الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- القسم الأول للقرض: القرض الحقيقي. وهو: القرض الذي ذكرت تعريفه في أول الباب وتنصرف إليه عبارات الفقهاء.
- القسم الثاني: القرض الحكمي. وهو القرض الذي يثبت في الذمة بسبب النفقة على البهيمة أو على الإنسان مع نية الرجوع. فهذه انفقة تثبت في ذمة المنفق عليه إذا نوى المنفق الرجوع وتصبح في حكم القرض لكنها من القروض الحكمية. يعني: انها أخذت حكم القرض وإن لم تكن في الحقيقة من القروض الني تدخل ضمن التعريف الاصطلاحي الذي ذكره الفقهاء للقروض.
وبهذا يستطيع الإنسان أن يعرف أن مدلول القرض في الشرع أوسع مما يقع في ذهن الطالب أنه فقط إعطاء مال لينتفع به ويرد غيره.
وبهذا انتهى الباب ولله الحمد ونبدأ ب
باب الرهن
.
باب الرهن
- يقول رحمه الله:
- باب الرهن.
الرهن في لغة العرب هو: الثبوت والدوام.
هذا هو المعنى الأصلي. وأي معنى آخر يذكر لهذه الكلمة وينسب أنه معنى لغوي فهو في الحقيقة راجع إلى هذا المعنى. فالمعنى الأصلي هو هذا وكل ما عداه ليس من المعاني الأصلية وإنما من المعاني المتفرعة عن هذا المعنى الأصلي وهو: الثبوت والدوام.
وأما في الاصطلاح: فهو توثقة دين بعين يتستوفى منها أو من ثمنها.
صورة الرهن: حتى نفرع عليه المسائل التي يذكرها المؤلف رحمه الله: صورة الرهن: أن يقترض زيد من عمرو مائة ريال ويأخذ منه رهناً بها عشرة آصع من القمح.
فالرهن في المثال هو القمح.
والغرض منه كما في التعريف استيفاء الدين منه أو من ثمنه.
علم من قولنا: (منه) أنه إنما يستوفى منه إذا كان من نفس الجنس. وإذا كان من جنس آخر فيستوفى من ثمنه.
فإذا اقترض قمحاً ورهنه قمحاً آخر فهل يستوفى منه أو من ثمنه؟ يستوفى منه.
وإذا اقترض ألف ريال ورهنه سيارة فمن ماذا؟ من الثمن.
والرهن مشروع بالكتاب والسنة والإجماع - ولله الحمد. ولا إشكال فيه.
- أما الكتاب: فقوله تعالى: {فرهان مقبوضة} [البقرة/283] وهو نص في المقصود.
- وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض من يهودي ورهنه درعه صلى الله عليه وسلم.
- وأما الإجماع: فحكاه غير واحد من أهل العلم.
وما زال عمل المسلمين عليه.
إنما وقع الخلاف فقط في مسألة: هل الرهن يتعلق بالسفر والحضر أو يتعلق بالسفر فقط؟ وفي الحقيقة الخلاف في هذه المسألة خلاف ضعيف:
= فذهب الجماهير الأئمة الأربعة وعامة فقهاء المسلمين وعليه عمل الناس إلى أن الرهن مشروع في الحضر والسفر ولا تفريق بينهما.
= وذهب مجاهد فقط وهو من أئمة السلف رحمه الله إلى أن الرهن لا يكون إلا في السفر فقط. واستدل: - بالآية. (وإن كنتم على سفر فلم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة) فقوله: (وإن كنتم على سفر) صفة تقيد الحكم عنده.
والصواب مع الجماهير بلا شك لأمرين:
- الأمر الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن وهو في المدينة. فهو لم يكن على سفر صلى الله عليه وسلم.
- الثاني: أن هذا القيد خرج مخرج الغالب لأن الغالب أن يحتاج الإنسان إلى توثقة الدين بالرهن في السفر لأنه قد لا يجد من يشهده على الدين أو لا يجد ما يكتب به الدين. وأما في الحضر فقد لا يحتاج إلى هذا. هذا في القديم أما اليوم فالحاجة إلى الرهن كبيرة جداً وتتعدى إثبات الدين إلى الوثوق بأداء المدين بالدين. فالحاجة إليه اليوم كبيرة جداً وقصره على السفر فيه تضييق على الناس وهذا على كل حال القول أشبه ما يكون بالقول المهجور.
ثم بدأ المؤلف رحمه الله يبين الأشياء التي يجوز أن ترهن:
- فقال رحمه الله:
- يصح في كل عين: يجوز بيعها.
هذه قاعدة الباب: أنه يجوز رهن كل عين يجوز أن تباع.
واستدلوا على هذا:
- بأن المقصود من الرهن هو: استيفاء الدين عند عجز المدين عن السداد أو امتناعه. وهذه الحكمة تتحقق في كل عين يجوز أن تباع.
وظاهر قول المؤلف رحمه الله: (في كل عين) أنه لا يجب أن نجعل الدين والمنافع رهناً بل لا يرهن إلا العين فقط. وهذا مذهب الحنابلة: أن الرهن لا يقع إلا على العين دون الدين والمنافع.
واستدلوا على هذا:
- بأن الوارد في السنة رهن الأعيان دون المنافع والديون فنقتصر على مورد النص.
= القول الثاني: أنه يجوز أن نجعل المنافع والديون رهناً.
وعللوا ذلك: - بان المقصود من الرهن يتحقق في رهن المنافع ورهن الديون. فإذا كان المدين يملك منفعة معينة - يملك منفعة عين دون رقبتها. فبالإمكان أن يرهن هذه المنفعة. ويستوفى الدين من قيمة هذه المنفعة.
وكما ترى في الحقيقة لا إشكال في رجحان القول الثاني فهو ظاهر وقوي.
إلا انه لا ينبغي أن نجعل الديون والمنافع رهناً لأن هذا يدخل الدائن والمدين في متهاة المطالبة بالدين الآخر والاختلاف والتنازع.
بينما إذا رهنت عين معلومة حاضرة صار هذا أبعد عن التنازع وأقرب إلى إيفاء الديون.
فقول الجمهور من حيث الواقع العملي والتطبيق قوي وجيد. والقول الثاني من حيث الدليل اتفصيلي وجيه جداً كما ترى.
- ثم قال رحمه الله:
- حتى المكاتب.
يعني: حتى المكاتب: العبد الذي كوتب من سيده يجوز أن يجعل رهناً.
والتعليل واضح:
- وهو أنه يجوز أن يباع فجاز أن يرهن. وكل ما جاز أن يباع جاز أن يرهن.
فإن أتم المكاتب الأقساط التي عليه وأصبح حراً لا يباع صار ثمنه هو الرهن. وتسدد الديون من هذا الثمن الذي يكون محل المكاتب.
وكون قيمة المكاتب تقع محله رهناً هذا بلا إذن من الراهن بل مباشرة تكون مكان العبد المكاتب الذي كان رهناً. وليس للراهن الخيار: لأن قيمة العبد المكاتب بدله فتكون هي الرهن.
وبهذا نخرج من الجهالة والغرر التي قد تكون موجود في المكاتب حين يستكمل الأقساط ويصبح حراً.
إذاً: إذا قيل لك: كيف تصحح أن يكون المكاتب رهناً وهو ربما أصبح من الأحرار فلا يجوز أن يباع.
فالجواب: أنه إذا أصبح حراً صارت قيمته مكانه.
- ثم قال رحمه الله: مبيناً وقت الرهن.
- مع الحق.
يعني: يجوز أن نعقد الرهن مع عقد البيع. فيقول: بعتك هذه السيارة إلى شهرين بشرط أن ترهنني هذا البيت.
وهذا المثال مثال صحيح لأن اليوم بعض السيارات أغلى من بعض البيوت - مع الأسف - ولا يقال أن امثال غير منطقي لأن اليوم بعض السيارات أغلا من بعض البيوت وإن كان ليس من العقل أن يشتري الإنسان سيارة باهضة الثمن وهو لا يملك بيتاً كما يفعله بعض الناس اليوم. فهذا لاشك أنه من سوء التدبير.
لكن المثال صحيح.
هذا عقد الرهن مع العقد.
ومع الحق يعني: مع العقد.
وانتم تعلمون أن الرهن عقد مضاف لعقد البيع. - الرهن عقد آخر مع عقد البيع. فهو عقد يحتاج إلى إيجلب وقبول وشروط وعاقدان
…
إلى آخره.
فعقد الرهن مع عقد البيع الذي يسبب الحق جائز. وهو جائز باتفاق الأئمة الأربعة.
- قال رحمه الله:
- وبعده.
يعني: ويجوز عقد الرهن بعد الحق - بعد ثبوت الحق.
وصورته/ أن يبيع عليه بيتاً ثمن مؤجل ثم بعد ثبوت الثمن في ذمة المشتري يقول البائع وأريد رهناً بهذا البيت.
فهذا الرهن تم بعد العقد أو مع العقد؟
بعد العقد. يعني: بعد ثبوت الحق في ذمة المدين وهذا جائز بالإجماع بل هو المقصود من الرهن.
ودليل جواز مع الإجماع:
- أن قيمة المؤجل أصبحت ثابتة في ذمة المدين وإذا كانت ثابتة في ذمة المدين احتاجت إلى توثقة بالرهن.
وأنا أريد أن تنتبهوا إلى هذا التعليل حتى تفهموا المقصود من الرهن.
إذاً إذا أخذ رهنا بعد ثبوت الحق يعني: بعد وقوع العقد فهو جائز بالإجماع. لأنه بعد العقد أصبح الثمن ثابتاً في ذمة المدين فأصبح يحتاج إلى توثقة.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز عقد الرهن قبل ثبوت الحق أي قبل إجراء العقد لأنه يقول: (مع الحق وبعده) ولم يقل: (وقبله). وهذا:
= مذهب الحنابلة: أن عقد الرهن لا يصح قبل ثبوت الحق.
واستدلوا على هذا:
- بأن الرهن يقصد منه الاستيثاق من الدين ولا دين هنا.
= والقول الثاني: صحة وقوع الرهن قبل ثبوت الحق. يعني: قبل وقوع العقد.
واستدلوا على هذا:
- بالقياس على الضمان. لأن الضمان يكون قبل ثبوت الحق في ذمة المدين.
- واستدلوا على هذا: بأن الأصل في المعاملات الحل.
- واستدلوا على هذا أيضاً: بأنه لا ضرر من إثبات الرهن قبل الحق فإن وجد الحق نفع الرهن وإن لم يوجد الحق لم يضر الرهن.
وهذا القول الثاني هو الراجح. على أن هذه المسألة لا تكاد تقع في الواقع. لأنه لا حاجة إليها.
وإذا كان البائع يريد الاستيثاق التام فيجعل الرهن مع الحق. فإذاً لا حاجة ماسة لإيقاع الرهن قبل العقد.
لما بين المؤلف رحمه الله الأعيان التي يجوز أن تجعل رهناً انتقل لبيان الديون التي يجوز أن نأخذ عليها رهناً: أو بعبارة أدق: (الحقوق التي يجوز أن نأخذ عليها رهناً).
- فيقول رحمه الله:
- بدين ثابت.
فسرت لما يؤخذ عليه الرهن شرطين:
- الشرط الأول: أن يكون ديناً.
- والشرط الثاني: ان يكون هذا الدين ثابتاً.
نبدأ بالشرط الأول: = يشترط فقهاء الحنابلة لصحة الرهن أن يؤخذ مقابل دين. فلا يجوز أن نأخذ الرهن مقابل عين ولا منفعة.
ـ مثال العين: - العارية.
- ومثاله الثاني: وهو الأهم: ثمن المبيع المعين.
= فالحنابلة يرون: أن الرهن لا يؤخذ إلا عن شيء ثابت في الذمة. ما عدا هذا لا يؤخذ عليه رهن.
واستدلوا على هذا:
- بأن الدين الثابت في الذمة هو الذي يحتاج إلى توثيق وما عداه فليس بحاجة إلى توثيق.
- واستدلوا: بأن الآية في الدين - الآية التي دلت على مشروعية الرهن إنما هي في الدين فنبقي فيما ورد فيه النص فقط.
= والقول الثاني: جواز أخذ الرهن على الأعيان والديون على حد سواء.
- لأن الإنسان كما يحتاج إلى توثقة الدين لاستيفاء حقه من الرهن فإنه يحتاج إلى التوثقة من رجوع العين ووصولها إليه. فالحكمة التي شرع من أجلها الرهن موجودة في الأعيان والمنافع.
مثال المسألة/ إذا قال زيد لعمرو: أعرني سيارتك. فقال عمرو: أنا أعيرك السيارة بشرط أن ترهنني رهناً حتى أستوثق من إرجاع السيارة سليمة ليست معيبة.
= فعند الحنابلة: الرهن باطل. - لأنه على شيء ليس في الذمة.
= وعلى القول الثاني: الرهن صحيح وهو لازم ويؤخذ منه الحق عند عدم رد العارية.
ففي الحقيقة هذا الخلاف مهم ومفيد وقد يحتاج إليه الإنسان. والقول الثاني فيه أرجح.
ونحمل النصوص - كما تقدم معنا - أنها خرجت مخرج الغالب - لأن الغالب أن الإنسان يحتاج إلى توثقة الديون لا الأعيان.
ـ الشرط الثاني: أن يكون بدين. فلا يصح على دين غير ثابت.
والدين الثابت/ هو الدين الذي ثبت في الذمة وليس عرضةً للسقوط.
فمن أمثلة الدين غير الثابت: دين المكاتبة. لأن العبد يستطيع أن يعجز نفسه ويرجع إلى العبودية.
ومن أمثلة الدين غير الثابت: الجعل قبل أن يبدأ في العمل.: إذا جعل جعلاً لمن صنع عملاً معيناً فقبل أن يبدأ العامل بالعمل فهذا الدين وهو الجعل عرضة للسقوط وذلك بأن لا يبدأ بالعمل. لأنه كما سيأتينا اعقد بين من يجعل جعلاً لعمل وبين العامل عقد جائز وليس بلازم. فهذه الديون لا يصح: = عند المذهب أخذ الرهن عليها.
- لأنها هي بنفسها عرضة للسقوط فكيف نستوثق منها بالرهن؟
= والقول الثاني: أنه يجوز أخذ الرهن بالدين الغير مستقر. فإن استقر انتفعنا من الرهن وإن لم يستقر رجع الرهن إلى صاحبه.
- ثم قال رحمه الله:
- ويلزم: في حق الراهن فقط.
الراهن: هو المدين.
والمرتهن هو: الدائن.
والرهن: هي العين التي يراد استيفاء الدين منها.
إذاً لابد أن نفهم الآن الراهن والمرتهن لأنه سيتكرر معنا.
فالراهن هو الذي ذمته مشغولة).
يقول رحمه الله: (يلزم في حق الراهن فقط) يعني: دون المرتهن.
ويلزم في حق الراهن: - لأنه ثبت بحق الغير فهو لازم في حق الراهن حفظاً لحق المرتهن.
ومعنى أنه لازم: يعني: أن الراهن لا يستطيع فسخ الرهن ولا إلغاء هذا العقد ولا ما يترتب على هذا الأمر.
وسيأتينا متى يلزم؟ وماذا يترتب من الأعمال على اللزوم.
إنما الذي يعنينا الآن في عبارة المؤلف رحمه الله هنا: أنه لازم في حق الراهن فقط.
- ثم قال رحمه الله:
- ويصح: رهن المشاع.
ويصح رهن المشاع:
= عند الجماهير من أهل العلم.
- لأن المشاع يجوز أن يباع وكل ما جاز أن يباع جاز أن يرهن.
وفي المسألة خلاف ضعيف لا نشتغل به. فالجماهير على جواز رهن المشاع والآن عليه العمل وكثيراً ما يرهن المشلع اليوم لأن المشاع يمكن بيعه وتمييزه عن الذي معه سواء كان أرض أو بيت أو شيء يمكن أن يباع لسداد الدين.
ولما كانت القاعدة أن كل ما جاز بيعه جاز رهنه والمشاع يجوز أن يباع لذلك الجماهير جوزوا رهنه.
- ثم قال رحمه الله:
- ويجوز: رهن المبيع غير المكيل والموزون على ثمنه وغيره.
في الحقيقة العبارة تكون أسهل وأوضح لو أن المؤلف رحمه الله يقو: (ويجوز رهن المبيع على ثمنه وغيره إلا إذا كان مكيلاً أو موزوناً).
فتكون أوضح. فإدخال الاستثناء في وسط الجملة يصعب فهمها.
نقول في شرح الجملة:
يجوز للإنسان أن يرهن المبيع على: - ثمنه. - وعلى غيره.
والمقصود: (بغيره) يعني على دين آخر سابق. سواء قبض الثمن أو لم يقبض في مسألة: (على غيره).
صورة المسألة/ أن يشتري زيد من عمرو سيارة فيحبس عمرو السيارة إلى أن يسدد المشتري الثمن.
أو يسدد المشتري الثمن ومع ذلك يحبس البائع السيارة لأن له على زيد ثمن آخر - دين آخر. فيمسك السيارة كرهن إلى أن يسدد قيمة الدين الآخر. حتى لو سدد قيمة السيارة إذا كان هناك دين آخر فله أن يمسك السلعة على هذا الثمن.
الدليل على الجواز:
- أن هذا المبيع يجوز بيعه فجاز رهنه. ولو قبل القبض.
وأنتم تعلمون أننا نتحدث الآن عن المبيع من غير المكيل والموزون.
أو بعبارة أخرى: (عن المبيع الذي لا يحتاج إلى قبض).
إذاً انتهينا من هذا القسم عند الحنابلة. أنه إذا باع ما لا يحتاج إلى قبض يعني: غير المكيل والموزون عند الحنابلة فإنه يجوز أن يحبسه على ثمنه وعلى غيره ولو قبل القبض.
- القسم الثاني: المبيع من المكيل والموزون.
فهذا لا يجوز رهنه على ثمنه - لا يجوز حبسه على ثمنه.
لماذا؟ لأنه لا يجوز أن يباع. فالمكيل والموزون قبل القبض لا يجوز أن يباع.
فإذاً: المكيل والموزون قبل القبض لا يجوز حبسه على ثمنه. لماذا؟ لأنه لا يجوز أن يباع إلا بعد القبض ونحن نقول لا يجوز أن نرهن إلا ما يجوز أن يباع.
= القول الثاني في المكيل والموزون: جواز حبسه على ثمنه ولو قبل القبض.
واستدل هؤلاء على هذا الحكم:
- بأن بقاء المبيع عادة في يد البائع قبل القبض يسير وينتقل إلى المشتري وهذا البقاء اليسير لا يتنافى مع حكمة الرهن.
(استدلوا: بأن بقاء الرهن أو المبيع في يد البائع عادة يبقى وقت يسير هذا الوقت اليسير لا يتنافى مع حكمة الرهن.)
إذا باع الإنسان عيناً لا يجوز أن تباع إلا بعد القبض. فنحن نقول للمشتري لا يجوز لك أن تبيع العين إلا بعد القبض لأنه نهي عن بيع الطعام قبل قبضه ولئلا يقع في نفس البائع عليك حرج إذا كسبت أنت في هذه السلعة.
إذاً: واضح الآن أن تحريم بيع السلعة قبل القبض أمر محكم وأدلته واضحة.
لكن إذا رهن هذه العين قبل أن يقبضها فبقاء السلعة هذا الوقت القصير في يد البائع لا يتعارض مع الرهن لأن الرهن مؤجل. - الدين مؤجل - وبالتأكيد خلال هذه الفترة ستنتقل العين من يد البائع إلى يد المشتري فتصبح رهناً يجوز بيعه. ولهذا نقول: الراجح إن شاء الله القول الثاني.
* * مسألة/ علم من قوله: (لا يجوز بيع المكيل والموزون) انه على القول الراجح لا يجوز رهن كل ما لا يجوز بيعه قبل القبض هذا عند الحنابلة ولا نقصر الحكم على المكيل والموزون.
ونحن لن ندخل في هذه المسألة لأنه تقدم معنا الخلاف في الأشياء التي تحتاج إلى استيفاء وقبض والأشياء التي لا تحتاج فتنزل ذلك الخلاف على هذه المسألة.
* * المسألة الثانية/ علم من هذا الخلاف كله أنه لا حرج مطلقاً في رهن أو حبس المبيع على ثمنه وغيره بعد القبض - فبعد القبض لا إشكال. وبلا تفصيل - يجوز بلا تفصيل - حتى قال المرداوي في الإنصاف: يجوز بعد القبض بلا نزاع. يعني: في المذهب. إذاًَ عرفنا الآن حكم حبس المبيع على ثمنه: بعد القبض وقبل القبض.
- بعد القبض: يجوز بلا نزاع وبلا تفصيل.
- وقبل القبض: يجوز على التفصيل والخلاف الذي ذكرته لك.
- ثم قال رحمه الله:
- وما لا يجوز بيعه: لا يصح رهنه.
وفي الحقيقة هذه العبارة مستفادة من العبارة الأولى: أن كل ما يجوز بيعه يجوز رهنه. لكن المؤلف رحمه الله أراد أن يبين الحكم صريحاً حتى يكون أوضح للقاريء. (فكل ما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه).
الأشياء التي لا يجوز أن تباع ينبغي أن تكون معلومة لك من خلال: شروط البيع. فإذا فهم الإنسان شروط البيع عرف جميع الأعيان اتي لا يجوز أن تباع.
- فالكلب مثلاً: لا يجوز أن يرهن. - آلات المعازف: لا يجوز أن ترهن. - أم الولد: لا يجوز أن ترهن.
فكل ما لا يجوز أن يباع لا يجوز أن يرهن.
التعليل: - قالوا: أن ما لا يجوز أن يباع لا تتحقق حكمة الرهن منه. لأن المراد استيفاء القرض من ثمنه وهذا لا يباع. فكيف سنستوفي من ثمنه. وهذا أمر واضح ودليله واضح.
- ثم قال رحمه الله:
- إلاّ الثمرة والزرع الأخضر قبل بدو صلاحهما، بدون شرط القطع.
تقدم معنا أن الفقهاء جميعاً إذا قرروا حكماً أعقبوه بالاستثناء. فهذا يستثنى من الحكم السابق العام .. ((الأذان)).
استثنى الحنابلة من الحكم السابق وهو عدم جواز رهن ما لا يجوز بيعه: الثمرة والزرع الأخضر قبل بدو الصلاح: لا يجوز أن يباعا. ومع ذلك جوز الحنابلة أن يجعلا رهناً. مع العلم أنه لا يجوز أن يباع.
واستدلوا على هذا بأمرين:
- الأمر الأول: أن النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إنما هو خشية إصابة العاهة والعيوب. وهذا الأمر مفقود في مسألتنا فلا نخشى إصابة العاهة ولا إصابته العاهة فإنه لا يضر في مسألة الرهن.
- الثاني: قالوا: أنه إذا أصيبت اثمار والحبوب قبل بدو صلاحها بعاهة وأصبحت غير صالحة للبيع لم يخسر المرتهن شيئاً لأن الرهن بقي في ذمة الراهن. ولم يسقط منه شيء. فلا جهالة ولا غرر ولا ضرر على المرتهن ولهذا صححوا هذا العقد.
واستثناء الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع قبل أن يشتد: استثنء صحيح. لأنه في الحقيقة لا يتعارض مع الحكمة من الرهن. ولأن عادة وقت الرهن الأجل طويل فبإمكانه أن يتبين من صلاحية الثمرة للبيع أو عدمه.
وأما قول المؤلف رحمه الله: (بدون شرط القطع). فلا يريد أنه إذا كان مع شرط القطع فلا يجوز. بل معنى العبارة: حتى ولو بدون شرط القطع. أما مع شرط القطع فيجوز رهنه بالإجماع. لماذا؟ لأنه يجوز أن يباع. ولذلك لو قال المؤلف رحمه الله: (ولو بدون شرط القطع) لكان أوضح.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا يلزم الرهن: إلاّ بالقبض.
= ذهب الجماهير إلى أن عقد الرهن لا يلزم من قبل المرتهن إلا بقبض المرتهن له. أما إذا لم يقبض المرتهن الرهن فإنه يصبح جائزاً فللراهن أن يفسخ الرهن أي ساعة شاء. وهذه المسألة غاية في الأهمية.
إذاً لا يلزم الرهن إلا بقبض المرتهن له. فإن بقي بيد الراهن فالعقد جائز وليس بلازم.
استدلوا على هذا: - بالآية فإن الله تعالى يقول: (فرهان مقبوضة). فنصت الآية على اشتراط القبض. ومعلوم أن قوله مقبوضة يعني: من المرتهن.
واستدلوا على هذا: - بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رهن الدرع عند اليهودي أقبضه إياه.
فدل الكتاب والسنة على هذا الشرط.
= والقول الثاني: أنه يلزم ولو بقي في يد الراهن.
واستدلوا على هذا: - بأن الغرض من الرهن يتحقق ولو بقي في يد الراهن.
- وبأن الناس بحاجة إلى أن يبقى الرهن بيد الراهن وعلى هذا عملهم.
نكتفي بهذا
…
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد ....
الدرس: (23) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إن شاء الله في آخر الدرس سنشرح قوله رحمه الله: (بدين ثابت) لأن بعض الإخوة لم يفهم معنى هذه العبارة من المؤلف رحمه الله.
- يقول رحمه الله:
- ولا يلزم الرهن: إلاّ بالقبض.
تكلمنا بالأمس عن هذه المسألة وذكرنا وجهة نظر الجماهير وأدلتهم.
= والقول الثاني في هذه المسألة: أن الرهن يلزم بالعقد. ولا ينفسخ إلا بإذن المرتهن بمجرد العقد ولو لم يقبض.
واستدل هؤلاء على هذا الحكم:
- بقياس عقد الرهن على عقد البيع. فإن عقد البيع يلزم بالعقد ولو لم يقبض. كما تقدم معنا.
إذا تم العقد في البيع لزم ولزم البائع أن يسلم السلعة والمشتري أن يسلم الثمن. ولو لم يكن هناك قبض فقاسوا عقد الرهن على عقد البيع.
واستدلوا على ذلك أيضاً:
- بأن عمل الناس على هذا فإنهم يرهنون أمتعتهم وتبقى في أيديهم.
وتقدم معنا بالأمس أن الأثر الأهم لهذه المسألة هو: أن الرهن قبل القبض عند الجماهير غير لازم. ومعنى: (غير لازم) أن للراهن أن يفسخ الرهن ويجوز له أن يلغي هذا العقد باعتبار أنه لم يقبض: أي: أن الرهن لم يقبض إلى الآن.
هذه المسألة فيها إشكال: وشيخ الإسلام يرى رجحان قول الجماهير فهو يقول: أن الفائدة من الرهن لا تتحقق على الوجه المطلوب إلا إذا انتقل الرهن إلى يد المرتهن ليتمكن من استيفاء الحق بعد عجز المدين عن السداد.
وما ذكره رحمه الله قوي.
وكذلك أصحاب القول الثاني يستدلون بأن عمل النس على بقاء الرهن بيد [الراهن] وبقاء انتفاعه به.
ففي الحقيقة في المسألة نوع من الإشكال بالنسبة لي ولا يظهر لي رجحان قول من الأقوال رجحاناً بيناً إلا أن هذه المسألة والحاجة إليها خفت في زماننا هذا. فبإمكاننا أن نرجح القول الثاني الذي يجعل الرهن لازماً بمجرد العقد.
لماذا؟
لأنه في هذه الأيام أصبح التوثيق في الأوراق فبمجرد ما يختم على الصك أصبح مرهونا بقي البيت في يد المدين أو لم يبق انتقل أو لم ينتقل وبمجرد ما ترهن السيارة تصبح مرهونة أين ما كانت السيارة في يد الدائن أو المدين وبهذا صارت فائدة قليلة بالنسبة لوقتنا هذا.
وإذا أمكن توثيق الدين بلا انتقال العين إلى المرتهن يعني مع بقاء العين في يد الراهن وانتفاعه منها فهذا لاشك أرجح لأنه يتحقق الاستيثاق من الرهن ويتحقق أيضاً بقاء الرهن في يد الراهن: يعني: المدين.
ولذلك نحن نقول: الراجح إن شاء الله في وقتنا هذا القول الثاني.
أما من حيث أصل المسألة بدون النظر إلى ملابسات الواقع المعاصر ففيها إشكال وقول الجمهور وجيه وهو أرجح عندي لكن كما قلت لكم رجحانه ليس رجحاناً بيناً.
- ثم قال رحمه الله:
- واستدامته شرط.
يعني: من شروط اللزوم استدامت القبض.
- لأنهم قالوا: نقيس الاستدامة على الابتداء فإذا كان الابتداء لابد فيه من القبض فالاستدامة لابد فيها من القبض.
وبه علمت أن هذه المسألة مبنية على المسألة السابقة. فما ترجح في تلك المسألة فرجحه في هذه المسألة.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن أخرجه إلى الراهن باختياره: زال لزومه.
(فإن أخرجه) يعني: فإن أخرج المرتهن الرهن إلى الراهن باختياره زال لزومه.
- لأن علة اللزوم عند الحنابلة القبض فإذا زال القبض باختيار المرتهن زال اللزوم تبعاً له.
وبعد ذلك يجوز للراهن أن يفسخ العقد وأن يتصرف في العين المرهونة كيف شاء.
وعلكنا من قول المؤلف رحمه الله هنا: (باختياره) أنه لو زال الرهن بغير اختياره فإنه يبقى لازماً ولا ينفك ولو زال عن يد المرتهن فهي عين مرهونة.
وعلنا من قول المؤلف رحمه الله: (فإن زال الرهن باختيار المرتهن) أن هذا الزوال عام سواء كان زوال بإرجاع العين إلى الراهن أو بتأجير العين إلى الراهن أو بإعارة العين إلى الراهن أياً كانت صورة الإرجاع ما دامت باختيار المرتهن فإن الرهن يصبح غير لازم.
ولا يخفى عليك أيضاً أن هذه المسألة مبنية على مسألة القبض.
ولهذا قلت لك في الدرس السابق أن مسألة متى يلزم الرهن: مسألة مهمة من جهتين:
- من جهة ما يترتب عليها من مسائل.
- ومن جهة الواقع وحاجة الناس إليها.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن رده إليه: عاد لزومه إليه.
يعني: فإن رد الراهن العين إلى المرتهن عاد اللزوم.
والتعليل:
- هو ذات التعليل السابق وهو أنه يلزم من القبض اللزوم ويلزم من عدم القبض عدم اللزوم عند الحنابلة.
فإذاً تعليل هذه المسألة هو عكس تعليل المسألة السابقة.
فعاد اللزوم لوجود القبض.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا ينفذ تصرف واحد منهما فيه: بغير إذن الآخر.
يقول رحمه الله أنه لا ينفذ تصرف واحد منهما بغير إذن الآخر.
المقصودبـ: (بواحد منهما). الراهن والمرتهن.
والمقصود بـ: (التصرف). أي: أي تصرف مالي كأن يؤجر العين.
فالمؤلف رحمه الله يشترط لتصرف أي منهما بالعيم رضا اجميع فإذا رضي الراهن ولم يرض المرتهن لم يجز التصرف وأصبح ملغياً وإذا رضي المرتهن ولم يرض الراهن فكذلك.
ـ أما اشتراط رضا الراهن فمعلوم لأن الراهن هو المالك وليس لأحد أن ستصرف في ملك غيره إلا بإذنه وإن كانت مرهونة فهي مازالت في ملك الراهن فلابد من إذن الراهن.
ـ أما اشتراط رضا المرتهن فلأجل أن لا يضيع حقه بتصرف الراهن.
هذا هو: = مذهب الحنابلة. فإن لم يرض أحدهما أو لم يرض كلاهما بقي الرهن معطلاً فلابد للتصرف فيه من رضا الاثنين.
= والقول الثاني: هو أنه يجوز أن يستصرف الراهن خاصة ولو لم يرض المرتهن بشرط أن لا يؤدي تصرف الراهن إلى إنقاض مالية العين بما يضر بالدين.
فما دام سيتصرف تصرفاً لا يضر بالعين المرهونة ولا ينقص من قيمتها المالية فإنه يجوز له أن يتصرف ولو لم يأذن المرتهن.
والتعليل: ظاهر:
- لأن هذه العين ملك للراهن وهذا التصرف لا يؤدي إلى الإخلال بحق المرتهن فلأي شيء نمنع.
المثال الذي يوضح المسألة/ إذا كان الرهن بيتاً يؤجر فقام المرتهن بتأجيره بمبلغ مائة ألف ريال. وهذا التأجير لا يخل أو لا يضر بمالية البيت مطلقاً.
فإذا كان الدين مائة ألف وقيمة البيت خمسمائة ألف وأجره بمائة ألف فإن هذا الأجار مهما كان لن يخفض قيمة البيت بل إنه في وقتنا هذا إذا كان البيت مؤجراً فإن هذا من أسباب ارتفاع قيمة البيت.
ففي هذه الصورة عند الحنابلة لا يجوز أن يؤجر ولو لم يضر بالمرتهن.
وعلى القول الثاني: يجوز أن يؤجر ولا ننظر لإذن المرتهن.
وهذا القول الثاني كما قلت لكم هو الصواب.
المثال العكس/ أن يؤجر هذا البيت تأجيراً ينقص من مالية العين. مثل/ أن يؤجر السيارة لشخص يسير بها في طرق سيئة وهو لا يحسن القيادة. فهذا لاشك ينقص من مالية السيارة.
ولذلك من الأشياء التي يسأل عنها من أراد أن يشتري سيارة من هو الذي كانم يستعمل هذه السيارة؟ فإن كان إنساناً يعرف بحسن القيادة والهدوء صار هذا من أسباب زيادة مالية وقيمة السيارة وإن كان العكس: كان العكس.
فمثل هذه الصورة لا نسمح للراهن أن يؤجر السيارة بهذه الصفة التي تسبب نقص مالية العين.
وكما ترى هذا القول وجيه وهو إن شاء اله الراجح والمتوافق مع مقاصد الشرع.
- ثم قال رحمه الله:
- إلاّ عتق الراهن: فإنه يصح مع الإثم. وتؤخذ قيمته رهناً مكانه.
استثنى المؤلف رحمه الله من الحكم العام وهو المنع من التصرف إلا بإذن الاثنين: العتق.
فإذا قام الراهن بعتق العبد الذي وضع رهناً. فالحكم:
= عند الحنابلة: أن العتق صحيح مع التحريم.
فالراهن آثم والعتق صحيح.
ـ أما التحريم:
- فلأنه اعتدي على حق المرتهن.
ـ وأما التصحيح:
- فلأن الشارع سبحانه وتعالى متشوف للعتق.
- ولأن العتق فيه سراية وتغليب مما يدل على قوة هذا الحكم. لأنه إذا اتصف العقد بالسراية والتغليب صار دليلاً على قوة الحكم.
ومعنى: (السراية) أنه لو أعتق بعضه عتق كله.
ومعنى: (التغليب) أنه لو أعتق عبداً ولم يحدد باسم ولا وصف عتق جميع العبيد.
فهذا من باب التغليب والأول من باب السراية.
وإذا صححنا العتق فإن قيمة العبد تكون مكان العبد فنلزم الراهن الذي أعتق العبد بأن يسلم المرتهن قيمة هذا العبد لتكون رهناً بدل هذا العبد الذي أعتق.
هذا هو مذهب الحنابلة وتفصيل المذهب ودليل المذهب.
=والقول الثاني: أن العتق لا يقع في هذه الصورة وهو محرم وباطل.
- لأن في العتق في هذه الصورة اعتداء على حق المرتهن والشارع الحكيم متشوف إلى العتق الذي ليس فيه اعتداء فنبطل العتق ويبقى العبد مرهوناً ولو أعتقه السيد ويصبح من التصرفات اللاغية.
وهذا الثاني هو القول الصحيح إن شاء الله.
- قال رحمه الله:
- ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه: ملحق به.
نماء الرهن وكسبه وأرش الجناية ملحق بالرهن.
ومعنى أنه ملحق بالرهن يعني: أنه يبقى مع الرهن ويباع مع الرهن.
- لأنه متفرع عن أصل مرهون فتبعه في الحكم.
هذا هو مذهب الحنابلة.
واعلم قبل أن نذكر القول الثاني: أن نماء الرهن المتصل به تبع للرهن: بالإجماع. لأنه لا يمكن أن ينفك عن الرهن.
مثال النماء المتصل/ السمن. أو تعلم صنعة. أو تعلم علم محمود.
فمثل هذه الأشياء لا يمكن أن تنفك عن الرهن فهي تبع للرهن بالإجماع.
إذاً: القول الثاني ينحصر في النماء المنفصل.
عرفنا أن مذهب الحنابلة والجماهير أن النماء المنفصل تبع للعين المرهونة للتعليل السابق.
= القول الثاني: أن النماء المنفصل ليس تبعاً للعين المرهونة بل يرجع للراهن.
وهذا مذهب الإمام الشافعي.
ودليل هذا القول:
- أن المرتهن رضي بعين الرهن رهناً بلا زيادة.
- وأيضاً نماء هذه العين هو في الحقيقة ملك للراهن لأن العين هي أيضاً ملك للراهن. والأصل أن ملك الإنسان له أن يتصرف فيه بماء يشاء وإنما منعنا التصرف في العين المرهونة لأنها مرهونة.
القول الأول: مذهب الجماهير وعليه العمل في كثير من البلدان.
القول الثاني هو مذهب الشافعي وهو فيما يظهر لي أرجح من مذهب الجمهور وومن نصره ابن المنذر رحمه الله فإنه يرى أن النماء المنفصل ليس تبعاً للعين.
وهذا الذي يظهر لي أن النماء المنفصل ليس تبعاً للعين المرهونة لأنه ملك للراهن ولا يوجد دليل يمنع الراهن من أن ينتفع بهذا النماء المتصل وأما الاستيثاق من الدين فهو حصل بالعين المرهونة.
يستثنى من هذا صورة واحدة: إذا كان هذا النماء المنفصل يؤدي إلى مالية العين المرهونة ففي هذه الصورة لاشك ان النماء المنفصل ينبغي أن يبقى مع العين حتى تكون العين مع نمائها المتصل كافية في سداد الدين.
فإذا رهن شاة حاملة وفي أثناء الرهن ولدت هذه الشاة وهذه الولادة سببت ضرراً للشاة - أي ضرر جسماني - أدى هذا الضرر إلى نقصان مالية هذه الشاة.
فنقول: هذا الولد الذي ولدته الشاة تبع لها لأن الشاة أصبحت لا تفي بالدين.
أما فيما عدا هذه الصورة فالراجح مذهب الشافعية واختيار ابن المنذر ومن أبرز أمثلته الأجار فالأجار الآن لا يضر بالعين كما تقدم معنا.
فإذا أجر البيت المرهون فالأجار ليس تبعاً للبيت ولا يحبس كما يحبس البيت وإنما هو من حقوق الراهن على القول الصحيح ينتفع بع كيف شاء.
- قال رحمه الله:
- وكسبه وأرش الجناية عليه: ملحق به.
كسبه وأرش الجناية عليه هو والمسألة السابقة واحد: النماء والكسب والأرش مسألة واحدة والخلاف الذي ذكرت ينطبق على الجميع.
- ثم قال رحمه الله:
- ومؤونته على الراهن وكفنه وأُجرة مخزنه.
= ذهب الجماهير إلى أن النفقة والمؤونة التي تصرف على العين المرهونة تحتسب على الراهن هو الذي ينفق على العين المرهونة.
واستدلوا على هذا:
- بأن هذه العين المرهونة ملك للراهن والأصل أنه يجب على الإنسان أن ينفق على ملكه.
واستدلوا أيضاً:
- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه) والحديث كما ترى نص في المسألة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عليه غرمه). فكل النفقات التي تترتب على بقاء الرهن عند المرتهن الذي يقوم بدفعها هو الراهن الأكل والشرب والسكن والكسوة والتخزين وكل ما يتعلق بهذه الأمور إنما هو على الراهن.
هذا الحديث المهم في باب الرهن محل خلاف بين الأئمة: فذهب بعض الأئمة إلى أنه معلول بالإرسال وأنه لا يثبت مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وممن ذهب إلى هذا الإمام أبو داود وابن القطان والدارقطني وغيرهم من أئمة المسلمين.
وذهب بعض الأئمة إلى أنه يثبت مرفوعاً متصلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وممن ذهب إلى هذا من الأئمة عدا المتأخرين الإمام الدارقطني. فأنت تلاحظ أن الدارقطني تارة يرى أنه موصول وتارة يرى أنه مرسل.
فاختلف قوله رحمه الله في هذا الحديث.
أما قوله الذي هو بالإعلال فذكره في العلل. وأما الحكم عليه بالصحة والاتصال فذكره في السنن فقد عقب هذا الحديث بقوله إسناد جيد متصل ومن المعلوم لكل طالب علم: أن كلام الإمام الدراقطني في العلل أمتن وأعمق وأهم من كلامه في السنن لأن العلل مخصص للكلام على الطرق والأسانيد والعلل وأما السنن فهو مخصص لجمع الأحاديث. وقيل مخصص لجمع الأحاديث الضعيفة كأنه أراد أن يجمع الأحاديث الضعيفة.
وأياً كان فكلامه في العلل الذي يتوافق مع كلام الحافظ أبي داود وغيره هو الصحيح وهو مقدم على كلامه في السنن.
وهذا الحديث وإن كان مرسلاً إلا أنه يصلح للاستدلال وما زال أهل العلم يستدلون به ويستشهدون به لأنه مرسل وتعضده النصوص وتعضده فتاوى الصحابة.
- قال رحمه الله:
- وهو أمانة في يد المرتهن، إن تلف من غير تعد منه: فلا شيء عليه.
الرهن أمانة في يد المرتهن.
وقول المؤلف رحمه الله هنا: (إن تلف من غير تعد منه فلا شيء عليه) هذا ثمرة كون العين أمانة.
فالحكم الآن: أن الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه إلا إذا تعدى أو فرط.
وهذا مذهب الجماهير.
واستدلوا على هذا بأمور:
- الأمر الأول: أن رفع الضمان عن المرتهن إذا تلفت العين بغير تعد ولا تفريط مروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
- الثاني: الحديث الذي تقدم معنا وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: (وعليه غرمه).
= القول الثاني: أنه إذا تلفت العين في عين المرتهن فهي من ضمان المرتهن لكن بأدنى القيمتين من قيمته أو قدر الدين. (القول الثاني أنه إذا تلف فهو من ضمان المرتهن لكن بشرط أن يضمن بأدنى القيمتين من قيمته أو قدر الدين).
واستدلوا على هذا بأمرين:
- الأمر الأول: أن هذا مروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- الثاني: استدلوا بمرسل لعطاء رضي الله عنه أن رجلاً رهن عند رجل فرساً فنفقت فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب دينك) فجعل الدين في مقابل الرهن الذي تلف.
= القول الثالث: أن العين إذا تلفت عند المرتهن فهي مضمونة مطلقاً ولو كانت بأكثر من الدين.
وهذا من عجائب الأقوال في الحقيقة.
فأصحاب هذا القول يضمنون المرتهن قيمة الرهن التالف ولو كانت القيمة أكثر من الدين. فبموت الرهن الذي قيمته أكثر من الدين انقلبت الآية فأصبح المدين دائناً والدائن مديناً.
مع العلم أن هذا الرجل لم يأخذ هذه العين إلا لاستيثاق الدين فصار الاستيثاق وسيلة لوقوع المرتهن في دين آخر.
وهذا من وجهة نظري غاية في الضعف والبعد عن أصول الشرع وعن المنطق.
كيف نجعل المرتهن الذي أخذ العين رهناً لإيفاء الدين ينقلب إلى مدين ونحن نتكلم الآن كما تعلمون عن التلف الذي بغير تعد ولا تفريط.
لأن تلف العين مع التعدي والتفريط عند المرتهن هي من ضمان المرتهن بالإجماع لأنه تعدى وفرط.
فالخلاف الذي سمعت كله فيما إذا تلفت العين بغير ولا تفريط.
والراجح والله أعلم القول الأول وأنه لا ضمان مطلقاً لا بقيمة الدين ولا بأقل ولا بأكثر.
أولاً: لأن هذا الحديث المرسل الذي تقدم معنا صالح للاحتجاج كما قلت لك.
ثانياً: لأ الآثار عن الصحابة مختلفة فرأي علي رضي الله عنه يختلف عن رأي عمر بن الخطاب إن صح عن عمر رضي الله عنه. وأخشى أن عمر رضي الله عنه أفتى في قضية معينة لها ملابسات معينة.
أما أن هذا يكون رأياً من أمير المؤمنين عمر فمن وجهة نظري أنه بعيد.
على كل حال هو ينسب إلى عمر رضي الله عنه.
وثالثاً: أن أثر عطاء هذا مرسل ومراسيل عطاء ضعيفة. أضف إلى هذا كله أن عطاء كان يفتي بخلاف هذا الأثر الذي يرويه وهذا مما يوهن الأثر.
فالراجح والله أعلم مذهب الحنابلة وهو القول الأول.
- قال رحمه الله:
- ولا يسقط بهلاكه: شيء من دينه.
هذا قول مفرع على المسألة السابقة.
فإذا اعتمدنا أن المرتهن لا يضمن فغنه لا يسقط من دينه شيء ولو تلف الرهن ويكون كله من ضمان الراهن.
ودليل ذلك:
- أن الدين ما زال باقياً في ذمة الراهن ولو تلفت العين المرهونة.
فإذاً لا يسقط منه شيء مطلقاً وإنما يبقى كما هو ويرجع يطالب الراهن بدينه مرة أخرى.
وهذا معنى: (لا يسقط بهلاكه شيء من دينه) وهو كما قلت مفرع على المسألة السابقة.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن تلف بعضه: فباقيه رهن بجميع الدين.
(وإن تلف بعضه) يعني: وإن تلف بعض الرهن فباقيه رهن بالدين.
وهذا بلا نزاع وهو معلوم لأنه إذا كانت العين كاملة رهناً فإذا تلف بعضها فبقاء ما بقي منها في حكم الرهن من باب أولى.
فإذا رهنه قطيع شياة يتكون من خمسين رأس من الغنم ومات نصف هذا القطيع فالباقي يبقى أو يرجع ينفك عنه الرهن؟ يبقى.
وهذا لا إشكال فيه لكن أراد المؤلف رحمه الله أن يبين الحكم.
- قال رحمه الله:
- ولا ينفك بعضه مع بقاء بعض الدين.
المقصود من هذه العبارة أنه إذا قام المدين بسداد بعض الدين الذي فيه رهن فإنه لا يفنك من الرهن بقدر ما قضى من الدين بل يبقى جميع الرهن كما هو رهناً على باقي الدين.
واستدلوا على هذا:
- بأنه جميع أجزاء الرهن مرتبطة بالدين حتى ينقضي كله فسداد بعض الدين لا يسبب انفكاك بعض أجزاء الرهن لأن جميع الأجزاء مرتبطة.
وهذا عكس ما يفهمه بعض الناس أنه كلما قضى شيئاً من الدين انفك بعض الرهن بل الحكم كما سمعت.
- قال رحمه الله:
- وتجوز الزيادة فيه دون دينه.
(تجوز الزيادة فيه) يعني: في الرهن.
فإذا افترضنا أن زيداً اقترض من عمرو خمسين ألفاً ووضع عنده سيارة رهناً ثم أتى بسيارة أخرى لتكون مع الرهن الأول فأصبح الرهن يتكون من سيارتين وقد كان سيارة واحدة.
فهذا زيادة في الرهن أو في الدين؟ هذا زيادة في الرهن.
وهو صحيح بالإجماع: لأن الحكمة التي من أجلها شرع الرهن تتأكد إذا زيد. ولذلك أجمعوا على هذا الحكم لوضوحه.
- ثم قال رحمه الله:
- وتجوز الزيادة فيه دون دينه.
لا لا تجوز الزيادة في دين الرهن ولو رضي الراهن والمرتهن.
صورة المسألة/ إذا اقترض زيد من عمرو ورهنه كتاباً. ثم أراد أن يقترض مائة ريال أخرى وقال: اجعل الرهن الأول رهناً للدين الأول والثاني.
فهذا زيادة في الدين أو في الرهن؟ زيادة في الدين مع بقاء الرهن بدون تغيير.
هذا لا يجوز: = عند الحنابلة. ويصبح الدين الثاني ديناً مرسلاً لا رهن فيه لأن الرهن الثاني باطل.
استدلوا على هذا الحكم:
- الدليل الأول: قالوا: إن الرهن مرتبط بكل جزء منه بالدين الأول. ولهذا فهو لا يتسع للدين الثاني.
ومعلوم أن الرهن إذا كان مرتبط بكل جزء من أجزائه فكيف تشغله بدين آخر.
= والقول الثاني: جواز زيادة الدين في الرهن الواحد إذا رضي المرتهن ورضي الراهن.
فلابد من رضا الكرتهن ورضا الراهن.
الدليل على هذا: استدلوا على هذا:
- بأنه إذا أمكن كل من الراهن والمرتهن أن يرفع العقد من أصله فكيف بالزيادة فيه.
الراهن والمرتهن ألا يستطيع أن يبطل الرهن من أصله فكيف بالزيادة فيه؟! نجوز لهما إبطال الرهن من أصله ولا نجوز لهما الزيادة فيه.
هذا نوع من التناقض.
ولذلك فالراجح هو القول الثاني.
واليوم الناس عملهم على هذا - أقصد عمل الناس لا الحكم الشرعي - لا سيما إذا كان الرهن يفي بالدين الأول وبالدين الثاني فحينئذ لا إشكال مطلقاً.
- قال رحمه الله:
- وإن رهن عند اثنين شيئاً فوفى أحدهما.
صورة المسألة/ إذا استدان من رجلين وجعل عندهما رهناً واحداً ثم قضى أحدهما دون الآخر انفك في نصيبه.
فإذا استدان عمرو من زيد وخالد ورهن زيد وخالد عيناً واحدة ثم قضى خالد انفك الرهن في نصيبه.
التعليل:
- أن العقد مع خالد والعقد مع زيد كل منهما يعتبر عقداً منفرداً فإذا قضى دينه انفك في نصيبه.
- قال رحمه الله:
- أو رهناه شيئاً فاستوفى من أحدهما: انفك في نصيبه.
صورة المسألة/ إذا استدان رجلان من شخص واحد ورهناه عيناً مشتركة بينهما. فإذا كان عمرو وزيد يملكان جميعاً سيارة واحدة واقترضا من خالد ورهناه هذه السيارة التي هي ملك لهما فإذا قضاه أحدهما انفك في نصيبه.
فإذا قضاه زيد ولم يقضه عمرو انفك في نصيبه أو قضاه عمرو ولم يقضه زيد انفك في نصيبه.
والتعليل هو ذات التعليل السابق:
- أنا ننزل الرهن كأنه عقدين منفصلين فينفك العقد الأول دون العقد الثاني.
- قال رحمه الله:
- ومتى حل الدين وامتنع من وفائه، فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو العدل في بيعه: باعه ووفى الدين.
إذا حل الدين وجب على المدين أن يقضي سواء وثق الدين برهن أو لم يوثق.
فإن أخر فهو آثم ومماطل وظالم فيجب عليه أن يبادر بسداد الدين.
فإن لم يسدد الدين فإن كان أذن للمرتهن ببيع العين فإن المرتهن يقوم ببيع العين مباشرة وسداد الدين بثمنها.
والمؤلف رحمه الله يريد بهذه العبارة أن المرتهن لا يحتاج إلى تجديد إذن آخر بل الإذن الأول في البيع عند حلول الأجل وعد السداد كافي في البيع حينئذ فيقوم المرتهن بالبيع مباشرة.
تعليل هذا الحكم:
- أن هذا هو المقصود من الرهن وهو استيفاء الدين.
ونحن نقول أن هذا الحكم إنما هو فيما إذا لم يسدد المدين الدين الذي عليه بعد حلول الأجل فحينئذ يقوم المرتهن بالبيع ويسدد.
هذا إذا كان الراهن أذن للمرتهن بالبيع بأن قال له إذا حل الأجل ولم أسدد فبع العين التي هي مرهونة وخذ دينك منها حينئذ يبيع مباشرة.
- قال رحمه الله:
- وإلاّ أجبره الحاكم على وفائه أو بيع الرهن.
هو في الحقيقة من حيث النضيد وصف الجمل كان ينبغي أن تكون عبارة: (أو بيع الرهن) في نفس السطر الذي فيه: (وإلا أجبره الحكم).
فالمعنى: (إلا أجبره الحاكم على وفائه أو بيع الرهن).
إذا لم يأذن الراهن للمرتهن ببيع الرهن فإنه لا يجوز للمرتهن أن يبيع الدين ولو لم يف ولو لم يقض المدين الدين.
لكن حينئذ يجب على الحاكم إما أن يتولى إجبار المدين على السداد أو إجباره على بيع العين.
تعليل هذا:
- أن الحاكم منوط به إرجاع حقوق الناس إليهم وهنا تعلقت الحقوق وبقيت بلا سداد فوجب عليه أن يقوم بواجبه وهو سداد أو إيفاء الحقوق إلى أصحابها.
هذا هو التعليل.
- ثم قال رحمه الله:
- فإن لم يفعل: باعه الحاكم ووفى دينه.
فإن لم يفعل أي لم يسدد الدين ولم يبع العين المرهونة قام الحاكم ببيع العين وسداد الدائن دينه.
تعليل هذا:
- أن هذا الحق وجب على المدين ولم يقم وكل حق لم يقم به صاحبه قام به الحاكم يعني: من الحقوق الواجبة التي تتعلق بالأموال.
وهذه قاعدة: كل حق واجب وواجب مالي امتنع صاحبه عن القيام به وجب على الحاكم أن يقوم به.
أما الحقوق غير المالية فهذه لها أحكام أخرى.
فبر الوالدين: واجب. لكنه ليس من الواجبات المالية فلا يقوم الحاكم مقام العاق في بر الوالدين. لكن إما أن يعزره .. المهم بحث آخر والذي يعنينا الآن الحقوق المالية.
وبهذا انتهى الفصل الأول من باب الرهن وننتقل إلى الفصل الثاني.
فصل
[فيمن يكون الرهن عنده]
- قال رحمه الله:
- ويكون عند من اتفقا عليه.
إذا اتفق كل من الراهن والمرتهن على دفع العين إلى رجل عدل: جاز. وصار هذا الرجل العدل وكيلاً عن المرتهن أو الراهن؟
سؤال يبين جواب هذه: العين عند الحنابلة يجب أن تكون عند من؟
عند: المرتهن فالذي يقبضها هو وكيل المرتهن أو الراهن؟ وكيل المرتهن وليس وكيلاً عن الراهن. الراهن مالك فلا أحد وكيلاً عنه.
لكن هون وكيل عن المرتهن لأن الحنابلة يفتضون أن العين يجب أن تكون عند المرتهن فالعدل هو في الحقيقة وكيل عن المرتهن.
فإذا ارتضى الراهن والمرتهن أن تكون بيد شخص آخر طرف ثالث عدل جاز ولا حرج لأنه يجوز للإنسان أن يوكل غيره في القبض فيجوز للمرتهن أن يوكل غيره في قبض العين المرهونة.
= القول الثاني: أنه يجب أن تكون عند المرتهن ولا يجوز أن تدفع لشخص ثالث.
- لقوله تعالى: (فرهان مقبوضة).
والراجح القول الأول بلا تردد وليست هذه المسألة كمسألة أنه يلزم بالقبض وأنه يجب أن يكون القبض عن المرتهن بل هنا رجحان المسألة بين وواضح لأن باب الوكالة مشروع وإذا وكل المرتهن شخصاً آخر رضي به الراهن فأي حرج بهذه المسألة.
- قال رحمه الله:
- وإن أذن له في البيع: لم يبع إلاّ بنقد البلد.
يعني: وإن أذنا للعدل بالبيع باع.
فهم من عبارة المؤلف رحمه الله أن العدل لا يجوز له أن يبيع إلا بإذن الراهن والمرتهن.
فإن باع بدون إذنهما لا سيما الراهن فالبيع باطل. لأنه لم يخول بالبيع فتصرفه فضولي باطل.
ولا نقول هذا التصرف الفضولي يصح إذا أذن المرتهن أو الراهن. لماذا؟ لأنا نفترض المسألة إذا لم يأذن الراهن ولا المرتهن.
- ثم قال رحمه الله:
- لم يبع إلا بنقد البلد.
إذا أذن للعدل فإنه لا يجوز له أن يبيع إلا بنقد البلد خاصة دون نقد غيره من البلاد.
علل الحنابلة هذا: - بأن الحظ الأوفر للدائن يكون بذلك. أي: بأن يبيع بنقد البلد.
فإن كان في البلد أكثر من جنس تتداول جميعاً في وقت واحد. فجيب أن يبيع بجنس الدين.
وإن كان جنس الدين لا يوجد في البلد فيجب أن يبيع بالأصلح.
هكذا قرر العلماء هذا الحكم وأنه يجب أن يبيع بنقد البلد.
وعللوا ذلك: - بأنه أنفع وأحظ للمدين تبعاً لذلك للدائن.
أقول أنا: أن تعليل الحنابلة وغيرهم من الفهاء بأن هذا الحكم إنما وجب لأنه أحظ ينبغي أن ينبني على هذا أن نقول: إذا كان غير نقد البلد أحظ فلا بأس أن يبيع به.
وهذا لم يقل به الحنابلة كأنهم يفترضون دائماً أن نقد البلد أحظ للدائن والمدين ولكن اليوم قد يكون نقد غير البلد في بعض الأوقات أحظ للدائن والمدين.
وانطلاقاً من تعليل الفقهاء له أن يبيع بغير نقد البلد وليس للراهن أن يعترض ولا للمرتهن أن يعترض على هذا العدل إذا باع. فإذا افترضنا أنه إذا باع البيت بالريال السعودي كانت قيمة البيت: مائة ألف.
وإذا باع بالدولار: ثم قام ببيع الدولار بعد ذلك: صارت قيمة البيت: مائة وخمسين ألفا.
فالأحظ الآن بنقد البلد أو بغير نقد البلد؟ بغير نقد البلد.
فانطلاقاً من تعليلهم نقول لك أن تبيع بغير نقد البلد إذا استوثقت أن غير نقد البلد أصلح.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن قبض الثمن فتلف في يده: فمن ضمان الراهن.
إذا قبض هذا العدل الثمن ثم تلف في يده من غير تعد ولا تفريط فهو من ضمان الراهن.
لماذا؟ - قالوا: لأن هذه العين الملك للراهن ولا علاقة للمرتهن بها مطلقاً والضمان دائماً تبع للملك.
واستدلوا أيضاً: - بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وعليه غرمه).
= القول الثاني: أنه إذا تلف أي الثمن في يد العدل فهو من ضمان المرتهن.
واستدلوا على هذا:
- أن البيع إنما تم لمصلحة المرتهن فالبيع إنما هو لسداد الدين الذي هو للمرتهن.
لذلك نقول الضمان عليك أيها المرتهن.
ما تقولون في هذا القول؟
في الشرع الضمان لازم للوكالة: هل هناك علاقو بين الوكالة والضمان؟ ليس هناك أي علاقة بين الضمان والوكالة إنما العلاقة بين الملك والضمان.
أنا أقول: أن هذا القول غاية في السقوط من وجهة نظري والضعف.
لماذا؟ - كيف نلزم المرتهن بضمان قيمة المبيع ولا علاقة له بالأمر مطلقاً ولم يتعد ولم يفرط العدل.
نعم المرتهن أذن للعدل أن يبيع لكن مع ذلك أذن له الراهن.
ثم هذه العين المرهونة ملك للراهن. أي علاقة بين المرتهن وبين الضمان في مثل هذه الصورة.
فهو قول بعيد جداً لهذه الأسباب التي ذكرت لك.
ولذلك نقول: مذهب الجماهير من فقهاء المسلمين أن الضمان على الراهن هو القول الصحيح والمتوافق إن شاء الله مع العدل.
- قال رحمه الله:
- وإن ادعى دفع الثمن إلى المرتهن فأنكره ولا بينة، ولم يكن بحضور الراهن: ضمن كوكيل.
إذا ادعى أنه سلم المال إلى المرتهن يعني: قيمة العين المبيعة وهي الرهن ولكن بلا شروط ولا قرائن تدل على صدق قوله وأنكر المرتهن فهو من ضمانه يعني: فهو من ضمان المرتهن ولا العدل؟ الآن عدل باع السلعة وقبض الثمن وادعى أنه أقبض المرتهن لكن لم يشهد ولا توجد بينة تدل على أنه أقبض المرتهن والمرتهن أنكر فالضمان على العدل. لماذا؟
- لأنه فرط في حفظ حقه.
- ولأن الأصل أن القول قول المنكر.
فالقول هنا قول المرتهن لأن هذا العدل مفرط.
يقول رحمه الله هنا: (كوكيل). يعني: وهذا الحكم نفسه في الوكيل. فإذا سلم الوكيل الدين إلى الدائن ولم يشهد ولا توجد دلائل ولا قرائن تدل على صدقه فهو الضامن.
فإذا أعطى زيد عمرو مال وقال: وكلتك أن تؤدي هذا المال إلى خالد الذي هو الدائن وأقبضه بلا إشهاد ولا بينة ثم أنكر خالد وهو الدائن فالضمان هنا على من؟
على الموكل. يعني: على الوكيل.
لماذا؟ - لأنه فرط ولم يستوثق في التسليم.
وهذا صحيح وهذا قد يقع كثيراً. على الأقل الدائن قد ينسى أنه أخذ القرض نسياناً لا إنكاراً للحق فحينئذ نقول: يجب أن تقوم بسداد الدين يعني: الموكل والعدل لأنك فرطت في حفظ حقك.
- قال رحمه الله:
- وإن شرط أن لا يبيعه إذا حلّ الدين، أو إن جاءه بحقه في وقت كذا وإلاّ فالرهن له: لم يصح الشرط وحده.
ـ وإن شرط أن لا يبيعه إذا حل الدين: فالشرط باطل والرهن صحيح.
الشرط باطل: لماذا؟ - لأنه ينافي مقتضى العقد والغرض الذي من أجله شرع فإن الغرض من الرهن سداد الدين فإذا شرط أن يسدد الدين منه صار الشرط باطلاً والعقد صحيحاً. هذه الصورة الأولى.
- ثم قال رحمه الله:
- أو إن جاءه بحقه وقت كذا وإلا فالرهن له.
فالشرط باطل والعقد صحيح. يعني: عقد الرهن.
صورة المسألة: قال له: إن سددت لك الدين في يوم كذا وكذا وإلا فالرهن لك.
هذه الصورة الشرط باطل والعقد صحيح. ونقوم بييع الرهن وسداد الدين ولا يملك المرتهن هذا الرهن؟
لماذا؟ - قال الحنابلة: لأن الإمام أحمد فسر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يغلق الرهن من صاحبه) بهذه الصورة. بأن يقول إنسان للدائن: إن قضيتك وإلا فالرهن لك.
فهذال دليل بطلان الشرط.
وأما دليل صحة العقد:
- فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل الشرط بقوله: (لا يغلق الرهن من صاحبه) ولم يبطل الرهن. لأنه قال: (له غنمه وعليه غرمه). فأبقى العقد صحيحاً وأبطل الشرط.
فنحن كذلك نبطل الشرط ونبقي العقد.
= القول الثاني: أن هذه الصورة صحيحة ومشروعة ونافذة وتصبح العين ملكاً للمرتهن بمجرد حلول الأجل.
قال أصحاب هذا القول: والإمام أحمد رحمه الله نفسه عمل هذه المعاملة فإنه وضع رهناً وقال لصاحب الدكان: إن جئتك وإلا فهي لك
…
((الأذان)).
فالقول الثاني صحة هذا العقد وأن الإمام أحمد رحمه الله عمل به.
واستدلوا على هذا:
- بأن الأصل في المعاملات الحل.
- وبأن هذا الشرط لا ينافي مقتضى الرهن بل يحقق مقتضى الرهن.
وأجابوا عن الحديث: بأن حملوا الحديث على ما إذا لم يشترط أما إذا اشترط فلا بأس فحملوا الحديث على هذا المعنى.
وهذا القول الثاني هو الصواب إن شاء الله ولا ضرر على الراهن لأن الراهن إذا رأى أن قيمة الرهن تفوق قيمة الدين فسيبادر بأخذ الرهن وبيعه وسداد الدائن أو أن يسدد الدائن من ماله ويأخذ العين التي هي مرهونة لأن ثمنها أكبر من ثمن الدين.
- ثم قال رحمه الله:
- ويقبل قول راهن: في قدر الدين والرهن ورده.
يقبل قول الرهن في قول الدين. أي: الذي ارتبط به الرهن.
فإذا قال الراهن: أعطيتك هذا الرهن بألف ريال وقال المرتهن بل أعطيتني هذا الرهن بألفي ريال فالقول قول من؟ الراهن. فيكون الرهن مرتبط بالألف فقط.
لماذا؟ - لأن الراهن منكر للزيادة فالأصل عدم ارتباطه بالرهن.
لأن الأصل عدم الرهن أو وجود الرهن؟ عدم الرهن.
فإذا كان الأصل عدمه فالأصل أيضاً عدمه فيما لم يقر به الراهن.
= والقول الثاني في هذه المسألة: أن القول قول المرتهن بشرط أن لا يدعي ديناً أكثر من قيمة الرهن.
واستدلوا على هذا:
- بأن الرهن إنما يقصد منه الاستيثاق من الدين وأن يقوم مقام الشهود والكتابة.
ولهذا يجب أن يؤدي الغرض منه بشمول جميع الدين. لأنهم في هذه الصورة لم يختلفوا في الدين وإنما اختلفوا في القدر الذي ربط بالرهن من الدين.
وفي الحقيقة يبدو لي رجحان القول الأول: لأن معهم أصلاً قوياً وهو أن الأصل عدم وقوع الرهن وعدم ارتباطه بهذا الدين.
وينبني على المسألة ثمرة كبيرة فإذا صار مرتبطاً بالدين الفلاني وبدين آخر مختلف فيه: فعند الحنابلة إذا سدد الدين الأول انفك الرهن. وعلى القول الثاني: لا ينفك الرهن حتى يسدد جميع الدين.
فيترتب على هذا الخلاف بقاء أو انفكاك الرهن.
- ثم قال رحمه الله:
- والرهن.
يعني: إذا اختلفوا في العين المرهونة فقال المرتهن رهنتني هذا البيت بل رهنتط هذه السيارة فقالول قول من؟ الراهن.
- لأن الأصل عدم الرهن.
فنقر ما يقره الراهن فقط.
وهذا صحيح. لأن جانب الراهن في هذه المسألة قوي ويستثنى من هذا إذا دلت القرائن والملابسات أنه لا يمكن أن يكون قول الراهن صحيح.
مثال ذلك/ أن يكون الدين يبلغ مليون ريال فيقول الراهن رهنتك هذا الكتاب ويقول المرتهن بل رهنتني هذا البيت. هل يمكن أن يقبل المرتهن بكتاب مقابل مليون ريال؟
هذه صورة واضحة وعلى القاضي إذا حصل خلاف أن يراعي الملابسات وما يحتف به من قرائن.
- قال رحمه الله:
- ورده.
ويقبل قول الراهن في الرد.
فإذا قال الراهن لم ترد إلي الرهن وقال المرتهن بل رددت الرهن إليك فالقول قول من؟ قول الراهن.
- لأن الأصل عدم الرد.
فنلزم المرتهن بأن يأتي بالعين محل الرهن إذا أنكر الراهن أنه قبلها وقبضها.
وبهذه المسأل نختم درس اليوم
…
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ....
الدرس: (24) من البيع
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- قال رحمه الله:
- وكونه عصيراً لا خمراً.
يعني: ويقبل قول الراهن في كونه عصيراً لا خمراً.
والمقصود بهذه المسألة: إذا اشترط الدائن رهناً معيناً وهو العصير فقال أقرضك على أن ترهنني هذا العصير ثم لما قبض المرتهن العصير رجع إلى الراهن وقال: العصير خمر وليس بعصير.
فالقول في هذه المسألة: فول الراهن.
وعلل الحنابلة بذلك:
- بأنه ينبني على قول المرتهن فساد العقد وينبني على قول الراهن صحة العقد والأصل في العقود الشرعية الصحة ولذلك غلبنا قول من قوله يصحح العقد. وهو في هذه الصورة من؟ الراهن.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن أقر أنه ملك غيره .... : قبل على نفسه.
إذا أقر الراهن أن هذه العين المرهونة هي في الواقع ملك لغيره. لغير من؟ لغير الراهن.
كأن يزعم أنه باعها أو وهبها أو أهداها فهو الآن أقر بأن العين ليست ملكاً له.
فالحكم:
= عند الحنابلة: أنه يقبل قوله في حق نفسه لا في حق المرتهن.
فنقول هذه العين أصبحت من أملاك المقر له هذا بالنسبة للراهنلكن لا يقبل إقراره في حق المرتهن وينبني على عدم القبول أن تبقى العين رهناً ثم إذا انفك الرهن رجع إلى الراهن أو إلى المقر له؟ رجعت العين إلى المقر له.
إذاً هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (قبل على نفسه دون المرتهن). أي: أنه تصبح العين ملك للمقر له ولكن يتبقى رهناً في يد المرتهن إلى أن يسدد القرض وينفك الرهن.
* * مسألة/ تفرض نفسها: وهي ما إذا لم يسدد ثم باع المرتهن الرهن فما الحكم؟ الحكم: أنه يلزم الراهن أن يعطي المقر له قيمة هذه العين.
ولاشك أنك تلحظ الآن أن الشارع الحكيم قوى جانب المرتهن وهذا من أسرار وحكم التشريع.
لأن المقصود من الرهن هو توثيق حق الدائن وكل ما يتعارض مع هذا القصد فهو ملغي.
وانظر كيف مكن الشارع - إذا كان هذا القول هو الراجح - كيف مكن الشارع المرتهن أن يبيع العين التي نحكم شرعاً أنها لغير الراهن.
لكن مع ذلك مكنه من البيع كل ذلك لزيادة استيثاق الدائن بحقه - أي ليتمكن من الحصول على حقه.
- ثم قال رحمه الله:
- أو أنه جنى.
يعني: وإذا أقر الراهن أن العبد المرهون جنى قبل على نفسه دون المرتهن.
والعبد إذا جنى فإن الجناية تتعلق برقبته عند الفقهاء.
ومعنى أنها تتعلق برقبته: أنه لابد أن يدفع هو للمجني عليه أو تدفع قيمته للمجني عليه.
إذاً: تعلقت الجناية برقبة العبد.
فإذا أقر الراهن أن هذا العبد المرهون جنى قبل في حق نفسه دون حق المرتهن كما تقدم في المسألة السابقة تماماً.
فنقول: يبقى العبد تحت الرهن فإذا انفك الرهن سلم العبد لمن؟ للمجني عليه. كما قلنا في المسألة السابقة تماماً.
= القول الثاني: في مسألة العبد: أن إقرار الراهن يقبل عليه وعلى المرتهن. ويدفع العبد مباشرة لصاحب الجناية.
واستدلوا على هذا:
- بأن إقرار الراهن الآن لا يتضمن محاولة الاحتيال. لأنه أقر بما يخرج العبد عن ملكه. فنقبل هذا الإقرار مطلقاً.
والقول الراجح القول الأول. أنه كذلك في هذه الصورة تبقى عيناً مرهونة لاستيفاء المرتهن دينه منها.
- قوله رحمه الله:
- وحكم بإقراره بعد فكه.
يعني: بمسألة الإقرار بانتقال الملك وفي مسألة الإقرار بجناية العبد.
- ثم قال رحمه الله:
- إلاّ أن يصدقه المرتهن.
إذا صدقه المرتهن صح إقراره في حق نفسه وفي حق المرتهن وانفك الرهن وسلمت العين لصاحبها الذي أقرت له به.
وتعليل ذلك:
- أن المرتهن اعترف بما يبطل الرهن فينفك بسبب اعتراف المرتهن.
فصل
[الانتفاع بالرهن وما يتعلق بذلك]
- قال رحمه الله:
- (فصل) وللمرتهن أن يركب ما يركب ويحلب ما يحلب: بقدر نفقته بلا إذن.
= الحنابلة يرون: أن ما يركب ويحلب ينتفع منه ركوباًَ وحلباً لكن بقدر النفقة.
ولتوضيح المسألة نقول/ الرهن ينقسم إلى قسمين:
ـ حيوان.
ـ وغيره.
والحويان ينقسم إلى قسمين: مركوب. أو محلوب. وغيره.
ولا يمكن أن يخرج الرهن عن هذه القسمة.
هل يمكن أن يخرج؟ هل يوجد قسم غير هذه الأقسام؟ لا يوجد.
لأنا نقول حيوان أو غيره وغيره هذه شملت كل شيء.
نبدأ بالقسم الأول:
ـ الحيوان المركوب المحلوب وهو مسألتنا التي ذكرها المؤلف رحمه الله:
فهذه المسألة: = ذهب الحنابلة فيها إلى أنه له أن يركب ويحلب بالنفقة.
ومعنى: بالنفقة: أي بمقدار النفقة.
فإذا أخذنا الركوب مثلاً: فنقول: إذا أنفقت فلتركب بما يساوي أجرته مائة.
فإن زادت النفقة على الركوب رجع المرتهن على الراهن.
وإن زاد الركوب على النفقة رجع الراهن على المرتهن.
هذا معنى قول الحنابلة: (بنفقته).
وهذه المسألة من المفردات انفرد بها الحنابلة عن مذهب الأئمة الثلاثة.
استدل الحنابلة:
- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرهن يركب بنفقته ويشرب بنفقته) وعلى الذي يركب ويشرب النفقة.
وهذا الحديث صحيح ثابت.
والإمام أحمد رحمه الله أخذ بهذا الحديث الثابت واستدل به كما هو شأنه رحمه الله الاستدلال بالأحاديث الصحيحة ولو خالف الجمهور.
= القول الثاني: للجماهير. أنه لا يجوز أن ينتفع بالرهن مطلقاً ولو أنفق.
واستدلوا على هذا بدليلين:
- الأول: أن الرهن ملك للراهن فلا نمكن المرتهن من الانتفاع بملك غيره.
واستدلوا:
- بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (له غنمه وعليه غرمه). والمقصود بالحديث: الرهن.
والجواب على هذا الحديث: أن هذا الحديث وهذا التعليل صحيح ونحن نوافق عليه لكنه عام ودليلنا خاص والخاص دائماً مقدم العام.
فهذه أدلة صحيحة إلا في هذه المسألة التي فيها نص صريح ظاهر معناه لا إشكال فيه.
ولهذا نحن نقول أجاد الحنابلة في هذه المسألة ووفقوا إلى اتباع النص الصحيح إن شاء الله وقولهم هو الراجح.
ـ القسم الثاني: الحيوان الذي لا يركب ولا يحلب. مثل: الغزال.
- الحنابلة مثلوا بالعبد والأمة لأن الإنسان عند الفقهاء هو حيوان ناطق فلا يجوز أن تقول للإنسان حيوان مطلقاً لكن يجوز أن تقول حيوان ناطق.
فإن قلت حيوان مطلقاً وجب عليك تعزير وإن قلت حيوان ناطق فلا شيء عليك لأن كلامك صحيح.
لكن يوجد هناك مثال ظهر لي: وهو: ذكر الماعز. يركب؟ لا. يحلب؟ لا. يؤكل؟ هذا لا يعنينا وكما قلت ربما يمثل بالغزال.
فهذا القسم: = عند الحنابلة: ( .... غير واضح) لا ينتفع منه مطلقاً.
والأدلة التي استدل بها على أنه لا ينتفع به مطلقاً هي الأدلة السابقة التي استدل بها أصحاب القول الثاني.
ـ القسم الأخير: ما عدا الحيوان مما ليس له مؤونة كالبيوت والأراضي والسيارات ونحوها. فهذه أيضاً لا يجوز للمرتهن أن ينتفع منها بأي شيء.
وأيضاً: الدليل على ذلك: الأدلة السابقة.
من الخلاف السابق يتضح لنا أن الحنابلة يخصصون الحكم فقط بما يركب ويحلب فقط خاص جداً.
أي عين لا تركب ولا تحلب فإن الحكم لا يتناولها - صرحوا بهذا أنه حكم خاص بهذه الأعيان التي تركب أو تحلب.
ويظهر لي أنا والله أعلم بعد تأمل هذه المسألة وتأمل النص الوارد فيها أن الحكم ينبغي أن يربط بالنفقة فكل ما تنفق عليه يجوز لك أن تنتفع به وكل ما لا تنفق عليه لا يجوز أن تنتفع به.
هذا ما يظهر لي تأمل النص لأن النص علل بالنفقة.
فلو قيل بهذا القول فهو في الحقيقة متوجه جداً وأما ذكر الركوب والحلب في الحديث فلأنها غالب الانتفاعات في الهد النبوي. ولأن ما عداها غالباً لا يحتاج إلى نفقة. لكن إذا تصورنا أن هناك عين مرهونة تحتاج إلى نفقو فإنه للمرتهن إذا أنفق أن ينتفع وهذا يتوافق مع تعليل النص.
- ثم قال رحمه الله:
- بلا إذن.
يعني: أن هذا الحكم السابق وهو انتفاع المرتهن بالرهن المركوب والمحلوب يجوز بلا إذن ومقصودهم بلا إذن أي سواء تمكن المرتهن من أخذ الإذن من الراهن أو لم يتمكن.
وسواء تمكن من أخذ النفقة أو لم يتمكن.
وسواء بذل الراهن النفقة أو لم يبذل النفقة.
في جميع الصور للمرتهن أن ينتفع من الرهن الذي يركب ويحلب بعد أن يدفع نفقته فهذا هون معنى قول المؤلف رحمه الله: (بلا إذن).
- قال رحمه الله:
- وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه: لم يرجع.
إذا أنفق المرتهن على الراهن بغير إذن الراهن فإنه لا يرجع. ويكون من المتبرعين.
والمسألة تنقسم إلى أقسام:
ـ القسم الأول: أن ينفق بنية الرجوع مع استئذان الراهن. فهذا لا إشكال أنه يرجع.
ـ القسم الثاني: أن ينفق بغير نية الرجوع يعني: بنية التبرع. فهذا لا إشكال أنه لا يرجع.
ـ القسم الثالث: وهو مسألتنا التي ذكرها المؤلف رحمه الله:أن يتوي الرجوع ولكن لا يستأذن.
= فالحنابلة يرون أنه في هذه الصورة الثالثة أنه لا يرجع على الراهن بما أنفق.
- لأنه لم يستأذن وهو بذلك فرط وإذا فرط فهو يتحمل تبعت هذا التفريط. وكا ينبغي عليه أن يستأذن قبل أن ينفق على هذه العين المرهونة.
= القول الثاني: في هذه المسألة/ أن له أن يرجع إذا نوى الرجوع ولو لم يستأذن من الراهن إذا لم يمكنه الاستئذان. وكذلك إذا أمكنه. مطلقاً. بخلاف قول المؤلف رحمه الله إذا لم يمكنه.
واستدل أصحاب هذا القول:
- بأن الله تعالى أمر بإيتاء المرضعة أجرها ولم يشترط إذن المرتضع يعني: والد الطفل. بل أمر تعالى بأنه إذا حصل الرضاع حصلت الأجرة ولم يتطرق لقضية الإذن.
…
هذا من الكتاب.
واستدلوا من الأثر:
- بأن جماعة من التجار في عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه اشتروا جماعة من الأسارى فأمر أمير المؤمنين بأن يفك الأسارى وأن يعطى التجار حقوقهم وأموالهم.
ففي هذه الصورة لم يستأذن التجار ومع ذلك رد أمير المؤمنين إليهم ما أنفقوه.
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام وابن القيم وقعدوا لهذه المسائل جميعاً قاعدة واحدة وهي: (أن كل من أدى عن غيره واجباً جاز له الرجوع).ىفهي قاعدة مريحة لطالب العلم.
والنفقة هنا واجبة لأنه يجب أن يحافظ على حياة المنفق عليه. وكذلك افتكاك الأسير واجب على المسلم - واجب وجوباً متحتماً.
فإذا فك أسيراً فإنه له أن يرجع على الأسير بما افتكه به لأنه أدى عن غيره واجباً. قاعدة.
المهم أن كل كل من أدى عن غيره واجباً فله أن يرجع عليه به.
المؤلف رحمه الله يقول: (بغير إذن الراهن مع إمكانه). ومفهوم هذه العبارة: وهي: (مع إمكانه) صرح به في العبارة الثانية:
- بقوله رحمه الله:
- وإن تعذر: رجع ولو لم يستأذن الحاكم.
(وإن تعذر) يعني وإن لم يمكن أن يستأذن (رجع ولو لم يستأذن الحاكم).
إذا لم يمكن للمرتهن أن يسأذن من الراهن فحينئذ له أن يرجع على الراهن عند الحنابلة أيضاً: لأنه لم يتمكن من الرجوع.
وله أن يرجع (ولو لم يستأذن الحاكم): لأنه عمل عملاً فيه إرفاق بالراهن فليس من العدل منعه من النفقة.
وأما إذا لم يتمكن من استئذان الراهن ولكنه استأذن الحاكم فله الرجوع بالإجماع.
إذاً: الخلاف فيما إذا لم يستأذن الحاكم.
- قال رحمه الله:
- وكذا وديعة ودواب مستأجرة هرب ربها.
يعني: وكذا إذا أنفق على وديعة أو على دواب مستأجرة هرب ربها فله الرجوع.
- لأنه إذا هرب ربها فلن يتمكن من الاستئذان. فله أن يرجع بما أنفق كالمسألة السابقة تماماً.
فإن استأذن من الحاكم رجع بالإجماع وإن لم يستأذن رجع عند الحنابلة وهو القول الصحيح.
- قال رحمه الله:
- ولو خرب الرهن فعمره بلا إذن: رجع بآلته فقط.
معنى كلام المؤلف رحمه الله: أن المرتهن إذا قام بإلاح الرهن وعمارة الرهن بلا إذن فإنه لا يرجع على الراهن مطلقاً. وهذا رواية واحدة عن الإمام أحمد لم يختلفوا عنه في هذا الحكم.
لماذا؟ - لأن عمارة الرهن من جهة لا تجب على الراهن ومن جهة أخرى ليست من النفقات الواجبة لأن الرهن لو بقي بلا عمارة لن يهلك كما في الحيوانات.
ونحن نقول أن الإنسان يتحمل عن غيره ما أداه إذا كان واجباً وهنا هذا ليس من الواجبات.
ولذلك نقول: ليس له أن يرجع على الراهن بقيمة عمارة الرهن لأن هذا العمل ليس بواجب على الرهن.
= والقول الثاني: أن له الرجوع مطلقاً.
- لأن عمارة الرهن من مصالح الرهن ومما يزيد من الإستيثاق من أداء الدين. ب
= والقول الثالث: أنه يرجع إذا كان ترك الرهن بلا عمارة ينقص ماليته عن وفاء الدين.