الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الشفعة
جعل المؤلف رحمه الله الشفعة بعد باب الغصب والسبب في هذا أنّ بين باب الغصب وباب الشفعة مناسبة ، ماهي؟
في كل من باب الغصب وباب الشفعة القاسم المشترك بينهما، أنّ في كل منهما أخذ مال الغير بغير رضاه. لكن في الغصب بالباطل وفي الشفعة بالحق ، لكن بينهما هذا القدر المشترك وهو أنّ في كل منهما أخذ مال الغير بغير رضاه ، وهي لفته لطيفة ممن بحث عن المناسبة بين باب الشفعة وباب الغصب.
والشفعة في لغة العرب: تطلق على الضم ، لأنّ الشفيع يضم المال الذي اشتراه المشتري إلى ماله. فلما كان فيها معنى الضم عبرو عنها بهذا المصطلح وهو الشفعة.
- ثم عرّفها الشيخ بالإصطلاح يقول الشيخ (وهي استحقاق انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض مالي)
حقيقة الشفعة. هي أن تكون العين مملوكة لاثنين سواء كانت أرض أوغيرها. فيقوم أحد الشريكين ببيع نصيبه. فإذا باع أحد الشريكين نصيبه على طرف ثالث ، فإنّ لشريكه أن يشّفع ، ويأخذ هذا الجزء بنفس القيمة التي اشترى بها المشتري هذه هي الصورة العامة. ولانستطيع أن نمضي في الشفعة إلاّ وأنت متصور هذه الصورة العامة.
نرجع إلى التعريف يقول (هي استحقاق انتزاع حصة شريكه) يعني الذي باع. (ممن انتقلت إليه) وهو المشتري ثم قال (بعوض مالي) فالشفعة إنما تثبت إذا أخذ الطرف الثالث نصيب أحد الشريكين بعوض مالي كالبيع، وفهم من كلام المؤلف أنه إذا أخذه بغير عوض ، أو بعوض لكن ليس عوضاً مالياً ، فإنها لاتثبت الشفعة. إذا خرج بقوله بعوض مالي. أن تأخذ بغير عوض أو تأخذ بعوض لكنه ليس عوضاً مالياً ، وسيصرح المؤلف بكل قسم من هذه الأقسام.
- يقول الشيخ رحمه الله (بثمنه الذي استقر عليه العقد).
يعني أنّ الشفعة تثبت كحق للشريك. لكنه لايأخذ هذا النصيب من المشتري إلاّ بنفس الثمن الذي استقرّ عليه العقد ، لابالقيمة لماذا؟ قال الحنابلة أنه يستحقه بالثمن لابالقيمة ، لأنّ المشتري إنما أخذه بعقد شراء ، والشريك إنما شفّع بناء على هذا العقد وهو عقد الشراء ، فيأخذه بنفس الثمن ، لابالقيمة سواء كانت القيمة أقل أو أكثر.
- قال رحمه الله (فإن انتقل بغير عوض ، أو كان عوضه صداقاً أوخلعاً أو صلحاً عن دم عمد فلاشفعة).
الصورة الأولى إذا انتقل بغير عوض كأن ينتقل بهبة ، أو بهدية ، أو بصدقة ، فإنه في هذه الحالة لاتشفيع. معنى لاتشفيع أنه لايمتلك الشريك حق الشفعة ، ماهو الدليل" القياس على الميراث ، فإنه لو انتقل نصيب أحد الشريكين إلى طرف ثالث بالإرث. فإنه لايملك التشفيع ، أي الشريك الآخر بالإجماع.
الدليل الثاني" قالوا أنّ النصوص أشارت إلى أنّ التشفيع إنما يكون بعقد البيع ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم (هو لك بثمنه). وهذا الحديث ضعيف.
القول الثاني: أنّ الشفعة تثبت ولو انتقل الشقص أو الجزء بغير عوض مالي كالهبة والهدية ، واستدلوا على هذا بأدلة:
الدليل الأول" قالوا أنّ الشارع إنما شرع الشفعة لدفع الضرر عن الشريك بمشاركة طرف ثالث لا يريده ، وهذا المعنى موجود سواء انتقل النصيب ببيع أو بهبة أو بصدقة ، أليس كذلك؟
الدليل الثاني" قالوا نحن نقيس قياس أولوي على البيع ، وجه القياس ، قالوا إذا كان الشارع انتزع النصيب من المشتري وقد دفع فيه ثمناً، فلئن انتزع ممن أخذه بلا ثمن من باب أولى ، لأنّ الهبة جاءت بثمن أو غير ثمن؟ بغير ثمن. فنحن ننتزع من المشتري وقد دفع فيه ثمن فكيف لاننتزعه من الموهوب وهولم يدفع فيه ثمن ، وهذا القول في الحقيقة وجيه جداً كما ترى وهويتوافق إن شاء الله مع الأصل العام الذي شرعت الشفعة من أجله ، فهو إن شاء الله أقرب.
- قال رحمه الله (أوكان عوضه صداقاً ، أو خلعاً ، أو صلحاً عن دم عمد فلا شفعة).
يعني أو كان أخذ بعوض لكنه ليس عوضاً مالياً ، ففي الصورة الأولى أخذ بغير عوض وفي الصورة الثانية أخذ بعوض غير مالي كأن يدفع الشريك نصيبه من الأرض مهراً ، أو يدفع نصيبه من الأرض عوضاً في الخلع ، أويدفع نصيبه من الأرض مقابل الدية التي ثبتت في القتل العمد ، ففي هذه الصور الثلاث ، أصبح أخذ مقابل عوض لكن هذا العوض ليس عوضاً مالياً ، لأنّ الوطء والخلع وما يجب بالقتل ليس عوضاً مالياً ، الدليل استدل الحنابلة على هذا بالقياس على المنع من الشفعة في الهبة ، يعني فيما إذا انتقل الشقص بالهبة.
القول الثاني: أنّ الشفعة تثبت فيما أخذ بعوض غير مالي واستدلوا على هذا بالقياس على البيع ، وجهة القياس أنّ في كل من البيع والعوض الغير مالي أخذ للسلعة مقابل عوض ، لكنه هنا مالي وهنا عوض غير مالي ، لكن اشترك الأمران في أنه مقابل ماذا؟
عوض ، أيهما أقوى قول الحنابلة في المسألة الثانية أوقول الحنابلة في المسألة الأولى؟ قولهم في المسألة الأولى أقوى والسبب أنّ غاية ما هنالك أنّ المسألة الثانية مقيسة على الأولى فهي أضعف من الأولى وإذا كنا نرجح في الأولى التي هي الأصل المقيس عليه خلاف
المذهب، فلَئن نرجح في المسألة المقيسة عليها خلاف مذهبهم من باب أولى. فالراجح إن شاء الله تثبت فيها الشفعة.
- قال رحمه الله (ويحرم التحيُل لإسقاطها).
التحيل في إنتهاك المحرم أو الإمتناع عن الواجب محرم ، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (قاتل الله اليهود لما حرّم الله عليهم الشحوم أذابوها ثم باعوها ثم أكلوا ثمنها).
والحيلة في الشرع: هي الوصول إلى الأمر المحرم بطريقة ظاهرها الجواز ، وقول المؤلف رحمه الله وتحرم الحيلة يعني وإن فعل فلا عبرة بها ، والحيلة في كل باب محرمة ، وإنما نصّ المؤلف رحمه الله على الحيلة في الشفعة لكثرة وقوعها ، ومن الأشياء المفيدة التي ذكرها الحنابلة في هذا الباب صور كثيرة للحيل في الشفعة ، من المفيد والمناسب أن تراجع هذه الصور لأنها تنمي الذهن نحن نأخذ هنا صورة واحدة ، وهي الأكثر وقوعاّ، من صور التحيل في الشفعة أن يزعم البائع أنه باعها بمئة وخمسين ، وهو باع في الباطن بخمسين ومقصوده من التشفيع ، لأنّ الشفيع وهو الشريك إذا رأى أنّ السلعة دفع فيها أضعاف القيمة الحقيقية فسيمتنع من التشفيع لأنه إن شفّع فسيدفع القيمة أو الثمن؟ الثمن كما تقدم معنا ، فإذا رأى أنها تضاعفت إمتنع عن التشفيع فهذه حيلة محرمة ،
وإذا تبيّن للقاضي أنه تحيّل بها ، سقطت الحيلة واستحق الشريك أن يشفّع في هذا العقد.
- قال رحمه الله (وتثبت لشريك في أرض تجب قسمتها).
المؤلف يريد أن يبيّن الأشياء التي تصح الشفعة فيها، فعند الحنابلة لاتصح الشفعة أبداً في أيّ شيء، إلاّ في شيء واحد وهو الأرض أنّ الملك على سبيل الإشتراك التي تقبل القسمة الإجبارية ، عدا هذا لايوجد تشفيع. إذاً لايملك الإنسان عند الحنابلة الشفعة إلاّ في شيء واحد، وهو ماذا؟ الأرض المملوكة على سبيل الإشتراك التي تقبل التقسيم على سبيل الإجبار.
أظنه واضح أليس كذلك؟ والمؤلف رحمه الله عبّر بقوله الأرض ، وغيره من الحنابلة عبرّو بقولهم العقار ، وإذا رأيت كلمة العقار فاعلم أنّ المقصود بالعقار في باب الشفعة الأرض فقط. بناء على هذا خرجت الأشجار ليس فيها شفعة ، لأنها ليست أرض ، وخرجت الدار التي بيعت على سبيل الإنفراد ، لأنّ الدار التي بيعت على سبيل الإنفراد ليست بأرض ، أليس كذلك؟ أما إذا بيعت بالإضافة إلى الأرض فهي في الحقيقة بيع للأرض ، إذاً عرفنا ماذا يقصد الحنابلة بالعقار وغيرهم من الفقهاء ماذا يقصدون بالعقار في باب الشفعة
إذاً الحنابلة لايرون ثبوت الشفعة إلاّ بالعقار ، وخرج بهذا القيد ثلاث صور:
الصورة الأولى " المنقول فكل الأعيان المنقولة لاتثبت فيها الشفعة من الأشجار والسيارات والثمار والأمتعة والكتب وكل منقول.
استدلوا على هذا بأدلة: الدليل الأول" ماصح عن جابر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم (قضى بالشفعة في كل مالم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فدل الحديث على أنّ الشفعة إنما تكون في الأراضي لأنها هي التي تصرف فيها الطرق ، الدليل الثاني" قالوا أنّ الضرر اللاحق لأحد الشريكين إنما يقع إذا كان المبيع أرض ، لأنها تراد للدوام ، وأما عداها من المنقولات فليس فيها ضرر.
والقول الثاني: ثبوت الشفعة في كل شيء من المنقولات ، واستدلوا على هذا بأدلة:
الدليل الأول" عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (قضى بالشفعة في كل مالم يقسم) وهذا الحديث قاعدة الباب وعليه جملة المسائل فهو حديث مهم في الشفعة حديث جابر هو أصل الشفعة ، ففي الحديث يقول (قضى بالشفعة في كل مالم يقسم) وكل من ألفاظ العموم ، الدليل الثاني" أنّ الضرر يقع في الإشتراك بالمنقولات كما يقع في الإشتراك بالأراضي ، والشارع عندما شرع الشفعة
لدفع الضرر وهي واقعة في المنقولات ، وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله أنّ الشفعة تثبت في كل مملوك على سبيل الإشتراك.
الصورة الثانية" التي خرجت في كلام المؤلف الأراضي التي لاتقبل القسمة إجباراً ، والأراضي التي لاتقبل القسمة إجباراً ، هي كل أرض لايمكن الإنتفاع بها مع القسمة، لصغرها أو لأيّ سبب آخر ، فالأرض صغيرة جداً ، إذا قسمت هل يمكن أن ينتفع بها الشريكان لأنّ كل قطعة أصبحت صغيرة لاينتفع بها ، فالحنابلة يرون الشفعة فيما يقبل القسمة لافيما لايقبل القسمة ، الدليل قالوا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال (لاشفعة في الرباع) وإنما قرر ذلك لصغره.
القول الثاني: أنها تثبت أي الشفعة ، في الأرض التي تقبل القسمة إجباراً والتي لاتقبل إجباراً ، واستدلوا على هذا ، بأنّ الضرر الواقع على الشريك لبيع شريكه ودخول شريك جديد في الأراضي التي لا تقسم أكبر من الضرر الواقع في الأراضي التي تقسم ، وجه ذلك.
أنه في الأراضي التي لاتقسم دخول الشريك الثالث. أوالشريك الثاني الجديد يكون على سبيل الدوام، لماذا على سبيل الدوام؟
لأنها لايمكن أن تقسم ، فكيف نثبت الشفعة ، فيما ضرره أقل، وننفيها فيما ضرره ماذا؟ أكبر والراجح إن شاء الله القول الثاني.
المسألة الثالثة" الشفعة للجار وهذه سينصّ المؤلف عليها.
- قال رحمه الله (ويتبعها الغراس ، والبناء).
((الأذان)).
يعني أنّ الشفعة تثبت في الغراس والبناء ، تبعاً لا استقلالاً ، وكما تلاحظ أنّ الشيخ صرّح بالبناء، إذا البناء في هذا الباب ليس
من العقار ، وثبوت الشفعة في الغراس والبناء ، بناء وتبعاً للأرض محل إجماع ممن يقول بمشروعية الشفعة.
ونحن لم نذكر في بداية الباب مسألة مشروعية الشفعة ، نستدركها الآن فنقول الشفعة مشروعة بالسنة والإجماع.
أما السنة /فحديث جابر الذي تقدّم معنا الآن أنّ النبي صلى الله عليه وسلم (قضى بالشفعة في كل مالم يقسم).
وأما الإجماع /فقد حكاه أهل العلم إجماعاً ، عن فقهاء أنّ الشفعة مشروعة ، ولم يخالف في هذه المسألة إلاّ رجل واحد وهو الأصم وخلافه لاغي وغير معتبر ، أولاً لأنّ الخلاف هذا في مقابل النصّ فلا عبرة به ، وثانياً أنه خالف بعد ثبوت الإجماع ، فإنّ الإجماع سابق لخلاف الأصم ، فلا عبرة بخلافه في الحقيقة مطلقاً ، فنستطيع أن نقول أنه يوجد إجماع صحيح.
نرجع إلى مسألتنا الغراس والبناء تابع للأرض ، بالإجماع ممن يقول بمشروعية الشفعة.
- قال رحمه الله (لاالثمرة والزرع).
يعني لاتثبت الشفعة في الثمرة والزرع لااستقلالاً ولاتبعاً ، لاتثبت مطلقاً ، واستدلوا على هذا بأن الثمر والزرع لايتبع البيع فكذلك لايثبت في الشفعة ، واستدلوا على ذلك بحديث جابر لأنهم يرون أنّ الحديث وارد في الأرض فقط.
والقول الثاني: أنّ الشفعة تثبت في الزرع والثمر تبعاً للأرض ، لأنّ الزرع والثمر تابع للأرض ، وتابع الشيء يأخذ حكمه ، وهذا صحيح ، وهو أنه يثبت لاسيما على القول الراجح وهو أنّ الشفعة تثبت في كل شيء منقول أوثابت.
- قال رحمه الله (فلا شفعة لجار).
لاتثبت الشفعة للجار عند الحنابلة ، أولاً لحديث جابر ، وثانياً لأنّ الضرر منتفي بالتقسيم فإنها إذا قمست الطرق وأخذ كل منهما أرضه لم يعد هناك ضرر يلحق الجار ببيع جاره للأرض.
القول الثاني: ثبوت الشفعة للجار مطلقاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الجار أحق بشفعة دار جاره) ينتظر بها إذا كان غائباً إذا كان طريقهما واحد ، واستدلوا أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الجار أحق بسقب جاره) وحمل الحنابلة هذا الحديث الثاني لأنّ هذا الحديث الثاني صحيح في الصحيح ، حملوه على البر والإحسان لا استحقاق الشفعة.
القول الثالث والأخير: أنّ الشفعة تثبت في حال وتنتفي في حال ، فتثبت إذا كان بين الجارين مصالح مشتركة تتعلّق بالعقار ، كأن يكون طريقهما واحدة ، وليس من الصواب أن نقول أو أن نقيّد هذا القول بأن يكون طريقهما واحد ، بل نقول إذا كان بين الجيران مصالح مشتركة تتعلّق بالعقار سواء كان الطريق أوغيره ، فإنها تثبت ماذا؟ الشفعة للجار، وأصحاب هذا القول أخذوا بأدلة القولين فاستعملوا دليل القول الأول ودليل القول الثاني وجمعوا بينهما ، وهذا القول الثالث هو الصحيح إنشاء الله لأنّ فيه كما سمعت جمعاً بين
الأدلة وأخذاً بجميعها.
الدرس: (44) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ما يتعلق بشفعة الجار تقدم معنا بالأمس وانتهينا منه.
- توقفنا على قول المؤلف رحمه الله:
- وهي على الفور.
= ذهب الحنابلة إلى الشفعة على الفور. بمعنى أنها إذا لم تطلب فوراً بطلت.
واستدل الحنابلة على ذلك بأدلة:
- الدليل الأول: ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الشفعة كحل العقال).
- الدليل الثاني: أنها شرعت لدفع الضرر ولو بقيت على التراخي لدخل الضرر على المشتري لأن ملكه لا يستقر على العين التي اشتراها.
= والقول الثاني: ان الشفعة تثبت على التراخي.
ومعنى ذلك: أنها لا تسقط إلا إذا صدر عن الشفيع ما يدل على الرضا والعدول عن طلب الشفعة وإلا فهي باقيه.
واستدل هؤلاء:
- بأن الشفعة خيار ثبت لدفع الضرر فلا يسقط كخيار العيب.
واستدلوا كذلك:
- بأن الشفعة لا يتضرر المشتري من تراخيها لأنه في مدة الخيار ينتفع بالعين ثم إن بنى أو زرع أو غرس فإن الشفيع سيعطيه قيمة ما بنى أو غرس. فإذاً: لا ضرر على المشتري.
والراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة وذلك لأن الضرر واقع على المشتري ولو دفع له قيمة ما بنى أو غرس لأنه من المعلوم أنه وإن دفع له قيمة ما بنى أو غرس فإنه لن يدفع له ما يقابل جهده في البناء والغرس والمتابعة فكل هذا سيذهب عليه هدراً.
ثم إن القول بأن الشفعة على التراخي يؤدي إلى اضطراب عقود الناس إذ يأتي الشفيع بعد فترة طويلة ويقول: (شفعت) بعد أن جاء المشتري إلى الأرض التي اشتراها وبنى وغرس وتعلقت مصالحه فيها يأتي بعد ذلك الشريك ويشفع. وهذا لاشك أن فيه ضرر وفيه مفاسد.
فقول الحنابلة في هذه المسألة إن شتء الله هو الراجح. وهو الذي تستقر به معاملات الناس.
- يقول رحمه الله:
- وقت علمه.
مرادهم: (بوقت علمه). يعني: فور علمه بالبيع.
فإن أخر ولو تأخيراً يسيراً بطلت الشفعة.
- لأنها على الفور.
فالحنابلة في الحقيقة يتجهون إلى ضبط هذه المعاملة جداً وينص الإمام أحمد على أنه إذا علم يجب أن يطلب الشفعة فوراً فإن أخر بطلت.
وذلك للتوازن بين حقوق المشتري وحقوق الشفيع. ويستثنى من ذلك: ما كان من عذر.
- يقول رحمه الله:
- فإن لم يطلبها إذاً بلا عذر: بطلت.
يريد المؤلف رحمه الله أن يبين الأشياء التي يستثنى فيها التأخير فيجوز التأخير في صورتين.
ـ الصورة الأولى: إذا كان التأخير مع بقاء المجلس.
ـ والصورة الثانية: إذا كان التأخير مع وجود العذر وهي المسألة التي نص عليها المؤلف.
نبدأ: بالصورة الأولى/
إذا أخر مع بقاء المجلس: فالصحيح أن هذا التأخير لا يبطل حقه في الشفعة لأن الوقت المتصل في المجلس لا يعتبر تأخيراً ولا تراخياً.
بدليل أن العقود التي يشترط فيها قبض السلعة قبل التفرق يكتفى فيها بالقبض أثناء المجلس ولو طال.
= والقول الثاني: أنه يجب أن يطلب الشفعة فور علمه فإن أخر ولو كان في المجلس بطلت الشفعة.
وهذا القول الثاني: ضعيف جداً. والقول الأول إن شاء الله أصح.
- لأن التأخير في المجلس لا يدخل الضرر لا على المشتري ولا على الشفيع ولا على أطراف العقد لأن المشتري لم يتمكن في فترة المجلس أن يعمل أي شيء في الأرض التي شفع فيها المشفع.
فالصواب إن شاء الله أن له أن يؤخر.
* * المسألة الثانية/ أن يؤخر بعذر. وضرب الحنابلة لهذا العذر أمثلة يتضح من خلالها أنهم يشددون في الفورية: فيقولون مثلاً:
ـ من أمثلة العذر: أن يحتاج إلى دخول الحمام - هو المكان الذي أعد للاغتسال.
ـ ويمثلون بقولهم: أن يحتاج أن يأكل لشدة الجوع.
ـ ويمثلون بما إذا احتاج أن يؤخر ليصلي الفريضة وسنتها.
ففي مثل هذه الصور يجيز الحنابلة للشريك أن يؤخر طلب الشفعة.
واستدلوا على هذا:
- بأن التأخير في مثل هذه الصور لا يدل على الرضا وإسقاط الحق.
وألحق الحنابلة بهذه الصور ما إذا علم بالليل وانتظر إلى الصباح.
ولا شك أنك لمست من خلال الأمثلة أن عندهم تشديد في مسألة الفورية لا يسمحون بالتأخير إلا بشيء أشبه ما يكون بقريب جداً من الضرورة.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن قال للمشتري: ((بِعْنِي)).
هذه المسائل تسقط فيها الشفعة أربع مسائل أو خمس مسائل تسقط فيها الشفعة.
ـ إن قال: (بعني). أو (قاسمني) سقطت الشفعة. وليس له الحق بعد ذلك أن يشفع.
التعليل: - قالوا: لأنه حين طلب أن يبيعه المشتري صار هذا علامة على رضاه بالشرى وإسقاط حقه بالشفعة.
إذ لو كان يريد الشفعة لشفع ولم يطلب الشراء.
صورة المسألة/ - حتى تتضح -: إذا اشترك زيد وعمرو في أرض وباع زيد نصيبه من الأرض. من الذي له حق الشفعة؟ عمرو.
زيد باع حقه من الأرض على خالد فإذا جاء عمرو وقال لخالد تبيع علي النصيب الذي اشتريته من شريكي فحينئذ سقط جقه في الشفعة.
لأن طلبه الشراء دليل على رضاه بالعقد وإسقاط حقه من الشفعة. هكذا يقول الحنابلة.
= والقول الثاني: أنه لا يسقط حقه في الشفعة.
- لأنه ربما ظن أنه لاحق له في الشفعة فطلب البيع بناء على ذلك.
والراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة. إلا إذا دلت القرائن على أنه الشفيع طلب البيع جهلاً بحقوقه وإلا فإن الأصل أن الشفعة تسقط.
وربما طلب الشفيع الشراء من المشتري عمداً وقصداً ليسقط الشفعة. ويكون له بذلك غرض صحيح مثل ماذا؟ مثل أن يريد أن يشتري النصيب بثمن أقل من الذي اشترى به هذا المشتري. - نحن تقدم معنا ان الشفيع إذا شفع يأخذه بنفس الثمن الذي اشترى به المشتري. ربما هو لا يريد أن يشتري بنفس الثمن فهو يذهب ليماكس المشتري الجديد من جديد لعله أن يسقط له من الثمن.
على كل حال/ نقول: مهما كان السبب الصحيح؟ إن شاء أنه إذا عرض البيع فإن حقه في الشفعة يسقط إلا إذا دلت القرائن على أنه عرض لجهله.
- ثم قال رحمه الله:
- ((أَوْ صَالِحْنِي))
إذا قال الشريك للمشتري: صالحني. بطل حقه في الشفعة - سقطت.
لدليلين:
- الدليل الأول: أنه بطلبه المصالحة أسقط حقه لأن الطلب دليل على الرضا - لأن هذا الطلب دليل على الرضا.
- الدليل الثاني: أنه بطلبه المصالحه فوت الفورية والفورية شرط من شروط طاب الشفعة.
- ثالثاً: أن شراء حق الشفعة لا يجوز عند الحنابلة. فليس لمن يملك حق الشفعة أن يبيع هذا الحق.
= والقول الثاني: صحة المصالحة على الشفعة.
صورة ذلك/ كما قلنا يكون لزيد وعمرو - يكونون شركاء في أرض فيقوم عمرو ببيع نصيبه من الأرض لخالد فيأتي زيد إلى خالد ويقول: أنا لي حق الشفعة صالحني عنه.
يعني: ادفع لي عوضاً لأسقط حقي من الشفعة.
هذه صورة المسألة التي نتحدث عنها.
فالقول الثاني: أن هذا يصح. لأن شراء الشفعة صحيح.
الدليل على صحته: - أن الشفعة حق ثابت فجاز الاعتياظ عنه لا سيما وأنه حق مالي.
وهذا القول الثاني هو الصحيح إن شاء الله فتجوز المصالحة عن حق الشفعة.
- ثم قال رحمه الله:
- أو كذب العدل.
يعني: أو كذب من يملك الحق في الشفعة من أخبره بأن شريكه باع. فإذا كذبه سقط حقه في الشفعة.
الدليل:
- قالوا: لأنه فوت الفورية بلا عذر معتبر.
والحنابلة تقدم معنا أن لهم عناية خاصة بشرط الفورية.
فإذا جاء زيد من الناس لأحد الشريكين وقال: شريكك باع نصيبه فشفع فقال له: كذبت.
حينئذ يسقط حقه بشرط أن يكون المخبر: عدل.
وهذا صحيح.
لأنه فوت الفورية بلا عذر وأي عذر في أن شخصاً عدلاً ثقة ينقل الأخبار على وجهها يخبرك بأن شريكك باع أرضه ثم تقول كذبت بلا مبرر. هذا يسقط حقك في الشفعة. - هذا يسقط الحق في الشفعة.
فمذهب الحنابلة في هذه المسألة صحيح.
- ثم قال رحمه الله:
- أو طلب أخذ البعض: سقطت.
يعني: لو طلب الشريك التشفيع في بعض الأرض التي اشتريت فإن حقه في الشفعة يسقط.
- لأن تبعيض الشقص المباع لا يجوز. لما فيه من الإضرار بالمشتري.
صورة المسألة/ يشترك زيد وعمرو في ملك أرض مساحتها مائة متر. باع زيد نصيبه وهو خمسين متر على خالد فجاء عمرو يريد أن يشفع ليأخذ الأرض من خالد لكنه قال: لا أريد إلا نصف الخمسين - بعض الأرض -.
= الحنابلة يقولون: سقط حقه في الشفعة. لماذا؟
- قالوا لأنه يدخل الضرر على المشتري لا هو الذي انتزعها كلها ولا هو الذي تركها كلها.
= القول الثاني: أن حقه من الشفعة لا يسقط وطلبه للبعض يوجب أخذه الكل.
فهمنا من الخلاف شيء. ما هو؟ أن أخذ البعض عند الجميع لا يصح. لأن الذين يصححون أخذ البعض يشترطون أن يأخذ الكل.
وهذا صحيح فإن أهل العلم أجمعوا على أنه لا يجوز أن يشفع في البعض. فنقول: خذ الكل أو دع الكل.
- ثم قال رحمه الله:
- والشفعة: لإثنين بقدر حقيهما.
يعني: أن الحق في الشفعة يتبع القدر المملوك لكل واحد.
صورة المسألة/ إذا كان ثلاثة من الناس يملكون أرضاً واحدة. ثم إن أحدهم باع نصيبه.
حق التشفيع لمن؟ للاثنين.
= فالحنابلة يقولون: أن الاثنين يملكون حق التشفيع بقدر الملك. بقدر ما تملك بقدر ما تشفع.
الدليل: - قالوا: الدليل على هذا: أن حق الشفعة تابع ثابت بسبب الملك فالملك سبب ثبوت حق الشفعة وإذا كان كذلك فيقدر به.
= والقول الثاني: أن التقسيم يكون على قدر الرؤوس ولا ينظر لقدر الملك.
واستدل هؤلاء: - بأن كل واحد منهم لو استقل لشفع في الكل فإذا اجتمعوا اقتسموا التشفيع. - فإذا اجتمعوا اقتسموا بالسوية حق الشفعة.
والراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة. لأن تعليلهم أقوى.
المثال الذي يوضح الفرق بين القولين:
/ هناك مثال ذكره ابن قدامه وغيره وأخذه عنه الحنابلة ربما ذكر من قبله لكنه هو الذي بينه.
لو افترضنا أن ثلاثة يملكون أرضاً واحدة لأحدهم النصف وللآخر السدس وللثالث الثلث.
وافترضنا أن الذي باع هو صاحب السدس - من يملك سدس الأرض هو الذي باع.
إذاً الذي سيشفع من؟ صاحب النصف وصاحب الثلث. فإذا أردنا أن نعرف حكم المسألة عند الحنابلة فنقول/
نقسم حق صاحب السدس على الباقين وتكون المسألة من خمسة. واحدة لصاحب السدس وخمسة تقسم على الباقين. فنصيب صاحب الثلث اثنان: ونصيب صاحب النصف ثلاثة.
فيأخذ هذا ثلاثة ويأخذ هذا اثنان من الأرض المشفع فيها.
هذا على قول الحنابلة.
وإذا أردنا أن نقسم نفس المسألة على القول الثاني: فإذا باع صاحب السدس نصيبه كيف ستكون القسمة؟
يتناصفون الباقي بالسوية. لأن عدد رؤوسهم تثنين فيأخذ كل واحد النصف.
وبهذا نعرف أن الفرق بين القولين في بعض المسائل في بعض الأراضي قد يكون شاسعاً جداً.
ولذلك نحن نقول إن شاء الله الراجح مذهب الحنابلة وكلما كان ملكه أكبر كلما استحق أن يشفع أكثر ويأخذ من نصيب الشريك الذي باع أكثر مما يأخذ شريكه الآخر.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن عفا أحدهما: أخذ الآخر الكل أو ترك.
في المثال السابق إذا عفا أحد الشريكين عن حقه وقال أنا لن أشفع فإن الآخر يلزم بأخذ الجميع أو ترك الجميع.
فليس له أن يقول سأشفع في نصيبي فقط. ونصيب زميلي الذي تنازل عنه لن أشفع فيه فلا يطاع في هذا.
لماذا؟ - لأنه - ما هي العلة؟ - لأنه لا يمكن التشفيع في البعض.
فهذه المسألة راجعة لمسألة التشفيع في البعض.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن اشترى اثنان حق واحد أو عكسه.
هذه أيضاً مسائل: تصح فيها الشفعة.
/ إذا اشترى اثنان حق واحد فلشريكه أن يشفع في نصيب أحدهما دون الآخر.
التعليل؟ - أنه قد يتضرر من أحدهما ولا يتضرر من الآخر.
صورة المسألة/ كما قلنا: زيد وعمرو يملكون هذه الأرض: عمرو باع نصيبه لكم شخص؟
لشخصين.
من الذي سيشفع؟ عمرو. فلعمرو أن يشفع في نصيب الاثنين الذين اشتريا وله أن يشفع في نصيب واحد.
وليس هذا من تبعيض الشفعة. هذا مقصود المؤلف رحمه الله.
لأن كل واحد منهما عقده عقد مستقل.
فإن شاء شفع في الاثنين وإن شاء شفع في واحد ورضي أن يكون الآخر شريكاً له.
فإذا شفع في واحد فالقطعة التي اشتراها الاثنان تكون مناصفة بين الشفيع وبين الشريك الذي لم يشفع عليه.
- قال رحمه الله: أو عكسه.
أو اشترى واحد حق اثنين.
إذا اشترى واحد حق اثنين من الشركاء الثلاثة فللشريك الثالث أن يشفع في حق أحد شريكيه دون الآخر مع أن المشتري واحد.
فإذا كان زيد وعمرو وخالد شركاء وجاء رجل رابع واشترى نصيب عمرو وخالد فلزيد أن يشفع في نصيب عمرو وخالد وله أن يشفع في نصيب عمرو دون خالد أو في نصيب خالد دون عمرو.
لنفس التعليل: - لأنه قد يستضر بهذه القطعة من الأرض دون تلك. أو بنصيب دون الآخر.
فهو حر. إن شفع فيهما أو شفع في أحدهما.
- ثم قال رحمه الله:
- أو اشترى واحد شقصين من أرضين صفقة واحدة: فللشفيع أخذ أحدهما.
أو اشترى واحد شقصين بعقد واحد فللشريك ان يشفع في أحدهما أما التعليل فقد سبق. كما في المسائل السابقة.
وأما الصورة فهو أن يشترك عمرو وخالد في ملك أرضين فيقوم عمرو ببيع نصيبه من الأرضين.
فإذا باع نصيبه من الأرضين فلشريكه أن يشفع في الشقصين من الأرضين وله أن يشفع في أحد الشقصين دون الآخر.
- لأنه - كما سبق - تنزل هذه العقود كأنها تمت بين رجلين ولأنه قد يستضر في صورة دون الأخرى فله الحق في التشفيع في الصورتين في صورة واحدة.
إذاً: اتضحت الآن معنا هذه الصور الثلاث. وكما قلت يريد المؤلف رحمه الله أن يبين أنها ليست من مسائل تبعيض الشفعة.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن باع شقصاً وسيفاً أو تلف بعض المبيع: فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن.
(وإن باع شقصاً وسيفاً).
قاعدة هذه المسائل: أنه إن باع ما فيه شفعة وما ليس فيه شفعة.
فالحكم: أنه يأخذ ما فيه شفعه بنصيبه من الثمن.
ومقصود المؤلف رحمه الله هنا: أن يتحدث عما إذا بيع ما فيه شفعة وما ليس فيه شفعة مما لا يتبع ما فيه شفعة.
لأن ما يتبع تقدم معنا: وهو مثل: الغرس والبناء. لأن الغرس والبناء يتبع الأرض - هنا يريد أن يتحدث عما إذا باع ما فيه وما ليس فيه شفعة وفي نفس الوقت ماليس فيه شفعة لا يتبع ما فيه شفعة.
فهنا السيف لا يتبع الأرض وليس بينهما أي ارتباط.
إذاً: لا يتبع الأرض.
الحكم: يقول: أن له أن يشفه فيما فيه شفعة وهو الشقص بنصيبه من الثمن.
فإذا باع قطعة أرض ومعها سيف بمائة ألف نقول:
كم قيمة السيف مفردا؟ كم قيمة الأرض مفردة؟
قالوا: قيمة السيف عشرون وقيمة الأرض ثمانون.
فنقول: إذا أردت أن تشفع في هذا الشقص فتدفع نصيبه وتصحيح التشفيع في هذه الصورة مبني على مسائل تفريق الصفقة.
تقدم معنا مراراً: أن الحنابلة يصححون مسائل نفريق الصفقة. فله أن يشفع في النصيب.
= القول الثاني: أن له أن يشفع فيهما.
فإذا افترضنا أن زيدا وعمروا يملكان في آن واحد أرضاً وسيفاً. - يشتركان في ملك الأرض والسيف.
قام زيد ببيع نصيبه من السيف والأرض فلعمرو أن يشفع في السيف وفي الأرض.
الدليل: استدلوا على هذا بدليلين:
- الأول: ما تقدم معنا من أدلة جواز التشفيع في المنقولات.
- الثاني: أنه لو افترضنا عدم جواز الشفعة في المنقولات فالشفعة هنا متعينة لئلا يدخل الضرر على الشريك.
وهذا صحيح. أنه تثبت الشفعة فيهما.
(طبعاً): مثال المؤلف رحمه الله فيه غرابة لأنه ليس هناك أي تناسب بين قطعة أرض وسيف.
فغلو مثل بشيئين بينهما تناسب مما ليس بينهما علاقة اتباع أو علاقة اقتران لكان أولى.
قوله: (أو تلف بعض المبيع).
إذا اشترى زيد شيئاً مملوكاً على سبيل الاشتراك فللشريك الذي لم يبع أن يشفع: أليس كذلك؟
لكن الذي اشتراه زيد تلف بعضه قبل أن يشفع الشريك.
فالحكم أن له أن يشفع بالقسط من قيمة الباقي.
وليس عليه أن يدفع ما فات على المشتري.
فإذا اشترى زيد أرضاً عليها بناء وهذا البناء مع الأرض قيمته مليون ريال ثم قبل أن يشفع الشريك الآخر انهدم البيت برمته. فأصبحت الأرض تستحق خمسمائة ألف.
فإذا شفع فسيدفع قيمة الشقص مخصوماً منه ما تلف وليس له علاقة بما تلف.
ففي المثال: سيدفع كم؟ خمسمائة.
لأنه ليس له علاقة بما تلف لأن التالف تلف على ملك المشتري فليس على الشفيع أن يدفع ما تلف في ملك غيره.
ويظهر لي أن هذه المسألة محل إجماع. لم أر فيها خلافاً. أنه ليس عليه أن يدفع إلا نصيبه من الثمن مما تبقى بعد التلف.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا شفعة: بشركة وقف.
بدأ المؤلف رحمه الله الآن - بعبارة أخرى (رجع للأشياء التي ليس فيها شفعة). فلا شفعة في شركة وقف.
وقبل الكلام عن الخلاف لابد أن نتصور المسألة.
/ صورة المسألة/ أن يشترك عمرو وخالد في ملك بيت نصفه مملوك لعمرو وهو حر - يعني: ليس وقفاً مطلقاً ونصفه مملوك لخالد لكنه على سبيل الوقف.
فإذا باع عمرو نصيبه المطلق الحر الذي لم يوقف فليس لخالد أن يشفع عند الحنابلة.
لماذا؟ لأن الحنابلة يرون أن الشفعة تتبع الملك والرجل الذي وقف عليه جزء من البيت لا يملك الموقوف وإن ملكه فملكه ملكاً يعتبر ملك قاصر. ولذلك لا يملك الشفعة.
إذاً: مرة أخرى/ لماذا لا يملك الشفعة؟ لأن ملكه لنصيبه على سبيل الوقف وملك الوقف قاصر.
= القول الثاني: أن له أن يشفع.
- أولاً: لأن الموقوف عليه يملك الوقف وإن كان ملكاً قاصراً. فهو مملوك له شرعاً.
- ثانياً: أن العلة التي من أجلها شرعت الشفعة موجودة في هذه الصورة. لأن الشريك الموقوف عليه قد يتضرر من دخول شريك آخر ولذلك نقول تثبت له الشفعة.
* * مسألة/ إذا صححنا تشفيع المالك على سبيل الوقف وانتزع الشقص من المشتري فهل يكون ملك أو للوقف؟
الجواب: أنه يكون ملك له - يكون ملك لهذا المالك للوقف وليس ملكاً للوقف.
الدليل: - قالوا: أن الذي دفع قيمة الشقص وانتزعه من المشتري هو هذا المالك للوقف من ثمنه وماله الحر فالشقص يعتبر ملكاًَ له وليس ملكاً للوقف.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا غير ملك سابق.
اشتملت هذه المسألة على شرطين لثبوت حق الشفعة.
ـ الشرط الأول: أن يكون مبنياً على الملك. فمن لا يملك لا يشفع. فخرج بذلك من يملك الانتفاع دون الرقبة وربما هذا هو المثال الوحيد للمسألة. فمن يملك الانتفاع دون الرقبة لا يملك التشفيع.
مثاله/ إذا أوصى إنسان لآخر بمنفعة البيت دون رقبته ثم مات فسيكون البيت مشتركاً بين الموصى إليه والورثة.
فالورثة يملكون رقبة البيت والموصى إليه يملك منفعة البيت. فإذا باع الورثة نصيبهم من البيت فإنه ليس للموصى له حق التشفيع لأنه لا يملك الرقبة وإنما يملك المنفعة.
ـ الشرط الثاني: سبق الملك. يعني: لا يملك الشريك التشفيع إلا إذا كان ملكه سابق للبيع.
المثال الموضح/ إذا قام زيد وعمرو بشراء البيت في وقت واحد في آن واحد فإنه ليس لأحدهما أن يشفع على الآخر.
لماذا؟ لأنهما ملكا البيت في وقت واحد. ونحن نشترط لثبوت الشفعة أن يكون الملك سابق لعقد البيع.
ففي المثال/ هو شفع قبل أن يملك وهذت لا يصح.
في نفس المثال/ إذا اشترى زيد البيت من عمرو وأصبح شريكاً لهم ثم بعد عشر دقائق اشترى خالد هذا البيت فهل له أن يشفع؟ (أي: عمرو).
أو ليس له أن يشفع؟ له أن يشفع. لأن الملك سابق لعقد البيع.
إذاً لابد أن ننتبه لهذا الشرط وإن كان في الحقيقة بدهي - لن يشفع الإنسان على شريكه الذي اشترى وإياه في وقت واحد.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا لكافر على مسلم.
يعني: وليس للكافر حق التشفيع على المسلم.
استدل الحنابلة على هذا الحكم بدليلين:
- الدليل الأول: ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا شفعة لنصراني).
وهذا الحديث: باطل. كما أن في لفظه نوع ركاكة فهو لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- الدليل الثاني: قال الحنابلة: نحن نقيس الشفعة في البنيان على المنع من استعلاء الكافر في البنيان على المسلم. لأن كلاً منهما حقوق تتعلق بالعقار.
= والقول الثاني: ثبون الشفعة للنصراني.
واستدل أصحاب هذا القول بدليلين: - الدليل الأول: عموم النصوص. فإنها لم تفرق بين مسلم وكافر.
- الثاني: أن الشفعة حق يثبت تبعاً للملك لدفع الضرر فهو يقاس على خيار العيب تماماً. وخيار العيب ثابت للذمي: بالإجماع.
ـ أيهما أقوى؟ يظهر لي أن القول الثاني: أقرب وأوجه.
لماذا؟ بل أن الحنابلة في الحقيقة في هذه المسألة كأنهم مالوا للتعليلات العقلية مقابل النصوص الأثرية ومقابل العلة المبنية على نص وهي مسألة القياس على خيار العيب.
فتعليلاتهم الأولى الحقيقة لا تنسجم مع موقف الحنابلة دائماً من أنهم يميلون للأخذ بالنصوص أو للعلل القريبة من النصوص.
أشبه ما يكون هذا القول بمذهب الأحناف. قول الحنابلة في هذه المسألة أشبه ما يكون بمذهب الأحناف لأنهم يتوسعون في التعليلات. ولذلك نقول: مال الذمي محفوظ بالشرع. والشارع العظيم حفظ لهم أموالهم ودمائهم.
ومن حفظ المال حفظ الحقوق المتعلقة بالمال. وحق الشفعة من أعظم الحقوق المتعقة بالمال وهذا من سمات الإسلام البارزة - أنه حفظ لهم حتى حقوق الارتفاق أو الحقوق المتعلقة بالمال فضلاً عن صيانة أموالهم.
فصل
- ثم قال رحمه الله:
- فصل. وإن تصرف مشتريه بوقفه أو هبته أو رهنه لا بوصية: سقطت الشفعة.
هذا الفصل مخصص لتص فات المشتري قبل أن يطلب الشفيع الشفعة فإذا تصرف المشتري قبل أن يطلب الشفيع الشفعة فلهذا التصرف أحكام مختلفة.
ـ الحكم الأول:
- يقول رحمه الله:
- وإن تصرف مشتريه بوقفه أو هبته.
أو الصدقة به ونحو هذه العقود: صح التصرف وسقط الحق في الشفعة.
استدل الحنابلة على هذا: - بأن إثبات حق الشفعة فيه إلحاق بالضرر بمن أخذ هبة أو صدقة أو وقفاً.
وجه الضرر: أن هذا الشقص سينتزع منه مجاناً لأن العوض سيدفع للمشتري الأول ففي التشفيع إلحاق للضرر بمن أخذ الشقص هبة أو صدقة أو وقفاً. ((الأذان)).
نتم الكلام عن الوقف والهبة.
عرفنا الآن دليل الحنابلة وهو أنه يلحق الضرر بمن أخذه وقفاً أو هبة أو صدقه.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار).
= القول الثاني: أن تصرف المشتري بالهبة أو الوقف أو الصدقة لا يسقط حق الشفيع.
وعللو هذا القول: - بأن حق الشفيع .... (نقص في التسجيل) ...... والحق السابق مقدم.
ولا نحفظ حق أحد بتضييع حق الآخر لا سيما إذا كان حقه سابق.
وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله.
نرجع إلى المسألة التي أشار إليها (علي).
في أول الباب ذكرنا أن الانتقال إما أن يكون بعوض مالي أو يكون بغير عوض أو بعوض لكنه ليس مالي.
عند قول المؤلف رحمه الله: (أو كان عوضه صداقاً أو خلعاً أو صلحاً عن دم عمد).
وأخذنا هذه المسألة والخلاف فيها. وأن الراجح أنه يملك الشفعة.
بقينا في مسألة تترتب على هذا الترجيح لم نذكرها بالأمس:
إذا قلنا بثبوت حق الشفعة في أخذه بعوض غير مالي فكيف يكون تقدير العوض؟
نحن نقول: في عقد البيع العوض هو نفس الثمن الذي اشترى به المشتري هنا لا يوجد ثمن.
اختلف الفقهاء في هذه المسألة:
منهم: .... (نقص في التسجيل) يؤخذ بقيمته السوقية.
ومنهم من قال: يؤخذ بمقدار مهر المثل فيما إذا كان مهراً وبمقدار خلع المثل إذا كان خلعاً .. وهكذا. ولا ننظر للقيمة السوقية.
والصحيح إن شاء الله: أنه ننظر إلى القيمة السوقية فنقدر هذا الشقص في السوق ويدقع الشفيع للمشتري بقدر هذا العوض.
وهذا القول اختاره ابن عقيل من الحنابلة والقاضي وهو القول الصحيح إن شاء الله.
لأن انتقال هذا الشقص بالشفعة على سبيل البيع فقدر كما تقدر السلع.
وبهذا عرفنا كيف نقدر قيمة الشقص إذا انتزع مقابل مهر أو مقابل خلع أو قتل عمد.
نأخذ مسألة نختم بها لأنها متعلقة بمسألة الوقف نرجع إلى مسائل الفصل الأول من باب الشفعة.
- يقول رحمه الله:
- أو رهنه.
إذا تصرف المشتري برهن الشقص فإنه تسقط الشفعة: عند المؤلف.
الدليل:
قالوا الدليل: القياس على الوقف والهبة والصدقة.
= والقول الثاني: أن تصرف المشتري بالرهن لا يسقط حق الشفيع بالتشفيع.
واستدلوا على هذا بدليلين:
- الدليل الأول: أنه تقدم معنا أن الراجح في الوقف والهبة أنهما لا يسقطان حق التشفيع.
- الدليل الثاني: أنه في مسألة الرهن بالذات القول بإسقاطه أبعد. لأن العين ما زالت تحت ملك المشتري بخلاف الوقف والهبة فإن العين خرجت عن ملك المشتري.
ولهذا أشار الشيخ الحارثي إلى أن القول بسقوط الشفعة بالرهن بعيد جداً عن نصوص الإمام أحمد رحمه الله وليس عنه نص يدل على سقوط الشفعة بالرهن ولذلك المذهب الاصطلاحي هو عدم السقوط.
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
…
الدرس: (45) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فصل
كان الكلام في الدرس السابق عن تصرفات المشتري وأن هذا الفصل مخصص لهذه الأحكام وأخذنا إذا تصرف المشتري بالوقف وإذا تصرف بالهبة وإذا تصرف بالرهن. وتوقفنا عند تصرف المشتري بالوصية.
- يقول رحمه الله:
- لا بوصية.
أي: أنه إذا تصرف المشتري في الشقص بوصية فإن هذا التصرف لا يسقط الشفعة بل تبقة حقاً ثابتاً للشفيع.
وهذا مقيد بما إذا لم يقبل الموصى له قبل أخذ الشفيع أو طلبه. يعني: وإلا سقطت.
واستدل الحنابلة بهذا الشرط لا تسقط الشفعة - استدلوا:
- بأن الوصية عقد جائز للموصي أن يفسخه فلما كان عقداً جائزاً لم يقو على إسقاط حق الشفيع فيققى حقه ثابتاً.
وإذا أخذ الشفيع الحق من الموصى له سقط حقه في الارض وثبت حق الشفيع.
وهذا معنى قوله: (لا بوصية). فتبين بهذا أن الوصية عند الحنابلة تختلف عن الوقف والهبة والرهن.
- قال رحمه الله:
- وببيع: فله أخذه بأحد البيعين.
أي: وإذا تصرف المشتري ببيع فللشفيع أن يأخذه بأحذ البيعين: البيع الأول أو البيع الثاني.
وكذلك لو تصرف المشتري الثاني ببيع فللشفيع أن يأخذه بالبيع الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع.
صورة المسألة/ أن يشتري زيد نصيب عمرو من الأرض المشتركة ثم يقوم زيد المشتري ببيع النصيب قبل أن يشفع الشفيع لطرف ثان ثم يقوم هذا الطرف ببيعها لطرف ثالث فصار البيع تكرر ثلاث مرات المشتري الأول والمشتري الثاني والمشتري الثالث. وربما الرابع والخامس لكن نكتفي بالثلاثة حتى نتصور المسألة.
حينئذ للشفيع أن يأخذ الشقص بالعقد الأول أو بالعقد الثاني أو بالعقد الثالث.
والسبب في ذلك: أنه شفيع في جميع العقود.
أي: له حق التشفيع في جميع العقود.
ومن البدهي أن الشفيع سيأخذ الشقص بأقل الأسعار التي تم البيع بها.
فإذا اشتراه الأول: بعشرة آلاف. ثم اشتراه الثاني من الأول بعشرين واشتره الثالث من الثاني بثلاثين واشتراه الرابع من الثالث بأرعين. فمن المعلوم أن الشفيع سيشفع في العقد الأول أو الثاني أو الثالث؟
بالعقد الأول. لأنه أقل العقود ثمناً.
ثم إذا شفع في العقد الأول في المثال فإنه سيعطي المشتري عشرة. وإذا أعطاه عشرة فإنه يجب على المشتري الأول أن يعطي المشتري الثاني: عشرين. ويجب على المشتري الثالث أن يعطي المشتري الثالث: ثلاثين.
فترجع الحقوق إلى أصحابها.
إذاً: الخلاصة: أن للشفيع أن يشفع في أي عقد يجرى على هذه الأرض: الأول أو الثاني أو الثالث.
والمؤلف رحمه الله ذكر هذا الحكم لبيان أن الحكم يبقى كما هو ولو تكررت العقود.
أما مسألة أنه سيشفع على المشتري الأول هذا معلوم وسبق. هو أصل الباب.
لكنه رحمه الله أراد أن يبين أنه وإن تكررت العقود فإن حق الشفيع باقي.
- قال رحمه الله:
- وللمشتري: الغلة والنماء المنفصل.
يعني: إذا اشترى شخص شقضاً من أرض مشتركة ثم شفع الشفيع وأخذ الشقص فإن غلة هذا الشقص للمشتري.
والغلة: قد تكون أجرة وقد تكون ثمرة اقتنين وقد تكون أشياء أخرى. المهم أن الغلة ثابتة للمشتري.
وكذلك النماء المنفصل. هو ثابت للمشتري. فلو شفع في شيء على القول بأنه يجوز التشفيع في المنقولات لو شفع في الحيوان وولد هذا الحيوان ابناً ثم شفع الشفيع فإن المولود يكون لمن؟ للمشتري.
تعليل ذلك:
- التعليل هو أن هذا النماء وهذه الغلة حصلت في ملك المشتري وعلى ضمانه والقاعدة تقول: (الخراج بالضمان). فلما وجد في ملكه وتحت ضمانه صار من أملاكه.
وهذا الحكم صحيح.
- يقول رحمه الله:
- والزرع والثمرة الظاهرة.
والزرع: أي أنه إذا اشترى الإنسان الشقص وزرع هذا الشقص زرعاً فإنه يمكون من نصيبه يعني: له مبقىً إلى الحصاد.
فيجب على الشفيع أن يسمح ببقاء الزرع إلى أوان الحصاد.
- لأنه ليس في هذا البقاء ضرر على الشفيع. ليس عليه ضرر في إبقائه. لألن الضرر انتهى بالتشفيع فبقي حق المشتري ثابتاً وهو بقاء الزرع إلى أوان الحصاد.
وهذا أيضاً: لا إشكال فيه.
* * مسألة/ = عند الحنابلة يبقى هذا الزرع بلا أجرة - يعني يبقى في أرض الشفيع إلى أوان الجذاذ بلا أجر تؤخذ من المشتري الذي سحبت منه الأرض.
وعللوا هذا:
- بأنه زرع في ملكه وبإذن من الشارع. وإذا زرع في ملكه وبإذن من الشارع فإنه لا يترتب على هذا أجرة.
= والقول الثاني: أن على المشتري الذي شفع في نصيبه الأجرة للشفيع من حين التشفيع إلى أوان الحصاد.
وعللوا هذا:
- بأنه في هذه الفترة انتفع بملك غيره فوجب عليه أن يعطي أجرة ما انتفع به من الأرض.
وأجابوا عن دليل الحنابلة: بأن هذا الشخص وإن كان أذن له الشارع في الزرع إلا أنه تبين أن هذه الأرض مستحقة لغيره فأخذت منه ووجبت عليه الأجرة.
ونحن لا نأخذ عليه الأجرة في الزمن الذي كانت تحت يده ولكن نأخذ الأجرة من زمن التشفيع إلى الحصاد.
وهذا القول الثاني: يبدو لي أنه أقوى فيبقى الزرع لكن يدفع أجرة بقاء الزرع إلى أوان الحصاد.
- قال رحمه الله:
- والثمرة الظاهرة.
أي: والثمرة الظاهرة تكون أيضاً ملكاً للمشتري.
- لأنها ظهرت في ملكه.
ويلحق بالثمرة الظاهرة: الثمرة التي تؤبر وإن لم تظهر.
فصار للمشتري الثمار تالظاهرة التي ليس من شأنها التأبير والثمار المؤبرة إذا أوبرت.
يعني: والثمار التي من شأنها التأبير متى؟ إذا أبرت. لأنها ظهرت في ملك المشتري فصارت له.
- وقياساً على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من باع نخلاً بعد أن يؤبر فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع).
فأثبت أن الثمرة للبائع.
والمشتري في التشفيع هو بمتنزلة البائع. فثبت له هذا الحكم.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن بنى أو غرس: فللشفيع تملكه بقيمته وقلعه ويغرم نقصه، ولربه أخذه بلا ضرر.
هذا حكم يختلف عن المسائل السابقة وهي: ما إذا قام المشتري بغرس الشجر أو بناء البيوت أو الغرف أو أحواش الأغنام أو أي شيء يبنى.
ظاهر عبارة المؤلف رحمه الله أن المخير هو الشفيع لأنه رحمه الله يقول هنا: (فإن بنى أو غرس) فلمن؟ (فللشفيع تملكه بقيمته وقلعه ويغرم نقصه ولربه أخذه).
إذاً: المخير في ظاهر كلام المؤلف رحمه الله هو الشفيع.
والواقع أن المخير هو المشتري. فنخير المشتري ولا نخير الشفيع.
تخيير المشتري كالتالي:
ـ نقول للمشتري: أنت مخير بين أن: تأخذ الغرس والبناء. وبين أن تبقيه.
فإن اختار أخذ الغرس والبناء فله ذلك وليس بلزم بدفع الأضرار المترتبة على الحفر وليس عليه تسوية الأرض. بمعنى: يأخذ ملكه ويمضي سواء كانت غرساً: يعني: أشجاراً أو بناء بأن يأخذ آلات ومواد البناء.
وإلا من المعلوم أنه لن يأخذ البناء كما هو.
وإنما لم يلزم على المشتري دفع الأضرار المترتبة على أخذ الغرس والبناء لأنه غرس وبنى بإذن الشارع فلا سيلزمه مع ذلك أن يدفع الأضرار المترتبة على أخذ ملكه الذي بناه بإذن الشارع.
وهذه الصورة واضحة.
فإن اختار المشتري أن لا يأخذ الغرس أو البناء حينئذ نخير الشفيع. نخيره بين ثلاثة أمور:
ـ الأمر الأول: أن يترك التشفيع من أصله.
فإن لم يختر هذا:
ـ فالخيار الثاني: أن يتملك البناء والغرس بقيمته. وقيمة البناء والغرس تعرف بأن نقدر قيمة الأرض بلا غرس ولا بناء وقيمتها مع الغرس والبناء والفرق بينهما هو قيمة الغرس والبناء.
ـ الخيار الثالث: أن نلزم الشفيع بنقل الغرس والبناء لأرض المشتري. مع دفع الفرق الذي يحصل إضراراً بالغرس والبناء.
فنقول للشفيع: الخيار الثالث أن تقوم بنقلؤ الشجر وإذا نقلت الشجر فعليك دفع الفرق الذي يحصل ضرراً على الشجر. وليس للشفيع خيار رابع فهو مخير بين هذه الثلاثة أمور فقط. وليس له أن يقول: بل أختار أن يقوم المشتري هو بنقل الغرس والبناء هذا ليس إليه.
نقول نحن: أنت مخير بين هذه الثلاثة أمور فقط. لأن المشتري لم يظلم ولم يتعد وإنما أخذ بموجب الحق الشرعي وهو الشراء.
فأنت مخير بين هذه الثلاثة أمور.
- يقول رحمه الله:
- فللشفيع تملكه بقيمته وقلعه ويغرم نقصه، ولربه أخذه بلا ضرر.
أي الخيارات الثلاث ترك المؤلف رحمه الله؟
ترك الشفعة. فقد تركه المؤلف رحمه الله ولعله لأنه بدهي إذا اختار الشفيع ترك الشفعة انتهى وأصبحت الأرض والبناء والغرس ملك للمشتري.
- يقول رحمه الله:
- بلا ضرر.
يعني: أن له أن ينقل الشحر والبناء لكن بلا ضرر.
فيشترط الحنابلة أن يكون النقل بلا ضرر.
واستدلوا على هذا:
- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).
- ولأن الضرر لا يزال بضرر آخر.
= والقول الثاني: أن له أن يزيله ولو مع الضرر.
وهذا هو المذهب الاصطلاحي.
واستدل هؤلاء:
- بأنا لا نراعي مصلحة المشتري على مصلحة الشفيع.
والذي يظهر لي أن ما ذكره المؤلف رحمه الله أقرب. لأن الأصل العام أن الضرر لا يزال بمثله.
والمؤلف رحمه الله هنا لما قال: (بلا ضرر) هل يقصد رحمه الله أنه يختار هذا القول مخالفاً المذهب أو أنه رحمه الله ظن أن هذا المذهب أو وهم في أن هذا المذهب؟ أي هذه الاحتمالات أقوى؟
لم أجد أي شيء يدل على أحد الاحتمالات فيما خالف المؤلف رحمه الله فيه المذهب في الكتاب كله.
لكن يبدو لي أنها مجموعة من الاختيارات وفي بعض المواضع - ستأتينا - ربما اليوم يظهر جلياً أن المؤلف رحمه الله خالف المذهب باختياره لأنه ينفي المثبت بوضوح أوضح من (بلا ضرر) مما يشعر معه الإنشسان أنه اختيار اختاره المؤلف رحمه الله وليس مجرد ظن أنه هذا المذهب والواقع بخلافه.
إذاً: عرفنا الآن خلاصة الحكم وهو أن المخير هو المشتري في الواقع وليس الشفيع وأن المشتري إذا اختار حمل الشجر والبيت فيشترط عن المؤلف رحمه الله أن يكون أخذه بلا ضرر ولايشترط عند الحنابلة أن يكون أخذه بلا ضرر وأن الأقرب أن يشترط لأخذ رب الغرس والبناء من الأرض غرسه وبنائه أن يكون بلا ضرر.
وأنتم أظن تصورتم هذه المسألة.
الآن: إذا غرس وبنى المشتري ثم شفع المشفع وأخذ الشقص من المخير؟
المشتري: بين: أمرين ـ الترك. ـ والأخذ.
إذا أخذ فالمشترط عند المؤلف؟ أن يكون بلا ضرر.
وعند الحنابلة: له أن يأخذ ولو ترتب على أخذه ضرر.
يعني: إذا جاء إنسان وأخذ الأرض وبنى فيها أبنية كثيرة وغرس فيها أشجار ونخيل وأصبحت نظرة وجميلة جداًَ ثم اختار أن يهدم البناء وأن يأخذ الغرس وترتب على هذا تلف الأرض ووجود الحفر وأن مخلفات الهدم المترتبة بعد ذلك ستفسد الأرض بحيث لا تسلح لا للبناء من جديد ولا للغرس لأن مخلفات البناء دائماً يكون لها ضرر.
= عند الحنابلة: يقولون: خذ مالك ولو ترتب على هذا ضرر عظيم.
وأنا أقول أن هذا القول كما تقدم فيه بعد. بل نقول: إذا ترتب على أخذك ضرر تأخذ القيمة وتبقي الغرس والبناء كما هو.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن مات الشفيع قبل الطلب: بطلت.
القاعدة عند الحنابلة: أن الشفعة حق لا يتثبت إلا بالطلب فإذا مات قبل أن يطلب لم يثبت له الشفعة وإذا لم يثبت الحق لم ينتقل للورثة.
فإذا مات الشفيع قبل أن يطلب التشفيع فإن الحق لا ينتقل إلى الورثة لما تقدم.
= والقول الثاني: ألأن الحق ثابت ولو مات قبل أن يطلب.
- لأن هذا الحق حق ثبت لدفع الضرر فيقاس على خيار العيب. خيار العيب يثبت ولو مات المشتري قبل أن يطلب خيار البيع - يثبت للورثة ولو مات المشتري قبل أن يطلب خيار العيب.
فنقيس عليه حق الشفعة ونقول هو ثابت للورثة.
وهذا القول إن شاء اله هو الصواب. أن حق الشفعة حق ثابت سواء مات الشفيع قبل الطلب أو بعد الطلب.
وعلى المذهب كما سمعت لا يثبت إلا بعد الطلب.
بناء عليه: = عند الحنابلة: إذا مات المالك قبل أن يطلب حق الشفعة فإن المشتري يكون شريكاً إجبارياً مع من؟ مع الورثة.
وهذا كما ترى يبعد أن يكون من الشرع. لأن الشارع كما يريد والله أعلم بمراده - كما يريد أن يدفع الضرر عن المالك الأصلي كذلك يريد أن يدفع الضرر عن الورثة. ولا فرق بينهما ولذلك أقول هذا هو الراجح إن شاء الله.
- ثم قال رحمه الله:
- ويأخذ بكل الثمن.
تقدم معنا أن الشفيع يأخذ الشقص بكل الثمن.
والمقصود هنا بكل الثمن يعني: الذي استقر عليه العقد.
وأما قبل استقرار العقد فإن ما يلحق العقد من زيادة أو نقص يثبت في حق الشفيع وما يلحق العقد من زيادة أو نقص بعد استقراره فإنه لا يلحق بالشفيع.
مثال ذلك/ إذا اشترى الشقص ثم في زمن الخيار زاد في الثمن أو نقص منه. فهل هذه الزيادة بعد الاستقرار وإلا قبل الاستقرار؟
هذه الزيادة قبل الاستقرار. لأن العثقد لا يستقر مع وجود الخيار.
فكل زيادة أو نقص يلحق بالعقد قبل استقراره كما في زمن الخيار فإنه ثابت أيضاً في حق الشفيع.
الصورة الثانية/ أن تحصل الزيادة أو النقص بعد الاستقرار يعني: بعد انتهاء زمن الخيار. فحينئذ لا يلحق الشفيع هذا الحكم.
مثاله/ رجل اشترى من زيد نصف الارض المشتركة بينه وبين عمرو. بمائة ألف. عقد منتهي وبات بعد ثلاثة أيام من العقد قال البائع للمشتري نقصت عنك من الثمن ثلاثين بالمائة ثم بعد هذا كله شفع الشفيع فهل يأخذ بالثمن الأول أو مع نقص الثلاثين بالمائة؟ يأخذ بالثمن الأول ولا علاقة له بالزيادة أو النقص بعد الاستقرار.
علل الحنابلة هذا الحكم:
- بأن الزيادة ليست إلا هبة من المشتري والنقص إلا إبراء مبتدأً من البائع. والهبة والإبراء لا تدخل بالعقود بل تختص بالموهوب والمبرأ.
وهذه مسألة مهمة.
فإذا أراد البائع أن يعفي المشتري من بض الثمن فهذا الاعفاء يختص به المشتري وليس للشفيع فيه علاقة بل عليه أن يدفع كامل الثمن للمشتري ولا ينظر لقضية أن البائع أبرأه من بعض الثمن لأن هذا أمراً خاصاً بالمشتري.
-
قال رحمه الله:
- فإن عجز عن بعضه: سقطت شفعته.
يعني: إن عجز الشفيع عن بعض الثمن سقطت شفعته.
والدليل على هذا:
- أنه لا يمكن أن نثبت الشفعة مع الضرر الداخل على المشتري. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاضرر ولا ضرار)
ومن المعلوم أن اشتراء الشفيع الشقص ببعض الثمن إدخال للنقص والضرر على المشتري. ولذلك سقط حقه في الشفعة.
لكن عند الحنابلة يؤجل لمدة ثلاثة أيام. فيمهل هذه الفترة فإن استطاع تأمين الثمن فذاك وإلا سقطت شفعته.
واستدلوا على هذا:
- بأن خيار الغبن قرر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام.
وقيل يمهل لمدة يومين فقط.
وقيل يمهل لمدة يقدرها الحاكم. بحيث يتمكن الحاكم من مراعاة عم وجود الضرر في حق المشتري وعدم وجود الضرر في حق الشفيع فيوازن بين الأمرين ويحدد مدة تتناسب مع ارتفاع الضرر عن الشفيع والمشتري.
وهذا القول هو الصحيح إن شاء الله.
إذ قد يرى الحاكم أن ينتظر عليه أكثر من ثلاثة أيام وقد يرى أن يبادر وأنه لا نحتاج إلى الانتظار لمدة ثلاثة أيام لأنه لن يستطيع دفع الثمن.
* * مسألة/ حق الشفعة يسقط إذا لم يستطع تأمين الثمن أو بعض الثمن ولو أتى بضامن أو رهن. لأن الضامن والرهن يتضمن تأجيل الثمن والتأجيل في حد ذاته ضرر على المشتري لا يملك الشفيع إلزامه به.
فإذاً: حتى لو أحضر رهن أو أحضر ضامن فإنه ليس له حق التشفيع.
* * مسألة/ ليس للشفيع أن يشفع إذا لم يجد الثمن نقداً ولو بذل عوضاً عنه عروض تجارة.
فإذا قال: بدل أن أعطيك مائة ألف سأعطيك البيت الآخر أو الأرض الأخرى أو السيارة الفلانية. فإنه لا يلزم المشتري القبول.
وعلل الحنابلة ذلك:
- بأن هذه معاوضة جديدة تحتاج إلى رضا الطرفين. فإذا لم يرض المشتري فليس لأحد الحق في إلزامه.
وهذه المسائل صحيحة ووجيهة وهي مسائل الرهن والضامن مسألة ابدال الثمن بعروض.
المسائل صحيحة وليس للشفيع أن يلزم المشتري بشيء من ذلك.
- قال رحمه الله:
- والمؤجل: يأخذه الملي به.
يعني: وللشفيع أن يأخذ بالثمن إذا كان مؤجلاً بشرط أن يكون مليئاً فإذا باع المالك الأرض على المشتري بثمن مؤجل ثم ضفع الشريك فيأخذ الشقص أيضاً بثمن مؤجل. لكن بهذا الشرط وهو: أن يكون مليئاً.
استدل الحنابلة على هذا: - بأن الشفيع يأخذ الشقص بثمنه والتأجيل صفة من صفات الثمن فصارت حقاً ثابتاً له كمقدار الثمن.
وهذا صحيح أن ثبوت التأجيل بهذا الشرط حق من حقوق الشفيع وليس للبائع أن يقوق إنما وضعت الأجل لأجل المشتري أما أنت فلابد أن يكون حالاً هذا ليس له أن يطلب هذا الطلب.
= القول الثاني: أن الشفيع لا يملك أن يأخذ الشقص إلى بثمن حال مطلقاً. وإن التأجيل حق من حقوق المشتري لا ينتقل للشفيع.
= والقول الثالث: أن للشفيع أن يأخذ بالثمن مؤجل مطلقاً يعني: ولو لم يكن مليئاً وهذا القول لائق بمن؟ بالظاهرية. لأنهم يأخذون المسائل على ظاهرها فهو يقول هذا حق ثابت فيثبت للشفيع مليئاً كان أو ليس بمليء. فيأخذون الأمر بظاهرية وجمود. والراجح مذهب الحنابلة.
- قال رحمه الله:
- وضده: بكفيل مليء.
يعني: ويثبت حق التأجيل لضده وهو غير المليء بكفيل مليء.
فإذا كان العقد ثبت مؤجلاً وشفع المشفع ووجدنا المشفع ليس مليئاً فإن حق التشفيع يثبت له ولكن بشرط أن يأتي بكفيل مليء. فإن لم يأت بكفيل مليء فهو مخير بين أمرين: ـ أن يأخذ بثمن حال. ـ أو أن يترك التشفيع.
وهذا كما ترى أيضاً مذهب قوي.
- ثم قال رحمه الله:
- ويقبل في الخلف مع عدم البينة: قول المشتري.
يقبل في الخلف قول المشتري. يعني: إذا اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن فالقول قول المشتري.
عللوا هذا: - لأن المشتري هو من قام بإجراء العقد مع البائع فهو أعلم بالثمن.
فإذا قال المشتري: اشتريت الأرض من زيد بمائة ألف وقال الشفيع بل اشتريت الأرض منه بخمسين ألف فالقول قول المشتري. لكن مع يمينه.
والتعليل: - هو ما سمعت. من أن المشتري هو من أجرى العقد مع البائع.
وعللا بتعليل آخر: وهو: - أن التشفيع عبارة عن بيع من المشتري للشفيع والبيع لا يكون إلا عن تراضي فيما يتعلق بالثمن.
فإذا لم يرض المشتري بخروج هذا الشقص من ملكه إلا بهذا الثمن وجب أن لا يخرج إلا به.
فإذاً الدليل الثاني يعود لمبدأ الرضا وهو مبدأ كبير في البيوع.
- قال رحمه الله:
- فإن قال: ((اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ)) أخذ الشفيع به ولو أثبت البائع أكثر.
إذا قال المشتري: اشتريت الأرض بألف وقال البائع بعت الارض بألفين واتى ببينة تثبت أنه باع على المشتري بألفين فإن الشفيع يأخذ بالثمن الذي قاله المشتري أو البائع؟
المشتري.
فإن الشفيع يأخذ بالثمن الذي قاله المشتري ولا علاقة له بما قال البائع.
التعليل:
- قالوا علة ذلك: أن المشتري صرح بتكذيب البائع وأنه ظلمه بالألف الزائدة فلا تثبت حقاً له.
ومعنى هذا: أن المشتري الآن يزعم أن البائع ظلمه بزيادة ألف لأنه هو يدعي أنه اشترى بألف والبائع يقول بعتك بألفين فهو مظلوم بألف.
فإذا كان يزعم أنه مظلوم بألف فإن الشفيع لا يأخذ الشقص منه إلا بما أقر به وهو الألف دون ما يزعم أنه ظلم به وهو الألف.
فالمشتري الآن يزعم أن البينة كاذبة ولو ثبتت عند القاضي. إلا أنه هو يزعم أن البينة كاذبة وأنه مظلوم بالألف الزائدة فلا تثبت حقاً.
وهذا صحيح. إذ ليس من المعقول أن نلزم الشفيع بثمن المشتري نفسع ينفيه. فليس على الشفيع إلا أن يدفع ألفاً وتكون القضية منحصرة بين البائع والمشتري ينهونها بينهم وليس للشفيع علاقة بهذا العقد.
ومن المعلوم أن المشتري سيقول: اشتريت بألف إذا كان رجلاً صاحب دين وورع ولا يريد أن يأكل مال غيره بغير حق.
ومن هنا: أريد أن أشير إلى شيء على عجل: طالب العلم ينبغي أن يتنبه له: وهو أنه ينبغي أن نتنبه إلى مسألة أن لا يستغل بعض الناس بعض الأحكام لأكل أموال الناس بالباطل.
فبعض الناس يكون من أنصاف المتعلمين عنده بعض المعلومات يستغل هذه المعلومات في أكل أموال الناس بالباطل.
مثاله/ هذه المسألة. لو أن المشتري رجل لا دين عنده ولا مانع ان يأكل أموال الناس فبإمكانه أن يقول: إنما اشتريت الأرض بكم؟ ( .. ) لأنه إذا قال أني اشتريت الأرض بألفين فالشفيع ملزم بأخذها بكم؟ بألفين.
فإذاً يجب على طالب العلم أن يتنبه إلى مثل هذه الأمور.