المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[خبر عدنان جد عرب الحجاز] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[قِصَّةُ لُقْمَانَ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ]

- ‌[بَيَانُ الْإِذْنِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ جُرَيْجٍ أَحَدِ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ بَرْصِيصَا]

- ‌[قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا إِلَى الْغَارِ]

- ‌[خَبَرُ الثَّلَاثَةِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ]

- ‌[حَدِيثُ الَّذِي اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا]

- ‌[قِصَّةٌ أُخْرَى]

- ‌[قِصَّةُ الْمَلِكَيْنِ التَّائِبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ قِصَصِهِمْ]

- ‌[ذِكْرُ تَحْرِيفِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَبْدِيلِهِمْ أَدْيَانَهُمْ]

- ‌[كِتَابُ الْجَامِعِ لِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارِ الْعَرَبِ]

- ‌[نِسْبَةُ الْعَرَبِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهما السلام]

- ‌[قِصَّةُ سَبَأٍ]

- ‌[فَصْلٌ]

- ‌[قِصَّةُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ]

- ‌[قِصَّةُ تُبَّعٍ أَبِي كَرِبٍ]

- ‌[وُثُوبُ لَخْنِيعَةَ ذِي شَنَاتِرَ عَلَى مُلْكِ الْيَمَنِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ بِالْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمِ عَلَى أَرْيَاطَ وَاخْتِلَافِهِمَا]

- ‌[ذِكْرُ سَبَبِ قَصْدِ أَبْرَهَةَ بِالْفِيلِ مَكَّةَ لِيُخَرِّبَ الْكَعْبَةَ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ عَنِ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعِهِ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ]

- ‌[قِصَّةُ السَّاطِرُونَ صَاحِبِ الْحَضْرِ]

- ‌[خَبَرُ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَمَا كَانَ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى زَمَانِ الْبَعْثَةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْعَرَبِ بَعْدَ وَفَاةِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ خُزَاعَةَ وَعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَعِبَادَةِ الْعَرَبِ لِلْأَصْنَامِ]

- ‌[خَبَرُ عَدْنَانَ جَدِّ عَرَبِ الْحِجَازِ]

- ‌[ذِكْرُ أُصُولِ أَنْسَابِ عَرَبِ الْحِجَازِ إِلَى عَدْنَانَ]

- ‌[الْكَلَامُ عَلَى قُرَيْشٍ نَسَبًا وَاشْتِقَاقًا وَفَضْلًا]

- ‌[خَبَرُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ]

- ‌[ذِكْرُ جُمَلٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ كَانُوا مَشْهُورِينَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[خَبَرُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ]

- ‌[ذِكْرُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ أَحَدِ أَجْوَادِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ]

- ‌[ذِكْرُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ صَاحِبِ إِحْدَى الْمُعَلَّقَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارٍ أُمَيَّةَ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ]

- ‌[بَحِيرَى الرَّاهِبُ]

- ‌[ذِكْرُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ]

- ‌[زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه]

- ‌[شَيْءٌ مِنَ الَحَوَادِثِ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ]

- ‌[بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ]

- ‌[ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ]

- ‌[ذِكْرُ تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ]

- ‌[ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ أَحَدِ وَلَدِهِ]

- ‌[ذِكْرُ تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الزُّهْرِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ]

- ‌[بَابُ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[تَارِيخُ وَمَكَانُ وِلَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْآيَاتِ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ وَخُمُودِ النِّيرَانِ]

- ‌[ذِكْرُ حَوَاضِنِهِ وَمَرَاضِعِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ رَضَاعِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ]

- ‌[فَصْلُ وَفَاةِ أُمِّهِ عليه السلام وَمَا جَاءَ فِي اسْتِغْفَارِهِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَقِصَّتِهِ مَعَ بَحِيرَى الرَّاهِبِ]

- ‌[قِصَّةُ بَحِيرَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْشَئِهِ عليه الصلاة والسلام وَمُرَبَّاهُ وَكِفَايَةِ اللَّهِ لَهُ]

- ‌[ذِكْرُ شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام حَرْبَ الْفِجَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عُمُومَتِهِ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ]

- ‌[تَزْوِيجُهُ عليه الصلاة والسلام خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ خَدِيجَةُ ابْنَ عَمِّهَا وَرَقَةَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَجْدِيدِ قُرَيْشٍ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ]

- ‌[تَعْظِيمُ قُرَيْشٍ لِأَمْرِ الْحَرَمِ]

- ‌[كِتَابُ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنَ الْبِشَارَاتِ بِذَلِكَ]

- ‌[الْبِشَارَاتُ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا كَانَ يَتَنَاقَلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ هَذِهِ الْبِشَارَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارٍ غَرِيبَةٍ فِي ذَلِكَ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيِّ، وَبِشَارَتُهُ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ]

- ‌[بَابٌ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ]

الفصل: ‌[خبر عدنان جد عرب الحجاز]

[خَبَرُ عَدْنَانَ جَدِّ عَرَبِ الْحِجَازِ]

لَا خِلَافَ أَنَّ عَدْنَانَ مِنْ سُلَالَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ ابْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليهما السلام، وَاخْتَلَفُوا فِي عِدَّةِ الْآبَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِسْمَاعِيلَ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ فَأَكْثَرُ مَا قِيلَ: أَرْبَعُونَ أَبًا وَهُوَ الْمَوْجُودُ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخَذُوهُ مِنْ كِتَابِ رِخْيَا كَاتِبِ أَرَمِيَا بْنِ حَلْقِيَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ وَقِيلَ: عِشْرُونَ وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ وَقِيلَ: عَشَرَةٌ وَقِيلَ: تِسْعَةٌ وَقِيلَ: سَبْعَةٌ وَقِيلَ: إِنَّ أَقَلَّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ; لِمَا رَوَاهُ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ الزَّمْعِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَنْدِ بْنِ يَرَى بْنِ أَعْرَاقِ الثَّرَى» قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَزَنْدٌ هُوَ الْهَمَيْسَعُ وَالْيَرَى هُوَ نَبْتٌ، وَأَعْرَاقُ الثَّرَى هُوَ إِسْمَاعِيلُ; لِأَنَّهُ ابْنُ ابْرَاهِيمَ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ تَأْكُلْهُ النَّارُ كَمَا أَنَّ النَّارَ لَا تَأْكُلُ الثَّرَى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا نَعْرِفُ زَنْدًا إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَزَنْدُ بْنُ الْجَوْنِ وَهُوَ أَبُو دُلَامَةَ الشَّاعِرُ

ص: 203

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ: مُدَّةُ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ إِلَى زَمَنِ إِسْمَاعِيلَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَبَاءٍ أَوْ عَشَرَةٌ أَوْ عِشْرُونَ; وَذَلِكَ أَنَّ مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ كَانَ عُمْرُهُ زَمَنَ بُخْتُنَصَّرَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِلَى أَرْمِيَاءَ بْنِ حَلْقِيَا: أَنِ اذْهَبْ إِلَى بُخْتُنَصَّرَ فَأَعْلِمْهُ أَنِّي قَدْ سَلَّطْتُهُ عَلَى الْعَرَبِ، وَأَمَرَ اللَّهُ أَرْمِيَا أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ عَلَى الْبُرَاقِ كَيْ لَا تُصِيبَهُ النِّقْمَةُ فِيهِمْ فَإِنِّي مُسْتَخْرِجٌ مِنْ صُلْبِهِ نَبِيًّا كَرِيمًا أَخْتِمُ بِهِ الرُّسُلَ فَفَعَلَ أَرْمِيَا ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ مَعَدًّا عَلَى الْبُرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ فَنَشَأَ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْهُمْ بَعْدَ خَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً اسْمُهَا مُعَانَةُ بِنْتُ جَوْشَنَ مِنْ بَنِي دُبِّ بْنِ جُرْهُمٍ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بِلَادِهِ، ثُمَّ عَادَ بَعْدَ أَنْ هَدَأَتِ الْفِتَنُ، وَتَمَحَّضَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ وَكَانَ رِخْيَا كَاتِبُ أَرْمِيَاءَ قَدْ كَتَبَ نَسَبَهُ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ لِيَكُونَ فِي خِزَانَةِ أَرْمِيَاءَ فَيَحْفَظُ نَسَبَ مَعَدٍّ كَذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِهَذَا كَرِهَ مَالِكٌ رحمه الله رَفْعَ النِّسَبِ إِلَى مَا بَعْدَ عَدْنَانَ.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمْنَا فِي رَفْعِ هَذِهِ الْأَنْسَابِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكْرَهْهُ كَابْنِ إِسْحَاقَ وَالْبُخَارِيِّ وَالزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَالطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا مَالِكٌ رحمه الله فَقَدْ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَرْفَعُ نَسَبَهُ إِلَى آدَمَ فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَهُ عِلْمُ ذَلِكَ؟ فَقِيلَ لَهُ: فَإِلَى

ص: 204

إِسْمَاعِيلَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ: وَمَنْ يُخْبِرُهُ بِهِ؟ وَكَرِهَ أَيْضًا أَنْ يُرْفَعَ فِي نَسَبِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: ابْرَاهِيمُ بْنُ فَلَانِ بْنِ فُلَانٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُعَيْطِيُّ فِي كِتَابِهِ.

قَالَ: وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا نَحْوٌ مِمَّا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ ثَلَاثُونَ أَبَا لَا يُعْرَفُونَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَ عَدْنَانَ يَقُولُ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. وَالْأَصَحُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّمَا نَنْتَسِبُ إِلَى عَدْنَانَ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ " الْإِنْبَاهِ فِي مَعْرِفَةِ قَبَائِلِ الرُّوَاةِ " رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ عَدْنَانَ وَلَا مَا وَرَاءَ قَحْطَانَ إِلَّا تَخَرُّصًا. وَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ - وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ قُرَيْشٍ بِأَشْعَارِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ - يَقُولُ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ مَعَدِّ بْنِ

ص: 205

عَدْنَانَ فِي شِعْرِ شَاعِرٍ وَلَا عِلْمِ عَالِمٍ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ إِذَا تَلَوْا {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ} [إبراهيم: 9] قَالُوا كَذَبَ النَّسَّابُونَ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: وَالْمَعْنَى عِنْدَنَا فِي هَذَا غَيْرُ مَا ذَهَبُوا وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنِ ادَّعَى إِحْصَاءَ بَنِي آدَمَ; فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَأَمَّا أَنْسَابُ الْعَرَبِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِأَيَّامِهَا وَأَنْسَابِهَا قَدْ وَعَوْا وَحَفِظُوا جَمَاهِيرَهَا، وَأُمَّهَاتِ قَبَائِلِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ فُرُوعِ ذَلِكَ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَالَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ فِي نَسَبِ عَدْنَانَ قَالُوا: عَدْنَانُ بْنُ أُدَدَ بْنِ مُقَوَّمِ بْنِ نَاحُورَ بْنِ تَيْرَحَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليهما السلام، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ فِي السِّيرَةِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ عَدْنَانُ بْنُ أُدٍّ يَعْنِي: عَدْنَانَ بْنِ أُدِّ بْنِ أُدَدَ، ثُمَّ سَاقَ أَبُو عُمَرَ بَقِيَّةَ النَّسَبِ إِلَى آدَمَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ

ص: 206

السَّلَامُ. وَأَمَّا الْأَنْسَابُ إِلَى عَدْنَانَ مِنْ سَائِرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَمَحْفُوظَةٌ شَهِيرَةٌ جِدًّا لَا يَتَمَارَى فِيهَا اثْنَانِ وَالنَّسَبُ النَّبَوِيُّ إِلَيْهِ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ. وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ كَمَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَذِكْرِ أَنْسَابِهَا وَانْتِظَامِهَا فِي سِلْكِ النَّسَبِ الشَّرِيفِ وَالْأَصْلِ الْمُنِيفِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا نَظَمَ النَّسَبَ النَّبَوِيَّ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاشِئُ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ وَهِيَ قَوْلُهُ

مَدَحْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَبْغِي بِمَدْحِهِ

وُفُورَ حُظُوظِي مِنْ كَرِيمِ الْمَآرِبِ

مَدَحْتُ امْرَأً فَاقَ الْمَدِيحَ

مُوَحَّدًا بِأَوْصَافِهِ عَنْ مُبْعِدٍ وَمُقَارِبِ

نِبِيًّا تَسَامَى فِي الْمَشَارِقِ نُورُهُ

فَلَاحَتْ هَوَادِيهِ لِأَهْلِ الْمَغَارِبِ

أَتَتْنَا بِهِ الْأَنْبَاءُ قَبْلَ مَجِيئِهِ

وَشَاعَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ فِي كُلِّ جَانِبِ

وَأَصْبَحَتِ الْكُهَّانُ تَهْتِفُ بِاسْمِهِ

وَتَنْفِي بِهِ رَجْمَ الظُّنُونِ الْكَوَاذِبِ

وَأُنْطِقَتِ الْأَصْنَامُ نُطْقًا تَبَرَّأَتْ

إِلَى

اللَّهِ فِيهِ مِنْ مَقَالِ الْأَكَاذِبِ

وَقَالَتْ لِأَهْلِ الْكُفْرِ قَوْلًا مُبَيَّنًا

أَتَاكُمْ نَبِيٌّ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ

وَرَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ جِنٌّ فَزَيَّلَتْ

مَقَاعِدَهُمْ مِنْهَا رُجُومُ الْكَوَاكِبِ

ص: 207

هَدَانَا إِلَى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي

لَهُ لِطُولِ الْعَمَى مِنْ وَاضِحَاتِ الْمَذَاهِبِ

وَجَاءَ بِآيَاتٍ تُبَيِّنُ أَنَّهَا

دَلَائِلُ جَبَّارٍ مُثِيبٍ مُعَاقِبِ

فَمِنْهَا انْشِقَاقُ الْبَدْرِ حِينَ تَعَمَّمَتْ

شُعُوبُ الضِّيَا مِنْهُ رُءُوسَ الْأَخَاشِبِ

وَمِنْهَا نُبُوعُ الْمَاءِ بَيْنَ بَنَانِهِ

وَقَدْ عَدِمَ الْوُرَّادُ قُرْبَ الْمَشَارِبِ

فَرَّوَى بِهِ جَمًّا غَفِيرًا وَأَسْهَلَتْ

بِأَعْنَاقِهِ طَوْعًا أَكُفُّ الْمَذَانِبِ

وَبِئْرٌ طَغَتْ بِالْمَاءِ مِنْ مَسِّ سَهْمِهِ

وَمِنْ قَبْلُ لَمْ تَسْمَحْ بِمَذْقَةِ شَارِبِ

وَضَرْعٌ مَرَاهُ فَاسْتَدَرَّ وَلَمْ يَكُنْ

بِهِ دَرَّةٌ تُصْغِي إِلَى كَفِّ حَالِبِ

وَنُطْقٌ فَصِيحٌ مِنْ ذِرَاعٍ مُبِينَةٍ

لِكَيْدِ عَدُوٍّ لِلْعَدَاوَةِ نَاصِبِ

وَأَخْبَارُهُ بِالْأَمْرِ مِنْ قَبْلِ كَوْنِهِ

وَعِنْدَ بَوَادِيهِ بِمَا فِي الْعَوَاقِبِ

وَمِنْ تِلْكُمُ الْآيَاتِ وَحْيٌّ أَتَى

بِهِ قَرِيبُ الْمَآتِي مُسْتَجِمُّ الْعَجَائِبِ

ص: 208

تَقَاصَرَتِ الْأَفْكَارُ عَنْهُ فَلَمْ. يُطِعْ

بَلِيغًا وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ خَاطِبِ

حَوَى كُلَّ عِلْمٍ وَاحْتَوَى كُلَّ حِكْمَةٍ

وَفَاتَ مَرَامَ الْمُسْتَمِرِّ الْمُوَارِبِ

أَتَانَا بِهِ لَا عَنْ رَوِيَّةِ مُرْتَئٍ

وَلَا صُحْفِ مُسْتَمْلٍ وَلَا وَصْفِ كَاتِبِ

يُوَاتِيهِ طَوْرًا فِي إِجَابَةِ سَائِلٍ

وَإِفْتَاءِ مُسْتَفْتٍ وَوَعْظِ مُخَاطِبِ

وَإِتْيَانِ بُرْهَانٍ وَفَرْضِ شَرَائِعٍ

وَقَصِّ أَحَادِيثَ وَنَصِّ مَآرِبِ

وَتَصْرِيفِ أَمْثَالٍ وَتَثْبِيتِ حُجَّةٍ

وَتَعْرِيفِ ذِي جَحْدٍ وَتَوْقِيفِ كَاذِبِ

وَفِي مَجْمَعِ النَّادِي وَفِي حَوْمَةِ الْوَغَى

وَعِنْدَ حُدُوثِ الْمُعْضِلَاتِ الْغَرَائِبِ

فَيَأْتِي عَلَى مَا شِئْتَ مِنْ طُرُقَاتِهِ

قَوِيمَ الْمَعَانِي مُسْتَدِرَّ الضَّرَائِبِ

يُصَدِّقُ مِنْهُ الْبَعْضُ بَعْضًا كَأَنَّمَا

يُلَاحَظُ مَعْنَاهُ بِعَيْنِ الْمُرَاقِبِ

وَعَجْزُ الْوَرَى عَنْ أَنْ يَجِيئُوا بِمِثْلِ مَا

وَصَفْنَاهُ مَعْلُومٌ بِطُولِ التَّجَارِبِ

تَأَبَّى بِعَبْدِ اللَّهِ أَكْرَمِ وَالِدٍ

تَبَلَّجَ مِنْهُ عَنْ كَرِيمِ الْمَنَاسِبِ

وَشَيْبَةَ ذِي الْحَمْدِ الَّذِي فَخِرَتْ

بِهِ قُرَيْشٌ عَلَى أَهْلِ الْعُلَا وَالْمَنَاصِبِ

وَمَنْ كَانَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ

وَيَصْدُرُ عَنْ آرَائِهِ فِي النَّوَائِبِ

ص: 209

وَهَاشِمٍ الْبَانِي مَشِيدَ افْتِخَارِهِ

بِغُرِّ الْمَسَاعِي وَامْتِنَانِ الْمَوَاهِبِ

وَعَبْدِ مَنَافٍ وَهُوَ عَلَّمَ قَوْمَهُ

اشْتِطَاطَ الْأَمَانِي وَاحْتِكَامَ الرَّغَائِبِ

وَإِنَّ قُصَيًّا مِنْ كَرِيمٍ غِرَاسُهُ

لَفِي مَنْهَلٍ لَمْ يَدْنُ مِنْ كَفِّ قَاضِبِ

بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ بَعْدَ مَا

تَقَسَّمَهَا نَهْبُ الْأَكُفِّ السَّوَالِبِ

وَحَلَّ كِلَابٌ مِنْ ذُرَى الْمَجْدِ مَعْقِلًا

تَقَاصَرَ عَنْهُ كُلُّ دَانٍ وَغَائِبِ

وَمُرَّةُ لَمْ يَحْلُلْ مَرِيرَةَ عَزْمِهِ

سِفَاهُ سَفِيهٍ أَوْ مَحُوبَةُ حَائِبِ

وَكَعْبٌ عَلَا عَنْ طَالِبِ الْمَجْدِ كَعْبُهُ

فَنَالَ بِأَدْنَى السَّعْيِ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ.

وَأَلْوَى لُؤَيٌّ بِالْعَدَاةِ فَطُوِّعَتْ لَهُ

هِمَمُ الشُّمِّ الْأُنُوفِ الْأَغَالِبِ

وَفِي غَالِبٍ بَأْسُ أَبِي الْبَأْسِ دُونَهُمْ

يُدَافِعُ عَنْهُمْ كُلَّ قِرْنٍ مُغَالِبِ

وَكَانَتْ لِفِهْرٍ فِي قُرَيْشٍ خَطَابَةٌ

يَعُوذُ بِهَا عِنْدَ اشْتِجَارِ الْمَخَاطِبِ

وَمَا زَالَ مِنْهُمْ مَالِكٌ خَيْرَ مَالِكٍ

وَأَكْرَمَ مَصْحُوبٍ وَأَكْرَمَ صَاحِبِ

ص: 210

وَلِلنَّضْرِ طَوْلٌ يَقْصُرُ الطَّرْفُ دُونَهُ

بِحَيْثُ الْتَقَى ضَوْءُ النُّجُومِ الثَّوَاقِبِ

لَعَمْرِي لَقَدْ أَبْدَى كِنَانَةَ قَبْلَهُ

مَحَاسِنَ تَأْبَى أَنْ تَطُوعَ لِغَالِبِ

وَمِنْ قَبْلِهِ أَبْقَى خُزَيْمَةُ حَمْدَهُ

تَلِيدَ تُرَاثٍ عَنْ حَمِيدِ الْأَقَارِبِ

وَمُدْرِكَةٌ لَمْ يُدْرِكِ النَّاسُ مِثْلَهُ

أَعَفَّ وَأَعْلَى عَنْ دَنِيِّ الْمَكَاسِبِ

وَإِلْيَاسُ كَانَ الْيَأْسُ مِنْهُ

مُقَارِنًا لِأَعْدَائِهِ قَبْلَ اعْتِدَادِ الْكَتَائِبِ

وَفِي مُضَرَ يَسْتَجْمِعُ الْفَخْرَ كُلَّهُ

إِذَا اعْتَرَكَتْ يَوْمًا زُحُوفُ الْمَقَانِبِ

وَحَلَّ نِزَارٌ مِنْ رِيَاسَةِ أَهْلِهِ

مَحَلًّا تَسَامَى عَنْ عُيُونٍ الرَّوَاقِبِ

وَكَانَ مَعَدٌّ عُدَّةً لِوَلِيِّهِ إِذَا

خَافَ مِنْ كَيْدِ الْعَدُوِّ الْمُحَارِبِ

وَمَازَالَ عَدْنَانُ إِذَا عُدَّ فَضْلُهُ

تَوَحَّدَ فِيهِ عَنْ قَرِينٍ وَصَاحِبِ

وَأُدٌّ تَأَدَّى الْفَضْلُ مِنْهُ بِغَايَةٍ

وَارْثٌ حَوَاهُ عَنْ قُرُومٍ أَشَايِبِ

وَفِي أُدَدٍ حِلْمٌ تَزَيَّنَ بِالْحِجَا

إِذَا الْحِلْمُ أَزْهَاهُ قُطُوبُ الْحَوَاجِبِ

وَمَازَالَ يَسْتَعْلِي هَمَيْسَعُ بِالْعُلَى

وَيَتْبَعُ آمَالَ الْبَعِيدِ الْمُرَاغِبِ

ص: 211

وَنَبْتٌ بَنَتْهُ دَوْحَةُ الْعِزِّ وَابْتَنَى

مَعَاقِلَهُ فِي مُشْمَخِرِّ الْأَهَاضِبِ

وَحِيزَتْ لِقَيْدَارٍ سَمَاحَةُ حَاتِمٍ

وَحِكْمَةُ لُقْمَانٍ وَهِمَّةُ حَاجِبِ

هُمُو نَسْلُ إِسْمَاعِيلَ صَادِقِ وَعْدِهِ

فَمَا بَعْدَهُ فِي الْفَخْرِ مَسْعًى لِذَاهِبِ

وَكَانَ خَلِيلُ اللَّهِ أَكْرَمَ مَنْ عَنَتْ

لَهُ الْأَرْضُ مِنْ مَاشٍ عَلَيْهَا وَرَاكِبِ

وَتَارَحُ مَازَالَتْ لَهُ أَرْيَحِيَّةٌ

تُبَيِّنُ مِنْهُ عَنْ حَمِيدِ الْمَضَارِبِ

وَنَاحُورُ نَحَّارُ الْعِدَى حُفِظَتْ لَهُ

مَآثِرُ لَمَّا يُحْصِهَا عَدُّ حَاسِبِ

وَأَشْرَعُ فِي الْهَيْجَاءِ ضَيْغَمُ غَابَةٍ

يَقُدُّ الطُّلَى بِالْمُرْهَفَاتِ الْقَوَاضِبِ

وَأَرْغَوُ نَابٌ فِي الْحُرُوبِ مُحَكَّمٌ

ضَنِينٌ عَلَى نَفْسِ الْمُشِحِّ الْمُغَالِبِ

وَمَا فَالِغٌ فِي فَضْلِهِ تِلْوَ قَوْمِهِ

وَلَا عَابِرٌ مِنْ دُونِهِمْ فِي الْمَرَاتِبِ

وَشَالِخْ وَأَرْفَخْشَذْ وَسَامٌ سَمَتْ

بِهِمْ سَجَايَا حَمَتْهُمْ كُلَّ زَارٍ وَعَائِبِ

وَمَا زَالَ نُوحٌ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ فَاضِلًا

يُعَدِّدُهُ فِي الْمُصْطَفَيْنِ الْأَطَايِبِ

وَلَمْكٌ أَبُوهُ كَانَ فِي الرَّوْعِ رَائِعًا

جَرِيئًا عَلَى نَفْسِ الْكَمِيِّ الْمُضَارِبِ

ص: 212

وَمِنْ قَبْلِ لَمْكٍ لَمْ يَزَلْ مُتَوَشْلِخٌ

يَذُودُ الْعِدَى بِالْذَائِدَاتِ الشَّوَارِبِ

وَكَانَتْ لِإِدْرِيسَ النَّبِيِّ مَنَازِلٌ

مِنَ اللَّهِ لَمْ تُقْرَنْ بِهِمَّةِ رَاغِبِ

وَيَارَدُ بَحْرٌ عِنْدَ آلِ سَرَاتِهِ

أَبِيُّ الْخَزَايَا مُسْتَدِقُّ الْمَآرِبِ

وَكَانَتْ لِمِهْلَايِيلَ فَهْمُ فَضَائِلٍ

مُهَذَّبَةٍ مِنْ فَاحِشَاتِ الْمَثَالِبِ

وَقَيْنَانُ مِنْ قَبْلُ اقْتَنَى مَجْدَ قَوْمِهِ

وَفَاتَ بِشَأْوِ الْفَضْلِ وَخْدَ الرَّكَائِبِ

وَكَانَ أَنُوشٌ نَاشَ لِلْمَجْدِ نَفْسَهُ

وَنَزَّهَهَا عَنْ مُرْدِيَاتِ الْمَطَالِبِ

وَمَازَالَ شِيثٌ بِالْفَضَائِلِ فَاضِلًا

شَرِيفًا بَرِيئًا مِنْ ذَمِيمِ الْمَعَائِبِ

وَكُلُّهُمُ مِنْ نُورِ آدَمَ أَقْبَسُوا

وَعَنْ عُودِهِ أَجْنَوْا ثِمَارَ الْمَنَاقِبِ

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَكْرَمَ مُنْجَبٍ

جَرَى فِي ظُهُورِ الطَّيِّبِينَ الْمَنَاجِبِ.

مُقَابَلَةً آبَاؤُهُ أُمَّهَاتِهِ

مُبَرَّأَةٌ مِنْ فَاضِحَاتِ الْمَثَالِبِ

عَلَيْهِ سَلَامُ اللَّهِ فِي كُلِّ شَارِقٍ

أَلَاحَ لَنَا ضَوْءًا وَفِي كُلِّ غَارِبِ

هَكَذَا أَوْرَدَ الْقَصِيدَةَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَشَيْخُنَا الْحَافِظُ

ص: 213

أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فِي تَهْذِيبِهِ مِنْ شِعْرِ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْعَبَّاسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّاشِئِ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ شِرْشِيرٍ، أَصْلُهُ مِنَ الْأَنْبَارِ وَرَدَ بَغْدَادَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى مِصْرَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ. وَكَانَ مُتَكَلِّمًا مُعْتَزِلِيًّا يَحْكِي عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَقَالَاتِ فِيمَا يَحْكِي عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَانَ شَاعِرًا مُطَبِّقًا حَتَّى أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ اقْتِدَارِهِ عَلَى الشِّعْرِ كَانَ يُعَاكِسُ الشُّعَرَاءَ فِي الْمَعَانِي فَيَنْظِمُ فِي مُخَالَفَتِهِمْ، وَيَبْتَكِرُ مَا لَا يُطِيقُونَهُ مِنَ الْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ وَالْأَلْفَاظِ الْبَلِيغَةِ حَتَّى نَسَبَهُ بَعْضُهُمْ إِلَى التَّهَوُّسِ وَالِاخْتِلَاطِ. وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ لَهُ قَصِيدَةً عَلَى قَافِيَةٍ وَاحِدَةٍ قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ بَيْتٍ ذَكَرَهَا النَّاجِمُ وَأَرَّخَ وَفَاتَهُ كَمَا ذَكَرْنَا.

قُلْتُ: وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ تَدُلُّ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَعِلْمِهِ وَفَهْمِهِ وَحِفْظِهِ وَحُسْنِ لَفْظِهِ وَاطِّلَاعِهِ وَاضْطِلَاعِهِ وَاقْتِدَارِهِ عَلَى نَظْمِ هَذَا النَّسَبِ الشَّرِيفِ فِي سِلْكِ شِعْرِهِ، وَغَوْصِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ جَوَاهِرُ نَفِيسَةٌ مِنْ قَامُوسِ بَحْرِهِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَأَثَابَهُ وَأَحْسَنَ مَصِيرَهُ وَإِيَابَهُ.

ص: 214