الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْجَامِعِ لِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ]
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253] الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 253] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَوْحَيْنَا الَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 163] .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي " تَفْسِيرِهِ " وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْرَاهِيمَ بْنِ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ الشَّامِيِّ - وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ - حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الْأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ:" مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَمِ الرُّسُلُ مِنْهُمْ؟ قَالَ: " ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جَمٌّ غَفِيرٌ ". قُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ كَانَ أَوَّلُهُمْ؟ قَالَ: " آدَمُ " قَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَبِيٌّ مُرْسَلٌ قَالَ: " نَعَمْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، ثُمَّ سَوَّاهُ قَبْلًا " ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرْبَعَةٌ سُرْيَانِيُّونَ: آدَمُ وَشِيثٌ وَنُوحٌ وَخَنُوخُ وَهُوَ إِدْرِيسُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ، وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ هُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَنَبِيُّكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، وَأَوَّلُ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى، وَآخِرُهُمْ عِيسَى، وَأَوَّلُ النَّبِيِّينَ آدَمُ، وَآخِرُهُمْ نَبِيُّكَ» ". .
وَقَدْ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا مَعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَمِ الْأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا» . وَهَذَا أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ضَعِيفٌ فِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ مُعَانٌ وَشَيْخُهُ وَشَيْخُ شَيْخِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْهَرِيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ ابْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَعَثَ اللَّهُ ثَمَانِيَةَ آلَافِ نَبِيٍّ أَرْبَعَةَ آلَافٍ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْبَعَةَ آلَافٍ إِلَى سَائِرِ النَّاسِ» . مُوسَى وَشَيْخُهُ ضَعِيفَانِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَانَ فِيمَنْ خَلَا مِنْ إِخْوَانِي مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ثَمَانِيَةُ آلَافِ نَبِيٍّ، ثُمَّ كَانَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ كُنْتُ أَنَا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ ضَعِيفٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَارِقٍ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بُعِثْتُ عَلَى إِثْرِ ثَمَانِيَةِ آلَافِ نَبِيٍّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» . وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ لَكِنِّي لَا أَعْرِفُ حَالَ أَحْمَدَ بْنِ طَارِقٍ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي
بِخَطِّهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِي بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: هَلْ تُقِرُّ الْخَوَارِجُ بِالدَّجَّالِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. فَقَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ وَمَا بُعِثَ نَبِيٌّ يُتَّبَعُ إِلَّا وَحَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَإِنِّي قَدْ بُيِّنَ لِي مِنْ أَمْرِهِ مَا لَمْ يُبَيَّنْ لِأَحَدٍ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَعَيْنُهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ جَاحِظَةٌ لَا تَخْفَى، كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ، وَعَيْنُهُ الْيُسْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، مَعَهُ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ، وَمَعَهُ صُورَةُ الْجَنَّةِ خَضْرَاءُ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ، وَصُورَةُ النَّارِ سَوْدَاءُ تَدْخَنُ» . . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لِخَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ نَبِيٌّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ، وَإِنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ لِي فِيهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ.» وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذِكْرِ عَدَدِ مَنْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَكِنَّ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ
«مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ» فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ «قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ بُنْدَارٍ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ فُرَاتٍ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ «721 كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي ; فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ،
عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «، وَضَعَ رَجُلٌ يَدَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُطِيقُ أَنْ أَضَعَ يَدِي عَلَيْكَ مِنْ شِدَّةِ حُمَّاكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلَاءُ كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ، إِنْ كَانَ النَّبِيُّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُبْتَلَى بِالْقَمْلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى يَأْخُذَ الْعَبَاءَةَ فَيُحَوِّيَهَا، وَإِنْ كَانُوا لَيَفْرَحُونَ بِالْبَلَاءِ كَمَا تَفْرَحُونَ بِالرَّخَاءِ» . هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ دُحَيْمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسْبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ
الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ «نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ، دِينُنَا وَاحِدٌ، وَأُمَّهَاتُنَا شَتَّى» وَالْمَعْنَى أَنَّ شَرَائِعَهُمْ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي الْفُرُوعِ، وَنَسَخَ بَعْضُهَا بَعْضًا حَتَّى انْتَهَى الْجَمِيعُ إِلَى مَا شَرَعَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فَإِنَّمَا دِينُهُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ التَّوْحِيدُ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] وَقَالَ تَعَالَى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [النحل: 36] الْآيَةَ [النَّحْلِ: 36] فَأَوْلَادُ الْعَلَّاتِ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ وَاحِدًا وَالْأُمَّهَاتُ مُتَفَرِّقَاتٌ فَالْأَبُ بِمَنْزِلَةِ الدِّينِ وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَالْأُمَّهَاتُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرَائِعِ فِي اخْتِلَافِ أَحْكَامِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى. وَقَالَ {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67] وَقَالَ {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148] عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِهَا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشَّرَائِعَ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ فِي أَوْقَاتِهَا إِلَّا أَنَّ الْجَمِيعَ آمِرَةٌ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ ابْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ - إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 130 - 132]
[الْبَقَرَةِ: 130 - 132] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: 44] الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: 44] فَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ وَالْإِحْسَانُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ عَمَلًا بَعْدَ أَنْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، إِلَّا عَلَى مَا شَرَعَهُ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] وَقَالَ تَعَالَى {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: 17] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» قِيلَ: أَرَادَ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ. وَقِيلَ: الْإِنْسَ وَالْجِنَّ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَصْبَحَ فِيكُمْ مُوسَى،
ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ» وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ إِخْوَةَ الْعَلَّاتِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، مَأْخُوذٌ مِنْ شُرْبِ الْعَلَلِ بَعْدَ النَّهَلِ، وَأَمَّا إِخْوَةُ الْأَخْيَافِ فَعَكْسُ هَذَا أَنْ تَكُونَ أُمُّهُمْ وَاحِدَةً مِنْ آبَاءٍ شَتَّى، وَإِخْوَةُ الْأَعْيَانِ فَهُمُ الْأَشِقَّاءُ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ» . وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ لَا يُورَثُونَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ الدُّنْيَا أَحْقَرُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُخَلَّفَةً عَنْهُمْ ; وَلِأَنَّ تَوَكُّلَهُمْ عَلَى اللَّهِ عز وجل فِي ذَرَارِيِّهِمْ، أَعْظَمُ وَأَشَدُّ وَآكَدُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجُوا مَعَهُ إِلَى أَنْ يَتْرُكُوا لِوَرَثَتِهِمْ - مِنْ بَعْدِهِمْ - مَالًا يَسْتَأْثِرُونَ بِهِ عَنِ النَّاسِ بَلْ يَكُونُ جَمِيعُ مَا تَرَكُوهُ صَدَقَةً لِفُقَرَاءِ النَّاسِ وَمَحَاوِيجِهِمْ وَذَوِي خَلَّتِهِمْ.
وَسَنَذْكُرُ جَمِيعَ مَا يَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام مَعَ خَصَائِصِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ كِتَابِ " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ " حَيْثُ ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ اقْتِدَاءً بِالْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ إِذْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ إِذْ نَادَى مُنَادِيهِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَنَا فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ وَيُحَذِّرُهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَتْ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَإِنَّ آخِرَهَا سَيُصِيبُهَا بَلَاءٌ شَدِيدٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، تَجِيءُ فِتَنٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا تَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ. ثُمَّ تَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ، ثُمَّ تَنْكَشِفُ. فَمَنْ سَرَّهُ مِنْكُمْ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَأَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتُدْرِكْهُ مَوْتَتُهُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ. وَمَنْ بَايَعَ
إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ. فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ. قَالَ فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي قَالَ: فَقُلْتُ هَذَا ابْنُ عَمِّكَ - يَعْنِي مُعَاوِيَةَ - يَأْمُرُنَا بِأَكْلِ أَمْوَالِنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَأَنْ نَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] قَالَ: فَجَمَعَ يَدَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ نَكَّسَ هُنَيَّةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عز وجل» . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ خَيْرًا لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ مَا يَعْلَمُهُ شَرًّا لَهُمْ.» وَذَكَرَ تَمَامَهُ بِنَحْوِهِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.