المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

من الشعب؟ قالا: في السنة العاشرة صلى الله عليه وسلم - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 3

-

- ‌بَابُ كَيْفَ بَدَأَ الْوَحْيُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله

- ‌فَصْلٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ فتر الوحي

- ‌فَصْلٌ فِي مَنْعِ الْجَانِّ وَمَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ حِينَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ إِتْيَانِ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل أوَّل من أسلم من متقدمي الإسلام والصحابة وغيرهم

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ إِسْلَامِ ضِمَادٍ

- ‌بَابُ الأمر بإبلاغ الرسالة إلى الخاص والعام، وَأَمْرِهِ لَهُ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِمَالِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِينَ الْمُعَانِدِينَ الْمُكَذِّبِينَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَإِرْسَالِ الرَّسُولِ الْأَعْظَمِ إِلَيْهِمْ، وَذِكْرِ مَا لَقِيَ مِنَ الْأَذِيَّةِ مِنْهُمْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ فِي تَأْلِيبِ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابه

- ‌فَصْلٌ فِي مُبَالَغَتِهِمْ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل

- ‌بَابُ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وإقامة الحجة الدامغة عليهم

- ‌باب هجرة أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الحبشة

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مُخَالَفَةِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ ثُمَّ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ قِصَّةَ فَارِسَ وَالرُّومِ

- ‌فَصْلٌ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ مَكَّةَ إلى بيت المقدس

- ‌فَصْلٌ [فِي] انْشِقَاقِ الْقَمَرِ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ [فِي] وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ عَمِّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل موت خديجة بنت خويلد وذكر شئ من فضائلها ومناقبها رضي الله عنه وَأَرْضَاهَا

- ‌فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها[بِعَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ وَسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ رضي الله عنهما]

- ‌فَصْلٌ فِي ذَهَابِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَهْلِ الطَّائِفِ

- ‌فَصْلٌ فِي عَرْضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ عَلَى أحياء العرب

- ‌فَصْلٌ [فِي] قُدُومِ وَفْدِ الْأَنْصَارِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ حَتَّى بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌بَابُ بَدْءِ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ رضي الله عنهم

- ‌فَصْلٌ يَتَضَمَّنُ أَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الثانية ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ

- ‌باب الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ

- ‌بَابُ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي دُخُولِهِ عليه السلام الْمَدِينَةَ وَأَيْنَ استقر منزله [

- ‌فَصْلٌ وَقَدْ شُرِّفَتِ الْمَدِينَةُ أَيْضًا بِهِجْرَتِهِ عليه السلام إِلَيْهَا

- ‌ السنة الأولى من الْهِجْرَةِ

- ‌فصل ولما حل الركاب النبوي بالمدينة

- ‌فَصْلٌ فِي إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ

- ‌فصل ولما ارتحل عليه السلام مِنْ قُبَاءَ

- ‌ذِكْرُ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومئذٍ

- ‌فصل في بناء مسجده الشريف ومقامه بدار أبي أيوب

- ‌فَصْلٌ وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ حُجر

- ‌فَصْلٌ فِيمَا أَصَابَ الْمُهَاجِرِينَ من حمى الْمَدِينَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي عَقْدِهِ عليه السلام الألفة بين المهاجرين والأنصار

- ‌فَصْلٌ فِي مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

- ‌فَصْلٌ فِي مَوْتِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بن زرارة

- ‌فَصْلٌ فِي مِيلَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ

- ‌فصل في الأذان ومشروعيته

- ‌فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المطَّلب رضي الله عنه

- ‌فَصْلٌ فِي سَرِيَّةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌فَصْلٌ [فِي سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار]

- ‌فَصْلٌ وَمِمَّنْ وُلِدَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُبَارَكَةِ - وَهِيَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌وممَّن تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّحَابَةِ

- ‌ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الهجرة

- ‌كِتَابُ الْمَغَازِي

- ‌فصل [في إسلام بعض أحبار يهود نفاقاً]

- ‌فَصْلٌ [فِي سَرِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ]

- ‌بَابُ سرية عبد الله بن جحش التي كان سببها لِغَزْوَةِ بَدْرٍ الْعُظْمَى (2) وَذَلِكَ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ التقى الجمعان والله على كل شئ قَدِيرٌ

- ‌فَصْلٌ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فِي سَنَةِ ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر

- ‌فَصْلٌ فِي فريضة شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ

- ‌مَقْتَلُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هِشَامٍ

- ‌فَصْلٌ فِي مَقْتَلِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ

- ‌مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ

- ‌فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي الْأُسَارَى أَيُقْتَلُونَ أَوْ يُفَادَوْنَ عَلَى قَوْلَيْنِ

- ‌فَصْلٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا سَبْعِ

- ‌فَصْلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْمَغَانِمِ

- ‌فَصْلٌ فِي رُجُوعِهِ عليه السلام مِنْ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ

- ‌مَقْتَلُ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعَقَبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُمَا اللَّهُ

- ‌ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر رضي الله عنه

- ‌بَابُ الْكُنَى

- ‌فَصْلٌ فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ

- ‌فصل [في غزوة السويق]

- ‌فَصْلٌ فِي دُخُولِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَلَى زَوْجَتِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل جمل من الحوادث سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ

الفصل: من الشعب؟ قالا: في السنة العاشرة صلى الله عليه وسلم

من الشعب؟ قالا: في السنة العاشرة صلى الله عليه وسلم يَعْنِي مِنَ الْبِعْثَةِ - قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ.

قُلْتُ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إِنْ شاء الله تعالى.

‌فصل

وَقَدْ ذَكَرَ محمَّد بْنُ إِسْحَاقَ رحمه الله بَعْدَ إِبْطَالِ الصَّحِيفَةِ قِصَصًا كَثِيرَةً تَتَضَمَّنُ نَصْبَ عَدَاوَةِ قُرَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَنْفِيرَ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَالْقَادِمِينَ إِلَى مَكَّةَ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِظْهَارَ اللَّهِ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى يَدَيْهِ دِلَالَةً عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، وتكذيبنا لَهُمْ فِيمَا يَرْمُونَهُ مِنَ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ وَالْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ، وَيَرْمُونَهُ مِنَ الْجُنُونِ وَالسِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالتَّقَوُّلِ، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ.

فَذَكَرَ قِصَّةَ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ مُرْسَلَةً، وَكَانَ سَيِّدًا مُطَاعًا شَرِيفًا فِي دَوْسٍ، وَكَانَ قَدْ قَدِمَ مَكَّةَ فَاجْتَمَعَ بِهِ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ وَحَذَّرُوهُ مِنْ رَسُولِ الله وَنَهَوْهُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ يَسْمَعَ كَلَامَهُ، قَالَ فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكمله، حَتَّى حَشَوْتُ أُذُنِيَّ حِينَ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ كرسفاً (1) فرقاً من أن يبلغني شئ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ.

قَالَ فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، قَالَ فَقُمْتُ مِنْهُ قَرِيبًا فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا، قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي وَاثُكْلَ أُمِّي، وَاللَّهِ إِنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنَّ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ! فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ حَسَنًا قَبِلْتُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ.

قَالَ: فَمَكَثْتُ

حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بيته [فَاتَّبَعْتُهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ](2) دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ قَوْمَكَ قَالُوا لِي كذا وكذا - الذي قَالُوا - قَالَ فَوَاللَّهِ مَا بَرِحُوا بِي يُخَوِّفُونَنِي أَمْرَكَ حَتَّى سَدَدْتُ أُذُنَيَّ بِكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَكَ، فَسَمِعْتُ قَوْلًا حَسَنًا، فَاعْرِضْ عليَّ أَمْرَكَ: قَالَ: فَعَرَضَ عليَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ وَتَلَا عليَّ الْقُرْآنَ، فَلَا وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ.

قَالَ: فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، وَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، وَإِنِّي رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ وَدَاعِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فادعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.

قَالَ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً " قَالَ فَخَرَجْتُ إِلَى قَوْمِي حَتَّى إِذَا كنت بثنية تطلعني على الحاضر (3) ، وقع بين عيني نور مِثْلُ الْمِصْبَاحِ.

قَالَ فَقُلْتُ: اللَّهم فِي غَيْرِ وَجْهِي، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا بِهَا مُثْلَةً (4) وقعت في وجهي لفراقي

(1) الكرسف: القطن.

(2)

ما بين معكوفين من ابن هشام.

(3)

الحاضر: الجماعة النازلون على الماء.

(4)

المثلة: يريد العقوبة والتنكيل.

(*)

ص: 123

دِينَهُمْ، قَالَ: فَتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي.

قال: فجعل الحاضرون يتراؤن ذَلِكَ النُّورَ فِي رَأْسِ سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ، وأنا أتهبط عَلَيْهِمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ، حَتَّى جِئْتُهُمْ فَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا نَزَلْتُ أَتَانِي أَبِي - وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا - فقلت: إليك عني - يا أبة فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي، قَالَ وَلِمَ يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ محمَّد صلى الله عليه وسلم.

قَالَ: أَيْ بُنَيَّ فدينك ديني.

فَقُلْتُ: فَاذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ، ثُمَّ ائْتِنِي حتى أعلمك ما علمت.

قال فذهب فاغتسل وطهر ثيابه، ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ.

قَالَ ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي، فَقُلْتُ: إِلَيْكِ عَنِّي، فَلَسْتُ مِنْكِ وَلَسْتَ مِنِّي.

قَالَتْ: وَلِمَ؟ بِأَبِي أَنْتَ وأمي.

قال قلت [قد] فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ الْإِسْلَامُ، وَتَابَعْتُ دِينَ محمَّد صلى الله عليه وسلم.

قَالَتْ فَدِينِي دِينُكَ.

قال: فقلت فاذهبي إلى حمى ذِي الشَّرَى فَتَطَهَّرِي مِنْهُ، وَكَانَ ذُو

الشَّرَى صنماً لدوس وكان الحمى حمى حموه حوله بِهِ وَشَلٌ مِنْ مَاءٍ يَهْبِطُ مِنْ جَبَلٍ.

قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَتَخْشَى عَلَى الصَّبِيَّةِ من ذي الشرى شيئاً؟ قُلْتُ: لَا، أَنَا ضَامِنٌ لِذَلِكَ.

قَالَ: فَذَهَبَتْ فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ جَاءَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ، ثم دعوت دوساً إلى الاسلام فأبطأوا عَلَيَّ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ.

فقلت [له] : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى دَوْسٍ (1) الزِّنَا فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ.

قَالَ: " اللَّهم اهْدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وَارْفُقْ بِهِمْ ".

قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَضَى بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْخَنْدَقُ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْ أَسْلَمَ مَعِي من قومي وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ حَتَّى نَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ - أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا - مِنْ دَوْسٍ فَلَحِقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ.

ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة.

فقلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْنِي إِلَى ذِي الْكَفَّيْنِ، صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ حَتَّى أَحْرِقَهُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَجَعَلَ الطُّفَيْلُ وَهُوَ يُوقِدُ عَلَيْهِ النَّارَ يَقُولُ: يَا ذَا الْكَفَّيْنِ لَسْتُ مِنْ عُبَّادِكَا * مِيلَادُنَا أَقْدَمُ مِنْ مِيلَادِكَا إِنِّي حَشَوْتُ النَّارَ فِي فُؤَادِكَا (2) قَالَ ثُمَّ رَجَعَ [إِلَى] رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فكان معه بالمدينة حتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ خَرَجَ الطُّفَيْلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَسَارَ مَعَهُمْ حَتَّى فَرَغُوا مِنْ طُلَيْحَةَ وَمِنْ أَرْضِ نَجْدٍ كُلِّهَا، ثُمَّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَمَامَةِ وَمَعَهُ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الطُّفَيْلِ، فَرَأَى رُؤْيَا وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْيَمَامَةِ فَقَالَ

(1) دوس: بطن من شنوءة من الازد القحطانية وهم بنو دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن خالد بن نصر.

منهم أبو هريرة صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم واسمه عمير بن عامر.

(نهاية الارب للقلقشندي 235) .

(2)

في مغازي الواقدي 2 / 870: أنا حششت النار في فؤادكا.

(*)

ص: 124

لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا فَاعْبُرُوهَا لِي، رَأَيْتُ أَنَّ رَأْسِي حُلِقَ، وَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ،

وَأَنَّهُ لَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ فَأَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا وَأَرَى ابْنِي يَطْلُبُنِي طَلَبًا حَثِيثًا ثُمَّ رَأَيْتُهُ حُبِسَ عَنِّي؟ قَالُوا: خَيْرًا قَالَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَقَدْ أَوَّلْتُهَا، قَالُوا مَاذَا؟ قَالَ أَمَّا حَلْقُ رَأْسِي فَوَضْعُهُ، وَأَمَّا الطَّائِرُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَرُوحِي، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا فَالْأَرْضُ تُحْفَرُ لِي فَأُغَيَّبُ فِيهَا.

وَأَمَّا طَلَبُ ابْنِي إِيَّايَ ثُمَّ حَبْسُهُ عَنِّي فإني أراه سيجتهد أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَنِي.

فَقُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى شَهِيدًا بِالْيَمَامَةِ، وَجُرِحَ ابْنُهُ جِرَاحَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ اسْتَبَلَّ مِنْهَا ثُمَّ قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ زَمَنَ عُمَرَ شَهِيدًا رحمه الله.

هَكَذَا ذَكَرَ محمَّد بْنُ إِسْحَاقَ قِصَّةَ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو مُرْسَلَةً بِلَا إِسْنَادٍ (1) .

وَلِخَبَرِهِ شَاهِدٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الطُّفَيْلُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ دَوْسًا قَدِ اسْتَعْصَتْ قَالَ: " اللَّهم إهد دوساً وائت بِهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (2) عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.

قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقُلْتُ هلكت دوس.

فقال: " اللَّهم اهد دوساً، وائت بِهِمْ " إِسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدَّثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ؟ - قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ - فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ، فلمَّا هَاجَرَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا (3) الْمَدِينَةَ فَمَرِضِ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ (4) فَقَطَعَ بِهَا بِرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ.

فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ: ما صنع ربك بك فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَمَا لِي أَرَاكَ

(1) قال في الاصابة ج 2 / 225: ذكرها ابن إسحاق في سائر النسخ بلا إسناد، وروي في نسخة من المغازي من طريق صالح بن كيسان عن الطّفيل بن عمرو في قصة إسلامه.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات ج 4 / 237 مطولا من وجه آخر، وكذلك الاموي عن ابن الكلبي بإسناد آخر.

وقد ساق ابن عبد البر في الاستيعاب

ج 2 / 232 من طريق الاموي عن ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن الطّفيل بن عمرو فذكر قصة إسلامه.

(2)

في: 80 كتاب الدعوات (59) باب الحديث 6397 فتح الباري 11 / 196 وأخرجه أيضاً في 64 كتاب المغازي (75) باب قصة دوس فتح الباري 8 / 101.

(3)

اجتووا المدينة: معناه كرهوا المقام بها لضجر ونوع من سقم.

قال أبو عبيد والجوهري: اجتويت البلد إذا كرهت المقام به، وإن كنت في نعمة.

قال الخطابي: أصله من الجوى وهو داء يصيب الجوف.

(4)

مشاقص: جمع مشقص وهو سهم فيه نصل عريض قاله ابن فارس والخليل، وقال غيرهما طويل وليس بالعريض، والاقرب أنه عريض لان قطع البراجم يحصل بالعريض وليس بالطويل.

ص: 125

مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ يُصْلَحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ.

قَالَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ بِهِ (1) .

فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ الله عزوجل عَبْدِي بَادَرَنِي بِنَفْسِهِ فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ".

فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَاكَ مُشْرِكًا وَهَذَا مُؤْمِنٌ، وَيَكُونُ قَدْ جُعِلَ هَذَا الصَّنِيعُ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا فِي دُخُولِهِ النَّارَ وَإِنْ كَانَ شِرْكُهُ مُسْتَقِلًّا إِلَّا أَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى هَذَا لِتَعْتَبِرَ أُمَّتُهُ: الثَّانِي: قَدْ يَكُونُ هَذَاكَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَهَذَا غَيْرُ عَالِمٍ لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ.

الثَّالِثُ: قَدْ يَكُونُ ذَاكَ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا لَهُ وَهَذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِلًّا بَلْ مُخْطِئًا.

الرَّابِعُ: قَدْ يَكُونُ أَرَادَ ذَاكَ بِصَنِيعِهِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ.

الْخَامِسُ: قَدْ يَكُونُ هَذَاكَ قَلِيلَ الْحَسَنَاتِ فَلَمْ تُقَاوِمْ كِبَرَ ذَنْبِهِ الْمَذْكُورِ فَدَخَلَ النَّارَ، وَهَذَا قَدْ يَكُونُ كَثِيرَ الْحَسَنَاتِ فَقَاوَمَتِ الذَّنْبَ فَلَمْ يَلِجِ النَّارَ بَلْ غُفِرَ لَهُ بِالْهِجْرَةِ إِلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَلَكِنْ بَقِيَ الشَّيْنُ فِي يَدِهِ فَقَطْ وَحَسُنَتْ هَيْئَةُ سَائِرِهِ فَغَطَّى الشَّيْنَ مِنْهُ

فَلَمَّا رَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو مُغَطِّيًا يَدَيْهِ قَالَ لَهُ مالك؟ قَالَ: قِيلَ لِي لَنْ يُصْلَحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَلَمَّا قَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا لَهُ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ " أَيْ فَأَصْلِحْ مِنْهَا مَا كَانَ فَاسِدًا.

وَالْمُحَقَّقُ أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَاحِبِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو.

قِصَّةُ أَعْشَى بْنِ قَيْسِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِ بَكْرِ بن وائل من (2) أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَعْشَى بْنَ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ يَمْدَحُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةً أَرْمَدَا * وبتَّ كَمَا بَاتَ السَّلِيمُ مسهَّدا وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا * تَنَاسَيْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ خلَّة مهْددا (3) وَلَكِنْ أَرَى الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ خَائِنٌ * إِذَا أَصْلَحَتْ كفَّاي عَادَ فَأَفْسَدَا كُهُولًا وشبَّاناً فقدتُ وثروةً * فلله هذا الدهر كيف تَرَدَّدَا وَمَا زِلْتُ أَبْغِي الْمَالَ مُذْ أَنَا يافع * وليداً وكهلاً حين شبْتُ وأمردا

(1) صحيح مسلم (1) كتاب الايمان (49) باب حديث 184.

(2)

من ابن هشام، وفي الاصل: عن.

(3)

كذا في الاصل خلة وفي ابن هشام " صحبة " ومهدد: اسم امرأة.

(*)

ص: 126

وَأَبْتَذِلُ الْعِيسَ الْمَرَاقِيلَ تَعْتَلِي * مَسَافَةَ مَا بَيْنَ النُّجَيْرِ فَصَرْخَدَا (1) أَلَا أيُّهَذَا السَّائِلِي أَيْنَ يَمَّمَتْ * فَإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا فَإِنْ تَسْأَلِي عَنِّي فَيَا ربَّ سَائِلٍ * حَفِيٍّ عَنِ الأعشى به حيث أصعدا أجدتُ برجليها النجاد وراجعت * يداها خنافاً ليِّناً غَيْرَ أَحْرَدَا (2) وَفِيهَا إِذَا مَا هجَّرتْ عجرفيّةٌ * إِذَا خِلْتَ حِرْبَاءَ الظَّهِيرَةِ أَصَيْدَا (3) وَآلَيْتُ لَا آوِي لَهَا مِنْ كلالةٍ * وَلَا مِنْ حَفًى حَتَّى تُلَاقِي مُحَمَّدَا

مَتَى مَا تُنَاخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ * تُرَاحِي وَتَلْقَى مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَذِكْرُهُ * أَغَارَ لَعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا (4) لَهُ صدقات ماتغب وَنَائِلٌ * فَلَيْسَ عَطَاءُ الْيَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا أجدَّك لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ محمدٍ * نَبِيِّ الْإِلَهِ حَيْثُ أَوْصَى وَأَشْهَدَا إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى * وَلَاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ * فَتُرْصِدَ لِلْأَمْرِ الَّذِي كَانَ أَرَصَدَا فَإِيَّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لا تقربنَّها * ولا تأخذن سهماً حديداً لتقصدا وَذَا النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لَا تنسكنَّه * وَلَا تَعْبُدِ الأوثان والله فاعبدا ولا تقربنَّ جارة كَانَ سِرُّهَا * عَلَيْكَ حَرَامًا فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا (5) وذا الرحم القربى بلا تقطعنَّه * لِعَاقِبَةٍ وَلَا الْأَسِيرَ الْمُقَيَّدَا وسبِّح عَلَى حِينِ الْعَشِيَّةِ وَالضُّحَى * وَلَا تَحْمَدِ الشَّيْطَانَ وَاللَّهَ فَاحْمَدَا (6) وَلَا تَسْخَرَنَّ مِنْ بائسٍ ذِي ضَرَارَةٍ * وَلَا تحسبنَّ الْمَالَ لِلْمَرْءِ مُخْلِدَا قَالَ ابْنُ هشام: فلما كان بمكة - أو قريب مِنْهَا - اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ جَاءَ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُسْلِمَ.

فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَصِيرٍ، إِنَّهُ يُحَرِّمُ الزِّنَا.

فقال الأعشى: والله إن ذلك لأمر مالي فِيهِ مِنْ أَرَبٍ.

فَقَالَ: يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّهُ يُحَرِّمُ الْخَمْرَ.

فَقَالَ الْأَعْشَى: أَمَّا هَذِهِ فوالله إن في نفسي منها العلالات، وَلَكِنِّي مُنْصَرِفٌ فَأَتَرَوَّى مِنْهَا عَامِي هَذَا، ثُمَّ آته فَأُسْلِمُ فَانْصَرَفَ فَمَاتَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

هكذا أورد ابن هشام هذه القصة ههنا وَهُوَ كَثِيرُ الْمُؤَاخَذَاتِ لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ رحمه الله، وَهَذَا مِمَّا يُؤَاخَذُ بِهِ ابْنُ هِشَامٍ رحمه الله، فإن

(1) النجير: موضع في حضرموت من اليمن، وصرخد: موضع بالجزيرة.

(2)

في ابن هشام: النجاء بدل النجاد.

والنجاء: السرعة.

والخناف: التي تلوي في السير يديها من النشاط.

(3)

أصيد: المائل العنق تكبرا أو من داء أصابه.

(4)

أغار: قال ابن دريد في الاشتقاق: من روى: أغار لعمري، فقد لحن وأخطأ.

(5)

في ابن هشام: حرة بدلا من جارة.

(6)

في ابن هشام: العشيات بدلا من العشية.

(*)

ص: 127

الْخَمْرَ إِنَّمَا حُرِّمَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَزْمَ الْأَعْشَى عَلَى الْقُدُومِ لِلْإِسْلَامِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَفِي شِعْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وهو قوله: ألا أيها ذا السَّائِلِي أَيْنَ يَمَّمَتْ * فَإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا وَكَانَ الْأَنْسَبُ وَالْأَلْيَقُ بِابْنِ هِشَامٍ أَنَّ يُؤَخِّرَ ذِكْرَ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَى مَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَلَا يُورِدَهَا هَاهُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِنَ ابْنِ هِشَامٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فَإِنَّ النَّاسَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الخمر لم ينزل تحريمها إلا في المدينة بَعْدَ أُحُدٍ.

وَقَدْ قَالَ: وَقِيلَ إِنَّ الْقَائِلَ لِلْأَعْشَى هُوَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي دَارِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ.

وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الْقَائِلَ لَهُ ذَلِكَ هُوَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فِي بِلَادِ قَيْسٍ وَهُوَ مُقْبِلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال وقوله.

ثم آته فَأُسْلِمُ - لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كُفْرِهِ بِلَا خِلَافٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَاهُنَا قِصَّةَ الْإِرَاشِيِّ وَكَيْفَ اسْتَعْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبِي جَهْلٍ فِي ثَمَنِ الْجَمَلِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَكَيْفَ أَذَلَّ اللَّهُ أَبَا جَهْلٍ وَأَرْغَمَ أَنْفَهُ حَتَّى أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ فِي السَّاعة الرَّاهنة وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ ذَلِكَ.

قِصَّةُ مُصَارَعَةِ رُكَانَةَ وَكَيْفَ أَرَاهُ الشَّجَرَةَ الَّتِي دَعَاهَا فَأَقْبَلَتْ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: وَكَانَ رُكَانَةُ (1) بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ (2) بن عبد مناف أشد قريشاً، فخلا يوماً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ شِعَابِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رُكَانَةُ أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ وَتَقْبَلُ مَا أَدْعُوكَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: إِنِّي لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي تَقُولُ حَقٌّ لَاتَّبَعْتُكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَفَرَأَيْتَ إِنْ صَرَعْتُكَ أَتَعْلَمُ أَنَّ مَا أَقُولُ حَقٌّ؟ ".

قَالَ نَعَمْ! قَالَ: " فَقُمْ حَتَّى أُصَارِعَكَ ".

قَالَ فَقَامَ رُكَانَةُ إِلَيْهِ فَصَارَعَهُ فَلَمَّا بَطَشَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

أَضْجَعَهُ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ عُدْ يَا مُحَمَّدُ فَعَادَ فَصَرَعَهُ.

فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا للعجب، أتصرعني؟ قَالَ [رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم] :" وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شِئْتَ أُرِيكَهُ إِنِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ وَاتَّبَعْتَ أَمْرِي "؟.

قَالَ وَمَا هُوَ؟ قَالَ: " أَدْعُو لَكَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الَّتِي تَرَى فتأتيني ".

قال:

(1) هو رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بن عبد مناف المطلبي.

وقال البلاذري: لقي ركانة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض جبال مكة..فصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرعه وأسلم ركانة في الفتح وقيل اسلم عقب مصارعته.

قال الزبير: مات بالمدينة في خلافة معاوية وقال أبو نعيم مات في خلافة عثمان وقيل عاش إلى سنة إحدى وأربعين (راجع الاصابة 1 / 520) .

(2)

في ابن هشام: بن عبد المطلب.

(*)

ص: 128

فادعها، فَدَعَاهَا فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي إِلَى مَكَانِكِ فَرَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، قَالَ: فَذَهَبَ رُكَانَةُ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ سَاحِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ الْأَرْضِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسْحَرَ مِنْهُ قَطُّ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِالَّذِي رَأَى وَالَّذِي صَنَعَ.

هَكَذَا رَوَى ابْنُ إسحاق هذه القصة مرسلة بهذا البيان.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَسْقَلَانِيِّ (1) عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ.

أَنَّ رُكَانَةَ صَارَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ وَلَا نَعْرِفُ أَبَا الْحَسَنِ وَلَا ابْنَ رُكَانَةَ.

قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ يَزِيدَ بْنَ رُكَانَةَ صَارَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ مَرَّةٍ عَلَى مِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا وَضَعَ ظَهْرِي إِلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْكَ.

وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَامَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وردَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ.

وَأَمَّا قِصَّةُ دُعَائِهِ الشَّجَرَةَ فَأَقْبَلَتْ فَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بَعْدَ السِّيرَةِ مِنْ طُرُقٍ جَيِّدَةٍ صَحِيحَةٍ فِي مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْأَشَدَّيْنِ أَنَّهُ صَارَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّةَ قُدُومِ النَّصارى مِنْ أَهْلِ الْحَبَشَةِ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ رَاكِبًا إِلَى مَكَّةَ فَأَسْلَمُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ بَعْدَ قِصَّةِ النَّجَاشِيِّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (2) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَلَسَ (3) إِلَيْهِ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ خَبَّابٌ، وَعَمَّارٌ، وَأَبُو فُكَيْهَةَ، يَسَارٌ (4) ، مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أميَّة، وَصُهَيْبٌ، وَأَشْبَاهُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

هَزِئَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ كَمَا تَرَوْنَ، أَهَؤُلَاءِ منَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ، وَمَا خَصَّهُمُ اللَّهُ به دوننا.

فأنزل الله عزوجل فِيهِمْ: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ ما حسابهم من شئ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عليهم من شئ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ منَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ

(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى (10 / 18) وقال وقد رواه أبو أويس المدنيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ ركانة.

وقال ابن حبان في إسناد خبره في المصارعة نظر وقال في تقريب التهذيب: أبو الحسن العسقلاني مجهول من السابعة.

ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 452 ورواه أبو داود في المراسيل.

(2)

سيرة ابن هشام ج 2 / 32.

(3)

من ابن هشام، وفي الاصل يجلس، وما أثبتناه مناسب أكثر.

(4)

في الاصل: أبو فكيهة ويسار، وهو تحريف وأثبتنا ما في سيرة ابن هشام.

(*)

ص: 129

أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الْأَنْعَامِ: 52 - 54] .

قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ إِلَى مَبِيعَةِ غُلَامٍ نَصْرَانِيٍّ يُقَالُ لَهُ جَبْرٌ، عَبْدٌ لِبَنِي الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانُوا يَقُولُونَ وَاللَّهِ مَا يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا كَثِيرًا مِمَّا يَأْتِي بِهِ إِلَّا جَبْرٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ:(إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)[النحل: 103] .

ثُمَّ ذَكَرَ نُزُولَ سُورَةِ الْكَوْثَرِ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ حِينَ

قَالَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنه أبتر أي لَا عَقِبَ لَهُ فَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ.

فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أَيِ الْمَقْطُوعُ الذِّكْرِ بَعْدَهُ، وَلَوْ خَلَفَ أُلُوفًا مِنَ النَّسْلِ وَالذُّرِّيَّةِ وَلَيْسَ الذِّكْرُ وَالصِّيتُ وَلِسَانُ الصِّدْقِ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ وَالْأَنْسَالِ وَالْعَقِبِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ فِي التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ: أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حِينَ مات الْقَاسِمُ بْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ وَيَسِيرَ عَلَى النَّجِيبَةِ.

ثُمَّ ذَكَرَ نُزُولَ قَوْلِهِ: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ) وَذَلِكَ بِسَبَبِ قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَزَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ: لَوْلَا أُنْزِلُ عَلَيْكَ مَلَكٌ يُكَلِّمُ النَّاسَ عَنْكَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَمَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَلَغَنَا بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَأَبِي جَهْلِ بن هشام فهمزوه واستهزؤا بِهِ، فَغَاظَهُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ:(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا به يستهزؤن) .

قلت: وقال الله تعالى: (ولقد استهزئ برسل مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ولقد جاءك من نبأ المرسلين) وقال تعالى: (إِنَّا كفيناك المستهزئين) .

قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَالَ: المستهزؤن الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ أَبُو زَمْعَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَيْطَلٍ (1) ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ.

فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَشَكَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأراه الوليد [أبا عمرو بن المغيرة](2) فأشار جبريل إلى أنمله (3) وَقَالَ كُفِيتَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الْأَسْوَدَ بْنَ الْمُطَّلِبِ فَأَوْمَأَ إِلَى عُنُقِهِ (4) وَقَالَ كُفِيتَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ فَأَوْمَأَ إِلَى رَأْسِهِ وَقَالَ كُفِيتَهُ، ثُمَّ أَرَاهُ الْحَارِثَ بْنَ عَيْطَلٍ فَأَوْمَأَ إِلَى بَطْنِهِ وَقَالَ كُفِيتَهُ، وَمَرَّ بِهِ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَأَوْمَأَ إِلَى أَخْمَصِهِ وَقَالَ

(1) في دلائل البيهقي: الحارث بن عنطلة السهمي، وهو الحارث بن قيس السهمي وهو ابن العنطلة ينسب إلى أمه وفي السهيلي: أنه ابن الطلاطلة وكان يأخذ حجرا يعبده فإذا رأى أحسن منه تركه وأخذ الاحسن.

وفيه نزلت: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهه هواه.

(2)

من دلائل البيهقي.

(3)

في دلائل البيهقي: أبجله.

(4)

في دلائل البيهقي: عينه، وهو مناسب أكثر لما يقتضيه السياق بعد قليل.

(*)

ص: 130

كُفِيتَهُ.

فَأَمَّا الْوَلِيدُ فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ وهو يريش نبلاً له فأصاب أنمله فَقَطَعَهَا، وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ فَخَرَجَ فِي رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنْهَا، وَأَمَّا الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ فَعَمِيَ.

وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ نَزَلَ تَحْتَ سَمُرَةٍ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِيَّ أَلَا تَدْفَعُونَ عَنِّي قَدْ قُتِلْتُ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ مَا نَرَى شَيْئًا.

وَجَعَلَ يَقُولُ يَا بَنِيَّ أَلَا تَمْنَعُونَ عَنِّي قَدْ هَلَكْتُ، هَا هُوَ ذَا الطَّعْنِ بِالشَّوْكِ فِي عَيْنِي.

فَجَعَلُوا يَقُولُونَ مَا نَرَى شَيْئًا.

فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَيْنَاهُ.

وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ عَيْطَلٍ فَأَخَذَهُ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ خُرْؤُهُ مِنْ فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا.

وَأَمَّا الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَوْمًا إِذْ دَخَلَ فِي رَأْسِهِ شِبْرِقَةٌ (1) حَتَّى امْتَلَأَتْ مِنْهَا فَمَاتَ مِنْهَا.

وَقَالَ غَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَرَكِبَ إِلَى الطَّائِفِ عَلَى حِمَارٍ فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شِبْرِقَةٍ - يَعْنِي شَوْكَةً - فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ.

رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ (2) .

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ عُظَمَاءُ الْمُسْتَهْزِئِينَ كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ خَمْسَةَ نَفَرٍ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ وَشَرَفٍ فِي قَوْمِهِمْ، الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ أَبُو زَمْعَةَ دَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" اللَّهُمَّ أَعْمِ بَصَرَهُ وَأَثْكِلْهُ وَلَدَهُ "(3) .

وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ (4) .

وَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِيهِمْ: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين الذين يجعلون من اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فسوف يعلمون)[الْحِجْرِ: 94] .

وَذَكَرَ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، فَقَامَ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَنْبِهِ، فمرَّ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ فَرَمَى فِي وَجْهِهِ بِوَرَقَةٍ خَضْرَاءَ فَعَمِيَ، ومرَّ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ فَأَشَارَ إلى بطنه فاستسقى باطنه فَمَاتَ مِنْهُ حَبَنًا (5) ومرَّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَأَشَارَ إِلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِهِ (6) كَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِينَ مِنْ مُرُورِهِ برجل يريش نبلاً له

من خراعة فَتَعَلَّقَ سَهْمٌ بِإِزَارِهِ فَخَدَشَهُ خَدْشًا يَسِيرًا، فَانْتَقَضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَاتَ.

ومرَّ بِهِ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَأَشَارَ إِلَى أَخْمَصِ رِجْلِهِ فَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطَّائِفَ فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شِبْرِقَةٍ فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ.

ومر به الحارث بن الطلاطل فأشار إلى رأسه فامتخض (7) قيحا فقتله.

(1) الشبرقة: رطب الضريع (2) دلائل النبوة ج 2 / 317 - 318.

(3)

قال البلاذري: خرج يستقبل ابنه وقد قدم من الشام، فلما كان ببعض الطريق جعل جبريل يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورق شجرة جلس في ظلها، حتى عمي، ولما كان يوم بدر قتل ابنه زمعة بن الأسود، قتله أبو دجانة ويقال قتله ثابت بن الجذع.

(4)

الطلاطلة، اسم امه وقال الكلبي هو الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ، وفي السيرة الشامية: اسمه مالك، والطلاطلة أبوه.

(5)

الحبن: انتفاخ البطن.

(6)

في ابن هشام: كعب رجله.

(7)

من ابن هشام، وفي الاصل فامتحض وهو تحريف، أي أن القيح تحرك في رأسه وانتشر.

(*)

ص: 131

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ الثَّلَاثَةَ وَهُمْ خَالِدٌ وَهِشَامٌ وَالْوَلِيدُ.

فَقَالَ لَهُمْ: أَيْ بَنِيَّ، أُوصِيكُمْ بِثَلَاثٍ، دَمِي فِي خُزَاعَةَ فَلَا تُطِلُّوهُ (1) ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُسَبُّوا بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ.

وَرِبَايَ فِي ثَقِيفٍ، فَلَا تَدَعُوهُ حَتَّى تَأْخُذُوهُ، وَعُقْرِي (2) عِنْدَ أَبِي أُزَيْهِرٍ الدَّوْسِيِّ فَلَا يَفُوتَنَّكُمْ بِهِ.

وَكَانَ أَبُو أُزَيْهِرٍ قَدْ زَوَّجَ الْوَلِيدَ بِنْتًا لَهُ ثُمَّ أَمْسَكَهَا عَنْهُ فَلَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ حتَّى مَاتَ، وَكَانَ قَدْ قَبَضَ عُقْرَهَا مِنْهُ - وَهُوَ صَدَاقُهَا - فَلَمَّا مَاتَ الْوَلِيدُ وَثَبَتْ بَنُو مَخْزُومٍ عَلَى خُزَاعَةَ يَلْتَمِسُونَ مِنْهُمْ عَقْلَ الْوَلِيدِ، وَقَالُوا إِنَّمَا قَتَلَهُ سَهْمُ صَاحِبِكُمْ، فَأَبَتْ عَلَيْهِمْ خُزَاعَةُ ذَلِكَ حَتَّى تَقَاوَلُوا أَشْعَارًا وَغَلُظَ بَيْنَهُمُ الْأَمْرُ.

ثُمَّ أَعْطَتْهُمْ خُزَاعَةُ بَعْضَ الْعَقْلِ وَاصْطَلَحُوا وَتَحَاجَزُوا.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ عَدَا هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى أَبِي أُزَيْهِرٍ وَهُوَ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ.

وَكَانَتِ ابْنَتُهُ (3) تَحْتَ أَبِي سُفْيَانَ - وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ - فَعَمَدَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فجمع الناس لبني مخزوم وكان أبو غَائِبًا، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ غَاظَهُ مَا صَنَعَ ابْنُهُ يَزِيدُ فَلَامَهُ عَلَى ذَلِكَ وَضَرَبَهُ وَوَدَى أَبَا أُزَيْهِرٍ وَقَالَ لِابْنِهِ: أَعَمَدْتَ إِلَى أَنْ تَقْتُلَ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي رَجُلٍ مِنْ دَوْسٍ؟ وَكَتَبَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ قَصِيدَةً (4) له يحض أَبَا سُفْيَانَ فِي دَمِ أَبِي أُزَيْهِرٍ، فَقَالَ بِئْسَ مَا ظَنَّ حَسَّانُ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُنَا بَعْضًا وَقَدْ ذَهَبَ أَشْرَافُنَا يَوْمَ بَدْرٍ.

وَلَمَّا أَسْلَمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَشَهِدَ الطَّائِفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ فِي رِبَا أَبِيهِ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ؟.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ نَزَلْنَ فِي ذَلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[البقرة: 278] وَمَا بَعْدَهَا.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي أُزَيْهِرٍ ثَأْرٌ نَعْلَمُهُ حَتَّى حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النَّاسِ، إِلَّا أَنَّ ضِرَارَ بْنَ الخطاب بن مرداس الأسلمي (5) خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى أَرْضِ دَوْسٍ فَنَزَلُوا عَلَى امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ غَيْلَانَ مَوْلَاةٌ لِدَوْسٍ، وَكَانَتْ تَمْشُطُ النِّسَاءَ وَتُجَهِّزُ الْعَرَائِسَ، فَأَرَادَتْ دَوْسٌ قَتْلَهُمْ بِأَبِي أُزَيْهِرٍ فَقَامَتْ دُونَهُ أُمُّ غَيْلَانَ (6) وَنِسْوَةٌ كُنَّ مَعَهَا حَتَّى مَنَعَتْهُمْ.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: يُقَالُ إِنَّهَا أَدْخَلَتْهُ بَيْنَ درعها وبدنها.

(1) في ابن هشام: فلا تطلنه، لا تطلوه: لا تهدروه، إذا لم يأخذ بالثأر فقد هدر الدم.

(2)

العقر: بالضم، دية فرج المرأة المغصوب.

(3)

واسمها: عاتكة.

(4)

منها: كساك هشام بن الوليد ثيابه * فأبل وأخلف مثلها جددا بعد (5) في ابن هشام: الفهري.

(6)

قال ابن هشام عن أبي عبيدة: أن التي قامت دونه أم جميل.

ويحتمل أن تكونا قامتا معا دونه.

وفي ذلك قال ضرار شعرا منه:

جزى الله عنا أم غيلان صالحا * ونسوتها إذ هن شعث عواطل (*)

ص: 132