الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَمِيعُ جَيْشِ دِمَشْقَ إِلَيْهِ، فَتَجَهَّزَ الْجَيْشُ لِذَلِكَ وَتَأَهَّبُوا، ثُمَّ خَرَجَتِ الْأَطْلَابُ عَلَى رَايَاتِهَا، فَلَمَّا بَرَزَ مِنْهَا بَعْضٌ بَدَا لِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ فَرَدَّهُمْ وَكَانَ لَهُ خِبْرَةٌ عَظِيمَةٌ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَى تَجْرِيدِ أَرْبَعَةِ مُقَدَّمِينَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ إِلَيْهِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَانِيَ عَشَرَهُ وَقَعَتْ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ بِمِنًى وَذَلِكَ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْأُمَرَاءُ الْمِصْرِيُّونَ وَالشَّامِيُّونَ مَعَ صَاحِبِ الْيَمَنِ الْمَلِكِ الْمُجَاهِدِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا قَرِيبًا مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ، ثُمَّ انجلت الوقعة عن أسر صاحب اليمن الملك الْمُجَاهِدِ فَحُمِلَ مُقَيَّدًا إِلَى مِصْرَ، كَذَلِكَ جَاءَتْ بِهَا كُتُبُ الْحُجَّاجِ وَهُمْ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ. وَاشْتَهَرَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحِجَّةِ أَنَّ نَائِبَ حَلَبَ الأمير سيف الدين أرغون الْكَامِلِيَّ قَدْ خَرَجَ عَنْهَا بِمَمَالِيكِهِ وَأَصْحَابِهِ فَرَامَ الْجَيْشُ الْحَلَبِيُّ رَدَّهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، وَجُرِحَ منهم جراحات كثيرة، وقتل جماعة ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2: 156، وَاسْتَمَرَّ ذَاهِبًا وَكَانَ فِي أَمَلِهِ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ يَتَلَقَّى سَيْفَ الدين يلبغا في أثناء طريق الحجاز فيتقدم مَعَهُ إِلَى دِمَشْقَ، وَإِنْ كَانَ نَائِبُ دِمَشْقَ قد اشتغل في حصار صغد أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْهَا بَغْتَةً فَيَأْخُذَهَا، فَلَمَّا سَارَ بِمَنْ مَعَهُ وَأَخَذَتْهُ الْقُطَّاعُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَنُهِبَتْ حَوَاصِلُهُ وَبَقِيَ تَجْرِيدَةٌ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ مِنْ مَمَالِيكِهِ، فَاجْتَازَ بِحَمَاةَ لِيُهَرِّبَهُ نَائِبُهَا فَأَبَى عَلَيْهِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِحِمْصَ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى السُّلْطَانِ بِنَفْسِهِ، فَقَدِمَ بِهِ نَائِبُ حمص وتلقاه بعض الحجاب وبعض مقدمين الْأُلُوفِ وَدَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ سَابِعَ عِشْرِينَ الشَّهْرِ، وَهُوَ فِي أُبَّهَةٍ، فَنَزَلَ بِدَارِ السعادة في بعض قاعات الدويدارية انتهى.
ثم دخلت سنة اثنتين وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَمَا يُلْحَقُ بِذَلِكَ مِنَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ، الْمَلِكُ النَّاصِرُ حَسَنُ بن السلطان الملك محمد بن السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيُّ، وَنَائِبُهُ بِالدِّيَارِ المصرية الأمير سيف الدين يلبغا الملقب بحارس الطير، وهو عوضا عن الأمير سيف الدين يلبغا أروش الَّذِي رَاحَ إِلَى بِلَادِ الْحِجَازِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ بِقَصْدِ الْحَجِّ الشَّرِيفِ، فَعَزَلَهُ السُّلْطَانُ فِي غَيْبَتِهِ وَأَمْسَكَ عَلَى شَيْخُونَ وَاعْتَقَلَهُ، وَأَخَذَ منجك الوزير، وهو أستاذ دار وَمُقَدَّمُ أَلْفٍ، وَاصْطَفَى أَمْوَالَهُ، وَاعْتَاضَ عَنْهُ وَوَلَّى مكانه في الوزارة القاضي علم الدين ابن زُيْنُورٍ، وَاسْتَرْجَعَ إِلَى وَظِيفَةِ الدُّوَيْدَارِيَّةِ الْأَمِيرَ سَيْفَ الدين طسبغا النَّاصِرِيَّ، وَكَانَ أَمِيرًا بِالشَّامِ مُقِيمًا مُنْذُ عُزِلَ إِلَى أَنْ أُعِيدَ فِي أَوَاخِرِ السَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَا كَاتِبُ السِّرِّ بِمِصْرَ وَقُضَاتُهَا فَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
وَاسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ ونائب صغد قَدْ حَصَّنَ الْقَلْعَةَ وَأَعَدَّ فِيهَا عُدَّتَهَا وَمَا يَنْبَغِي لَهَا مِنَ الْأَطْعِمَاتِ وَالذَّخَائِرِ وَالْعُدَدِ وَالرِّجَالِ، وَقَدْ نَابِذَ الْمَمْلَكَةَ وَحَارَبَ، وَقَدْ قَصَدَتْهُ الْعَسَاكِرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنَ الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ وَدِمَشْقَ وَطَرَابُلُسَ وَغَيْرِهَا، وَالْأَخْبَارُ قَدْ ضَمِنَتْ عن يلبغا وَمَنْ مَعَهُ بِبِلَادِ الْحِجَازِ مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ، وَنَائِبُ دِمَشْقَ فِي احْتِرَازٍ وَخَوْفٍ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ فَيَدْهَمَهَا بِمَنْ معه، والقلوب وجلة من ذلك، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 2:156. وَفِيهَا وَرَدَ الْخَبَرُ أَنَّ صَاحِبَ الْيَمَنِ حَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ مَكَّةَ عَجْلَانَ بِسَبَبِ أنه أراد أن يولى عليها أخاه بعيثة، فَاشْتَكَى عَجْلَانُ ذَلِكَ إِلَى أُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ وَكَبِيرُهُمْ إذ ذاك الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بُزْلَارُ وَمَعَهُمْ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ، وقد أمسكوا أخاهم يلبغا وَقَيَّدُوهُ، فَقَوِيَ رَأْسُهُ عَلَيْهِمْ وَاسْتَخَفَّ بِهِمْ، فَصَبَرُوا حَتَّى قُضِيَ الْحَجُّ وَفَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْمَنَاسِكِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ يَوْمُ الْخَمِيسِ تَوَاقَفُوا هُمْ وَهُوَ فَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَالْأَكْثَرُ مِنَ الْيَمَنِيِّينَ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ قَرِيبَةً مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ، وَبَقِيَ الْحَجِيجُ خَائِفِينَ أَنْ تَكُونَ الدَّائِرَةُ عَلَى الْأَتْرَاكِ فَتَنْهَبَ الْأَعْرَابُ أَمْوَالَهُمْ وربما قتلوهم، ففرج الله وَنَصَرَ الْأَتْرَاكَ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَلَجَأَ الْمَلِكُ الْمُجَاهِدُ إِلَى جَبَلٍ فَلَمْ يَعْصِمْهُ مِنَ الْأَتْرَاكِ، بَلْ أَسَرُوهُ ذَلِيلًا حَقِيرًا، وَأَخَذُوهُ مُقَيَّدًا أَسِيرًا، وجاءت عوام الناس إلى الْيَمَنِيِّينَ فَنَهَبُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا لَهُمْ جَلِيلًا وَلَا حَقِيرًا، وَلَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَاحْتَاطَ الْأُمَرَاءُ عَلَى حَوَاصِلِ الْمَلِكِ وَأَمْوَالِهِ وَأَمْتِعَتِهِ وأثقاله، وساروا بخيله وجماله، وأدلوا على صنديد من رحله ورجاله، واستحضروا مَعَهُمْ طُفَيْلًا الَّذِي كَانَ حَاصَرَ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي وَقَيَّدُوهُ أَيْضًا، وَجَعَلُوا الْغُلَّ فِي عُنُقِهِ، وَاسْتَاقُوهُ كَمَا يُسْتَاقُ الْأَسِيرُ فِي وَثَاقِهِ مَصْحُوبًا بِهَمِّهِ وَحَتْفِهِ، وَانْشَمَرُوا عَنْ تِلْكَ الْبِلَادِ إِلَى دِيَارِهِمْ رَاجِعِينَ، وَقَدْ فَعَلُوا فَعْلَةً تُذْكَرُ بَعْدَهُمْ إِلَى حِينٍ.
وَدَخَلَ الرَّكْبُ الشَّامِيُّ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ عَلَى الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَالْقَاعِدَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ. وَفِي هَذَا الْيَوْمِ قَدِمَتِ الْبَرِيدِيَّةُ مِنْ تِلْقَاءِ مَدِينَةِ صغد مخبرة بأن الأمير شهاب الدين أحمد ابن مشد الشرنجاتاه، الَّذِي كَانَ قَدْ تَمَرَّدَ بِهَا وَطَغَى وَبَغَى حتى استحوذ عليها وقطع سببها وَقَتَلَ الْفُرْسَانَ وَالرَّجَّالَةَ، وَمَلَأَهَا أَطْعِمَةً وَأَسْلِحَةً، وَمَمَالِيكَهُ ورجاله، فعند ما تحقق مسك يلبغا أروش خَضَعَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ، وَخَمَدَتْ نَارُهُ وَسَكَنَ شَرَارُهُ وحار بثأره، وَوَضَحَ قَرَارُهُ، وَأَنَابَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ، وَرَغِبَ إلى السلامة والخلاص، وخشع وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، وَأَرْسَلَ سَيْفَهُ إِلَى السُّلْطَانِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى حَضْرَةِ الملك الناصر والله المسئول أن يحسن عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْبِلَ بِقَلْبِهِ إِلَيْهِ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ خَامِسِ صَفَرٍ قَدِمَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَرْغُونُ الْكَامِلِيُّ مُعَادًا إِلَى نِيَابَةِ حَلَبَ، وَفِي صُحْبَتِهِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ طَشْبُغَا الدَّوَادَارِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ زَوْجُ ابْنَةِ نَائِبِ الشَّامِ، فَتَلَقَّاهُ نَائِبُ الشَّامِ وَأَعْيَانُ الْأُمَرَاءِ، ونزل طشبغا الدوادار عند زوجته بدارمنجى فِي مَحِلَّةِ مَسْجِدِ الْقَصَبِ الَّتِي كَانَتْ تُعْرَفُ بدار حنين بن حندر، وَقَدْ جُدِّدَتْ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَتَوَجَّهَا فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ قُدُومِهِمَا إِلَى حَلَبَ. وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ رَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ اجْتَمَعَ