الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خَبَرُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ]
وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي ارْتِجَاعِهِ وِلَايَةَ الْبَيْتِ إِلَى قُرَيْشٍ، وَانْتِزَاعِهِ ذَلِكَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَاجْتِمَاعِ قُرَيْشٍ إِلَى الْحَرَمِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمْنًا لِلْعِبَادِ، بَعْدَ تَفَرُّقِهَا فِي الْبِلَادِ، وَتَمَزُّقِهَا فِي الْجِبَالِ وَالْمِهَادِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ كِلَابٌ تَزَوَّجَ أُمَّهُ رَبِيعَةُ بْنُ حَرَامٍ مِنْ عُذْرَةَ، وَخَرَجَ بِهَا وَبِهِ إِلَى بِلَادِهِ، ثُمَّ قَدِمَ قُصَيٌّ مَكَّةَ وَهُوَ شَابٌّ فَتَزَوَّجَ حُبَّى ابْنَةَ رَئِيسِ خُزَاعَةَ حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ فَأَمَّا خُزَاعَةُ فَتَزْعُمُ أَنَّ حَلِيلًا أَوْصَى إِلَى قُصَيٍّ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ، لِمَا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ نَسْلِهِ مِنِ ابْنَتِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْهُمْ. وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ اسْتَجَاشَ بِإِخْوَتِهِ مِنْ أُمِّهِ - وَكَانَ رَئِيسُهُمْ رِزَاحَ بْنَ رَبِيعَةَ - وَإِخْوَةِ إِخْوَتِهِ، وَبَنِي كِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ، وَمَنْ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ فَأَجْلَاهُمْ عَنِ الْبَيْتِ، وَاسْتَقَلَّ هُوَ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ; إِلَّا أَنَّ إِجَازَةَ الْحَجِيجِ كَانَتْ إِلَى صُوفَةَ، وَهُمْ بَنُو الْغَوْثِ بْنِ مُرِّ بْنِ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ فَكَانَ النَّاسُ لَا يَرْمُونَ الْجِمَارَ حَتَّى يَرْمُوا وَلَا يَنْفِرُونَ مِنْ مِنًى
حَتَّى يَنْفِرُوا فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فِيهِمْ حَتَّى انْقَرَضُوا فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ بَالْقُعْدَدِ بَنُو سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ فَكَانَ أَوَّلُهُمْ صَفْوَانُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ وَكَانَ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى آخِرِهِمُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ كَرِبُ بْنِ صَفْوَانَ، وَكَانَتِ الْإِجَازَةُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي عَدْوَانَ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ عَلَى آخِرِهِمْ وَهُوَ أَبُو سَيَّارَةَ عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ، وَقِيلَ اسْمُهُ الْعَاصُ بْنُ خَالِدٍ وَكَانَ يُجِيزُ بِالنَّاسِ عَلَى أَتَانٍ لَهُ عَوْرَاءَ مَكَثَ يَدْفَعُ عَلَيْهَا فِي الْمَوْقِفِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ مِائَةً، وَأَوَّلُ مَنْ كَانَ يَقُولُ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ.
وَكَانَ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيُّ، لَا يَكُونُ بَيْنَ الْعَرَبِ نَائِرَةٌ إِلَّا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فَيَرْضَوْنَ بِمَا يَقْضِي بِهِ فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ مَرَّةً فِي مِيرَاثِ خُنْثَى فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا يَتَرَوَّى مَاذَا يَحْكُمُ بِهِ فَرَأَتْهُ جَارِيَةٌ لَهُ كَانَتْ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ اسْمُهَا سُخَيْلَةُ فَقَالَتْ لَهُ: مَا لَكَ - لَا أَبَالَكَ - اللَّيْلَةَ سَاهِرًا؟ فَذَكَرَ لَهَا مَا هُوَ مُفَكِّرٌ فِيهِ، وَقَالَ: لَعَلَّهَا يَكُونُ عِنْدَهَا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَقَالَتْ: أَتْبِعِ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ. فَقَالَ: فَرَّجْتِهَا وَاللَّهِ يَا سُخَيْلَةُ. وَحَكَمَ بِذَلِكَ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ
وَالْعَلَامَاتِ، وَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18] حَيْثُ لَا أَثَرَ لِأَنْيَابِ الذِّئْبِ فِيهِ، وَقَالَ تَعَالَى {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 26] وَفِي الْحَدِيثِ «أَنِظْرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيًّا فَهُوَ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ» قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ النَّسِيءُ فِي بَنِي فُقَيْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ نَسَأَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ الْقَلَمَّسُ، وَهُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمِ بْنِ عَدِيٍّ، ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ عَبَّادٌ، ثُمَّ قَلَعُ بْنُ عَبَّادٍ، ثُمَّ أُمَيَّةُ بْنُ قَلَعٍ، ثُمَّ عَوْفُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ كَانَ آخِرَهُمْ أَبُو ثُمَامَةَ جُنَادَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ قَلَعِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَهُوَ الْقَلَمَّسُ فَعَلَى أَبِي ثُمَامَةَ قَامَ الْإِسْلَامُ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجِّهَا اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ فَخَطَبَهُمْ فَحَرَّمَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِلَّ مِنْهَا شَيْئًا أَحَلَّ الْمُحَرَّمَ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ صَفَرًا ; لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْلَلْتُ أَحَدَ الصَّفَرَيْنِ الصَّفَرَ الْأَوَّلَ، وَأَنْسَأْتُ الْآخَرَ لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ فَتَتَّبِعُهُ الْعَرَبُ فِي ذَلِكَ فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ أَحَدُ بَنِي
فِرَاسِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، وَيُعْرَفُ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ هَذَا بِجَذِلِ الطِّعَانِ
لَقَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ أَنَّ قَوْمِي
…
كِرَامُ النَّاسِ أَنَّ لَهُمْ كِرَامَا
فَأَيُّ النَّاسِ فَاتُونَا بِوِتْرٍ
…
وَأَيُّ النَّاسِ لَمْ نَعْلِكْ لِجَامَا
أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدٍّ
…
شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا
وَكَانَ قُصَيٌّ فِي قَوْمِهِ سَيِّدًا رَئِيسًا مُطَاعًا مُعَظَّمًا وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ جَمَعَ قُرَيْشًا مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ مَوَاضِعِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَاسْتَعَانَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى حَرْبِ خُزَاعَةَ، وَإِجْلَائِهِمْ عَنِ الْبَيْتِ، وَتَسْلِيمِهِ إِلَى قُصَيٍّ فَكَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ كَثِيرٌ، وَدِمَاءٌ غَزِيرَةٌ، ثُمَّ تَدَاعَوْا إِلَى التَّحْكِيمِ فَتَحَاكَمُوا إِلَى يَعْمَرَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَحَكَمَ بِأَنَّ قُصَيًّا أَوْلَى بِالْبَيْتِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَنَّ كُلَّ دَمٍ أَصَابَهُ قُصَيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ، وَبَنِي بَكْرٍ مَوْضُوعٌ يَشْدَخُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَأَنَّ مَا أَصَابَتْهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَأَنْ يُخَلَّى بَيْنَ قُصَيٍّ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَالْكَعْبَةِ فَسُمِّيَ يَعْمَرُ يَوْمَئِذٍ الشَّدَّاخَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلِيَ قُصَيٌّ الْبَيْتَ، وَأَمْرَ مَكَّةَ، وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ
إِلَى مَكَّةَ، وَتَمَلَّكَ عَلَى قَوْمِهِ، وَأَهْلِ مَكَّةَ فَمَلَّكُوهُ إِلَّا أَنَّهُ أَقَرَّ الْعَرَبَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَرَى ذَلِكَ دِينًا فِي نَفْسِهِ، لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ فَأَقَرَّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنَّسَأَةَ وَمُرَّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ. قَالَ: فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبٍ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ، فَكَانَتْ إِلَيْهِ الْحِجَابَةُ وَالسِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ وَالنَّدْوَةُ وَاللِّوَاءُ فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ، وَقَطَّعَ مَكَّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكَّةَ.
قُلْتُ: فَرَجَعَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ وَرُدَّ شَارِدُ الْعَدْلِ بَعْدَ إِيَابِهِ، وَاسْتَقَرَّتْ بِقُرَيْشٍ الدَّارُ، وَقَضَتْ مِنْ خُزَاعَةَ الْمُرَادَ وَالْأَوْطَارَ، وَتَسَلَّمَتْ بَيْتَهُمُ الْعَتِيقَ الْقَدِيمَ، لَكِنْ بِمَا أَحْدَثَتْ خُزَاعَةُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَنَصْبِهَا إِيَّاهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَنَحْرِهِمْ لَهَا، وَتَضَرُّعِهِمْ عِنْدَهَا، وَاسْتِنْصَارِهِمْ بِهَا، وَطَلَبِهِمُ الرِّزْقَ مِنْهَا، وَأَنْزَلَ قُصَيٌّ قَبَائِلَ قُرَيْشٍ أَبَاطِحَ مَكَّةَ، وَأَنْزَلَ طَائِفَةً مِنْهُمْ ظَوَاهِرَهَا فَكَانَ يُقَالَ: قُرَيْشُ الْبِطَاحِ، وَقُرَيْشُ الظَّوَاهِرِ فَكَانَتْ لِقُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ جَمِيعُ الرِّئَاسَةِ ; مِنْ حِجَابَةِ الْبَيْتِ وَسِدَانَتِهِ وَاللِّوَاءِ، وَبَنَى دَارًا لِإِزَاحَةِ الظُّلُمَاتِ، وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ سَمَّاهَا دَارَ النَّدْوَةِ إِذَا أَعْضَلَتْ قَضِيَّةٌ، اجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَاشْتَوَرُوا فِيهَا وَفَصَلُوهَا وَلَا يُعْقَدُ عَقْدُ لِوَاءٍ وَلَا عَقْدُ نِكَاحٍ إِلَّا بِهَا،
وَلَا تَبْلُغُ جَارِيَةٌ أَنْ تَدَّرِعَ فَتَدَّرِعَ إِلَّا بِهَا وَكَانَ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ صَارَتْ هَذِهِ الدَّارُ فِيمَا بَعْدُ، إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ بَعْدَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَبَاعَهَا فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَامَهُ عَلَى بَيْعِهَا مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ: بِعْتَ مَكْرُمَةَ قَوْمِكَ، وَشَرَفَهُمْ بِمِائَةِ أَلْفٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا الشَّرَفُ الْيَوْمَ بِالتَّقْوَى وَاللَّهِ لَقَدِ ابْتَعْتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِزِقِّ خَمْرٍ، وَهَا أَنَا قَدْ بِعْتُهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَأُشْهِدُكُمْ أَنَّ ثَمَنَهَا صَدَقَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَيُّنَا الْمَغْبُونُ؟ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِ الْمُوَطَّأِ.
وَكَانَتْ إِلَى قُصَيٍّ سِقَايَةُ الْحَجِيجِ فَلَا يَشْرَبُونَ إِلَّا مِنْ مَاءِ حِيَاضِهِ، وَكَانَتْ زَمْزَمُ إِذْ ذَاكَ مَطْمُوسَةً مِنْ زَمَنِ جُرْهُمٍ قَدْ تَنَاسَوْا أَمْرَهَا مِنْ تَقَادُمِ عَهْدِهَا وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى مَوْضِعِهَا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ وَقِيدَ النَّارِ بِالْمُزْدَلِفَةِ; لِيَهْتَدِيَ إِلَيْهَا مَنْ يَأْتِي مِنْ عَرَفَاتٍ، وَأَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ الرِّفَادَةَ، وَهِيَ إِطْعَامُ الْحَجِيجِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ، إِلَى أَنْ يَخْرُجُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَلِكَ أَنَّ قُصَيًّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: يَا
مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ، وَإِنَّ الْحَاجَّ ضَيْفُ اللَّهِ، وَزُوَّارُ بَيْتِهِ، وَهُمْ أَحَقُّ بِالضِّيَافَةِ فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ فَفَعَلُوا فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا فَيَدْفَعُونَهُ إِلَيْهِ فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا لِلنَّاسِ أَيَّامَ مِنًى فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ، ثُمَّ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ إِلَى يَوْمِكَ هَذَا فَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَصْنَعُهُ السُّلْطَانُ كُلَّ عَامٍ بِمِنًى لِلنَّاسِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَجُّ.
قُلْتُ: ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا بَعْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، ثُمَّ أمَرَ بِاخْرَاجِ طَائِفَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيُصْرَفُ فِي حَمْلِ زَادٍ وَمَاءٍ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ الْقَاصِدِينَ إِلَى الْحَجِّ. وَهَذَا صَنِيعٌ حَسَنٌ مِنْ وُجُوهٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خَالِصِ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَجْلِ مَا فِيهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ جَوَّالِي الذِّمَّةَ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنِ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» . .
وَقَالَ قَائِلُهُمْ فِي مَدْحِ قُصَيٍّ، وَشَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ
قُصَيٌّ لَعَمْرِي كَانَ يُدْعَى مُجْمِّعًا
…
بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
هُمُو مَلَئُوا الْبَطْحَاءَ مَجْدًا وَسُؤْدَدًا
…
وَهُمْ طَرَدُوا عَنَّا غُوَاةَ بَنِي بَكْرٍ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغَ قُصَيٌّ مِنْ حَرْبِهِ، انْصَرَفَ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إِلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ، وَإِخْوَتِهِ مِنْ أَبِيهِ الثَّلَاثَةِ، وَهُمْ حُنٌّ وَمَحْمُودٌ وَجُلْهُمَةُ، قَالَ رِزَاحٌ فِي إِجَابَتِهِ قُصَيًّا
وَلَمَّا أَتَى مِنْ قُصَيٍّ رَسُولٌ
…
فَقَالَ الرَّسُولُ أَجِيبُوا الْخَلِيلَا
نَهَضْنَا إِلَيْهِ نَقُودُ الْجِيَادَ
…
وَنَطْرَحُ عَنَّا الْمَلُولَ الثَّقِيلَا
نَسِيرُ بِهَا اللَّيْلَ حَتَّى الصَّبَاحِ
…
وَنَكْمِي النَّهَارَ لِئَلَّا نَزُولَا
فَهُنَّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ الْقَطَا
…
يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيٍّ رَسُولًا
جَمَعْنَا مِنَ السِّرِّ مِنْ
أَشْمِذَيْنِ
وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ جَمَعْنَا قَبِيلَا
…
فَيَالَكِ حُلْبَةُ مَا لَيْلَةٌ تَزِيدُ
عَلَى الْأَلْفِ سَيْبًا رَسِيلًا
…
فَلَمَّا مَرَرْنَ عَلَى
عَسْجَرٍ
وَأَسْهَلْنَ مِنْ مُسْتَنَاخٍ سَبِيلًا
وَجَاوَزْنَ بِالرُّكْنِ مِنْ
وَرِقَانَ
وَجَاوَزْنَ
بِالْعَرْجِ حَيًّا حُلُولًا
مَرَرْنَ عَلَى الْحِلِّ مَا ذُقْنَهُ
…
وَعَالَجْنَ مَنْ مَرَّ لَيْلًا طَوِيلًا
نُدَنِّي مِنَ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا
…
إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ الصَّهِيلَا
فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى
مَكَّةَ
أَبَحْنَا الرِّجَالَ قَبِيلًا قَبِيلًا
…
نُعَاوِرُهُمْ ثَمَّ حَدَّ السُّيُوفِ
وَفِي كُلِّ أَوْبٍ خَلَسْنَا الْعُقُولَا
…
نُخَبِّزُهُمْ بِصِلَابِ النُّسُورِ
خَبْزَ الْقَوِيِّ الْعَزِيزِ الذَّلِيلَا
…
قَتَلْنَا خُزَاعَةَ فِي دَارِهَا
وَبَكْرًا قَتَلْنَا، وَجِيلًا فَجِيلَا
…
نَفَيْنَاهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمَلِيكِ
كَمَا لَا يَحِلُّونَ أَرْضًا سُهُولَا
…
فَأَصْبَحَ سَيْبُهُمْ فِي الْحَدِيدِ
وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ شَفَيْنَا الْغَلِيلَا
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا رَجَعَ رِزَاحُ إِلَى بِلَادِهِ نَشَرَهُ اللَّهُ، وَنَشَرَ حُنًّا فَهُمَا قَبِيلَا عُذْرَةَ إِلَى الْيَوْمِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فِي ذَلِكَ:
أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ بَنِي لُؤَيٍّ
بِمَكَّةَ مَنْزِلِي وَبِهَا رَبِيتُ
إِلَى الْبَطْحَاءِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدُّ
…
وَمَرْوَتُهَا رَضِيتُ بِهَا رَضِيتُ
فَلَسْتُ لِغَالِبٍ إِنْ لَمْ تَأَثَّلْ
…
بِهَا أَوْلَادُ قَيْدَرَ وَالنَّبِيتُ
رِزَاحٌ نَاصِرِي وَبِهِ أُسَامِي
…
فَلَسْتُ أَخَافُ ضَيْمًا مَا حَيِيتُ
وَقَدْ ذَكَرَ الْأُمَوِيُّ عَنِ الْأَشْرَمِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ أَنَّ رِزَاحًا إِنَّمَا قَدِمَ بَعْدَمَا نَفَى قُصَيٌّ خُزَاعَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
ثُمَّ لَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ فَوَّضَ أَمْرَ هَذِهِ الْوَظَائِفِ الَّتِي كَانَتْ إِلَيْهِ مِنْ رِئَاسَاتِ قُرَيْشٍ وَشَرَفِهَا، مِنَ الرِّفَادَةِ وَالسِّقَايَةِ وَالْحِجَابَةِ وَاللِّوَاءِ وَالنَّدْوَةِ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ الدَّارِ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّصَهُ بِهَا كُلِّهَا; لِأَنَّ بَقِيَّةَ إِخْوَتِهِ عَبْدَ مَنَافٍ وَعَبْدَ الْعُزَّى وَعَبْدًا، كَانُوا قَدْ شَرُفُوا فِي زَمَنِ أَبِيهِمْ، وَبَلَغُوا فِي قُوَّتِهِمْ شَرَفًا كَبِيرًا فَأَحَبَّ قُصَيٌّ أَنْ يُلْحِقَ بِهِمْ عَبْدَ الدَّارِ فِي السُّؤْدُدِ فَخَصَّصَهُ بِذَلِكَ فَكَانَ إِخْوَتُهُ لَا يُنَازِعُونَهُ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا انْقَرَضُوا تَشَاجَرَ ابْنَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا خَصَّصَ قُصَيٌّ عَبْدَ الدَّارِ بِذَلِكَ; لِيُلْحِقَهُ بِإِخْوَتِهِ فَنَحْنُ نَسْتَحِقُّ مَا كَانَ آبَاؤُنَا يَسْتَحِقُّونَهُ. وَقَالَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ: هَذَا أَمْرٌ جَعَلَهُ لَنَا قُصَيٌّ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ، وَاخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا. وَانْقَسَمَتْ بُطُونُ قُرَيْشٍ فِرْقَتَيْنِ فَفِرْقَةٌ بَايَعَتْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَحَالَفَتْهُمْ، وَفِرْقَةٌ بَايَعَتْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَحَالَفَتْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الْحِلْفِ فِي جَفْنَةٍ فِيهَا طِيبٌ، ثُمَّ لَمَّا قَامُوا مَسَحُوا أَيْدِيَهُمْ بِأَرْكَانِ الْكَعْبَةِ فَسُمُّوا حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَبَنُو زُهْرَةَ، وَبَنُو تَيْمٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ وَكَانَ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، بَنُو مَخْزُومٍ، وَبَنُو سَهْمٍ، وَبَنُو جُمَحَ،
وَبَنُو عَدِيٍّ، وَاعْتَزَلَتْ بَنُو عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَمُحَارِبُ بْنُ فِهْرٍ الْجَمِيعَ فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ اصْطَلَحُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ تَكُونَ الرِّفَادَةُ وَالسِّقَايَةُ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَنْ تَسْتَقِرَّ الْحِجَابَةُ وَاللِّوَاءُ وَالنَّدْوَةُ فِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَانْبَرَمَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ.
وَحَكَى الْأُمَوِيُّ عَنِ الْأَثْرَمِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: وَزَعَمَ قَوْمٌ مِنْ خُزَاعَةَ أَنَّ قُصَيًّا لَمَّا تَزَوَّجَ حُبَّى بِنْتَ حُلَيْلٍ، وَثَقُلَ حُلَيْلٌ عَنْ وِلَايَةِ الْبَيْتِ جَعَلَهَا إِلَى ابْنَتِهِ حُبَّى، وَاسْتَنَابَ عَنْهَا أَبَا غُبْشَانَ سُلَيْمَ بْنَ عَمْرِو بْنَ بُوَيِّ بْنِ مِلْكَانَ بْنِ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فَاشْتَرَى قُصَيُّ وِلَايَةَ الْبَيْتِ مِنْهُ بِزِقِّ خَمْرٍ وَقَعُودٍ فَكَانَ يُقَالَ: أَخْسَرُ مِنْ صَفْقَةِ أَبِي غُبْشَانَ، وَلَمَّا رَأَتْ خُزَاعَةُ ذَلِكَ، اشْتَدُّوا عَلَى قُصَيٍّ فَاسْتَنْصَرَ أَخَاهُ فَقَدِمَ بِمَنْ مَعَهُ وَكَانَ مَا كَانَ، ثُمَّ فَوَّضَ قُصَيٌّ هَذِهِ الْجِهَاتِ الَّتِي كَانَتْ إِلَيْهِ مِنَ السِّدَانَةِ وَالْحِجَابَةِ وَاللِّوَاءِ وَالنَّدْوَةِ وَالرِّفَادَةِ وَالسِّقَايَةِ، إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ الدَّارِ - كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَإِيضَاحُهُ - وَأَقَرَّ الْإِجَازَةَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فِي بَنِي عَدْوَانَ، وَأَقَرَّ النَّسِيءَ فِي فُقَيْمٍ، وَأَقَرَّ الْإِجَازَةَ - وَهُوَ النَّفْرُ - فِي صُوفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهُ مِمَّا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ قُصَيٌّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ ; عَبْدَ مَنَافٍ وَعَبْدَ الدَّارِ وَعَبْدَ الْعُزَّى وَعَبْدًا وَتَخْمُرَ وَبَرَّةَ، وَأُمُّهُمْ كُلُّهُمْ حُبَّى بِنْتُ حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ بْنِ سَلُولِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ وَهُوَ آخِرُ مَنْ وَلِيَ الْبَيْتَ مِنْ خُزَاعَةَ، وَمِنْ يَدِهِ أَخَذَ الْبَيْتَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ قُصَيٍّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ ; هَاشِمًا وَعَبْدَ شَمْسٍ وَالْمُطَّلِبَ، - وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ - وَنَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهُ وَاقِدَةُ بِنْتُ عَمْرٍو الْمَازِنِيَّةُ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَوُلِدَ لِعَبْدِ مَنَافٍ أَيْضًا أَبُو عَمْرٍو وَتُمَاضِرُ وَقِلَابَةُ وَحَيَّةُ وَرَيْطَةُ وَأُمُّ الْأَخْثَمِ وَأُمُّ سُفْيَانَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَوَلَدَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَخَمْسَ نِسْوَةٍ، عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَأَسَدًا وَأَبَا صَيْفِيٍّ وَنَضْلَةَ وَالشِّفَاءَ وَخَالِدَةَ وَضَعِيفَةَ وَرُقَيَّةَ وَحَيَّةَ فَأُمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرُقَيَّةَ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيدِ بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ مِنَ الْمَدِينَةِ. وَذَكَرَ أُمَّهَاتِ الْبَاقِينَ قَالَ: وَوَلَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَشَرَةَ نَفَرٍ وَسِتَّ نِسْوَةٍ وَهُمُ ; الْعَبَّاسُ وَحَمْزَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ - وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ لَا عِمْرَانَ - وَالزُّبَيْرُ وَالْحَارِثُ - وَكَانَ بِكْرَ أَبِيهِ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى - وَجَحْلٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: حَجْلٌ وَكَانَ يُلَقَّبُ
بِالْغَيْدَاقِ لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَالْمُقَوِّمُ وَضِرَارٌ وَأَبُو لَهَبٍ - وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى - وَصْفِيَّةُ وَأُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءُ وَعَاتِكَةُ وَأُمَيْمَةُ وَأَرْوَى وَبَرَّةُ، وَذَكَرَ أُمَّهَاتِهِمْ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرِ وَجَمِيعِ النِّسَاءِ إِلَّا صَفِيَّةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ قَالَ: فَوَلَدَ عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ، وَأُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ ذَكَرَ أُمَّهَاتِهَا فَأَغْرَقُ إِلَى أَنْ قَالَ: فَهُوَ أَشْرَفُ وَلَدِ آدَمَ حَسَبًا، وَأَفْضَلُهُمْ نَسَبًا، مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ شَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَوْلِدِهِ الْكَرِيمِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ، وَسَنُورِدُ عِنْدَ سَرْدِ النَّسَبِ الشَّرِيفِ فَوَائِدَ أُخَرَ لَيْسَتْ هَاهُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.