الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارٍ أُمَيَّةَ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ]
كَانَ مِنْ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ أَدْرَكَ زَمَنَ الْإِسْلَامِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُقْدَةَ بْنِ غِيَرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفِ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ أَبُو عُثْمَانَ، وَيُقَالَ: أَبُو الْحَكَمِ الثَّقَفِيُّ شَاعِرٌ جَاهِلِيٌّ قَدِمَ دِمَشْقَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مُسْتَقِيمًا، وَإِنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ عَلَى الْإِيمَانِ ثُمَّ زَاغَ عَنْهُ، وَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175] .
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فَوَلَدَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أُمَيَّةَ
الشَّاعِرَ ابْنَ أَبِي الصَّلْتِ، وَاسْمُ أَبِي الصَّلْتِ رَبِيعَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عِلَاجِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ ثَقِيفٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ أَبُوهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِالطَّائِفِ وَكَانَ أُمَيَّةُ أَشْعَرُهُمْ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ الثَّوْرِيُّ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175] هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنِّي لَفِي حَلْقَةٍ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَقَرَأَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْأَعْرَافِ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: 175] فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَيْفِيُّ بْنُ الرَّاهِبِ، وَقَالَ آخَرُ: بَلْ هُوَ بَلْعَمٌ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: لَا. قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ. وَهَكَذَا قَالَ: أَبُو صَالِحٍ وَالْكَلْبِيُّ، وَحَكَاهُ قَتَادَةُ عَنْ بَعْضِهِمْ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ
الرَّبَعِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الطَّرِيحِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ تُجَّارًا إِلَى الشَّامِ فَكُلَّمَا نَزَلْنَا مَنْزِلًا أَخَذَ أُمَيَّةُ سِفْرًا لَهُ يَقْرَؤُهُ عَلَيْنَا. فَكُنَّا كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلْنَا قَرْيَةً مِنْ قُرَى النَّصَارَى فَجَاؤُهُ وَأَكْرَمُوهُ وَأَهْدَوْا لَهُ، وَذَهَبَ مَعَهُمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ وَأَخَذَ ثَوْبَيْنِ لَهُ أَسْوَدَيْنِ فَلَبِسَهُمَا، وَقَالَ لِي: هَلْ لَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ فِي عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءَ النَّصَارَى إِلَيْهِ يَتَنَاهَى عِلْمُ الْكِتَابِ تَسْأَلُهُ؟ قُلْتُ: لَا أَرَبَ لِي فِيهِ وَاللَّهِ لَئِنْ حَدَّثَنِي بِمَا أُحِبُّ لَا أَثِقُ بِهِ، وَلَئِنْ حَدَّثَنِي بِمَا أَكْرَهُ لَأَوْجَلَنَّ مِنْهُ. قَالَ: فَذَهَبَ وَخَالَفَهُ شَيْخٌ مِنَ النَّصَارَى فَدَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى هَذَا الشَّيْخِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ عَلَى دِينِهِ قَالَ: وَإِنْ فَإِنَّكَ تَسْمَعُ مِنْهُ عَجَبًا وَتَرَاهُ. ثُمَّ قَالَ لِي: أَثَقَفِيٌّ أَنْتَ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ قُرَشِيٌّ. قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الشَّيْخِ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَيُحِبُّكُمْ وَيُوصِي بِكُمْ. قَالَ: فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا، وَمَكَثَ أُمَيَّةُ عِنْدَهُمْ حَتَّى جَاءَنَا بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ ثُمَّ انْجَدَلَ عَلَى فِرَاشِهِ فَوَاللَّهِ مَا نَامَ وَلَا قَامَ حَتَّى أَصْبَحَ كَئِيبًا حَزِينًا سَاقِطًا غَبُوقُهُ عَلَى صَبُوحِهِ، مَا يُكَلِّمُنَا وَلَا نُكَلِّمُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَرْحَلُ؟ قُلْتُ: وَهَلْ بِكَ مِنْ رَحِيلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ
فَرَحَلْنَا فَسِرْنَا بِذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ مِنْ هَمِّهِ.
ثُمَّ قَالَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ: أَلَا تَحَدَّثُ يَا أَبَا سُفْيَانَ؟ قُلْتُ: وَهَلْ بِكَ مِنْ حَدِيثٍ؟ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَجَعْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِكَ. قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَلِكَ لِشَيْءٍ لَسْتَ فِيهِ إِنَّمَا ذَلِكَ لِشَيْءٍ وَجِلْتُ مِنْهُ مِنْ مُنْقَلَبِي. قُلْتُ: وَهَلْ لَكَ مِنْ مُنْقَلَبٍ قَالَ: أَيْ وَاللَّهِ لَأَمُوتَنَّ، ثُمَّ لَأُحْيَيَنَّ قَالَ: قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ قَابِلٌ أَمَانَتِي؟ قَالَ: عَلَى مَاذَا؟ قُلْتُ: عَلَى أَنَّكَ لَا تُبْعَثُ وَلَا تُحَاسَبُ قَالَ: فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ يَا أَبَا سُفْيَانَ لَنُبْعَثَنَّ ثُمَّ لَنُحَاسَبَنَّ، وَلَيَدْخُلَنَّ فَرِيقٌ الْجَنَّةَ وَفَرِيقٌ النَّارَ. قُلْتُ: فَفِي أَيِّهِمَا أَنْتَ أَخْبَرَكَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لَا عِلْمَ لِصَاحِبِي بِذَلِكَ لَا فِيَّ وَلَا فِي نَفْسِهِ. قَالَ: فَكُنَّا فِي ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ يَعْجَبُ مِنِّي وَأَضْحَكُ مِنْهُ حَتَّى قَدِمْنَا غُوطَةَ دِمَشْقَ فَبِعْنَا مَتَاعَنَا، وَأَقَمْنَا بِهَا شَهْرَيْنِ فَارْتَحَلْنَا حَتَّى نَزَلْنَا قَرْيَةً مِنْ قُرَى النَّصَارَى.
فَلَمَّا رَأَوْهُ جَاءُوهُ وَأَهْدَوْا لَهُ، وَذَهَبَ مَعَهُمْ إِلَى بَيْعَتِهِمْ فَمَا جَاءَ إِلَّا بَعْدَ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِمْ حَتَّى جَاءَ بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ وَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَوَاللَّهِ مَا نَامَ وَلَا قَامَ وَأَصْبَحَ حَزِينًا كَئِيبًا لَا يُكَلِّمُنَا وَلَا نُكَلِّمُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَرْحَلُ؟ قُلْتُ: بَلَى إِنْ شِئْتَ. فَرَحَلْنَا كَذَلِكَ مِنْ بَثِّهِ وَحُزْنِهِ لَيَالِيَ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا سُفْيَانَ هَلْ لَكَ فِي الْمَسِيرِ لِنَتَقَدَّمَ أَصْحَابَنَا؟ قُلْتُ: هَلْ لَكَ فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَسِرْنَا حَتَّى بَرَزْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: هَيَا
صَخْرُ قُلْتُ: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ حَدِّثْنِي عَنْ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ أَيَجْتَنِبُ الْمَظَالِمَ وَالْمَحَارِمَ؟ قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ. قَالَ: وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَأْمُرُ بِصِلَتِهَا؟ قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ. قَالَ: وَكَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ وَسَطٌ فِي الْعَشِيرَةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَهَلْ تَعْلَمُ قُرَشِيًّا أَشْرَفَ مِنْهُ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ. قَالَ أَمُحْوِجٌ هُوَ؟ قُلْتُ: لَا بَلْ هُوَ ذُو مَالٍ كَثِيرٍ. قَالَ: وَكَمْ أَتَى عَلَيْهِ مِنَ السِّنِّ؟ قُلْتُ: قَدْ زَادَ عَلَى الْمِائَةِ. قَالَ: فَالشَّرَفُ وَالسِّنُّ وَالْمَالُ أَزْرَيْنَ بِهِ؟ قُلْتُ: وَلِمَ ذَاكَ يُزْرِي بِهِ؟ لَا وَاللَّهِ بَلْ يَزِيدُهُ خَيْرًا قَالَ: هُوَ ذَاكَ. هَلْ لَكَ فِي الْمَبِيتِ؟ قُلْتُ: هَلْ لِي فِيهِ قَالَ: فَاضْطَجَعْنَا حَتَّى مَرَّ الثَّقَلُ. قَالَ: فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا فِي الْمَنْزِلِ وَبِتْنَا بِهِ، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ قَالَ لِي: يَا أَبَا سُفْيَانَ قُلْتُ مَا تَشَاءُ؟ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي مِثْلِ الْبَارِحَةِ؟ قُلْتُ: هَلْ لِي فِيهِ. قَالَ: فَسِرْنَا عَلَى نَاقَتَيْنِ بُخْتِيَّتَيْنِ حَتَّى إِذَا بَرَزْنَا قَالَ: هَيَا صَخْرُ هِيهِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. قَالَ: قُلْتُ هِيهًا فِيهِ قَالَ: أَيَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ وَالْمَظَالِمَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَأْمُرُ بِصِلَتِهَا؟ قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَفْعَلُ. قَالَ: وَذُو مَالٍ؟ قُلْتُ: وَذُو مَالٍ. قَالَ أَتَعْلَمُ قُرَشِيًّا أَسْوَدَ مِنْهُ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ. قَالَ: كَمْ أَتَى لَهُ مِنَ السِّنِّ؟ قُلْتُ: قَدْ زَادَ عَلَى الْمِائَةِ. قَالَ: فَإِنَّ السِّنَّ وَالشَّرَفَ وَالْمَالَ أَزْرَيْنَ بِهِ؟ قُلْتُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا أَزْرَى بِهِ ذَلِكَ، وَأَنْتَ قَائِلٌ شَيْئًا فَقُلْهُ. قَالَ: لَا تَذْكُرْ حَدِيثِي حَتَّى يَأْتِيَ مِنْهُ مَا هُوَ آتٍ. ثُمَّ قَالَ:
فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْتَ أَصَابَنِي أَنِّي جِئْتُ هَذَا الْعَالِمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمَّ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا النَّبِيِّ الَّذِي يُنْتَظَرُ. قَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ. قُلْتُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ مِنَ الْعَرَبِ فَمِنْ أَيِّ الْعَرَبِ هُوَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ تَحُجُّهُ الْعَرَبُ. قُلْتُ: وَفِينَا بَيْتٌ تَحُجُّهُ الْعَرَبُ. قَالَ: هُوَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَصَابَنِي وَاللَّهِ شَيْءٌ مَا أَصَابَنِي مِثْلُهُ قَطُّ، وَخَرَجَ مِنْ يَدِي فَوْزُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَكُونَ إِيَّاهُ. قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ مَا كَانَ فَصِفْهُ لِي. قَالَ: رَجُلٌ شَابٌّ حِينَ دَخَلَ فِي الْكُهُولَةِ بُدُوُّ أَمْرِهِ يَجْتَنِبُ الْمَظَالِمَ وَالْمَحَارِمَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَأْمُرُ بِصِلَتِهَا، وَهُوَ مُحْوِجٌ كَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ مُتَوَسِّطٌ فِي الْعَشِيرَةِ، أَكْثَرُ جُنْدِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. قُلْتُ: وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: قَدْ رَجَفَتِ الشَّامُ مُنْذُ هَلَكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام ثَمَانِينَ رَجْفَةً كُلُّهَا فِيهَا مُصِيبَةٌ، وَبَقِيَتْ رَجْفَةٌ عَامَّةٌ فِيهَا مَصَائِبُ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ الْبَاطِلُ لَئِنْ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا، لَا يَأْخُذُهُ إِلَّا مُسِنًّا شَرِيفًا. قَالَ أُمَيَّةُ: وَالَّذِي حَلَفْتَ بِهِ إِنَّ هَذَا لَهَكَذَا يَا أَبَا سُفْيَانَ ; تَقُولُ: إِنَّ قَوْلَ النَّصْرَانِيِّ حَقٌّ. هَلْ لَكَ فِي الْمَبِيتِ؟ قُلْتُ: هَلْ لِي فِيهِ. قَالَ: فَبِتْنَا حَتَّى جَاءَنَا الثَّقَلُ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيْلَتَانِ، أَدْرَكَنَا رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِنَا فَسَأَلْنَاهُ فَإِذَا هُوَ
يَقُولُ: أَصَابَتْ أَهْلَ الشَّامِ بَعْدَكُمْ رَجْفَةٌ دَمَّرَتْ أَهْلَهَا، وَأَصَابَتْهُمْ فِيهَا مَصَائِبُ عَظِيمَةٌ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أُمَيَّةُ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى قَوْلَ النَّصْرَانِيِّ يَا أَبَا سُفْيَانَ؟ قُلْتُ: أَرَى وَأَظُنُّ وَاللَّهِ أَنَّ مَا حَدَّثَكَ بِهِ صَاحِبُكَ حَقٌّ. قَالَ: فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَقَضَيْتُ مَا كَانَ مَعِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جِئْتُ الْيَمَنَ تَاجِرًا فَكُنْتُ بِهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ قَدِمْتُ مَكَّةَ فَبَيْنَا أَنَا فِي مَنْزِلِي جَاءَنِي النَّاسُ يُسَلِّمُونَ عَلَيَّ، وَيَسْأَلُونَ عَنْ بَضَائِعِهِمْ حَتَّى جَاءَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهِنْدٌ عِنْدِي تُلَاعِبُ صِبْيَانَهَا فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي، وَسَأَلَنِي عَنْ سَفَرِي وَمُقَامِي، وَلَمْ يَسْأَلْنِي عَنْ بِضَاعَتِهِ ثُمَّ قَامَ. فَقُلْتُ لِهِنْدٍ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَيُعْجِبُنِي مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ مَعِي بِضَاعَةٌ إِلَّا وَقَدْ سَأَلَنِي عَنْهَا وَمَا سَأَلَنِي هَذَا عَنْ بِضَاعَتِهِ! فَقَالَتْ لِي هِنْدٌ: وَمَا عَلِمْتَ شَأْنَهُ؟ فَقُلْتُ، وَفَزِعْتُ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالَتْ: يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. فَوَقَذَتْنِي وَذَكَرْتُ قَوْلَ النَّصْرَانِيِّ فَوَجَمْتُ حَتَّى قَالَتْ لِي هِنْدٌ: مَالَكَ؟ فَانْتَبَهْتُ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَاطِلُ! لَهُوَ أَعْقَلُ مِنْ أَنْ يَقُولَ هَذَا. قَالَتْ: بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَقُولَنَّ ذَلِكَ وَيُوَاتَى عَلَيْهِ، وَإِنَّ لَهُ لِصَحَابَةٌ عَلَى دِينِهِ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ قَالَ: وَخَرَجَتْ فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ لَقِيتُهُ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ بِضَاعَتَكَ قَدْ بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا وَكَانَ فِيهَا خَيْرٌ فَأَرْسِلْ فَخُذْهَا وَلَسْتُ آخُذُ مِنْكَ فِيهَا مَا آخُذُ مِنْ قَوْمِي فَأَبَى عَلَيَّ، وَقَالَ: إِذَنْ لَا
آخُذُهَا. قُلْتُ: فَأَرْسِلْ فَخُذْهَا وَأَنَا آخُذُ مِنْكَ مِثْلَ مَا آخُذُ مِنْ قَوْمِي فَأَرْسَلَ إِلَى بِضَاعَتِهِ فَأَخَذَهَا وَأَخَذْتُ مِنْهُ مَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجْتُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَدِمْتُ الطَّائِفَ فَنَزَلْتُ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عُثْمَانَ قَالَ: مَا تَشَاءُ؟ قُلْتُ: هَلْ تَذْكُرُ قَوْلَ النَّصْرَانِيِّ؟ فَقُلْتُ: أَذْكُرُهُ فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ، قَالَ: وَمَنْ؟ قُلْتُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قُلْتُ: ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ قَصَصْتُ عَلَيْهِ خَبَرَ هِنْدٍ قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَخَذَ يَتَصَبَّبُ عَرَقًا، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ يَا أَبَا سُفْيَانَ لَعَلَّهُ، إِنَّ صِفَتَهُ لَهِيَ وَلَئِنْ ظَهَرَ، وَأَنَا حَيٌّ لَأُبْلِيَنَّ مِنَ اللَّهِ عز وجل فِي نَصْرِهِ عُذْرًا. قَالَ: وَمَضَيْتُ إِلَى الْيَمَنِ فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ جَاءَنِي هُنَالِكَ اسْتِهْلَالُهُ، وَأَقْبَلْتُ حَتَّى نَزَلْتُ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ بِالطَّائِفِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عُثْمَانَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الرَّجُلِ مَا قَدْ بَلَغَكَ، وَسَمِعْتَهُ قَالَ: قَدْ كَانَ لَعَمْرِي. قُلْتُ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْهُ يَا أَبَا عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُومِنَ بِرَسُولٍ مِنْ غَيْرِ ثَقِيفٍ أَبَدًا. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَأَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَوَاللَّهِ مَا أَنَا بِبَعِيدٍ حَتَّى جِئْتُ مَكَّةَ فَوَجَدْتُ أَصْحَابَهُ يُضْرَبُونَ وَيُحْقَرُونَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ: فَأَيْنَ
جُنْدُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ قَالَ: فَدَخَلَنِي مَا يَدْخُلُ النَّاسَ مِنَ النَّفَاسَةِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ طَرِيحٍ بِهِ، وَلَكِنَّ سِيَاقَ الطَّبَرَانِيِّ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ أَتَمُّ، وَأَطْوَلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُقْبِلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا مُجَاشِعُ بْنُ عَمْرٍو الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ كَانَ بِغَزَّةَ أَوْ بِإِيلِيَاءَ فَلَمَّا قَفَلْنَا قَالَ لِي أُمَيَّةُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ هَلْ لَكَ أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى الرُّفْقَةِ فَنَتَحَدَّثَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَفَعَلْنَا فَقَالَ لِي: يَا أَبَا سُفْيَانَ إِيهِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ؟ قُلْتُ: كَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ، وَيَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ وَالْمَظَالِمَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: وَشَرِيفٌ مُسِنٌّ؟ قُلْتُ: وَشَرِيفٌ مُسِنٌّ قَالَ: السِّنُّ وَالشَّرَفُ أَزْرَيَا بِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ مَا ازْدَادَ سِنًّا إِلَّا ازْدَادَ شَرَفًا. قَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ إِنَّهَا كَلِمَةٌ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَقُولُهَا لِي مُنْذُ تَبَصَّرْتُ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيَّ حَتَّى أُخْبِرَكَ. قَالَ: قُلْتُ: هَاتِ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَجِدُ فِي كُتُبِي نَبِيًّا يُبْعَثُ مِنْ حَرَّتِنَا هَذِهِ فَكُنْتُ أَظُنُّ بَلْ كُنْتُ لَا أَشُكُّ أَنِّي أَنَا هُوَ فَلَمَّا
دَارَسْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ إِذَا هُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ.
فَنَظَرْتُ فِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ غَيْرَ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فَلَمَّا أَخْبَرْتَنِي بِسِنِّهِ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ حِينَ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ، وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَضَرَبَ الدَّهْرُ مَنْ ضَرَبَهُ فَأُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَخَرَجْتُ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُرِيدُ الْيَمَنَ فِي تِجَارَةٍ فَمَرَرْتُ بِأُمَيَّةَ فَقُلْتُ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِهِ: يَا أُمَيَّةُ قَدْ خَرَجَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنْتَ تَنْعَتُهُ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ حَقٌّ فَاتَّبِعْهُ قُلْتُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنِ اتِّبَاعِهِ؟ قَالَ: مَا يَمْنَعُنِي إِلَّا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ نُسَيَّاتِ ثَقِيفٍ إِنِّي كُنْتُ أُحَدِّثُهُنَّ أَنِّي هُوَ، ثُمَّ يَرَيْنَنِي تَابِعًا لِغُلَامٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: وَكَأَنِّي بِكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ إِنْ خَالَفْتَهُ، قَدْ رُبِطْتَ كَمَا يُرْبَطُ الْجَدْيُ حَتَّى يُؤْتَى بِكَ إِلَيْهِ فَيَحْكُمَ فِيكَ بِمَا يُرِيدُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: بَيْنَا أُمَيَّةُ رَاقِدٌ وَمَعَهُ ابْنَتَانِ لَهُ إِذْ فَزِعَتْ إِحْدَاهُمَا فَصَاحَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ نَسْرَيْنِ كَشَطَا سَقْفَ الْبَيْتِ فَنَزَلَ أَحَدُهُمَا إِلَيْكَ فَشَقَّ بَطْنَكَ وَالْآخَرُ وَاقِفٌ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: أَوَعَى؟ قَالَ: وَعَى. قَالَ: أَزَكَا قَالَ: لَا. فَقَالَ: ذَاكَ
خَيْرٌ أُرِيدَ بِأَبِيكُمَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِسِيَاقٍ آخَرَ فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ:«قَدِمَتِ الْفَارِعَةُ أُخْتُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَكَانَتْ ذَاتَ لُبٍّ وَعَقْلٍ وَجَمَالٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا مُعْجَبًا فَقَالَ لَهَا ذَاتَ يَوْمٍ: يَا فَارِعَةُ هَلْ تَحْفَظِينَ مِنْ شِعْرِ أَخِيكِ شَيْئًا؟» فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَا قَدْ رَأَيْتُ. قَالَتْ: كَانَ أَخِي فِي سَفَرٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ بَدَأَ بِي فَدَخَلَ عَلَيَّ فَرَقَدَ عَلَى سَرِيرِي وَأَنَا أَخْلُقُ أَدِيمًا فِي يَدِي، إِذْ أَقْبَلَ طَائِرَانِ أَبْيَضَانِ أَوْ كَالطَّيْرَيْنِ أَبْيَضَيْنِ فَوَقَعَ عَلَى الْكُوَّةِ أَحَدُهُمَا وَدَخَلَ الْآخَرُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ فَشَقَّ الْوَاقِعُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ قَصِّهِ إِلَى عَانَتِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِهِ فَأَخْرَجَ قَلْبَهُ فَوَضَعَهُ فِي كَفِّهِ ثُمَّ شَمَّهُ فَقَالَ لَهُ الطَّائِرُ الْآخَرُ: أَوَعَى؟ قَالَ: وَعَى. قَالَ: أَزَكَا؟ قَالَ: أَبَى. ثُمَّ رَدَّ الْقَلْبَ إِلَى مَكَانِهِ فَالْتَأَمَ الْجُرْحُ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ ثُمَّ
ذَهَبَا فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ دَنَوْتُ مِنْهُ فَحَرَّكْتُهُ فَقُلْتُ: هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا إِلَّا تَوْهِينًا فِي جَسَدِي - وَقَدْ كُنْتُ ارْتَعَبْتُ مِمَّا رَأَيْتُ - فَقَالَ: مَالِي أَرَاكِ مُرْتَاعَةً؟ قَالَتْ: فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: خَيْرٌ أُرِيدَ بِي ثُمَّ صُرِفَ عَنِّي، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
بَاتَتْ هُمُومِيَ تَسْرِي طَوَارِقُهَا
…
أَكُفُّ عَيْنِي وَالدَّمْعُ سَابِقُهَا
مِمَّا أَتَانِي مِنَ الْيَقِينِ وَلَمْ
…
أُوتَ بِرَاةً يَقُصُّ نَاطِقُهَا
أَمْ مَنْ تَلَظَّى عَلَيْهِ وَاقِدَةُ
…
النَّارِ مُحِيطٌ بِهِمْ سُرَادِقُهَا
أَمْ أَسْكُنُ الْجَنَّةَ الَّتِي وُعِدَ
…
الْأَبْرَارُ مَصْفُوفَةٌ نَمَارِقُهَا
لَا يَسْتَوِي الْمَنْزِلَانِ ثَمَّ وَلَا
…
الْأَعْمَالُ لَا تَسْتَوِي طَرَائِقُهَا
هُمَا فَرِيقَانِ فِرْقَةٌ تَدْخُلُ
…
الْجَنَّةَ حَفَّتْ بِهِمْ حَدَائِقُهَا
وَفِرْقَةٌ مِنْهُمُ قَدْ أُدْخِلَتِ
…
النَّارَ فَسَاءَتْهُمْ مَرَافِقُهَا
تَعَاهَدَتْ هَذِهِ الْقُلُوبُ إِذَا
…
هَمَّتْ بِخَيْرٍ عَاقَتْ عَوَائِقُهَا
وَصَدَّهَا لِلشَّقَاءِ عَنْ طَلَبِ
…
الْجَنَّةِ دُنْيَا اللَّهُ مَاحِقُهَا
عَبْدٌ دَعَا نَفْسَهُ فَعَاتَبَهَا
…
يَعْلَمُ أَنَّ الْبَصِيرَ رَامِقُهَا
مَا رَغْبَةُ النَّفْسِ فِي الْحَيَاةِ وَإِنْ
…
تَحْيَا قَلِيلًا فَالْمَوْتُ لَاحِقُهَا
يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ
يَوْمًا عَلَى غِرَّةٍ يُوَافِقُهَا
…
مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هَرَمًا
لِلْمَوْتِ كَأْسٌ وَالْمَرْءُ ذَائِقُهَا
قَالَتْ: ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَحْلِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى طُعِنَ فِي جِنَازَتِهِ فَأَتَانِي الْخَبَرُ فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ مَنْعُوشًا قَدْ سُجِيَ عَلَيْهِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَشَهِقَ شَهْقَةً وَشَقَّ بَصَرُهُ وَنَظَرَ نَحْوَ السَّقْفِ وَرَفَعَ صَوْتَهُ، وَقَالَ:
لَبَّيْكُمَا لَبَّيْكُمَا
…
هَا أَنَا ذَا لَدَيْكُمَا
لَا ذُو مَالٍ فَيَفْدِينِي وَلَا ذُو أَهْلٍ فَتَحْمِينِي، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ إِذْ شَهِقَ شَهْقَةً فَقُلْتُ: قَدْ هَلَكَ الرَّجُلُ فَشَقَّ بَصَرُهُ نَحْوَ السَّقْفِ فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ:
لَبَّيْكُمَا لَبَّيْكُمَا
…
هَا أَنَا ذَا لَدَيْكُمَا
لَا ذُو بَرَاءَةٍ فَأَعْتَذِرُ وَلَا ذُو عَشِيرَةٍ فَأَنْتَصِرُ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ إِذْ شَهِقَ شَهْقَةً وَشَقَّ بَصَرُهُ وَنَظَرَ نَحْوَ السَّقْفِ فَقَالَ:
لَبَّيْكُمَا لَبَّيْكُمَا
…
هَا أَنَا ذَا لَدَيْكُمَا
بِالنِّعَمِ مَحْفُودٌ
…
وَبِالذَّنْبِ مَحْصُودٌ
ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ إِذْ شَهِقَ شَهْقَةً فَقَالَ:
لَبَّيْكُمَا لَبَّيْكُمَا
…
هَا أَنَا ذَا لَدَيْكُمَا
إِنَّ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا
…
وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا
ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ إِذْ شَهِقَ شَهْقَةً فَقَالَ:
كُلُّ عَيْشٍ وَإِنْ تَطَاوَلَ دَهْرًا
…
صَائِرٌ مَرَّةً إِلَى أَنْ يَزُولَا
لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَ مَا بَدَا لِي
…
فِي قِلَالِ الْجِبَالِ أَرْعَى الْوُعُولَا
قَالَتْ: ثُمَّ مَاتَ. «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا فَارِعَةُ فَإِنَّ مَثَلَ أَخِيكِ كَمَثَلِ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ آيَاتِهِ " فَانْسَلَخَ مِنْهَا " الْآيَةَ» وَقَدْ تَكَلَّمَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى غَرِيبِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أُمَيَّةُ ابْنُ أَبِي الصَّلْتِ:
أَلَا رَسُولٌ لَنَا مِنَّا يُخَبِّرُنَا
…
مَا بَعْدَ غَايَتِنَا مِنْ رَأْسِ مَجْرَانَا
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَتَنَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقَامَ أُمَيَّةُ بِالْبَحْرَيْنِ ثَمَانِيَ سِنِينَ، ثُمَّ قَدِمَ الطَّائِفَ فَقَالَ لَهُمْ: مَا يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالُوا: يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَهُوَ الَّذِي كُنْتَ تَتَمَنَّى. قَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَا هَذَا الَّذِي تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنْ لَا الَهَ إِلَّا هُوَ. قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَكَ فَعِدْنِي غَدًا. قَالَ: فَمَوْعِدُكَ غَدًا قَالَ: فَتُحِبُّ أَنْ آتِيَكَ، وَحْدِي أَوْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِي، وَتَأْتِيَنِي وَحْدَكَ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيَّ ذَلِكَ شِئْتَ قَالَ: فَإِنِّي آتِيكَ فِي جَمَاعَةٍ فَأْتِ فِي جَمَاعَةٍ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ غَدَا أُمَيَّةُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: وَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى جَلَسُوا فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قَالَ: فَبَدَأَ أُمَيَّةُ فَخَطَبَ ثُمَّ سَجَعَ، ثُمَّ أَنْشَدَ الشِّعْرَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ الشِّعْرُ قَالَ: أَجِبْنِي يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 1] حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهَا، وَثَبَ أُمَيَّةُ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ قَالَ: فَتَبِعَتْهُ قُرَيْشٌ يَقُولُونَ: مَا تَقُولُ يَا أُمَيَّةُ؟ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ. فَقَالُوا: هَلْ تَتَّبِعُهُ؟ قَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ أُمَيَّةُ إِلَى الشَّامِ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَلَمَّا قُتِلَ أَهْلُ بَدْرٍ قَدِمَ أُمَيَّةُ مِنَ الشَّامِ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا، ثُمَّ تَرَحَّلَ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَائِلٌ: يَا أَبَا الصَّلْتِ مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ مُحَمَّدًا قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أُومِنُ بِهِ وَأُلْقِي إِلَيْهِ مَقَالِيدَ هَذَا الْأَمْرِ. قَالَ: أَتَدْرِي مَنْ فِي الْقَلِيبِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فِيهِ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهُمَا ابْنَا
خَالِكَ - وَأُمُّهُ رَبِيعَةُ بِنْتُ عَبْدِ شَمْسٍ - قَالَ: فَجَدَعَ أُذُنَيْ نَاقَتِهِ، وَقَطَعَ ذَنَبَهَا ثُمَّ وَقَفَ عَلَى الْقَلِيبِ يَقُولُ:
مَاذَا بِبَدْرٍ فَالْعَقَنْقَلُ
…
مِنْ مَرَازِبَةٍ جَحَاجِحْ
الْقَصِيدَةَ إِلَى آخِرِهَا كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهَا بِتَمَامِهَا فِي قِصَّةِ بَدْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَتَرَكَ الْإِسْلَامَ. ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الطَّيْرَيْنِ وَقِصَّةَ وَفَاتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنْشَدَ شِعْرَهُ عِنْدَ الْوَفَاةِ
كُلُّ عَيْشٍ وَإِنْ تَطَاوَلَ دَهْرًا
…
صَائِرٌ مَرَّةً إِلَى أَنْ يَزُولَا
لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَ مَا قَدْ بَدَا لِي
…
فِي قِلَالِ الْجِبَالِ أَرْعَى الْوُعُولَا
فَاجْعَلِ الْمَوْتَ نُصْبَ عَيْنَيْكَ وَاحْذَرْ
…
غَوْلَةَ الدَّهْرِ إِنَّ لِلدَّهْرِ غُولَا
نَائِلًا ظُفْرُهَا الْقَسَاوِرَ وَالصُّدْ
…
عَانَ وَالطِّفْلَ فِي الْمَنَارِ الشَّكِيلَا
وَبُغَاثَ النِّيَافِ وَالْيَعْفُرَ النَّافِرَ
…
وَالْعَوْهَجَ الْبِرَامَ الضَّئِيلَا
فَقَوْلُهُ: الْقَسَاوِرُ جَمْعُ قَسْوَرَةٍ وَهُوَ الْأَسَدُ، وَالصُّدْعَانُ: ثِيرَانُ الْوَحْشِ وَاحِدُهَا صَدَعٌ، وَالطِّفْلُ الشَّكِلُ: مِنْ حُمْرَةِ الْعَيْنِ، وَالْبُغَاثُ: الرَّخَمُ، وَالنِّيَافُ: الْجِبَالُ، وَالْيَعْفُرُ: الظَّبْيُ، وَالْعَوْهَجُ: وَلَدُ النَّعَامَةِ. يَعْنِي أَنَّ الْمَوْتَ لَا يَنْجُو مِنْهُ الْوُحُوشُ فِي الْبَرَارِي وَلَا الرَّخَمُ السَّاكِنَةُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ،
وَلَا يَتْرُكُ صَغِيرًا لِصِغَرِهِ وَلَا كَبِيرًا لِكِبَرِهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى غَرِيبِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.
وَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ " التَّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ " أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ أَوَّلُ مَنْ قَالَ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. وَذَكَرَ عِنْدَ ذَلِكَ قِصَّةً غَرِيبَةً، وَهُوَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي سَفَرٍ فِيهِمْ حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ وَالِدُ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَ: فَمَرُّوا فِي مَسِيرِهِمْ بِحَيَّةٍ فَقَتَلُوهَا فَلَمَّا أَمْسَوْا جَاءَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنَ الْجَانِّ فَعَاتَبَتْهُمْ فِي قَتْلِ تِلْكَ الْحَيَّةِ، وَمَعَهَا قَضِيبٌ فَضَرَبَتْ بِهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً نَفَّرَتِ الْإِبِلَ عَنْ آخِرِهَا فَذَهَبَتْ وَشَرَدَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَقَامُوا فَلَمْ يَزَالُوا فِي طَلَبِهَا حَتَّى رَدُّوهَا فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَتْهُمْ أَيْضًا فَضَرَبَتِ الْأَرْضَ بِقَضِيبِهَا فَنَفَرَتِ الْإِبِلُ فَذَهَبُوا فِي طَلَبِهَا فَلَمَّا أَعْيَاهُمْ ذَلِكَ قَالُوا: وَاللَّهِ هَلْ عِنْدَكَ لِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَخْرَجٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنْ سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَسَارَ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لَعَلَّهُ يَجِدُ أَحَدًا يَسْأَلُهُ عَمًّا قَدْ حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَنَاءِ، إِذَا نَارٌ تَلُوحُ عَلَى بُعْدٍ فَجَاءَهَا فَإِذَا شَيْخٌ عَلَى بَابِ خَيْمَةٍ يُوقِدُ نَارًا، وَإِذَا هُوَ مِنَ الْجَانِّ فِي غَايَةِ الضَّآلَةِ وَالدَّمَامَةِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ فَقَالَ: إِذَا جَاءَتْكُمْ فَقُلْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَإِنَّهَا تَهْرُبُ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَجَاءَتْهُمُ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ، قَالَ فِي وَجْهِهَا أُمَيَّةُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَشَرَدَتْ وَلَمْ يَقَرَّ لَهَا قَرَارٌ،
لَكِنْ عَدَتِ الْجِنُّ عَلَى حَرْبِ ابْنِ أُمَيَّةَ فَقَتَلُوهُ بِتِلْكَ الْحَيَّةِ فَقَبَرَهُ أَصْحَابُهُ هُنَالِكَ حَيْثُ لَا جَارَ وَلَا دَارَ فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْجَانُّ:
وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَانٍ قَفْرٍ
…
وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَتَفَرَّسُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فِي لُغَاتِ الْحَيَوَانَاتِ فَكَانَ يَمُرُّ فِي السَّفَرِ عَلَى الطَّيْرِ فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ هَذَا يَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُونَ: لَا نَعْلَمُ صِدْقَ مَا يَقُولُ حَتَّى مَرُّوا عَلَى قَطِيعِ غَنَمٍ قَدِ انْقَطَعَتْ مِنْهُ شَاةٌ، وَمَعَهَا وَلَدُهَا فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَثَغَتْ كَأَنَّهَا تَسْتَحِثُّهُ فَقَالَ: أَتُدْرُونَ مَا تَقُولُ لَهُ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: إِنَّهَا تَقُولُ: أَسْرِعْ بِنَا لَا يَجِيءُ الذِّئْبُ فَيَأْكُلَكَ كَمَا أَكَلَ الذِّئْبُ أَخَاكَ عَامَ أَوَّلَ. فَأَسْرَعُوا حَتَّى سَأَلُوا الرَّاعِيَ: هَلْ أَكَلَ لَهُ الذِّئْبُ عَامَ أَوَّلَ حَمَلًا بِتِلْكَ الْبُقْعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَمَرَّ يَوْمًا عَلَى بَعِيرٍ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ رَاكِبَةٌ وَهُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهَا وَيَرْغُو فَقَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ لَهَا: إِنَّكِ رَحَّلْتِنِي، وَفِي الْحِدَاجَةِ مِخْيَطٌ. فَأَنْزَلُوا تِلْكَ الْمَرْأَةَ، وَحَلُّوا ذَلِكَ الرَّحْلَ فَاذَا فِيهِ مِخْيَطٌ كَمَا قَالَ.
وَذَكَرَ ابْنُ السِّكِّيتِ أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ بَيْنَمَا هُوَ يَشْرَبُ يَوْمًا إِذْ نَعَبَ غُرَابٌ. فَقَالَ لَهُ: بِفِيكَ التُّرَابُ مَرَّتَيْنِ. فَقِيلَ لَهُ: مَا يَقُولُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ
يَقُولُ: إِنَّكَ تَشْرَبُ هَذَا الْكَأْسَ الَّذِي فِي يَدِكَ، ثُمَّ تَتَّكِئُ فَتَمُوتُ. ثُمَّ نَعَبَ الْغُرَابُ فَقَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: وَآيَةُ ذَلِكَ أَنِّي أَنْزِلُ عَلَى هَذِهِ الْمَزْبَلَةِ فَآكُلُ مِنْهَا فَيَعْلَقُ عَظْمٌ فِي حَلْقِي فَأَمُوتُ. ثُمَّ نَزَلَ الْغُرَابُ عَلَى تِلْكَ الْمَزْبَلَةِ فَأَكَلَ شَيْئًا فَعَلَقَ فِي حَلْقِهِ عَظْمٌ فَمَاتَ. فَقَالَ أُمَيَّةُ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَدَقَ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنْ سَأَنْظُرُ هَلْ صَدَقَ فِيَّ أَمْ لَا. ثُمَّ شَرِبَ ذَلِكَ الْكَأْسَ الَّذِي فِي يَدِهِ ثُمَّ اتَّكَأَ فَمَاتَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ
وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا ابْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ يَقُولُ: قَالَ الشَّرِيدُ «: كُنْتُ رِدْفًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: أَمَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْشِدْنِي. فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ كُلَّمَا أَنْشَدْتُهُ
بَيْتًا إِيهِ حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَسَكَتُّ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ بِهِ، وَمِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ:«فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِنْ كَادَ يُسْلِمُ» .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ: حَدَّثَنَا ابْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ نَافِعٍ عَنِ الشَّرِيدِ الْهَمْدَانِيِّ - وَأَخْوَالُهُ ثَقِيفٌ - قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي ذَاتَ يَوْمٍ إِذَا وَقْعُ نَاقَةٍ خَلْفِي فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ الشَّرِيدُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَا أَحْمِلُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى وَمَا بِي مِنْ إِعْيَاءٍ وَلَا لُغُوبٍ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ الْبَرَكَةَ فِي رُكُوبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنَاخَ فَحَمَلَنِي. فَقَالَ: أَمَعَكَ مَنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: هَاتِ. فَأَنْشَدْتُهُ - قَالَ
أَظُنُّهُ قَالَ - مِائَةَ بَيْتٍ فَقَالَ عِنْدَ اللَّهِ عِلْمُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ» ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. فَأَمَّا الَّذِي يُرْوَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي أُمَيَّةَ آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ» فَلَا أَعْرِفُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَّقَ أُمَيَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ شِعْرِهِ قَالَ
رَجُلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ
…
وَالنَّسْرُ لِلْأُخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصَدُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ. وَقَالَ
وَالشَّمْسُ تَبْدُو كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ
…
حَمْرَاءَ يُصْبِحُ لَوْنُهَا يَتَوَرَّدُ
تَأْبَى فَمَا تَطْلُعُ لَنَا فِي رِسْلِهَا
…
إِلَّا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تُجْلَدُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ» . وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ لَا تَطْلُعُ حَتَّى يَنْخُسَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَقُولُونَ لَهَا: اطْلُعِي اطْلُعِي فَتَقُولُ: لَا أَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ يَعْبُدُونَنِي
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِذَا هَمَّتْ بِالطُّلُوعِ أَتَاهَا شَيْطَانٌ يُرِيدُ أَنْ يُثَبِّطَهَا فَتَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ وَتَحْرِقُهُ فَإِذَا تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ غَرَبَتْ عَلَى السُّجُودِ لِلَّهِ عز وجل، فَيَأْتِيهَا شَيْطَانٌ يُرِيدُ أَنْ يُثَبِّطَهَا عَنِ السُّجُودِ فَتَغْرُبُ مِنْ قَرْنَيْهِ وَتَحْرِقُهُ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مُطَوَّلًا. وَمِنْ شِعْرِهِ فِي حَمَلَةِ الْعَرْشِ
فَمِنْ حَامِلٍ إِحْدَى قَوَائِمِ عَرْشِهِ
…
وَلَوْلَا إِلَهُ الْخَلْقِ كَلُّوا وَبَلَّدُوا
قِيَامٌ عَلَى الْأَقْدَامِ عَانُونَ تَحْتَهُ
…
فَرَائِصُهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ تُرْعَدُ
رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَرُوِيَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْشِدُ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ:
مَجِّدُوا اللَّهَ فَهُو لِلْمَجْدِ أَهْلٌ
…
رَبُّنَا فِي السَّمَاءِ أَمْسَى كَبِيرًا
بِالْبِنَاءِ الْأَعْلَى الَّذِي سَبَقَ النَّاسَ
…
وَسَوَّى فَوْقَ السَّمَاءِ سَرِيرًا
شَرْجَعًا لَا يَنَالُهُ بَصَرُ الْعَيْنِ
…
تَرَى دُونَهُ الْمَلَائِكَ صُورًا
ثُمَّ يَقُولُ الْأَصْمَعِيُّ: الْمَلَائِكُ جَمْعُ مَلَكٍ وَالصُّورُ جَمْعُ أَصْوَرَ وَهُوَ الْمَائِلُ
الْعُنُقِ، وَهَؤُلَاءِ حَمَلَةُ الْعَرْشِ. وَمِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ يَمْدَحُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ التَّيْمِيَّ:
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي
…
حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ
وَعِلْمُكَ بِالْحُقُوقِ وَأَنْتَ فَرْعٌ
…
لَكَ الْحَسَبُ الْمُهَذَّبُ وَالسَّنَاءُ
كَرِيمٌ لَا يُغَيِّرُهُ صَبَاحٌ
…
عَنِ الْخُلُقِ الْجَمِيلِ وَلَا مَسَاءُ
يُبَارِي الرِّيحَ مَكْرُمَةً وَجُودًا
…
إِذَا مَا الْكَلْبُ أَحْجَرَهُ الشِّتَاءُ
وَأَرْضُكَ أَرْضُ مَكْرُمَةٍ بَنَتْهَا
…
بَنُو تَيْمٍ وَأَنْتَ لَهَا سَمَاءُ
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا
…
كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ
وَلَهُ فِيهِ مَدَائِحُ أُخَرُ. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ هَذَا مِنَ الْكُرَمَاءِ الْأَجْوَادِ الْمُمَدَّحِينَ الْمَشْهُورِينَ وَكَانَ لَهُ جَفْنَةٌ يَأْكُلُ الرَّاكِبُ مِنْهَا وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ ; مِنْ عِرَضِ حَافَّتِهَا وَكَثْرَةِ طَعَامِهَا وَكَانَ يَمْلَأُهَا لُبَابَ الْبُرِّ يُلَبَّكُ بِالشَّهْدِ وَالسَّمْنِ وَكَانَ يُعْتِقُ الرِّقَابَ، وَيُعِينُ عَلَى النَّوَائِبِ. وَقَدْ سَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ فَقَالَ:«إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ»
وَمِنْ شَعْرِ أُمَيَّةَ الْبَدِيعِ
لَا يَنْكُتُونَ الْأَرْضَ عِنْدَ سُؤَالِهِمْ
…
كَتَطَلُّبِ الْعَلَّاتِ بِالْعِيدَانِ
بَلْ يُسْفِرُونَ وُجُوهَهُمْ فَتَرَى لَهَا
…
عِنْدَ السُّؤَالِ كَأَحْسَنِ الْأَلْوَانِ
وَإِذَا الْمُقِلُّ أَقَامَ وَسْطَ رِحَالِهِمْ
…
رَدُّوهُ رَبَّ صَوَاهِلٍ وَقِيَانِ
وَإِذَا دَعَوْتَهُمُ لِكُلِّ مُلِمَّةٍ
…
سَدُّوا شُعَاعَ الشَّمْسِ بِالْفُرْسَانِ
آخِرُ تَرْجَمَةِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ