الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) وثم حَمِيَ الْوَحْيُ بَعْدَ هَذَا وَتَتَابَعَ - أَيْ تَدَارَكَ شيئاً بعد شئ - وَقَامَ حِينَئِذٍ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرِّسَالَةِ أَتَمَّ الْقِيَامَ وشمَّر عَنْ سَاقِ الْعَزْمِ وَدَعَا إِلَى اللَّهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، وَالْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ، فَآمَنَ بِهِ حِينَئِذٍ كُلُّ لَبِيبٍ نَجِيبٍ سَعِيدٍ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى مُخَالَفَتِهِ وَعِصْيَانِهِ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَادَرَ إِلَى التَّصْدِيقِ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَمِنَ
الْغِلْمَانِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَتُهُ عليه السلام، وَمِنَ الْمَوَالِيَ مَوْلَاهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْكَلْبِيُّ رضي الله عنهم وَأَرْضَاهُمْ (1) .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى إِيمَانِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ بِمَا وَجَدَ مِنَ الْوَحْيِ وَمَاتَ فِي الْفَتْرَةِ رضي الله عنه.
فَصْلٌ فِي مَنْعِ الْجَانِّ وَمَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ حِينَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ
لِئَلَّا يَخْتَطِفَ أَحَدُهُمْ مِنْهُ وَلَوْ حَرْفًا وَاحِدًا فَيُلْقِيهِ عَلَى لِسَانِ وَلِيِّهِ فَيَلْتَبِسُ الْأَمْرُ وَيَخْتَلِطُ الْحَقُّ فَكَانَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَلُطْفِهِ بِخَلْقِهِ أَنْ حَجَبَهُمْ عَنِ السَّمَاءِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً.
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً، وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) [الجن: 8 - 10] .
وقال تعالى: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 210 - 211] .
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ - وَهُوَ الطَّبَرَانِيُّ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: كَانَ الْجِنُّ يَصْعَدُونَ إلى السماء يستمعون الوحي فإذا حفظوا الْكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا تِسْعًا فَأَمَّا الْكَلِمَةُ فَتَكُونُ حقاً وأما ما زادوا فتكون بَاطِلًا، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ هَذَا لِأَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ، فَبَعَثَ جُنُودَهُ فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي قَدْ حدث في
(1) قال الطبري: اختلف السلف فيمن اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وآمن به وصدقه.
بعد زوجته خديجة، فقال بعضهم كان أَوَّلُ ذَكَرٍ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أبي طالب عليه السلام.
2 / 210 ونقل عن الواقدي قال: اجتمع أصحابنا على أن أول أهل القبلة اسْتَجَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خديجة ثم اختلف عندنا في ثلاثة نفر في أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة أيهم أسلم أول.
2 / 215.
وقال ابن إسحاق: أسلم علي وكتم إسلامه ولم يظهره قريباً من شهر
وقال القرظي أول من أظهر الاسلام أبو بكر وكان علي يكتم إسلامه.. (أنظر الطبري 2 / 210 وما بعدها ودلائل سيرة ابن هشام 1 / 262 - البيهقي 2 / 160 وما بعدها) .
(*)
الْأَرْضِ (1) .
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عبَّاس.
قَالَ: [مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الجن وما رآهم](2) انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ، وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا مَا لَكُمْ؟ قَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، فَقَالُوا: مَا ذَاكَ إِلَّا من شئ حَدَثَ (3) فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَمَرَّ النَّفَرُ الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً)[الجن: 2] فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجن)[أول سورة الْجِنِّ] الْآيَةَ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (4) وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ قَبِيلَةٌ مِنَ الْجِنِّ إِلَّا وَلَهُمْ مَقَاعِدُ لِلسَّمْعِ فَإِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ صَوْتًا كَصَوْتِ الْحَدِيدَةِ أَلْقَيْتَهَا عَلَى الصَّفَا (5)، قَالَ: فَإِذَا سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ خَرُّوا سُجَّدًا فَلَمْ يَرْفَعُوا رؤسهم حَتَّى يَنْزِلَ، فَإِذَا نَزَلَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَكُونُ فِي السَّمَاءِ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ أمر الغيب أو موت أو شئ مِمَّا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ تَكَلَّمُوا بِهِ فَقَالُوا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَتَسْمَعُهُ الشَّيَاطِينُ فَيُنْزِلُونَهُ عَلَى أوليائهم فلما بعث النبي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم دُحِرُوا بِالنُّجُومِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَلِمَ بِهَا ثَقِيفٌ فَكَانَ ذُو الْغَنَمِ مِنْهُمْ يَنْطَلِقُ إِلَى غَنَمِهِ فَيَذْبَحُ كل يوم شاة، وذا الْإِبِلِ فَيَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ بَعِيرًا فَأَسْرَعَ النَّاسُ فِي أَمْوَالِهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَفْعَلُوا فَإِنْ كَانَتِ النُّجُومُ الَّتِي يَهْتَدُونَ بِهَا وَإِلَّا فَإِنَّهُ لِأَمْرٍ حَدَثَ فَنَظَرُوا فَإِذَا النُّجُومُ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا كَمَا هِيَ لَمْ يَزُلْ مِنْهَا شئ فَكَفُّوا وَصَرَفَ اللَّهُ الْجِنَّ فَسَمِعُوا الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا:
أَنْصِتُوا وَانْطَلَقَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى إِبْلِيسَ فَأَخْبَرُوهُ.
فَقَالَ: هَذَا حدثٌ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ فَأْتُونِي مِنْ كُلِّ أَرْضٍ بِتُرْبَةٍ فَأَتَوْهُ بِتُرْبَةِ تهامة (6) فقال ههنا الْحَدَثُ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بن (هامش 26)(1) أخرجه أحمد في مسنده.
(2)
من صحيح مسلم.
ولم ترد العبارة في البحاري.
(3)
العبارة في دلائل البيهقي: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شئ حدث.
(4)
صحيح البخاري: 65 كتاب التفسير تفسير سورة الجن فتح الباري 8 / 669.
صحيح مسلم في 4 كتاب الصلاة 33 باب ح 149 ص: 1 / 3331.
وأخرجه الترمذي في تفسير سورة الجن وقال: حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في سننه في كتاب التَّفسير.
(5)
في البيهقي: صوت كإمرار السلسلة على الصفوان.
(6)
في البيهقي: بتربة مكة رواه البيهقي بتغيير في التعابير والالفاظ في الدلائل ج 2 / 240 - 241.
(*)
سلمة عن عطاء بن السائب.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدَانَ الْعَبْسِيِّ، عَنِ كَعْبٍ قَالَ: لَمْ يُرْمَ بِنَجْمٍ مُنْذُ رُفِعَ عِيسَى حَتَّى تَنَبَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُمِيَ بِهَا فَرَأَتْ قُرَيْشٌ أَمْرًا لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَجَعَلُوا يُسَيِّبُونَ أَنْعَامَهُمْ وَيُعْتِقُونَ أَرِقَّاءَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ الْفَنَاءُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ أَهْلَ الطَّائِفِ فَفَعَلَتْ ثَقِيفٌ مَثَلَ ذَلِكَ فَبَلَغَ عَبْدَ يَالِيلَ بْنَ عَمْرٍو مَا صَنَعَتْ ثَقِيفٌ.
قَالَ: وَلِمَ فَعَلْتُمْ مَا أَرَى؟ قَالُوا رُمِيَ بِالنُّجُومِ فَرَأَيْنَاهَا تَهَافَتُ مِنَ السَّمَاءِ فَقَالَ: إِنَّ إِفَادَةَ الْمَالِ بَعْدَ ذَهَابِهِ شَدِيدٌ فَلَا تَعْجَلُوا وَانْظُرُوا: فَإِنْ تَكُنْ نُجُومًا تُعْرَفُ فَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ فَنَاءِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَتْ نُجُومًا لَا تُعْرَفُ فَهُوَ لِأَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فَنَظَرُوا فَإِذَا هِيَ لَا تُعْرَفُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ الْأَمْرُ فِيهِ مُهْلَةٌ بَعْدُ هَذَا عِنْدَ ظُهُورِ نَبِيٍّ.
فَمَا مَكَثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى أَمْوَالِهِ فَجَاءَ عَبْدُ يَالِيلَ فَذَاكَرَهُ أَمْرَ النُّجُومِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ظَهَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَقَالَ عَبْدُ
يَالِيلَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رُمِيَ بِهَا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ (1) حَصِينٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ.
قَالَ: كَانَتِ النُّجُومُ لَا يُرْمَى بِهَا حَتَّى بَعَثَ [اللَّهُ](2) رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [فرمى بها](2) صلى الله عليه وسلم فَسَيَّبُوا أَنْعَامَهُمْ وَأَعْتَقُوا رَقِيقَهُمْ.
فَقَالَ عَبْدُ يَالِيلَ: انْظُرُوا فَإِنْ كَانَتِ النجوم التي تعرف فهي (3) عِنْدَ فَنَاءِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَفُ فَهُوَ لِأَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فَنَظَرُوا فَإِذَا هِيَ لَا تُعْرَفُ.
قَالَ: فَأَمْسِكُوا فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَهُمْ خُرُوجُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ (4) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ تَكُنْ سَمَاءُ الدُّنْيَا تُحْرَسُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ.
فَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ نَفَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُحْرَسُ حِرَاسَةً شَدِيدَةً وَيَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى هَذَا لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ عبَّاس رضي الله عنهما: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ [في نفر من أصحابه](5) إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ: " مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ (6) إِذَا رُمِيَ بِهَذَا؟ " قَالَ كُنَّا نَقُولُ مَاتَ عَظِيمٌ، وَوُلِدَ عَظِيمٌ فَقَالَ:" لَا وَلَكِنْ ".
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ فِي أَوَّلِ بَدْءِ الْخَلْقِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (7) .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ قِصَّةَ رَمْيِ النُّجُومِ وَذَكَرَ عَنْ كَبِيرِ ثَقِيفٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ فِي النَّظَرِ
(1) في نسخ البداية المطبوعة " بن " وهو تحريف وما أثبتناه من دلائل النبوة للبيهقي حيث نقل الخبر.
(ج 2 / 241) .
(2)
من دلائل النبوة.
(3)
في نسخ البداية المطبوعة: " فهو " وهو تحريف، وأثبتنا ما في الدلائل.
(4)
في دلائل البيهقي 2 / 241: قال أخبرنا محمد بن سعد بن محمد العوفي، قال حدثني أبي، قال: حدثني عمر الحسين بن الحسن بن عطية قال: حدثني أبي عن أبيه عطية بن سعد عن ابن عبَّاس.
(5)
ما بين معكوفين استدركت من الدلائل.
(6)
أي ما كنتم تقولون في الجاهلية؟ (7) راجع الحديث في سيرة ابن هشام ج 1 / 220.
وتفسير قوله (لا ولكن) .
(*)
فِي النُّجُومِ: إِنْ كَانَتْ أَعْلَامَ السَّمَاءِ أَوْ غَيْرَهَا وَلَكِنْ سَمَّاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ (1) فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ لَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ تُحْرَسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ نَبِيٌّ أَوْ دِينٌ لِلَّهِ ظَاهِرٌ وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قَدِ اتَّخَذَتِ الْمَقَاعِدَ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا يَسْتَمِعُونَ مَا يَحْدُثُ فِي السَّماء مِنْ أَمْرٍ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا رُجِمُوا لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أَهْلُ الطَّائِفِ.
فَقَالُوا: هَلَكَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِمَا رَأَوْا مِنْ شِدَّةِ النَّارِ فِي السَّمَاءِ وَاخْتِلَافِ الشُّهُبِ فَجَعَلُوا يُعْتِقُونَ أَرِقَّاءَهُمْ، وَيُسَيِّبُونَ مَوَاشِيَهُمْ.
فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ يَالِيلَ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ: وَيْحَكُمُ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الطَّائِفِ أَمْسِكُوا عَنْ أَمْوَالِكُمْ وَانْظُرُوا إِلَى مَعَالِمِ النُّجُومِ فَإِنْ رَأَيْتُمُوهَا مُسْتَقِرَّةً فِي أَمْكِنَتِهَا فَلَمْ يَهْلِكْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، وَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَرَوْهَا فقد أهلك أَهْلُ السَّمَاءِ فَنَظَرُوا فَرَأَوْهَا فَكَفُّوا عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَفَزِعَتِ الشَّيَاطِينُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَتَوْا إِبْلِيسَ فَقَالَ: ائْتُونِي مِنْ كُلِّ أَرْضٍ بِقَبْضَةٍ مِنْ تُرَابٍ فَأَتَوْهُ فشمَّ فَقَالَ صَاحِبُكُمْ بِمَكَّةَ فَبَعَثَ سَبْعَةَ نَفَرٍ مِنْ جِنِّ نَصِيبِينَ فَقَدِمُوا مَكَّةَ فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (2) يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَدَنَوْا مِنْهُ حرصاً على القرآن حتى كادت كلا كلهم تُصِيبُهُ ثُمَّ أَسْلَمُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَمْرَهُمْ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي حكيم - يعني إِسْحَاقَ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْبَحَ كُلُّ صَنَمٍ مُنَكَّسًا فَأَتَتِ الشياطين فَقَالُوا لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صَنَمٍ إِلَّا وَقَدْ أَصْبَحَ مُنَكَّسًا، قَالَ هَذَا نَبِيٌّ قَدْ بُعِثَ فَالْتَمِسُوهُ فِي قُرَى الْأَرْيَافِ فَالْتَمَسُوهُ فَقَالُوا: لَمْ نَجِدْهُ، فَقَالَ: أَنَا صَاحِبُهُ فَخَرَجَ يلتمسه فنودي عليك بجنبة الباب - يَعْنِي مَكَّةَ - فَالْتَمَسَهُ بِهَا فَوَجَدَهُ بِهَا عِنْدَ قَرْنِ الثَّعالب فَخَرَجَ إِلَى الشَّيَاطِينِ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ وَجَدْتُهُ مَعَهُ جِبْرِيلُ فَمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: نزين الشهوات في عين أصحابه ونحبها إِلَيْهِمْ قَالَ: فَلَا آسَى إِذًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي تَنَبَّأَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنِعَتِ الشَّيَاطِينُ من السماء ورموا بالشهب فجاؤا إِلَى إِبْلِيسَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَمْرٌ قَدْ حَدَثَ هَذَا نَبِيٌّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ مَخْرَجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: فَذَهَبُوا إِلَى الشَّامِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ فَقَالَ إِبْلِيسُ أَنَا صَاحِبُهُ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ بِمَكَّةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِرَاءٍ مُنْحَدِرًا مَعَهُ جِبْرِيلُ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: قَدْ بُعِثَ أَحْمَدُ وَمَعَهُ
جِبْرِيلُ فَمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: الدُّنْيَا نُحَبِّبُهَا إِلَى النَّاسِ قَالَ فَذَاكَ إِذًا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: كَانَتِ الشَّيَاطِينُ يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ فَلَمَّا بُعِثَ محمَّد صلى الله عليه وسلم مُنِعُوا فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ فَقَالَ: لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ فَرَقِيَ فَوْقَ أَبِي قُبَيْسٍ - وَهُوَ أول جبل وضع على وجه الْأَرْضِ - فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي خَلْفَ الْمَقَامِ.
فَقَالَ: أَذْهَبُ فَأَكْسِرُ عُنُقَهُ.
فَجَاءَ يَخْطِرُ وَجِبْرِيلُ عِنْدَهُ، فَرَكَضَهُ جِبْرِيلُ رَكْضَةً طَرَحَهُ فِي كَذَا وَكَذَا فَوَلَّى الشَّيْطَانُ هاربا.
ثم
(1) نقل الخبر ابن سعد في الطبقات 1 / 163 عن يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ، وفيه عمرو بن أمية.
(2)
في دلائل البيهقي من رواية عطية بن سعد عن ابن عباس: ببطن نخلة.
والخبر في سبل الهدى والرشاد 2 / 267.
(*)