المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في فريضة شهر رمضان سنة ثنتين قبل وقعة بدر - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 3

-

- ‌بَابُ كَيْفَ بَدَأَ الْوَحْيُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله

- ‌فَصْلٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ فتر الوحي

- ‌فَصْلٌ فِي مَنْعِ الْجَانِّ وَمَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ حِينَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إِتْيَانِ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل أوَّل من أسلم من متقدمي الإسلام والصحابة وغيرهم

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ

- ‌بَابُ الأمر بإبلاغ الرسالة إلى الخاص والعام، وَأَمْرِهِ لَهُ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِمَالِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِينَ الْمُعَانِدِينَ الْمُكَذِّبِينَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَإِرْسَالِ الرَّسُولِ الْأَعْظَمِ إِلَيْهِمْ، وَذِكْرِ مَا لَقِيَ مِنَ الْأَذِيَّةِ مِنْهُمْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي تَأْلِيبِ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابه

- ‌فَصْلٌ فِي مُبَالَغَتِهِمْ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل

- ‌بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وإقامة الحجة الدامغة عليهم

- ‌باب هجرة أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الحبشة

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مُخَالَفَةِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ ثُمَّ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ قِصَّةَ فَارِسَ وَالرُّومِ

- ‌فَصْلٌ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ مَكَّةَ إلى بيت المقدس

- ‌فَصْلٌ [فِي] انْشِقَاقِ الْقَمَرِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ [فِي] وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل موت خديجة بنت خويلد وذكر شئ من فضائلها ومناقبها رضي الله عنه وَأَرْضَاهَا

- ‌فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها[بِعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ وَسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ رضي الله عنهما]

- ‌فَصْلٌ فِي ذَهَابِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ

- ‌فَصْلٌ فِي عَرْضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ عَلَى أحياء العرب

- ‌فَصْلٌ [فِي] قُدُومِ وَفْدِ الْأَنْصَارِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ حَتَّى بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ بَدْءِ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم

- ‌فَصْلٌ يَتَضَمَّنُ أَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الثانية ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ

- ‌باب الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ

- ‌بَابُ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي دُخُولِهِ عليه السلام الْمَدِينَةَ وَأَيْنَ استقر منزله [

- ‌فَصْلٌ وَقَدْ شُرِّفَتِ الْمَدِينَةُ أَيْضًا بِهِجْرَتِهِ عليه السلام إِلَيْهَا

- ‌ السنة الأولى من الْهِجْرَةِ

- ‌فصل ولما حل الركاب النبوي بالمدينة

- ‌فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ

- ‌فصل ولما ارتحل عليه السلام مِنْ قُبَاءَ

- ‌ذِكْرُ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ

- ‌فصل في بناء مسجده الشريف ومقامه بدار أبي أيوب

- ‌فَصْلٌ وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ حُجر

- ‌فَصْلٌ فِيمَا أَصَابَ الْمُهَاجِرِينَ من حمى الْمَدِينَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي عَقْدِهِ عليه السلام الألفة بين المهاجرين والأنصار

- ‌فَصْلٌ فِي مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

- ‌فَصْلٌ فِي مَوْتِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بن زرارة

- ‌فَصْلٌ فِي مِيلَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ

- ‌فصل في الأذان ومشروعيته

- ‌فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المطَّلب رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌فَصْلٌ [فِي سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار]

- ‌فَصْلٌ وَمِمَّنْ وُلِدَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُبَارَكَةِ - وَهِيَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌وممَّن تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّحَابَةِ

- ‌ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الهجرة

- ‌كِتَابُ الْمَغَازِي

- ‌فصل [في إسلام بعض أحبار يهود نفاقاً]

- ‌فَصْلٌ [فِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌بَابُ سرية عبد الله بن جحش التي كان سببها لِغَزْوَةِ بَدْرٍ الْعُظْمَى (2) وَذَلِكَ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ التقى الجمعان والله على كل شئ قَدِيرٌ

- ‌فَصْلٌ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فِي سَنَةِ ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر

- ‌فَصْلٌ فِي فريضة شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ

- ‌مَقْتَلُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هِشَامٍ

- ‌فَصْلٌ فِي مَقْتَلِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ

- ‌مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ

- ‌فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي الْأُسَارَى أَيُقْتَلُونَ أَوْ يُفَادَوْنَ عَلَى قَوْلَيْنِ

- ‌فَصْلٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا سَبْعِ

- ‌فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْمَغَانِمِ

- ‌فَصْلٌ فِي رُجُوعِهِ عليه السلام مِنْ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ

- ‌مَقْتَلُ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعَقَبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُمَا اللَّهُ

- ‌ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر رضي الله عنه

- ‌بَابُ الْكُنَى

- ‌فَصْلٌ فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ

- ‌فصل [في غزوة السويق]

- ‌فَصْلٌ فِي دُخُولِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَلَى زَوْجَتِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل جمل من الحوادث سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ

الفصل: ‌فصل في فريضة شهر رمضان سنة ثنتين قبل وقعة بدر

الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لكبيرة أَيْ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْكَائِنَةُ الْعَظِيمَةُ الْمَوْقِعِ كبيرة المحل شديدة الأمر إِلَّا عَلَى الَّذِي هَدَى اللَّهُ أَيْ فَهُمْ مُؤْمِنُونَ بِهَا مُصَدِّقُونَ لَهَا لَا يَشُكُّونَ وَلَا يَرْتَابُونَ بَلْ يَرْضَوْنَ وَيُؤْمِنُونَ وَيَعْمَلُونَ لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ لِلْحَاكِمِ الْعَظِيمِ الْقَادِرِ الْمُقْتَدِرِ الْحَلِيمِ الْخَبِيرِ اللَّطِيفِ الْعَلِيمِ وَقَوْلُهُ:(وَمَا كَانَ اللَّهُ ليضيع إيمانكم) أَيْ بِشِرْعَتِهِ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالصَّلَاةَ إِلَيْهِ (إن الله بالناس لرؤف رحيم) وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي التَّفْسِيرِ وَسَنَزِيدُ ذَلِكَ بَيَانًا فِي كَتَابِنَا الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي أَهْلِ الْكِتَابِ -: " إِنَّهُمْ لَمْ يحسدونا على شئ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا الله إليها وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لها وضلوا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ ".

‌فَصْلٌ فِي فريضة شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ (1) : وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُرِضَ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ فُرِضَ فِي شَعْبَانَ (2) مِنْهَا، ثُمَّ حَكَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ موسى [وغرق فيه آل فرعون](3) .

فَقَالَ: " نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " فِصَامَهُ وَأَمَرَ (4) النَّاسَ بِصِيَامِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عبَّاس وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخر) الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 183 - 185] وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ مِنْ إِيرَادِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ وَالْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَالْأَحْكَامِ

المستفادة منه ولله الحمد.

(1) تاريخ الطبري ج 2 / 265.

(2)

قال ابن سيد الناس: فرض صوم شهر رمضان فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وقال القرطبي: الصحيح سبعة عشر شهراً وهو قول مالك وابن المسيب وابن إسحاق وقال الواقدي: الثبت عندنا الاول.

(3)

زيادة من الطبري.

(4)

قال ابن الأثير: لما فرض رمضان لم يأمرهم بصوم عاشوراء ولم ينههم عنه.

(*)

ص: 311

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.

قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ فَذَكَرَ أَحْوَالَ الصَّلَاةِ.

وقال وَأَمَّا أَحْوَالُ الصِّيَامِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَصَامَ عَاشُورَاءَ ثم إن الله فَرَضَ عَلَيْهِ الصِّيَامَ وَأَنْزَلَ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين من قبلكم) إِلَى قَوْلِهِ: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا فَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْآيَةَ الْأُخْرَى:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) إِلَى قَوْلِهِ: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) فَأَثْبَتَ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَأَثْبَتَ الْإِطْعَامَ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَهَذَانِ حَوْلَانِ.

قَالَ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا، فَإِذَا نَامُوا امْتَنَعُوا.

ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ صِرْمَةُ كَانَ يَعْمَلُ صَائِمًا حَتَّى أَمْسَى فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ فَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ نَامَ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى أَصْبَحَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَهَدَ جَهْدًا شَدِيدًا فَقَالَ:" مالي أَرَاكَ قَدْ جَهَدْتَ جَهْدًا شَدِيدًا " فَأَخْبَرَهُ، قَالَ وَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَصَابَ مِنَ النِّسَاءِ بَعْدَ مَا نَامَ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هن لباس لكم) إِلَى قَوْلِهِ: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) .

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ نَحْوَهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ

الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عَاشُورَاءُ يُصَامُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.

وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ.

وَلِتَحْرِيرِ هَذَا، مَوْضِعٌ آخَرُ مِنَ التَّفْسِيرِ وَمِنَ الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أُمِرَ النَّاسُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ - أَوْ يَوْمَيْنِ - وَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، قَالَ وَفِيهَا صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعِيدِ وَخَرَجَ بِالنَّاسِ إِلَى الْمُصَلَّى فَكَانَ أَوَّلَ صَلَاةِ عِيدٍ صَلَّاهَا وَخَرَجُوا بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْحَرْبَةِ (1) وكان لِلزُّبَيْرِ وَهَبَهَا لَهُ النَّجَاشِيُّ فَكَانَتْ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَعْيَادِ.

قُلْتُ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فُرِضَتِ الزَّكَاةُ ذَاتُ النُّصُبِ (2) كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

(1) في الطبري وابن الاثير: العنزة وهي عصا في رأسها سنان مثل سنان الرمح.

(2)

أي زكاة المال.

(*)

ص: 312

بسم الله الرحمن الرحيم غزوة بدر العظمى * يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[آل عمران: 123] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ في الحق بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ يريد اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) وَمَا بَعْدَهَا إِلَى تَمَامِ الْقِصَّةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا هُنَالِكَ وَسَنُورِدُ هَاهُنَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا يُنَاسِبُهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رحمه الله بَعْدَ ذِكْرِهِ سَرِيَّةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ

بِأَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلًا مِنَ الشَّامِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالٌ وَتِجَارَةٌ، وَفِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا - أَوْ أَرْبَعُونَ - مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ.

قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهري: كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَقْتَلِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ بِشَهْرَيْنِ، قَالَ وَكَانَ فِي الْعِيرِ أَلْفُ بَعِيرٍ تَحْمِلُ أَمْوَالَ قُرَيْشٍ بِأَسْرِهَا إِلَّا حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى فَلِهَذَا تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْتُ مِنْ حَدِيثِ (1) بَدْرٍ قَالُوا: لَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي سُفْيَانَ مُقْبِلًا مِنَ الشَّامِ نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: " هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لعل الله ينفلكموها، فانتدب الناس فخفف بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْقَى حَرْبًا، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا من الحجاز يتجسس (2) مَنْ لَقِيَ مِنَ الرُّكْبَانِ تَخَوُّفًا عَلَى أَمْوَالِ (3) النَّاسِ حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرُّكْبَانِ أن

(1) بدر: اسم بئر حفرها رجل من غفار اسمه بدر، قيل هو بدر بن قريش بن يخلد، وبه - في قول - سميت قريش، وقيل إن بدرا: رجل كانت له بئر بدر وهي على أربع مراحل من المدينة.

قال ابن سعد: كانت بدر موسماً من مواسم الجاهلية يجتمع بها العرب، وبين بدر والمدينة ثمانية برد وميلان.

(معجم البلدان - شرح المواهب - الروض الانف - طبقات ابن سعد) .

(2)

في ابن هشام والواقدي: يتحسس بالحاء.

قال السهيلي: التحسس أن تتسمع الاخبار بنفسك، والتجسس بالجيم هو أن تفحص عنها بغيرك.

(3)

في ابن هشام: على أمر الناس.

(*)

ص: 313

مُحَمَّدًا قَدِ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَكَ وَلِعِيرِكَ فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ (1) عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ فَبَعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إِلَى أَمْوَالِهِمْ، وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ، فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إِلَى مَكَّةَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ

عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.

قَالَا: وَقَدْ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ إِلَى مَكَّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ رُؤْيَا أَفْزَعَتْهَا، فَبَعَثَتْ إِلَى أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي (2) وَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا شَرٌّ وَمُصِيبَةٌ فَاكْتُمْ عَلَيَّ مَا أُحَدِّثُكَ، قَالَ لَهَا وَمَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، حَتَّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ، ثُمَّ صَرَخَ بأعلا صوته ألا انفروا يا آل غدر (3) لَمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ، فَأَرَى النَّاسَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يَتْبَعُونَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ بِهِ بِعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ثم صرخ بمثلها.

ألا انفروا يا آل غدر لَمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ثُمَّ مَثَلَ بِهِ بِعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبَى قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا، ثُمَّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضَّتْ فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ وَلَا دَارٌ إِلَّا دَخَلَتْهَا مِنْهَا فِلْقَةٌ.

قَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا وَأَنْتِ فَاكْتُمِيهَا لَا تَذْكُرِيهَا لِأَحَدٍ، ثُمَّ خَرَجَ الْعَبَّاسُ فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ - وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا - فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهَا فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ (4) عُتْبَةَ فَفَشَا الْحَدِيثُ حَتَّى تَحَدَّثَتْ به قريش [في أنديتها]، قَالَ الْعَبَّاسُ: فَغَدَوْتُ لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ (5) مِنْ قُرَيْشٍ قُعُودٍ يَتَحَدَّثُونَ بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَلَمَّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَأَقْبِلْ إِلَيْنَا، فَلَمَّا فَرَغْتُ أَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، مَتَى حَدَثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ تِلْكَ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا رَأَتْ؟ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَمَّا رَضِيتُمْ أن يتنأ رِجَالُكُمْ حَتَّى تَتَنَبَّأَ نِسَاؤُكُمْ! قَدْ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنَّهُ قَالَ: انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ، فَسَنَتَرَبَّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ فَإِنْ يَكُ حَقًّا مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ، وَإِنْ تَمْضِ الثَّلَاثُ وَلَمْ يكن من ذلك شئ نَكْتُبُ عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْعَرَبِ، قَالَ الْعَبَّاسُ: فَوَاللَّهِ مَا كَانَ مني إليه كبير شئ (6) إِلَّا أَنِّي جَحَدْتُ ذَلِكَ وَأَنْكَرْتُ أَنْ تَكُونَ رأت شيئاً، قال: ثم تفرقنا فلما

(1) في ابن سعد: وكان بلغ المشركين بالشام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يرصد انصرافهم فبعثوا ضمضم بن عمرو حين فصلوا من الشام إلى قريش بمكة يخبرونهم بما بلغهم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

(2)

أفظعتني: اشتدت علي، وفي ابن الاثير: افزعتها.

(3)

في ابن هشام: بالغدر، وتروى يا أهل غدر شرحها السهيلي: جمع غدور، وهي بضم الغين والدال، وهي تحريض لهم، أي إن تخلفتم فأنتم غدر لقومكم.

قال أبو عبيد تقول: يا غدر، أي يا غادر فإذا جمعت قلت: يا آل غدر.

(4)

من ابن هشام وابن الاثير، وفي الاصل: لابنه.

(5)

ذكرهم ابن عقبة في روايته: أبا جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة وأمية وأُبي بن خلف وزمعة بن الاسود وأبا البختري في نفر من قريش.

(6)

قال ابن عقبة أن العباس رد عليه قال: هل أنت منته، فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك، فقال من حضرهما: = (*)

ص: 314

أَمْسَيْتُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَّا أَتَتْنِي، فَقَالَتْ: أَقْرَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ، ثُمَّ قَدْ تَنَاوَلَ النِّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عندك غيرة لشئ مِمَّا سَمِعْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ وَاللَّهِ فَعَلْتُ مَا كَانَ مِنِّي إِلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ، وَايْمُ الله لا تعرضن لَهُ، فَإِذَا عَادَ لَأَكْفِيكُنَّهُ، قَالَ فَغَدَوْتُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أَرَى أَنِّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبُّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ.

قَالَ: فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُهُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرَّضُهُ لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعَ بِهِ، وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا حَدِيدَ الْوَجْهِ، حَدِيدَ اللِّسَانِ، حَدِيدَ النَّظَرِ، قَالَ: إِذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدُّ، قال: قلت في نفسي: ماله لَعَنَهُ اللَّهُ أَكُلُّ هَذَا فَرَقٌ مِنِّي أَنْ أُشَاتِمَهُ؟ ! وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ قَدْ جَدَّعَ بَعِيرَهُ، وَحَوَّلَ رَحْلَهُ وَشَقَّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ (1) ، أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ.

قَالَ: فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنِّي مَا جَاءَ مِنَ الْأَمْرِ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا وَقَالُوا أَيُظَنُّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الحضرمي؟ [كلا](2) وَاللَّهِ لَيَعْلَمَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ.

وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ رُؤْيَا عَاتِكَةَ كَنَحْوٍ مِنْ سِيَاقِ ابْنِ إِسْحَاقَ.

قَالَ فلمَّا جَاءَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ خَافُوا مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ فَخَرَجُوا عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ إِمَّا خَارِجٌ وَإِمَّا بَاعِثٌ مَكَانَهُ رَجُلًا، وَأَوْعَبَتْ قُرَيْشٌ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ إِلَّا أنَّ أَبَا لَهَبِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، اسْتَأْجَرَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ قَدْ أَفْلَسَ بِهَا.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ قَدْ أَجْمَعَ الْقُعُودَ وَكَانَ شَيْخًا جَلِيلًا جَسِيمًا ثَقِيلًا، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ (3) وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ بِمِجْمَرَةٍ يَحْمِلُهَا، فِيهَا نَارٌ وَمِجْمَرٌ، حَتَّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، اسْتَجْمِرْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنَ النِّسَاءِ قَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ وَقَبَّحَ مَا جِئْتَ بِهِ، قَالَ ثُمَّ تَجَهَّزَ وَخَرَجَ مَعَ النَّاسِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ.

وَقَدْ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ عَلَى نَحْوٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أمية

= ما كنت يا أبا الفضل جهولا ولا خرقا.

(1)

اللطيمة: جميع ما حملت الإبل للتجارة قاله أبو الزناد، وقال غيره: اللطيمة: العطر خاصة.

(2)

من ابن هشام.

(3)

قال الواقدي: آتاه عقبة بن أبي معيط وأبو جهل، وعقبة معه مجمرة فيها بخور ومع أبي جهل مكحلة ومرود.

فأدخلها عقبة تحته وقال: تبخر.

فإنما أنت امرأة.

وقال أبو جهل: اكتحل، فإنما أنت امرأة.

(*)

ص: 315

بمكة، قال سَعْدٌ لِأُمَيَّةَ انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ يَا [أَبَا](1) صَفْوَانَ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ هَذَا سَعْدٌ.

قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بمكة آمناً وقد أو يتم الصُّبَاةَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ - وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ - أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ.

فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي

الْحَكَمِ فإنَّه سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي، قَالَ سَعْدٌ دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ " قَالَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ لَا أَدْرِي؟ فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالُ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ بِمَكَّةَ.

قَالَ: لَا أَدْرِي.

فَقَالَ أُمَيَّةُ وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ.

فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ.

اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ فَقَالَ أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ، فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ أَمَّا إِذْ عبتني (2) فَوَاللَّهِ لَأَشْتَرِيَنَّ (3) أَجْوَدَ بِعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: لَا، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ بِبَدْرٍ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ نَحْوَهُ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَكْذِبُ (4) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ، ذَكَرُوا مَا كَانَ (5) بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِنَ الْحَرْبِ.

فَقَالُوا إِنَّا نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، وَكَانَتِ الْحَرْبُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ قَتْلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ بِإِشَارَةِ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ، ثُمَّ أَخَذَ بِثَأْرِهِ أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَ عامرا

(1) من صحيح البخاري.

(2)

في صحيح البخاري ودلائل البيهقي: إذ غلبتني.

(3)

قال الواقدي: ابتاعوا له جملا بثلاثمائة درهم من نعم بني قشير، فغنمه المسلمون يوم بدر، فصار في سهم خبيب بن أساف، وفي رواية يساف.

(4)

رواه البخاري في 64 كتاب المغازي 2 باب ذكر النَّبيّ صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر ح 3950 فتح الباري 7 / 282 وفي 61

كتاب المناقب 25 باب ح 3632 فتح الباري 6 / 629 عن أحمد بن إسحاق.

ورواه البيهقي من طريقيه في دلائله 3 / 25.

(5)

من ابن هشام، وفي الاصل: كانوا تحريف.

(*)

ص: 316

وخاص بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ جَاءَ مِنَ اللَّيْلِ فَعَلَّقَهُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَخَافُوهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمْ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي كان بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يَثْنِيَهُمْ، فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ.

فَقَالَ: أَنَا لَكُمْ جَارٌ من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشئ تَكْرَهُونَهُ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا.

قُلْتُ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ، وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عقبيه وقال إني برئ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الانفال: 47 - 48] غرَّهم لعنه الله حتى ساروا وسار معهم منزلة منزلة ومعه جنوده وراياته كما قاله غير واحد منهم، فأسلمهم لمصارعهم.

فلما رأى الجد والملائكة تنزل للنصر وعاين جبريل نكص على عقبيه وقال إني برئ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ.

وهذا كقوله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برئ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)[الحشر: 16] وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الإسراء: 81] فَإِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ لمَّا عَايَنَ الْمَلَائِكَةَ يومئذٍ تَنْزِلُ لِلنَّصْرِ فرَّ ذَاهِبًا فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ هزم يومئذٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ هُوَ الْمُشَجِّعَ لَهُمْ الْمُجِيرَ لَهُمْ كَمَا غَرَّهُمْ وَوَعَدَهُمْ وَمَنَّاهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا.

وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: خَرَجَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ فِي تِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مُقَاتِلًا مَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ (1) يَقُودُونَهَا وَمَعَهُمُ الْقِيَانُ (2) يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوفِ وَيُغَنِّينَ بِهِجَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

وَذَكَرَ الْمُطْعِمِينَ لِقُرَيْشٍ يَوْمًا يَوْمًا، وَذَكَرَ الْأُمَوِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَحَرَ لَهُمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ أَبُو جَهْلٍ نَحَرَ لَهُمْ عَشْرًا (3) ، ثُمَّ نَحَرَ لَهُمْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بِعُسْفَانَ تِسْعًا، وَنَحَرَ لَهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو بِقُدَيْدٍ عَشْرًا، وَمَالُوا مِنْ قُدَيْدٍ إِلَى مِيَاهٍ نَحْوَ الْبَحْرِ فَظَلُّوا فِيهَا وَأَقَامُوا بِهَا يَوْمًا فَنَحَرَ لَهُمْ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تِسْعًا، ثُمَّ أَصْبَحُوا بِالْجَحْفَةِ فَنَحَرَ لَهُمْ يومئذٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَشْرًا، ثُمَّ أَصْبَحُوا بِالْأَبْوَاءِ فَنَحَرَ لَهُمْ نُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ عَشْرًا، وَنَحَرَ لَهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَشْرًا، [وَنَحَرَ لَهُمْ الحارث بن عامر بن نوفل تسعاً](4) وَنَحَرَ لَهُمْ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عشراً، [ونحر لهم مقبس الجمحي

(1) في رواية الواقدي وابن الاثير: مائة فرس.

(2)

ذكر الواقدي اسماءهن: سارة مولاة عمرو بن هاشم بن المطلب، وعزة مولاة الأسود بن المطلب، ومولاة أمية بن خلف.

(3)

نحر لهم بمر.

(4)

زيادة من رواية موسى بن عقبة، دلائل البيهقي 3 / 109.

(*)

ص: 317

على ماء بدر تسعاً] (1) ثُمَّ أَكَلُوا مِنْ أَزْوَادِهِمْ.

قَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ قَالَ: كَانَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ سِتُّونَ فَرَسًا وَسِتُّمِائَةِ دِرْعٍ وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسَانِ وَسِتُّونَ دِرْعًا.

هَذَا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ فِي نَفِيرِهِمْ مِنْ مَكَّةَ وَمَسِيرِهِمْ إِلَى بَدْرٍ.

وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي لَيَالٍ (2) مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَصْحَابِهِ وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الصَّلَاةِ بِالنَّاسِ، وَرَدَّ أَبَا لُبَابَةَ مِنَ الرَّوْحَاءِ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَكَانَ أَبْيَضَ، وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ إِحْدَاهُمَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يُقَالُ لَهَا الْعُقَابُ، وَالْأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الْأَنْصَارِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ كَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَقَالَ الْأُمَوِيُّ كَانَتْ مَعَ الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخَا بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ.

وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: وَكَانَ مَعَهُمْ فَرَسَانِ عَلَى إِحْدَاهُمَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَلَى الْأُخْرَى الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ (3) ومن سعد بن خيثمة ومن الْمِقْدَادُ بْنُ

الْأَسْوَدِ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ (4) .

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي صَخْرٍ عن أبي معاوية البلخي (5) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عبَّاس أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَهُ: مَا كَانَ مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ فَرَسٌ لِلزُّبَيْرِ وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الأسود - يعني يوم بدر - وقال الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خالد عن التيمي قَالَ: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ فَارِسَانِ، الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ عَلَى الْمَيْمَنَةِ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَلَى الْمَيْسَرَةِ (6) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَعَهُمْ سَبْعُونَ بَعِيرًا يَعْتَقِبُونَهَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلِيٌّ ومرثد بن

(1) زيادة من رواية ابن عقبة، دلائل البيهقي 3 / 110.

(2)

قال ابن هشام: خرج يوم الاثنين لثمان ليال خلون من شهر رمضان.

وقال الواقدي: يوم الاحد لاثنتي عشرة خلت من رمضان، وفي ابن الاثير والطبري لثلاث ليال خلون من شهر رمضان.

وعند ابن سعد يَوْمِ السَّبْتِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنَ شهر رمضان على رأس تسعة عشر شهراً من مهاجره.

(3)

العبارة غير مستقيمة في الاصل.

ورواية البيهقي عن ابن عقبة - ولعلها أصوب - على إحداهما مصعب بن عمير وعلى الآخر سعد بن خيثمة، ومرة الزبير بن العوام، ومرة المقداد بن الأسود.

(4)

وفي رواية للنسائي: على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ سمرة يصلي ويبكي حتى أصبح.

رواه في الصلاة تحفة الاشراف 7 / 357 ورواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 49.

والمقداد بن الأسود من أول من أظهر الاسلام، وكان من الفضلاء النجباء الخيار الكبار مِنْ أَصْحَابِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.

(5)

دلائل النبوة ج 3 / 39 وفيه: البجلي بدل البلخي.

(6)

في رواية للواقدي: كان معهم فرسان: فرس للمقداد - ولا اختلاف عندنا أن المقداد له فرس - وفرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي وقبل للزبير (ابن الأثير) وكان اسم فرس المقداد: سبحة وفرس مرثد: السيل.

وفي رواية لقتيبة عند ابن سعد: كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثة أفراس وذكر الفرسان الثلاثة.

والاول أرجح (*)

ص: 318

أَبِي مَرْثَدٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا، وَكَانَ حَمْزَةُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَأَبُو كَبْشَةَ وَأَنَسَةُ (1) يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا.

كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عن زربن حُبَيْشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.

قَالَ: كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيٌّ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ فَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ.

فَقَالَ: " مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا " وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الْفَلَّاسِ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ (2) .

قُلْتُ: وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ أَبَا لُبَابَةَ مِنَ الرَّوْحَاءِ، ثُمَّ كَانَ زَمِيلَاهُ عَلِيٌّ وَمَرْثَدٌ بَدَلَ أَبِي لُبَابَةَ (3) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا سعيد، عن قتادة، عن زرارة بن أبي أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْأَجْرَاسِ أَنْ تُقْطَعَ مِنْ أَعْنَاقِ الْإِبِلِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهَذَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.

وَإِنَّمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ.

قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ في الأطراف وتابعه سعيد بن بشر عَنْ قَتَادَةَ.

وَقَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ.

قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبِ اللَّهُ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ تَفَرَّدَ بِهِ (4) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَسَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرِيقَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، عَلَى نَقْبِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ عَلَى الْعَقِيقِ، ثُمَّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ عَلَى أُولَاتِ الْجَيْشِ ثُمَّ مرَّ عَلَى تُرْبَانَ (5) ثُمَّ عَلَى مَلَلٍ ثُمَّ عَلَى غَمِيسِ الْحَمَامِ ثُمَّ عَلَى صخيرات اليمامة ثُمَّ عَلَى السَّيَالَةِ ثُمَّ عَلَى فَجِّ الرَّوْحَاءِ ثُمَّ عَلَى شَنُوكَةَ، وَهِيَ الطَّرِيقُ الْمُعْتَدِلَةُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعِرْقِ الظُّبْيَةِ لَقِيَ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ، فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّاسِ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا، فَقَالَ لَهُ النَّاس: سلِّم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَوَفِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالُوا: نَعَمْ! فسلَّم عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبِرْنِي عَمَّا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هذه، قال له سلمة بن

(1) أبو كبشة وانسة مَوْلَيَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

(2)

رَوَاهُ البيهقي في الدلائل ج 3 / 39 والنسائي في السير تحفة الاشراف 7 / 26 والحاكم في المستدرك 3 / 20 وقال: صحيح على شرط الشيخين.

(3)

المشهور عند أهل المغازي أن أبا لبابة رده النبي صلى الله عليه وسلم من الروحاء واستخلفه على المدينة، وعده ابن سعد من المتخلفين في المدينة ولم يذكر مسيرة إلى الروحاء، وفي ابن الأثير أن زميلي النبي صلى الله عليه وسلم على وزيد بن حارثة.

(4)

أخرجه البخاري مطولا في كتاب الأحكام باب هل للامام أن يمنع المجرمين، وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة ونحوه؟ وللحديث طرق أخرى ذكرها المزي في تحفة الاشراف 8 / 311 - 312.

(5)

تربان: بالضم دار بين الحفير والمدينة.

(*)

ص: 319

سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ: لَا تَسْأَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَأَنَا أُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، نَزَوْتَ عَلَيْهَا، فَفِي بَطْنِهَا مِنْكَ سَخْلَةٌ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَهْ أَفْحَشْتَ عَلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْ سَلَمَةَ.

وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَجْسَجَ وَهِيَ بِئْرُ الرَّوْحَاءِ ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْهَا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْهَا بِالْمُنْصَرَفِ (1) تَرَكَ طَرِيقَ مَكَّةَ بِيَسَارٍ، وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النَّازِيَةِ يُرِيدُ بَدْرًا؟ فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا حَتَّى إذا جزع (2) وادياً يقال له وحقان بَيْنَ النَّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيقِ الصَّفْرَاءِ ثُمَّ عَلَى الْمَضِيقِ ثُمَّ انْصَبَّ مِنْهُ حتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الصَّفْرَاءِ بَعَثَ بَسْبَسَ (3) بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ، حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ، وَعَدِيَّ بْنَ أَبِي الزَّغْبَاءِ حَلِيفَ بَنِي النَّجَّارِ إِلَى بَدْرٍ يَتَجَسَّسَانِ (4) الْأَخْبَارَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ وَعِيرِهِ.

وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ بَعَثَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُخرج مِنَ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا رَجَعَا فَأَخْبَرَاهُ بِخَبَرِ الْعِيرِ اسْتَنْفَرَ النَّاسَ إِلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إِسْحَاقَ مَحْفُوظًا فَقَدْ بَعَثَهُمَا مَرَّتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رحمه الله: ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَدَّمَهُمَا فَلَمَّا اسْتَقْبَلَ الصَّفْرَاءَ وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ سَأَلَ عَنْ جَبَلَيْهَا مَا أَسْمَاؤُهُمَا (5) ؟ فَقَالُوا: يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: مُسْلِحٌ وَلِلْآخَرِ: مُخْرِئٌ، وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِهِمَا فَقِيلَ بَنُو النَّارِ، وَبَنُو حُرَاقٍ، بِطْنَانِ مِنْ غِفَارٍ، فَكَرِهَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُرُورَ بَيْنَهُمَا وَتَفَاءَلَ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ أَهْلِهِمَا فَتَرَكَهُمَا وَالصَّفْرَاءَ بِيَسَارٍ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى وَادٍ،

يُقَالُ لَهُ: ذَفِرَانُ فَجَزَعَ فِيهِ، ثُمَّ نَزَلَ وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ وَمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ، فَاسْتَشَارَ النَّاسَ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَالَ وَأَحْسَنَ، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ وَأَحْسَنَ، ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ، فَنَحْنُ مَعَكَ وَاللَّهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْلُغَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا وَدَعَا لَهُ.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ " وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَدَدُ النَّاسِ وَأَنَّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بُرَآءُ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَيْنَا فَأَنْتَ فِي ذِمَّتِنَا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّفُ أَنْ لَا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إِلَّا مِمَّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى: عَدُوٍّ مِنْ بِلَادِهِمْ.

فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ الله؟ قال:

(1) المنصرف: موضع بين مكة وبدر وبينهما أربعة برد (معجم البلدان) .

(2)

جزع الوادي: قطعه عرضا، ولا يجزع الوادي إلا عرضا.

(3)

في مصنف أبي داود: بسبسة: قاله السهيلي ونسبه ابن الاثير لجهينة وغيره إلى ذبيان وقال: هو بَسْبَسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَرَشَةَ بن عمرو بن سعد بن ذبيان.

(4)

وفي رواية: يتحسسان تقدم شرحها.

(5)

كذا في الاصل، وهو تحريف، وفي ابن هشام: ما اسماهما؟ وهو أصح.

(*)

ص: 320

" أَجَلْ " قَالَ فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا، عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَكَ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ، فَنَحْنُ مَعَكَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا إِنَّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ.

لَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تقرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ عَلَى

بَرَكَةِ اللَّهِ.

قَالَ: فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشَّطَهُ ثُمَّ قَالَ: " سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَاللَّهِ لَكَأَنِّي الْآنَ أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ القوم " هكذا رواه ابْنُ إِسْحَاقَ رحمه الله.

وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بن الأسود مشهداً لأن أكون صاحبه [كان] أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ.

فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا ههنا قَاعِدُونَ، وَلَكِنْ نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وبين يديك وخلفك، [قال] فَرَأَيْتُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَقَ وجهه [لذلك] وَسَرَّهُ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ فَرَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مُخَارِقٍ به (1) ورواه النسائي من حديثه وعنده: وجاء المقداد بن الأسود يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى فَرَسٍ فَذَكَرَهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ - هُوَ ابْنُ حُمَيْدٍ - عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: اسْتَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَخْرَجَهُ إِلَى بَدْرٍ فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ فَقَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ: إِيَّاكُمْ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ.

فقال بعض الأنصار: يا رسول الله إذاً لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قَاعِدُونَ وَلَكِنْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ ضَرَبْتَ أَكْبَادَهَا إِلَى برك الغماد لاتبعناك.

وهذا إسناد ثلاثي صحيح عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شاور (2) حين بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، إِيَّانَا يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبِحَارَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا (3) إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا، فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ.

قال فانطلقوا

(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي (4) باب فتح الباري 7 / 287، وأعاده في التفسير مرتين، مرة عن أبي نعيم، ومرة عن حمدان بن عمر، تفسير سورة المائدة باب قوله:(فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فقاتلا..) وما بين معكوفين في الحديث زيادة من الصحيح.

(2)

في الحديثين مشاورة النبي للناس: قال فيها العلماء إنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار، لأنه لم يكن بايعهم على أن

يخرجوا معه للقتال وطلب العدو، وإنما بايعهم على أن يمنعوه، فلما عرض الخروج لابي سفيان - في بدر - أراد أن يعلم موقفهم من الموضوع المطروح، وهل أنهم يوافقون على ذلك أم لا؟ فكانت إصابتهم له كاملة، واستعدادهم للقتال حسن.

(3)

كتابة عن ركضها، فإن الفارس إذا أراد ركض مركوبه يحرك رجليه من جانبيه، ضاربا على موضع كبده (*)

ص: 321

حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا، وَوَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ، فَأَخَذُوهُ وَكَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول مالي عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلِ بن هشام وعتبة بن ربيعة وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ فَإِذَا ضَرَبُوهُ.

قَالَ: نَعَمْ! أَنَا أُخْبِرُكُمْ هَذَا أبو سفيان فإذا تركوه فسألوه قال مالي بِأَبِي سُفْيَانَ عِلْمٌ وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وعتبة وشيبة وأمية، فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيْضًا ضَرَبُوهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنكم لتضربونه إذا صدق وَتَتْرُكُونَهُ إِذَا كَذَبَكُمْ.

قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ يضع يده على الأرض ههنا وههنا، فَمَا أَمَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَفَّانَ بِهِ نَحْوَهُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ - وَاللَّفْظُ لَهُ - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ عَنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ: " إِنِّي أُخْبِرْتُ عَنْ عِيرِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهَا مُقْبِلَةٌ فَهَلْ لَكُمْ أَنْ نَخْرُجَ قِبَلَ هَذِهِ الْعِيرِ لَعَلَّ اللَّهَ يُغْنِمُنَاهَا؟ " فَقُلْنَا نَعَمْ! فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا فَلَمَّا سِرْنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ لَنَا: " مَا تَرَوْنَ فِي الْقَوْمِ فَإِنَّهُمْ قَدْ أُخْبِرُوا بِمَخْرَجِكُمْ؟ " فَقُلْنَا لَا وَاللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِقِتَالِ الْقَوْمِ وَلَكِنَّا أَرَدْنَا الْعِيرَ، ثُمَّ قال:" تَرَوْنَ فِي قِتَالِ الْقَوْمِ؟ " فَقُلْنَا مِثْلَ ذَلِكَ.

فقام المقداد بن عمرو [فقال] : إذاً لا نقول لك يا رسول كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى اذْهَبْ أَنْتَ وربك فقاتلا إنا ههنا قَاعِدُونَ، قَالَ فَتَمَنَّيْنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَوْ أَنَّا قُلْنَا مِثْلَ مَا قَالَ الْمِقْدَادُ أحبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ يكونَ لَنَا مَالٌ عَظِيمٌ فَأَنْزَلَ الله عزوجل على رسوله:(كَمَا أخرجك مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.

وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ

عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَدْرٍ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: " كَيْفَ تَرَوْنَ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:" كَيْفَ تَرَوْنَ؟ " فَقَالَ عُمَرُ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: " كَيْفَ تَرَوْنَ؟ " فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِيَّانَا تُرِيدُ؟ فَوَالَّذِي أَكْرَمَكَ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مَا سَلَكْتُهَا قَطُّ وَلَا لِي بِهَا عِلْمٌ، وَلَئِنْ سِرْتَ حَتَّى تَأْتِيَ بَرْكَ الْغِمَادِ مِنْ ذِي يَمَنٍ لَنَسِيرَنَّ مَعَكَ وَلَا نَكُونُ كَالَّذِينِ قَالُوا لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قَاعِدُونَ وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمْ متبعون، ولعل أَنْ تَكُونَ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَأَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ غَيْرَهُ فَانْظُرِ الَّذِي أَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَامْضِ فَصِلْ حِبَالَ مَنْ شِئْتَ وَاقْطَعْ حِبَالَ مَنْ شِئْتَ وَعَادِ مَنْ شِئْتَ وَسَالِمْ مَنْ شِئْتَ وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ.

فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى قَوْلِ سَعْدٍ: " كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) الْآيَاتِ.

وَذَكَرَهُ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ وَأَعْطِنَا مَا شِئْتَ، وَمَا أَخَذْتَ مِنَّا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ.

وَمَا أَمَرْتَ بِهِ مِنْ أمر فأمرنا تبع لامرك

(1) رواه أبو داود في كتاب الجهاد باب الاسير ينال منه ويضرب.

وأخرجه مسلم في 32 كتاب الجهاد 30 باب غزوة بدر ح 83 ص 3 / 1403.

(*)

ص: 322

فَوَاللَّهِ لَئِنْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غُمْدَانَ لَنَسِيرَنَّ مَعَكَ (1) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ ارتحل رسول الله مِنْ ذَفِرَانَ فَسَلَكَ عَلَى ثَنَايَا يُقَالُ لَهَا الْأَصَافِرُ، ثُمَّ انْحَطَّ مِنْهَا إِلَى بَلَدٍ يُقَالُ له الدية (2) وترك الحنان بيمين وهو كئيب عَظِيمٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ، ثُمَّ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ فَرَكِبَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ (3) .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ هُوَ أَبُو بَكْرٍ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ - كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حبَّان - حَتَّى وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنَ الْعَرَبِ فَسَأَلَهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ.

فَقَالَ الشَّيْخُ: لَا أُخْبِرُكُمَا حَتَّى تُخْبِرَانِي مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخْبَرْتَنَا أَخْبَرْنَاكَ فقال أو ذاك بِذَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ الشَّيْخُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كَانَ صَدَقَ الَّذِي أَخْبَرَنِي فَهُمُ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا

لِلْمَكَانِ الَّذِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَلَغَنِي أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْبَرَنِي صَدَقَنِي فَهُمُ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا.

لِلْمَكَانِ الَّذِي بِهِ قُرَيْشٌ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خَبَرِهِ قَالَ مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْنُ مِنْ مَاءٍ " ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ.

قَالَ يَقُولُ الشَّيْخُ: مَا مِنْ مَاءٍ أَمِنْ مَاءِ الْعِرَاقِ؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ لِهَذَا الشَّيْخِ سُفْيَانُ الضَّمْرِيُّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أصحابه فلمَّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ والزُّبير بْنِ الْعَوَّامِ (4) وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ لَهُ كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَأَصَابُوا رَاوِيَةً لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَسْلَمُ غُلَامُ بَنِي الْحَجَّاجِ (5) وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ، فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي فَقَالُوا: نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنَ الْمَاءِ، فَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمَا، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لِأَبِي سُفْيَانَ فَضَرَبُوهُمَا، فَلَمَّا أَذْلَقُوهُمَا (6) قَالَا: نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ فَتَرَكُوهُمَا، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ: " إِذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا وَاللَّهِ إِنَّهُمَا لِقُرَيْشٍ، أخبراني عن قريش؟ قالا: هم [والله] وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة

(1) نقله البيهقي في الدلائل 3 / 107 بنحوه في باب سياق قصة بدر عن مغازي موسى بن عقبة.

(2)

كذا في الاصل، وفي ابن هشام والواقدي وتاريخ الطبري ومعجم البلدان: الدبة: وهي بلد بين الاصافر وبدر.

(3)

في الواقدي: معه قتادة بن النعمان، ويقال عبد الله بن كعب المازني، ويقال: معاذ بن جبل.

(4)

في الواقدي: بسبس بن عمرو بدلا من الزبير بن العوام، وفي روايته أنه صلى الله عليه وسلم أنه التفى صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ببسبس فأخبره خبر قريش.

وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم بعث بسبس وعدي بن أبي الزغباء يتحسسان أخبار قريش (الطبري - ابن الاثير - سيرة ابن هشام طبقات ابن سعد) .

(5)

في ابن الاثير: الجحجاح، وفي الواقدي ذكر ثلاثة: أسلم غلام منبه بن الحجاج، ويسار غلام عبيد بن سعيد بن العاص، وأبو رافع غلام أمية بن خلف.

(6)

أذلقوهما: بالغوا في ضربهما وآذوهما.

(*)

ص: 323

الْقُصْوَى، وَالْكَثِيبُ الْعَقَنْقَلُ.

فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمِ الْقَوْمُ؟ قَالَا كَثِيرٌ.

قَالَ مَا عِدَّتُهُمْ، قَالَا: لَا نَدْرِي، قَالَ: كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَا: يَوْمًا تِسْعًا وَيَوْمًا عَشْرًا.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ " ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ؟ قَالَا: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَسُهَيْلُ بْنُ عمرو، وعمرو بن عبدود.

قَالَ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: " هَذِهِ مَكَّةُ قَدْ أَلْقَتْ إِلَيْكُمْ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا ".

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ قَدْ مَضَيَا حَتَّى نَزَلَا بَدْرًا فَأَنَاخَا إِلَى تَلٍّ قَرِيبٍ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ أَخَذَا شَنًّا لَهُمَا يَسْتَقِيَانِ فِيهِ.

وَمَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ عَلَى الْمَاءِ، فَسَمِعَ عَدِيٌّ وَبَسْبَسٌ جَارِيَتَيْنِ من جواري الحاضر وهما يتلازمان عَلَى الْمَاءِ وَالْمَلْزُومَةُ تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ فَأَعْمَلُ لَهُمْ، ثم أقضيك الذي الَّذِي لَكِ.

قَالَ مَجْدِيُّ: صَدَقَتْ ثُمَّ خَلَّصَ بَيْنَهُمَا.

وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدِيٌّ وَبَسْبَسٌ فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرَاهُ بِمَا سَمِعَا، وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى تَقَدَّمَ الْعِيرَ حَذِرًا حَتَّى وَرَدَ الْمَاءَ.

فَقَالَ لِمَجْدِيِّ بْنِ عَمْرٍو: هَلْ أَحْسَسْتَ أَحَدًا؟ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أُنْكِرُهُ، إِلَّا أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ قَدْ أَنَاخَا إِلَى هَذَا التَّلِّ، ثُمَّ اسْتَقَيَا فِي شَنٍّ لَهُمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا، فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا فَفَتَّهُ فَإِذَا فِيهِ النَّوَى.

فَقَالَ: هَذِهِ وَاللَّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنِ الطَّرِيقِ فَسَاحَلَ بِهَا وَتَرَكَ بَدْرًا بِيَسَارٍ وَانْطَلَقَ حَتَّى أَسْرَعَ.

وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ، فَلَمَّا نَزَلُوا الْجُحْفَةَ رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رُؤْيَا.

فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، وَإِنِّي لَبَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حَتَّى وَقَفَ، وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ ثمَّ قَالَ: قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ،

وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فَعَدَّ رِجَالًا مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ ضَرَبَ فِي لَبَّةِ بَعِيرِهِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إِلَّا أَصَابَهُ نَضْحٌ مِنْ دَمِهِ.

فَبَلَغَتْ أَبَا جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ هَذَا أَيْضًا نَبِيٌّ آخَرُ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ سَيَعْلَمُ غَدًا مَنِ الْمَقْتُولُ إِنْ نَحْنُ الْتَقَيْنَا.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ، أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ: إِنَّكُمْ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، فَقَدْ نَجَّاهَا اللَّهُ فَارْجِعُوا، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلَّ عَامٍ فَنُقِيمَ عَلَيْهِ ثلاثاً فننحر الجزور، وَنُطْعِمَ الطَّعَامَ، وَنَسْقِيَ الْخَمْرَ وَتَعْزِفَ عَلَيْنَا الْقِيَانُ، وَتَسْمَعَ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا فَامْضُوا وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ

ص: 324

شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيُّ - وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ - وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ (1) : يَا بَنِي زُهْرَةَ قَدْ نَجَّى اللَّهُ لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَخَلَّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَإِنَّمَا نَفَرْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ، فَاجْعَلُوا بِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِأَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ ضَيْعَةٍ (2) لَا مَا يَقُولُ هَذَا.

قَالَ فَرَجَعُوا فَلَمْ يَشْهَدْهَا زُهْرِيٌّ وَاحِدٌ، أَطَاعُوهُ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَقَدْ نَفَرَ مِنْهُمْ نَاسٌ إِلَّا بَنِي عَدِيٍّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ مَعَ الْأَخْنَسِ فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنْ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ أَحَدٌ (3) .

قَالَ: وَمَضَى الْقَوْمُ وَكَانَ بَيْنَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (4) - وَكَانَ فِي الْقَوْمِ - وَبَيْنَ بَعْضِ قُرَيْشٍ مُحَاوَرَةٌ.

فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْنَا يَا بَنِي هَاشِمٍ - وَإِنْ خَرَجْتُمْ مَعَنَا - أَنَّ هَوَاكُمْ مَعَ مُحَمَّدٍ، فَرَجَعَ طَالِبٌ إِلَى مَكَّةَ مَعَ مَنْ رَجَعَ.

وَقَالَ في ذلك: لا هُمَّ إِمَّا يغزوَنَّ طَالِبْ * فِي عُصْبَةٍ محالفٍ مُحَارِبْ (5) فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبْ * فَلْيَكُنِ الْمَسْلُوبُ غَيْرَ السَّالِبْ (6) وَلِيَكُنِ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوَادِي، خَلْفَ الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ يَلْيَلُ، بَيْنَ بَدْرٍ وَبَيْنَ الْعَقَنْقَلِ، الْكَثِيبِ الَّذِي خَلْفَهُ قُرَيْشٌ، وَالْقَلِيبُ بِبَدْرٍ فِي

الْعُدْوَةِ الدُّنْيَا مِنْ بَطْنِ يَلْيَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

قُلْتُ: وَفِي هَذَا قَالَ تَعَالَى: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أَيْ مِنْ نَاحِيَةِ السَّاحِلِ (وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً) الآيات [الأنفال: 42] .

وَبَعَثَ اللَّهُ السَّمَاءَ وَكَانَ الْوَادِي دَهْسًا (7) فَأَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1) الجحفة: كانت قرية كبيرة على طريق المدينة، من مكة على أربع مراحل (معجم البلدان 3 / 62) .

(2)

في السيرة الحلبية وفي الواقدي: في غير منفعة.

(3)

في الواقدي: وكانوا مائة، والاثبت أقل من مائة.

وأما بنو عدي فرجعوا من الطريق، وقيل من مر الظهران.

وقال ابن سعد: كانت بنو عدي بن كعب مع النفير فلما بلغوا ثنية لفت عدلوا في السحر إلى الساحل منصرفين إلى مكة.

(4)

في رواية للطبري عن ابن الكلبي أن طالب أخرج كرها مع المشركين.

وأنه رجع إلى مكة فيمن رجع قبل بدر.

ج 2 / 276.

وفي رواية لابن الاثير والطبري: أنه لم يوجد في الاسرى ولا في القتلى ولا فيمن رجع إلى مكة.

(5)

في رواية ابن عقبة: إما يخرجن طالب * في نفر مقاتل محارب وفي الطبري الشطر الاول: يا رب إما يغزوَنَّ طالب (6) مقنب: المقنب الجماعة من الخيل، نحو ثلاثمائة.

(7)

الدهس: كل مكان لين لم يبلغ أن يكون رملا.

(*)

ص: 325

وأصحابه منها ماء لبدلهم الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ السَّيْرِ، وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَاءٌ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ.

قُلْتُ وَفِي هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)[الأنفال: 12] فَذَكَرَ أَنَّهُ طَهَّرَهُمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا،

وَأَنَّهُ ثبَّت أَقْدَامَهُمْ وَشَجَّعَ قُلُوبَهُمْ وَأَذْهَبَ عنهم تخذيل الشيطان وتخويفه للنفوس ووسوسته الخواطر، وَهَذَا تَثْبِيتُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَأَنْزَلَ النَّصْرَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ فِي قَوْلِهِ:(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ)[الانفال: 13] أي على الرؤوس (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) أَيْ لِئَلَّا يَسْتَمْسِكَ مِنْهُمُ السِّلَاحُ (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العقاب، ذلكم فذقوه وأن للكافرين عذاب النار)[الْأَنْفَالِ: 14] .

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ ثَنَا إِسْرَائِيلُ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

قَالَ: أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنَ الْمَطَرِ - يَعْنِي اللَّيْلَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي صَبِيحَتِهَا وَقْعَةُ بَدْرٍ - فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي قَائِمًا يُصَلِّي - وَحَرَّضَ عَلَى الْقِتَالِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيٍّ (1) .

قَالَ: مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يوم بدر إلا الْمِقْدَادِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ، وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا.

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ غُنْدُرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ (2) : وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ فَأَطْفَأَ بِهِ الْغُبَارَ وَتَلَبَّدَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ وَثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ.

قُلْتُ: وَكَانَتْ لَيْلَةُ بَدْرٍ لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ بَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي إِلَى جِذْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ، وَيُكْثِرُ فِي سُجُودِهِ أَنْ يَقُولَ " يَا حَيَّ يَا قَيُّومَ " يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَيُلِظُّ بِهِ عليه السلام.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ بِهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحُدِّثْتُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحُبَابَ بْنَ منذر بْنِ الْجَمُوحِ.

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أن نتقدمه ولا نتأخر

(1) تاريخ الطبري: 2 / 269.

(2)

أخرجه النسائي في السنن الكبرى، في الصلاة، عن محمد بن المثنى، عن محمد، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ تحفة الاشراف 7 / 357 (*)

ص: 326

عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ.

قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فإنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ فَامْضِ بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ، ثُمَّ نُغَوِّرَ (1) مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقُلُبِ، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه مَاءً ثُمَّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ ".

قَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: وَزَعَمَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عبَّاس.

قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يجمع الأقماص (2) وجبريل عن يمينه إذا أَتَاهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " هُوَ السَّلَامُ وَمِنْهُ السَّلَامُ وَإِلَيْهِ السَّلَامُ " فَقَالَ الْمَلَكُ (3) إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ إِنَّ الْأَمْرَ [هُوَ] الَّذِي أَمَرَكَ بِهِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا جِبْرِيلُ هَلْ تَعْرِفُ هَذَا؟ فَقَالَ مَا كُلَّ أَهْلِ السَّمَاءِ أَعْرِفُ وَإِنَّهُ لَصَادِقٌ وَمَا هُوَ بِشَيْطَانٍ فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ فَسَارَ حَتَّى أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أمر بالقلب فعورت، وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً ثُمَّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ.

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ لَمَّا أَشَارَ بِمَا أَشَارَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ وَجِبْرِيلُ عِنْدَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ الْمَلَكُ يَا مُحَمَّدُ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلام وَيَقُولُ لَكَ إِنْ الرَّأْيَ مَا أَشَارَ بِهِ الْحُبَابُ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيلَ فَقَالَ لَيْسَ كُلُّ الْمَلَائِكَةِ أَعْرِفُهُمْ وَإِنَّهُ مَلَكٌ وَلَيْسَ بِشَيْطَانٍ.

وَذَكَرَ الْأُمَوِيُّ (4) أَنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى الْقَلِيبِ الَّذِي يَلِي الْمُشْرِكِينَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَأَنَّهُمْ نَزَلُوا فِيهِ وَاسْتَقَوْا منه وملؤا الْحِيَاضَ حَتَّى أَصْبَحَتْ مِلَاءً وَلَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ مَاءٌ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ.

قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَّا نَبْنِيَ لَكَ عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ وَنُعِدُّ عِنْدَكَ رَكَائِبَكَ، ثُمَّ نَلْقَى عَدُوَّنَا فَإِنْ أَعَزَّنَا اللَّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى، جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا

مِنْ قَوْمِنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ ما نحن بأشد حبالك مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ اللَّهُ بِهِمْ يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَكَ.

فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ، ثُمَّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرِيشٌ كَانَ فِيهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ فَأَقْبَلَتْ، فلمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1) كَذَا في الاصل وابن هشام والواقدي نغور: نفسد قاله أبو ذر في شرح السيرة، وفي ابن سعد وكامل ابن الاثير نعور: أي ندفن.

(2)

كذا في الاصل، ولم نعثر في أي من الكتب التي بأيدينا على هذا النص، ولعلها الاقباص: جمع قبص والقبص الجماعة من الناس.

(3)

في ابن سعد: أن جبريل نزل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: الرأي ما أشار به الحباب.

(4)

أنظر دلائل البيهقي ج 3 / 110.

(*)

ص: 327

تصوب من العقنقل - وهو الكثيب الذي جاؤا مِنْهُ إِلَى الْوَادِي - قَالَ: " اللَّهم هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا تَحَادُّكَ (1) وتكذِّب رَسُولَكَ اللَّهم فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ أَحِنْهُمُ (2) الْغَدَاةَ ".

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَأَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ " إِنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ " إِنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا قَالَ: وَقَدْ كَانَ خُفَافُ بْنُ إِيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ أَوْ أَبُوهُ إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ، بَعَثَ إِلَى قُرَيْشٍ ابْنًا لَهُ بِجَزَائِرَ أَهْدَاهَا لَهُمْ.

وَقَالَ: " إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نَمُدَّكُمْ بِسِلَاحٍ وَرِجَالٍ فَعَلْنَا " قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ أَنْ وَصَلَتْكَ رَحِمٌ، وَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ، فَلَعَمْرِي إِنْ كُنَّا إِنَّمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ مَا بِنَا ضَعْفٌ عَنْهُمْ، وَإِنْ كُنَّا إِنَّمَا نُقَاتِلُ اللَّهَ، كَمَا يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ فَمَا لِأَحَدٍ بِاللَّهِ مِنْ طَاقَةٍ.

قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ النَّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَعُوهُمْ فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يومئذٍ إِلَّا قُتِلَ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ فَكَانَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ قَالَ لَا وَالَّذِي نَجَّانِي يَوْمَ بَدْرٍ.

قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ نَعْقِدُهُ بَعْدَ الْوَقْعَةِ، وَنَذْكُرُ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ.

قَالَ: كنَّا نَتَحَدَّثُ أنَّ أصحاب بدر ثلثمائة ويضع عشرة عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ، وَمَا جَاوَزَهُ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ (3) .

وَلِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْهُ.

قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا على ستين، والأنصار نيفاً وأربعون ومائتان (4) .

وروى الإمام أحمد: عن نصر بن رئاب عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَدْرٍ ثلثمائة وثلاثة عشر، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ سِتَّةً وَسَبْعِينَ وَكَانَ هَزِيمَةُ أَهْلِ بدر لسبع عشرة مضين من شهر رمضان يوم الجمعة.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ)[الأنفال: 43] الْآيَةَ.

وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَقِيلَ إِنَّهُ نَامَ فِي الْعَرِيشِ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ، فَدَنَا الْقَوْمُ مِنْهُمْ فَجَعَلَ الصِّدِّيقُ يُوقِظُهُ وَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَنَوْا مِنَّا فَاسْتَيْقِظْ، وَقَدْ أَرَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُمْ فِي مَنَامِهِ قَلِيلًا.

ذَكَرَهُ الْأُمَوِيُّ (5) وَهُوَ غريب جداً.

وقال تعالى:

(1) تحادك: تعاديك.

(2)

أحنهم: أي أهلكهم.

(3)

أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 6 باب عدة أصحاب بدر ح 3959 وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجهاد عن أبي عامر العقدي.

(4)

رواه البخاري من طريقين فتح الباري 64 كتاب المغازي 6 باب ح 3958، 7 / 290 عن مسلم بن إبراهيم، وعن ابن أبي شيبة فتح الباري 7 / 391.

(5)

نقله البيهقي في الدلائل 3 / 113.

(*)

ص: 328

(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً)[الأنفال: 44] .

فَعِنْدَمَا تَقَابَلَ الْفَرِيقَانِ قَلَّلَ اللَّهُ كُلًّا مِنْهُمَا فِي أَعْيُنِ الْآخَرِينَ لِيَجْتَرِئَ هَؤُلَاءِ عَلَى

هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ، وَلَيْسَ هَذَا معارض لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ:(قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ) فَإِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْفِرْقَةَ الْكَافِرَةَ تَرَى الْفِرْقَةَ الْمُؤْمِنَةَ مِثْلَيْ عَدَدِ الْكَافِرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا، وَذَلِكَ عِنْدَ التحام الحرب والمسابقة (1) أَوْقَعَ اللَّهُ الْوَهَنَ وَالرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَاسْتَدْرَجَهُمْ أَوَّلًا بِأَنْ أَرَاهُمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ قَلِيلًا، ثُمَّ أَيَّدَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِ فَجَعَلَهُمْ فِي أَعْيُنِ الْكَافِرِينَ عَلَى الضِّعْفِ مِنْهُمْ حَتَّى وَهَنُوا وَضَعُفُوا وَغُلِبُوا.

وَلِهَذَا قَالَ: (وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) .

قَالَ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عبيد (2) وعبد الله [قال] : لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي أَتَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ فَقَالَ أَرَاهُمْ مِائَةً.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: لَمَّا اطْمَأَنَّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ فَقَالُوا: احْزُرْ لَنَا الْقَوْمَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، قَالَ فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ثَلَاثُمِائَةِ (3) رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا، أَوْ يَنْقُصُونَ وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتَّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ.

قَالَ: فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَبْعَدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ الْبَلَايَا (4) تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحَ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النَّاقِعَ قَوْمٌ لَيْسَ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إِلَّا سُيُوفُهُمْ، وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بعد ذلك فروا رأيكم [يا معشر قريش](5) ؟ فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النَّاسِ، فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، وَالْمُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ قَالَ وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ تَرْجِعُ بِالنَّاسِ وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِكَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.

أَنْتَ عليَّ بِذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ حَلِيفِي فعليَّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ.

فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيَّةِ (6) - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - فَإِنِّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ (7) أَمْرَ النَّاسِ غيره، ثم قام عتبة

(1) في الاصل: السابقة وهو تحريف.

(2)

في دلائل البيهقي ج 3 / 67: أبي عبيد.

(3)

في رواية البيهقيّ: عنه: ثلاثمائة وخمسون.

(4)

البلايا: جمع بلية، قيل هي الناقة أو الدابة تربط على قبر الميت فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت.

وفي ابن الاثير: الولايا وهي جمع ولية: البرذعة.

(5)

من دلائل البيهقي 3 / 65 والخبر في سيرة ابن هشام 2 / 274 وكامل ابن الاثير 2 / 123.

(6)

قال ابن هشام: الحنظلية أم أبي جهل، وهي أسماء بنت مخربة أحد بني نهشل بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ = (*)

ص: 329

خَطِيبًا فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلْقَوْا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا، وَاللَّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ، قَتَلَ ابْنَ عَمِّهِ - أَوِ ابْنَ خَالِهِ - أَوْ رَجُلًا من عشيرته فارجوا وَخَلُّوا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعَرَّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ.

قَالَ حَكِيمٌ: فَانْطَلَقْتُ حتَّى جِئْتُ أَبَا جَهْلٍ، فوجدته قد نثل درعاً فَهُوَ يُهَنِّئُهَا (1) فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا الْحَكَمِ إِنَّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ بِكَذَا وَكَذَا.

فَقَالَ: انْتَفَخَ وَاللَّهِ سِحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَلَا وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةَ جَزُورٍ، وَفِيهِمُ ابْنُهُ فَقَدْ تَخَوَّفَكُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ.

فَقَالَ: هَذَا حَلِيفُكَ يُرِيدُ أن يرجع الناس، وَقَدْ رَأَيْتُ ثَأْرَكَ بِعَيْنِكَ فَقُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ وَمَقْتَلَ أَخِيكَ، فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فَاكْتَشَفَ ثُمَّ صَرَخَ: وَاعَمْرَاهُ وَاعَمْرَاهُ.

قَالَ: فَحَمِيَتِ الْحَرْبُ وَحَقِبَ أَمْرُ النَّاسِ وَاسْتَوْثَقُوا (2) عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ وَأَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ الرَّأْيَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ عُتْبَةُ.

فَلَمَّا بَلَغَ عُتْبَةُ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ انْتَفَخَ وَاللَّهِ سِحْرُهُ قَالَ: سَيَعْلَمُ مُصَفِّرُ اسْتِهِ مَنِ انْتَفَخَ سِحْرُهُ أَنَا أَمْ هُوَ، ثُمَّ الْتَمَسَ عُتْبَةُ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعَهُ مِنْ عِظَمِ رَأْسِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ عَلَى رَأْسِهِ بِبُرْدٍ لَهُ (3) .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ: مِنْ طَرِيقِ مُسَوَّرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَرْبُوعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ إِذْ دَخَلَ حَاجِبُهُ فَقَالَ: حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَسْتَأْذِنُ،

قَالَ: ائْذَنْ لَهُ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: مَرْحَبًا يَا أَبَا خَالِدٍ ادْنُ، فَحَالَ عَنْ صَدْرِ الْمَجْلِسِ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوِسَادَةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ: حَدِّثْنَا حَدِيثَ بَدْرٍ.

فَقَالَ: خَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْجُحْفَةِ رَجَعَتْ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بِأَسْرِهَا فَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْ مُشْرِكِيهِمْ بَدْرًا، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى نَزَلْنَا الْعُدْوَةَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، فَجِئْتُ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فَقُلْتُ يَا أَبَا الْوَلِيدِ هَلْ لَكَ فِي أَنْ تَذْهَبَ بِشَرَفِ هَذَا الْيَوْمَ مَا بَقِيتَ؟ قَالَ أَفْعَلُ مَاذَا؟ قُلْتُ إِنَّكُمْ لَا تَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَّا دَمَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَهُوَ حَلِيفُكَ، فَتَحَمَّلْ بِدِيَتِهِ وَيَرْجِعُ النَّاسُ.

فَقَالَ أَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ وَاذْهَبْ إِلَى ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - فَقُلْ لَهُ هَلْ لَكَ أَنْ تَرْجِعَ الْيَوْمَ بِمَنْ مَعَكَ عَنِ ابْنِ عَمِّكَ؟ فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَإِذَا ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ: فَسَخْتُ عَقْدِي مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ، وَعَقْدِي الْيَوْمَ إِلَى بَنِي مَخْزُومٍ فَقُلْتُ لَهُ: يَقُولُ لَكَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ هَلْ لَكَ أَنْ تَرْجِعَ اليوم بِمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ أَمَا وَجَدَ رَسُولًا غَيْرَكَ؟ قُلْتُ: لَا! وَلَمْ أَكُنْ لِأَكُونَ رَسُولًا لِغَيْرِهِ.

قال حكيم: فخرجت مبادرا إلى

= مالك بن زيد بن مناة بن تميم.

(7)

من ابن هشام وفي الاصل: يسجر.

(1)

يهنها: أي يتفقدها قاله أبو ذر.

وفي الكامل لابن الاثير: يهيئها: يتفقدها ويصلحها (2) في ابن هشام: استوسقوا: اجتمع أمرهم.

(3)

سيرة ابن هشام 2 / 275 والبيهقي في الدلائل 3 / 65 وابن الاثير 2 / 124.

(*)

ص: 330

عتبة لئلا يفوتني من الخبر شئ وَعُتْبَةُ مُتَّكِئٌ عَلَى إِيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيِّ، وقد أهدى إلى المشركين عشرة جزائر.

فطلع أبو جهل الشر فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لِعُتْبَةَ: انْتَفَخَ سِحْرُكَ؟ فَقَالَ لَهُ عُتْبَةُ: سَتَعْلَمُ، فسلَّ أَبُو جَهْلٍ سَيْفَهُ فَضَرَبَ بِهِ مَتْنَ فَرَسِهِ، فَقَالَ إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ بِئْسَ الْفَأْلُ هَذَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَامَتِ الْحَرْبُ (1) .

وَقَدْ صَفَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ وعباهم أحسن تعبية فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.

قَالَ: صَفَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ لَيْلًا.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ أَسْلَمَ أَبَا عِمْرَانَ حَدَّثَهُ أنه سمع أبا أيوب يقول: صَفَّنَا

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ فَبَدَرَتْ مِنَّا بَادِرَةٌ أَمَامَ الصَّفِّ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" مَعِي مَعِي " تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حَبَّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَدَّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ يُعَدِّلُ بِهِ الْقَوْمَ، فمرَّ بِسَوَادِ بن غزية حليف بني عدي ابن النَّجَّارِ وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنَ الصَّفِّ، فَطَعَنَ فِي بطنه بالقدح وقال " استويا سَوَادُ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْجَعْتَنِي، وَقَدْ بَعَثَكَ اللَّهُ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، فَأَقِدْنِي فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَطْنِهِ فَقَالَ: اسْتَقِدْ، قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَ بَطْنَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا سَوَادُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِكَ أَنْ يمسَّ جلدي جلدك، فدعا له رسول الله بخير صلى الله عليه وسلم وَقَالَهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّ عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ - وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُ الرَّبَّ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ: " غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوِّ حَاسِرًا " فَنَزَعَ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا، ثُمَّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ رضي الله عنه.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ عَدَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّفُوفَ وَرَجَعَ إِلَى الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَغَيْرُهُ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه وَاقِفًا عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ وَمَعَهُ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَدْهَمَهُ الْعَدُوُّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْجَنَائِبُ النَّجَائِبُ مُهَيَّأَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ احْتَاجَ إِلَيْهَا رَكِبَهَا وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا أَشَارَ بِهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ.

وَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَشْجَعُ النَّاس؟ فَقَالُوا أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ أَمَا إِنِّي مَا بَارَزَنِي أَحَدٌ إِلَّا انْتَصَفْتُ مِنْهُ، وَلَكِنْ هُوَ أَبُو بَكْرٍ، إِنَّا جَعَلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرِيشًا فَقُلْنَا مَنْ يَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِئَلَّا يَهْوِي إِلَيْهِ أَحَدٌ من المشركين، فَوَاللَّهِ مَا دَنَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ شَاهِرًا بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَهْوِي إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا أَهْوَى إِلَيْهِ فَهَذَا أَشْجَعُ النَّاسِ.

قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش فهذا يحاده، وَهَذَا يُتَلْتِلُهُ وَيَقُولُونَ أَنْتَ جَعَلْتَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً فَوَاللَّهِ مَا دَنَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا أبو بكر يضرب ويجاهد هَذَا وَيُتَلْتِلُ هَذَا وَهُوَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ثم

(1) تاريخ الطبري ج 2 / 278.

(*)

ص: 331

رَفَعَ عَلِيٌّ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَبَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: فَوَاللَّهِ لَسَاعَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ مَلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، ذَاكَ رَجُلٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ وَهَذَا رَجُلٌ أَعْلَنَ إِيمَانَهُ.

ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

فَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ للصديق حيث هو مع الرسول فِي الْعَرِيشِ كَمَا كَانَ مَعَهُ فِي الْغَارِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ.

وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ الِابْتِهَالَ وَالتَّضَرُّعَ وَالدُّعَاءَ وَيَقُولُ فِيمَا يَدْعُو بِهِ " اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنَّ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ بَعْدَهَا فِي الْأَرْضِ " وَجَعَلَ يهتف بربه عزوجل وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ أَنْجِزَ لِي مَا وَعَدْتِنِي، اللَّهُمَّ نَصْرَكَ " وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى سَقَطَ الرِّدَاءُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ.

وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَلْتَزِمُهُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُسَوِّي عَلَيْهِ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ مُشْفِقًا عَلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الِابْتِهَالِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ.

هَكَذَا حَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ قَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ الصِّدِّيقَ إِنَّمَا قَالَ بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ مِنْ بَابِ الْإِشْفَاقِ لِمَا رَأَى مِنْ نَصَبِهِ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ حَتَّى سَقَطَ الرِّدَاءُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَقَالَ: بَعْضَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْ لِمَ تُتْعِبُ نَفْسَكَ هَذَا التَّعَبَ وَاللَّهُ قَدْ وَعَدَكَ بِالنَّصْرِ، وَكَانَ رضي الله عنه رَقِيقَ الْقَلْبِ شَدِيدَ الْإِشْفَاقِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ بأنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَقَامِ الْخَوْفِ وَالصِّدِّيقُ فِي مَقَامِ الرَّجَاءِ وَكَانَ مَقَامُ الْخَوْفِ فِي هَذَا الْوَقْتِ - يَعْنِي أَكْمَلَ - قَالَ لِأَنَّ لِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ فَخَافَ أَنْ لَا يُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَهَا، فَخَوْفُهُ ذَلِكَ عِبَادَةٌ.

قُلْتُ وأمَّا قَوْلُ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ إِنَّ هَذَا الْمَقَامَ فِي مُقَابَلَةِ مَا كَانَ يَوْمَ الْغَارِ فَهُوَ قَوْلٌ مردود على قائله إذ لم يتذكر هَذَا الْقَائِلُ عَوَرَ مَا قَالَ وَلَا لَازِمَهُ وَلَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

هَذَا وَقَدْ تَوَاجَهَ الْفِئَتَانِ وَتَقَابَلَ الْفَرِيقَانِ وَحَضَرَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ وَاسْتَغَاثَ بِرَبِّهِ سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ وَضَجَّ الصَّحَابَةُ بِصُنُوفِ الدُّعَاءِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ والسَّماء سَامِعِ الدُّعَاءِ وَكَاشِفِ الْبَلَاءِ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيَّ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَجُلًا

شرساً سئ الْخُلُقِ فَقَالَ: أُعَاهِدُ اللَّهَ لَأَشْرَبَنَّ مِنْ حَوْضِهِمْ أَوْ لَأَهْدِمَنَّهُ أَوْ لَأَمُوتَنَّ دُونَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنَّ (1) قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُوَ دُونَ الْحَوْضِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخُبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ حَبَا إِلَى الْحَوْضِ حَتَّى اقْتَحَمَ فِيهِ يُرِيدُ - زَعَمَ - أَنْ تبر يَمِينَهُ (2) وَاتَّبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ.

قَالَ الْأُمَوِيُّ: فَحَمِيَ عِنْدَ ذَلِكَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ شَجَاعَتَهُ، فَبَرَزَ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا تَوَسَّطُوا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ دَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فتية من الأنصار ثلاثة وهم عوف ومعاذ ابنا الحارث وأمهما عفراء،

(1) أطن: أطار (شرح أبي ذر) .

(2)

في الواقدي: زحف الاسود حتى وقع في الحوض فهدمه برجله الصحيحة، وشرب منه.

وقال موسى بن عقبة في روايته: فأقبل يحبو حتى وقع في جوف الحوض فهدم منه واتبعه حمزة حتى قتله (أنظر دلائل البيهقي 3 / 113 - مغازي الواقدي 1 / 68) .

(*)

ص: 332

وَالثَّالِثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ (1) - فِيمَا قِيلَ - فَقَالُوا مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ.

فقالوا مالنا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالُوا: أَكْفَاءٌ كِرَامٌ وَلَكِنْ أَخْرِجُوا إِلَيْنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا، وَنَادَى مُنَادِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " قُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عَلِيُّ " وَعِنْدَ الْأُمَوِيِّ أَنَّ النَّفَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمَّا خَرَجُوا كَرِهَ (2) ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَوْقِفٍ وَاجَهَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْدَاءَهُ فَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ وَأَمَرَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةَ بِالْخُرُوجِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا مَنْ أَنْتُمْ؟ - وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُمْ كَانُوا مُلَبَّسِينَ لَا يُعْرَفُونَ مِنَ السِّلَاحِ - فَقَالَ عُبَيْدَةُ: عُبَيْدَةُ، وَقَالَ حَمْزَةُ: حَمْزَةُ، وقال علي: علي.

قالوا نعم! كفاء كِرَامٌ.

فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنَّ الْقَوْمِ، عُتْبَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ.

فَأَمَّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَمْ يُمْهِلِ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ، وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا بِضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ، وكرَّ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفَّفَا عَلَيْهِ، وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا

فَحَازَاهُ إِلَى أصحابهما (3) رضي الله عنه.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في ربهم)[الحج: 19] نزلت في حمزة وصاحبه، وعتبة وصاحبه يَوْمَ بَرَزُوا فِي بَدْرٍ (4) .

هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا حجَّاج بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبِي ثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ عزوجل فِي الْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ قَيْسٌ: وَفِيهِمْ نزلت: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في ربهم) قَالَ هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ (5) .

وَقَدْ أَوْسَعْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ.

قَالَ: بَرَزَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَالْوَلِيدُ وَبَرَزَ إِلَيْهِمْ حَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ وَعَلِيٌّ.

فَقَالُوا تَكَلَّمُوا نَعْرِفْكُمْ.

فَقَالَ حَمْزَةُ: أَنَا أسد الله وأسد رسول الله أنا حمزة بن عبد المطلب.

فقال كفؤ

(1) قال الواقدي: الثبت عندنا، بنو عفراء الثلاثة: معاذ ومعوذ وعوف.

(2)

في الواقدي وابن سعد: استحيى من ذلك.

(3)

في ابن هشام: إلى أصحابه.

وقال ابن الأثير في تاريخه: وقد قطعت رجله، فلما أَتَوْا بِهِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ألست شهيدا يا رسول الله؟ قال: بلى.

(4)

أخرجه البخاري في كتاب التفسير 3 باب (هذان خصمان..) فتح الباري 8 / 443.

(5)

أخرجه البخاري عن محمد بن عبد الله الرقاشي عن معتمر في كتاب المغازي باب قتل أبي جهل.

(*)

ص: 333

كَرِيمٌ.

وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رسول الله، وَقَالَ عُبَيْدَةُ: أَنَا الَّذِي فِي الْحُلَفَاءِ (1) ، فَقَامَ كُلُّ رَجُلٍ إِلَى رَجُلٍ فَقَاتَلُوهُمْ فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ.

فقالت هند [بنت عتبة] في ذلك: أعيني جودي بِدَمْعٍ سَرِبْ * عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ (2)

تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً * بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبْ يُذِيقُونَهُ حَدَّ أَسْيَافِهِمْ * يَعُلُّونَهُ بعدُ مَا قَدْ عطب (3) ولها نَذَرَتْ هِنْدُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ كَبِدِ حَمْزَةَ.

قُلْتُ: وَعُبَيْدَةُ هَذَا هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ المطلب بن عبد مناف ولما جاؤا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَضْجَعُوهُ إِلَى جَانِبِ مَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأشرفه (4) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدَمَهُ فَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى قَدَمِهِ الشَّرِيفَةِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَآنِي أَبُو طَالِبٍ لَعَلِمَ أني أحق بقوله: ونسلمه حتى نصرع دونه * وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ (5) ثُمَّ مَاتَ رضي الله عنه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَشْهَدُ أَنَّكَ شَهِيدٌ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله.

وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَعْرَكَةِ مِهْجَعٌ (6) مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رُمِيَ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قُتِلَ، ثُمَّ رُمِيَ بَعْدَهُ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَهُوَ يَشْرَبُ مِنَ الْحَوْضِ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ نَحْرَهُ فَمَاتَ.

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ حارثة بن سراقة قتل

(1) في الواقدي: وقال عتبة: وأنا أسد الحلفاء..يعني بالحلفاء الاجمة.

علق ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3 / 334 قال: قد رويت هذه الكلمة على صيغة أخرى " وأنا أسد الحلفاء " وروى " وأنا أسد الاحلاف " أراد أنه سيد حلف المطيبين.

ورد قوم هذا التأويل فقالوا: إن المطيبين لم يكن يقال لهم الحلفاء ولا الاحلاف، وإنما ذلك لقب خصومهم وأعدائهم.

وقال قوم: إنما عنى حلف الفضول وكان بعد حلف المطيبين، بزمان وهذا التفسير بعيد وغير صحيح لان بني عبد شمس لم يكونوا في حلف الفضول.

فقد بان أن ما ذكره الواقد أصح وأنبت.

(2)

في رواية البيهقيّ: أيا عيني بدل أعيني.

(3)

البيت في رواية ابن عقبة: يذيقونه حر أسيافهم.

يعلونه بعدُ ما قَدْ ضرب (4) في السيرة الحلبية وانسان العيون: فأفرشه.

(5)

في الواقدي وابن الاثير: حوله بدلا من دونه.

وقبله في الواقدي: كذبتم وبيت الله نخلى محمداً * ولما نطاعن دونه ونناظل (6) في ابن سعد: قتله عامر بن الحضرمي.

وكان حارثة أول قتيل من الانصار قتله حبان العرقة.

ويقال عمير بن الحمام وقد قتله خالد بن الاعلم العقيلي.

وفي رواية ابن عقبة ان عمير أول قتيل قتل (دلائل البيهقي 3 / 113 - ابن سعد 2 / 12، ابن الاثير 2 / 126.

(*)

ص: 334

يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ فِي النَّظَّارَةِ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ حَارِثَةَ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِلَّا فَلَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ - يَعْنِي مِنَ النِّيَاحِ - وَكَانَتْ لَمْ تُحَرَّمْ بَعْدُ.

فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَيْحَكَ أَهَبِلْتِ، إِنَّهَا جِنَانٌ ثَمَانٍ وَإِنَّ ابْنَكَ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى ".

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ تَزَاحَفَ النَّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.

وقد (1) أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتَّى يَأْمُرَهُمْ، وَقَالَ إِنِ اكْتَنَفَكُمُ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنَّبْلِ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ.

قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ إِذَا أَكْثَبُوكُمْ - يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ (2) .

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ (3) إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.

قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ بَدْرٍ يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار الأوس يا بني عبيد الله، وسمى خيله خيل الله.

قال ابن هشام: كان شِعَارُ الصَّحَابَةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدٌ أَحَدٌ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَرِيشِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يعني وهو يستغيث الله عزوجل - كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بشرى لكم وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 9 - 10] .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قُرَادٌ، ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ

بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَيِّفٌ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ وَزِيَادَةٌ فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ ثُمَّ قَالَ:" اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنَّ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا تُعْبَدُ بَعْدُ فِي الْأَرْضِ أبداً " فما زال يستغيث بربه وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ.

فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَرَدَّهُ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَفَاكَ (4) مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)[الأنفال: 9] وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي (5) وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ

(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 10 باب فتح الباري 7 / 306 وأخرجه أبو داود في الجهاد وأحمد في مسنده 3 / 498.

(2)

من دلائل البيهقي، وفي الاصل أبي وهو تحريف.

وفيه: ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عروة عن عروة بن الزبير.

(3)

من ابن هشام، وفي الاصل: وقال وهو تحريف.

(4)

في الاصل ورواية البيهقي: كذلك والتصحيح من مسند أحمد.

(5)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده: ج 1 / 30 ومسلم في كتاب الجهاد (32)(18) باب الامداد بالملائكة ح (58) ص 3 / 1383 والبيهقي في الدلائل 3 / 51.

(*)

ص: 335

وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ الْيَمَانِيِّ وَصَحَّحَهُ عَلِيُّ ابن الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ ابن عباس والسدي وابن جرير وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي دُعَاءِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأُمَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عَجُّوا إلى الله عزوجل في الاستغانة بِجَنَابِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:(بِأَلْفٍ مِنَ الملائكة مردفين) أَيْ رِدْفًا لَكُمْ وَمَدَدًا لِفِئَتِكُمْ رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ.

وَقَالَ أَبُو كدينة عن قابوس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (مُرْدِفِينَ) وَرَاءَ كُلِّ مَلَكٍ مَلَكٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ (مُرْدِفِينَ) بَعْضُهُمْ عَلَى أَثَرِ بَعْضٍ وَكَذَا قَالَ أَبُو ظَبْيَانَ وَالضَّحَاكُ وَقَتَادَةُ.

وَقَدْ رَوَى

عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَأَمَدَّ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَكَانَ جِبْرِيلُ فِي خَمْسِمِائَةِ مُجَنِّبَةٍ، وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنِّبَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهري، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعُزَيْزِ بن عمران عن الربعي، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ.

قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ فِي أَلْفٍ من الملائكة على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيهما أَبُو بَكْرٍ، وَنَزَلَ مِيكَائِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الملائكة على مَيْسَرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي الْمَيْسَرَةِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ فَزَادَ: وَنَزَلَ إِسْرَافِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ طَعَنَ يومئذٍ بِالْحَرْبَةِ حَتَّى اخْتَضَبَتْ إِبِطُهُ مِنَ الدِّمَاءِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ نَزَلَتْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا غَرِيبٌ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَقْوَالِ وَيُؤَيِّدُهَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدَفِينَ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ (1) بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، حدَّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَوْهَبٍ، أخبرني إسماعيل بن عوف (2) بن عبد اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ [عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه] (3) قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَاتَلْتُ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، ثُمَّ جِئْتُ مُسْرِعًا لِأَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا فَعَلَ، قَالَ: فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ " لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا فَرَجَعْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، فَذَهَبْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ (4) .

وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ المجيد أبي علي الحنفي.

وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.

قَالَ مَا سمعت مناشداً ينشد [حقاً له](5) أشد من مناشدة

(1) في البيهقي: عبد الله.

(2)

في البيهقي: إسماعيل بن عون عن عبيد الله، وفي ابن سعد: اسماعيل بن عون بن عبيد الله.

(3)

من البيهقي.

(4)

دلائل النبُّوة للبيهقي ج 3 / 49.

والخبر في طبقات ابن سعد 2 / 26.

(5)

من دلائل البيهقي ج 2 / 50.

(*)

ص: 336

مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ، جَعَلَ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ " ثُمَّ الْتَفَتَ وَكَأَنَّ شِقَّ وَجْهِهِ الْقَمَرُ.

وَقَالَ " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ عَشِيَّةً "(1) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِهِ.

وَقَالَ لَمَّا الْتَقَيْنَا يَوْمَ بَدْرٍ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا رَأَيْتُ مُنَاشِدًا يَنْشُدُ حَقًّا لَهُ أَشَدَّ مُنَاشَدَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وذكره.

وقد ثبت إخباره عليه السلام بمواضع مصارع رؤوس الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَمَا تقدَّم، وَسَيَأْتِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.

وَمُقْتَضَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ يَوْمَ الْوَقْعَةِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ، وَفِي الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ عَنْ أَنَسٍ وَعُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَلَا مَانِعَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ ذَلِكَ بِأَنْ يُخْبِرَ بِهِ قبل بِيَوْمٍ وَأَكْثَرَ، وَأَنْ يُخْبِرَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ يَوْمَ الْوَقْعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ (2) : مِنْ طُرُقٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ:" اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، الله إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا " فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ وَهُوَ يَقُولُ:(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)[القمر: 45 - 46] وهذه الآية مكية وقد جاء تصديقها يوم بدر كما رواه ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبي ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أيوب عن عكرمة قال لما نزلت:(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قَالَ عُمَرُ: أَيُّ جَمْعٍ يُهْزَمُ وَأَيُّ جَمْعٍ يُغْلَبُ؟ قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَثِبُ فِي الدِّرْعِ وَهُوَ يَقُولُ: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) فَعَرَفْتُ تَأْوِيلَهَا يومئذٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَانَ سَمِعَ عائشة تقول نزل على محمد بِمَكَّةَ - وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ - (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَاشِدُ رَبَّهُ مَا وَعَدَهُ مِنَ النَّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدُ " وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ

فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ، وَقَدْ خَفَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم [خَفْقَةً] (3) وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ:" أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ، هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ " يَعْنِي الْغُبَارَ.

قَالَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّاسِ فَحَرَّضَهُمْ.

وَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجنَّة " قال عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٌ يَأْكُلُهُنَّ: بخٍ بخٍ أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَنِي هؤلاء؟

(1) رواه البيهقي في الدلائل 3 / 50 ومسلم مطولا في 32 كتاب الجهاد (18) باب الامداد بالملائكة في غزوة بدر ح 58 وأحمد في مسنده 1 / 30 - 32.

(2)

في 65 كتاب التَّفسير - تفسير سورة القمر (5) باب قوله: (سيهزم الجمع) ح 4875 فتح الباري 8 / 619 وأخرجه في كتاب الجهاد.

باب: ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي كتاب المغازي باب: إذ تستغيثون ربكم.

(3)

من ابن إسحاق، وخفق: نام نوما سريعا.

(*)

ص: 337

قال: ثم قذف الثمرات مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ رحمه الله (1) .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هاشم بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.

قَالَ: بُعث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بسبساً (2) عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ، فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا أَدْرِي مَا اسْتَثْنَى مِنْ بَعْضِ نِسَائِهِ، قَالَ فحدثه الحديث.

قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَكَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّ لَنَا طَلِبَةً فَمَنْ كَانَ ظهره حاضر فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا " فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهُورِهِمْ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ قَالَ " لَا إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا " وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا يتقد من أحد منكم إلى شئ حتى أكون أنا دون " فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " قوموا إلى جنة عرضها السموات وَالْأَرْضُ " قَالَ: يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ يا رسول الله جنة عرضها السموات وَالْأَرْضُ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ بخٍ بخٍ؟ فَقَالَ رسول الله: " ما يحملك على قول بخٍ بخٍ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنَ أَهْلِهَا، قَالَ: فَإِنَّكَ مِنَ أَهْلِهَا " قَالَ فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ

فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ: لئن أنا حييت حتى آكل ثمراتي هَذِهِ إِنَّهَا حَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ فَرَمَى مَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ رحمه الله (3) .

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شيبة وَجَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سُلَيْمَانِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ (4) أَنَّ عُمَيْرًا قَاتَلَ وَهُوَ يَقُولُ رضي الله عنه: رَكْضًا إِلَى اللَّهِ بِغَيْرِ زَادِ * إِلَّا التُّقَى وَعَمَلِ الْمَعَادِ وَالصَّبْرِ فِي اللَّهِ عَلَى الْجِهَادِ * وَكُلُّ زَادٍ عُرْضَةُ النَّفَادِ غَيْرَ التُّقَى وَالْبِرِّ وَالرَّشَادِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدَّثنا حَجَّاجٌ، حدَّثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عن علي.

قال: لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتو يناها (5) وَأَصَابَنَا بِهَا وَعْكٌ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يتحيز (6) عَنْ بَدْرٍ فَلَمَّا بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَقْبَلُوا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بدر - وبدر

(1) الخبر في سيرة ابن هشام ج 2 / 279.

(2)

عند مسلم: بسيسة، وفي كتب السيرة بسبس وهو بسبس بن عمرو، ويقال ابن بشر من الانصاري.

قال النووي: يجوز أن يكون أحد اللفظين اسما له، والآخر لقبا.

(3)

ورواه البيهقي من طريق أبي النضر 3 / 68 ومسلم في 33 كتاب الامارة 41 باب ثبوت الجنة ح 145 ص 1509 وأبو داود مختصرا في كتاب الجهاد باب بعث العيون عن هارون بن عبد الله.

(4)

تاريخ الطبري ج 2 / 281.

(5)

اجتويناه: أصابنا الجوى، وهو المرض والتعب والارهاق، وقد أصاب بعض الصحابة مرض من جو المدينة بعد الهجرة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا للمدينة وأهلها.

(6)

في البيهقي: يتخبر: أي يتعرف.

(*)

ص: 338

بِئْرٌ - فَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا فَوَجَدْنَا فِيهَا رَجُلَيْنِ: رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي معيط فأما القرشي فانفلت، وأما المولى فوجدناه فَجَعَلْنَا نَقُولُ لَهُ كَمِ الْقَوْمُ؟ فَيَقُولُ هُمْ وَاللَّهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ

شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ حَتَّى انْتَهَوْا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ كَمِ الْقَوْمُ؟ قَالَ هُمْ وَاللَّهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ.

فَجَهِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخْبِرَهُ كَمْ هُمْ فَأَبَى ثُمَّ إِنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْجُزُرِ فَقَالَ عَشْرًا كُلَّ يَوْمٍ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " الْقَوْمُ أَلْفٌ، كُلُّ جَزُورٍ لِمِائَةٍ وَتَبَعِهَا "(1) ثُمَّ إِنَّهُ أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ (2) نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو رَبَّهُ وَيَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْفِئَةَ لَا تُعْبَدُ " فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى الصَّلَاةَ عِبَادَ اللَّهِ (3) فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وحرَّض عَلَى الْقِتَالِ ثُمَّ قَالَ " إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ تَحْتَ هَذِهِ الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ مِنَ الْجَبَلِ " فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" يَا علي ناد حَمْزَةَ " وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، فَجَاءَ حَمْزَةُ فَقَالَ: هُوَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهُوَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ وَيَقُولُ لهم يا قوم أعصبوها بِرَأْسِي وَقُولُوا جَبُنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ (4) .

فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ وَاللَّهِ لَوْ غيرك يقوله لا عضضته (5) قَدْ مَلَأَتْ رِئَتُكَ جَوْفَكَ رُعْبًا.

فَقَالَ: إِيَّايَ تعير يا مصفر استه (6) ؟ سيعلم الْيَوْمَ أَيُّنَا الْجَبَانُ فَبَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ حَمِيَّةً فَقَالُوا: مَنْ يُبَارِزُ فَخَرَجَ فتية من الأنصار مشببة فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن نبارز مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" قم يا حمزة، وقم يا علي، وَقُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ " فَقَتَلَ اللَّهُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ، وأسرنا سبعين وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأنصار بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسِيرًا، فَقَالَ العبَّاس: يا رسول الله والله إن هذا مَا أَسَرَنِي لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ مَا أُرَاهُ فِي الْقَوْمِ.

فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَقَالَ: " اسْكُتْ، فَقَدْ أَيَّدَكَ اللَّهُ بِمَلَكٍ كَرِيمٍ " قَالَ: فَأَسَرْنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْعَبَّاسَ وَعَقِيلًا وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ هَذَا سِيَاقٌ حَسَنٌ وَفِيهِ شَوَاهِدُ لِمَا تَقَدَّمَ ولما سيأتي.

(1) أخرجه أحمد في مسنده 1 / 86 و 126 و 1 / 156 دون ذكر بدر.

ورواه البيهقي من طريق الحسن بن محمد الزعفراني وفيه: أخذنا رجلين: أحدهما عربي والآخر مولى.

وروى ابن هشام بنحوه في السيرة 2 / 255 - 256.

(2)

في رواية البيهقيّ: والجحف.

(3)

في رواية البيهقيّ: الصلاة جامعة.

(4)

زاد البيهقي، يَا قَوْمِ إِنِّي أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير.

(5)

أي قلت له: أعضض بأير أبيك.

(6)

يا مصفر استه: قال في النهاية: رماه بالابنة، وانه كان يزعفر استه! وقيل كلمة تقال للمتنعم المترف الذي لم تحنكه التجارب.

(*)

ص: 339

وَقَدْ تَفَرَّدَ بِطُولِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (1) .

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بَعْضَهُ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ بِهِ، وَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَرِيشِ وحرَّض النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ وَالنَّاسُ على مصافهم صابرين ذاكرين الله كثير كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى آمِرًا لَهُمْ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً) الْآيَةَ [الْأَنْفَالِ: 45] .

وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.

قَالَ: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَ يُقَالُ قَلَّمَا ثَبَتَ قَوْمٌ قِيَامًا، فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْلِسَ أَوْ يَغُضَّ طَرْفَهُ وَيَذْكُرَ اللَّهَ رَجَوْتُ أَنْ يَسْلَمَ مِنَ الرِّيَاءِ.

وَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَصْحَابِهِ: أَلَّا تَرَوْنَهُمْ - يَعْنِي أَصْحَابَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم جِثِيًّا عَلَى الرُّكَبِ كَأَنَّهُمْ حَرَسٌ يَتَلَمَّظُونَ كَمَا تَتَلَمَّظُ الْحَيَّاتُ - أَوْ قَالَ الْأَفَاعِي -.

قَالَ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ: وَقَدْ كَانَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم حِينَ حرَّض الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ قَدْ نَفَلَ كُلَّ امْرِئٍ مَا أَصَابَ.

وَقَالَ " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمُ الْيَوْمَ رَجُلٌ [فَيُقْتَلُ] صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ " وَذَكَرَ قِصَّةَ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ كَمَا تقدَّم، وَقَدْ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ قِتَالًا شَدِيدًا بِبَدَنِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَمَا كَانَا فِي الْعَرِيشِ يُجَاهِدَانِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، ثُمَّ نَزَلَا فَحَرَّضَا وَحَثَّا عَلَى الْقِتَالِ وَقَاتِلَا بِالْأَبْدَانِ جَمْعًا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ

أَقْرَبُنَا مِنَ الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يومئذٍ بَأْسًا.

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنَّا إِذَا حَمِيَ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ اتَّقينا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2) .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ عَلِيٍّ.

قَالَ: قِيلَ لَعَلِيٍّ وَلِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما يَوْمَ بَدْرٍ: مَعَ أَحَدِكُمَا جِبْرِيلُ وَمَعَ الْآخَرِ مِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَشْهَدُ الْقِتَالَ وَلَا يُقَاتِلُ - أَوْ قَالَ يَشْهَدُ الصَّفَّ (3) - وَهَذَا يُشْبِهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ فِي الْمَيْمَنَةِ وَلَمَّا تَنَزَّلَ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ بَدْرٍ تَنْزِيلًا كَانَ جِبْرِيلُ عَلَى أَحَدِ الْمُجَنِّبَتَيْنِ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَ فِي الْمَيْمَنَةِ مِنْ نَاحِيَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَكَانَ مِيكَائِيلُ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَوَقَفُوا فِي المسيرة وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيهَا (4) وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَلِيٍّ.

قَالَ: كنت أسبح عَلَى الْقَلِيبِ يَوْمَ بَدْرٍ فَجَاءَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ ثم

(1) الحديث بطوله في مسند أحمد 1 / 117 وذكره الهيثمي في الزوائد 6 / 75 وقال: رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير حارثة بن مضرب وهو ثقة.

وروى أبو داود بعضه في كتاب الجهاد باب: في المبارزة.

(2)

مسند أحمد 1 / 126 وأعاده في 1 / 156 واختصره في 1 / 86.

(3)

مسند أحمد 2 / 255 ونقله السيوطي في الخصائص الكبرى 1 / 201 والصالحي في السيرة الشامية وعزاه للامام أحمد والبزار والحاكم: في 4 / 63.

(4)

رواه البيهقي في الدلائل 3 / 55 وأبو يعلى والحاكم عن علي رضي الله عنه.

وذكره الهيثمي في الزوائد 6 / 77 وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، ونقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 61.

(*)

ص: 340

أُخْرَى ثمَّ أُخْرَى فَنَزَلَ مِيكَائِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَوَقَفَ عَلَى يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَاكَ أَبُو بَكْرٍ، وَإِسْرَافِيلُ فِي أَلْفٍ فِي الْمَيْسَرَةِ وَأَنَا فِيهَا، وجبريل في ألف قال ولقد طفت يومئذٍ حتى بلغ إِبِطِي وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْعِقْدِ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَفْخَرَ بَيْتٍ قَالَتْهُ الْعَرَبُ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إِذْ يَكُفُّ مَطِيَّهُمْ * جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدَّثنا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ

مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ.

انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ - يعني الرؤس - وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ.

قال: بينما رجل من المسلمين يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتُ الْفَارِسِ [يَقُولُ:] أَقْدِمْ حَيْزُومُ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ قَدْ خرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هو حطم [أنفه] وشق وجهه كضربة السوط واخضر (1) ذَلِكَ أَجْمَعُ فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ ذَاكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ " فَقَتَلُوا يومئذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ (2) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عمَّن حدَّثه عَنِ ابْنِ عبَّاس عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ.

قَالَ: حَضَرْتُ أَنَا وَابْنُ عم لي بدراً ونحن على شركنا، وإنا لَفِي جَبَلٍ (3) نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدائرة (4) ، فَأَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ، فَلَمَّا دَنَتْ مِنَ الْجَبَلِ سَمِعْنَا منها حمحمة الخيل، وسمعنا قائلاً يقول:(قدم حَيْزُومُ، فَأَمَّا صَاحِبِي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ مكانه، وأما أنا لكدت أَنْ أَهْلِكَ ثُمَّ انْتَعَشْتُ (5) .

بَعْدَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر عن بعض

(1) واخضر: من مسلم، وفي الاصل وحضر وهو تحريف.

(2)

رواه مسلم في 32 كتاب الجهاد (28) باب: الامداد بالملائكة في غزوة بدر ح 58 ص 1383.

- حيزوم: اسم فرس الملك، وهو منادى بحذف حرف النداء، أي: يا حيزوم.

- أبو زميل: وهو سماك الحنفي.

- ما بين معكوفين في الحديث من صحيح مسلم.

(3)

الخبر في الواقدي 1 / 76: ونحن على احدى عجمتي بدر العجمة الشامية - العجمة من رمل.

(4)

في ابن هشام: الدبرة، وهي الدائرة.

(5)

العبارة في ابن هشام وأبي نعيم والواقدي: وأما أنا فكدت أن أهلك ثم تماسكت.

(*)

ص: 341

بَنِي سَاعِدَةَ (1) ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ - وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا - قَالَ - بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ - لَوْ كُنْتُ الْيَوْمَ بِبَدْرٍ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ (2) الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكُّ فِيهِ وَلَا أَتَمَارَى.

فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ وَرَآهَا إِبْلِيسُ وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ: (أَنِّي معكم فثبتوا الذي آمَنُوا) .

وتثبتهم أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَأْتِي الرَّجُلَ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ يَعْرِفُهُ فَيَقُولُ لَهُ أَبْشِرُوا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بشئ والله معكم كروا عليهم.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ (3) بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمَلَكُ يَتَصَوَّرُ فِي صُورَةِ من يعرفون [من الناس يثبتونهم](4) فَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ دَنَوْتُ مِنْهُمْ وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: لو حملوا علينا ما ثبتنا، ليسوا بشئ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ:(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية [الانفال: 12] .

وَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ الْمَلَائِكَةَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وقال: إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون وَهُوَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يحرِّض أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ: لَا يَهُولَنَّكُمْ خِذْلَانُ سُرَاقَةَ إِيَّاكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مَوْعِدٍ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا نَرْجِعُ حَتَّى نُفَرِّقَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي الْجِبَالِ (5) فَلَا تقتلوهم وخذوهم أخذاً.

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: مِنْ طَرِيقِ سَلَامَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ - بَعْدَمَا ذَهَبَ بَصَرُهُ - يَا ابْنَ أَخِي وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ بِبَدْرٍ ثُمَّ أَطْلَقَ اللَّهُ بَصَرِي لَأَرَيْتُكَ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْنَا مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَمَارٍ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ (6) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ " هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ وَعَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ ".

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس وَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ أبيه.

وحدثني عابد (7) بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ

عَنْ عُمَارَةَ بن أكيمة الليثي عن عكرمة عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالُوا: لَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

(1) روى الخبر البيهقي في الدلائل 3 / 53 عن سهل بن سعد عن أبي أسيد الساعدي وذكره.

(2)

في الواقدي: وهو الملص، وهو موضع بعينه، أنشد أبو حنيفة: اللسان 7 / 95.

فما زال يسقى بطن ملص وعرعرا * وأرضهما حتى أطمأن جسيمها (3) من الواقدي 1 / 79 وفي نسخ البداية المطبوعة: دواد، وهو تحريف.

(4)

من الواقدي.

(5)

عبارة البيهقي: حتى نقرن محمداً وأصحابه في الحبال.

(6)

في 64 كتاب المغازي (11) باب ح 3995 فتح الباري 7 / 312.

(7)

في الواقدي: عائذ بن يحيى.

الخبر في المغازي ج 1 / 81: وفيه عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وسقط من الاسناد اسم: عكرمة.

(*)

ص: 342

رَافِعٌ يَدَيْهِ يَسْأَلُ اللَّهَ النَّصْرَ وَمَا وَعَدَهُ يَقُولُ " اللَّهُمَّ إِنْ ظَهَرُوا عَلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ ظَهَرَ الشِّرْكُ وَلَا يَقُومُ لَكَ دِينٌ " وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَيَنْصُرَنَّكَ اللَّهُ وَلَيُبَيِّضَنَّ وَجْهَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ عِنْدَ اكتناف الْعَدُوِّ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَلَمَّا نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ تغيَّب عَنِّي سَاعَةً ثُمَّ طَلَعَ وَعَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ يَقُولُ أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ إِذْ دَعَوْتَهُ ".

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ.

قَالَ: يَا بُنَيَّ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيُشِيرُ إِلَى رَأْسِ الْمُشْرِكِ فَيَقَعُ رَأْسُهُ عَنْ جَسَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ السَّيْفُ (1) .

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي، حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَازِنٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ (2) اللَّيْثِيِّ قَالَ: إِنِّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنَ المشركين لِأَضْرِبَهُ فَوَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سَيْفِي فَعَرَفْتُ أَنَّ غَيْرِي قَدْ قَتَلَهُ.

وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ.

قَالَ: كان الناس [يوم بدر] يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ قَتَلُوهُمْ بِضَرْبٍ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَعَلَى الْبَنَانِ مِثْلَ سِمَةِ النَّارِ

وَقَدْ أُحْرِقَ بِهِ (3) .

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ (4) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قال: كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض قَدْ أَرْخَوْهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ إِلَّا جِبْرِيلَ فَإِنَّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى يَوْمِ بَدْرٍ مِنَ الْأَيَّامِ، وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَيَّامِ عُدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ (5) .

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى [بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَوْلًى لِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو سَمِعْتُ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ يَوْمَ بَدْرٍ رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مُعْلِمِينَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ.

وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ يُحَدِّثُ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ.

قَالَ: لَوْ كُنْتُ مَعَكُمُ الْآنَ بِبَدْرٍ وَمَعِي بَصَرِي، لَأَرَيْتُكُمُ الشِّعْبَ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكُّ وَلَا أَمْتَرِي.

قَالَ: وَحَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ.

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ: " مَنِ الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَقْدِمْ حَيْزُومُ؟ " فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ مَا كُلَّ أَهْلِ السَّمَاءِ أَعْرِفُ (6) .

قُلْتُ: وَهَذَا الْأَثَرُ مُرْسَلٌ، وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَيْزُومَ اسْمُ فَرَسِ جِبْرِيلَ كَمَا قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وقال الواقدي حدثني إسحاق بن

(1) دلائل النبوة 3 / 56 ونقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 63 عن البيهقي وأبي نعيم.

(2)

كذا في الاصل والبيهقي عن ابن إسحاق، وفي السيرة لابن هشام: أبي داود المازني، قال السهيلي: اسم أبي داود هذا: عمرو، وقيل: عمير بن عامر.

(3)

رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 56 ونقله الصالحي في السيرة الشامية 4 / 63 عن البيهقي.

(4)

مقسم: وهو مولى عبد الله بن الحارث.

(5)

سيرة ابن هشام ج 2 / 286.

(6)

مغازي الواقدي 1 / 76 و 77.

(*)

ص: 343

يَحْيَى عَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فَمَا أَدْرِي كَمْ يَدٍ مَقْطُوعَةٍ وَضَرْبَةٍ جائفة (1) لم يدم كلمها وقد رَأَيْتُهَا يَوْمَ بَدْرٍ.

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عن أبي عقيل (2)[عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ] عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ

نِيَارٍ قَالَ: جِئْتُ يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلَاثَةِ أَرْؤُسٍ فَوَضَعْتُهُنَّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ أَمَّا رَأْسَانِ فَقَتَلْتُهُمَا، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَجُلًا طَوِيلًا [ضَرَبَهُ فَتَدَهْدَى أَمَامَهُ] فَأَخَذْتُ رَأْسَهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ذَاكَ فُلَانٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ " وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ.

قَالَ: كَانَ السَّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشٍ يُحَدِّثُ فِي زَمَنِ عُمَرَ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَسَرَنِي أَحَدٌ مِنَ النَّاس، فَيُقَالُ فَمَنْ؟ يَقُولُ: لَمَّا انْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ انْهَزَمْتُ مَعَهَا فَأَدْرَكَنِي رجل أشعر طويل على فرس أبيض (3) فَأَوْثَقَنِي رِبَاطًا وَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَجَدَنِي مَرْبُوطًا فَنَادَى فِي الْعَسْكَرِ مَنْ أَسَرَ هَذَا؟ حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ أَسَرَكَ؟ قُلْتُ: لَا أَعْرِفُهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ بِالَّذِي رَأَيْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَسَرَكَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ " اذْهَبْ يَا ابن عوف بأسيرك.

وقال الواقدي: حدثني عابد بْنُ يَحْيَى (4) حَدَّثَنَا أَبُو الْحُوَيْرِثِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بِجَادٌ (5) مِنَ السَّمَاءِ قَدْ سدَّ الْأُفُقَ فَإِذَا الوادي يسيل نهلاً فوقع في نفسي إن هذا شئ مِنَ السَّمَاءِ أُيِّدَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَمَا كَانَتْ إلا الهزيمة ولقي الملائكة وقال إسحاق بن رَاهْوَيْهِ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ.

قَالَ: رَأَيْتُ قَبْلَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ - وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ - مِثْلَ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مِثْلَ النَّمْلِ الْأَسْوَدِ، فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةُ الْقَوْمِ وَلَمَّا تَنَزَّلَتِ الْمَلَائِكَةُ لِلنَّصْرِ وَرَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وبشَّر بِذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ وَقَالَ:" أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ يَقُودُ فَرَسَهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ " يَعْنِي مِنَ الْمَعْرَكَةِ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَرِيشِ فِي الدِّرْعِ فَجَعَلَ يُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَالِ وَيُبَشِّرُ النَّاسَ بِالْجَنَّةِ وَيُشَجِّعُهُمْ بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسُ بَعْدُ عَلَى مَصَافِّهِمْ لَمْ يَحْمِلُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ حَصَلَ لَهُمُ السَّكِينَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَقَدْ حَصَلَ النُّعَاسُ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ وَالثَّبَاتِ وَالْإِيمَانِ، كَمَا قَالَ: " (إِذْ يغشيكم النعاس أمنة مِنْهُ) وَهَذَا كَمَا حَصَلَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: النُّعَاسُ فِي الْمَصَافِّ مِنَ الْإِيمَانِ.

وَالنُّعَاسُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ النِّفَاقِ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ المؤمنين)[الانفال: 19] .

قال

(1) جائفة: طعنة تبلغ الجوف (قاموس) .

(2)

في الواقدي: أبي عفير.

وما بين معكوفين سقط من الاصل واستدرك من المغازي 1 / 78.

(3)

في الواقدي: فيدركني رجل أبيض طويل على فرس أبلق بين السماء والأرض.

(4)

في الواقدي: عائذ.

(5)

البجاد: كساء، وفي النهاية: وفي حديث جبير بن مطعم: نظرت والناس يقتتلون يوم حنين إِلَى مِثْلِ الْبِجَادِ: الْأَسْوَدِ يَهْوِي مِنَ السَّمَاءِ، أراد الملائكة (ج 1 / 60) .

(*)

ص: 344

الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ - حِينَ الْتَقَى الْقَوْمُ - اللَّهُمَّ أَقْطَعُنَا لِلرَّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ.

فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ (1)، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يخرِّجاه.

وَقَالَ الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ مُطَرِّفٍ فِي قوله: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فقد جاءكم الفتح) قال: قال أبو جهل: اللهم [أعن] أَعَزَّ الْفِئَتَيْنِ، وَأَكْرَمَ الْقَبِيلَتَيْنِ، وَأَكْثَرَ الْفَرِيقَيْنِ.

فَنَزَلَتْ: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ)[الأنفال: 7] قَالَ أَقْبَلَتْ عِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ تُرِيدُ الشَّامَ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ المدينة فخرجوا ومعهم رسول صلى الله عليه وسلم يُرِيدُونَ الْعِيرَ، فَبَلَغَ ذلك أهل مكة فأسرعوا إِلَيْهَا لِكَيْلَا يَغْلِبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ فَسَبَقَتِ الْعِيرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَهُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَكَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَلْقَوُا الْعِيرَ، وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ الْقَوْمَ، وَكَرِهَ الْقَوْمُ مَسِيرَهُمْ لِشَوْكَةِ الْقَوْمِ.

فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ رَمْلَةٌ دِعْصَةٌ فأصاب المسلمون ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يُوَسْوِسُهُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ كَذَا (2) ! فَأَمْطَرَ اللَّهُ

عَلَيْهِمْ مَطَرًا شَدِيدًا فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ فَصَارَ الرَّمْلُ لَبْدًا (3) وَمَشَى النَّاسُ عَلَيْهِ وَالدَّوَابُّ، فَسَارُوا إِلَى الْقَوْمِ وَأَيَّدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ من الملائكة.

فكان

الاستفتاح: طلب النصر، وكان للمسلمين، وقد بان الامر للكفار وانكشف الحق لهم.

وفي ذلك ثلاثة أقوال: أ - يكون خطابا للكفار، لانهم استفتحوا - قول أبي جهل - فقالوا: اللهم أقطعنا الرحم.

وقول النضر: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء..فقتل يوم بدر.

قال القاضي: إذا حملنا الفتح على البيان والحكم والقضاء فقد يراد به الكفار.

ب - يكون خطابا للمؤمنين: أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، وفتح الله عليكم.

قال القاضي: وهذا القول أولى لان قوله (فقد جاءكم النصر) لا يليق إلا بالمؤمنين.

ج - يحتمل كونه خطابا للمؤمنين، ثم للكفار وهو توعده لهم إن عادوا إلى الايقاع بالمسلمين والتعدي عليهم نعد إلى مثل بدر.

قال القشيري: والصحيح أنه خطاب للكفار.

وقاله الحسن ومجاهد والسدي.

(أنظر تفسير الرازي ج 15 / تفسير الآية)(2) في رواية أن بعضهم كانوا محدثين من الاحتلام.

(3)

في رواية البيهقيّ: كدا.

ص: 345

جِبْرِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُجَنِّبَةً وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ (1) مُجَنِّبَةً وَجَاءَ إِبْلِيسُ في جند من الشياطين ومعه ذريته (2) وَهُمْ فِي صُورَةِ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ وَالشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ لِلْمُشْرِكِينَ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ، فَلَمَّا اصْطَفَّ النَّاس قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ أَوْلَانَا بِالْحَقِّ فَانْصُرْهُ، وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، فَقَالَ:" يَا رَبِّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا ".

فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَهُمْ، فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَأَصَابَ

عَيْنَيْهِ وَمَنْخَرَيْهِ وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَةِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ.

وَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ إِلَى إِبْلِيسَ فَلَمَّا رَآهُ - وَكَانَتْ يَدُهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - انْتَزَعَ إِبْلِيسُ يَدَهُ ثُمَّ وَلَّى مُدْبِرًا وَشِيعَتُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا سُرَاقَةُ أَمَا زَعَمْتَ أَنَّكَ لَنَا جَارٌ؟ قَالَ: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 48] وَذَلِكَ حِينَ رَأَى الْمَلَائِكَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ (3) .

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارِ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ.

قَالَ: لَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ مَا فعل الْمَلَائِكَةُ بِالْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَشْفَقَ أَنْ يَخْلُصَ إِلَيْهِ، فَتَشَبَّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَوَكَزَ فِي صدر الحارث ثُمَّ خَرَجَ هَارِبًا حَتَّى أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ نَظِرَتَكَ إِيَّايَ وَخَافَ أَنْ يَخْلُصَ الْقَتْلُ إِلَيْهِ.

وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النَّاسِ لَا يَهُولَنَّكُمْ خِذْلَانُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مِيعَادٍ مِنْ محمَّد، وَلَا يَهُولَنَّكُمْ قَتْلُ شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ وَالْوَلِيدِ فَإِنَّهُمْ قَدْ عَجَّلُوا، فوللات والعزى لا نرجع حتى نفرقهم بالجبال، فَلَا أُلْفِيَنَّ رَجُلًا مِنْكُمْ قَتَلَ رَجُلًا وَلَكِنْ خُذُوهُمْ أَخْذًا حَتَّى تُعَرِّفُوهُمْ سُوءَ صَنِيعِهِمْ مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ إِيَّاكُمْ وَرَغْبَتِهِمْ عَنِ اللَّاتِ وَالْعُزَّى.

ثُمَّ قَالَ أَبُو جَهْلٍ مُتَمَثِّلًا: مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الشَّمُوسُ مِنِّي * بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سِنِّي لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمِّي وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيِّ [عَنْ عَمِّهِ] عَنْ أَبِي بكر بن أبي سليمان بن (4) أَبِي حَثْمَةَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَسْأَلُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ فَجَعَلَ الشَّيْخُ يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَقَالَ حَكِيمٌ: الْتَقَيْنَا فَاقْتَتَلْنَا فَسَمِعْتُ صَوْتًا وَقَعَ مِنَ السَّماء إلى الأرض مثل وقعة الحصاة

(1) في رواية البيهقيّ: في خمسمائة مجنبة.

(2)

في البيهقي: معه راية في صورة.

(3)

دلائل النبوة ج 3 / 78 - 79 عن طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عن علي عن ابن عباس.

(4)

في الاصل تحريف، الصواب أثبتناه من الواقدي.

والعبارة في الاصل: موسى بن يعقوب الزمعي عَنْ أَبِي

بَكْرِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أبي حتمة.

(*)

ص: 346

فِي الطَّسْتِ، وَقَبَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقَبْضَةَ التُّرَابَ فَرَمَى بِهَا فَانْهَزَمْنَا.

قَالَ الواقدي: وحدثنا [أبو](1) إسحاق عن محمد عن (2) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (3) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَير سَمِعْتُ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيَّ يَقُولُ: انْهَزَمْنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَسْمَعُ صَوْتًا كَوَقْعِ الْحَصَى في الطاس فِي أَفْئِدَتِنَا وَمِنْ خَلْفِنَا (4) ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الرُّعْبِ عَلَيْنَا.

وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: حدَّثنا أَبِي، ثنا ابن أبي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ حِينَ الْتَقَى الْقَوْمُ قَالَ: اللَّهُمَّ أَقَطَعُنَا لِلرَّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ.

فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ.

فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَقَدْ شَجَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ وَقَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ حَتَّى طَمِعُوا فِيهِمْ، خَفَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَفْقَةً فِي الْعَرِيشِ ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ:" أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ وَعِدَتُهُ " وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ كَفًّا مِنَ الْحَصَى بِيَدِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَالَ: " شَاهَتِ الْوُجُوهُ " ثُمَّ نَفَحَهُمْ بِهَا ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ " احْمِلُوا فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا الْهَزِيمَةُ " فَقَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِهِمْ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْهُمْ.

وَقَالَ زِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ حَفْنَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَ بِهَا قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ: " شَاهَتِ الْوُجُوهُ " ثُمَّ نَفَحَهُمْ بِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: " شُدُّوا " فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ، فَقَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لعلي يوم بدر " أعطني حصباء من الأرض " فناوله حصباء عليها تُرَابٌ فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ إِلَّا دَخَلَ فِي عَيْنَيْهِ مِنْ ذلك التراب شئ، ثُمَّ رَدِفَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: " فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) وَهَكَذَا قَالَ عُرْوَةُ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ يوم بدر، وقد فعل عليه السلام مِثْلَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.

وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لما حَرَّضَ

أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ وَرَمَى الْمُشْرِكِينَ بِمَا رَمَاهُمْ بِهِ مِنَ التُّرَابِ وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى صَعِدَ إِلَى الْعَرِيشِ أَيْضًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَوَقَفَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ وَمَعَهُمُ السُّيُوفُ خِيفَةَ أَنْ تَكُرَّ رَاجِعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا ذُكِرَ لِي - فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النَّاس، فَقَالَ لَهُ:" كَأَنِّي بِكَ يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمُ؟ " قَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَتْ أَوَّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللَّهُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ.

فَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ اسْتِبْقَاءِ الرِّجَالِ.

قال ابن إسحاق: وحدثني

(1) من الواقدي، وفي الاصل إسحاق وهو تحريف.

(2)

من الواقدي، وفي الاصل ابن.

(3)

في المغازي: ابن عبد.

(4)

في الواقدي: في الطساس بين أيدينا ومن خلفنا.

(*)

ص: 347