الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا المعنى أشار إليه بتوسع: ابن القيم في إغاثة اللهفان - بذكر الحيل بشكل متوسع وأحياناً يذكر حيلاً مشروعة وأحيناً يذكر حيلاً ممنوعة وأحيناً يذكر حيل لا ندري هل هو يرى أنها مشروعة أو يرى أنها ممنوعة. ولكن مفيدجداً لطالب العلم أن يقأ الحيل التي ذكرها وهي ممنوعة حتى يتصور أن بعض الناس مكن يتلاعب بالأحكام الشرعية.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري: وجبت.
يعني: الشفعة وصار من حقوق الشفيع انتزاع الشقص من البائع وذلك:
- لأن البائع يدعي أنه باع والشفيع يطلب التشفيع وهو حق له فنتج من الأمرين ثبوت الحق للشفيع.
وعللوا بتعليل فقهي آخر فقالوا:
- أن إقرار البائع يتضمن الإقرار بحقين: ـ حق للمشتري. ـ وحق للشفيع فإذا سقط حق المشتري فإنه لا يسقط حق الشفيع.
فإذاً: إذا زعم البائع أنه باع وأنكر المشتري ولم يستطع البائع أو يثبت وجود العقد مع ذلك للشفيع أن يشفع.
لأن حقه ثابت بإقرار البائع.
- ثم قال رحمه الله:
- وعهدة الشفيع: على المشتري.
العهدة المراد بها: ما إذا ظهر المبيع مستحقاً أو معيباً.
أو بعبارة أخرى: الضمان الذي يترتب على تبين أن العين مستحقة أو معيبة. فالضمان هنا ينقسم إلى قسمين:
ـ عهدة الشفيع على المشتري. لأن الشفيع انتزع الشقص ممن؟ من المشتري. فالعقد تم بين المشتري والشفيع فإذا تبين أن في العين عيب فإن الشفيع يرجع على المشتري أو على البائع الأول؟ يرجع على المشتري لأن العقد تم بينه وبين المشتري.
وعهدة المشتري على البائع.
لماذا؟
لأنه تم العقد بينه وبين البائع فإذا ظهر معيباً فإنه يرجع على البائع.
قوله رحمه الله هنا: (وعدهة الشفيع على المشتري) يستثنى منها:
* * مسألة/ ما هي؟ (
…
)
نحن نقول: إذا أنكر المشتري فإنه لايلزمه شيء ومع ذلك تثبت الشفعة فسيكون الأمر دائر بين من ومن؟ الشفيع والبائع.
فقول المؤلف رحمه الله هنا: (وعهدة الشفيع على المشتري) صحيح إلا في المسألة السابقة وهي إذا أنكر المشتري.
باب الوديعة
- قال رحمه الله:
- باب الوديعة.
الوديعة: في لغة العرب: مأخوذة من الودع. إذا ودع الشيء يعني إذا تركه.
ومعنى الاشتقاق واضح: لأن المودع يترك الوديعة عند المودع.
وأما في الشرع فهي عقد بالتبرع بحفظ مال الغير بغير عوض ولا تصرف فيه.
بعض الحنابلة لا يذكر في التعريف: (ولا تصرف فيه) وبعضهم يذكرها.
وأنا ذكرتها لأنها من وجهة نظري تدخل في صميم معنى الوديعة.
لأنه من صميم معناها أن لا يتصرف المودع في الوديعة بأي نوع من التصرفات إلا الحفظ كما سيأتينا.
وهي: أي الوديعة: مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
ـ أما الكتاب: فقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدون الأمانات إلى أهلها).
ـ وأما السنة: فما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أد الأمانة إلى من أئتمنك ولا تخن من خانك).
هذا الحديث فيه كلام في ثبوته ولكن معناه لاشك أنه صحيح والحديث من عمد شيخ الاسلام في تقرير (
…
) من المسائل.
ـ وأما الإجماع فهو محكي من أكثر من واحد من أهل العلم: أنه مشروع.
* * مسألة/ الوديعة في الحقيقة يشترط لها ما يشترط في الوكالة لأنها مبنية على الوكالة.
فالشروط والأركان التي تقدمت معنا في الوكالة تشترط أيضاً هنا.
يقول رحمه الله: مبتدئأً بأحكام الوديعة مباشرة وكما قلت أحياناً يعرف تعريفاً صطلاحياً وأحياناً لا يعرف.
ففي هذا الباب ترك التعريف.
إما لوضوحه أو لسبب آخر.
- يقول رحمه الله:
- إذا تلفت من بين ماله ولم يتعد ولم يفرط: لم يضمن.
إذا تلفت الوديعة بغير تفريط ولا تعدي فإنه لا يضمن. ولو أنها تلفت هي فقط من بين سائر ماله.
استدلوا على هذا: - بأن الله تعالى وصف ما يكون عند الإنسان بأنه أمانة: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات).
والأمانة في الشرع لا تجتمع مع الضمان لأن الضمان ينافي الأمانة فحيث وجدت الأمانة انتغى الضمان ولذلك قالوا: لاضمان.
= والقول الثاني: أنه لا يضمن إذا تلفت بغير تعد ولا تفريط إلا إذا تلفت هي من وسط ماله. بمعنى: إذا تلفت الوديعة وبقي ماله سليماً حينئذ نضمنه.
واستدلوا على هذا بأمرين:
- الأمر الأول: وجود الشبهة. إذ لماذا لم يتسلط سبب الاتلاف إلا على الوديعة دون ماله؟
- الثاني: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضمن أنس وديعة تلفت من بين ماله.
الراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة وهو أن الوديعة لو تفلت من بين ماله لم تضمن ما دام لم يتعد ولم يفرط.
باقي علينا في الحقيقة: الجواب عن أثر عمر رضي الله عنه: والجواب عنه من وجهين:
ـ أولاً: أن هذا الأثر يتعارض مع النصوص العامة فإن النصوص العامة تدل على عدم ضمان الوديعة مطلقاً ولم تفرق بين صورة وأخرى. وهذا الجواب هو الجواب الأضعف.
ـ الجواب الثاني: أنا نحمل هذه الفتوى على شيء من التفريط ولا نقول التعدي إن شاء الله لكن نقول التفريط من أنس رضي الله عنه والذي يجعل الإنسان يحمل هذه الفتوى على التفريط الجمع بينها وبين النصوص العامة.
- ثم قال رحمه الله:
- ويلزمه حفظها في حرز مثلها.
يلزم المودع حفظ الوديعة في حرز مثلها. فإن لم يفعل فإنه يضمن.
- لأن من شروط عدم الضمان أن لا يفرط. وعدم حفظها في حرز مثلها هو نوع من التفريط وإذا فرط ضمن.
كما أن عدم حفظ الوديعة في حرز مثلها يتنفاى مع الأمانة. وإذا لم يوصف بأنه أمين وجد الضمان.
وهذا لا إشكال فيه: يجب أن يضع الوديعة في حرز مثلها.
ومن المعلوم أن حرز مثلها لم يبينه المؤلف رحمه الله لا في هذا الباب ولا في ما تقدمه من أبواب. وإنما سيأتي في باب السرقة.
وهي ضمان الأحراز وحرز مثل كل عين بحسبه.
ولا يستغرب على الحنابلة ذلك فإنه كثيراً ما يذكرون شيئاً بيانه أو متعلقه سيأتي في باب آخر لأنه لا يعنينا الآن أن نعرف حرز المثل سياتينا إن شاء الله بيانه في بابه.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن عينه صاحبها فأحرزها بدونه: ضمن.
إن عين صاحبها الحرز الذي يريد فإنه إذا وضعها في غيره يضمن.
- لأنه فرط. ووجه التفريط: أنه خالف تعيين المودع وقد أخذها أمانة على أساس أن يضعها حيث أمر المودع.
وهذا هو وجه التفريط والإخلال بالأمانة.
مسألة/ ويضمن إذا لم يضع الأمانة فيما عينه المودع ولو وضعها في حرز مثلها.
وهذا يجب أن يتنبه إليه الإنسان لكثرة وقوعه بين الناس فيقول له: ضع هذا المبلغ في المكان الفلاني فيضعه في غيره مما هو حرز لمثل هذا المبلغ ثم يسرق حينئذ يضمن. ولو أنه وضع المال في حرز المثل إلا أنه خالف الأمانة بتغيير ما أمر به المودع.
- ثم قال رحمه الله:
- وبمثله أو أحرز: فلا.
يعني: إذا وضعها في حرز يشبه الحرز الذي عينه المودع أو في حرز أحسن منه فإنه حينئذ لا يضمن.
التعليل: - عللوا ذلك: بقولهم: أنه إذا وضعها في حرز مثل الحرز الذي عينه المودع: جاز. لأن تعيين المودع إذن فيع وفيما يشبهه.
ـ وأما ما هو أمثل منه فهو من باب أولى.
= والقول الثاني: أنه إذا وضعه في غير ما عينه صاحب الوديعة: يضمن مطلقاً ولو وضعه في مثل ما عينه أو أمثل.
وعللوا ذلك: - بأن للمودع نظرة خاصة في حفظ الوديعة ربما لم يدرك المودع السبب الحقيقي لها. فيجب عليه أن يتقيد بتعيين المودع.
واستدلوا بأمر ثالث وهو:
- أنه قي هذه الصورة أيضاً حصلت المخالفة. مخالفة ماذا؟ مخالفة تعيين المودع وأنتم جعلتم المخالفة هي سبب في الضمان في الصورة الأولى فكذلك فلتكن سبباً في الضمان في الصورة الثانية. لأن المخالفة موجودة.
أي القولين أرجح؟ وهذا أيضاً كثير جداً.
يظهر لي: أن القول الثاني أقوى من مذهب الحنابلة وأنه إذا أمرك المودع بوضعها في مكان معين فيجب أن تضع الوديعة في هذا المكان ولا تغير إلى مثله ولا إلى أحسن منه. لأن هذا تقيد بأمر المودع واتفقت أنت وهو على هذا الحرز ففي الحقيقة هي مخالفة وتغيير للأمانة.
وكثيراً ما نسمع الاختلاف بين المودع والمودع في هذا الأمر فيقول: نعم أنا لم أضعها فيما حددت لي لكني وضعتها في خير منه فيقول: أنا قلت لك ضعها في هذا المكان لا في غيره ويكون بينهما نزاع.
فالصواب مع القول الثاني وأنه يضمن إن تلفت.
((الأذان)).
- ثم قال رحمه الله:
- وإن قطع العلف عن الدابة بغير قول صاحبها: ضمن.
إذا قطع العلف عن الدابة التي أودعها فإنه يضمن.
ووجه ذلك: أنه مأمور بحفظها وقد فرط بحفظها والتفريط يلزم منه الضمان.
ووجه التفريط: أن من أهم أسباب الحفظ بالنسبة للبائهم: العلف والماء.
فإذا فرط فيه فقد فرط بأهم أسباب الحفظ وبناء على ذلك يضمن تلف هذه الدابة.
وهذا حكم واضح.
وقوله رحمه الله: (بغير قول صاحبها). يعني: أنه لو ترك العلف بقول صاحبها فإنه لا يضمن.
وهذا صحيح لو ترك العلف فإنه لا يضمن لكن مع ذلك يحرم عليه ولو قال صاحبها اترك العلف أن يترك العلف ويحرم عليه أن يترك العلف لكن إن تركه بأمر صاحبها لم يضمن.
وسبب التحريم: أنها نفس محترمة يجب أن يقوم على حفظها بالأكل والشرب.
- يقول رحمه الله:
- وإن عين جيبه فتركها في كمه أو يده: ضمن.
إذا عين له حفظ الوديعة في الجيب ولكنه وضعها في كمه أو في يده فإنه يضمن.
والسبب في ذلك: أن الجيب أحفظ من اليد والكم ولأن الكم يكثر النسيان وسقوط الشيء منه بسبب تنزيل اليد إلى الأرض نسياناً.
فلأجل هذا كله نقول: يضمن.
ويوجد أيضاً: سبب آخر وهو: ما تقدم معنا أنه إذا عين المودع مكان الحرز ووضعه في أقلٍ منه فإنه يضمن.
ففي الحقيقة هذه المسألة مندرجة ضمن تلك المسألة وتدل عليها إلا أنه خصصها بالذكر لسبب ولعل السبب كثرة وقوع هذه المسألة بالذات وهي حفظ الشيء في الجيب أو اليد أو الكم.
- ثم قال رحمه الله:
- وعكسه بعكسه.
يعني: إذا عين له أن يحفظها بيده أو في كمه وهو وضعها في جيبه فإنه لا يضمن.
- لأنه وضعها في حرز أمثل من الحرز الذي حدده المودع.
وتقدم معنا الخلاف في هذه المسألة. ربما يريد منه أن يضع الوديعة في يده لأنه لا يناسب أن تكون في الجيب تنضر بوجودها في الجيب.
المهم نقول: لو ترتب على هذا تلف فإنه لا يضمن عند الحنابلة ويضمن على القول الصحيح.
-
قال رحمه الله:
- وإن دفعها إلى من يحفظ ماله
…
لم يضمن.
معنى هذه العبارة: يعني: إذا دفع المودع الوديعة إلى من يحفظ هو: يعني: المودع ىعادة ماله عنده فإنه لا يضمن.
مثل/ أن يعطيها زوجته أو يعطيها خادمه أو يحفظها في التجوري الذي اعتاد أن يحفظ أشيائه فيها
…
إلى آخره.
فإنه في هذه الحالة لا يضمن - لأنه بهذا لا يعتبر مخالفاً للحفظ. فإنه جرى العرف أن الإنسان يحفظ أشيائه عند زوجته أو عند خادمه من قديم الدهر إلى يومنا هذا.
= والقول الثاني: أنه يضمن.
- لأنه أمره أن يحفظها بنفسه ودفعها إلى غيره وفي هذا تفريط.
فعلمنا من الخلاف والتعليل أنهم يدورون دائماً على مسألة هل هناك تفريط أو ليس هنا تفريط.
الراجح فيما يظهر لي في هذه المسألة: مذهب الحنابلة وهو أن الإنسان إذا دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله عادة فإنه لا يتعبر مفرط كما أنه بوضع ماله عند هذا الشخص لا يعتبر مفرطاً.
- يقول رحمه الله:
- أو مال ربها: لم يضمن.
يعني: إذا دفع المودَع الوديعة إلى رجل في العادة يحفظ رب الوديعة ماله عنده فإنه لا يضمن.
مثال هذا/ أن يعطي المودع الوديعة لزوجة رب الوديعة. لأن رب الوديعة يحفظ ماله عادة عند زوجته فهو أودع هذه الوديعة عند زوجته حينئذ أيضاً لا يضمن.
والخلاف السابق يأتينا في هذه المسألة.
والراجح في تلك هو الراجح في هذه المسألة.
لكن أريد أن أنبه إلى مسألة: وهي: أنه إذا دفع المودَع الوديعة إلى هؤلاء الزوجة والخادم - زوجته هو أو زوجة رب المال وكان العرف أن مثل هذه الأشياء لا تدفع لهؤلاء الناس وإنما تبقى في يد المودَع فإنه في هذه الصورة يضمن.
وهذا كثير.
والتفريق بين ما يدفع وما لا يدفع يرجع فيه إلى العرف وهو أمر معروف من الأشياء ما يمكن أن تدفع للخادم والزوجة ومن الأشياء ما لا يصلح مطلقاً أن تدفع لا للزوجة ولا للخادم.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد
…
الدرس: (46) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا الكلام عما إذا دفع المودع الوديعة إلى شخص آخر تحدث المؤلف رحمه الله عما إذا دفعها إلى من يحفظ ماله يعني: مال المودع أو مال ربها وانتهينا من هاتين المسألتين.
- قال رحمه الله:
- وعكسه الأجنبي والحاكم.
أي: أنه إذا دفعها المودَع إلى رجل أجنبي عنه أو إذا دفعها إلى الحاكم فإنه يضمن. هذا هو مذهب الحنابلة.
واستدلوا على هذا: - بأن المودَع بدفعه إياها للأجنبي أو الحاكم خالف ولم يحفظها بنفسه.
والأصل أن المودع أودعها عنده ليحفظها بنفسه.
= والقول الثاني: أنه إذا دفعها إلى رجل أجنبي فإنه لا يضمن بالتلف.
- لأن المطلوب من المودَع أن يحفظها وقد حفظها بدفعها إلى رجل يحفظها.
واستدلوا على ذلك: - بأن المودع قد يدفع مال نفسه إلى هذا الأجنبي. فإذا عامل الوديعة كما يعامل ماله فلا ضمان عليه.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا يطالبان إن جهلا.
يعني: لا يطالب الأجنبي ولا الحاكم بضمان الوديعة إذا تلفت إن كان جاهلاً بالحال.
يعني: إذا كان لا يعلم أن هذه الوديعة هي وديعة عند من دفعها إليه. حينئذ لا يضمن.
واختلفوا هل لمالك الوديعة أن يطالب بالوديعة الأول والثاني أو ليس له إلا أن يطالب الأول فقط؟
وهذا التفصيل كله مفرع على ما إذا جهل.
= فالقول الأول أن لمالك الوديعة أن يطالب أياً منهما.
- لأن الوديعة تلفت عند الثاني والأول هو الذي دفعها.
= والقول الثاني: أنه لا يطالب إلا الأول ولو تلفت عند الثاني.
- لأن الثاني أخذها بيد أمانة فلا يطالب بأدائها.
وهذا القول الثاني اختيار شيخ الإسلام وهو الصواب إن شاء الله.
عرفنا حكم الوديعة إذا تلفت عند الثاني إذا كان جاهلاً بقي أن نعرف الحكم إذا كان عالماً.
ـ فإذا كان عالماً فإنه يضمن ويستقر الضمان عليه. ولرب الوديعة أن يطالب أياً منهما. الأول أو الثاني.
وهذا الحكم وهو: أن المطالب تنصرف إليهما وأن استقرار الضمان يكون على الثاني لا إشكال فيه فهو إن شاء الله قول صحيح.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن حدث خوف أو سفر: ردها على ربها.
معنى هذا: أنه إذا حدث في البلد الذي فيه المودع والوديعة خوف من كثرة السراق أو وجود الغرق أو الحرائق أو أي نوع من أنواع الخوف. أو عزم المودع على السفر فإنه والحالة هذه يجب وجوباً أن يدفع الوديعة إلى صاحبها.
وعللوا هذا:
- بأنه بهذا الدفع تبرأ ذمته ولا يلحقه درك الضمان.
إلا أن الحنابلة قالوا: له أن يدفعها إلى من يحفظ مال المودَع أو إلى من يحفظ مال المودِع في حال الخوف أو في حال السفر.
إذاً: عرلافنا الآن أنه إذا حصل عارض فإن المودع يجب أن يرد الوديعة إلى مالكها. والتعليل سمعتموه.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن غاب: حملها معه إن كان أحرز، وإلاّ أودعها ثقة.
(فإن غاب) يعني: إن لم يجد المودَع المودِع بحث عنه ولم يجده فإنه في هذه الحالة يجوز أن يسافر بها لكن هذا مشروط بأمرين:
ـ الأمر الأول: أن يأمن عليها في السفر.
ـ والثاني: أن لا يمنع المودِع من السفر بها.
فإذا تحقق الشرطان جاز للمودع أن يسافر بها. وإذا قلنا: جلز للمودَع أن يسافر بها يعني: ولا ضمان عليه إن تلفت.
فهم من هذا التقرير أن ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز للمودع أن يسافر بالوديعة بل يجب عليه إذا أراد أن يسافر أن يدفعها إلى ربها.
وهذا هو ظاهر كلام المؤلف رحمه الله.
= والقول الثاني وهو المذهب: أنه يجوز أن يسافر بها مطلقاً لكن بالشرطين المتقدمين وهو: ـ أن يأمن عليها في السفر. ـ وأن لا يمنع ربها من السفر بها.
إذا تحقق الشرطان جاز له أن يسافر بها.
- ثم قال رحمه الله:
- وإلا أودعها ثقة.
يعني: وإلا تتحقق الشروط المجيزة للسفر بها فإنه يجوز أن يودعها عند ثقة.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يجوز أن يودعها عند ثقة ولو تمكن من أن يودعها عند الحاكم.
والمذهب أنه لا يجوز أن يودعها عند ثقة إلا إذا لم يتمكن من إيداعها عند الحاكم.
وفهم من هذا أنه يجب أولاً أن يبدأ بالحاكم. لأن الحاكم ولي من لا ولي له وهو يقوم مقام مالك الوديعة فوجب أن نبدأ به.
= والقول الثاني: أن له أن يدفع إلى ثقة ولو تمكن من دفعها إلى الحاكم. ولا يشترط أن نبدأ بالحاكم.
- لأن هذا المودع ثقة يحفظ المال ولا يوجد ما يمنع من دفعها إليه.
= والقول الثالث: أنه مخير في دفعها إلى الحاكم أو إلى الثقة بحسب المصلحة. لا بحسب التشهي.
وهذا القول الثالث اختيار الشيخ المرداوي وهو قول قوي ووجيه كما ترى.
فنقول: إذا أراد أن يسافر فهو مخير إن شاء دفعها للحاكم وإن شاء دفعها إلى ثقة ويرجع في ذلك إلى المصلحة الخاصة بالوديعة.
- ثم قال رحمه الله:
- ومن أُودع دابة فركبها لغير نفعها، أو ثوباً فلبسه، أو دراهم فأخرجها من محرز ثم ردها، أو رفع الختم، أو خلطها بغير متميز فضاع الكل: ضمن
تبين لكم من شرح المسألتين السابقتين: أنها استثناء من قول المؤلف رحمه الله: (وعكسه إلى أجنبي أو حاكم).
ففي هاتين الصورتين يجوز الدفع إلى الأجنبي وهي ما إذا حصل خوف أو سفر.
فإذا تأملت تجد أن هذه المسألة مستثناة من المسألة السابقة.
بدأ المؤلف رحمه الله الكلام عن صور فيها يضمن المودَع.
ـ الصور الأولى:
- يقول رحمه الله:
- ومن أُودع دابة فركبها لغير نفعها
…
فالحكم أنها إن تلفت ضمنها.
ومعنى أن يركبها لغير نفعها: يعني: أن يركبها لا ليسقيها ولا ليذهب بها إلى محل العلف لها.
فإذا ركب الدابة لمنفعته هو لا لمنفعة الدابة ثم تلفت فإنه يضمن.
ووجه الضمان: أنه متعدي. ووجه التعدي: أنه انتفع بمال غيره بغير إذنه.
فالتعدي أحياناً لا يحتاج إلى دليل لوضوحه وأحياناً يحتاج إلى تعليل أو دليل ليدل على أن هذا الشخص تعدى أو فرط.
إذاً: عرفنا الآن أنه يضمن: لأنه تعدى.
- يقول رحمه الله:
- أو ثوباً فلبسه.
إذا أودعه ثوباً فلبسه لا لمصلحة الثوب فإنه يضمن.
وهل يتصور أن يكون لمصلحة الثوب؟ الجواب: نعم. إذ من الثياب نوع إذا بقي مطوياً فترة طويلة فسد. وأصابتع من الدواب الصغيرة ما يفسده. فمثل هذا الثوب نشره ولبسه من مصلحته. فهذا لا يضمن.
فإن لبسه لا لمصلحة الثوب ثم تلف فإنه يضمن. والتعليل ذاته موجود في التعليل السابق الذي عللنا به مسألة ركوب الدابة هو نفسه يعلل به مسألة لبس الثوب.
- قال رحمه الله:
- أو دراهم فأخرجها من محرز ثم ردها.
إذا قام المودَع بإخراج الدراهم من المكان الذي أحرزت فيه سواء أخرجها ليخون فيها أو أخرجها لينفقها أو أخرجها لمجرد الرؤية فقط فإنه: يضمن.
هذا إذا أعطيت المودَع في حرز لها ثم قام هو بإخراجها من هذا الحرز فإنه يضمن مهما كان السبب في إخراجها.
وعلة التضمين: - أنه بفعله هذا تعدى. ووجه التعدي: أنه أخرج مال غيره من حرزه بلا سبب شرعي. وهذا موجب للضمان.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يضمن ولو أخرجها ثم أعادها وتلفت بعد الإعادة.
- لأنه بإخراجه لها ارتفع عنه وصف الأمانة ولا يرجع إليه إلا بإذن المودع.
= والقول الثاني: أنه إذا أخرجها ثم أعادها كما كانت تماماً ووضعها في حرزها ولم يتعد ولم يفرط ثم تلفت فإنه لا ضمان عليه.
والمذهب أقوى. ولهذا نقول للشخص المودَع إذا أخرجت النقود من مكانها الذي أعطاك إياها فيه المودِع ثم أعدتها إلى مكانها سواء بنية الخيانة أو بنية الإنفاق أو بنية الرؤية فإنه يجب أن تجدد العقد مع المودِع حتى تكون يدك يد أمانة ولا تضمن إن تلف المال. فتعتذر من صاحب الوديعة وتخبره أنها كما هي إن شاء أبقاها وإن شاء أخذها. فإن هذا أولى من السكوت لأنه لو سكت فعلى المذهب سيضمن لو تلفت.
- يقول رحمه الله:
- أو رفع الختم ونحوه عنها.
إذا جاءت الوديعة مختوم عليها أو مربوطة أو مقفل عليها ثم أزال هذه الأشياء فإنه يضمن ولو لم يخرج منها شيئاً. بل مجرد إزالة ما ربطت به يعتبر تفريطاً وتعدياً. ولذلك إن تلفت فهو ضامن لها.
- لأنه تعدى بفك ما ليس له فكه. فإن حل هذه الأربطة ليس من حقوق المودع فنقول يضمن.
والخلاف فيما إذا أعادها أو فيما إذا بقيت كما هي وأعاد ربطها كما كانت ثم تلفت الخلاف في هذه المسألة كالخلاف فيما إذا أخرج النقود من محرزها - الخلاف هو نفسه والترجيح متطابق.
- ثم قال رحمه الله:
- أو خلطها بغير متميز فضاع الكل: ضمن.
قصده بقوله (ضاع الكل) يعني المخلوطين.
إذا خلطها بغير متميز ثم ضاع الكل فإنه يضمن الوديعة.
ومقصود المؤلف رحمه الله يعني: إذا خلطها بتعدي أو تفريط لا إذا خلطها بعذر.
فإذا خلطها بتعد وتفريط فإنه يضمن.
التعليل: - قالوا: أنه بخلطه للوديعه أشبه الاتلاف لأنه مع الخلط غير المتميز لن يتمكن من إرجاع الوديعة إلى صاحبها فهو بمعنى إتلافها. ولهذا يضمن.
* * / فإن خلطها بغير متميز بغير تعد ولا تفريط فلا ضمان.
فإن تلف المال فهو من ماله ومن الوديعة.
فيكون خسارة عليه لأن بعض هذا التالف من ماله والجزء الذي هو وديعة لا يضمنه ويكون خسارة على المودع لأن يده يد أمانة ولم يفرط ولم يتعد في الخلط.
لكن غالباً ما يكون الخلط بنوع من التفريط لأنه يصعب أن يختلط الزيتان أو الطحينان إلا مع نوع من التفريط لأنه كان ينبغي عليه أن يحفظ الوديعة بحيث تكون في مكان لا تختلط مع غيره.
فإذا اختلطت فإنه غالباً ما يكون بسبب التفريط.
ولعله لهذا لم يشر المؤلف رحمه الله إلى القسم الآخر وهو ما إذا اختلطت بغير تفريط.
بقي مسألة/ يقول رحمه الله: (إذا اختلطت بغير متميز).
* * المسألة الثانية/ إذا اختلطت بمتميز. كأن تختلط دراهم بدنانير فهنا لا ضمان. لأن هذا الاختلاط لا يمنع من أداء الوديعة إلى صاحبها لو طلبها. ولأنه لا ينسب فيه إلى تفريط ولا إلى تعدي.
فلو وضعت عنده دراهم أمانة وعنده هو دنانير يملكها وخلط هذه الاشياء مع بعض وجعلها في حرز مثلها ثم تلفت فإن هذا الخلط لا يوجب الضمان. لما تقدم من أنه لا يمنع أداء الأمانة.
فصل
- قال رحمه الله:
- (فصل) ويقبل قول المودع: في ردها إلى ربها أو غيره بإذنه، وتلفها وعدم التفريط.
قوله رحمه الله (يقبل قول المودع في ردها إلى ربها) مقصوده: يعني: مع يمينه.
والسبب أنه يقبل قوله في ردها إلى ربها: - أنه أمين. وقد وصفه الله يعني: وصف المودع بالأمانة. (إن الله يأمركم أ {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء/58]. وإذا كانت يده يد أمانة فلا ضمان.
وإلى هذا ذهب الجماهير - جماهير أهل العلم يرون أن القول قوله في هذه المسألة.
= والقول الثاني: وهو قول المالكية ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله: أن القول قول المودِع.
فإذا اختلفوا في ردها فالقول قول: المودِع. وكأنهم يستدلون: - بأن الأصل عدم الرد.
وهذا القول ضعيف أو ضعيف جداً. لأنه يؤدي إلى أن يمتنع الناس عن الأمانات. فإذا أدى الأمانة إلى صاحبها فلصاحبها أن يزعم أنه لم يؤدي الأمانة ثم يضمن المودَع وهو أمين وبهذا يمتنع الناس من قبول الأمانات.
ولذلك في الحقيقة هذا قول مخالف للجماهير وقول ضعيف جداً. ولولا جلالة القائلين به لاعتبر قولاً شاذاًَ.
قوله رحمه الله (أو غيره بإذنه). يعني: ويقبل قول المودع إذا ادعى أنه أدى الوديعة إلى غير المالك.
وهذا معنى قوله: (أو غيره بإذنه).
والسبب: هو ما تقدم: أنه أمين فإذا ادعى أنه أدى الأمانة إلى غيره يعني: إلى غير رب المال فإنه لا يضمن.
= والقول الثاني: أنه يضمن.
- لأنه مأمور بأداء الأمانة إلى صاحبها.
- ولأن الأصل عدم الإذن. يعني: أن الأصل عدم إذن المالك بدفع الأمانة إلى غيره. فإذا زعم أنه دفعها إلى غيره بإذن المالك فهو خلاف الأصل.
وهذا القول اختاره الحارثي وهو قول جيد جداً وهو الراجح إن شاء الله وينبغي على المودَع أن لا يدفع الوديعة أبداً إلا إلى صاحبها. إلا أن يدفعها إلى غيره ببينة أو شهود. أما أن يدفعها إلى غير صاحبها فهو في الحقيقة فرَّط.
إذاً: هناك فرق بين أن يقول المودَع أنه ردها إلى ربها أو إلى غيره.
قوله رحمه الله: (وتلفها وعدم التفريط). يعني: ويقبل قوله في أنها تلفت ويقبل قوله في أنها تلفت بلا تفريط منه يعني ولا تعدي. وهذا بالإجماع ولله الحمد أنه إذا ادعى أنها تلفت بغير تعدي فالقول قول المودع.
وهذه المسألة مما يضعف قول المالكية في مسألة الرد - مما يضعفه جداً لأنهم هنا يقولون: إذا ادعى أنها تلفت يقبل قوله وإذا ادعى أنه ردها فإنه لا يقبل قوله وفي هذا التفريق ضعف فقهي.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن قال: ((لَمْ تُوْدِعْنِي)) ثم ثبتت ببينة أو إقرار، ثم ادعى رداً أو تلفاً سابقين لجحوده: لم يقبلا ولو ببينة.
مقصود المؤلف رحمه الله بهذه المسألة أن ينكر المودع الوديعة.
يعني: يجحد الوديعة.
ثم لما جحد الوديعة ثبتت الوديعة ببينة أو بإقرار.
فإذا ثبتت الوديعة ببينة أو إقرار ثم زعم المودع أن الوديعة تلفت في وقت سابق للجحود فإن قوله لا يقبل.
فإذا أنكر الوديعة يوم الجمعة طولب بالوديعة فأنكر الوديعة. ثم ثبتت الوديعة إما بإقراره أو ببينة يوم السبت.
فلما ثبتت زعم أن الوديعة تلفت يوم الخميس.
فزعم أنها تلفت في وقت سابق لجحوده.
حينئذ لا يقبل - لاحظ كلام الحنابلة - ولو ببينة. حتى لو أتى ببينة صحيحة تشهد فإنه لا يقبل.
عللوا ذلك:
- بأنه مكذب لنفسه شاهد عليها بالخيانة إذ كيف يزعم يوم الجمعة أنه لا وديعة ثم يزعم بعد ذلك أنها تلفت يوم الخميس فهو شاهد على نفسه بالكذب والخيانة فلا يقبل.
= القول الثاني: أنه إذا أثبت التلف ببينة يقبل.
وهو قول للحنابلة ومال إليه الحارثي.
وهذا القول ضعيف. إلا أن تقوم قرائن تدل على أن جحوده كان بسبب النسيان حينئذ يكون هذا القول قوي لأنه جحدها ناسياً ثم تذكر أنها تلفت يوم الخميس وأقام بينة.
ولا يخفى عليكم أن الحديث الآن كله فيما إذا أقام بينة.
أما إذا ما أقام بينة فلا يقبل مطلقاً.
ولعله: إجماع. وإن كنت ما وقفت على .. - لكني لم أقف على خلاف إلا فيما إذا أتى ببينة.
- قال رحمه الله:
- بل في قوله: ((مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ)) ونحوه.
- فإن قال: ((لَمْ تُوْدِعْنِي)) ثم ثبتت ببينة أو إقرار، ثم ادعى رداً أو تلفاً سابقين لجحوده: لم يقبلا ولو ببينة.
هذه مسألة واحدة انتهينا منها وهي مسألة: (إذا قال: ((لَمْ تُوْدِعْنِي)) ثم ثبتت ببينة أو إقرار، ثم ادعى رداً أو تلفاً سابقين لجحوده: لم يقبلا ولو ببينة.) هذه مسألتنا التي تحدثنا عنها.
ثم قال: (بل في قوله: ((مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ)) ونحوه.) يفرق الحنابلة بين ـ أن يقول: (لم تودعني). ـ وبين أن يقول: (مالك عندي شيء)
- فإذا قال: (لم تودعني) فقد حجد الوديعة من أصلها وتقدم الكلام عليه.
- أما إذا قال: (مالك عندي شيء) ثم قامت البينة على وجود الوديعة إما ببينة أو بإقرار ثم أقام المودع بينة أنها تلفت فإنه يقبل قوله.
لأن البينةلا تتعارض مع قول المودع.
ووجه ذلك: أن المودع إذا تلفت عنده الوديعة بغير تعد ولا تفريط فإنه في هذه الحالة فعلاً ليس عنده شيء للمودع. فإذاً: كلامه لا يتعارض مع البينة. وهذا صحيح.
وفي الحقيقة هذا تقرير هذه المسائل وبيان الراجح فيها لكن لو قيل في مثل هذه المسائل يرجع إلى القرائن ونظر القاضي وطبيعة الدعوى وطبيعة المودع لكان هذا القول هو الراجح في الحقيقة لأن هذه القرائن والملابسات قد تدل على الصادق من الكاذب وقد تكون بخلاف ما يقرره الفقهاء.
إذاً: عرفنا الآن الأحكام والراجح من حيث تقريرات الفقهاء وأقول: أنه لو قيل بالرجوع إلى الحاكم لكان هو الأولى.
- ثم قال رحمه الله:
- أو بعده بها.
مقصود المؤلف رحمه الله أنه يقبل قول المودَع إذا ادعى أن التلف كان بعد الجحود وأقام بينة.
وهذا معنى قوله: (بها). إذا ادعى أن التلف كان بعد الجحود.
ففي المثال السابق: ذكرنا أنه أنكر يوم الجمعة وزعم أنها تلفت الخميس لكن لو زعم أنها تلفت السبت لقبل قوله.
وعللوا ذلك:
- بأنه لا تعارض بين قوله وبين البينة. لأن البينة أثبتت وجود الوديعة يوم الجمعة ثم أثبتت البينة الأخرى أنها تلفت يوم السبت.
إذاً: ليس بين البينتين تعارض.
وهذا القول صحيح.
وهذه المسألة مما يؤكد المسألة السابقة وهي أنه يرجع في مثل هذه المسائل إلى حنكة القاضي ونظره في الملابسات.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن ادعى وارثه الرد منه أو من مورثه: لم يقبل إلاّ ببينة.
يعني: إذا ادعى وارث المودَع. فإذاً المسألة مفروضة فيما إذا مات المودَع.
فإذا مات المودَع وادَّعى الوارث أنه هو أو مورثه أدى الأمانة فإنه لا يقبل إلا ببينة.
التعليل: - قالوا: أن المودِع إنما ائتمن المودَع ولم يأتمن الورثة. فعلى الورثة إذا أرادوا إثبات ذلك أن يحضروا بينة.
ومن هنا نعلم أنه ينبغي على الإنسان إذا كانت عنده ودائع أن يثبتها مكتوبة موثقة حتى لا يدخل الورثة في مشاكل مع المودِع وحتى لا يضطر الورثة إلى إنكار الوديعة. فيجب أن يكون المودَع نبيهاً وأن يضبط ما يتعلق بالوديعة لأنه إن مات وقد أداها ولم يثبت أنه أداها فيستطيع المودِع أن ينكر.
وهذه المسألة تشبه المسائل السابقة التي ربما يستغلها بعض الناس في التلاعب.
من هنا نقول: يجب إذا أديت الأمانة أن تثبت أنك أديت الأمانة حتى لا تعرض الورثة للمسائلة.
- قال رحمه الله
- وإن طلب أحد المودعين نصيبه من مكيل أو موزون ينقسم: أخذه.
مراد المؤلف رحمه الله يعني: إذا أودع رجلان شيئاً مشركاً بينهما عند المودَع فإنه إذا طلب أحهما نصيبه يدفع إليه بلا رضا من الشريك الآخر.
لكن هذا مشروط بأن يمكن قسمة هذا الشيء المودع بلا غبن ولا ضرر عليهما.
حينئذ يجب على المودع وجوباً أن يدفع نصيب هذا الرجل إليه ولا يحتاج لا إلى رضا الشريك الآخر ولا إلى استئذان الحاكم.
وقيل: أنه لا يجوز ولو كان الشيء يقبل القسمة الدفع بل يجب أخذ رضا الشريك لأنهما دفعا إليه في وقت واحد. ولأن لا يحصل الخطأ في القسمة.