الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ.
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَنْ رَجُلٌ يُعْدِينِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، فَإِنِّي غَرِيبٌ وَابْنُ سَبِيلٍ، وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حقي؟ فقال أهل المجلس ترى ذلك - يهزون بِهِ (1) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا يَعْلَمُونَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جهل من
العداوة، اذهب إليه فهو يعديك عَلَيْهِ.
فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَامَ مَعَهُ.
فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ قالوا لرجل ممن معهم اتبعه فانظر ما يَصْنَعُ؟ فَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ.
فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ مُحَمَّدٌ فَاخْرُجْ! فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَمَا فِي وَجْهِهِ قَطْرَةُ دَمٍ (2) ، وَقَدِ انْتُقِعَ لونه.
فقال: أعط هذا الرجل حقه، قال: لَا تَبْرَحْ حَتَّى أُعْطِيَهُ الَّذِي لَهُ.
قَالَ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ بِحَقِّهِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ للأراشي الحق لشأنك.
فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فقال جزاه الله خير، فَقَدْ أَخَذْتُ (3) الَّذِي لِي، وَجَاءَ الرَّجُلُ الَّذِي بَعَثُوا مَعَهُ فَقَالُوا وَيْحَكَ مَاذَا رَأَيْتَ؟ قَالَ عَجَبًا مِنَ الْعَجَبِ، وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّهُ.
فَقَالَ: نَعَمْ! لَا تَبْرَحْ حَتَّى أُخْرِجَ إِلَيْهِ حَقَّهُ، فدخل فأخرج إليه حقه فأعطاه [إياه] .
ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ أَبُو جَهْلٍ فقالوا له ويلك مالك فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: وَيْحَكُمُ وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيَّ بَابِي وَسَمِعْتُ صَوْتَهُ فَمُلِئْتُ رُعْبًا، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَيْهِ وَإِنَّ فَوْقَ رَأْسِهِ لَفَحْلًا مِنَ الْإِبِلِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَامَتِهِ، وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، فَوَاللَّهِ لَوْ أَبَيْتُ لأكلني (4) .
فصل
وقال البخاري: حدثنا عباس (5) بْنُ الْوَلِيدِ، حدَّثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ محمد بن إبراهيم [بن الحارث] التَّيْمِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ.
سَأَلْتُ ابْنَ [عمرو بن] العاص فقلت: أخبرني بأشد شئ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي حِجْرِ الكعبة، إذ أقبل عليه عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:(أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)[المؤمنين: 28] الْآيَةَ.
تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
وَقَالَ عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ حدثني عمرو بن العاص.
قال
(1) في دلائل البيهقي: يهوون، أي يشيرون.
(2)
في البيهقي: وما في وجهه بايحة.
(3)
في البيهقي: أخذ.
(4)
الخبر رواه البيهقي في الدلائل ج 2 / 193 - 194.
(5)
في الاصل ونسخ البداية المطبوعة: " عياش " وهو تحريف وأثبتنا ما في البخاري.
(*)
الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ كَمَا رَوَاهُ عَبْدَةُ.
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ رَوَاهُ فِي أَمَاكِنَ مِنْ صَحِيحِهِ وصرَّح فِي بَعْضِهَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ أَشْبَهُ لِرِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْهُ، وَكَوْنُهُ عَنْ عَمْرٍو أَشْبَهُ لِتَقَدُّمِ هَذِهِ الْقِصَّةِ (1) .
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ (2) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ.
قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مَا أَكْثَرُ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُهُ مِنْ عَدَاوَتِهِ (3) ؟ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ، سفَّه أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ ديننا، وفرق جماعاتنا، وسب آلهتنا، وصرنا منه (4) على أمر عظيم - أو كما قال - قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ فَغَمَزُوهُ بِبَعْضِ الْقَوْلِ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَضَى فَلَمَّا مرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فعرفتها في وجهه فمضى فمرَّ بهم الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا.
فَقَالَ (5) : " أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ ".
فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حتَّى مَا مِنْهُمْ مِنْ رَجُلٍ إِلَّا وَكَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وقع (6) حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ ليرفؤه [أحسن ما يجد من القول] حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ انْصَرِفْ أَبَا الْقَاسِمِ رَاشِدًا فَمَا كُنْتَ بِجَهُولٍ.
فَانْصَرَفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ.
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَيَقُولُ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " نَعَمْ أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ " وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجَامِعِ رِدَائِهِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يَبْكِي (7) دُونَهُ وَيَقُولُ: وَيْلَكُمْ (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) ثم انصرفوا عنه.
فإن ذلك لأكبر ما رأيت قريشاً بلغت منه قط.
(1) الحديث في سيرة ابن هشام 1 / 309.
والبخاري في صحيحه في 62 كتاب فضائل الصحابة (5) باب حديث 3678، وفي 63 كتاب مناقب الانصار 29 باب حديث 3856 وفي 65 كتاب التفسير (40) باب تفسير سورة المؤمن حديث 4815.
(2)
الحاكم: محمد بن عبد الله الحافظ، والاصم: أبو العباس محمد بن يعقوب.
(3)
العبارة في سيرة ابن هشام: أصابوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته؟ (4) في دلائل البيهقي: وصبرنا منه، وفي سيرة ابن هشام.
لقد صبرنا منه.
(5)
في السيرة والدلائل: فوقف ثم قال: (6) في السيرة والدلائل: واقع.
(7)
في الاصل ونسخ البداية المطبوعة: " ينكى " وهو تحريف.
(*)