا اختلفوا في مقدار الجزء المشروط واتفقوا لمن هو؟ فالقول قول رب المال.
واستدلوا على هذا: - بأنه منكر للزيادة ومنكر الزيادة القول قوله.
= القول الثاني: وفيه تفصيل: قالوا: إذا اختلفا فالقول قول من يوافق العرف والعادة في مثل هذه المضاربة إن كان رب المال أو العامل.
فإن كان قول رب المال والعامل الجميع يوافق العرف والعادة واختلفوا أيضاً فالقول قول العامل.
- لأن المال بيده والربح من إنتاجه فقدم قوله.
وهذا التفصيل الجميل هو مذهب المالكية. وهو الراجح إن شاء الله. فنرجع إلى العرف إذا اختلفا ولا نقدم قول أحد على أحد فإن وافق العرف القولين لرب المال والعامل قدمنا قول العامل.
- ثم قال رحمه الله:
- وكذا مساقاة ومزارعة.
يعني في المسألتين السابقتين.
إذا اختلفوا في الجزء المشروط من الثمر في المساقاة أو من الزرع في المزارعة فهو للعامل.
وإن اختلفا في مقدار الجزء المشروط فالقول قول رب الأرض في مسأة المساقاة والمزراعة. نقول رب الأرض ولا نقول رب المال إذ لا يوجد مال كما سياتينا.
والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة تماماً بلا زيادة ولا نقص والراجح فيها هو الراجح في تلك.
- قال رحمه الله:
- ولا يضارب بمال لآخر: إن أضر الأول ولم يرض.
في هذه المسألة تفصيل:
ـ إذا ضارب العامل لرجل آخر بلا مضرة بالأول أو معها لكن برضى رب المال الأول: جاز بالإجماع.
ولهذا لو أن المؤلف رحمه الله استبدل الواو بأو لكن أنسب للحكم لأنه هو في الواقع يجوز إذا لم يضر أو رضي ولا نشترط أن لا لا يضر وأن يرضى.
المهم: إذا ضارب لرجل آخر بلا مضرة أو معها برضى الأول: جاز بالإجماع.
ـ وإذا ضارب لرجل آخر مع المضرة بلا رضى الأول: فإنه لا يجوز: = عند الحنابلة.
وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله. هذه المسألة من المسائل التي تبناها الإمام أحمد شخصياً وأفتى فيها مراراً.
الدليل: - قالوا: الدليل: أن مبنى الشركة على تحقيق الربح والسعي في تكميله واستغاله بمضاربة أخرى يضر بهذا المقصود.
- واستدلوا أيضاً: بأن منافع العامل مستحقة بالعقد الأول.
= والقول الثاني: وهو مذهب الجماهير: أن العامل له أن يعمل بالمضاربة مع رجل آخر بشرط: أن لا ينص في العقد الأول على المنع من ذلك.
واستدلوا على هذا: - بأن عقد المضاربة لا يستلزم استغراق منافع المضارب كلها بل هو عقد على عمل معين.
وهذا القول هو الصحيح. إذ ليس في الأدلة شيء واضح يدل على تحريم عمل المضارب بمضاربة أخرى.
لكن نقول أن ما ذهب إليه اإمام أحمد رحمه الله وجيه فيما إذا تبين لنا أن العقد الثاني أخل وأضر بالعقد الأول. فلرب المال الأول أن يمنع الثاني من المضاربة.
والأحوط في الحقيقة أن يكون هتاك شرط في العقد الأول فحينئذ يصبح لا يجوز له ان يضارب عند جميع الفقهاء.
عرفنا الآن أن الحنابلة يرون أنه لا يجوز أن يضارب فإن ضارب فقد بين المؤلف رحمه الله ماذا يفعل بالربح:
- قال رحمه الله:
- فإن فعل: رد حصته في الشركة.
يعني: فإن خالف وضارب لرجل آخر وحصل ربح فإن نصيب رب المال الثاني يبقى له حتى عند الجنابلة ونصيب المضارب من المضاربة الثانية يرد في الشركة الأولى ويدخل في أرباحها فيقتسمه هو ورب المال الأول على ما اتفقا عليه.
واستدلوا على هذا: - بما تقدم: انه عمل - أي المضارب - لرجل آخر في وقت مستحق بالعقد الأول. فصارت المنافع والأرباح للعقد الأول.
ونحن الآن نناقش داخل مذهب الحنابلة - التفريع على مذهب الحنابلة.
= والقول الثاني: على القول بالمنع. أن الربح لا يشاركه رب المال الأول فيه فهو للمضارب كاملاً مع الإثم.
وعللوا هذا: ((وهذا مبدأ مهم لطالب العلم))
- بأن الإنسان لا يستحق الربح أبداً في الشركات إلا بأحد أمرين مال أو عمل.
وفي هذه الصورة ليس من رب المال الأول لا مال ولا عمل فلا يستحق الربح.
وهذا القول الثاني اختيار شيخ الإسلام بن تيمية واختيار تلميذه النجيب ابن قاضي الجبل واختيار عدد من المحققين.
وهو بلا شك: إن شاء الله، الراجح.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا يقسم مع بقاء العقد إلاّ باتفاقهما.
الربح لا يجوز أن يقسم مع بقاء العقد - ولاحظ أن هذه عبارة دقيقة من المؤلف رحمه الله - الربح لا يملك أحد الشريكين أن يجبر الآخر على قسمته مع بقاء العبد. وإنما يشترط رضى الطرفين.
فما دام العقد موجوداً لم يفسخ فليس لأحدهما أن يلزم الآخر بتقسيم الأرباح ولو ظهرت أرباح كبيرة. إنما يجوز أن يقسم في حال واحدة إذا رضي كل منهما.
الدليل: الدليل على ذلك:
- أنه من جهة رب المال له أن يمتنع لأن الربح في حقه وقاية لرأس المال. وأما من جهة العامل فلأنه ربما قسم الربح ثم صارت خسارة فألزم برد ما أخذ فوقع في حرج. فليس لأحدهما أن يجبر الآخر.
ونحن نقول مع بقاء العقد. لأنه تقدم معنا أن شركة المضاربة شركة: جائزة. لكل منهما أن يفسخ العقد. فلا نقول ما دام العقد لم يفسخ يجب أن لا يقسم الربح إلا برضا الجميع فإذا اختار أحدهما فسخ العقد فحينئذ سياتينا أنه يقسم الربح بطريقة معينة.
إذاً: عرفنا الآن أنه لا يمكن القسمة إلا برضى الجميع.
قوله رحمه الله: (إلا باتفاقهما) وهذا معلوم وعلته الفقهية: أن الحق لا يخرج عنهما. وإذا كان الحق لا يخرج عنهما جاز برضى الطرفين.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد التصرف.
فهم من كلام المؤلف رحمه الله أن الحكم قبل التصرف يختلف عنه بعد التصرف وإن كان لم يذكر الحكم قبل التصرف.
فالحكم قبل التصرف: أنه إذا تلف كل المال بطل عقد الشركة من أساسه. وإذا تلف بعض المال بطلت الشركة في هذا الجزء التالف. لأنه إذا بطل المال لم يعد هناك رأس مال لتقليبه في التجارة. فانفسخ عقد المضاربة.
هذا الحكم فيما إذا كان قبل التصرف.
- يقول رحمه الله:
- وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد التصرف. أو خسر: جبر من الربح.
يجب أن تجبر الخسارة من الربح ولا يجوز للعامل أن يأخذ الربح مع وجود خسارة.
وعلل الفقهاء هذا بتعليل جميل جداً:
- فقالوا: الربح اسم للمال الذي يأتي بعد رأس المال. فإذا لم يأت رأس المال فليس هناك ربح والعامل إنما له جزء من الربح لا من رأس المال.
وتبين معنا أنه لا ربح لأن الربح في الشرع هو ما يأتي بعد رجوع رأس المال. وهذا في الحقيقة لفتة جيدة وقوية وفيها ترك للمسميات التي تغر طالب العلم. لأنه قد يسمى عند الناس ربح وإن لم يرجع رأس المال وهو في الحقيقة ليس بربح. وإنما ما زال الذي يأتي هو رأس المال.
- قال رحمه الله:
- قبل قسمته أو تنضيضه.
أريد أن أنبه إلى مسألة:/ ما ذكره الفقهار من قضية أنه لا يقسم الربح إلا بعد عدم وجود خسارة هذا الحكم يستوي فيه أن تكون الخسارة في صفقة واحدة والربح في صفقة أخرى أو الخسارة والربح في صفقة واحدة فكل ذلك ما دام العقد موجوداً. فما دام العقد وهو عقد المضاربة موجوداً فلا ربح وإن كانت الخسارة من صفقة والربح من صفقة أخرى. فكل ذلك - كما قلت - ما دام العقد موجوداً لا كما يتصور البعض أن لكل صفقة حسابها الخاص فهذا خطأ بل الصفقات كلها حسابها واحد ما دام العقد موجوداً.
- يقول رحمه الله:
- قبل قسمته.
يعني: يجب أن نسدد رأس المال قبل قسمة الأرباح. ومقصود المؤلف رحمه الله هنا قبل القسمة مع انتهاء العقد ومع بقائه.
فالقسمة تنقسم إلى نوعين:
ـ قسمة قبل انتهاء العقد. فالقسمة التي قبل انتهاء العقد لا تجوز ولا تعتبر ملكاً تاماً. (وقولي لا تجوز يعني: لا تمضى). فإذا قسموا مع وجود العقد ثم حصلت خسارة فإنا نرجع على من أخذ الربح وهذا معنى قولي فيما تقدم أنه سواء كان الربح والخسارة في صفقة أوم في صفقتين.
ـ النوع الثاني: ان تكون القسمة بعد انتهاء العقد. فإذا كانت القسمة بعد انتهاء العقد فإنه لا شأن للأرباح المقبوضة بالخسائر التي تأتي بعد ذلك ولو بنفس رأس المال ولو من قبل نفس المضارب ورب المال.
إذاً القسمة: إذا قيل لك القسمة فالفقسمة لفظ مطلق يجب أن تستفصل هل هي قسمة مع بقاء العقد أو قسمة انتهاء العقد.
فالقسمة قبل انتهاء العقد لا تعتبر قسمة حقيقية ونرجع على القابض إن حصلت خسارة.
وبعد العقد لا نرجع.
- يقول المؤلف رحمه الله:
- أو تنضيضه.
التنضيض هو عملية تحويل السلع إلى النقود.
والتنضيض ينقسم إلى قسمين:
ـ إما أن يكون تنضيض مع محاسبة. ـ أو تنضيض بلا محاسبة.
والمقصود بالمحاسبة: معرفة نصيب كل واحد من الطرفين.
- - فإن كان التنضيض بعد المحاسبة فهو كالقسمة تماماً - فحكمه حكم القسمة -. فتنقسم إلى: ـ ما بعد العقد. ـ وما قبل العقد.
- - وإن كان قبل: فلا حكم له. لأن التنضيض بدون محاسبة لا يعرف به أصلاً نصيب كل واحد ولا ربح كل واحد.
إذاً: عرفنا الآن القسمة وأنواعها. والتنضيض وأنواعه.
والذي يهمنا الآن أن التنضيض مع المحاسبة حكمه حكم القسمة.
وبهذا نتهينا من الباب - من الفصل المخصص للمضاربة.
والمؤلف رحمه الله خصص فصلاً كاملاً للمضاربة لأهميته ولكثرة وقوعه. وستلاحظ أنه في الفصل الثاني أدرج النوع الثالث والرابع والخامس بفصل زاحد لقلة المباحث وقلة الوقوع.
فصل
- قال رحمه الله:
- (الثالث) شركة الوجوه.
الثالث من أنواع الشركات: شركة الوجوه.
والوجه: معناه الجاه. يعني: إذا قيل شارك بوجهه يعني: بجاهه.
وسياتينا معنى الجاه.
وشركة الوجوه مشروعة.
والدليل على مشروعيتها:
- الأدلة العامة الدالة على مشروعية الشركة من حيث هي.
وسيبين المؤلف رحمه الله معناها.
- قال رحمه الله:
- أن يشتريا في ذمتيهما بجاههما فما ربحا فبينهما.
هذه هي شركة الوجوه.
ومعناها: أن يشتريا بذمتيهما وما كان من ربح فهو بينهما.
فعرفنا من ذلك: أنه ليس في شركة الوجوه مال. وإنما يكون الشراء في الذمة.
وعرفنا كذلك: أن مبنى شركة الوجوه على عقدين:
1 -
الوكالة.
2 -
والكفالة.
فحقيقة شركة الوجوه هي انها مكونة من عقدين: - عقد الوكالة. - وعقد الكفالة.
إذاً: تبين معنا الآن حقيقة هذه الشركة ومعناها وهي أن يشترك اثنان في اقتراض مال أو سلع والاتجار به وما يكون من ربح فهو بينهما.
- يقول رحمه الله:
- في ذمتيهما بجاهيهما.
الجاه في الاصطلاح هو المكانة والقدر والرفعة.
وطلبها: طلب الجاه والمكانه من مفسدات القلوب.
وإذا حصلت بلا طلب وتاجر بها يعني بذمته - لا أقصد تاجر بها يعني: يتاجر بجاهه - لكن إذا تاجر معتمداً على جاهه وأخذ الأموال في ذمته فتصرفه صحيح ولا لوم عليه.
عرفنا الآن إذاً وتصورنا ما هي شركة الوجوه.
- قال رحمه الله:
- فما ربحا فبينهما.
يعني على حسب ما شرطاه.
وليس مقصود المؤلف رحمه الله: (بينهما) بدون ضابط ولكن حسب ما شرطاه.
- قال رحمه الله:
- وكل واحد منهما: وكيل صاحبه.
يعني: في شراء نصيبه.
فما يشتريه هو في الواقع وكيل عن شريكه فيه.
لكن هو وكيل عن شريكه في نصف ما يشتري.
والنصف الآخر يشتريه بالأصالة.
إذاً هذا الجزء الأول وهو أنه وكيل.
- قال رحمه الله:
- وكفيل عنه بالثمن.
وكفيل عنه بالثمن كاملاً وليس بنصف الثمن.
- لأن مبنى شركة الوجوه على الضمان. فإذا اشترى فقد ضمن الثمن كاملاً وشريكه ضمن الثمن كاملاً.
إذاً: هو وكيل بالنصف ولكنه ضمين بكامل الثمن.
- قال رحمه الله:
- والملك: بينهما على ما شرطاه.
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم).
ومعنى هذه العبارة: أنهما إذا اشتريا سلعاً بذمتهما وبجاههما فالملك بينهما على ما شرطاه ولا يقال لكل واحد ملك ما اشتراه.
فإذا اشترك زيد وعمره شركة وجوه واشترى زيد بذمته بيتاً يقدر بمائة ألف. واشترى عمرو بذمته بيتاً يقدر بخمسين ألف.
المجموع: مائة وخمسين. ونصفه: خمسة وسبعون. زيد في المثال اشترى البيت الذي قيمة مائة ألف ومع ذلك لا يملك منه إلا النصف وكذلك الآخر.
ولو اشترطوا لزيد ثلاثة أرباع أو أربعة أخماس أوحسب ما اشترطاه فإن الشرط صحيح ويكون أربعة أخماس هذه السلع المجتمعة للمشترط له والخمس للآخر. ولا ننظر أبداً ماذا اشترى هذا أو ماذا اشترى الآخر.
- قال رحمه الله:
- والوضيعة: على قدر ملكيهما.
وهذا مبنى على المسألة السابقة.
الوضيعة على قدر المال في جميع الشركات. وبالإجماع.
حتى في المضاربة التي فيها المال من طرف واحد الوضيعة على المال لأن المال هنا من طرف واحد.
فإذاً: قاعدة الشركات المجمع عليها أن الوضيعة على قدر المال.
- قال رحمه الله:
- والربح: على ما شرطاه.
الربح على ما شرطاه: قياساً على شركة العنان.
والوضيعة أيضاً قياساً على شركة العنان.
تقدم معنا أن شركة العنان سيبنى عليها أحكام شركات أخرى فهنا نقول الوضيعة والربح حكمهما حكم العنان.
فالوضيعة على قدر المال والربح حسب ما اتفقا.
- قال رحمه الله:
- (الرابع) شركة الأبدان.
شركة الأبدان. هي: أيضاً من الشركات التي تكون بلا مال.
وتنقسم إلى قسمين:
ـ القسم الأول - من شركة الأبدان -: أن يشتركا في تقبل عمل في الذمة.
ـ القسم الثاني: أن يشتركا فيما يملكان من العمل المباح. كالاحتطاب مثلاً.
مثال القسم الأول: أن يشتركا في بناء جدار في ذمتهما ويكون الربح مقسوماً بينهما.
مثال القسم الثاني: أن يقول كل ما اكتسبنا من عملنا المباح فهو بيننا. فلو فرضنا أنهما اشتركا في الصيد وأحدهما صاد مائة طير والآخر صاد طيراً واحداً فهما شركاء في المجموع يقسم بينهما بالسوية أو حسب ما اتفقا.
وشركة الأبدان مشروعة عند الحنابلة.
واستدل الإمام أحمد رحمه الله بنفسه على مشروعية شركة الأبدان:
- بالحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه اشترك يوم بدر هو وسعد وعمار في الغنيمة قال: فلم أجيء أنا وعملا بشيء وجاء سعد بأسيرين. فهم رضي الله عنهم وأرضاهم اشتركوا شركة أبدان وهي من النوع: الثاني.
فدل الحديث على مشروعية هذه الشركة. وهذا الحديث صحيح وثابت ولا يعل بالانقطاع لأن أبا عبيد حفيد بن مسعود وإن لم يسمع إلا أنه سمع من ثقات اهل بيته كما قال علي بن المديني وابن رجب وغيرهم. المهم هذا الحديث صحيح ثابت.
= القول الثاني: أنها شركة غير مشروعة.
- لأن الشركة تبنى على المال ولا مال في هذه الشركة.
والراجح مذهب الحنابلة.
وقبل أن نكمل شركة الأبدان نسينا مسألة مهمة جداً في المضاربة/ مهمة جداً وودت أن المؤلف رحمه الله ذكرها.
* * المسألة هي/ متى يملك المضارب الربح؟
اتفق الفقهاء كلهم على أن المضارب - العامل - لا يملك الربح ملكاً مستقراً إلا بعد القسمة. والمقصود بالقسمة هنا: التي تكون بعد العقد. إذاً هذه المسألة متفق عليها.
واختلفوا في زمن ملك الربح قبل ذلك:
= فالحنابلة يرون أنه يملك بمجرد الظهور. فإذا ظهر الربح ملكه العامل.
واستدلوا على هذا:
- بأن عقد المضاربة قام على أنه للمضارب جزء من الربح مشروط. فإذا وجد الربح وجد الشرط فملك المال.
= القول الثاني: أنه لا يملك إلا بعد القسمة.
واستدلوا على هذا:
- بأن الربح هو في الحقيقة وقاية لرأس المال وتمليك العامل إياه يفوت هذا المقصود.
والراجح بإذن الله مذهب الحنابلة.
والجواب على دليل القول الثاني: أن تمليك المضارب لا يفوت هذا المقصود لأنه إذا حصل خسارة نرجع على العامل ونأخذ منه ما أخذ. أو نقول: - وهو الجواب الثاني - نملك العامل المال بلا قسمة.
ثمرة الخلاف: ثمرة الخلاف ثمرة كبيرة جداً:
- الثمرة الأولى: إذا وطيء العامل جارية من مال الشركة: ـ فإن قلنا يملك صارت أم ولد له. ـ وإن قلنا لا يملك صارت من باقي أموال الشركة ليست ملكاً للعامل.
- وإذا اشترى العامل من مال الشركة من يعتق عليه كأن يشتري أباه أو أخاه أو نحوهما: ـ فعلى القول الأول: إذا ظهر ربح في الشركة: عتق. ـ وعلى القول الثاني: يبقى عبداً لأن المضارب - العامل - لا يملك من المال شيئاً ولو بعد الربح.
فبين القولين فرق واضح جداً.
وكما قلت إن شاء الله الواضح القول الأول.
نرجع إلى مسائل شركة الأبدان.
- قال رحمه الله:
- أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما.
يعني: حسب الاتفاق.
أن يشتركا في الربح حسب الاتفاق.
ودل كلام المؤلف رحمه الله على أن شركة الأبدان صحيحة سواء اتفقت الصنائع أو اختلفت. أي: سواء اشترك نجاران أو نجار وحداد.
فالشركة صحيحة ولا يشترط اتفاق الصنعة.
وسيأتينا ما العمل إذا لم يستطع النجار إكمال العمل والحداد لا يعرف النجارة. سيأتينا ما الحكم.
- قال رحمه الله:
- فما تقبله أحدهما من عمل يلزمهما فعله.
إذا تقبل أحدهما العمل لزم الاثنين الاتمام.
ودخل وجوب إكمال العمل في ذمة كل منهما.
والدليل:
- أن مبنى هذه الشركة على الضمان. لأنهما يتقبلان العمل بالذمة.
فكل واحد من الشريكين مطالب بإتمام العمل. بمقتضى عقد الشركة.
= والقول الثاني: أنه لا يلزم من لم يجر العقد إتمام العمل ولو كان شريكاً. فإذا اشترك نجار وحداد وعقد النجار مع شخص على عمل ولم يتمه لم يلزم الحداد إتمام العمل.
استدلوا على هذا:
- بالقياس: فقالوا: الشركة إذا كانت موضوعة في ما يكتسبان بأبدانهما من الملك المباح فإنه لا يلزم أحدهما بإكمال العمل. فكذلك هنا.
فإذا اشترك زيد وعمرو على أن ما يكتسبان من الاحتطاب بينهما وأحدهما لم يحتطب لم نلزمه بالاحتطاب لأنه عمل مباح. فكذلك هنا
والصواب مع الحنابلة وبين الصورتين فرق ظاهر. فما هو الفرق؟
الفرق: في الصورة الأولى انشغلت الذمة بما التزماه جميعاً.
وفي الصورة الثانية لا يوجد انشغال للذمة من الأصل.
فالراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة.
- ثم قال رحمه الله:
- وتصح: في الإحتشاش والإحتطاب وسائر المباحات.
يعني: تصح الشركة في كل عمل مباح.
ومثل بمثالين: - الاحتشاش. - والاحتطاب.
فكل عمل مباح يجوز أن يشتركا فيه.
مفهوم عبارة المؤلف رحمه الله أن كل عمل محرم فيحرم الاشتراك فيه. وهو كذلك إجماعاً.
ودليل جواز الاشتراك في كل عمل مباح:
- حديث ابن مسعود السابق. ففيه الاشتراك في عمل مباح.
- قال رحمه الله:
- وإن مرض أحدهما: فالكسب بينهما.
وإن مرض أحدهما وأتم العمل الآخر فالكسب بينهما وإن لم يعمل الآخر.
تعليل ذلك: - أن هذا الكسب سببه الالتزام في الذمة. والالتزام في الذمة صدر من الاثنين فيجب أن يقتسما الربح بينهما.
ومذهب الحنابلة سواء امتنع أحدهما لعذر أو لغير عذر. والسبب كما قلت لك أنه حتى إذا امتنع لغير عذر فإن سبب الربح هو الالتزام في الذمة وهو صادر منهما.
= والقول الثاني: أنه إذا امتنع عن العمل بغير عذر فالكسب للعامل كله.
- لأن الربح يستحق بالالتزام في الذمة والعمل معاً. والعمل لم يوجد ممن لم يعمل. ((الأذان)).
والخلاف في هذه المسألة قوي لأن لكل من القولين وجهة نظر قوية.
ولم أر عند الحنابلة خلاف أن الربح بينهما - لم يمر علي في كتب الحنابلة أنهم ذكروا خلافاً في هذه المسألة.
لكن القول الثاني أيضاً وجيه وهو أنه لم يعمل بلا عذر فلا يستحق الربح.
أقول: الذي يظهر لي بوضوح قول ثالث لم أر أحداً قال به فإن قيل به فهو في الحقيقة فيه العدل وهو أن نقول:
- إذا امتنع الشريك عن العمل بلا عذر أخذ نصف الربح المقرر له.
وجهه أنا نقول أن هذا الربح يستحق بأمرين: - العمل. - والالتزام في الذمة.
الالتزام في الذمة وقع منه فهو ملتزم في الذمة. ولو لم يتم الأول العمل لطولب هو بالعمل وهذا يجب أن تلاحظه - يعني هو ليس خالياً تماماً هو مطالب وذمته مشغوله ولذلك أعطاه الحنابلة الربح كاملاً.
فنقول: بما أنه يستحق بالأمرين ووجد منه أحد الأمرين فله تبعاً لذلك: نصف الربح.
فإن قيل بهذا القول فهو في الحقيقة قول فيه عدل من وجهة نظري.
- قال رحمه الله:
- وإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه: لزمه.
إذا طالب الصحيح المريض أن يقيم مقامه رجلاً آخر ليعمل معه لزمه. أي: لزم المريض أن يقيم رجلاً مكانه.
تعليل ذلك: - أن مبنى هذه الشركة - أي: شركة الأبدان - على الاشتراك في العمل بالبدن فإذا لم يفم بما عليه وجب عليه البديل. وهذه قاعدة شرعية. كل إنسان عليه أن يقوم بالواجب أو ببديل الواجب.
فنجن نقول الآن إما أن تقوم بالعمل أو تأتي بمن يقوم بالعمل بدلك.
فإن امتنع فللمضارب الآخر فسخ الشركة.
ومعلوم أن قولهم له فسخ الشركة يعني أنه من الأسباب الوجيهة في فسخ الشركة وإلا تقدم معنا أن الشركة من العقود الجائزة وله أن يفسخ بسبب وبدون سبب.
لكن إذا وجد هذا السبب تأكد حقه في الفسخ وصار وجيها.
- قال رحمه الله:
- (الخامس) شركة المفاوضة.
المفاوضة معناها العام في اللغة الاشتراك في كل شيء.
أما الاشتقاق فهو من كلمة فوَّضَ والتفويض هو: إسناد التصرف إلى شخص آخر.
والمفاوضة لها نوعان ذكر المرلف رحمه الله النوع الأول والنوع الثاني.
- قال رحمه الله:
- أن يفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي وبدني من أنواع الشركة.
هذا هو النوع الأول من أنواع الشركة وهو أن يفوض كل منهما صاحبه في كل أنواع الشركة.
فيفوضه في شركة المضاربة والعنان والوجوه والأبدان.
فشركة المفاوضة على هذا تشمل جميع أنواع الشركات.
وشركة المفاوضة صحيحة ومشوعة عند الحنابلة.
استدلوا على هذا:
- بأن شركة المفاوضة تجمع أنواع الشركات وكل واحد منها جائز فإذا جمعت فهي جائزة أيضاً. لأن ما يتركب من الجائز: جائز.
= والقول الثاني: أنها شركة باطلة وغير مشروعة.
- لأنه يدخل فيها الغرر والجهالة لسعة نطاق التوكيل.
والراجح مذهب الحنابلة لأنه لا يوجد دليل واضح على المنع والغرر منفي بتحديدها بأنواع الشركة الموجودة بأنواع الشركات المسماة في الفقه الإسلامي.
- قال رحمه الله:
- والربح: على ما شرطاه، والوضيعة: بقدر المال.
تقدم معنى: أن الربح على ما شرطاه. والوضيعة على قدر رأس المال في جميع الشركات وأن دليل ذلك: القياس على شركة العنان.
فالوضيعة على قدر المال والربح على قدر الاتفاق.
ونقف على القسم الثاني والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد ....
الدرس: (34) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كنا في آخر درس تحدثنا عن الخامس من أنواع لشركات وهو شركة المفاوضة وأخذنا النوع الأول منه وانتهينا منه وتوقفنا على النوع الثاني. والنوع الثاني: يبدأ من قول المؤلف رحمه الله: (فإن أدخلا فيها كسباً أو غرامة نادرين).
النوع الثاني من شركة المفاوضة هو: أن يدخلا في الشركة كل كسب نادر لهما أو غرامة نادرة عليهما.
فالكسب النادر: كاللقطة. فإنه يندر أن يجد الإنسان لقطه. وكذلك الميراث. وكذلك الهبة. هذه الأمور نادرة.
فإذا اشتركا على هذا الكسب النادر فهي في الشرع شركة مفاوضة.
النوع الثاني من القسم الثاني: أن يشتركا على غرامة نادرة. مثل: أرش جناية. فإن هذا نادر ما يقع. نادراً ما يقع أن يصيب الإنسان شخصاً بجناية ويجب عليه الأرش.
ففي النوع الأول: اشتركا في المغنم. وفي النوع الثاني: اشتركا في المغرم.
- ثم قال رحمه الله:
- أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو نحوه: فسدت.
كذلك الاشتراك في ضمان الغصب له نفس الحكم السابق وهو أنه يعتبر من شركة المفاوضة.
= الحنابلة يرون: أن هذه شركة غير صحيحة. ولذلك يقول رحمه الله: (فسدت).
وعرفنا الآن ما هي هذه الشركة.
إذاً: الشركة أن يشتركا في المغنم أو في المغرم لكن الذين وصفا بالندرة.
فالحنابلة يرون ان هذه الشركة فاسدة.
عللو ذلك: - بأن في الاشتراك بهذا النوع غرر وجهالة إذ قد يجب عليه ضمان أرش أو غصب بمبلغ مرتفع جداً ولا يستطيع الشريك أن يساهم معه في سداد هذا المبلغ وفي المقابل أيضاً قد يكسب كسباً نادراً كبيراً مرتفعاً في وقت قصير فلا تسمح نفسه بأن يشاركه معه فيه أحد. ففي المغنم وفي المغرم يوجد غرر وجهالة تؤدي غالباً إلى المنازعة. ولهذا رأوا رحمهم الله أنها فاسدة. وما ذكره الحنابلة صحيح ودائماً العموميات في المعاملات تؤدي إلى المخاصمات في كل مغنم في كل مغرم إلى استخدام ألفاظ العموم (كل) دائماً يدخل الشريكين في متاهات.