المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قصة الساطرون صاحب الحضر] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[قِصَّةُ لُقْمَانَ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ]

- ‌[بَيَانُ الْإِذْنِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ جُرَيْجٍ أَحَدِ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ بَرْصِيصَا]

- ‌[قِصَّةُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا إِلَى الْغَارِ]

- ‌[خَبَرُ الثَّلَاثَةِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ]

- ‌[حَدِيثُ الَّذِي اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِهِ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَدَّاهَا]

- ‌[قِصَّةٌ أُخْرَى]

- ‌[قِصَّةُ الْمَلِكَيْنِ التَّائِبَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْقِفُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ قِصَصِهِمْ]

- ‌[ذِكْرُ تَحْرِيفِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَبْدِيلِهِمْ أَدْيَانَهُمْ]

- ‌[كِتَابُ الْجَامِعِ لِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارِ الْعَرَبِ]

- ‌[نِسْبَةُ الْعَرَبِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهما السلام]

- ‌[قِصَّةُ سَبَأٍ]

- ‌[فَصْلٌ]

- ‌[قِصَّةُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ]

- ‌[قِصَّةُ تُبَّعٍ أَبِي كَرِبٍ]

- ‌[وُثُوبُ لَخْنِيعَةَ ذِي شَنَاتِرَ عَلَى مُلْكِ الْيَمَنِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ بِالْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمِ عَلَى أَرْيَاطَ وَاخْتِلَافِهِمَا]

- ‌[ذِكْرُ سَبَبِ قَصْدِ أَبْرَهَةَ بِالْفِيلِ مَكَّةَ لِيُخَرِّبَ الْكَعْبَةَ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ عَنِ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعِهِ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ]

- ‌[قِصَّةُ السَّاطِرُونَ صَاحِبِ الْحَضْرِ]

- ‌[خَبَرُ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَمَا كَانَ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى زَمَانِ الْبَعْثَةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْعَرَبِ بَعْدَ وَفَاةِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ خُزَاعَةَ وَعَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَعِبَادَةِ الْعَرَبِ لِلْأَصْنَامِ]

- ‌[خَبَرُ عَدْنَانَ جَدِّ عَرَبِ الْحِجَازِ]

- ‌[ذِكْرُ أُصُولِ أَنْسَابِ عَرَبِ الْحِجَازِ إِلَى عَدْنَانَ]

- ‌[الْكَلَامُ عَلَى قُرَيْشٍ نَسَبًا وَاشْتِقَاقًا وَفَضْلًا]

- ‌[خَبَرُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ]

- ‌[ذِكْرُ جُمَلٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ كَانُوا مَشْهُورِينَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[خَبَرُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ]

- ‌[ذِكْرُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ أَحَدِ أَجْوَادِ الْجَاهِلِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ]

- ‌[ذِكْرُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيِّ صَاحِبِ إِحْدَى الْمُعَلَّقَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارٍ أُمَيَّةَ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ]

- ‌[بَحِيرَى الرَّاهِبُ]

- ‌[ذِكْرُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ]

- ‌[زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه]

- ‌[شَيْءٌ مِنَ الَحَوَادِثِ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ]

- ‌[بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ]

- ‌[ذِكْرُ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ]

- ‌[ذِكْرُ تَجْدِيدِ حَفْرِ زَمْزَمَ]

- ‌[ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ أَحَدِ وَلَدِهِ]

- ‌[ذِكْرُ تَزْوِيجِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ الزُّهْرِيَّةِ]

- ‌[كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ]

- ‌[بَابُ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[تَارِيخُ وَمَكَانُ وِلَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صِفَةُ مَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْآيَاتِ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ ارْتِجَاسِ إِيوَانِ كِسْرَى وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ وَخُمُودِ النِّيرَانِ]

- ‌[ذِكْرُ حَوَاضِنِهِ وَمَرَاضِعِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ رَضَاعِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ]

- ‌[فَصْلُ وَفَاةِ أُمِّهِ عليه السلام وَمَا جَاءَ فِي اسْتِغْفَارِهِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَقِصَّتِهِ مَعَ بَحِيرَى الرَّاهِبِ]

- ‌[قِصَّةُ بَحِيرَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْشَئِهِ عليه الصلاة والسلام وَمُرَبَّاهُ وَكِفَايَةِ اللَّهِ لَهُ]

- ‌[ذِكْرُ شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام حَرْبَ الْفِجَارِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُهُودِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ عُمُومَتِهِ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ]

- ‌[تَزْوِيجُهُ عليه الصلاة والسلام خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ خَدِيجَةُ ابْنَ عَمِّهَا وَرَقَةَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَجْدِيدِ قُرَيْشٍ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسِ سِنِينَ]

- ‌[تَعْظِيمُ قُرَيْشٍ لِأَمْرِ الْحَرَمِ]

- ‌[كِتَابُ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنَ الْبِشَارَاتِ بِذَلِكَ]

- ‌[الْبِشَارَاتُ بِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا كَانَ يَتَنَاقَلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ هَذِهِ الْبِشَارَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ أَخْبَارٍ غَرِيبَةٍ فِي ذَلِكَ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيِّ، وَبِشَارَتُهُ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ]

- ‌[بَابٌ فِي هَوَاتِفِ الْجَانِّ]

الفصل: ‌[قصة الساطرون صاحب الحضر]

[قِصَّةُ السَّاطِرُونَ صَاحِبِ الْحَضْرِ]

وَقَدْ ذَكَرَ قِصَّتَهُ هَاهُنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ لِأَجْلِ مَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ النَّسَبِ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي وُرُودِ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ عَلَيْهِ، وَسُؤَالِهِ فِي مُسَاعَدَتِهِ فِي رَدِّ مُلْكِ الْيَمَنِ إِلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ السَّاطِرُونَ صَاحِبِ الْحَضْرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ مِنْ ذُرِّيَّةِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ، وَأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ مِنْ أَشْلَاءِ قُنُصِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي نَسَبِهِ. فَاسْتَطْرَدَ ابْنُ هِشَامٍ فِي ذِكْرِ صَاحِبِ الْحَضْرِ، وَالْحَضْرُ حِصْنٌ عَظِيمٌ بَنَاهُ هَذَا الْمَلِكُ وَهُوَ السَّاطِرُونَ عَلَى حَافَّةِ الْفُرَاتِ وَهُوَ مُنِيفٌ مُرْتَفِعُ الْبِنَاءِ، وَاسِعُ الرَّحْبَةِ وَالْفِنَاءِ دَوْرُهُ بِقَدْرِ مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِحْكَامِ وَالْبَهَاءِ وَالْحُسْنِ وَالسَّنَاءِ، وَإِلَيْهِ يُجْبَى مَا حَوْلَهُ مِنَ الْأَقْطَارِ وَالْأَرْجَاءِ، وَاسْمُ السَّاطِرُونَ: الضَّيْزَنُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَجْرَمَ مِنْ بَنِي سَلِيحِ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ. كَذَا نَسَبَهُ ابْنُ الْكَلْبِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مِنَ الْجَرَامِقَةِ وَكَانَ أَحَدَ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ وَكَانَ

ص: 171

يَقْدُمُهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا لِحَرْبِ عَدُوٍّ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكَانَ حِصْنُهُ بَيْنَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ كِسْرَى سَابُورَ ذُو الْأَكْتَافِ غَزَا السَّاطِرُونَ مَلِكَ الْحَضْرِ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ هِشَامٍ: إِنَّمَا الَّذِي غَزَا صَاحِبَ الْحَضْرِ ; سَابُورُ بْنُ أَزْدَشَيْرِ بْنِ بَابِكَ أَوَّلُ مُلُوكِ بَنِي سَاسَانَ أَذَلَّ مُلُوكَ الطَّوَائِفِ وَرَدَّ الْمُلْكَ إِلَى الْأَكَاسِرَةِ، وَأَمَّا سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ بْنُ هُرْمُزَ فَبَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَصَرَهُ سَنَتَيْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرْبَعَ سِنِينَ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ أَغَارَ عَلَى بِلَادِ سَابُورَ فِي غَيْبَتِهِ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ فَأَشْرَفَتْ بِنْتُ السَّاطِرُونَ - وَكَانَ اسْمُهَا: النَّضِيرَةَ - فَنَظَرَتْ إِلَى سَابُورَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ دِيبَاجٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٌ بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَكَانَ جَمِيلًا فَدَسَّتْ إِلَيْهِ: أَتَتَزَوَّجُنِي إِنْ فَتَحْتُ لَكَ بَابَ الْحَضْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَلَمَّا أَمْسَى سَاطِرُونَ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ وَكَانَ لَا يَبِيتُ إِلَّا سَكْرَانَ فَأَخَذَتْ مَفَاتِيحَ بَابِ الْحَضْرِ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، وَبَعَثَتْ بِهَا مَعَ مَوْلًى لَهَا فَفَتَحَ الْبَابَ، وَيُقَالَ: بَلْ دَلَّتْهُمْ عَلَى نَهْرٍ

ص: 172

يَدْخُلُ مِنْهُ الْمَاءُ مُتَّسِعٍ فَوَلَجُوا مِنْهُ إِلَى الْحَضْرِ، وَيُقَالَ: بَلْ دَلَّتْهُمْ عَلَى طِلَّسْمٍ كَانَ فِي الْحَضْرِ وَكَانَ فِي عِلْمِهِمْ أَنَّهُ لَا يُفْتَحُ حَتَّى تُؤْخَذَ حَمَامَةٌ وَرْقَاءُ، وَتُخَضَّبُ رِجْلَاهَا بِحَيْضِ جَارِيَةٍ بِكْرٍ زَرْقَاءَ، ثُمَّ تُرْسَلُ فَاذَا وَقَعَتْ عَلَى سُورِ الْحَضْرِ سَقَطَ ذَلِكَ الطِّلَّسْمُ فَيُفْتَحُ الْبَابُ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَانْفَتَحَ الْبَابُ فَدَخَلَ سَابُورُ فَقَتَلَ سَاطِرُونَ، وَاسْتَبَاحَ الْحَضْرَ، وَخَرَّبَهُ، وَسَارَ بِهَا مَعَهُ فَتَزَوَّجَهَا فَبَيْنَا هِيَ نَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِهَا لَيْلًا إِذْ جَعَلَتْ تَمَلْمَلُ لَا تَنَامُ فَدَعَا لَهَا بِالشَّمْعِ فَفَتَّشَ فِرَاشَهَا فَوَجَدَ عَلَيْهِ وَرَقَةَ آسٍ فَقَالَ لَهَا سَابُورُ: أَهَذَا الَّذِي أَسْهَرَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: فَمَا كَانَ أَبُوكِ يَصْنَعُ بِكِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَفْرِشُ لِي الدِّيبَاجَ، وَيُلْبِسُنِي الْحَرِيرَ، وَيُطْعِمُنِي الْمُخَّ، وَيَسْقِينِي الْخَمْرَ قَالَ: أَفَكَانَ جَزَاءُ أَبِيكِ مَا صَنَعْتِ بِهِ؟ ! أَنْتِ إِلَيَّ بِذَلِكَ أَسْرَعُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُبِطَتْ قُرُونُ رَأْسِهَا بِذَنَبِ فَرَسٍ، ثُمَّ رَكَضَ الْفَرَسُ حَتَّى قَتَلَهَا فَفِيهِ يَقُولُ أَعْشَى بْنُ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ

أَلَمْ تَرَ لِلْحَضْرِ إِذْ أَهْلُهُ

بِنُعْمَى وَهَلْ خَالِدٌ مَنْ نَعِمْ

ص: 173

أَقَامَ بِهِ شَاهْبُورُ الْجُنُو

دِ حَوْلَيْنِ تَضْرِبُ فِيهِ الْقُدُمْ

فَلَمَّا دَعَا رَبَّهُ دَعْوَةً

أَنَابَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَقِمْ

فَهَلْ زَادَهُ رَبُّهُ قُوَّةً

وَمِثْلُ مُجَاوِرِهِ لَمْ يُقِمْ

وَكَانَ دَعَا قَوْمَهُ دَعْوَةً

هَلُمُّوا إِلَى أَمْرِكُمْ قَدْ صُرِمْ

فَمُوتُوا كِرَامًا بِأَسْيَافِكُمْ

أَرَى الْمَوْتَ يَجْشَمُهُ مَنْ جَشِمْ

وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ

وَالْحَضْرُ صَابَتْ عَلَيْهِ دَاهِيَةٌ

مِنْ فَوْقِهِ أَيِّدٌ مَنَاكِبُهَا

رَبِيَّةٌ لَمْ تُوَقِّ وَالِدَهَا

لِحِينِهِا إِذْ أَضَاعَ رَاقِبُهَا

إِذْ غَبَقَتْهُ صَهْبَاءَ صَافِيَةً

وَالْخَمْرُ وَهْلٌ يَهِيمُ شَارِبُهَا

ص: 174

فَأَسْلَمَتْ أَهْلَهَا بِلَيْلَتِهَا

تَظُنُّ أَنَّ الرَّئِيسَ خَاطِبُهَا

فَكَانَ حَظُّ الْعَرُوسِ إِذْ جَشَرَ

الصُّبْحُ دِمَاءً تَجْرِي سَبَائِبُهَا

وَخُرِّبَ الْحَضْرُ وَاسْتُبِيحَ وَقَدِ

أُحْرِقَ فِي خِدْرِهَا مَشَاجِبُهَا

وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ أَيْضًا

أَيُّهَا الشَّامِتُ الْمُعَيِّرُ بِالدَّهْرِ

أَأَنْتَ الْمُبَرَّأُ الْمَوْفُورُ

أَمْ لَدَيْكَ الْعَهْدُ الْوَثِيقُ مِنَ الْأَيَّا

مِ بَلْ أَنْتَ جَاهِلٌ مَغْرُورُ

مَنْ رَأَيْتَ الْمَنُونَ خَلَّدْنَ أَمْ مَنْ

ذَا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ

أَيْنَ كِسْرَى كِسْرَى الْمُلُوكِ أَنُوشِرْ

وَانَ أَمْ أَيْنَ قَبْلَهُ سَابُورُ

وَبَنُو الْأَصْفَرِ الْكِرَامِ مُلُوكِ

الرُّومِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمُ مَذْكُورُ

وَأَخُو الْحَضْرِ إِذْ بَنَاهُ وَإِذْ دِجْ

لَةُ تُجْبَى إِلَيْهِ وَالْخَابُورُ

شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْ

سًا فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ

ص: 175

لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَانَ الْمُلْكُ

عَنْهُ فَبَابُهُ مَهْجُورُ

وَتَذَكَّرْ رَبَّ الْخَوَرْنَقِ إِذْ أَشْ

رَفَ يَوْمًا وَلِلْهُدَى تَفْكِيرُ

سَرَّهُ مَالُهُ وَكَثْرَةُ مَا يَمْ

لِكُ وَالْبَحْرُ مُعْرِضًا وَالسَّدِيرُ

فَارْعَوَى قَلْبُهُ وَقَالَ وَمَا غِبْ

طَةُ حَيٍّ إِلَى الْمَمَاتِ يَصِيرُ

ثُمَّ أَضْحَوْا كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جَ

فَّ فَأَلْوَتْ بِهِ الصَّبَا وَالدَّبُورُ

قُلْتُ: وَرَبُّ الْخَوَرْنَقِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شِعْرِهِ، رَجُلٌ مِنَ الْمُلُوكِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَعَظَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ زَمَانِهِ فِي أَمْرِهِ الَّذِي كَانَ قَدْ أَسْرَفَ فِيهِ وَعَتَا، وَتَمَرَّدَ فِيهِ، وَأَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَلَمْ يُرَاقِبْ فِيهَا مَوْلَاهَا فَوَعَظَهُ بِمَنْ سَلَفَ قَبْلَهُ مِنَ الْمُلُوكِ وَالدُّوَلِ، وَكَيْفَ بَادُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأَنَّهُ مَا صَارَ إِلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ إِلَّا وَهُوَ مُنْتَقِلٌ عَنْهُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ فَأَخَذَتْهُ مَوْعِظَتُهُ، وَبَلَغَتْ مِنْهُ كُلَّ مَبْلَغٍ فَارْعَوَى لِنَفْسِهِ، وَفَكَّرَ فِي يَوْمِهِ وَأَمْسِهِ، وَخَافَ مِنْ ضِيقِ رَمْسِهِ فَتَابَ وَأَنَابَ وَنَزَعَ عَمَّا كَانَ فِيهِ، وَتَرَكَ الْمُلْكَ وَلَبِسَ زِيَّ الْفُقَرَاءِ وَسَاحَ فِي الْفَلَوَاتِ وَحَظِيَ بِالْخَلَوَاتِ، وَخَرَجَ عَمَّا كَانَ النَّاسُ فِيهِ مِنِ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ وَعِصْيَانِ رَبِّ

ص: 176

السَّمَاوَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ قِصَّتَهُ مَبْسُوطَةً الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ ابْنُ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ " التَّوَّابِينَ "، وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهَا بِإِسْنَادٍ مَتِينٍ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي كِتَابِ " الرَّوْضُ الْأَنِفُ " الْمُرَتَّبُ أَحْسَنَ تَرْتِيبٍ، وَأَوْضَحَ تَبْيِينٍ.

ص: 177