المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الكلام على قريش نسبا واشتقاقا وفضلا] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[قِصَّةُ لُقْمَانَ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ]

- ‌[بَيَانُ الْإِذْنِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ جُرَيْجٍ أَحَدِ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ بَرْصِيصَا]

- ‌[قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا إِلَى الْغَارِ]

- ‌[خَبَرُ الثَّلَاثَةِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ]

- ‌[حَدِيثُ الَّذِي اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا]

- ‌[قِصَّةٌ أُخْرَى]

- ‌[قِصَّةُ الْمَلِكَيْنِ التَّائِبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ قِصَصِهِمْ]

- ‌[ذِكْرُ تَحْرِيفِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَبْدِيلِهِمْ أَدْيَانَهُمْ]

- ‌[كِتَابُ الْجَامِعِ لِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارِ الْعَرَبِ]

- ‌[نِسْبَةُ الْعَرَبِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهما السلام]

- ‌[قِصَّةُ سَبَأٍ]

- ‌[فَصْلٌ]

- ‌[قِصَّةُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ]

- ‌[قِصَّةُ تُبَّعٍ أَبِي كَرِبٍ]

- ‌[وُثُوبُ لَخْنِيعَةَ ذِي شَنَاتِرَ عَلَى مُلْكِ الْيَمَنِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ بِالْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمِ عَلَى أَرْيَاطَ وَاخْتِلَافِهِمَا]

- ‌[ذِكْرُ سَبَبِ قَصْدِ أَبْرَهَةَ بِالْفِيلِ مَكَّةَ لِيُخَرِّبَ الْكَعْبَةَ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ عَنِ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعِهِ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ]

- ‌[قِصَّةُ السَّاطِرُونَ صَاحِبِ الْحَضْرِ]

- ‌[خَبَرُ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَمَا كَانَ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى زَمَانِ الْبَعْثَةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْعَرَبِ بَعْدَ وَفَاةِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ خُزَاعَةَ وَعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَعِبَادَةِ الْعَرَبِ لِلْأَصْنَامِ]

- ‌[خَبَرُ عَدْنَانَ جَدِّ عَرَبِ الْحِجَازِ]

- ‌[ذِكْرُ أُصُولِ أَنْسَابِ عَرَبِ الْحِجَازِ إِلَى عَدْنَانَ]

- ‌[الْكَلَامُ عَلَى قُرَيْشٍ نَسَبًا وَاشْتِقَاقًا وَفَضْلًا]

- ‌[خَبَرُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ]

- ‌[ذِكْرُ جُمَلٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ كَانُوا مَشْهُورِينَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[خَبَرُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ]

- ‌[ذِكْرُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ أَحَدِ أَجْوَادِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ]

- ‌[ذِكْرُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ صَاحِبِ إِحْدَى الْمُعَلَّقَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارٍ أُمَيَّةَ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ]

- ‌[بَحِيرَى الرَّاهِبُ]

- ‌[ذِكْرُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ]

- ‌[زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه]

- ‌[شَيْءٌ مِنَ الَحَوَادِثِ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ]

- ‌[بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ]

- ‌[ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ]

- ‌[ذِكْرُ تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ]

- ‌[ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ أَحَدِ وَلَدِهِ]

- ‌[ذِكْرُ تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الزُّهْرِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ]

- ‌[بَابُ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[تَارِيخُ وَمَكَانُ وِلَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْآيَاتِ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ وَخُمُودِ النِّيرَانِ]

- ‌[ذِكْرُ حَوَاضِنِهِ وَمَرَاضِعِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ رَضَاعِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ]

- ‌[فَصْلُ وَفَاةِ أُمِّهِ عليه السلام وَمَا جَاءَ فِي اسْتِغْفَارِهِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَقِصَّتِهِ مَعَ بَحِيرَى الرَّاهِبِ]

- ‌[قِصَّةُ بَحِيرَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْشَئِهِ عليه الصلاة والسلام وَمُرَبَّاهُ وَكِفَايَةِ اللَّهِ لَهُ]

- ‌[ذِكْرُ شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام حَرْبَ الْفِجَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عُمُومَتِهِ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ]

- ‌[تَزْوِيجُهُ عليه الصلاة والسلام خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ خَدِيجَةُ ابْنَ عَمِّهَا وَرَقَةَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَجْدِيدِ قُرَيْشٍ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ]

- ‌[تَعْظِيمُ قُرَيْشٍ لِأَمْرِ الْحَرَمِ]

- ‌[كِتَابُ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنَ الْبِشَارَاتِ بِذَلِكَ]

- ‌[الْبِشَارَاتُ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا كَانَ يَتَنَاقَلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ هَذِهِ الْبِشَارَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارٍ غَرِيبَةٍ فِي ذَلِكَ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيِّ، وَبِشَارَتُهُ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ]

- ‌[بَابٌ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ]

الفصل: ‌[الكلام على قريش نسبا واشتقاقا وفضلا]

[الْكَلَامُ عَلَى قُرَيْشٍ نَسَبًا وَاشْتِقَاقًا وَفَضْلًا]

الْكَلَامُ عَلَى قُرَيْشٍ نَسَبًا

وَاشْتِقَاقًا وَفَضْلًا وَهُمْ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأُمُّ النَّضْرِ بَرَّةُ بِنْتُ مُرِّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ، وَسَائِرُ بَنِيهِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى، وَخَالَفَهُ ابْنُ هِشَامٍ فَجَعَلَ بَرَّةَ بِنْتَ مُرٍّ أُمَّ النَّضْرِ وَمَالِكٍ وَمِلْكَانَ، وَأُمَّ عَبْدِ مَنَاةَ هَالَةَ بِنْتَ سُوَيْدِ بْنِ الْغِطْرِيفِ، مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: النَّضْرُ هُوَ قُرَيْشٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ، وَقَالَ: وَيُقَالَ: فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ هُوَ قُرَيْشٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ، وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ قَدْ حَكَاهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ النَّسَبِ كَالشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَمُصْعَبٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ ; لِحَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ

ص: 219

ابْنُ الْمُثَنَّى وَهُوَ جَادَّةُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، ثُمَّ اخْتَارَ أَبُو عُمَرَ أَنَّهُ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ الْيَوْمَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى قُرَيْشٍ إِلَّا وَهُوَ يَرْجِعُ فِي نَسَبِهِ إِلَى فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ حَكَى اخْتِيَارَ هَذَا الْقَوْلِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ، وَمُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: وَإِلَيْهِمُ الْمَرْجِعُ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَقَدْ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَقَدْ أَجْمَعَ نُسَّابُ قُرَيْشٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ قُرَيْشًا إِنَّمَا تَفَرَّقَتْ مِنْ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ وَالَّذِي عَلَيْهِ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ نُسَّابِ قُرَيْشٍ أَنَّ وَلَدَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ قُرَشِيٌّ، وَأَنَّ مَنْ جَاوَزَ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ بِنَسَبِهِ فَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ نَصْرًا عَزِيزًا، وَتَحَامَى لَهُ بِأَنَّهُ وَنَحْوَهُ أَعْلَمُ بِأَنْسَابِ قَوْمِهِمْ، وَأَحْفَظُ لِمَآثِرِهِمْ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ: «قَلْتُ لِرَبِيبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي زَيْنَبَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ -: أَخْبِرِينِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ؟ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.»

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ ثنا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْجُفْشِيشِ الْكِنْدِيِّ قَالَ: «جَاءَ قَوْمٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَنْتَ مِنَّا وَادَّعَوْهُ،

ص: 220

فَقَالَ: لَا نَقْفُو أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا، نَحْنُ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ» .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: ثنا أَبِي ثنا الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ: الْجُفْشِيشُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ مَنَافٍ مِنَّا فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُو أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا» فَقَالَ الْأَشْعَثُ: أَلَا كُنْتَ سَكَتَّ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى فَأَبْطَلَ ذَلِكَ قَوْلَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهَذَا غَرِيبٌ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَعَفَّانُ قَالَا: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: ثني عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَقَالَ عَفَّانُ: عَقِيلُ بْنُ طَلْحَةَ السُّلَمِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْهَيْصَمِ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَفْدِ كِنْدَةَ قَالَ عَفَّانُ: لَا يَرَوْنِي أَفْضَلَهُمْ قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّكُمْ مِنَّا قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُو

ص: 221

أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا» قَالَ: فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فَوَاللَّهِ لَا أَسْمَعُ أَحَدًا نَفَى قُرَيْشًا مِنَ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ إِلَّا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ وَهُوَ فَيْصَلٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ التَّمِيمِيُّ يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ

فَمَا الْأُمُّ الَّتِي وَلَدَتْ قُرَيْشًا

بِمُقْرِفَةِ النِّجَارِ وَلَا عَقِيمِ

وَمَا قَرْمٌ بِأَنْجَبَ مِنْ أَبِيكُمْ

وَلَا خَالٌ بِأَكْرَمَ مِنْ تَمِيمِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَعْنِي أَمَّ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَهِيَ بَرَّةُ بِنْتُ مُرٍّ أُخْتُ تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ.

وَأَمَّا اشْتِقَاقُ قُرَيْشٍ فَقِيلَ: مِنَ التَّقَرُّشِ وَهُوَ التَّجَمُّعُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَهُمْ بِالْحَرَمِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَدْ قَالَ حُذَافَةُ بْنُ غَانِمٍ الْعَدَوِيُّ

أَبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا

بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ قُصَيٌّ يُقَالَ لَهُ: قُرَيْشٌ، قِيلَ: مِنَ التَّجَمُّعِ.

ص: 222

وَالتَّقَرُّشُ: التَّجَمُّعُ كَمَا قَالَ أَبُو خَلْدَةَ الْيَشْكُرِيُّ

إِخْوَةٌ قَرَشُوا الذُّنُوبَ عَلَيْنَا

فِي حَدِيثٍ مِنْ دَهْرِنَا وَقَدِيمِ

وَقِيلَ: سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ مِنَ التَّقَرُّشِ وَهُوَ التَّكَسُّبُ وَالتِّجَارَةُ، حَكَاهُ ابْنُ هِشَامٍ رحمه الله، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقِرْشُ الْكَسْبُ وَالْجَمْعُ، وَقَدْ قَرَشَ يَقْرِشُ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَبِهِ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ وَهِيَ قَبِيلَةٌ، وَأَبُوهُمُ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيٌّ دُونَ وَلَدِ كِنَانَةَ فَمَا فَوْقَهُ، وَقِيلَ: مِنَ التَّفْتِيشِ قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: كَانَ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ تَسَمَّى قُرَيْشًا; لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرُشُ عَنْ خَلَّةِ النَّاسِ، وَحَاجَتِهِمْ فَيَسُدُّهَا بِمَالِهِ وَالتَّقَرُّشِ هُوَ التَّفْتِيشُ وَكَانَ بَنُوهُ يَقْرُشُونَ أَهْلَ الْمَوْسِمِ عَنِ الْحَاجَّةِ فَيَرْفِدُونَهُمْ بِمَا يُبَلِّغُهُمْ بِلَادَهُمْ فَسُمُّوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقَرْشِهِمْ قُرَيْشًا، وَقَدْ قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ فِي بَيَانِ أَنَّ التَّقَرُّشَ التَّفْتِيشُ

أَيُّهَا النَّاطِقُ الْمُقَرِّشُ عَنَّا

عِنْدَ عَمْرٍو فَهَلْ لَهُ إِبْقَاءُ

حَكَى ذَلِكَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَقِيلَ: قُرَيْشٌ تَصْغِيرُ قِرْشٍ، وَهُوَ دَابَّةٌ فِي الْبَحْرِ. قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ

ص: 223

وَقُرَيْشٌ هِي الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْرَ

بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ ثنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ الْخَلِيلِ النَّسَوِيُّ أَنَّ أَبَا كُرَيْبٍ حَدَّثَهُمْ حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رُكَانَةَ الْعَامِرِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: فَلِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا؟ فَقَالَ: لِدَابَّةٍ تَكُونُ فِي الْبَحْرِ تَكُونُ أَعْظَمَ دَوَابِّهِ فَيُقَالَ لَهَا: الْقِرْشُ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ إِلَّا أَكَلَتْهُ. قَالَ: فَأَنْشِدْنِي فِي ذَلِكَ شَيْئًا فَأَنْشَدَهُ شِعْرَ الْجُمَحِيِّ إِذْ يَقُولُ

وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْرَ

بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا

تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا

تَتْرُكُ لِذِي الْجَنَاحَيْنِ رِيشَا

هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَيُّ قُرَيْشٍ

يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَمِيشَا

وَلَهُمْ آخِرَ الزَّمَانِ نَبِيٌّ

يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا

وَقِيلَ: سُمُّوا بِقُرَيْشِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ يَخْلُدَ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ وَكَانَ دَلِيلَ بَنِي النَّضْرِ، وَصَاحِبِ مِيرَتِهِمْ فَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: قَدْ جَاءَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: وَابْنُ بَدْرِ بْنِ قُرَيْشٍ هُوَ الَّذِي حَفَرَ الْبِئْرَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَيْهِ، الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا الْوَقْعَةُ الْعُظْمَى يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 224

وَيُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إِلَى قُرَيْشٍ: قُرَشِيُّ وَقُرَيْشِيُّ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَ الشَّاعِرُ

لِكُلِّ قُرَيْشِيٍّ عَلَيْهِ مَهَابَةٌ

سَرِيعٌ إِلَى دَاعِي النَّدَا وَالتَّكَرُّمِ

قَالَ: فَاذَا أَرَدْتَ بِقُرَيْشٍ الْحَيَّ صَرَفْتَهُ، وَإِنْ أَرَدْتَ الْقَبِيلَةَ مَنَعْتَهُ، قَالَ الشَّاعِرُ فِي تَرْكِ الصَّرْفِ:

وَكَفَى قُرَيْشَ الْمُعْضِلَاتِ وَسَادَهَا

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُمَرَ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ حَدَّثَنِي وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمَ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» قَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: يُقَالَ: بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَصِيلَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبَنُو هَاشِمٍ فَخِذُهُ، وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ بَطْنُهُ، وَقُرَيْشٌ عِمَارَتُهُ، وَبَنُو كِنَانَةَ قَبِيلَتُهُ، وَمُضَرُ شِعْبُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

ص: 225

ثُمَّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ مَالِكًا وَيَخْلُدَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالصَّلْتَ، وَأُمُّهُمْ جَمِيعًا بِنْتُ سَعْدِ بْنِ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيِّ قَالَ كُثَيِّرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ أَحَدُ بَنِي مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ خُزَاعَةَ:

أَلَيْسَ أَبِي بِالصَّلْتِ أَمْ لَيْسَ إِخْوَتِي

لِكُلِّ هِجَانٍ مِنْ بَنِي النَّضْرِ أَزْهَرَا

رَأَيْتُ ثِيَابَ الْعَصْبِ مُخْتَلِطَ السَّدَى

بِنَا وَبِهِمْ وَالْحَضْرَمِيَّ الْمُخَصَّرَا

فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا مِنْ بَنِي النَّضْرِ فَاتْرُكُوا

أَرَاكًا بِأَذْنَابِ الْفَوَائِجِ أَخْضَرَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَنُو مَلِيحِ بْنِ عَمْرٍو يُعْزَوْنَ إِلَى الصَّلْتِ بْنِ النَّضْرِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ، وَأُمُّهُ جَنْدَلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْأَصْغَرُ، وَوَلَدَ فِهْرٌ غَالِبًا وَمُحَارِبًا وَالْحَارِثَ وَأَسَدًا، وَأُمُّهُمْ لَيْلَى بِنْتُ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأُخْتُهُمْ لِأَبَوَيْهِمْ جَنْدَلَةُ بِنْتُ فِهْرٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ غَالِبُ بْنُ فِهْرٍ لُؤَيَّ بْنَ غَالِبٍ وَتَيْمَ بْنَ غَالِبٍ وَهُمُ الَّذِينَ

ص: 226

يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو الْأَدْرَمِ، وَأُمُّهُمَا سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَيْسُ بْنُ غَالِبٍ، وَأُمُّهُ سَلْمَى بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ، وَهِيَ أَمُّ لُؤَيٍّ وَتَيَّمٍ ابْنَيْ غَالِبٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ لُؤَيُّ بْنُ غَالِبٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ كَعْبًا وَعَامِرًا وَسَامَةَ وَعَوْفًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: وَالْحَارِثَ وَهُمْ جُشَمُ بْنُ الْحَارِثِ فِي هِزَّانَ مِنْ رَبِيعَةَ، وَسَعْدَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَهُمْ بُنَانَةُ فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَبُنَانَةُ حَاضِنَةٌ لَهُمْ، وَخُزَيْمَةَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَهُمْ عَائِذَةُ فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ.

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ خَبَرَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ، وَأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى عَمَّانَ فَكَانَ بِهَا; وَذَلِكَ لِشَنَآنٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ عَامِرَ فَأَخَافُهُ عَامِرٌ فَخَرَجَ عَنْهُ هَارِبًا إِلَى عُمَانَ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِهَا غَرِيبًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرْعَى نَاقَتَهُ فَعَلِقَتْ حَيَّةٌ بِمِشْفَرِهَا فَوَقَعَتْ لِشِقِّهَا، ثُمَّ نَهَشَتِ الْحَيَّةُ سَامَةَ حَتَّى قَتَلَتْهُ فَيُقَالَ: إِنَّهُ كَتَبَ بِأُصْبُعِهِ عَلَى الْأَرْضِ

عَيْنُ فَابْكِي لِسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ

عَلِقَتْ مَا بِسَامَةَ الْعِلَّاقَهْ

لَا أَرَى مِثْلَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ

يَوْمَ حَلُّوا بِهِ قَتِيلًا لِنَاقَهْ

ص: 227

بَلِّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا

أَنَّ نَفْسِي إِلَيْهِمَا مُشْتَاقَهْ

إِنْ تَكُنْ فِي عُمَانَ دَارِي فَإِنِّي

غَالِبِيٌّ خَرَجْتُ مِنْ غَيْرِ فَاقَهْ

رُبَّ كَأْسٍ هَرَقْتَ يَا ابْنَ لُؤَيٍّ

حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَهْ

رُمْتَ دَفْعَ الْحُتُوفِ يَا ابْنَ لُؤَيٍّ

مَا لِمَنْ رَامَ ذَاكَ بِالْحَتْفِ طَاقَهْ

وَخُرُوسَ السُّرَى تَرَكْتَ رَذِيًّا

بَعْدَ جِدٍّ وَجِدَّةٍ وَرَشَاقَهْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ وَلَدِهِ، «أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَسَبَ إِلَى سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آلشَّاعِرُ؟ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: كَأَنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتَ قَوْلَهُ

رُبَّ كَأْسٍ هَرَقْتَ يَا ابْنَ لُؤَيٍّ

حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَهْ

فَقَالَ أَجَلْ.» وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يُعْقِبْ، وَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَلَدَ سَامَةُ بْنُ لُؤَيٍّ غَالِبًا وَالنَّبِيتَ وَالْحَارِثَ، قَالُوا: وَكَانَتْ لَهُ ذُرِّيَّةٌ بِالْعِرَاقِ يُبْغِضُونَ عَلِيًّا، وَمِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ كَانَ يَشْتُمُ أَبَاهُ لِكَوْنِهِ سَمَّاهُ عَلِيًّا، وَمِنْ بَنِي سَامَةَ بْنِ

ص: 228

لُؤَيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ بْنِ الْيَزِيدَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَّا عَوْفُ بْنُ لُؤَيٍّ فَإِنَّهُ خَرَجَ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَرْضِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ أُبْطِئَ بِهِ فَانْطَلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَأَتَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ أَخُوهُ فِي نَسَبِ بَنِي ذُبْيَانَ فَحَبَسَهُ وَزَوَّجَهُ وَالْتَاطَهُ وَآخَاهُ فَشَاعَ نَسَبُهُ فِي ذُبْيَانَ وَثَعْلَبَةَ فِيمَا يَزْعُمُونَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُدَّعِيًا حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ أَوْ مُلْحِقَهُمْ بِنَا لَادَّعَيْتُ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفٍ إِنَّا لَنَعْرِفُ فِيهِمُ الْأَشْبَاهَ مَعَ مَا نَعْرِفُ مِنْ مَوْقِعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ حَيْثُ وَقَعَ يَعْنِي عَوْفَ بْنَ لُؤَيٍّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرِجَالٍ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي مُرَّةَ: إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى نَسَبِكُمْ فَارْجِعُوا إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الْقَوْمُ أَشْرَافًا فِي غَطَفَانَ هُمْ سَادَتُهُمْ، وَقَادَتُهُمْ قَوْمٌ لَهُمْ صِيتٌ فِي غَطَفَانَ وَقَيْسٍ كُلِّهَا فَأَقَامُوا عَلَى نَسَبِهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا

ص: 229

يَقُولُونَ إِذَا ذُكِرَ لَهُمْ نَسَبُهُمْ: مَا نُنْكِرُهُ وَمَا نَجْحَدُهُ، وَإِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّسَبِ إِلَيْنَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَشْعَارَهُمْ فِي انْتِمَائِهِمْ إِلَى لُؤَيٍّ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَفِيهِمْ كَانَ الْبَسْلُ وَهُوَ تَحْرِيمُ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لَهُمْ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيَأْمَنُونَهُمْ فِيهَا وَيُؤَمِّنُونَهُمْ أَيْضًا. قُلْتُ: وَكَانَتْ رَبِيعَةُ وَمُضَرُ إِنَّمَا يُحَرِّمُونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنَ السَّنَةِ وَهِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَاخْتَلَفَتْ رَبِيعَةُ وَمُضَرُ فِي الرَّابِعِ وَهُوَ رَجَبٌ فَقَالَتْ مُضَرُ: هُوَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، وَقَالَتْ رَبِيعَةُ: هُوَ الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي خُطْبَةِ حِجَّةِ الْوَدَاعِ:«إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ.» فَنَصَّ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ مُضَرَ لَا رَبِيعَةَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عز وجل {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] فَهَذَا رَدٌّ عَلَى بَنِي عَوْفِ بْنِ لُؤَيٍّ فِي جَعْلِهِمُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ ثَمَانِيَةً فَزَادُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَأَدْخَلُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ، رَدٌّ عَلَى أَهْلِ النَّسِيءِ الَّذِينَ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرَ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: وَرَجَبُ مُضَرَ رَدٌّ عَلَى رَبِيعَةَ.

ص: 230

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَوَلَدَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ ثَلَاثَةً ; مُرَّةَ وَعَدِيًّا وَهُصَيْصًا، وَوَلَدَ مُرَّةُ ثَلَاثَةً أَيْضًا; كِلَابَ بْنَ مُرَّةَ وَتَيْمَ بْنَ مُرَّةَ وَيَقَظَةَ بْنَ مُرَّةَ، مِنْ أُمَّهَاتٍ ثَلَاثٍ قَالَ: وَوَلَدَ كِلَابٌ رَجُلَيْنِ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ وَزُهْرَةَ بْنَ كِلَابٍ، وَأُمُّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ أَحَدِ الْجَدَرَةِ مِنْ جُعْثُمَةَ الْأَسَدِ مِنَ الْيَمَنِ حُلَفَاءِ بَنِي الدُّئِلِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ، وَفِي أَبِيهَا يَقُولُ الشَّاعِرُ

مَا نَرَى فِي النَّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا

مَنْ عَلِمْنَاهُ كَسَعْدِ بْنِ سَيَلْ

فَارِسًا أَضْبَطَ فِيهِ عُسْرَةٌ

وَإِذَا مَا وَاقَفَ الْقِرْنَ نَزَلْ

فَارِسًا يَسْتَدْرِجُ الْخَيْلَ كَمَا

اسْتَدْرَجَ الْحُرُّ الْقَطَامِيُّ الْحَجَلْ

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: سَيَلُ اسْمُهُ خَيْرُ بْنُ حَمَالَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ طُلِيَتْ لَهُ السُّيُوفُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجَدَرَةَ ; لِأَنَّ عَامِرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ

ص: 231

جُعْثُمَةَ تَزَوَّجَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ، وَكَانَتْ جُرْهُمٌ إِذْ ذَاكَ وُلَاةَ الْبَيْتِ فَبَنَى لِلْكَعْبَةِ جِدَارًا فَسُمِّيَ عَامِرٌ بِذَلِكَ الْجَادِرُ فَقِيلَ لِوَلَدِهِ: الْجَدَرَةُ لِذَلِكَ.

ص: 232