المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في هواتف الجان] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[قِصَّةُ لُقْمَانَ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ]

- ‌[بَيَانُ الْإِذْنِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ جُرَيْجٍ أَحَدِ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ بَرْصِيصَا]

- ‌[قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا إِلَى الْغَارِ]

- ‌[خَبَرُ الثَّلَاثَةِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ]

- ‌[حَدِيثُ الَّذِي اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا]

- ‌[قِصَّةٌ أُخْرَى]

- ‌[قِصَّةُ الْمَلِكَيْنِ التَّائِبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ قِصَصِهِمْ]

- ‌[ذِكْرُ تَحْرِيفِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَبْدِيلِهِمْ أَدْيَانَهُمْ]

- ‌[كِتَابُ الْجَامِعِ لِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارِ الْعَرَبِ]

- ‌[نِسْبَةُ الْعَرَبِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهما السلام]

- ‌[قِصَّةُ سَبَأٍ]

- ‌[فَصْلٌ]

- ‌[قِصَّةُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ]

- ‌[قِصَّةُ تُبَّعٍ أَبِي كَرِبٍ]

- ‌[وُثُوبُ لَخْنِيعَةَ ذِي شَنَاتِرَ عَلَى مُلْكِ الْيَمَنِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ بِالْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمِ عَلَى أَرْيَاطَ وَاخْتِلَافِهِمَا]

- ‌[ذِكْرُ سَبَبِ قَصْدِ أَبْرَهَةَ بِالْفِيلِ مَكَّةَ لِيُخَرِّبَ الْكَعْبَةَ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ عَنِ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعِهِ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ]

- ‌[قِصَّةُ السَّاطِرُونَ صَاحِبِ الْحَضْرِ]

- ‌[خَبَرُ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَمَا كَانَ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى زَمَانِ الْبَعْثَةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْعَرَبِ بَعْدَ وَفَاةِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ خُزَاعَةَ وَعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَعِبَادَةِ الْعَرَبِ لِلْأَصْنَامِ]

- ‌[خَبَرُ عَدْنَانَ جَدِّ عَرَبِ الْحِجَازِ]

- ‌[ذِكْرُ أُصُولِ أَنْسَابِ عَرَبِ الْحِجَازِ إِلَى عَدْنَانَ]

- ‌[الْكَلَامُ عَلَى قُرَيْشٍ نَسَبًا وَاشْتِقَاقًا وَفَضْلًا]

- ‌[خَبَرُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ]

- ‌[ذِكْرُ جُمَلٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ كَانُوا مَشْهُورِينَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[خَبَرُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ]

- ‌[ذِكْرُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ أَحَدِ أَجْوَادِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ]

- ‌[ذِكْرُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ صَاحِبِ إِحْدَى الْمُعَلَّقَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارٍ أُمَيَّةَ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ]

- ‌[بَحِيرَى الرَّاهِبُ]

- ‌[ذِكْرُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ]

- ‌[زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه]

- ‌[شَيْءٌ مِنَ الَحَوَادِثِ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ]

- ‌[بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ]

- ‌[ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ]

- ‌[ذِكْرُ تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ]

- ‌[ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ أَحَدِ وَلَدِهِ]

- ‌[ذِكْرُ تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الزُّهْرِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ]

- ‌[بَابُ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[تَارِيخُ وَمَكَانُ وِلَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْآيَاتِ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ وَخُمُودِ النِّيرَانِ]

- ‌[ذِكْرُ حَوَاضِنِهِ وَمَرَاضِعِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ رَضَاعِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ]

- ‌[فَصْلُ وَفَاةِ أُمِّهِ عليه السلام وَمَا جَاءَ فِي اسْتِغْفَارِهِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَقِصَّتِهِ مَعَ بَحِيرَى الرَّاهِبِ]

- ‌[قِصَّةُ بَحِيرَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْشَئِهِ عليه الصلاة والسلام وَمُرَبَّاهُ وَكِفَايَةِ اللَّهِ لَهُ]

- ‌[ذِكْرُ شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام حَرْبَ الْفِجَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عُمُومَتِهِ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ]

- ‌[تَزْوِيجُهُ عليه الصلاة والسلام خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ خَدِيجَةُ ابْنَ عَمِّهَا وَرَقَةَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَجْدِيدِ قُرَيْشٍ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ]

- ‌[تَعْظِيمُ قُرَيْشٍ لِأَمْرِ الْحَرَمِ]

- ‌[كِتَابُ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنَ الْبِشَارَاتِ بِذَلِكَ]

- ‌[الْبِشَارَاتُ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا كَانَ يَتَنَاقَلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ هَذِهِ الْبِشَارَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارٍ غَرِيبَةٍ فِي ذَلِكَ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيِّ، وَبِشَارَتُهُ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ]

- ‌[بَابٌ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ]

الفصل: ‌[باب في هواتف الجان]

[بَابٌ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ]

وَهُوَ مَا أَلْقَتْهُ الْجَانُّ عَلَى أَلْسِنَةِ

الْكُهَّانِ، وَمَسْمُوعًا مِنَ الْأَوْثَانِ

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ - أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ. إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ. فَدُعِيَ بِهِ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتَقْبَلَ بِهِ رَجُلًا مُسْلِمًا. قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي. قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا فِي السُّوقِ يَوْمًا جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَتْ

ص: 563

أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا

وَيَأْسَهَا مِنْ بِعْدِ إِنْكَاسِهَا

وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا

قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحُ أَمْرٌ نَجِيحٌ رَجُلٌ فَصِيحٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَوَثَبَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحُ أَمْرٌ نَجِيحٌ رَجُلٌ فَصِيحٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ الْأَزْدِيُّ، وَيُقَالُ: السَّدُوسِيُّ مِنْ أَهْلِ السَّرَاةِ مِنْ جِبَالِ الْبَلْقَاءِ لَهُ صُحْبَةٌ، وَوِفَادَةٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ مَنْدَهْ: رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ أَحْمَدُ بْنُ رَوْحٍ الْبَرْذَعِيُّ الْحَافِظُ والدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْمِصْرِيُّ: سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ الْوَقَّاصِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: كَانَ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ، وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُهُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ مُطَوَّلَةٍ بِأَبْسَطَ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ.

ص: 564

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي النَّاسِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ يُرِيدُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَعَلَى شِرْكِهِ مَا فَارَقَهُ بَعْدُ أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ أَسْلَمْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَهَلْ كُنْتَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ خِلْتَ فِيَّ وَاسْتَقْبَلْتَنِي بِأَمْرٍ مَا أَرَاكَ قُلْتَهُ لِأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ مُنْذُ وُلِّيتَ مَا وُلِّيتَ. فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ غَفْرًا، قَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى شَرٍّ مِنْ هَذَا نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَعْتَنِقُ الْأَوْثَانَ حَتَّى أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِرَسُولِهِ وَبِالْإِسْلَامِ. قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ كُنْتُ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي مَا جَاءَ بِهِ صَاحِبُكَ. قَالَ: جَاءَنِي قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ فَقَالَ

أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا

وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا

وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا

ص: 565

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْكَلَامُ سَجْعٌ لَيْسَ بِشِعْرٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ:

فَقَالَ عُمَرُ عِنْدَ ذَلِكَ يُحَدِّثُ النَّاسَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَعِنْدَ وَثَنٍ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدْ ذَبَحَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ عِجْلًا فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ قَسْمَهُ أَنْ يَقْسِمَ لَنَا مِنْهُ إِذْ سَمِعْتُ مَنْ جَوْفِ الْعِجْلَ صَوْتًا مَا سَمِعْتُ صَوْتًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِشَهْرٍ أَوْ شَيْعِهِ يَقُولُ: يَا ذَرِيحُ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، رَجُلٌ يَصِيحُ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالَ: رَجُلٌ يَصِيحُ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَإِبْلَاسِهَا

وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا

تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى

مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَأَنْجَاسِهَا

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حُجْرِ بْنِ النُّعْمَانِ الشَّامِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ الْأَنْبَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: «بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَعْرِفُ هَذَا

ص: 566

الْمَارَّ؟ قَالَ: وَمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ الَّذِي أَتَاهُ رَئِيُّهُ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ: مَا اسْتَقْبَلَنِي بِهَذَا أَحَدٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِمَّا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ فَأَخْبِرْنِي بِإِتْيَانِكَ رَئِيُّكَ بِظُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَيْنَمَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ أَتَانِي رَئِيِّي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ وَاسْمَعْ مَقَالَتِي، وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَطْلَابِهَا

وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا

تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى

مَا صَادِقُ الْجِنِّ كَكَذَّابِهَا

فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ

لَيْسَ قُدَّامُاهَا كَأَذْنَابِهَا

قَالَ: قُلْتُ: دَعْنِي أَنَامُ فَإِنِّي أَمْسَيْتُ نَاعِسًا. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ أَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ، وَاسْمَعْ مَقَالَتِي، وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ إِنَّهُ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَإِلَى

ص: 567

عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَخْيَارِهَا

وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا

تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى

مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَكُفَّارِهَا

فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ

بَيْنَ رَوَابِيهَا وَأَحْجَارِهَا

قَالَ: قُلْتُ: دَعْنِي أَنَامُ فَإِنِّي أَمْسَيْتُ نَاعِسًا. فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، أَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ فَاسْمَعْ مَقَالَتِي وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى عِبَادَتِهِ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَحْسَاسِهَا

وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا

تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى

مَا خَيِّرُ الْجِنِّ كَأَنْجَاسِهَا

فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ

وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَأْسِهَا

قَالَ: فَقُمْتُ، وَقُلْتُ: قَدِ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبِي. فَرَحَّلْتُ نَاقَتِي، ثُمَّ أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ يَعْنِي مَكَّةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَصْحَابِهِ فَدَنَوْتُ فَقُلْتُ: اسْمَعْ مَقَالَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: هَاتِ فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ

أَتَانِي نَجِيِّي بَعْدَ هَدْءٍ وَرَقْدَةٍ

وَلَمْ يَكُ فِيمَا قَدْ تَلَوْتُ بِكَاذِبِ

ثَلَاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ

أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ

ص: 568

فَشَمَّرْتُ عَنْ ذَيْلِي الْأِزَارَ وَوَسَّطَتْ

بِيَ الذِّعْلِبُ الْوَجْنَاءُ غُبْرَ السَّبَاسِبِ

فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ

وَأَنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُلِّ غَالِبِ

وَأَنَّكَ أَدْنَى الْمُرْسَلِينَ وَسِيلَةً

إِلَى اللَّهِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمِينَ الْأَطَايِبِ

فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيكَ يَا خَيْرَ مَنْ مَشَى

وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذَّوَائِبِ

وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ

سِوَاكَ بِمُغْنٍ عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبِ

قَالَ: فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، بِمَقَالَتِي فَرَحًا شَدِيدًا حَتَّى رُئِيَ الْفَرَحُ فِي وُجُوهِهِمْ. قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْكَ فَهَلْ يَأْتِيكَ رَئِيُّكَ الْيَوْمَ؟ قَالَ: أَمَّا مُنْذُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَلَا، وَنِعْمَ الْعِوَضُ كِتَابُ اللَّهِ مِنَ الْجِنِّ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: كُنَّا يَوْمًا فِي حَيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالَ لَهُمْ: آلُ ذَرِيحٍ، وَقَدْ ذَبَحُوا عِجْلًا لَهُمْ وَالْجَزَّارُ يُعَالِجُهُ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتًا مِنْ جَوْفِ الْعِجْلَ وَلَا نَرَى شَيْئًا قَالَ: يَا آلَ ذَرِيحٍ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، صَائِحٌ يَصِيحُ، بِلِسَانٍ فَصِيحٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» . وَهَذَا مُنْقَطِعٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ تَسَاعَدُوا عَلَى أَنَّ السَّامِعَ الصَّوْتَ مِنَ الْعِجْلِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 569

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَصَّافِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: «دَخَلَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ السَّدُوسِيُّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ، هَلْ تُحْسِنُ الْيَوْمَ مَنْ كَهَانَتِكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا اسْتَقْبَلْتَ أَحَدًا مِنْ جُلَسَائِكَ بِمِثْلِ مَا اسْتَقْبَلْتَنِي بِهِ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا سَوَادُ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنْ شِرْكِنَا أَعْظَمُ مِمَّا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَهَانَتِكَ وَاللَّهِ يَا سَوَادُ لَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ إِنَّهُ لَعَجَبٌ مِنَ الْعَجَبِ. قَالَ: إِي وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ لَعَجَبٌ مِنَ الْعَجَبِ. قَالَ: فَحَدِّثْنِيهِ قَالَ: كُنْتُ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي نَجِيِّي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا سَوَادُ اسْمَعْ أَقُلْ لَكَ. قُلْتُ: هَاتِ. قَالَ

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَنْجَاسِهَا

وَرَحْلِهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا

تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى

مَا مُؤْمِنُوهَا مِثْلَ أَرْجَاسِهَا

فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ

وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَأْسِهَا

قَالَ: فَنِمْتُ، وَلَمْ أَحْفِلْ بِقَوْلِهِ شَيْئًا. فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ أَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ اسْمَعْ أَقُلْ لَكَ قُلْتُ: هَاتِ قَالَ

ص: 570

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَطْلَابِهَا

وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا

تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى

مَا صَادِقُ الْجِنِّ كَكَذَّابِهَا

فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ

لَيْسَ الْمَقَادِيمُ كَأَذْنَابِهَا

قَالَ: فَحَرَّكَ قَوْلُهُ مِنِّي شَيْئًا، وَنِمْتُ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ أَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ أَتَعْقِلُ أَمْ لَا تَعْقِلُ؟ قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: ظَهَرَ بِمَكَّةَ نَبِيٌّ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ فَالْحَقْ بِهِ اسْمَعْ أَقُلْ لَكَ. قُلْتُ: هَاتِ. قَالَ

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَنْفَارِهَا

وَرَحْلِهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا

تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى

مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَكُفَّارِهَا

فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ

بَيْنَ رَوَابِيهَا وَأَحْجَارِهَا

قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَادَ بِي خَيْرًا فَقُمْتُ إِلَى بُرْدَةٍ لِي فَفَتَقْتُهَا وَلَبِسْتُهَا، وَوَضَعْتُ رِجْلِي فِي غَرْزِ رِكَابِ النَّاقَةِ، وَأَقْبَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْتُ، وَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ فَأَخْبِرْهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ قُمْتُ فَقُلْتُ

ص: 571

أَتَانِي نَجِيِّي بَعْدَ هَدْءٍ وَرَقْدَةٍ

وَلَمْ يَكُ فِيمَا قَدْ بَلَوْتُ بِكَاذِبِ

ثَلَاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ

أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ

فَشَمَّرْتُ عَنْ ذَيْلِي الْإِزَارَ وَوَسَّطَتْ

بِيَ الذِّعْلِبُ الْوَجْنَاءُ غُبْرَ السَّبَاسِبِ

وَأَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا رَبَّ غَيْرُهُ

وَأَنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُلِّ غَائِبِ

وَأَنَّكَ أَدْنَى الْمُرْسَلِينَ وِسَيلَةً

إِلَى اللَّهِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمِينَ الْأَطَايِبِ

فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيكَ يَا خَيْرَ مُرْسَلٍ

وَإِنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيْبُ الذَّوَائِبِ

قَالَ: فَسُرَّ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ تُحِسُّ الْيَوْمَ مِنْهَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أَمَّا مُذْ عَلَّمَنِي اللَّهُ الْقُرْآنَ فَلَا» . وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، قَالَ: «لَمَّا وَرَدَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ عَلَى عُمَرَ قَالَ: يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ مَا بَقِيَ مِنْ كَهَانَتِكَ؟ فَغَضِبَ، وَقَالَ: مَا أَظُنُّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَقْبَلْتَ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ بِمِثْلِ هَذَا. فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ مِنَ الْغَضَبِ قَالَ: انْظُرْ سَوَادُ، لَلَّذِي كُنَّا عَلَيْهِ قَبْلَ الْيَوْمِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ. ثُمَّ قَالَ: يَا سَوَادُ حَدِّثْنِي حَدِيثًا كُنْتُ أَشْتَهِي أَسْمَعُهُ مِنْكَ، قَالَ: نَعَمْ بَيَنَا أَنَا فِي إِبِلٍ لِي بِالسَّرَاةِ لَيْلًا وَأَنَا نَائِمٌ وَكَانَ لِي نَجِيٌّ مِنَ الْجِنِّ فَأَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ فَقَالَ لِي: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ فَقَدْ ظَهَرَ بِتِهَامَةَ نَبِيٌّ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ، وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ فِي آخِرِ الشِّعْرِ

ص: 572

وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو قُرَابَةٍ

سِوَاكَ بِمُغْنٍ عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سِرْ فِي قَوْمِكَ، وَقُلْ هَذَا الشِّعْرَ فِيهِمْ» .

وَرَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: كُنْتُ نَائِمًا عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ السَّرَاةِ فَأَتَانِي آتٍ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ أَيْضًا.

وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: «قَالَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ: كُنْتُ نَازِلًا بِالْهِنْدِ فَجَاءَنِي رَئِيِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَقَالَ بَعْدَ إِنْشَادِ الشِّعْرِ الْأَخِيرِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَقَالَ: أَفْلَحْتَ يَا سَوَادُ» .

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ خَبَرٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ بِمَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم; أَنَّ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ كَانَ لَهَا تَابِعٌ مِنَ الْجِنِّ فَجَاءَ فِي صُورَةِ طَائِرٍ أَبْيَضَ فَوَقَعَ عَلَى حَائِطٍ لَهُمْ فَقَالَتْ لَهُ: لِمَ لَا تَنْزِلُ إِلَيْنَا فَتُحَدِّثَنَا وَنُحَدِّثَكَ، وَتُخْبِرَنَا وَنُخْبِرَكَ؟ فَقَالَ لَهَا: إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ بِمَكَّةَ حَرَّمَ الزِّنَا، وَمَنَعَ مِنَّا الْقَرَارَ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ

ص: 573

عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ خَبَرٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ امْرَأَةً تُدْعَى فَاطِمَةَ كَانَ لَهَا تَابِعٌ فَجَاءَهَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَامَ عَلَى الْجِدَارِ فَقَالَتْ: أَلَا تَنْزِلُ؟ فَقَالَ: لَا إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ الرَّسُولُ الَّذِي حَرَّمَ الزِّنَا.

وَأَرْسَلَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ أَيْضًا، وَسَمَّاهُ بِابْنِ لَوْذَانَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ غَابَ عَنْهَا مُدَّةً، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ عَاتَبَتْهُ فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ الرَّسُولَ فَسَمِعْتُهُ يُحَرِّمُ الزِّنَا فَعَلَيْكِ السَّلَامُ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: «قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجْنَا فِي عِيرٍ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كُنَّا بِأَفْوَاهِ الشَّامِ، وَبِهَا كَاهِنَةٌ فَتَعَرَّضَتْنَا فَقَالَتْ: أَتَانِي صَاحِبِي فَوَقَفَ عَلَى بَابِي فَقُلْتُ: أَلَا تَدْخُلُ؟ فَقَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ خَرَجَ أَحْمَدُ، وَجَاءَ أَمْرٌ لَا يُطَاقُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَرَجَعْتُ إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ عز وجل،» وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ الْوَحْيُ يُسْمَعُ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ مُنِعُوا. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالَ لَهَا: سُعَيْرَةُ لَهَا تَابِعٌ مِنَ الْجِنِّ فَلَمَّا رَأَى الْوَحْيَ لَا يُسْتَطَاعُ، أَتَاهَا فَدَخَلَ فِي صَدْرِهَا فَضَجَّ فِي صَدْرِهَا، فَذَهَبَ عَقْلُهَا، فَجَعَلَ يَقُولُ مِنْ صَدْرِهَا: وُضِعَ الْعِنَاقُ، وَمُنِعَ الرِّفَاقُ، وَجَاءَ أَمْرٌ لَا يُطَاقُ، وَأَحْمَدُ حَرَّمَ الزِّنَا.

ص: 574

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يَزِيدَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ «عَنْ مِرْدَاسِ بْنِ قَيْسٍ السَّدُوسِيِّ قَالَ: حَضَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْكِهَانَةُ، وَمَا كَانَ مِنْ تَغْيِيرِهَا عِنْدَ مَخْرِجِهِ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كَانَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَخْبِرُكَ أَنَّ جَارِيَةً مِنَّا يُقَالَ لَهَا: الْخَلَصَةُ لَمْ يُعْلَمْ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا، إِذَا جَاءَتْنَا فَقَالَتْ: يَا مَعْشَرَ دَوْسٍ، الْعَجَبُ الْعَجَبُ لِمَا أَصَابَنِي هَلْ عَلِمْتُمْ إِلَّا خَيْرًا؟ قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: إِنِّي لَفِي غَنَمِي إِذْ غَشِيَتْنِي ظُلْمَةٌ، وَوَجَدْتُ كَحِسِّ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ حَبِلْتُ، حَتَّى إِذَا دَنَتْ وِلَادَتُهَا، وَضَعَتْ غُلَامًا أَغْضَفَ لَهُ أُذُنَانِ كَأُذُنَيِ الْكَلْبِ فَمَكَثَ فِينَا حَتَّى إِنَّهُ لَيَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ إِذْ وَثَبَ وَثْبَةً وَأَلْقَى إِزَارَهُ، وَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا وَيْلَةْ يَا وَيْلَةْ، يَا عَوْلَةْ يَا عَوْلَةْ، يَا وَيْلَ غَنْمٍ، يَا وَيْلَ فَهْمٍ مِنْ قَابِسِ النَّارِ، الْخَيْلُ وَاللَّهِ وَرَاءَ الْعَقَبَةِ، فِيهِنَّ فِتْيَانٌ حِسَانٌ نَجِبَةٌ. قَالَ: فَرَكِبْنَا وَأَخَذْنَا الْأَدَاةَ، وَقُلْنَا: يَا وَيْلَكَ مَا تَرَى؟ فَقَالَ: هَلْ مِنْ جَارِيَةٍ طَامِثٍ؟ فَقُلْنَا: وَمَنْ لَنَا بِهَا؟ فَقَالَ شَيْخٌ مِنَّا: هِيَ وَاللَّهِ عِنْدِي عَفِيفَةُ الْأُمِّ. فَقُلْنَا: فَعَجِّلْهَا فَأَتَى بِالْجَارِيَةِ، وَطَلَعَ

ص: 575

الْجَبَلَ، وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: اطْرَحِي ثَوْبَكِ، وَاخْرُجِي فِي وُجُوهِهِمْ، وَقَالَ الْقَوْمُ: اتَّبِعُوا أَثَرَهَا، وَقَالَ لِرَجُلٍ مِنَّا يُقَالَ لَهُ: أَحْمَرُ بْنُ حَابِسٍ: يَا أَحْمَرُ بْنَ حَابِسٍ عَلَيْكَ أَوَّلُ فَارِسٍ فَحَمَلَ أَحْمَرُ فَطَعَنَ أَوَّلَ فَارِسٍ فَصَرَعَهُ وَانْهَزَمُوا فَغَنِمْنَاهُمْ قَالَ: فَابْتَنَيْنَا عَلَيْهِمْ بَيْتًا، وَسَمَّيْنَاهُ ذَا الْخَلَصَةِ وَكَانَ لَا يَقُولُ لَنَا شَيْئًا إِلَّا كَانَ كَمَا يَقُولُ حَتَّى إِذَا كَانَ مَبْعَثُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَنَا يَوْمًا: يَا مَعْشَرَ دَوْسٍ، نَزَلَتْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ فَارْكَبُوا فَرَكِبْنَا فَقَالَ لَنَا: أَكْدِسُوا الْخَيْلَ كَدْسًا، احْشُوَا الْقَوْمَ رَمْسًا الْقَوْهُمْ غَدِيَّةً، وَاشْرَبُوا الْخَمْرَ عَشِيَّةً قَالَ: فَلَقِينَاهُمْ فَهَزَمُونَا وَغَلَبُونَا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: مَا حَالُكَ وَمَا الَّذِي صَنَعْتَ بِنَا؟ فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ وَقَدِ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَانْتَصَبَتْ أُذُنَاهُ، وَانْبَرَمَ غَضْبَانَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْفَطِرَ، وَقَامَ فَرَكِبْنَا، وَاغْتَفَرْنَا هَذِهِ لَهُ، وَمَكَثْنَا بَعْدَ ذَلِكَ حِينًا، ثُمَّ دَعَانَا فَقَالَ: هَلْ لَكَمَ فِي غَزْوَةٍ تَهَبُ لَكُمْ عِزًّا، وَتَجْعَلُ لَكُمْ حِرْزًا، وَيَكُونُ فِي أَيْدِيكُمْ كَنْزًا؟ فَقُلْنَا: مَا أَحْوَجَنَا إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ: ارْكَبُوا فَرَكِبْنَا فَقُلْنَا: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: بَنُو الْحَارِثِ بْنِ

ص: 576

مَسْلَمَةَ، ثُمَّ قَالَ: قِفُوا فَوَقَفْنَا.

ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِفَهْمٍ، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ لَكُمْ فِيهِمْ ذَمٌّ، عَلَيْكُمْ بِمُضَرَ، هُمْ أَرْبَابُ خَيْلٍ وَنَعَمٍ، ثُمَّ قَالَ: لَا رَهْطُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ، قَلِيلُ الْعَدَدِ، وَفِيُّ الذِّمَّةِ، ثُمَّ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِكَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَاشْكُرُوهَا صَنِيعَةَ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَلْيَكُنْ بِهِمُ الْوَقِيعَةُ قَالَ: فَلَقِينَاهُمْ فَهَزَمُونَا، وَفَضَحُونَا فَرَجَعْنَا، وَقُلْنَا: وَيْلَكَ مَاذَا تَصْنَعُ بِنَا؟ قَالَ: مَا أَدْرِي كَذَبَنِي الَّذِي كَانَ يَصْدُقُنِي اسْجُنُونِي فِي بَيْتِي ثَلَاثًا، ثُمَّ ائْتُونِي فَفَعَلْنَا بِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بَعْدَ ثَالِثَةٍ فَفَتَحْنَا عَنْهُ فَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ جَمْرَةُ نَارٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ دَوْسٍ حُرِسَتِ السَّمَاءُ، وَخَرَجَ خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ قُلْنَا: أَيْنَ؟ قَالَ: بِمَكَّةَ، وَأَنَا مَيِّتٌ فَادْفِنُونِي فِي رَأْسِ جَبَلٍ فَإِنِّي سَوْفَ أَضْطَرِمُ نَارًا، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي كُنْتُ عَلَيْكُمْ عَارًا فَإِذَا رَأَيْتُمُ اضْطِرَامِي وَتَلَهُّبِي فَاقْذِفُونِي بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، ثُمَّ قُولُوا مَعَ كُلِّ حَجَرٍ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَهْدَأُ وَأُطْفَأُ، قَالَ: وَإِنَّهُ مَاتَ فَاشْتَعَلَ نَارًا فَفَعَلْنَا بِهِ مَا أَمَرَ وَقَدْ قَذَفْنَاهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ نَقُولُ مَعَ كُلِّ حَجَرٍ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَخَمَدَ وَطُفِئَ، وَأَقَمْنَا حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا الْحَاجُّ فَأَخْبَرُونَا بِمَبْعَثِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» غَرِيبُّ جِدًّا.

وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّضْرِ

ص: 577

بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا فِي عِيرٍ لَنَا إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا كُنَّا بَيْنَ الزَّرْقَاءِ، وَمَعَانٍ قَدْ عَرَّسْنَا مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا بِفَارِسٍ يَقُولُ وَهُوَ بَيْنُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: أَيُّهَا النِّيَامُ هُبُّوا فَلَيْسَ هَذَا بِحِينِ رُقَادٍ، قَدْ خَرَجَ أَحْمَدُ وَطُرِدَتِ الْجِنُّ كُلَّ مَطْرَدٍ فَفَزِعْنَا، وَنَحْنُ رُفْقَةٌ حَزَاوِرَةٌ، كُلُّهُمْ قَدْ سَمِعَ بِهَذَا فَرَجَعْنَا إِلَى أَهْلِنَا فَإِذَا هُمْ يَذْكُرُونَ اخْتِلَافًا بِمَكَّةَ، بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي نَبِيٍّ قَدْ خَرَجَ فِيهِمْ مَنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْمُهُ أَحْمَدُ. ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ.

وَقَالَ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وَزَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، كَانُوا عِنْدَ صَنَمٍ لَهُمْ يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ قَدِ اتَّخَذُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ عِيدًا كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ، وَيَنْحَرُونَ لَهُ الْجَزُورَ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي اللَّيْلِ فَرَأَوْهُ مَكْبُوبًا عَلَى وَجْهِهِ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ فَأَخَذُوهُ فَرَدُّوهُ إِلَى حَالِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ انْقَلَبَ انْقِلَابًا عَنِيفًا فَأَخَذُوهُ فَرَدُّوهُ إِلَى حَالِهِ فَانْقَلَبَ

ص: 578

الثَّالِثَةَ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اغْتَمُّوا لَهُ، وَأَعْظَمُوا ذَلِكَ، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ: مَا لَهُ قَدْ أَكْثَرَ التَّنَكُّسَ، إِنَّ هَذَا لِأَمْرٍ قَدْ حَدَثَ، وَذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ عُثْمَانُ يَقُولُ

أَيَا صَنَمَ الْعِيدِ الَّذِي صُفَّ حَوْلَهُ

صَنَادِيدُ وَفْدٍ مِنْ بِعِيدٍ وَمِنْ قُرْبِ

تَكَوَّسْتَ مَغْلُوبًا فَمَا ذَاكَ قُلْ لَنَا

أَذَاكَ سَفِيهٌ أَمْ تَكَوَّسْتَ لِلْعَتْبِ

فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَنْبٍ أَتَيْنَا فَإِنَّنَا

نَبُوءُ بِإِقْرَارٍ وَنَلْوِي عَنِ الذَّنْبِ

وَإِنْ كُنْتَ مَغْلُوبًا تَكَوَّسْتَ صَاغِرًا

فَمَا أَنْتَ فِي الْأَوْثَانِ بِالسَّيِّدِ الرَّبِّ

قَالَ: فَأَخَذُوا الصَّنَمَ فَرَدُّوهُ إِلَى حَالِهِ فَلَمَّا اسْتَوَى هَتَفَ بِهِمْ هَاتِفٌ مِنَ الصَّنَمِ، بِصَوْتٍ جَهِيرٍ وَهُوَ يَقُولُ:

تَرَدَّى لِمَوْلُوْدٍ أَنَارَتْ بِنُورِهِ

جَمِيعُ فِجَاجِ الْأَرْضِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ

وَخرَّتْ لَهُ الْأَوْثَانُ طُرًّا وَأُرْعِدَتْ

قُلُوبُ مُلُوكِ الْأَرْضِ طُرًّا مِنَ الرُّعْبِ

وَنَارُ جَمِيعِ الْفُرْسِ بَاخَتْ وَأَظْلَمَتْ

وَقَدْ بَاتَ شَاهُ الْفُرْسِ فِي أَعْظَمِ الْكَرْبِ

وَصُدَّتْ عَنِ الْكُهَّانِ بِالْغَيْبِ جِنُّهَا

فَلَا مُخْبِرٌ عَنْهُمْ بِحَقٍّ وَلَا كَذِبَ

فَيَالَ قُصَيٍّ إِرْجِعُوا عَنْ ضَلَالِكُمْ

وَهُبُّوا إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْزِلِ الرَّحْبِ

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ خَلَصُوا نَجِيًّا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَصَادَقُوا، وَلْيَكْتُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: أَجَلْ فَقَالَ لَهُمْ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ:

ص: 579

تَعْلَمُونَ - وَاللَّهِ - مَا قَوْمُكُمْ عَلَى دِينٍ، وَلَقَدْ أَخْطَئُوا الْحُجَّةَ، وَتَرَكُوا دِينَ إِبْرَاهِيمَ مَا حَجَرٌ تُطِيفُونَ بِهِ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ؟ يَا قَوْمِ، الْتَمِسُوا لِأَنْفُسِكُمُ الدِّينَ. قَالَ: فَخَرَجُوا عِنْدَ ذَلِكَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ، وَيَسْأَلُونَ عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَأَمَّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَتَنَصَّرَ، وَقَرَأَ الْكُتُبَ حَتَّى عَلِمَ عِلْمًا، وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَسَارَ إِلَى قَيْصَرَ فَتَنَصَّرَ، وَحَسُنَتْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ فَحُبِسَ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَرَبَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَ الرِّقَّةَ مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ فَلَقِيَ بِهَا رَاهِبًا عَالِمًا فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَطْلُبُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إِنَّكَ لَتَطْلُبُ دِينًا مَا تَجِدُ مَنْ يَحْمِلُكَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِكَ يُبْعَثُ بِدِينِ الْحَنِيفِيَّةِ فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ رَجَعَ يُرِيدُ مَكَّةَ فَغَارَتْ عَلَيْهِ لَخْمٌ فَقَتَلُوهُ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ خَرَجَ مَعَ مَنْ خَرَجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَلَمَّا صَارَ بِهَا تَنَصَّرَ، وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ فَكَانَ بِهَا حَتَّى هَلَكَ هُنَالِكَ نَصْرَانِيًّا، تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ لَهُ شَاهِدٌ.

وَقَدْ قَالَ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَنَسٍ السُّلَمِيِّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ كَانَ بِغَمْرَةٍ فِي لَقَاحٍ لَهُ نِصْفَ النَّهَارِ، إِذْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ

ص: 580

نَعَامَةٌ بَيْضَاءُ عَلَيْهَا رَاكِبٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ مِثْلُ اللَّبَنِ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ بْنَ مِرْدَاسٍ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّمَاءَ كَفَتْ أَحْرَاسَهَا، وَأَنَّ الْحَرْبَ تَجَرَّعَتْ أَنْفَاسَهَا، وَأَنَّ الْخَيْلَ وَضَعَتْ أَحْلَاسَهَا، وَأَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَيْلَةَ الثُّلَاثَا، صَاحِبُ النَّاقَةِ الْقَصْوَا قَالَ: فَرَجَعْتُ مَرْعُوبًا قَدْ رَاعَنِي مَا رَأَيْتُ، وَسَمِعْتُ حَتَّى جِئْتُ وَثَنًا لَنَا يُدْعَى الضِّمَارَ، وَكُنَّا نَعْبُدُهُ، وَنُكَلَّمُ مَنْ جَوْفِهِ فَكَنَسْتُ مَا حَوْلَهُ، ثُمَّ تَمَسَّحْتُ بِهِ وَقَبَّلْتُهُ فَإِذَا صَائِحٌ مَنْ جَوْفِهِ يَقُولُ

قُلْ لِلْقَبَائِلِ مِنْ سُلَيْمٍ كُلِّهَا

هَلَكَ الضَّمَارُ وَفَازَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ

هَلَكَ الضِّمَارُ وَكَانَ يُعْبَدُ مَرَّةً

قَبْلَ الْكِتَابِ مَعَ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ

إِنَّ الَّذِي وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى

بِعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِ

قَالَ: فَخَرَجْتُ مَرْعُوبًا حَتَّى أَتَيْتُ قَوْمِي فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمُ الْقِصَّةَ، وَأَخْبَرْتُهُمُ الْخَبَرَ، وَخَرَجْتُ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ قَوْمِي بَنِي حَارِثَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِي: يَا عَبَّاسُ كَيْفَ كَانَ إِسْلَامُكَ؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ قَالَ: فَسُرَّ بِذَلِكَ، وَأَسْلَمْتُ أَنَا وَقَوْمِي.

وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي

ص: 581

عَاصِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَصْمَعِيِّ حَدَّثَنِي الْوَصَّافِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ إِسْحَاقَ الْخُزَاعِيِّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: أَوَّلُ إِسْلَامِي أَنَّ مِرْدَاسًا أَبِي لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْصَانِي بِصَنَمٍ لَهُ يُقَالَ لَهُ: ضِمَارٌ فَجَعَلْتُهُ فِي بَيْتٍ، وَجَعَلْتُ آتِيهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً فَلَمَّا ظَهَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَمِعْتُ صَوْتًا مُرْسَلًا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ رَاعَنِي فَوَثَبْتُ إِلَى ضِمَارٍ مُسْتَغِيثًا، وَإِذَا بِالصَّوْتِ مِنْ جَوْفِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

قَلْ لِلْقَبِيلَةِ مِنْ سُلَيْمٍ كِلِّهَا

هَلَكَ الْأَنِيسُ وَعَاشَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ

أَوْدَى ضِمَارُ وَكَانَ يُعْبَدُ مَرَّةً

قَبْلَ الْكِتَابِ إِلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدِ

إِنَّ الَّذِي وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى

بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِ

قَالَ: فَكَتَمْتُهُ النَّاسَ فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ مِنَ الْأَحْزَابِ، بَيْنَا أَنَا فِي إِبِلِي بِطَرَفِ الْعَقِيقِ مَنْ ذَاتِ عِرْقٍ رَاقِدًا سَمِعْتُ صَوْتًا، وَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى جَنَاحِ نَعَامَةٍ، وَهُوَ يَقُولُ: النُّورُ الَّذِي وَقَعَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، مَعَ صَاحِبِ النَّاقَةِ الْعَضْبَاءِ، فِي دِيَارِ إِخْوَانِ بَنِي الْعَنْقَاءِ. فَأَجَابَهُ هَاتِفٌ مِنْ شِمَالِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

ص: 582

بَشِّرِ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا

أَنْ وَضَعَتِ الْمَطِيُّ أَحْلَاسَهَا

وَكَلَأَتِ السَّمَاءُ أَحْرَاسَهَا

قَالَ: فَوَثَبْتُ مَذْعُورًا، وَعَلِمْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا مُرْسَلٌ فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَاحْتَثَثْتُ السَّيْرَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى ضِمَارٍ فَأَحْرَقْتُهُ بِالنَّارِ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْشَدْتُهُ شِعْرًا أَقُولُ فِيهِ

لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَجْعَلُ جَاهِلًا

ضِمَارًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مُشَارِكًا

وَتَرْكِي رَسُولَ اللَّهِ وَالْأَوْسَ حَوْلَهُ

أُولَئِكَ أَنْصَارٌ لَهُ مَا أُولَئِكَا

كَتَارِكِ سَهْلِ الْأَرْضِ وَالْحَزْنَ يَبْتَغِي

لِيَسْلُكَ فِي وَعْثِ الْأُمُورِ الْمَسَالِكَا

فَآمَنْتُ بِاللَّهِ الَّذِي أَنَا عَبْدُهُ

وَخَالَفْتُ مَنْ أَمْسَى يُرِيدُ الْمَهَالِكَا

وَوَجَّهْتُ وَجْهِي نَحْوَ مَكَّةَ قَاصِدًا

أُبَايِعُ نَبِيَّ الْأَكْرَمِينَ الْمُبَارَكَا

نَبِيٌّ أَتَانَا بَعْدَ عِيسَى بِنَاطِقٍ

مِنَ الْحَقِّ فِيهِ الْفَصْلُ فِيهِ كَذَلِكَا

أَمِينٌ عَلَى الْقُرْآنِ أَوَّلُ شَافِعٍ

وَأَوَّلُ مَبْعُوثٍ يُجِيبُ الْمَلَائِكَا

تَلَافَى عُرَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ انْتِقَاضِهَا

فَأَحْكَمَهَا حَتَّى أَقَامَ الْمَنَاسِكَا

عَنَيْتُكَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا

تَوَسَّطْتَ فِي الْفَرْعَيْنِ وَالْمَجْدِ مَالِكا

ص: 583

وَأَنْتَ الْمُصَفَّى مِنْ قُرَيْشٍ إِذَا سَمَتْ

عَلَى ضُمْرِهَا تَبْقَى الْقُرُونَ الْمُبَارَكَا

إِذَا انْتَسَبَ الْحَيَّانِ كَعْبٌ وَمَالِكٌ

وَجَدْنَاكَ مَحْضًا وَالنِّسَاءَ الْعَوَارِكَا

قَالَ الْخَرَائِطِيُّ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْ خَثْعَمٍ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ مِمَّا دَعَانَا إِلَى الْإِسْلَامِ أَنَّا كُنَّا قَوْمًا نَعْبُدُ الْأَوْثَانَ فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ وَثَنٍ لَنَا، إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ يَتَقَاضَوْنَ إِلَيْهِ، يَرْجُونَ الْفَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، لِشَيْءٍ شَجَرَ بَيْنَهُمْ إِذْ هَتَفَ بِهِمْ هَاتِفٌ مِنَ الصَّنَمِ فَجَعَلَ يَقُولُ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ذَوُو الْأَجْسَامِ

مِنْ بَيْنِ أَشْيَاخٍ إِلَى غُلَامِ

مَا أَنْتُمْ وَطَائِشُ الْأَحْلَامِ

وَمُسْنِدُ الْحُكْمِ إِلَى الْأَصْنَامِ

أَكُلُّكُمْ فِي حِيرَةِ النِّيَامِ

أَمْ لَا تَرَوْنَ مَا أَرَى أَمَامِي

مِنْ سَاطِعٍ يَجْلُو دُجَى الظَّلَامِ

قَدْ لَاحَ لِلنَّاظِرِ مِنْ تِهَامِ

ذَاكَ نَبِيٌّ سَيِّدُ الْأَنَامِ

قَدْ جَاءَ بَعْدَ الْكُفْرِ بِالْإِسْلَامِ

ص: 584

أَكْرَمَهُ الرَّحْمَنُ مِنْ إِمَامِ

وَمِنْ رَسُولٍ صَادِقِ الْكَلَامِ

أَعْدَلَ ذِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ

يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ

وَالْبِرِّ وَالصِّلَاتِ لِلْأَرْحَامِ

وَيَزْجُرُ النَّاسَ عَنِ الْآثَامِ

وَالرِّجْسِ وَالْأَوْثَانِ وَالْحَرَامِ

مِنْ هَاشِمٍ فِي ذِرْوَةِ السَّنَامِ

مُسْتَعْلِنًا فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ تَفَرَّقْنَا عَنْهُ، وَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمْنَا.

وَقَالَ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْبَلَوِيُّ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَكْبَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: رَافِعُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ أَهْدَى النَّاسِ لِلطَّرِيقِ، وَأَسْرَاهُمْ بِلَيْلٍ، وَأَهْجَمَهُمْ عَلَى هَوْلٍ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِ لِذَلِكَ دُعْمُوصَ الْعَرَبِ، لِهِدَايَتِهِ وَجَرَاءَتِهِ عَلَى السَّيْرِ فَذَكَرَ عَنْ بَدْءِ إِسْلَامِهِ قَالَ: إِنِّي لَأَسِيرُ بِرَمْلِ عَالِجٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذْ غَلَبَنِي النَّوْمُ فَنَزَلْتُ عَنْ رَاحِلَتِي وَأَنَخْتُهَا وَتَوَسَّدْتُ ذِرَاعَهَا وَنِمْتُ، وَقَدْ تَعَوَّذْتُ قَبْلَ نَوْمِي فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِعَظِيمِ هَذَا الْوَادِي مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَنْ أُؤْذَى أَوْ أُهَاجَ فَرَأَيْتُ فِي مَنَامِي رَجُلًا شَابًّا يَرْصُدُ نَاقَتِي، وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ يُرِيدُ أَنْ يَضَعَهَا فِي نَحْرِهَا فَانْتَبَهْتُ لِذَلِكَ فَزِعًا فَنَظَرْتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ أَرَ شَيْئًا فَقُلْتُ: هَذَا حُلْمٌ، ثُمَّ عُدْتُ فَغَفَوْتُ فَرَأَيْتُ فِي مَنَامِي مِثْلَ رُؤْيَايَ الْأُولَى فَانْتَبَهْتُ

ص: 585

فَدُرْتُ حَوْلَ نَاقَتِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَإِذَا نَاقَتِي تُرْعَدُ، ثُمَّ غَفَوْتُ فَرَأَيْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَانْتَبَهْتُ فَرَأَيْتُ نَاقَتِي تَضْطَرِبُ وَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بَرْجَلٍ شَابٍّ كَالَّذِي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ، وَرَجُلٍ شَيْخٍ مُمْسِكٍ بِيَدِهِ يَرُدُّهُ عَنْهَا وَهُوَ يَقُولُ

يَا مَالِكُ بْنَ مُهَلْهِلِ بْنِ دِثَارِ

مَهْلًا فِدًى لَكَ مِئْزَرِي وَإِزَارِي

عَنْ نَاقَةِ الْإِنْسِيِّ لَا تَعْرِضْ لَهَا

وَاخْتَرْ بِهَا مَا شِئْتَ مِنْ أَثْوَارِي

وَلَقَدْ بَدَا لِي مِنْكَ مَا لَمْ أَحْتَسِبْ

أَلَّا رَعَيْتَ قَرَابَتِي وَذِمَارِي

تَسْمُو إِلَيْهِ بِحَرْبَةٍ مَسْمُومَةٍ

تَبًّا لِفِعْلِكَ يَا أَبَا الْغَفَّارِ

لَوْلَا الْحَيَاءُ وَأَنَّ أَهْلَكَ جِيرَةٌ

لَعَلِمْتَ مَا كَشَّفْتَ مِنْ أَخْبَارِي

قَالَ: فَأَجَابَهُ الشَّابُّ وَهُوَ يَقُولُ

أَأَرَدْتَ أَنْ تَعْلُو وَتَخْفِضَ ذِكْرَنَا

فِي غَيْرِ مُزْرِيةٍ أَبَا الْعَيْزَارِ

مَا كَانَ فِيهِمْ سَيِّدٌ فِيمَا مَضَى

إِنَّ الْخِيَارَ هُمُو بَنُو الْأَخْيَارِ

فَاقْصِدْ لِقَصْدِكَ يَا مُعَكْبِرُ

إِنِّمَا كَانَ الْمُجِيرُ مُهَلْهِلَ بْنَ دِثَارِ

قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمَا يَتَنَازَعَانِ، إِذْ طَلَعَتْ ثَلَاثَةُ أَثْوَارٍ مِنَ الْوَحْشِ فَقَالَ الشَّيْخُ لِلْفَتَى: قُمْ يَا ابْنَ أُخْتِ، فَخُذْ أَيُّهَا شِئْتَ فَدَاءً لِنَاقَةِ جَارِي الْإِنْسِيِّ. فَقَامَ الْفَتَى فَأَخَذَ مِنْهَا ثَوْرًا وَانْصَرَفَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الشَّيْخِ فَقَالَ: يَا هَذَا إِذَا نَزَلْتَ وَادِيًا مِنَ الْأَوْدِيَةِ فَخِفْتَ هَوْلَهُ فَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ رَبِّ مُحَمَّدٍ مِنْ هَوْلِ هَذَا الْوَادِي وَلَا تَعُذْ بِأَحَدٍ مِنَ الْجِنِّ فَقَدْ بَطَلَ أَمْرُهَا قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ مُحَمَّدٌ هَذَا؟ قَالَ: نَبِيٌّ عَرَبِيٌّ لَا شَرْقِيٌّ وَلَا غَرْبِيٌّ بُعِثَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. قُلْتُ:

ص: 586

وَأَيْنَ مَسْكَنُهُ؟ قَالَ: يَثْرِبُ ذَاتُ النَّخْلِ قَالَ: فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حِينَ بَرَقَ لِيَ الصُّبْحُ وَجَدَدْتُ السَّيْرَ حَتَّى تَقَحَّمْتُ الْمَدِينَةَ فَرَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَنِي بِحَدِيثِي قَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمْتُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَكُنَّا نَرَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6] .

وَرَوَى الْخَرَائِطِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِذَا كُنْتَ بِوَادٍ تَخَافُ السَّبْعَ فَقُلْ: أَعُوذُ بِدَانْيَالَ وَالْجُبِّ مِنْ شَرِّ الْأَسَدِ.

وَرَوَى الْبَلَوِيُّ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قِصَّةَ قِتَالِ عَلِيٍّ الْجِنَّ بِالْبِئْرِ ذَاتِ الْعَلَمِ الَّتِي بِالْجُحْفَةِ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَقِي لَهُمُ الْمَاءَ فَأَرَادُوا مَنْعَهُ، وَقَطَعُوا الدَّلْوَ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، وَهِيَ قِصَّةٌ مُطَوَّلَةٌ مُنْكَرَةٌ جِدًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَارِثِ مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الدِّمَشْقِيُّ

ص: 587

وَغَيْرُهُ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيلَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا مَجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَذَاكَرُونَ فَضَائِلَ الْقُرْآنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَوَاتِيمُ سُورَةِ النَّحْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُورَةُ يس، وَقَالَ عَلِيٌّ: فَأَيْنَ أَنْتُمْ، عَنْ فَضِيلَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ؟ أَمَا إِنَّهَا خَمْسُونَ كَلِمَةً فِي كُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعُونَ بَرَكَةً. قَالَ: وَفِي الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ لَا يُحِيرُ جَوَابًا فَقَالَ: أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا ثَوْرٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذْ جَهَدَنِي الْجُوعُ فَأَقْحَمْتُ فَرَسِي فِي الْبَرِّيَّةِ، فَمَا أَصَبْتُ إِلَّا بَيْضَ النَّعَامِ، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ، إِذَا أَنَا بِشَيْخٍ عَرَبِيٍّ فِي خَيْمَةٍ، وَإِلَى جَانِبِهِ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا شَمْسٌ طَالِعَةٌ، وَمَعَهُ غُنَيْمَاتٌ لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَأْسِرْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ فَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَيَّ، وَقَالَ: يَا فَتَى إِنْ أَرَدْتَ قِرًى فَانْزِلْ، وَإِنْ أَرَدْتَ مَعُونَةً أَعَنَّاكَ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَأْسِرْ فَقَالَ

عَرَضْنَا عَلَيْكَ النُّزْلَ مِنَّا تَكَرُّمًا

فَلَمْ تَرْعَوِي جَهْلًا كَفِعْلِ الْأَشَائِمِ

وَجِئْتَ بِبُهْتَانٍ وَزُورٍ وَدُونَ مَا

تَمَنَّيْتَهُ بِالْبَيْضِ حَزُّ الْحَلَاقِمِ

ص: 588

قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيَّ وَثْبَةً، وَهُوَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَكَأَنِّي مَثَلْتُ تَحْتَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَقْتُلُكَ أَمْ أُخَلِّي عَنْكَ؟ قُلْتُ: بَلْ خَلِّ عَنِّي، قَالَ: فَخَلَّى عَنِّي، ثُمَّ إِنْ نَفْسِي حَدَّثَتْنِي بِالْمُعَاوَدَةِ فَقُلْتُ: اسْتَأْسِرْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ فَقَالَ:

بِبِسْمِ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فُزْنَا

هُنَالِكَ وَالرَّحِيمِ بِهِ قَهَرْنَا

وَمَا تُغْنِي جَلَادَةُ ذِي حِفَاظٍ

إِذَا يَوْمًا لِمَعْرَكَةٍ بَرَزْنَا

ثُمَّ وَثَبَ لِي، وَثْبَةً كَأَنِّي مَثَلْتُ تَحْتَهُ فَقَالَ: أَقْتُلُكَ أَمْ أُخَلِّي عَنْكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ خَلِّ عَنِّي فَخَلَّى عَنِّي فَانْطَلَقْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: يَا عَمْرُو، أَيَقْهَرُكَ هَذَا الشَّيْخُ وَاللَّهِ لَلْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْحَيَاةِ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَأْسِرْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، فَوَثَبَ إِلَيَّ وَثْبَةً وَهُوَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَكَأَنِّي مَثَلْتُ تَحْتَهُ فَقَالَ: أَقْتُلُكَ أَمْ أُخَلِّي عَنْكَ؟ قُلْتُ: بَلْ خَلِّ عَنِّي فَقَالَ: هَيْهَاتَ يَا جَارِيَةُ، ائْتِينِي بِالْمُدْيَةِ فَأَتَتْهُ بِالْمُدْيَةِ فَجَزَّ نَاصِيَتِي، وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا ظَفِرَتْ بِرَجُلٍ فَجَزَّتْ نَاصِيَتَهُ اسْتَعْبَدَتْهُ فَكُنْتُ مَعَهُ أَخْدِمُهُ مُدَّةً، ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: يَا عَمْرُو أُرِيدُ أَنْ تَرْكَبَ مَعِيَ الْبَرِّيَّةَ، وَلَيْسَ بِي مِنْكَ وَجَلٌ; وَإِنِّي بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَوَاثِقٌ. قَالَ: فَسِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا وَادِيًا أَشِبًا مُهَوِّلًا مُغَوِّلًا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلَمْ يَبْقَ

ص: 589

طَيْرٌ فِي وَكْرِهِ إِلَّا طَارَ، ثُمَّ أَعَادَ الصَّوْتَ فَلَمْ يَبْقَ سَبْعٌ فِي مَرْبِضِهِ إِلَّا هَرَبَ، ثُمَّ أَعَادَ الصَّوْتَ فَإِذَا نَحْنُ بِحَبَشِيٍّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْنَا مِنَ الْوَادِي كَالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ، فَقَالَ لِي: يَا عَمْرُو إِذْ رَأَيْتَنَا قَدِ اتَّحَدْنَا فَقُلْ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمَا قَدِ اتَّحَدَا قُلْتُ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلَمْ يَصْنَعِ الشَّيْخُ شَيْئًا فَرَجَعَ إِلَيَّ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ قَدْ خَالَفْتَ قَوْلِي. قُلْتُ أَجَلْ وَلَسْتُ بِعَائِدٍ. فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَنَا قَدِ اتَّحَدْنَا فَقُلْ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقُلْتُ: أَجَلْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمَا قَدِ اتَّحَدَا قُلْتُ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ: فَاتَّكَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ فَبَعَجَهُ بِسَيْفِهِ فَاشْتَقَّ جَوْفَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا كَهَيْئَةِ الْقِنْدِيلِ الْأَسْوَدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَمْرُو هَذَا غِشُّهُ وَغِلُّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي مَنْ تِلْكَ الْجَارِيَةُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: تِلْكَ الْفَارِعَةُ بِنْتُ السَّلِيلِ الْجُرْهُمِيِّ، وَكَانَ أَبُوهَا مِنْ خِيَارِ الْجِنِّ، وَهَؤُلَاءِ أَهْلُهَا، وَبَنُو عَمِّهَا يَغْزُونِي مِنْهُمْ كُلَّ عَامٍ رَجُلٌ، يَنْصُرُنِي اللَّهُ عَلَيْهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ رَأَيْتَ مَا كَانَ مِنِّي إِلَى الْحَبَشِيِّ وَقَدْ غَلَبَ عَلَيَّ الْجُوعُ فَائْتِنِي بِشَيْءٍ آكُلُهُ.

فَأَقْحَمْتُ بِفَرَسِي الْبَرِّيَّةَ، فَمَا أَصَبْتُ إِلَّا بَيْضَ النَّعَامِ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَوَجَدْتُهُ نَائِمًا، وَإِذَا تَحْتَ

ص: 590

رَأْسِهِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ الْخَشَبَةِ فَاسْتَلَلْتُهُ، فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ عَرْضُهُ شِبْرٌ فِي سَبْعَةِ أَشْبَارٍ فَضَرَبْتُ سَاقَيْهِ ضَرْبَةً أَبَنْتُ السَّاقَيْنِ مَعَ الْقَدَمَيْنِ فَاسْتَوَى عَلَى فِقَارِ ظَهْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ مَا أَغْدَرَكَ يَا غَدَّارُ. قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ مَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ بِسَيْفِي حَتَّى قَطَّعْتُهُ إِرْبًا إِرْبًا. قَالَ: فَوَجَمَ لِذَلِكَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

بِالْغَدْرِ نِلْتَ أَخَا الْإِسْلَامِ عَنْ كَثَبٍ

مَا إِنْ سَمِعْتُ كَذَا فِي سَالِفِ الْعَرَبِ

وَالْعُجْمُ تَأْنَفُ مَمَّا جِئْتَهُ كَرَمًا

تَبًّا لِمَا جِئْتَهُ فِي السَّيِّدِ الْأَرَبِ

إِنِّي لَأَعْجَبُ أَنِّي نِلْتَ قِتْلَتَهُ

أَمْ كَيْفَ جَازَاكَ عِنْدَ الذَّنْبِ لَمْ تَنُبِ

قِرْمٌ عَفَا عِنْكَ مَرَّاتٍ وَقَدْ عَلِقَتْ

بِالْجِسْمِ مِنْكَ يَدَاهُ مَوْضِعَ الْعَطَبِ

لَوْ كُنْتُ آخُذُ فِي الْإِسْلَامِ مَا فَعَلُوا

فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالصُّلُبِ

إِذًا لَنَالَتْكَ مِنْ عَدْلِي مُشَطِّبَةٌ

تَدْعُو لِذَائِقِهَا بِالْوَيْلِ وَالْحَرَبِ

قَالَ: ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ حَالِ الْجَارِيَةِ؟ قُلْتُ: ثُمَّ إِنِّي أَتَيْتُ الْجَارِيَةَ فَلَمَّا رَأَتْنِي قَالَتْ: مَا فَعَلَ الشَّيْخُ؟ قُلْتُ: قَتَلَهُ الْحَبَشِيُّ فَقَالَتْ: كَذَبْتَ بَلْ قَتَلْتَهُ أَنْتَ بِغَدْرِكَ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ

عَيْنُ جُودِي لِلْفَارِسِ الْمِغْوَارِ

ثُمَّ جُودِي بِوَاكِفَاتٍ غِزَارِ

ص: 591

لَا تَمَلِّي الْبُكَاءَ إِذْ خَانَكِ الدَّ

هْرُ بِوَافٍ حَقِيقَةً صَبَّارِ

وَتَقِيٍّ وَذِي وَقَارٍ وَحِلْمٍ

وَعَدِيلِ الْفَخَارِ يَوْمَ الْفَخَارِ

لَهْفَ نَفْسِي عَلَى بَقَائِكَ عَمْرُو

أَسْلَمَتْكَ الْأَعْمَارُ لِلْأَقْدَارِ

وَلَعَمْرِي لَوْ لَمْ تَرُمْهُ بِغَدْرٍ

رُمْتَ لَيْثًا بِصَارِمٍ بِتَّارِ

قَالَ: فَأَحْفَظَنِي قَوْلُهَا فَاسْتَلَلْتُ سَيْفِي، وَدَخَلْتُ الْخَيْمَةَ لِأَقْتُلَهَا فَلَمْ أَرَ فِي الْخَيْمَةِ أَحَدًا فَاسْتَقْتُ الْمَاشِيَةَ، وَجِئْتُ إِلَى أَهْلِي. وَهَذَا أَثَرٌ عَجِيبٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ كَانَ مِنَ الْجَانِّ، وَكَانَ مِمَّنْ أَسْلَمَ، وَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَفِيمَا تَعَلَّمَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَكَانَ يَتَعَوَّذُ بِهَا.

وَقَالَ الْخَرَائِطِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: كَانَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَذْكُرَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّجَاشِيَّ بَعْدَ رُجُوعِ أَبْرَهَةَ مِنْ مَكَّةَ قَالَا: فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ لَنَا: اصْدُقَانِي أَيُّهَا الْقُرَشِيَّانِ هَلْ وُلِدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ أَرَادَ أَبُوهُ ذَبْحَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بِالْقِدَاحِ فَسَلِمَ وَنُحِرَتْ عَنْهُ إِبِلٌ كَثِيرَةٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ لَكُمَا عِلْمٌ بِهِ مَا فَعَلَ؟ قُلْنَا: تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالَ لَهَا: آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ تَرَكَهَا حَامِلًا وَخَرَجَ قَالَ: فَهَلْ تَعْلَمَانِ وُلِدَ أَمْ لَا؟ قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: أُخْبِرُكَ أَيُّهَا

ص: 592

الْمَلِكُ أَنِّي لَيْلَةً قَدْ بِتُّ عِنْدَ وَثَنٍ لَنَا كُنَّا نُطِيفُ بِهِ وَنَعْبُدُهُ إِذْ سَمِعْتُ مِنْ جَوْفِهِ هَاتِفًا يَقُولُ:

وُلِدَ النَّبِيُّ فَذَلَّتِ الْأَمْلَاكُ

وَنَأَى الضَّلَالُ وَأَدْبَرَ الْإِشْرَاكُ

ثُمَّ انْتَكَسَ الصَّنَمُ عَلَى وَجْهِهِ. فَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: عِنْدِي كَخَبَرِهِ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَ: هَاتِ قَالَ: أَنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَهُ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ أَهْلِي وَهُمْ يَذْكُرُونَ حَمْلَ آمِنَةَ حَتَّى أَتَيْتُ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ; أُرِيدُ الْخُلُوَّ فِيهِ لِأَمْرٍ رَابَنِي إِذْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ لَهُ جَنَاحَانِ أَخْضَرَانِ فَوَقَفَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَى مَكَّةَ فَقَالَ: ذَلَّ الشَّيْطَانْ، وَبَطَلَتِ الْأَوْثَانْ، وَوُلِدَ الْأَمِينُ ثُمَّ نَشَرَ ثَوْبًا مَعَهُ وَأَهْوَى بِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَرَأَيْتُهُ قَدْ جَلَّلَ مَا تَحْتَ السَّمَاءِ وَسَطَعَ نُورٌ كَادَ أَنْ يَخْتَطِفَ بَصَرِي وَهَالَنِي مَا رَأَيْتُ وَخَفَقَ الْهَاتِفُ بِجَنَاحَيْهِ حَتَّى سَقَطَ عَلَى الْكَعْبَةِ فَسَطَعَ لَهُ نُورٌ أَشْرَقَتْ لَهُ تِهَامَةُ وَقَالَ: ذَكَتِ الْأَرْضُ وَأَدَّتْ رَبِيعَهَا وَأَوْمَأَ إِلَى الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الْكَعْبَةِ فَسَقَطَتْ كُلُّهَا. قَالَ النَّجَاشِيُّ وَيْحَكُمَا! أُخْبِرُكُمَا عَمَّا أَصَابَنِي إِنِّي لَنَائِمٌ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي ذَكَرْتُمَا فِي قُبَّةٍ وَقْتَ خَلْوَتِي، إِذْ خَرَجَ عَلَيَّ مِنَ الْأَرْضِ عُنُقٌ وَرَأَسٌ وَهُوَ يَقُولُ: حَلَّ الْوَيْلُ بِأَصْحَابِ الْفِيلْ،

ص: 593

رَمَتْهُمْ طَيْرٌ أَبَابِيلْ، بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلْ، هَلَكَ الْأَشْرَمْ، الْمُعْتَدِي الْمُجْرِمْ، وَوُلِدَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، الْمَكِّيُّ الْحَرَمِيُّ، مَنْ أَجَابَهُ سَعَدْ، وَمَنْ أَبَاهُ عَنَدْ.

ثُمَّ دَخَلَ الْأَرْضَ فَغَابَ فَذَهَبْتُ أَصِيحُ فَلَمْ أُطِقِ الْكَلَامَ، وَرُمْتُ الْقِيَامَ فَلَمْ أُطِقِ الْقِيَامَ، فَصَرَعْتُ الْقُبَّةَ بِيَدِي فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلِي فَجَاءُونِي فَقُلْتُ: احْجُبُوا عَنِّي الْحَبَشَةَ فَحَجَبُوهُمْ عَنِّي ثُمَّ أُطْلِقَ عَنْ لِسَانِي وَرِجْلِي.

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَارِثِ بْنِ هَانِئِ بْنِ الْمُدْلِجِ بْنِ الْمِقْدَادِ بْنِ زَمْلِ بِنِ عَمْرٍو الْعُذْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَمِلِ بْنِ عَمْرٍو الْعُذْرِيِّ قَالَ: كَانَ لِبَنِي عُذْرَةَ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ: حَمَامٌ. وَكَانُوا يُعَظِّمُونَهُ وَكَانَ فِي بَنِي هِنْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ ضِنَّةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ عُذْرَةَ وَكَانَ سَادِنُهُ رَجُلًا يُقَالَ لَهُ: طَارِقٌ وَكَانُوا يَعْتِرُونَ عِنْدَهُ فَلَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعْنَا صَوْتًا يَقُولُ: يَا بَنِي هِنْدِ بْنِ حَرَامٍ ظَهَرَ الْحَقُّ وَأَوْدَى حَمَامُ، وَدَفَعَ الشِّرْكَ الْإِسْلَامُ. قَالَ: فَفَزِعْنَا لِذَلِكَ وَهَالَنَا فَمَكَثْنَا أَيَّامًا ثُمَّ سَمِعْنَا صَوْتًا وَهُوَ يَقُولُ: يَا طَارِقُ يَا طَارِقْ، بُعِثَ النَّبِيُّ

ص: 594

الصَّادِقْ، بِوَحْيٍ نَاطِقْ، صَدَعَ صَادِعٌ بِأَرْضِ تِهَامَةْ، لِنَاصِرِيهِ السَّلَامَةْ، وَلِخَاذِلِيهِ النَّدَامَةْ، هَذَا الْوَدَاعُ مِنِّي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةْ. قَالَ زَمِلٌ: فَوَقَعَ الصَّنَمُ لِوَجْهِهِ. «قَالَ زَمِلٌ: فَابْتَعْتُ رَاحِلَةً، وَرَحَلْتُ حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي وَأَنْشَدْتُهُ شِعْرًا قُلْتُهُ:

إِلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ أَعْمَلْتُ نَصَّهَا

وَكَلَّفْتُهَا حَزْنًا وَقَوْزًا مِنَ الرَّمْلِ

لِأَنْصُرَ خَيْرَ النَّاسِ نَصْرًا مُؤَزَّرًا

وَأَعْقِدُ حَبْلًا مِنْ حِبَالِكَ فِي حَبْلِي

وَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ

أَدِينُ بِهِ مَا أَثْقَلَتْ قَدَمِي نَعْلِي

قَالَ: فَأَسْلَمْتُ وَبَايَعَتْهُ وَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا سَمِعْنَا فَقَالَ: ذَاكَ مِنْ كَلَامِ الْجِنِّ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْأَنَامِ كَافَّةً أَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنِّي رَسُولُهُ وَعَبْدُهُ، وَأَنْ يَحُجُّوا الْبَيْتَ وَيَصُومُوا شَهْرًا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَمَنْ أَجَابَنِي فَلَهُ الْجَنَّةُ نُزُلَا، وَمَنْ عَصَانِي كَانَتِ النَّارُ لَهُ مُنْقَلَبًا. قَالَ: فَأَسْلَمْنَا وَعَقَدَ لَنَا لِوَاءً

ص: 595

وَكَتَبَ لَنَا كِتَابًا نُسْخَتُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِزَمِلِ بْنِ عَمْرٍو وَمِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ خَاصَّةً إِنِّي بَعَثْتُهُ إِلَى قَوْمِهِ عَامِدًا فَمِنْ أَسْلَمَ فَفِي حِزْبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ أَبَى فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ شَهِدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ.» ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: غَرِيبٌ جِدًّا.

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَانِيِّ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ: مَازِنُ بْنُ الْغَضُوبَةِ. يَسْدُنُ صَنَمًا بِقَرْيَةٍ يُقَالَ لَهَا: سَمَايَا مِنْ عُمَانَ وَكَانَتْ تُعَظِّمُهُ بَنُو الصَّامِتِ وَبَنُو حُطَامَةَ وَمَهْرَةُ وَهُمْ أَخْوَالُ مَازِنٍ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حُوَيْصٍ أَحَدِ بَنِي نُمْرَانَ. قَالَ مَازِنٌ: فَعَتَرْنَا يَوْمًا عِنْدَ الصَّنَمِ عَتِيرَةً وَهِيَ الذَّبِيحَةُ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ الصَّنَمِ يَقُولُ: يَا مَازِنُ، اسْمَعْ تُسَرَّ، ظَهَرَ خَيْرٌ وَبَطَنَ شَرٌّ، بُعِثَ نَبِيٌّ مِنْ مُضَرْ، بِدِينِ اللَّهِ الْأَكْبَرْ، فَدَعْ نَحِيَتًا مَنْ حَجَرْ; تَسْلَمْ مِنْ حَرِّ سَقَرْ، قَالَ: فَفَزِعْتُ لِذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا ثُمَّ عَتَرْنَا بَعْدَ أَيَّامٍ عَتِيرَةً أُخْرَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ الصَّنَمِ يَقُولُ: أَقْبِلْ إِلَيَّ أَقْبِلْ، تَسْمَعْ مَا لَا تَجْهَلْ، هَذَا نَبِيٌّ مُرْسَلْ، جَاءَ بِحَقٍّ مُنْزَلْ، فَآمِنْ بِهِ

ص: 596

كَيْ تَعْدِلْ، عَنْ حَرِّ نَارٍ تُشْعَلْ، وَقُودُهَا الْجَنْدَلْ. قَالَ مَازِنٌ: فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ، وَإِنَّ هَذَا لَخَيْرٌ يُرَادُ بِي وَقَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْحِجَازِ فَقُلْتُ: مَا الْخَبَرُ وَرَاءَكَ؟ فَقَالَ: ظَهَرَ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ: أَحْمَدُ يَقُولُ لِمَنْ أَتَاهُ: أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فَقُلْتُ: هَذَا نَبَأُ مَا سَمِعْتُ فَثُرْتُ إِلَى الصَّنَمِ فَكَسَرْتُهُ جُذَاذًا وَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ فَأَسْلَمْتُ وَقُلْتُ:

كَسَرْتُ بَاجِرَ أَجْذَاذًا وَكَانَ لَنَا

رَبًّا نُطِيفُ بِهِ ضَلًّا بِتَضْلَالِ

بِالْهَاشِمِيِّ هَدَانَا مِنْ ضَلَالَتِنَا

وَلَمْ يَكُنْ دِينُهُ مِنِّي عَلَى بَالِ

يَا رَاكِبًا بَلِّغَنْ عَمْرًا وَإِخْوَتَهُ

أَنِّي لِمَنْ قَالَ رَبِّي بَاجِرٌ قَالِ

يَعْنِي: بِعَمْرٍو الصَّامِتَ وَإِخْوَتِهُ حُطَامَةَ. «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرُؤٌ مُولَعٌ بِالطَّرَبِ وَبِالْهَلُوكِ مِنَ النِّسَاءِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَلَحَّتْ عَلَيْنَا السُّنُونَ فَأَذْهَبْنَ الْأَمْوَالَ وَأَهْزَلْنَ السَّرَارِيَّ وَلَيْسَ لِي وَلَدٌ، فَادْعُو اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ عَنِّي مَا أَجِدُ، وَيَأْتِيَنَا بِالْحَيَا، وَيَهَبَ لِي وَلَدًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ

ص: 597

بِالطَّرَبِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَبِالْحَرَامِ الْحَلَالَ، وَبِالْإِثْمِ وَبِالْعَهْرِ عِفَّةً، وَآتِهِ بِالْحَيَا، وَهَبْ لَهُ وَلَدًا.» قَالَ: فَأَذْهَبُ اللَّهُ عَنِّي مَا أَجِدُ وَأُخْصِبَتْ عُمَانُ، وَتَزَوَّجْتُ أَرْبَعَ حَرَائِرَ وَحَفِظْتُ شَطْرَ الْقُرْآنِ، وَوَهَبَ لِي حَيَّانَ بْنَ مَازِنٍ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

إِلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ خَبَّتْ مَطِيَّتِي

تَجَوبُ الْفَيَافِي مِنْ عُمَانَ إِلَى الْعَرْجِ

لِتَشْفَعَ لِي يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى

فَيَغْفِرَ لِي رَبِّي فَأَرْجِعَ بِالْفَلْجِ

إِلَى مَعْشَرٍ خَالَفْتُ فِي اللَّهِ دِينَهُمْ

فَلَا رَأْيُهُمْ رَأْيِي وَلَا شَرْجُهُمْ شَرْجِي

وَكُنْتُ امْرَأً بِالْخَمْرِ وَالْعَهْرِ مُولَعًا

شَبَابِيَ حَتَّى آذَنَ الْجِسْمُ بِالنَّهْجِ

فَبَدَّلَنِي بِالْخَمْرِ خَوْفًا وَخَشْيَةً

وَبِالْعَهْرِ إِحْصَانًا فَحَصَّنَ لِي فَرْجِي

فَأَصْبَحْتُ هَمِّي فِي الْجِهَادِ وَنِيَّتِي

فَلِلَّهِ مَا صَوْمِي وَلِلَّهِ مَا حَجِّي

قَالَ: فَلَمَّا أَتَيْتُ قَوْمِي أَنَّبُونِي وَشَتَمُونِي وَأَمَرُوا شَاعِرًا لَهُمْ فَهَجَانِي فَقُلْتُ: إِنْ رَدَدْتُ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا أَهْجُو نَفْسِي فَرَحَلْتُ عَنْهُمْ، فَأَتَتْنِي مِنْهُمْ زُلْفَةٌ عَظِيمَةٌ وَكُنْتُ الْقَيِّمَ بِأُمُورِهِمْ فَقَالُوا: يَا ابْنَ عَمٍّ، عِبْنَا عَلَيْكَ أَمَرًا وَكَرِهْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ أَبَيْتَ ذَلِكَ فَارْجِعْ وَقُمْ بِأُمُورِنَا، وَشَأْنُكَ وَمَا تَدِينُ بِهِ. فَرَجَعْتُ مَعَهُمْ وَقُلْتُ:

ص: 598

لَبُغْضُكُمْ عِنْدَنَا مُرٌّ مَذَاقَتُهُ

وَبُغْضُنَا عِنْدَكُمْ يَا قَوْمَنَا لَبَنُ

لَا يَفْطِنُ الدَّهْرُ إِنْ بُثَّتْ مَعَائِبُكُمْ

وَكُلُّكُمْ حِينَ يُثْنَى عَيْبُنَا فَطِنُ

شَاعِرُنَا مُفْحَمٌ عَنْكُمْ وَشَاعِرُكُمْ

فِي حَدْبِنَا مُبْلِغٌ فِي شَتْمِنَا لَسِنُ

مَا فِي الْقُلُوبِ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا

وَغِرٌ وَفِي قُلُوبِكُمُ الْبَغْضَاءُ وَالْإِحَنُ

قَالَ مَازِنٌ: فَهَدَاهُمُ اللَّهُ بَعْدُ إِلَى الْإِسْلَامِ جَمِيعًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ فِي مُغَازِيهِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ يَعْنِي عَمَّهُ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّهُ ذُكِرَ لِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هَتَفَ هَاتِفٌ مِنَ الْجِنِّ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ فَقَالَ:

قَبَّحَ اللَّهُ رَأْيَكُمْ آلَ فِهْرٍ

مَا أَرَقَّ الْعُقُولَ وَالْأَفْهَامَ

حِينَ تَعْصِي لِمَنْ يَعِيبُ عَلَيْهَا

دِينَ آبَائِهَا الْحُمَاةِ الْكِرَامِ

حَالَفَ الْجِنُّ جِنَّ بُصْرَى عَلَيْكُمُ

وَرِجَالَ النَّخِيلِ وَالآطَامِ

ص: 599

تُوشِكُ الْخَيْلُ أَنْ تَرَوْهَا تَهَادَى

تَقْتُلُ الْقَوْمَ فِي حَرَامٍ بِهَامِ

هِلْ كَرِيمٌ مِنْكُمُ لَهُ نَفْسُ حُرٍّ

مَاجِدُ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَعْمَامِ

ضَارِبٌ ضَرْبَةً تَكُونُ نَكَالًا

وَرَوَاحًا مِنْ كُرْبَةٍ وَاغْتِمَامِ

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَصْبَحَ هَذَا الشِّعْرُ حَدِيثًا لِأَهْلِ مَكَّةَ يَتَنَاشَدُونَهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا شَيْطَانٌ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْأَوْثَانِ يُقَالَ لَهُ: مِسْعَرٌ وَاللَّهُ مُخْزِيهِ فَمَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ عَلَى الْجَبَلِ يَقُولُ

نَحْنُ قَتَلْنَا فِي ثَلَاثٍ مِسْعَرَا

إِذْ سَفَّهَ الْجِنَّ وَسَنَّ الْمُنْكَرَا

قَنَّعْتُهُ سَيْفًا حُسَامًا مُشْهَرَا

بِشَتْمِهِ نَبِيَّنَا الْمُطَهَّرَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ اسْمُهُ سَمْجٌ آمَنَ بِي سَمَّيْتُهُ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ فِي طَلَبِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ.» وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُوسَى بْنِ أَبِي حَرْبٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَرَجِ الرِّيَاشِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ

ص: 600

أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حَضْرَمَوْتَ فِي حَاجَةٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ فَسَمِعْتُ هَاتِفًا يَقُولُ:

أَبَا عَمْرٍو تَنَاوَبَنِي السُّهُودُ

وَرَاحَ النَّوْمُ وَامْتَنَعَ الْهُجُودُ

لِذِكْرِ عِصَابَةٍ سَلَفُوا وَبَادُوا

وَكُلُّ الْخَلْقِ قَصْرُهُمُ يَبِيدُ

تَوَلَّوْا وَارِدِينَ إِلَى الْمَنَايَا

حِيِاضًا لَيْسَ مَنْهَلَهَا الْوُرُودُ

مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ وَبَقِيتُ خَلْفًا

وَحِيدًا لَيْسَ يُسْعِفُنِي وَحِيدُ

سُدًى لَا أَسْتَطِيعُ عِلَاجَ أَمْرٍ

إِذَا مَا عَالَجَ الطِّفْلُ الْوَلِيدُ

فَلَأْيًا مَا بَقِيتُ إِلَى أُنَاسٍ

وَقَدْ بَاتَتْ بِمَهْلِكِهَا ثَمُودُ

وَعَادٌ وَالْقُرُونُ بِذِي شُعُوبٍ

سَوَاءٌ كُلُّهُمْ إِرَمٌ حَصِيدُ

قَالَ: ثُمَّ صَاحَ بِهِ آخَرُ: يَا خَرْعَبْ، ذَهَبَ بِكَ الْعَجَبْ، إِنَّ الْعَجَبَ كُلَّ الْعَجَبْ، بَيْنَ زُهْرَةَ وَيَثْرِبْ،. قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا شَاحِبْ؟ قَالَ: نَبِيُّ السَّلَامْ، بُعِثَ بِخَيْرِ الْكَلَامْ، إِلَى جَمِيعِ الْأَنَامْ، فَاخْرُجْ مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامْ، إِلَى

ص: 601

نَخِيلٍ وَآطَامْ. قَالَ: مَا هَذَا النَّبِيُّ الْمُرْسَلْ، وَالْكِتَابُ الْمُنَزَّلْ، وَالْأُمِّيُّ الْمُفَضَّلْ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. قَالَ: هَيْهَاتَ، فَاتَ عَنْ هَذَا سِنِّي وَذَهَبَ عَنْهُ زَمَنِي لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَالنَّضْرَ بْنَ كِنَانَةَ نَرْمِي غَرَضًا وَاحِدًا وَنَشْرَبُ حَلَبًا بَارِدًا وَلَقَدْ خَرَجْتُ بِهِ مِنْ دَوْحَةٍ فِي غَدَاةٍ شَبِمَةٍ وَطَلَعَ مَعَ الشَّمْسِ وَغَرَبَ مَعَهَا يَرْوِي مَا يَسْمَعُ وَيُثْبِتُ مَا يُبْصِرُ وَلَئِنْ كَانَ هَذَا مِنْ وَلَدِهِ لَقَدْ سُلَّ السَّيْفُ، وَذَهَبَ الْخَوْفُ، وَدُحِضَ الزِّنَا وَهَلَكَ الرِّبَا. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي مَا يَكُونُ؟ قَالَ: ذَهَبَتِ السَّرَّاءَ وَالْمَجَاعَةْ، وَالشِّدَّةُ وَالشَّجَاعَةْ، إِلَّا بَقِيَّةً فِي خُزَاعَةْ. وَذَهَبَتِ الضَّرَّاءُ وَالْبُؤْسُ، وَالْخُلُقُ الْمَنْقُوسُ إِلَّا بَقِيَّةً مِنَ الْخَزْرَجِ وَالْأَوْسِ. وَذَهَبَتِ الْخُيَلَاءُ وَالْفَخْرُ، وَالنَّمِيمَةُ وَالْغَدْرُ، إِلَّا بَقِيَّةً فِي بَنِي بَكْرٍ - يَعْنِي ابْنَ هَوَازِنَ - وَذَهَبَ الْفِعْلُ الْمُنَدِّمْ، وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّمْ، إِلَّا بَقِيَّةً فِي خَثْعَمْ. قَالَ: أَخْبِرْنِي مَا يَكُونُ؟ قَالَ: إِذَا غُلِبَتِ الْبَرَّةْ، وَلُطِمَتِ الْحُرَّةْ، فَاخْرُجْ مِنْ بِلَادِ الْهِجْرَةْ، وَإِذَا كُفَّ

ص: 602

السَّلَامْ، وَقُطِعَتِ الْأَرْحَامْ، فَاخْرُجْ مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامْ، قَالَ: أَخْبِرْنِي مَا يَكُونُ؟ قَالَ: لَوْلَا أُذُنٌ تَسْمَعْ، وَعَيْنٌ تَلْمَعْ; لَأَخْبَرْتُكَ بِمَا يُفْزِعْ. ثُمَّ قَالَ:

لَا مَنَامٌ هَدَّأْتَهُ بِنَعِيمٍ

يَا ابْنَ غَوْطٍ وَلَا صَبَاحٌ أَتَانَا

قَالَ: ثُمَّ صَرْصَرَ صَرْصَرَةً كَأَنَّهَا صَرْصَرَةُ حُبْلَى فَذَهَبَ الْفَجْرُ فَذَهَبْتُ لِأَنْظُرَ فَإِذَا عَظَايَةٌ وَثُعْبَانٌ مَيِّتَانِ. قَالَ: فَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ، عَنْ شَهْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: لَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ خَرَجْتُ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لِبَعْضِ الْحَاجَةِ قَالَ: فَقَضَيْتُ حَاجَتِي ثُمَّ أَقْبَلْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نِمْتُ فَفَزِعْتُ مِنَ اللَّيْلِ بِصَائِحٍ يَقُولُ

أَبَا عَمْرٍو تَنَاوَبَنِي السُّهُودُ

وَرَاحَ النَّوْمُ وَانْقَطَعَ الْهُجُودُ

وَذَكَرَ مِثْلَهُ بِطُولِهِ.

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ

ص: 603

عَلِيٍّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو غَزِيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى عَنِ الْعَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ الْوَابِصَيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ يَقُولُ: كُنْتُ بِالشَّامِ حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَأَدْرَكَنِي اللَّيْلُ فَقُلْتُ: أَنَا فِي جِوَارِ عَظِيمِ هَذَا الْوَادِي اللَّيْلَةَ. قَالَ: فَلَمَّا أَخَذْتُ مَضْجَعِي إِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي لَا أَرَاهُ: عُذْ بِاللَّهِ فَإِنَّ الْجِنَّ لَا تُجِيرُ أَحَدًا عَلَى اللَّهِ فَقُلْتُ: ايْمُ اللَّهِ تَقُولُ؟ فَقَالَ: قَدْ خَرَجَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ رَسُولُ اللَّهِ وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ بِالْحَجُونِ فَأَسْلَمْنَا وَاتَّبَعْنَاهُ وَذَهَبَ كَيْدُ الْجِنِّ وَرُمِيَتْ بِالشُّهُبِ فَانْطَلِقْ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأَسْلِمْ. قَالَ تَمِيمٌ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَهَبْتُ إِلَى دَيْرِ أَيُّوبَ فَسَأَلْتُ رَاهِبًا وَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَقَالَ الرَّاهِبُ: قَدْ صَدَقُوكَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ، وَمُهَاجَرُهُ الْحَرَمُ وَهُوَ خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا تُسْبَقْ إِلَيْهِ قَالَ تَمِيمٌ: فَتَكَلَّفْتُ الشُّخُوصَ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمْتُ.

وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْهُذَلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَاعِدَةَ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ صَنَمِنَا سُوَاعٍ، وَقَدْ جَلَبْنَا إِلَيْهِ غَنَمًا لَنَا، مِائَتَيْ شَاةٍ قَدْ أَصَابَهَا جَرَبٌ، فَأَدْنَيْنَاهَا مِنْهُ لِنَطْلُبَ بَرَكَتَهُ فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا مِنْ جَوْفِ الصَّنَمِ يُنَادِي: قَدْ ذَهَبَ كَيْدُ الْجِنِّ وَرُمِينَا بِالشُّهُبِ لِنَبِيٍّ اسْمُهُ أَحْمَدُ

ص: 604

قَالَ: فَقُلْتُ: غَوَيْتُ وَاللَّهِ. فَصَرَفْتُ وَجْهَ غَنَمِي مُنْجِدًا إِلَى أَهْلِي فَلَقِيتُ رَجُلًا فَخَبَّرَنِي بِظُهُورِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ هَكَذَا مُعَلَّقًا ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ السِّنْدِيِّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عَطَاءٍ الظَّفَرِيِّ - مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مِنْ وَلَدِ رَاشِدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهُ قَالَ: كَانَ الصَّنَمُ الَّذِي يُقَالَ لَهُ: سُوَاعٌ بِالْمَعْلَاةِ مِنْ رُهَاطٍ تَدِينُ لَهُ هُذَيْلٌ وَبَنُو ظَفَرِ بْنِ سُلَيْمٍ فَأَرْسَلَتْ بَنُو ظَفَرٍ رَاشِدَ بْنَ عَبْدِ رَبِّهِ بِهَدِيَّةٍ مِنْ سُلَيْمٍ إِلَى سُوَاعٍ قَالَ رَاشِدٌ: فَأَلْقَيْتُ مَعَ الْفَجْرِ إِلَى صَنَمٍ قَبْلَ صَنَمِ سُوَاعٍ فَإِذَا صَارِخٌ يَصْرُخُ مِنْ جَوْفِهِ: الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبْ، مِنْ خُرُوجِ نَبِيٍّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبْ، يُحَرِّمُ الزِّنَا وَالرِّبَا وَالذَّبْحَ لِلْأَصْنَامِ وَحُرِسَتِ السَّمَاءُ، وَرُمِينَا بِالشُّهُبْ، الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبْ. ثُمَّ هَتَفَ صَنَمٌ آخَرُ مِنْ جَوْفِهِ تُرِكَ الضِّمَارُ وَكَانَ يُعْبَدْ، خَرَجَ أَحْمَدْ، يُصَلِّي الصَّلَاةَ، وَيَأْمُرُ بِالزَّكَاةِ

ص: 605

وَالصِّيَامِ، وَالْبِرِّ وَالصِّلَاتِ لِلْأَرْحَامِ ثُمَّ هَتَفَ مِنْ جَوْفِ صَنَمٍ آخَرَ هَاتِفٌ يَقُولُ:

إِنَّ الَّذِي وَرِثَ النُّبُوَّةَ وَالْهُدَى

بَعْدَ ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ قُرَيْشٍ مُهْتَدِ

نَبِيٌّ أَتَى يُخَبِّرُ بِمَا قَدْ سَبَقْ

وَبِمَا يَكُونُ مِنَ الْغَدِ

«قَالَ رَاشِدٌ: فَأَلْفَيْتُ سُوَاعًا مَعَ الْفَجْرِ وَثَعْلَبَانِ يَلْحَسَانِ مَا حَوْلَهُ وَيَأْكُلَانِ مَا يُهْدَى لَهُ، ثُمَّ يُعَرِّجَانِ عَلَيْهِ بِبَوْلِهِمَا. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ رَاشِدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ:

أَرَبٌّ يَبُولُ الثَّعْلَبَانِ بَرَأْسِهِ

لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ

وَذَلِكَ عِنْدَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَسَامَعَ النَّاسُ بِهِ فَخَرَجَ رَاشِدٌ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، الْمَدِينَةَ، وَمَعَهُ كَلْبٌ لَهُ وَاسْمُ رَاشِدٍ: يَوْمَئِذٍ ظَالِمٌ وَاسْمُ كَلْبِهِ: رَاشِدٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا اسْمُكَ قَالَ: ظَالِمٌ. قَالَ: فَمَا اسْمُ كَلْبِكَ؟ قَالَ: رَاشِدٌ. قَالَ: اسْمُكَ رَاشِدٌ وَاسْمُ كَلْبِكَ ظَالِمٌ. وَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَبَايَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَعَهُ. ثُمَّ طَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطِيعَةً بِرُهَاطٍ، وَوَصَفَهَا لَهُ فَأَقْطَعَهُ رَسُولُ

ص: 606

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَعْلَاةِ مِنْ رُهَاطٍ شَأْوَ الْفَرَسِ وَرَمْيَتُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَجَرٍ وَأَعْطَاهُ إِدَاوَةً مَمْلُوءَةً مِنْ مَاءٍ وَتَفَلَ فِيهَا، وَقَالَ لَهُ: فَرِّغْهَا فِي أَعْلَى الْقَطِيعَةِ وَلَا تَمْنَعِ النَّاسَ فُضُولَهَا فَفَعَلَ. فَجَعَلَ الْمَاءَ مَعِينًا يَجْرِي إِلَى الْيَوْمِ فَغَرَسَ عَلَيْهَا النَّخْلَ» وَيُقَالَ: إِنَّ رُهَاطًا كُلَّهَا تَشْرَبُ مِنْهُ فَسَمَّاهَا النَّاسُ مَاءَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم. وَأَهْلُ رُهَاطٍ يَغْتَسِلُونَ بِهَا وَبَلَغَتْ رَمْيَةُ رَاشِدٍ الرَّكِيبَ الَّذِي يُقَالَ لَهُ: رَكِيبُ الْحَجَرِ وَغَدَا رَاشِدٌ عَلَى سُوَاعٍ فَكَسَرَهُ.

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْخُزَاعِيُّ الْأَهْوَازِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ بْنِ دِلْهَاثِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْرِعِ بْنِ يَاسِرِ بْنِ سُوَيْدٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ دِلْهَاثٍ عَنْ أَبِيهِ إِسْمَاعِيلَ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ مُسْرِعِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ أَبَاهُ يَاسِرًا حَدَّثَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ: خَرَجْتُ حَاجًّا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَرَأَيْتُ

ص: 607

فِي الْمَنَامِ وَأَنَا بِمَكَّةَ نُورًا سَاطِعًا مِنَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَضَاءَ فِي جَبَلِ يَثْرِبَ وَأَشْعَرِ جُهَيْنَةَ فَسَمِعْتُ صَوْتًا فِي النُّورِ وَهُوَ يَقُولُ: انْقَشَعَتِ الظَّلْمَاءُ وَسَطَعَ الضِّيَاءُ وَبُعِثَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ أَضَاءَ إِضَاءَةً أُخْرَى حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى قُصُورِ الْحِيرَةِ وَأَبْيَضِ الْمَدَائِنِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا فِي النُّورِ وَهُوَ يَقُولُ: ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَكُسِرَتِ الْأَصْنَامُ وَوُصَلَتِ الْأَرْحَامُ، فَانْتَبَهْتُ فَزِعًا فَقُلْتُ لِقَوْمِي: وَاللَّهِ لَيَحْدُثَنَّ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ حَدَثٌ، وَأَخْبَرْتُهُمْ بِمَا رَأَيْتُ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بِلَادِنَا جَاءَنَا رَجُلٌ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَجُلًا يُقَالَ لَهُ: أَحْمَدُ قَدْ بُعِثَ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: يَا عَمْرُو بْنَ مُرَّةَ إِنِّي الْمُرْسَلُ إِلَى الْعِبَادِ كَافَّةً أَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَآمُرُهُمْ بِحَقْنِ الدِّمَاءِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَرَفْضِ الْأَصْنَامِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرٍ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَمَنْ أَجَابَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ عَصَى فَلَهُ النَّارُ، فَآمِنْ يَا عَمْرُو بْنَ مُرَّةَ يُؤَمِّنْكَ اللَّهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ. فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ آمَنْتُ بِكُلِّ مَا جِئْتَ بِهِ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَإِنْ أَرْغَمَ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنَ الْأَقْوَامِ. ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ أَبْيَاتًا قُلْتُهَا حِينَ سَمِعْتُ بِهِ وَكَانَ لَنَا صَنَمٌ وَكَانَ أَبِي سَادِنًا لَهُ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَكَسَرْتُهُ ثُمَّ لَحِقْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَقُولُ:

شَهِدْتُ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ وَأَنَّنِي

لِآلِهَةِ الْأَحْجَارِ أَوَّلُ تَارِكِ

فَشَمَّرْتُ عَنْ سَاقِي إِزَارَ مُهَاجِرٍ

إِلَيْكَ أَدِبُّ الْغَوْرَ بَعْدَ الدَّكَادِكِ

ص: 608

لِأَصْحَبَ خَيْرَ النَّاسِ نَفْسًا وَوَالِدًا

رَسُولَ مَلِيكِ النَّاسِ فَوْقَ الْحَبَائِكِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَرْحَبًا بِكَ يَا عَمْرُو بْنَ مُرَّةَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ابْعَثْ بِي إِلَى قَوْمِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنَّ يَمُنَّ بِي عَلَيْهِمْ كَمَا مَنَّ بِكَ عَلِيَّ، فَبَعَثَنِي إِلَيْهِمْ وَقَالَ: عَلَيْكَ بِالْقَوْلِ السَّدِيدِ وَلَا تَكُنْ فَظًّا، وَلَا مُتَكَبِّرًا، وَلَا حَسُودًا. فَأَتَيْتُ قَوْمِي فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا بَنِي رِفَاعَةَ، ثُمَّ يَا بَنِي جُهَيْنَةَ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، أَدْعُوكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأُحَذِّرُكُمُ النَّارَ، وَآمُرُكُمْ بِحَقْنِ الدِّمَاءِ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَعِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَفْضِ الْأَصْنَامِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، شَهْرٍ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، فَمَنْ أَجَابَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ عَصَى فَلَهُ النَّارُ، يَا مَعْشَرَ جُهَيْنَةَ إِنَّ اللَّهَ - وَلَهُ الْحَمْدُ - جَعَلَكُمْ خِيَارَ مَنْ أَنْتُمْ مِنْهُ، وَبَغَّضَ إِلَيْكُمْ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ مَا حَبَّبَ إِلَى غَيْرِكُمْ مِنَ الرَّفَثِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَيَخْلُفُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ، وَالتِّرَاتِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَأَجِيبُوا هَذَا النَّبِيَّ الْمُرْسَلَ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ تَنَالُوا شَرَفَ الدُّنْيَا وَكَرَامَةَ الْآخِرَةِ، سَارِعُوا سَارِعُوا فِي ذَلِكَ تَكُنْ لَكُمْ فَضِيلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ فَأَجَابُوا إِلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ قَامَ فَقَالَ: يَا عَمْرُو بْنَ مُرَّةَ أَمَرَّ اللَّهُ عَلَيْكَ عَيْشَكَ، أَتَأْمُرُنَا أَنْ نَرْفُضَ آلِهَتَنَا، وَنُفَرِّقَ جَمَاعَتَنَا بِمُخَالَفَةِ دِينِ آبَائِنَا إِلَى مَا يَدْعُو هَذَا الْقُرَشِيُّ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ؟ ! لَا وَلَا مَرْحَبًا وَلَا كَرَامَةَ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ

ص: 609

إِنَّ ابْنَ مُرَّةَ قَدْ أَتَى بِمَقَالَةٍ

لَيْسَتْ مَقَالَةَ مَنْ يُرِيدُ صَلَاحَا

إِنِّي لَأَحْسَبُ قَوْلَهُ وَفَعَالَهُ

يَوْمًا وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ رِيَاحَا

أَتُسَفِّهُ الْأَشْيَاخَ مِمَّنْ قَدْ مَضَى

مَنْ رَامَ ذَلِكَ لَا أَصَابَ فَلَاحَا

فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: الْكَاذِبُ مِنِّي وَمِنْكَ أَمَرَّ اللَّهُ عَيْشَهُ وَأَبْكَمَ لِسَانَهُ وَأَكْمَهَ بَصَرَهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ حَتَّى سَقَطَ فُوهُ وَكَانَ لَا يَجِدُ طَعْمَ الطَّعَامِ وَعَمِيَ وَخَرِسَ. وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى أَتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَحَّبَ بِهِمْ وَحَبَاهُمْ وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا هَذِهِ نُسْخَتُهُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ بِكِتَابٍ صَادِقٍ وَحَقٍّ نَاطِقٍ مَعَ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ لِجُهَيْنَةَ بْنِ زَيْدٍ: إِنَّ لَكُمْ بُطُونَ الْأَرْضِ وَسُهُولَهَا وَتِلَاعَ الْأَوْدِيَةِ وَظُهُورَهَا تَرْعَوْنَ نَبَاتَهُ وَتَشْرَبُونَ صَافِيَهُ عَلَى أَنْ تُقِرُّوا بِالْخُمْسِ، وَتُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَفِي التَّبِعَةِ وَالصُّرَيْمَةِ شَاتَانِ إِنِ اجْتَمَعَتَا وَإِنْ تَفَرَّقَتَا فَشَاةٌ شَاةٌ، لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَةِ صَدَقَةٌ، وَلَا عَلَى الْوَارِدَةِ لَبِقَةٌ، وَشَهِدَ مَنْ حَضَرَنَا مِنَ

ص: 610

الْمُسْلِمِينَ بِكِتَابِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ رضي الله عنهم وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَظْهَرَ دِينَهُ

وَبَيَّنَ بُرْهَانَ الْقُرَانِ لِعَامِرِ

كِتَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ نُورٌ لِجَمْعِنَا

وَأَحْلَافِنَا فِي كُلِّ بَادٍ وَحَاضِرِ

إِلَى خَيْرِ مَنْ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا

وَأَفْضَلِهَا عِنْدَ اعْتِكَارِ الضَّرَائِرِ

أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا تَقَطَّعَتْ

بُطُونُ الْأَعَادِي بِالظُّبَا وَالْخَوَاطِرِ

فَنَحْنُ قَبِيلٌ قَدْ بُنِيَ الْمَجْدُ حَوْلَنَا

إِذَا اجْتُلِيَتْ فِي الْحَرْبِ هَامُ الْأَكَابِرِ

بَنُو الْحَرْبِ نَفْرِيهَا بِأَيْدٍ طَوِيلَةٍ

وَبِيضٍ تَلَأْلَأَ فِي أَكُفِّ الْمَغَاوِرِ

تَرَى حَوْلَهُ الْأَنْصَارَ تَحْمِي أَمِيرَهُمْ

بِسُمْرِ الْعَوَالِي وَالصِّفَاحِ الْبَوَاتِرِ

إِذَا الْحَرْبُ دَارَتْ عِنْدَ كُلِّ عَظِيمَةٍ

وَدَارَتْ رَحَاهَا بِاللِّيُوثِ الْهَوَاصِرِ

ص: 611

تَبَلَّجَ مِنْهُ اللَّوْنُ وَازْدَادَ وَجْهُهُ

كَمِثْلِ ضِيَاءِ الْبَدْرِ بَيْنَ الزَّوَاهِرِ

وَقَالَ: أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ وَالْأَجْلَحُ عَنِ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالَ: مَرِضَ مِنَّا رَجُلٌ مَرَضًا شَدِيدًا فَثَقُلَ حَتَّى حَفَرْنَا لَهُ قَبْرَهُ، وَهَيَّأْنَا أَمْرَهُ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهِ وَأَفَاقَ فَقَالَ: أَحْفَرْتُمْ لِي؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْفَصْلُ؟ وَهُوَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ قُلْنَا: صَالِحٌ مَرَّ آنِفًا يَسْأَلُ عَنْكَ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يُجْعَلَ فِي حُفْرَتِي إِنَّهُ أَتَانِي آتٍ حِينَ أُغْمِيَ عَلَيَّ فَقَالَ: ابْكِ هُبَلْ، أَمَا تَرَى حُفْرَتَكَ تُنْتَثَلْ، وَأُمُّكَ قَدْ كَادَتْ تَثْكَلْ؟ أَرَأَيْتُكَ إِنْ حَوَّلْنَاهَا عَنْكَ بِالْمِحْوَلْ، ثُمَّ مَلَأْنَاهَا بِالْجَنْدَلْ، وَقَذَفْنَا فِيهَا الْفَضَلْ، الَّذِي مَضَى فَأَجْزَأَكْ، وَظَنَّ أَنْ لَنْ يَفْعَلْ، أَتَشْكُرُ لِرَبِّكَ وَتُصَلِّ وَتَدَعُ دِينَ مَنْ أَشْرَكَ وَضَلَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: قُمْ قَدْ بَرِئْتَ. قَالَ: فَبَرِئَ الرَّجُلُ وَمَاتَ الْفَضْلُ، فَجُعِلَ فِي حُفْرَتِهِ. قَالَ الْجُهَنِيُّ: فَرَأَيْتُ الْجُهَنِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي وَيَسُبُّ الْأَوْثَانَ وَيَقَعُ فِيهَا.

وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي مَجْلِسٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنِ الْجِنِّ فَقَالَ خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ الْأَسَدِيُّ: أَلَا

ص: 612

أُحَدِّثُكَ كَيْفَ كَانَ إِسْلَامِي؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: إِنِّي يَوْمًا فِي طَلَبِ ذَوْدٍ لِي، أَنَا مِنْهَا عَلَى أَثَرٍ، تَنْصَبُ وَتَصْعَدُ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِأَبْرَقِ الْعِرَاقِ، أَنَخْتُ رَاحِلَتِي وَقُلْتُ: أَعُوذُ بِعَظِيمِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَعُوذُ بِرَئِيسِ هَذَا الْوَادِي. فَإِذَا بِهَاتِفٍ يَهْتِفُ بِي

وَيْحَكَ عُذْ بِاللَّهِ ذِي الْجَلَالِ

وَالْمَجْدِ وَالنَّعْمَاءِ وَالْإِفْضَالِ

ثُمَّ اتْلُ آيَاتٍ مِنَ الْأَنْفَالِ

وَوَحِّدِ اللَّهَ وَلَا تُبَالِي

قَالَ: فَذُعِرْتُ ذُعْرًا شَدِيدًا ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَقُلْتُ:

يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ مَا تَقُولُ

أَرَشَدٌ عِنْدَكَ أَمْ تَضْلِيلُ

بَيِّنْ هَدَاكَ اللَّهُ مَا الْحَوِيلُ

قَالَ: فَقَالَ:

هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ذُو الْخَيْرَاتِ

بِيَثْرِبَ يَدْعُو إِلَى النَّجَاةِ

يَأَمْرُ بِالْبِرِّ وَبِالصَّلَاةِ

وَيَزَعُ النَّاسَ عَنِ الْهَنَاتِ

قَالَ: قُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ لَا أَبْرَحُ حَتَّى آتِيَهُ، وَأُومِنَ بِهِ فَنَصَبْتُ رِجْلِي فِي غَرْزِ رَاحِلَتِي وَقُلْتُ:

أَرْشِدْنِي أَرْشِدْنِي هُدِيتَا

لَا جُعْتَ مَا عِشْتَ وَلَا عَرِيتَا

وَلَا بَرِحْتَ سَيِّدًا مَقِيتًا

لَا تُؤْثِرِ الْخَيْرَ الَّذِي أُتِيتَا

ص: 613

عَلَى جَمِيعِ الْجِنِّ مَا بَقِيَتَا فَقَالَ:

صَاحَبَكَ اللَّهُ وَأَدَّى رَحْلَكَا

وَعَظَّمَ الْأَجْرَ وَعَافَى نَفْسَكَا

آمِنْ بِهِ أَفْلَجَ رَبِّي حَقَّكَا

وَانْصُرْهُ أَعَزَّ رَبِّي نَصْرَكَا

قَالَ: قُلْتُ: مَنْ أَنْتَ عَافَاكَ اللَّهُ حَتَّى أُخْبِرَهُ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: أَنَا مَالِكُ بْنُ مَالِكٍ وَأَنَا نَقِيبُهُ عَلَى جِنِّ نَصِيبِينَ، وَكَفَيْتُ إِبِلَكَ حَتَّى أَضُمَّهَا إِلَى أَهْلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّاسُ أَرْسَالٌ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ كَأَنَّهُ الْبَدْرُ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقُلْتُ: أُنِيخُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصَلِّيَ، وَأَدْخُلُ عَلَيْهِ فَأُسَلِّمُ وَأُخْبِرُهُ عَنْ إِسْلَامِي. فَلَمَّا أَنَخْتُ خَرَجَ إِلَيَّ أَبُو ذَرٍ فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا وَسَهْلًا قَدْ بَلَغَنَا إِسْلَامُكَ فَادْخُلْ فَصَلِّ. فَفَعَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَنِي بِإِسْلَامِي فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ: أَمَا إِنَّ صَاحِبَكَ قَدْ وَفَّى لَكَ وَهُوَ أَهْلُ ذَلِكَ وَأَدَّى إِبِلَكَ إِلَى أَهْلِكَ.

وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَرْجَمَةِ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ مِنْ مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ

ص: 614

قَائِلًا: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ الْيَسِيرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّامِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْإِسْكَنْدَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا أُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِي؟ قَالَ: بَلَى. فَذَكَرَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَالَ: ادْخُلْ فَقَدْ بَلَغَنَا إِسْلَامُكَ. فَقُلْتُ: لَا أُحْسِنُ الطُّهُورَ فَعَلِّمْنِي فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهُ الْبَدْرُ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى صَلَاةً يَحْفَظُهَا وَيَعْقِلُهَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ لِي عُمَرُ: لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَأُنَكِّلَنَّ بِكَ، فَشَهِدَ لِي شَيْخُ قُرَيْشٍ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ» . ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ تَسْنِيمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِخُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ: حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ يُعْجِبُنِي. فَذَكَرَ مِثْلَ السِّيَاقِ الْأَوَّلِ سَوَاءً.

وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيلَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

ص: 615

الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّكَ تَذْكُرُ سَطِيحًا تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ لَمْ يَخْلُقْ مِنْ بَنِي آدَمَ شَيْئًا يُشْبِهُهُ؟ قَالَ: قَالَ: نَعَمْ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ سَطِيحًا الْغَسَّانِيَّ لَحْمًا عَلَى وَضَمٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عَظْمٌ وَلَا عَصَبٌ إِلَّا الْجُمْجُمَةُ وَالْكَفَّانِ وَكَانَ يُطْوَى مِنْ رِجْلَيْهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَتَحَرَّكُ إِلَّا لِسَانُهُ فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ حُمِلَ عَلَى وَضَمِهِ فَأُتِيَ بِهِ مَكَّةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ ابْنَا عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ وَالْأَحْوَصُ بْنُ فِهْرٍ وَعَقِيلُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍّ فَانْتَمَوْا إِلَى غَيْرِ نَسَبِهِمْ.

وَقَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مَنْ جُمَحَ أَتَيْنَاكَ، بَلَغَنَا قُدُومُكَ فَرَأَيْنَا أَنَّ إِتْيَانَنَا إِيَّاكَ حَقٌّ لَكَ وَاجِبٌ عَلَيْنَا وَأَهْدَى إِلَيْهِ عَقِيلٌ صَفِيحَةً هِنْدِيَّةً وَصَعْدَةً رُدَيْنِيَّةً فَوُضَعِتْ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ لَيَنْظُرُوا أَهَلْ يَرَاهَا سَطِيحٌ أَمْ لَا. فَقَالَ: يَا عَقِيلُ نَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَقَالَ: يَا عَقِيلُ وَالْعَالِمِ الْخَفِيَّةْ، وَالْغَافِرِ الْخَطِيَّةْ، وَالذِّمَّةِ الْوَفِيَّةْ، وَالْكَعْبَةِ الْمَبْنِيَّةْ، إِنَّكَ لَجَاءٍ بِالْهَدِيَّةْ، الصَّفِيحَةِ الْهِنْدِيَّةْ، وَالصَّعْدَةِ الرُّدَيْنِيَّةْ. قَالُوا: صَدَقْتَ يَا سَطِيحُ فَقَالَ: وَالْآتِي بِالْفَرَحْ، وَقَوْسِ قُزَحْ، وَسَائِرِ الْفَرَحْ، وَاللَّطِيمِ الْمُنْبَطِحْ، وَالنَّخْلِ وَالرُّطَبِ وَالْبَلَحْ، إِنَّ الْغُرَابَ حَيْثُ مَرَّ سَنَحْ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَوْمَ لَيْسُوا مَنْ جُمَحْ، وَأَنَّ نَسَبَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ

ص: 616

ذِي الْبِطَحْ، قَالُوا: صَدَقْتَ يَا سَطِيحُ، نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَتَيْنَاكَ لِنَزُورَكَ ; لِمَا بَلَغَنَا مِنْ عِلْمِكَ فَأَخْبِرْنَا عَمَّا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا هَذَا وَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ فَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ عِلْمٌ.

قَالَ: الْآنَ صَدَقْتُمْ خُذُوا مِنِّي وَمِنْ إِلْهَامِ اللَّهِ إِيَّايَ أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ فِي زَمَانِ الْهَرَمِ، سَوَاءٌ بَصَائِرُكُمْ وَبَصَائِرُ الْعَجَمِ، لَا عِلْمَ عِنْدَكُمْ وَلَا فَهْمَ، وَيَنْشَأُ مِنْ عَقِبِكُمْ ذَوُو فَهْمٍ يَطْلُبُونَ أَنْوَاعُ الْعِلْمِ، فَيَكْسِرُونَ الصَّنَمَ وَيَبْلُغُونَ الرَّدْمَ وَيَقْتُلُونَ الْعَجَمْ يَطْلُبُونَ الْغُنْمَ. قَالُوا: يَا سَطِيحُ فَمِنْ يَكُونُ أُولَئِكَ؟ فَقَالَ لَهُمْ: وَالْبَيْتِ ذِي الْأَرْكَانِ، وَالْأَمْنِ وَالسُّكَّانِ، لَيَنْشَؤُنَّ مِنْ عَقِبِكُمْ وِلْدَانٌ يَكْسِرُونَ الْأَوْثَانَ، وَيُنْكِرُونَ عِبَادَةَ الشَّيْطَانِ، وَيُوَحِّدُونَ الرَّحْمَنَ، وَيَنْشُرُونَ دِينَ الدَّيَّانِ، يُشْرِفُونَ الْبُنْيَانَ، وَيَسْتَفْتُونَ الْفِتْيَانَ. قَالُوا: يَا سَطِيحُ مِنْ نَسْلِ مَنْ يَكُونُ أُولَئِكَ؟ قَالَ: وَأَشْرَفِ الْأَشْرَافِ وَالْمُفْضِي لِلْإِسْرَافِ وَالْمُزَعْزِعِ الْأَحْقَافِ وَالْمُضْعِفِ الْأَضْعَافِ لَيَنْشَؤُنَّ الْآلَافُ مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَعَبْدِ مَنَافٍ نُشُوءًا يَكُونُ فِيهِ اخْتِلَافٌ، قَالُوا: يَا سَوْءَتَاهُ يَا سَطِيحُ فَمَا تُخْبِرُنَا مِنَ الْعِلْمِ بِأَمْرِهِمْ وَمِنْ

ص: 617

أَيِّ بَلَدٍ يَخْرُجُ أُولَئِكَ؟

فَقَالَ: وَالْبَاقِي الْأَبَدْ، وَالْبَالِغِ الْأَمَدْ، لَيَخْرُجَنَّ مَنْ ذَا الْبَلَدْ، فَتًى يَهْدِي إِلَى الرَّشَدْ، يَرْفُضُ يَغُوثَ وَالْفِنَدْ، يَبْرَأُ مِنْ عِبَادَةِ الضِّدَدْ، يَعْبُدُ رَبًّا انْفَرَدْ، ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ مَحْمُودًا، مِنَ الْأَرْضِ مَفْقُودًا، وَفِي السَّمَاءِ مَشْهُودًا، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الصِّدِّيقْ، إِذَا قَضَى صَدَقْ، وفِي رَدِّ الْحُقُوقِ لَا خَرِقٌ وَلَا نَزِقْ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الْحَنِيفْ، مُجَرِّبٌ غِطْرِيفْ، وَيَتْرُكُ قَوْلَ الْعَنِيفْ، قَدْ ضَافَ الْمَضِيفْ، وَأَحْكَمَ التَّحْنِيفْ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ دَاعِيًا لِأَمْرِهِ مُجَرِّبًا، فَيَجْتَمِعُ لَهُ جُمُوعًا وَعُصَبًا، فَيَقْتُلُونَهُ نِقْمَةً عَلَيْهِ وَغَضَبًا، فَيُؤْخَذُ الشَّيْخُ فَيُذْبَحُ إِرَبًا، فَيَقُومُ بِهِ رِجَالٌ خُطَبَاءُ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ النَّاصِرْ، يَخْلِطُ الرَّأْي بِرَأْي النَّاكِرْ، يُظْهِرُ فِي الْأَرْضِ الْعَسَاكِرْ، ثُمَّ يَلِي بَعْدَهُ ابْنُهُ يَأْخُذُ جَمْعَهُ، وَيَقِلُّ حَمْدُهُ، وَيَأْخُذُ الْمَالَ، وَيَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيُكْثِرُ الْمَالَ لِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ يَلِي مِنْ بَعْدِهِ عِدَّةُ مُلُوكْ، لَا شَكَّ الدَّمُ فِيهِمْ مَسْفُوكْ، ثُمَّ يَلِي مَنْ بَعْدِهِمُ الصُّعْلُوكْ،

ص: 618

يَطْوِيهِمْ كَطَيِّ الدُّرْنُوكْ، ثُمَّ يَلِي مِنْ بَعْدِهِ عُظْهُورٌ يُقْصِي الْخَلْقَ وَيُدْنِي مُضَرَ، يَفْتَتِحُ الْأَرْضَ افْتِتَاحًا مُنْكَرًا، ثُمَّ يَلِي قَصِيرُ الْقَامَةْ، بِظَهْرِهِ عَلَامَةْ، يَمُوتُ مَوْتًا وَسَلَامَةْ، ثُمَّ يَلِي قَلِيلًا بَاكِرْ، يَتْرُكُ الْمُلْكَ بَائِرْ، ثُمَّ يَلِي أَخُوهُ بِسُنَّتِهِ سَابِرْ، يَخْتَصُّ بِالْأَمْوَالِ وَالْمَنَابِرْ، ثُمَّ يَلِي مِنْ بَعْدِهِ أَهْوَجْ، صَاحِبُ دُنْيَا وَنَعِيمٍ مُخْلِجْ، يَتَشَاوَرُهُ مُعَاشِرُهُ وَذَوُوهُ، يَنْهَضُونَ إِلَيْهِ يَخْلَعُونَهُ بِأَخْذِ الْمُلْكِ وَيَقْتُلُونَهُ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ مِنْ بَعْدِهِ السَّابِعْ، يَتْرُكُ الْمُلْكَ مَحَلًّا ضَائِعْ، بَنُوهُ فِي مُلْكِهِ كَالْمُشَوَّهِ جَائِعْ، عِنْدَ ذَلِكَ يَطْمَعُ فِي الْمُلْكِ كُلُّ عُرْيَانْ، وَيَلِي أَمْرَهُ اللَّهْفَانْ، يُرْضِي نِزَارًا جَمْعُ قَحْطَانْ، إِذَا الْتَقَيَا بِدِمَشْقَ جَمْعَانْ، بَيْنَ بُنْيَانَ وَلُبْنَانَ، يُصَنَّفُ الْيَمَنُ يَوْمَئِذٍ صِنْفَانْ، صِنْفُ الْمَسَرَّةِ وَصِنْفُ الْمَخْذُولِ لَا تَرَى إِلَّا حِبَاءً مَحْلُولْ، وَأَسِيرًا مَغْلُولْ، بَيْنَ الْقِرَابِ

ص: 619

وَالْخُيُولْ، عِنْدَ ذَلِكَ تُخْرَبُ الْمَنَازِلْ، وَتُسْلَبُ الْأَرَامِلْ، وَتُسْقِطُ الْحَوَامِلْ، وَتَظْهَرُ الزَّلَازِلْ، وَتَطْلُبُ الْخِلَافَةَ وَائِلْ، فَتَغْضَبُ نِزَارْ، فَتُدْنِي الْعَبِيدَ وَالْأَشْرَارْ، وَتُقْصِي الْأَمْثَالَ وَالْأَخْيَارْ، وَتَغْلُو الْأَسْعَارْ، فِي صَفَرِ الْأَصْفَارْ، يَغُلُّ كُلُّ جَبَّارٍ مِنْهُ، ثُمَّ يَسِيرُونَ إِلَى خَنَادِقَ وَإِنَّهَا ذَاتُ أَشْعَارٍ وَأَشْجَارْ، تَصُدُّ لَهُ الْأَنْهَارْ، وَيَهْزِمُهُمْ أَوَّلَ النَّهَارْ، تَظْهَرُ الْأَخْيَارْ، فَلَا يَنْفَعُهُمْ نَوْمٌ وَلَا قَرَارْ، حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارْ، فَيُدْرِكَهُ الْقَضَاءُ وَالْأَقْدَارْ.

ثُمَّ يَجِيءُ الرُّمَاةْ، تَلُفُّ مُشَاةْ، لِقَتْلِ الْكُمَاةْ، وَأَسْرِ الْحُمَاةْ، وَمَهْلِكِ الْغُوَاةْ، هُنَالِكَ يُدْرَكُ فِي أَعْلَى الْمِيَاهْ، ثُمَّ يَبُورُ الدِّينُ وَتُقْلَبُ الْأُمُورْ، وَتُكْفَرُ الزَّبُورْ، وَتُقْطَعُ الْجُسُورْ، فَلَا يُفْلِتُ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي جَزَائِرِ الْبُحُورْ، ثُمَّ تَبُورُ الْحُبُوبْ، وَتَظْهَرُ الْأَعَارِيبْ، لَيْسَ فِيهِمْ مُعِيبْ، عَلَى أَهْلِ الْفُسُوقِ وَالرِّيبْ، فِي زَمَانٍ عَصِيبْ، لَوْ كَانَ لِلْقَوْمِ حَيَاءٌ وَمَا تُغْنِي الْمُنَى. قَالُوا: ثُمَّ مَاذَا يَا سَطِيحُ؟ قَالَ: ثُمَّ يَظْهَرُ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْيَمَنْ، كَالشَّطَنْ، يُذْهِبُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِهِ الْفِتَنْ.

وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ كَتَبْنَاهُ لِغَرَابَتِهِ وَمَا تَضَمَّنَ مِنَ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قِصَّةُ شِقٍّ وَسَطِيحٍ مَعَ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَلِكِ الْيَمَنِ وَكَيْفَ بَشَّرَا بِوُجُودِ رَسُولِ

ص: 620

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ قِصَّةُ سَطِيحٍ مَعَ ابْنِ أُخْتِهِ عَبْدِ الْمَسِيحِ حِينَ أَرْسَلَهُ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ وَخُمُودِ النِّيرَانِ وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ وَذَلِكَ لَيْلَةَ مَوْلِدِ الَّذِي نُسِخَ بِشَرِيعَتِهِ سَائِرُ الْأَدْيَانِ.

ص: 621