المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب اللقيط - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٤

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌ باب اللقيط

لهذين الدليلين قالوا: لا يجوز أن يتملكها مباشرة بل عليه أن يعرفها سنة ثم بعد ذلك يأخذ حقه منها.

= القول الثاني: أن لا نحتاج إلى الانتظار لمدة سنة بل مباشرة تؤخذ وتباع ويأخذ البائع حقه منها والباقي يتصدق به.

واستدلوا على هذا: - بأن ظاهر الحال ودلالة القرينة على أن هذا الباقي هو متاع الذي أخذ - أن الحذاء الباقي إنما هو للشخص الذي أخذ الحذاء الذي ذهب. والشرع مبني على الأخذ بالظواهر.

هذا القول الثاني وهو أنه لا يشترط أن نبقى سنة اختاره الشيخ المرداوي واختاره أيضاً الحارثي وهو كما ترى وجيه.

كما عللوا ذلك: - بأن في هذا القول رفقاً بالناس. لأنه إذا أخذت نعل الإنسان وقيل له انتظر لمدة سنة ففي الغالب سيعرض عن هذا النعل الموجود ويشتري مكانه آخر.

إذاً: هذا القول الثاني هو الصحيح فنقول: إذا وجدت نعلاً وغلب على ظنك أنه لمن أخذ نعلك فخذه وبعه وخذ نصيبك منه والباقي تتصدق به. والغالب: سيبقى باقي؟ أو لن يبقى باقي؟ لن يبقى باقي. لماذا؟ لأنه لو كانت نعل السارق خير من نعلك لماذا يتركها لك ويأخذ نعلك؟! فإذاً: المأخوذة غالباً ستكون خير من الموجودة.

فلماذا إذاً قال الحنابلة: ويتصدق بالباقي؟ احتياطاً لإكمال الحكم وإلا في الغالب لن يتبقى شيء.

/ ما الحكم إذا كان ثمن المبيع أقل من نعلك؟ إذا كان أكثر عرفنا الحكم.

وإذا كان أقل: .. (( .. ليس لك إلا هذا .. لأنه مسروق)) ..

وبهذا انتهينا من باب اللقطة وننتقل إلى‌

‌ باب اللقيط

.

باب اللقيط

- قال رحمه الله:

- باب اللقيط.

يعني: باب تبين فيه أحكام اللقيط.

- وقوله هنا رحمه الله:

- وهو: طفل.

مراد الحنابلة بالطفل: أي قبل التمييز.

فإذا وجد الطفل بعد التمييز فليس لقيطاً ولا تنطبق عليه الأحكام التي ستذكر.

= والقول الثاني: أن اللقيط يستمر إلى البلوغ فيشمل المميز وغير المميز.

وهذا القول الثاني هو الصحيح إن شاء الله.

وجه الترجيح: أن الطفل المميز وغير المميز إلى أن يبلغ مرحلة البلوغ بحاجة إلا حضانة ورعاية فيدخل في أحكام اللقيط.

- يقول رحمه الله:

- لا يعرف نسبه ولا رقه.

يجب أن يكون هذا الطفل مجهول النسب ومجهول الرق.

ص: 447

فإن كان رقيقاً لشخصٍ معين أو معروف النسب فليس بلقيط ولا يجوز للإنسان أن يحتفظ به وعليه ان يرده إلى أهله.

إذاً: الشرط الحقيقة الواضح والكبير في اللقيط: أن لا يعرف نسبه ولا رقه.

بلا هذا الشرط لا يصبح من اللقطاء.

- يقول رحمه الله:

- نبذ أو ضل.

(نبذ) يعني: ألقي. سواء على الطريق أو في مسجد أو في كنيسة أو في بيعة أو في أي مكان أو في السوق.

قوله (أو ضل) يعني: ضاع في الطريق ولم يستطع أن يهتدي إلى أهله.

والحنابلة ذكروا كلمة: (أو ضل) غالبهم ذكر أو ضل وإن كان بعضهم اقتصر على كلمة نبذ ولم يذكر أوضل.

وشيخنا رحمه الله في الممتع انتقد هذه الفظة وقال: الطفل إذا ضل فإنه لا يعتبر لقطة بل يجب أن نبحث عن أهله وليس لواجده أن يحبسه مباشرة ويعتبره لقيط ويطبق عليه أحكام اللقطة بل يجب إذا الطفل أن نبحث عن أهله.

ولم أجد هذا التقرير عند غير شيخنا رحمه الله وهو كما ترى وجيه جداً وقوي. ولا ينبغي للإنسان إذا ضاع الطفل أن يستعجل في معاملته معاملة اللقيط وحبسه عنده بل يجب أن يبحث عن أهله ثم إذا بحث ولم يجد أهله ولا من يعرف نسبه ولا كونه رقيق أو حر فإنه حينئذ يعود إلى الحكم الأصلي وهو أنه لقيط.

((الأذان)).

ص: 448

هذا سؤال جيد في الحقيقة: يقول: إذا لم يبدأ بالتعريف إلا قبل نهاية الحول بزمن يسير - ترك التعريف فلما قارب الحول الانتهاء بدأ؟

الجواب: أنه يجب عليه أن يعرف كذلك ولو لم يبدأ به إلا متأخراً إلا أنه لا يملك اللقطة بهذا التعريف لأنه فرط ولم يعرف الحول الكامل فيجب عليه أن يعرف لكن لا يملك بهذا التعريف.

- ثم قال رحمه الله:

- وأخذه فرض كفاية.

أخذ هذا اللقيط عند الحنابلة: فرض كفاية.

- لقول تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى

} [المائدة/2].

- والدليل الثاني على وجوب أخذه وأنه فرض كفاية: أن في أخذه حفاظاً على نفسه وإنقاذاً له من الهلاك.

وإلى هذا ذهب الجماهير. وهو أنه فرض كفاية.

= والقول الثاني: أن أخذه سنة إلا إن خاف إن تركه هلك حينئذ يصبح واجباً.

وهو مذهب الأحناف.

وبهذا القيد الذي ذكره الأحناف أصبح قولهم قريب جداً من قول الجماهير.

فليس بينهما فرقاً يذكر الهم إلا أنه لا يجب على الإنسان أن يأخذ الطفل مادام يظن أنه لن يهلك.

- ثم قال رحمه الله:

- وهو حر.

ص: 449

أي: هذا القيط حر. الأصل أنه حر ولا يجوز لملتقطه أن يتعامل معه كرقيق أو أن يسترقه.

وهذا الحكم بالإجماع.

ودليل هذا الإجماع:

- أن الأصل في الإنسان الحرية ولا يمكن أن ننتقل عن هذا الأصل إلا بناقل شرعي ولا يوجد ناقل في حق اللقيط.

وقلت لكم أن هذا الحكم محل إجماع وهو محل إجماع إلا أنه خالف فقط النخعي فقال: لسيده أو لملتقطه أن يسترقه ولكن هذا القول حكم عليه الشيخ ابن قدامة بأن فيه شذوذ ومخالفة للصحابة وللعلماء.

وهو كما قال. وهو قول يستغرب على النخعي. لكن على كل حال الراجح إن شاء الله مذهب الجماهير.

- يقول رحمه الله:

- وما وجد معه أو تحته، ظاهراً أو مدفوناً طرياً، أو متصلاً به كحيوان وغيره أو قريباً منه: فله.

(ما وجد معه) يعني: في جيبه.

(أو تحته) سواء كان تحته مباشرة أو تحت الغطاء الذي تحته. أو تحت الفراش الذي تحت الغطاء. في هذه الصور كلها يعتبر تحته.

فهذا المال له.

ـ النوع الثاني من الأموال: (أن يجده مدفوناً طرياً) إذا وجده مدفوناً طرياً فهو أيضاً له) فإن وجده مدفوناً منذ زمن بعيد فليس له ولا يستحق أن يتعامل معه كمال للقيط.

يقول رحمه الله: (أو متصلاً به كحيوان وغيره) إذا وجد شيئاً متصلاً باللقيط سواء كان حيوان أو غير حيوان وسواء كان الاتصال عن طريق الربط أو عن طريق اللصق أو عن أي طريق من الطرق التي تؤدي إلى الارتباط فإن هذا المال يعتبر للقيط.

إذاً: أخذنا ثلاثة أنواع من أنواع الأموال التي يحكم بها أنها للقيط.

الدليل في جميع هذه الأموال:

- أن الظاهر من الحال أن هذا المال ملك للقيط. ونحن متعبدون بالظاهر.

وعلم من كلام المؤلف رحمه الله هنا: (أو قريباً منه) أن المال إذا كان بعيداً عنه فإنه لا يكون من أملاكه.

ص: 450

وهذا صحيح: ما دام المال بعيداً عنه فإنه لا يحكم أنه ملك لهذا اللقيط إلا في صورة واحدة وهي ما إذا دلت القرينة أن هذا المال وإن كان بعيداً فهو خاص بالطفل كان يوجد طعام خاص بالأطفال أو أداة تستعمل للأطفال فهذه وإن كانت بعيدة فإن الظاهر من الحال أنها ملك لهذا الطفل.

هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد

ص: 451

الدرس: (49) من البيع

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

تقدم معنا الكلام عن أحكام اللقطة وأيضاً اللقيط. لكن نسينا مسألتين من مسائل اللقطة تعتبر من المسائل المهمة نأتي عليها الآن باختصار ثم نكمل ما كنا في صدده.

* * المسألة الأولى/ هي لقطة مكة: = ذهب الجماهير رحمهم الله إلى أن لقطة مكة كلقطة غيرها من حيث أنها تملك بالتعريف.

واستدلوا على هذا:

- بأن الأحاديث التي جاءت بالأمر بالتعريف وترتيب الملك عليه عامة لم تفرق بين أن تكون هذه اللقطة في مكة أو في غيرها.

= القول الثاني: أن لقطة مكة لا تحل إلا لمن أراد أن يعرفها أبداً ولا تملك. وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام وغيره من المحققين.

واستدلوا:

- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أن لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد. واعتبروا أن قوله لا تحل إلا لمنشد يعني: أبداً لكي يكون في الحديث إضافة على الأحاديث الباقية. لأنا لو حملنا الحديث على وجوب التعريف لكان الحديث ليس فيه فائدة زائدة عن الأحاديث الأخرى الآمرة بالتعريف.

هذه هي المسألة الأولى.

* * المسألة الثانية/ نفقة التعريف. تقدم معنا أن التعريف يقوم به الملتقط لكن لم نأخذ على من تكون نفقة التعريف.

= ذهب الجمهور إلى ان نفقة التعريف تكون على الملتقط.

واستدلوا على هذا:

- بأن التعريف واجب من واجبات الملتقط. وإذا كان واجباً عليه فعليه نفقته.

واستدلوا أيضاً:

ص: 452

- بأنه يعرف لحظ نفسه فعليه نفقة ذلك التعريف ووجهه أنه يعرف لحظ نفسه أن ثمرة التعريف إذا لم يعرف صاحب اللقطة أن يملكها المعرف.

= القول الثاني: أنه إن التقط اللقطة بقصد حفظها لصاحبها فنفقة التعريف على صاحبها. وإن التقط اللقطة بقصد تملكها بعد التعريف فنفقة التعريف على الملتقط.

واستدلوا على هذا القول:

- بأن الملتقط إذا لم ينو التملك وإنما نوى الاحتفاظ بها إلى أن يأتي صاحبها صار التعريف ونفقة التعريف ما هي إلا وسيلة لإيصال اللقطة إلى صاحبها.

وإيصال العين إلى صاحبها تكون نفقته على صاحب هذه العين.

= والقول الثالث: ان نفقة التعريف تؤخذ من اللقطة.

وبهذا علمنا أنه لم يذهب أحد من الفقهاء إلى أن نفقة التعريف على المالك مطلقاً. لم أر أحداً من الفقهاء قال أنه على المالك مطلقاً.

لكنك إذا تأملت ستجد أن القول الأخير وهو أنه من اللقطة يعود إلى تكليف المالك بنفقة التعريف لأنه إذا لم نجد المالك صارت اللقطة ملكاً للمعرف ولا يوجد أصلاً إشكال. لكن الإشكال إذا وجد المالك فإذا وجد المالك وخصمنا قيمة التعريف من اللقطة هي في الحقيقة ستكون من المالك.

والأقرب والله أعلم أنها على اللاقط وما ذكره الحنابلة وجيه - الدليلان الذان ذكرهما الحنابلة أدلة وجيهه.

هاتان المسألتان بقيتا من اللقطة ونرجع الآن إلى تكملة باب اللقيط وتوقفنا عند قوله: (أو قريباً منه فله).

- قال رحمه الله:

- وينفق عليه منه.

لما بين المؤلف رحمه الله في الفقرة السابقة الأشياء التي تكون من ملك الصبي الملتقط ذكر ما يترتب على هذا وهو أن هذا المال الموجود مع الصبي ينفق عليه منه.

فالنفقة التي يحتاج إليها اللقيط تكون من المال الموجود معه.

وهذا الحكم محل إجماع أنه ينفق عليه من المال الموجود معه - محل إجماع ولا إشكال فيه.

- ثم قال رحمه الله:

- وإلاّ فمن بيت المال.

يعني: وإلا يوجد معه شيء فننفق عليه من بيت المال.

وفهم من هذا أنه لا يجب على الملتقط أن ينفق عليه. وهذا أيضاً: محل إجماع. فليس على ملتقط اللقيط أن ينفق عليه.

ص: 453

وذلك لأن أسباب النفقة محصورة في القرابة والزوجية والملك والولاء وهذا اللقيط ليس من هذه الأسباب بالنسبة للملتقط. فتكون النفقة على بيت المال.

فإن لم يتمكن من أخذ نفقته من بيت المال أو كان بيت المال ليس فيه شيء فعلى من عرف حاله من المسلمين.

فمن عرف حاجة هذا الصبي إلى النفقة فعليه أن ينفق عليه على سبيل أنه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.

- قال رحمه الله:

- وهو مسلم.

أي: أن اللقيط نحكم عليه بالإسلام.

واللقيط ينقسم إلى قسمين:

ـ القسم الأول: أن يوجد في دار المسلمين. فإذا وجد في دار المسلمين فإنه مسلم ولو كان غالب أهل الدار من أهل الذمة.

بل لو لم يوجد إلا مسلم واحد يصلح أن يكون هذا الطفل له فإنا نحكم على الطفل بأنه مسلم.

- لأن الأصل في بني آدم الإسلام.

- ولأن الأصل أن الحكم للدار وهذه الجار جار إسلام.

ـ القسم الثاني: أن يوجد في دار الكفر. فإذا وجد في دار الكفر:

- فإما أن يوجد في دار الكفر عدد من المسلمين كبير فيحكم بإسلامه.

- أن لا يوجد في دار الكفر إلا مسلم أو اثنين - يعني: عدد يسير فإذا كان عدد المسلمين يسير جداً في دار الكفر فإن اللقيط يحكم بكفره.

والسبب في ذلك: - أن الحكم للدار. وهذه الدار دار كفر فنحكم بكفره.

= والقول الثاني: أن اللقيط مسلم مطلقاً دائماً وأبداً.

واستدل أصحاب هذا القول:

- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه. فنسب النبي صلى الله عليه وسلم التهويد والتنصير إلى الأبوين وهذا الطفل ليس له أب ولا أم.

- ثانياً: لأن الأصل في الإنسان الإسلام.

وهذا القول هو الراجح.

ومفهوم عبارة المؤلف رحمه الله أنا لا ننظر للملتقط سواء كان الملتقط كافر أو مسلم: الحكم على التفصيل السابق.

وهذا صحيح. أنا لا ننظر إلى الملتقط لا يعنينا أمر ولا دين الملتقط.

= والقول الثاني: أنه يحكم على اللقيط بحسب الملتقط: إن كان الملتقط مسلم فهو مسلم وإن كان كافر فهو كافر ولا ننظر للدار.

والراجح من هذا الخلاف كله: أنه مسلم مطلقاً مهما كانت الدار ومهما كان الملتقط لما تقدم من أدلة.

- ثم قال رحمه الله:

ص: 454

- وحضانته: لواجده الأمين.

يعني: أنه أحق الناس بحضانة اللقيط هو الواجد له ولكن بقيد الأمين: يعني: بشرط أن يكون أميناً.

- لأن القاعدة الفقهية تقول: (لا ولاية لفاسق)

- ولأن أبا جميلة رضي الله عنه لما وجد اللقيط وأتى به إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عمر عريفه عنه فأثنى عليه خيراً. فقال هو حر وولائه لك ونفقته على بيت المال.

فأثبت الولاء له وجعل الصبي الملتقط في يده. إذاً: أحق الناس بالحضانة هو الملتقط وليس لأحد أن ينزع الصبي منه لأثر عمر ولأنه هو الذي وجده.

والمقصود بالحضانة ليست مجرد إبقاء الطفل تحت يد الملتقط وإنما القيام عليه بما يصلحه ورعايته على الوجه الأكمل. هذه هي الحضانة.

وسيفرد المؤلف رحمه الله باباً للحضانة في آخر الزاد.

- ثم قال رحمه الله:

- وينفق عليه بغير إذن حاكم.

أي وينفق واجد اللقيط عليه من المال الذي موجود معه بغير إذن الحاكم.

- لأنه ولي والولي ينفق بلا إذن الحاكم كولي اليتيم. فاليتيم وليه ينفق بلا إذن الحاكم.

فعرفنا من هذا شيء أشبه ما يكون بالقاعدة وهو: أن الولي دائماً وأبداً ينفق بلا إذن الحاكم. لأن هذا المقصود من ولايته.

ولأنه إنما ولي لينفق مع الرعاية الأخرى والحضانة العامة. لكن من أعظم أعمال الإنفاق.

- قال رحمه الله:

- وميراثه وديته لبيت المال.

معنى هذا الكلام انا نعامل اللقيط كما نعامل معروف النسب الذي ليس له ذرية.

فيكون ماله لبيت المال:

- لأنه لا وارث له.

- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الولاء لمن أعتق. فحصر الولاء في العتق ولقط الصبي ليس من العتق.

= والقول الثاني: أن إرثه لملتقطه.

واستدل هؤلاء بدليلين:

- الدليل الأول: أن عمر بن الخطاب قال: هو حر ولك ولائه.

- الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تحوز المرأة ثلاثة: لقيطها وعتيقها وابنها الذي لاعنت عليه. فنص على اللقيط.

واستدلوا:

- ثالثاً بأن مال اللقيط إذا وضع في بيت المال فإنه سينفق على سائر المسلمين واللاقط له أولى من سائر المسلمين. لكونه التقطه وحضنه.

وانتصر لهذا القول شيخ الإسلام رحمه الله. وانتصر له أيضاً ابن القيم في تهذيب السنن.

ص: 455

والأقرب والله أعلم: المذهب.

ووجه الترجيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الولاء لمن أعتق) وهذا الحصر الذي جاء بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على أثر وعلى الحديث. هذا أولاً.

- ثانياً: أن هذا الحديث الذي ذكروه لو صح لكان إليه الغاية في المصير إليه والاحتكام لكنه ضعيف وممن ضعفه الإمام البيهقي والإمام ابن المنذر.

ولهذا ابن القيم رحمه الله قال: إن صح الحديث قلنا به. لكنه في آخر البحث رجع وقرر أن اللاقط أحق بمال اللقيط إذا مات وليس له وارث.

الخلاصة: أن الراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة لهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الولاء إلا بالعتق.

ولا يخفاكم أن وقوع هذه المسألة قليل والسبب أنه غالباً ما يكون له من يرثه أي هذا اللقيط.

- قال رحمه الله:

- ووليه في العمد: الإمام يخير بين القصاص والدية.

يعني: وليس اللاقط وليس الحاضن وإنما وليه الإمام.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: (السلطان ولي من لا ولي له).

وقول المؤلف رحمه الله: (يخير بين القصاص والدية) يعني: بحسب الأصلح فيختار بين القصاص والدية ما فيه صلاح لهذا اللقيط.

إذاً: ليس التخيير تخيير تشهي أو أن يصفح لمجرد العطف بل يجب عليه أن يتخير ما فيه الأصلح للمقتول.

- ثم قال رحمه الله:

- وإن أقر رجل أو امرأة ذات زوج مسلم أو كافر أنه ولده: لحق به ولو بعد موت اللقيط.

(وإن أقر رجل

أنه ولده لحق به).

= ذهب الجمهور إلى أنه إذا أقر رجل بأن هذا اللقيط ولده لحق به بلا بينة بمجرد الدعوة.

سواء كان الذي أقر به هو الملتقط أو رجل آخر. وسواء كان الذي أقر به حر أو عبد مطلقاً.

واستدلوا على هذا:

- بأن في هذا الإقرار محض مصلحة للطفل وذلك بثبوت نسبه بلا ضرر لا عليه ولا على غيره.

= وذهب المالكية إلى أنه إذا أقر رجل بالطفل فإنه لا يثبت نسبه إلا ببينة.

- لأن الأصل عدم انتساب هذا اللقيط إلى الرجل.

والراجح مذهب الجمهور وهو أنه يثبت النسب لما فيه من المصالح العظيمة جداً للقيط ولولده ولزوجه ولكل من حوله. فهذا الخير والصلاح والنفع للجميع الأقرب أن الشرع لا يأتي بمنعه. ولهذا ذهب إليه الجمهور.

ص: 456

وقلنا سواء كان المقر رجل حر أو رجل عبد. فإن كان الذي أقر به رجل عبد ثبت النسب ولكنه لا يثبت الرق - فيثبت نسباً لا رقاً ويكون الطفل حر وينسب إلى هذا العبد. وفي هذا مراعاة عظيمة لمصلحة اللقيط بإثبات النسب ونفي الرق.

ثم نأتي للمرأة: يقول رحمه الله: (وإن أقر - يعني: وإن أقرت امرأة - ذات زوج مسلم أو كافر أنه ولدها لحق بها) هذا معنى كلامه وإلا هو ذكر الضمير المذكر.

= ذهب الحنابلة إلى أنه إذا أقرت المرأة بالطفل قبل مطلقاً سواء كانت متزوجة أو ليست متزوجة أو ليست متزوجة.

ولكنه إذا أقرت المرأة بالطفل فإنه ينسب للمرأة دون زوجها كما أنه إذا أقر الزوج ينسب له دون زوجته.

والحنابلة استدلوا: - بالدليل السابق. وهو أن في هذا محض نفع للطفل بإثبات نسبه بلا ضرر.

وهذه المسألة: وهي مسألة ما إذا أقرت المرأة مسألة مشكلة ولذلك جاء عن الإمام أحمد رحمه الله ثلاث روايات. هذه الرواية الأولى وهي المذهب.

= الرواية الثانية: أنه لا يقبل إقرار المرأة إلا إذا كانت لم تتزوج أو بعبارة أدق: إذا كانت ليست ذات زوج. لا نقول لم تتزوج ليست ذات زوج ولو كانت تزوجت ثم طلقت فيصدق عليها القول. إذاً: الرواية الثانية: أن تكون ليست ذات زوج. واستدل أصحاب هذه الرواية:

- بأن في إثبات الولد مع وجود الزوج ضرر ظاهر على الزوج.

وجه ذلك: أنه لا يخلو من أمرين:

ـ إما أن يقر به مكرهاً حتى لا ينسب فراشه بيته إلى السوء.

ـ أو أن لا يقر بالطفل وحينئذ لابد من أن تكون المرأة وطئت شبهة أو زنا لأن الولد لن يأتي إلا من الوطء.

وفي الخيارين الضرر ظاهر على الزوج.

= الرواية الثالثة: أن المرأة إن كان لها أهل وإخوة لهم نسب معروف ثابت فإنه لا قبل منها هذا إلا ببينة.

- وذلك لأن إقرار المرأة بالطفل يدخل الضرر والضيم على أهلها كما أنه يمكن إثبات أن هذا الطفل منها إذا كانت ذات أهل بسهولة.

هذه ثلاث روايات.

في المسألة قول رابع لم يرو عن الإمام أحمد: هذا القول:

= هو أنه لا قبل إقرار المرأة مطلقاً.

ص: 457

ومن الغرائب أن هذا القول الرابع حكي إجماعاً. كيف تحكي الإجماع والإمام أحمد له ثلاث روايات في نفس المسألة ليست رواية ولا روايتين ثلاث روايات وتقول محل إجماع.

استدل أصحاب القول الرابع الذي حكي إجماعاً:

- بأن المرأة يسهل عليها الإتيان بينة تدل على الولادة.

فإذا زعمت أن الطفل هذا لها وينتسب لها فتكلف بالبينة فإن جاءت بها وإلا فلم يقبل منها.

صارت الأقوال أربعة: يقبل مطلقاً - لا يقبل لمن كانت ذات زوج - لا يقبل لمن كان لها إخوة معروفي النسب - والرابع: لا يقبل مطلقاً.

المسألة كما قلت لكم مشكلة والذي يظهر لي أن أرجح الأقوال الرواية الثانية عن الإمام أحمد وهو أنه إذا لم تكن ذات زوج وادعت الولد يقبل منها بلا بينة. لأن في هذا مصلحة لها وللقيط ولا يوجد إن شاء الله مضرة باعتبار أنه لا زوج لها. وعلى كل حال يكون القول الثاني هذا أقرب الأقوال.

- قال رحمه الله:

- ولو بعد موت اللقيط.

يعني: ولو ادعى الرجل أو ادعت المرأة أن هذا اللقيط له بعد موت اللقيط فيصح.

وذلك احتياطاً لأمر النسب ومراعاة لمصلحة أولاد اللقيط. وهذا صحيح: أي أنا نثبت نسب اللقيط ولو جاء الاعتراف بعد موته.

- ثم قال رحمه الله:

- ولا يتبع الكافر: في دينه إلاّ بينة تشهد أنه ولد على فراشه.

(ولا يتبع الكافر: في دينه) معنى هذا الكلام أنه إذا ادعى الكافر هذا اللقيط فإنا نقبل من الكافر هذه الدعوى ويثبت نسب اللقيط لكن لا ينتسب إليه في الدين وإن نسب إليه في النسب.

كما أن اللقيط لا يقر في يد هذا الكافر:

- لأنه لا ولاية لفاسق فكيف بالكافر.

- ولأنه لا يتولى الكافر على المسلم.

إذاً: إذا ادعى اللقيط الكافر صححنا الدعوى وانتسب اللقيط إلى الكافر لكن لا يتبعه في الدين ولا يملك الكافر الحضانة.

فهم من هذا أنه إذا كان اللقيط في يد الملتقط وادعاه مسلم وأثبتنا النسب فمن المعلوم أنه يجب على اللقيط أن يدفع الغلام إلى مدعيه يعني: إلى أبيه. لأن هذا المدعي سيكون أباً شرعاً وإنما يستثنى من ذلك إذا كان المدعي كافراً.

ص: 458

(إلاّ ببينة تشهد أنه ولد على فراشه): فإذا أتى ببينة تشهد أن هذا اللقيط ولد في فراشه صار ابناً له بكل الأحكام وأعطي إياه وانتسب له وصار كافراً في الحكم لأنه أثبت أنه ولده في الفراش. وهذا لا إشكال فيه.

- ثم قال رحمه الله:

- وإن اعترف بالرق مع سبق مناف .. لم يقبل منه.

إذا اعترف اللقيط بالرق مع سبق مناف أو مع عدم سبق مناف على المذهب فقيد المؤلف رحمه الله لا مفهوم له فإنه لا يقبل منه.

استدل الحنابلة على هذا بدليلين:

- الدليل الأول: أن الطفل اللقيط لا يعرف رقه من حريته فكيف يزعم أنه حر فلا تقبل منه هذه الدعوى.

- الدليل الثاني: أن في دعواه الرق إسقاط لحقوق الله. فإن الرقيق لا يجب عليه أن يصلي الجماعة ولا يجب عليه ما يجب على الحر من أحكام عموماً.

ففي هذه الدعوى إسقاط لحق الله فلا يقبل منه.

= والقول الثاني: أنه إن ادعى الرق مع سبق مناف لم يقبل منه. وإن ادعى الرق بلا سبق مناف قبل منه.

وهذا قول عند الحنابلة.

وسبق المنافي: هو أن يتصرف تصرف الأحرار. كأن يبيع ويشتري ويزوج .. إلى آخره.

فإذا تصرف تصرف الأحرار صار هذا التصرف ينافي دعواه فلا يقبل.

والراجح المذهب أنه لا يقبل منه مع سبق مناف أو بلا سبق منافي.

- ثم قال رحمه الله:

- أو قال: ((إِنَّهُ كَافِرٌ)) لم يقبل منه.

إذا زعم أنه كافر لم يقبل منه. ثم إذا لم يقبل منه طلب منه التوبة فإن تاب وإلا قتل ردة.

- لأن الأصل فيه الإسلام.

- ولأن الأصل أن الحكم للدار وهو موجود في دار المسلمين.

فلا يقبل منه الزعم أنه كافر بل نقول: إما أن تعود أو تقتل ردة.

- ثم قال رحمه الله:

- وإن ادعاه جماعة: قدم ذو البينة.

يعني: إذا ادعى هذا اللقيط مجموعة من الناس فإن من يقدم بينة صحيحة معتبرة شرعاً يقدم على الباقين.

ومفهوم عبارة المؤلف رحمه الله سواء كان هذا المقدم مسلماً أو كافراً فإنه يقدم ولو كان الذي يعارضه مسلم.

= والقول الثاني: أنها تقدم البينة إذا كانوا جميعاً من المسلمين. وإذا كان بعضهم مسلماً وبعضهم كافراً فإن بينة الكافر ترد ويعطى اللقيط إلى المسلم.

والراجح إن شاء الله بلا إشكال أنه تقدم بينة صاحب البينة ولو كان كافراً.

ص: 459

والسبب: أن البينة في الشرع وضعت لإظهار الحق وبيان المبطل من المصيب فلا يسوغ أن لا نعمل بها. هذا أولاً.

ثانياًَ: لا يترتب على القول بتقديم بينة الكافر أي ضرر لأنه تقدم معنا أن الكافر إذا ادعى اللقيط فإنه يتلحق به نسباً ولا يلتحق به ديناً كما أنه لا يقر في يده.

إذاً لا يترتب على هذا أي ضرر فكيف نترك صاحب البينة الذي معه بينة تبين أنه على الحق ونأخذ الآخر.

فالأقرب الإطلاق الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله.

- ثم قال رحمه الله:

- وإلاّ فمن ألحقته القافة به.

يعني: وإن ادعاه جماعة وليس مع أحد منهم بينة فإنا نعمد إلى القافة.

وفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا مدخل للقرعة في النسب. وهذا صحيح.

فإن القاعدة عند الفقهاء أن القرعة لا تحدد النسب. أو بعبارة أخرى لا مدخل للقرعة في النسب.

والدليل على اعتبار القافة من وجهين:

- الوجه الأول: أنه صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإسناد ثابت أنه حكم بالقافة. إذ ادعى اثنان صبياً فعرضه على القافة وألحقه بمن ألحقته به القافة.

- ثانياً: أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى أن القافة معتبرة وذلك لما جاء مجزز المدلجي ورأى أسامة وزيد رضي الله عنهما وحكم أنهما من بعض فسر النبي صلى الله عليه وسلم بشهادته.

وجه الاستدلال بالحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يسر إلا بما هو معتبر شرعاً ولو لم تكن هذه الشهادة معتبرة شرعاً لم يسر بها النبي صلى الله عليه وسلم.

= القول الثاني: أنه لا عبرة بالقافة. وهو مذهب الأحناف.

واستدلوا على هذا بدليل:

- وهو أنهم قالوا: أنا نجد كثيراً الأقارب لا يتشابهون والأجانب يتشابهون فلما وجدنا أن الأقارب لا يتشابهون مع أنهم شرعاً قطعاً أقارب والأجانب يتشابهون وبينهم تقارب مع أنهم لا صلة بينهم في النسب علمنا أن الحكم بالشبه لا عبرة به.

وهذا القول قول ضعيف ونستطيع أن نقول قول ساقط. السبب: - أنها مجرد آراء في مقابلة النصوص. هذا من جهة.

ص: 460

- من جهة أخرى: أن أهل القافة لا يعتمدون على الشبه الظاهر فقط وإلا أي شبه بين أسامة وزيد أحدهما أبيض والآخر أسود إنما يعتمدون على معالم خاصة بهم وأشياء هم يرونها لا يراها غيرهم تدلهم على الشبه وأن هذا ينتسب إلى هذا الرجل أو ذاك الرجل.

وعلى كل حال العبرة بالنصوص والنصوص دلت على أن القافة يحكم بها لا سيما وقد حكم بها عمر رضي الله عنه في محضر من الصحابة ولم يعارضه أحد. بهذا ولله الحمد تم كتاب البيع ونسأل الله أن ينفع به

انتهت المذكرة – بحمد الله –

ويليه كتاب الوقف بإذن الله تعالى

والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً

أبو أسامة/ محمد بن مقبل الحربي

ص: 461