المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[صفة مولده الشريف عليه الصلاة والسلام] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[قِصَّةُ لُقْمَانَ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ]

- ‌[بَيَانُ الْإِذْنِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ جُرَيْجٍ أَحَدِ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ بَرْصِيصَا]

- ‌[قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا إِلَى الْغَارِ]

- ‌[خَبَرُ الثَّلَاثَةِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ]

- ‌[حَدِيثُ الَّذِي اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا]

- ‌[قِصَّةٌ أُخْرَى]

- ‌[قِصَّةُ الْمَلِكَيْنِ التَّائِبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ قِصَصِهِمْ]

- ‌[ذِكْرُ تَحْرِيفِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَبْدِيلِهِمْ أَدْيَانَهُمْ]

- ‌[كِتَابُ الْجَامِعِ لِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارِ الْعَرَبِ]

- ‌[نِسْبَةُ الْعَرَبِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهما السلام]

- ‌[قِصَّةُ سَبَأٍ]

- ‌[فَصْلٌ]

- ‌[قِصَّةُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ]

- ‌[قِصَّةُ تُبَّعٍ أَبِي كَرِبٍ]

- ‌[وُثُوبُ لَخْنِيعَةَ ذِي شَنَاتِرَ عَلَى مُلْكِ الْيَمَنِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ بِالْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمِ عَلَى أَرْيَاطَ وَاخْتِلَافِهِمَا]

- ‌[ذِكْرُ سَبَبِ قَصْدِ أَبْرَهَةَ بِالْفِيلِ مَكَّةَ لِيُخَرِّبَ الْكَعْبَةَ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ عَنِ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعِهِ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ]

- ‌[قِصَّةُ السَّاطِرُونَ صَاحِبِ الْحَضْرِ]

- ‌[خَبَرُ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَمَا كَانَ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى زَمَانِ الْبَعْثَةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْعَرَبِ بَعْدَ وَفَاةِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ خُزَاعَةَ وَعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَعِبَادَةِ الْعَرَبِ لِلْأَصْنَامِ]

- ‌[خَبَرُ عَدْنَانَ جَدِّ عَرَبِ الْحِجَازِ]

- ‌[ذِكْرُ أُصُولِ أَنْسَابِ عَرَبِ الْحِجَازِ إِلَى عَدْنَانَ]

- ‌[الْكَلَامُ عَلَى قُرَيْشٍ نَسَبًا وَاشْتِقَاقًا وَفَضْلًا]

- ‌[خَبَرُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ]

- ‌[ذِكْرُ جُمَلٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ كَانُوا مَشْهُورِينَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[خَبَرُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ]

- ‌[ذِكْرُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ أَحَدِ أَجْوَادِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ]

- ‌[ذِكْرُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ صَاحِبِ إِحْدَى الْمُعَلَّقَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارٍ أُمَيَّةَ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ]

- ‌[بَحِيرَى الرَّاهِبُ]

- ‌[ذِكْرُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ]

- ‌[زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه]

- ‌[شَيْءٌ مِنَ الَحَوَادِثِ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ]

- ‌[بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ]

- ‌[ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ]

- ‌[ذِكْرُ تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ]

- ‌[ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ أَحَدِ وَلَدِهِ]

- ‌[ذِكْرُ تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الزُّهْرِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ]

- ‌[بَابُ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[تَارِيخُ وَمَكَانُ وِلَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْآيَاتِ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ وَخُمُودِ النِّيرَانِ]

- ‌[ذِكْرُ حَوَاضِنِهِ وَمَرَاضِعِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ رَضَاعِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ]

- ‌[فَصْلُ وَفَاةِ أُمِّهِ عليه السلام وَمَا جَاءَ فِي اسْتِغْفَارِهِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَقِصَّتِهِ مَعَ بَحِيرَى الرَّاهِبِ]

- ‌[قِصَّةُ بَحِيرَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْشَئِهِ عليه الصلاة والسلام وَمُرَبَّاهُ وَكِفَايَةِ اللَّهِ لَهُ]

- ‌[ذِكْرُ شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام حَرْبَ الْفِجَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عُمُومَتِهِ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ]

- ‌[تَزْوِيجُهُ عليه الصلاة والسلام خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ خَدِيجَةُ ابْنَ عَمِّهَا وَرَقَةَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَجْدِيدِ قُرَيْشٍ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ]

- ‌[تَعْظِيمُ قُرَيْشٍ لِأَمْرِ الْحَرَمِ]

- ‌[كِتَابُ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنَ الْبِشَارَاتِ بِذَلِكَ]

- ‌[الْبِشَارَاتُ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا كَانَ يَتَنَاقَلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ هَذِهِ الْبِشَارَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارٍ غَرِيبَةٍ فِي ذَلِكَ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيِّ، وَبِشَارَتُهُ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ]

- ‌[بَابٌ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ]

الفصل: ‌[صفة مولده الشريف عليه الصلاة والسلام]

[صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام]

صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ

عليه الصلاة والسلام

قَدْ تَقَدَّمُ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَمَّا ذَبَحَ تِلْكَ الْإِبِلَ الْمِائَةَ عَنْ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ حِينَ كَانَ نَذَرَ ذَبْحَهُ فَسَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى; لِمَا كَانَ قُدِّرَ فِي الْأَزَلِ مِنْ ظُهُورِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمِ الرُّسُلِ، وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ فَذَهَبَ كَمَا تَقَدَّمَ فَزَوَّجَهُ أَشْرَفَ عَقِيلَةٍ فِي قُرَيْشٍ، آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةِ الزُّهْرِيَّةَ فَحِينَ دَخَلَ بِهَا، وَأَفْضَى إِلَيْهَا حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ كَانَتْ أُمُّ قَنَّالٍ رُقَيْقَةُ بِنْتُ نَوْفَلٍ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ تَوَسَّمَتْ مَا كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ آمِنَةَ مِنَ النُّورِ فَوَدَّتْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِهَا لِمَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا مِنَ الْبِشَارَاتِ بِوُجُودٍ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ قَدْ أَزِفَ زَمَانُهُ فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: لِيَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ أَظْهَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَامْتَنَعَ عَلَيْهَا. فَلَمَّا انْتَقَلَ ذَلِكَ النُّورُ الْبَاهِرُ إِلَى آمِنَةَ بِمُوَاقَعَتِهِ إِيَّاهَا كَأَنَّهُ تَنَدَّمَ عَلَى مَا كَانَتْ عَرَضَتْ عَلَيْهِ فَتَعَرَّضَ لَهَا لِتُعَاوِدَهُ فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكَ، وَتَأَسَّفَتْ عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْشَدَتْ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الشِّعْرِ الْفَصِيحِ الْبَلِيغِ، وَهَذِهِ الصِّيَانَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ لَيْسَتْ لَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ

ص: 381

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ مِنْ طَرِيقٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ» .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أُمَّهُ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ تُوُفِّيَ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ حَمْلٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ قَالَا: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى الشَّامِ إِلَى غَزَّةَ فِي عِيرٍ مِنْ عِيرَاتِ قُرَيْشٍ يُحَمِّلُونَهُ تِجَارَاتٍ فَفَرَغُوا مِنْ تِجَارَتِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَمَرُّوا بِالْمَدِينَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَئِذٍ مَرِيضٌ فَقَالَ: أَتَخَلَّفُ عِنْدَ أَخْوَالِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ مَرِيضًا شَهْرًا، وَمَضَى أَصْحَابُهُ فَقَدِمُوا مَكَّةَ فَسَأَلَهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَنِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالُوا: خَلَّفْنَاهُ عِنْدَ أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَكْبَرَ وَلَدِهِ الْحَارِثَ فَوَجَدَهُ قَدْ تُوُفِّيَ وَدُفِنَ فِي دَارِ النَّابِغَةِ فَرَجَعَ إِلَى أَبِيهِ فَأَخْبَرَهُ فَوَجَدَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَإِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَجْدًا شَدِيدًا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ حَمْلٌ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ تُوُفِّيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً.

ص: 382

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا هُوَ أَثْبَتُ الْأَقَاوِيلِ فِي وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ وَسِنِّهِ عِنْدَنَا. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ يَمْتَارُ لَهُمْ تَمْرًا فَمَاتَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَدْ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعْدَمَا أَتَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا، وَقِيلَ: سَبْعَةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ؛ أَنَّهُ تُوُفِّيَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمْلٌ. وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ عَنِ ابْنِ خَرَّبُوذَ قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنُ شَهْرَيْنِ، وَمَاتَتْ أُمُّهُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَمَاتَ جَدُّهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ فَأَوْصَى بِهِ إِلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَالَّذِي رَجَّحَهُ الْوَاقِدِيُّ، وَكَاتِبُهُ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام، تُوُفِّيَ أَبُوهُ وَهُوَ جَنِينٌ فِي بَطْنِ أُمِّهِ. وَهَذَا أَبْلَغُ الْيُتْمِ، وَأَعْلَى مَرَاتِبِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ «، وَرُؤْيَا أُمَّيِ الَّذِي رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِي كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُحَدِّثُ أَنَّهَا

ص: 383

أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِذَا وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ فَقُولِي: أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدْ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدْ فِي كُلِّ بَرٍّ عَامِدْ، وَكُلِّ عَبْدٍ رَائِدْ، نُزُولَ غَيْرِ ذَائِدْ، فَإِنَّهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ الْمَاجِدْ حَتَّى أَرَاهُ قَدْ أَتَى الْمَشَاهِدْ. وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مَعَهُ نُورٌ يَمْلَأُ قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدًا فَإِنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ أَحْمَدُ يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، وَاسْمَهُ فِي الْإِنْجِيلِ أَحْمَدُ يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، وَاسْمَهُ فِي الْقُرْآنِ مُحَمَّدٌ. وَهَذَا وَذَاكَ يَقْتَضِي أَنَّهَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ عليه السلام كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، ثُمَّ لَمَّا، وَضَعَتْهُ رَأَتْ عِيَانًا تَأْوِيلَ ذَلِكَ كَمَا رَأَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ هَاهُنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَخِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ ح، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

ص: 384

جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا، ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ حَشْرَجٍ عَنْ أَبِي، وَجْزَةَ ح، وَحَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ح، وَحَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ - أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ قَالَتْ: لَقَدْ عَلِقْتُ بِهِ - تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا وَجَدْتُ لَهُ مَشَقَّةً حَتَّى وَضَعْتُهُ فَلَمَّا فَصَلَ مِنِّي خَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَ لَهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ثُمَّ وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَقَبَضَهَا، وَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَعَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَخَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَأَسْوَاقُهَا حَتَّى رَأَيْتُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ مُبَشِّرُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ حَدَّثَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا شَهِدَتْ، وِلَادَةَ آمِنَةَ

ص: 385

بِنْتِ وَهْبٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ وَلَدَتْهُ قَالَتْ: فَمَا شَيْءٌ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي الْبَيْتِ إِلَّا نُورٌ، وَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ تَدْنُو حَتَّى إِنِّي لِأَقُولُ لَيَقَعْنَ عَلَيَّ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الشِّفَاءِ أُمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهَا كَانَتْ قَابِلَتَهُ، وَأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِهِ حِينَ سَقَطَ عَلَى يَدَيْهَا، وَاسْتَهَلَّ سَمِعَتْ قَائِلًا يَقُولُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَإِنَّهُ سَطَعَ مِنْهُ نُورٌ رُئِيَتْ مِنْهُ قُصُورُ الرُّومِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا، وَضَعَتْهُ بَعَثَتْ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَارِيَتَهَا - وَقَدْ هَلَكَ أَبُوهُ، وَهِيَ حُبْلَى - وَيُقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنُ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ - فَقَالَتْ: قَدْ وُلِدَ لَكَ اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَانْظُرْ إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَهَا، أَخْبَرَتْهُ وَحَدَّثَتْهُ بِمَا كَانَتْ رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ وَمَا قِيلَ لَهَا فِيهِ وَمَا أُمِرَتْ أَنْ تُسَمِّيَهُ فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو وَيَشْكُرُ اللَّهَ عز وجل، وَيَقُولُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْطَانِي

هَذَا الْغُلَامَ الطَّيِّبَ الْأَرْدَانِ

قَدْ سَادَ فِي الْمَهْدِ عَلَى الْغِلْمَانِ

أُعِيذُهُ بِاللَّهِ ذِي الْأَرْكَانِ

حَتَّى يَكُونَ بِلُغَةِ الْفِتْيَانِ

حَتَّى أَرَاهُ بَالِغَ الْبُنْيَانِ

أُعِيذُهُ مِنْ كُلِّ ذِي شَنَآنِ

مِنْ حَاسِدٍ مُضْطَرِبِ الْعِنَانِ

ص: 386

ذِي هِمَّةٍ لَيْسَ لَهُ عَيْنَانِ

حَتَّى أَرَاهُ رَافِعَ اللِّسَانِ

أَنْتَ الَّذِي سُمِّيتَ فِي الْفُرْقَانِ

فِي كُتُبٍ ثَابِتَةِ الْمَثَانِي

أَحْمَدَ مَكْتُوبًا عَلَى اللِّسَانِ

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمٍ الدَّارَبْجِرْدِيُّ بِمَرْوٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيُّ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَخْتُونًا مَسْرُورًا قَالَ: فَأَعْجَبَ جَدَّهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ، وَقَالَ: لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ كَرَامَتِي عَلَى اللَّهِ أَنِّي وُلِدْتُ مَخْتُونًا، وَلَمْ يَرَ سَوْءَتِي أَحَدٌ» ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ عَنْ هُشَيْمٍ بِهِ، ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ هُوَ الْبَاغَنْدِيُّ حَدَّثَنَا

ص: 387

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَيُّوبَ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي مُوسَى الْمَقْدِسِيُّ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسْرُورًا مَخْتُونًا.

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَخْتُونًا مَسْرُورًا فَأَعْجَبَ ذَلِكَ جَدَّهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَحَظِيَ عِنْدَهُ، وَقَالَ: لَيَكُونَنَّ لِابْنِي هَذَا شَأْنٌ فَكَانَ لَهُ شَأْنٌ. وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ صِحَّتَهُ لِمَا وَرَدَ لَهُ مِنَ الطُّرُقِ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ. وَمَعْنًى مَخْتُونًا أَيْ: مَقْطُوعَ الْخِتَانِ، وَمَسْرُورًا أَيْ: مَقْطُوعَ السُّرَّةِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ.

وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ الْبَصَرِيِّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ مُحَارِبِ بْنِ سَلْمِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ جِبْرِيلَ خَتَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ

ص: 388

طَهَّرَ قَلْبَهُ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَدَّهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَهُ، وَعَمِلَ لَهُ دَعْوَةً جَمَعَ قُرَيْشًا عَلَيْهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي شِفَاهًا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَهُ يَعْنِي السُّلَمِيَّ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ التَّنُوخِيِّ قَالَ: كَانَ الْمَوْلُودُ إِذَا وُلِدَ فِي قُرَيْشٍ دَفَعُوهُ إِلَى نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى الصُّبْحِ يَكْفَأْنِ عَلَيْهِ بُرْمَةً فَلَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَفَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى نِسْوَةٍ فَكَفَأْنَ عَلَيْهِ بُرْمَةً فَلَمَّا أَصْبَحْنَ أَتَيْنَ فَوَجَدْنَ الْبُرْمَةَ قَدِ انْفَلَقَتْ عَنْهُ بِاثْنَتَيْنِ، وَوَجَدْنَهُ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَأَتَاهُنَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَقُلْنَ لَهُ: مَا رَأَيْنَا مَوْلُودًا مِثْلَهُ وَجَدْنَاهُ قَدِ انْفَلَقَتْ عَنْهُ الْبُرْمَةُ، وَوَجَدْنَاهُ مَفْتُوحًا عَيْنَاهُ شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: احْفَظْنَهُ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَهُ شَأْنٌ أَوْ أَنْ يُصِيبَ خَيْرًا فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ ذَبَحَ عَنْهُ، وَدَعَا لَهُ قُرَيْشًا فَلَمَّا أَكَلُوا قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَرَأَيْتَ ابْنَكَ هَذَا الَّذِي أَكْرَمْتَنَا عَلَى وَجْهِهِ مَا سَمَّيْتَهُ؟ قَالَ: سَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا. قَالُوا: فَلِمَ رَغِبْتَ بِهِ عَنْ أَسْمَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ، وَخَلْقُهُ فِي الْأَرْضِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: كُلُّ جَامِعٍ لِصِفَاتِ الْخَيْرِ يُسَمَّى مُحَمَّدًا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ

ص: 389

إِلَيْكَ - أَبِيتَ اللَّعْنَ - أَعْمَلْتُ نَاقَتِي

إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْكَرِيمِ الْمُحَمَّدِ

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَلْهَمَهُمُ اللَّهُ عز وجل أَنْ سَمَّوْهُ مُحَمَّدًا لِمَا فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ لِيَلْتَقِيَ الِاسْمُ وَالْفِعْلُ، وَيَتَطَابَقَ الِاسْمُ وَالْمُسَمَّى فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى كَمَا قَالَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَيُرْوَى لِحَسَّانَ

وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ

فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ

وَسَنَذْكُرُ أَسْمَاءَهُ عليه الصلاة والسلام وَشَمَائِلَهُ وَهِيَ صِفَاتُهُ الظَّاهِرَةُ، وَأَخْلَاقُهُ الطَّاهِرَةُ، وَدَلَائِلُ نَبُّوَّتِهِ، وَفَضَائِلُ مَنْزِلَتِهِ فِي آخِرِ السِّيرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَلَبِيُّ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ «عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَانِي إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِكَ، أَمَارَةٌ لِنُبُوَّتِكَ رَأَيْتُكَ فِي الْمَهْدِ تُنَاغِي الْقَمَرَ، وَتُشِيرُ إِلَيْهِ بِأُصْبُعِكَ فَحَيْثُ أَشَرْتَ إِلَيْهِ مَالَ. قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أُحَدِّثُهُ وَيُحَدِّثُنِي وَيُلْهِينِي عَنِ الْبُكَاءِ، وَأَسْمَعُ وَجْبَتَهُ حِينَ يَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ» . ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ اللَّيْثِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ.

ص: 390