الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
درس بالشامية البرانية والعذراوية والظاهرية الجوانية وَالرَّوَاحِيَّةِ وَالْمَسْرُورِيَّةِ، فَكَانَ يُعْطِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَقَّهَا بِحَيْثُ كَانَ يَكَادُ يَنْسَخُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ مَا قَبْلَهُ مَنْ حُسْنِهِ وفصاحته، ولا يهيله تَعْدَادُ الدُّرُوسِ وَكَثْرَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْفُضَلَاءِ، بَلْ كُلَّمَا كَانَ الْجَمْعُ أَكْثَرَ وَالْفُضَلَاءُ أَكْبَرَ كَانَ الدَّرْسُ أنضر وأبهر وأحلى وَأَنْصَحَ وَأَفْصَحَ. ثُمَّ لَمَّا انْتَقَلَ إِلَى قَضَاءِ حَلَبَ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْمَدَارِسِ الْعَدِيدَةِ عَامَلَهُ معاملة مثلها، وأوسع بالفضيلة جَمِيعَ أَهْلِهَا، وَسَمِعُوا مِنَ الْعُلُومِ مَا لَمْ يَسْمَعُوا هُمْ وَلَا آبَاؤُهُمْ. ثُمَّ طُلِبَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِيُوَلَّى الشَّامِيَّةَ دَارَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فَعَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهَا، فَمَرِضَ وَهُوَ سَائِرٌ عَلَى الْبَرِيدِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَقَبَ المرض بحراق الْحِمَامِ فَقَبَضَهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الشَّهَوَاتِ وَالْإِرَادَاتِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَكَانَ مِنْ نِيَّتِهِ الْخَبِيثَةِ إِذَا رَجَعَ إِلَى الشَّامِ مُتَوَلِّيًا أَنْ يُؤْذِيَ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ فَدَعَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ أَمَلَهُ وَمُرَادَهُ، فَتُوُفِّيَ فِي سَحَرِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَادِسَ عَشَرَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِمَدِينَةِ بُلْبَيْسَ، وَحُمِلَ إِلَى الْقَاهِرَةِ وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ جِوَارَ قُبَّةِ الشَّافِعِيِّ تَغَمَّدَهُمَا اللَّهُ برحمته.
الْمُؤَذِّنُ الْمَشْهُورُ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ
الْحَاجُّ عَلِيُّ بْنُ فرج بْنِ أَبِي الْفَضْلِ الْكَتَّانِيُّ، كَانَ أَبُوهُ مِنْ خِيَارِ الْمُؤَذِّنِينَ، فِيهِ صَلَاحٌ وَدِينٌ وَلَهُ قَبُولٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ جَهْوَرَهُ، وَفِيهِ تودد وخدم وكرم، وحج غير مرة وسمع من أَبِي عُمَرَ وَغَيْرِهِ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ ثَالِثِ الْقَعْدَةِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ غُدْوَةً، وَدُفِنَ بِبَابِ الصَّغِيرِ.
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ فَضْلُ ابْنُ الشَّيْخِ الرَّجِيحِيِّ التُّونُسِيُّ
وَأُجْلِسَ أَخُوهُ يُوسُفُ مَكَانَهُ بِالزَّاوِيَةِ.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا كَانَتْ وَفَاةُ شَيْخِ الإسلام أبى العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه كما ستأتي ترجمة وفاته في الوفيات إن شاء الله تعالى.
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَحُكَّامُ الْبِلَادِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا سِوَى نَائِبِ مِصْرَ وَقَاضِي حَلَبَ.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ثَانِي الْمُحَرَّمِ دَرَّسَ بِحَلْقَةِ صَاحِبِ حِمْصَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ، نَزَلَ لَهُ عَنْهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْفُقَهَاءُ وَالْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ، وَذَكَرَ دَرْسًا حَسَنًا مُفِيدًا. وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ رَابِعِ الْمُحَرَّمِ حَضَرَ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَاءُ الدِّينِ الْقُونَوِيُّ مَشْيَخَةَ الشيوخ بالسمساطية عِوَضًا عَنِ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ شَرَفِ الدِّينِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْفُقَهَاءُ وَالصُّوفِيَّةُ عَلَى الْعَادَةِ. وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ ثَامِنَ عَشَرَ صَفَرٍ دَرَّسَ بِالْمَسْرُورِيَّةِ تَقِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ عِوَضًا عَنْ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ الشريشنى بِحُكْمِ انْتِقَالِهِ إِلَى قَضَاءِ حِمْصَ، وَحَضَرَ النَّاسُ عِنْدَهُ وَتَرَحَّمُوا عَلَى وَالِدِهِ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ خَامِسِ عِشْرِينَ صَفَرٍ وَصَلَ إِلَى دِمَشْقَ الْأَمِيرُ الْكَبِيرُ صَاحِبُ بِلَادِ الرُّومِ تمرتاش ابن جُوبَانَ، قَاصِدًا إِلَى مِصْرَ، فَخَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ والجيش إلى تلقيه، وَهُوَ شَابٌّ حَسَنُ الصُّورَةِ تَامُّ الشَّكْلِ مَلِيحُ الْوَجْهِ. وَلَمَّا انْتَهَى إِلَى السُّلْطَانِ بِمِصْرَ أَكْرَمَهُ وَأَعْطَاهُ تَقْدِمَةَ أَلْفٍ، وَفَرَّقَ أَصْحَابَهُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وأكرموا إِكْرَامًا زَائِدًا، وَكَانَ سَبَبَ قُدُومِهِ إِلَى مِصْرَ أن صاحب العراق الملك أبا سعيد كان قد قتل أخاه خواجا رمشتق فِي شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَهَمَّ وَالِدُهُ جوبان بمحاربة السلطان أبى سَعِيدٍ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ جُوبَانُ إِذْ ذَاكَ مُدَبِّرَ الْمَمَالِكِ، فَخَافَ تَمُرْتَاشُ هَذَا عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ السُّلْطَانِ فَفَرَّ هَارِبًا بِدَمِهِ إِلَى السُّلْطَانِ النَّاصِرِ بِمِصْرَ.
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ تَوَجَّهَ نَائِبُ الشَّامِ سَيْفُ الدِّينِ تَنْكِزُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِزِيَارَةِ السُّلْطَانِ فَأَكْرَمَهُ وَاحْتَرَمَهُ وَاشْتَرَى فِي هَذِهِ السَّفْرَةِ دَارَ الْفُلُوسِ الَّتِي بِالْقُرْبِ من البزوريين والجوزية، وهي شرقيها، وَقَدْ كَانَ سُوقُ الْبُزُورِيَّةِ الْيَوْمَ يُسَمَّى سُوقَ الْقَمْحِ، فَاشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَعَمَرَهَا دَارًا هَائِلَةً لَيْسَ بِدِمَشْقَ دَارٌ أَحْسَنَ مِنْهَا، وَسَمَّاهَا دَارَ الذَّهَبِ، وَهَدَمَ حَمَّامَ سُوَيْدٍ تِلْقَاءَهَا وَجَعَلَهُ دَارَ قرآن وحديث فِي غَايَةِ الْحُسْنِ أَيْضًا، وَوَقَفَ عَلَيْهَا أَمَاكِنَ وَرَتَّبَ فِيهَا الْمَشَايِخَ وَالطَّلَبَةَ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَاجْتَازَ بِرُجُوعِهِ مِنْ مِصْرَ بِالْقُدْسِ الشريف وزاره وأمر ببناء حمام به، وبناء دار حديث أيضا به، وخانقاه كما يأتى بيانه. وفي آخر ربيع الأول وصلت القناة إلى القدس التي أمر بعمارتها وتجديدها سيف الدين تنكز قُطْلُبَكَّ، فَقَامَ بِعِمَارَتِهَا مَعَ وُلَاةِ تِلْكَ النَّوَاحِي، وفرح المسلمون بها ودخلت حتى إلى شط الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَعُمِلَ بِهِ بِرْكَةٌ هَائِلَةٌ، وَهِيَ مُرَخَّمَةٌ مَا بَيْنَ الصَّخْرَةِ وَالْأَقْصَى، وَكَانَ ابْتِدَاءُ عَمَلِهَا مِنْ شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ. وَفِي هذه المدة عمر سقوف شرافات المسجد الحرام وإيوانه، وَعُمِّرَتْ بِمَكَّةَ طَهَّارَةٌ مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي شَيْبَةَ.
قَالَ الْبِرْزَالِيُّ: وَفِي هَذَا الشَّهْرِ كَمَلَتْ عمارة الحمام الّذي بسوق باب توما، وله بابان. وَفِي رَبِيعٍ الْآخَرِ نُقِضَ التَّرْخِيمُ الَّذِي بِحَائِطِ جَامِعِ دِمَشْقَ الْقِبْلِيِّ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ مِمَّا يَلِي بَابَ الزِّيَادَةِ، فَوَجَدُوا الْحَائِطَ مُتَجَافِيًا فَخِيفَ مِنْ أَمْرِهِ، وَحَضَرَ تَنْكِزُ بِنَفْسِهِ وَمَعَهُ الْقُضَاةُ وَأَرْبَابُ الْخِبْرَةِ، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى نَقْضِهِ وَإِصْلَاحِهِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ سَابِعِ عِشْرِينَ ربيع الآخر وكتب نَائِبُ السَّلْطَنَةِ إِلَى السُّلْطَانِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ وَيَسْتَأْذِنُهُ في عمارته، فجاء المرسوم بالاذن بذلك، فَشَرَعَ فِي نَقْضِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَامِسِ عِشْرِينَ جُمَادَى الْأُولَى، وَشَرَعُوا فِي عِمَارَتِهِ يَوْمَ الْأَحَدِ تاسع جمادى الآخرة، وعمل محراب فيما بين الزِّيَادَةِ وَمَقْصُورَةِ الْخَطَابَةِ يُضَاهِي مِحْرَابَ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ جَدُّوا وَلَازَمُوا فِي عِمَارَتِهِ، وَتَبَرَّعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِالْعَمَلِ فِيهِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، فَكَانَ يَعْمَلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَزْيَدُ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ، حَتَّى كَمَلَتْ عِمَارَةُ الْجِدَارِ وَأُعِيدَتْ طَاقَاتُهُ وَسُقُوفُهُ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ وَذَلِكَ بِهِمَّةِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ مَرَاجِلَ
وَهَذَا مِنَ الْعَجَبِ فَإِنَّهُ نُقِضَ الْجِدَارُ وَمَا يُسَامِتُهُ مِنَ السَّقْفِ، وَأُعِيدَ فِي مُدَّةٍ لَا يَتَخَيَّلُ إِلَى أَحَدٍ أَنَّ عَمَلَهُ يَفْرُغُ فِيمَا يُقَارِبُ هَذِهِ الْمُدَّةِ جَزْمًا، وَسَاعَدَهُمْ عَلَى سُرْعَةِ الْإِعَادَةِ حِجَارَةٌ وَجَدُوهَا فِي أَسَاسِ الصَّوْمَعَةِ الْغَرْبِيَّةِ الَّتِي عِنْدَ الْغَزَّالِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ هَذَا الْمَعْبَدِ صَوْمَعَةٌ كَمَا فِي الغربية والشرقية القبلتين منه فأبيدت الشماليتين قَدِيمًا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمَا مِنْ مُدَّةِ أُلُوفٍ مِنَ السِّنِينَ سِوَى أُسِّ هَذِهِ الْمِئْذَنَةِ الْغَرْبِيَّةِ الشَّمَالِيَّةِ، فَكَانَتْ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى إِعَادَةِ هَذَا الْجِدَارِ سَرِيعًا. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ نَاظِرَ الْجَامِعِ ابْنَ مَرَاجِلَ لَمْ يَنْقُصْ أَحَدًا مِنْ أَرْبَابِ الْمُرَتَّبَاتِ عَلَى الْجَامِعِ شَيْئًا مَعَ هَذِهِ الْعِمَارَةِ.
وَفِي لَيْلَةِ السَّبْتِ خَامِسِ جُمَادَى الْأُولَى وقع حريق عظيم بالقرايين وَاتَّصَلَ بِالرَّمَّاحِينَ، وَاحْتَرَقَتِ الْقَيْسَارِيَّةُ وَالْمَسْجِدُ الَّذِي هُنَاكَ، وهلك للناس شيء كثير من الفرا والجوخ والأقمشة، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156 وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَاشَرِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ صُلِّيَ عَلَى الْقَاضِي شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الْحَرِيرِيِّ قَاضِي قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ بِمِصْرَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْغَائِبِ بِدِمَشْقَ. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ قَدِمَ الْبَرِيدُ بِطَلَبِ بُرْهَانِ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ الْحَنَفِيِّ إِلَى مِصْرَ لِيَلِيَ الْقَضَاءَ بِهَا بَعْدَ ابْنِ الْحَرِيرِيِّ، فَخَرَجَ مُسَافِرًا إِلَيْهَا، وَدَخَلَ مَصْرَ فِي خَامِسِ عِشْرِينَ جُمَادَى الْأُولَى، وَاجْتَمَعَ بِالسُّلْطَانِ فَوَلَّاهُ الْقَضَاءَ وَأَكْرَمَهُ وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ بَغْلَةً بِزُنَّارِيٍّ، وَحَكَمَ بِالْمَدْرَسَةِ الصَّالِحِيَّةِ بِحَضْرَةٍ الْقُضَاةِ وَالْحُجَّابِ، وَرُسِمَ لَهُ بِجَمِيعِ جِهَاتِ ابْنِ الْحَرِيرِيِّ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ تَاسِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ أُخْرِجَ مَا كَانَ عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بن تَيْمِيَّةَ مِنَ الْكُتُبِ وَالْأَوْرَاقِ وَالدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ، وَمُنِعَ مِنَ الْكُتُبِ وَالْمُطَالَعَةِ، وَحُمِلَتْ كُتُبُهُ فِي مُسْتَهَلِّ رَجَبٍ إِلَى خِزَانَةِ الْكُتُبِ بِالْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ. قَالَ الْبِرْزَالِيُّ: وَكَانَتْ نَحْوَ سِتِّينَ مُجَلَّدًا، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ رَبْطَةَ كَرَارِيسَ، فَنَظَرَ الْقُضَاةُ وَالْفُقَهَاءُ فِيهَا وَتَفَرَّقُوهَا بَيْنَهُمْ، وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَجَابَ لِمَا كان رد عليه التقى ابن الْأَخْنَائِيِّ الْمَالِكِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَارَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاسْتَجْهَلَهُ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَلِيلُ الْبِضَاعَةِ فِي الْعِلْمِ، فَطَلَعَ الْأَخْنَائِيُّ إِلَى السُّلْطَانِ وَشَكَاهُ، فَرَسَمَ السُّلْطَانُ عِنْدَ ذَلِكَ بِإِخْرَاجِ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ مَا كَانَ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَفِي أَوَاخِرِهِ رُسِمَ لِعَلَاءِ الدِّينِ بْنِ الْقَلَانِسِيِّ فِي الدَّسْتِ، مَكَانَ أَخِيهِ جَمَالِ الدِّينِ تَوْقِيرًا لِخَاطِرِهِ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومُهُ عَلَى قَضَاءِ الْعَسَاكِرِ وَالْوَكَالَةِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ.
وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثِ عِشْرِينَ رَجَبٍ رُسِمَ لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْحَنَفِيِّ وَالْمَالِكِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ بِالصَّلَاةِ فِي الحائط القبلي من الْأُمَوِيِّ، فَعُيِّنَ الْمِحْرَابُ الْجَدِيدُ الَّذِي بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالْمَقْصُورَةِ لِلْإِمَامِ الْحَنَفِيِّ، وَعُيِّنَ مِحْرَابُ الصَّحَابَةِ لِلْمَالِكِيِّ وَعُيِّنَ، مِحْرَابُ مَقْصُورَةِ الْخَضِرِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ الْمَالِكِيُّ لِلْحَنْبَلِيِّ، وَعُوِّضَ إِمَامُ مِحْرَابِ الصَّحَابَةِ بِالْكَلَّاسَةِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْعِمَارَةِ قَدْ بَلَغَ مِحْرَابَ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الْمَقْصُورَةِ