الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ قَدْ قِيلَ إِنَّهُ مَاتَ مِنْهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ نَحْوَ الْمِائَةِ، فَإِنَّا للَّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَكِنْ أَخْبَرُوا برخص كثير وأمن، وبموت نفسة أَخِي عَجْلَانَ صَاحِبِ مَكَّةَ، وَقَدِ اسْتَبْشَرَ بِمَوْتِهِ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ لِبَغْيِهِ عَلَى أَخِيهِ عَجْلَانَ العادل فيهم انتهى والله أعلم.
مَنَامٌ غَرِيبٌ جِدًّا
وَرَأَيْتُ- يَعْنِي الْمُصَنِّفَ- فِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ الشَّيْخَ مُحْيِيَ الدِّينِ النَّوَاوِيَّ رحمه الله فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي الشَّيْخُ لِمَ لَا أَدْخَلْتَ فِي شَرْحِكَ الْمُهَذَّبِ شَيْئًا مِنْ مُصَنَّفَاتِ ابْنِ حَزْمٍ؟ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ مَعْذُورٌ فِيهِ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ طَرَفَيِ النَّقِيضَيْنِ فِي أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، أَمَّا هُوَ فِي الْفُرُوعِ فَظَاهِرِيٌّ جَامِدٌ يَابِسٌ، وَفِي الْأُصُولِ تَوَلٌ مَائِعٌ قَرْمَطَةُ القرامطة وهرس الهرائسة، وَرَفَعْتُ بِهَا صَوْتِي حَتَّى سُمِعْتُ وَأَنَا نَائِمٌ، ثُمَّ أَشَرْتُ لَهُ إِلَى أَرْضٍ خَضْرَاءَ تُشْبِهُ النخيل بَلْ هِيَ أَرْدَأُ شَكْلًا مِنْهُ، لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي اسْتِغْلَالٍ وَلَا رَعْيٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذِهِ أَرْضُ ابْنِ حَزْمٍ الَّتِي زَرَعَهَا [قَالَ:] انْظُرْ هَلْ تَرَى فِيهَا شَجَرًا مُثْمِرًا أَوْ شَيْئًا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَقُلْتُ إِنَّمَا تَصْلُحُ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ. فَهَذَا حَاصِلُ مَا رَأَيْتُهُ، وَوَقَعَ فِي خَلَدِي أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ كان حاضرنا عند ما أَشَرْتُ لِلشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ إِلَى الْأَرْضِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ حَزْمٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ خُلِعَ عَلَى الْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْرَجِيِّ بِعَوْدِ الْحِسْبَةِ إِلَيْهِ بِسَبَبِ ضَعْفِ عَلَاءِ الدِّينِ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا لِشُغْلِهِ بِالْمَرَضِ الْمُدْنِفِ، وَهَنَّأَهُ الناس على العادة. وفي يوم السَّبْتِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَذْكُورُ بِالْمَدْرَسَةِ الْأَمِينِيَّةِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ الظُّهْرَ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ خَلْفَ مِحْرَابِ جَامِعِ جَرَاحٍ، فِي تُرْبَةٍ هُنَالِكَ، وَقَدْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَدَرَّسَ فِي الْأَمِينِيَّةِ وَفِي الْحِسْبَةِ مَرَّتَيْنِ وَتَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا وَأَمْوَالًا جَزِيلَةً سَامَحَهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ، وَوَلِيَ الْمَدْرَسَةَ بَعْدَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ بْنُ السُّبْكِيِّ بِمَرْسُومٍ كَرِيمٍ شَرِيفٍ.
وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ صَفَرٍ بَلَغَنَا وَفَاةُ قَاضِي قُضَاةِ الْمَالِكِيَّةِ الْأَخْنَائِيِّ بِمِصْرَ وَتَوْلِيَةُ أَخِيهِ بُرْهَانِ الدِّينِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَمِ الدِّينِ الْأَخْنَائِيِّ الشَّافِعِيِّ أَبُوهُ قَاضِيًا مَكَانَ أَخِيهِ، وَقَدْ كَانَ عَلَى الْحِسْبَةِ بِمِصْرَ مَشْكُورَ السِّيرَةِ فِيهَا، وَأُضِيفَ إِلَيْهِ نَظَرُ الْخِزَانَةِ كَمَا كَانَ أَخُوهُ. وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْأَحَدِ رابع شهر رَبِيعٍ الْأَوَّلِ كَانَ ابْتِدَاءُ حُضُورِ قَاضِي الْقُضَاةِ تاج الدين أبو نَصْرٍ عَبْدِ الْوَهَّابِ ابْنِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيِّ الدين بن الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيِّ الشَّافِعِيِّ تَدْرِيسَ الْأَمِينِيَّةِ عِوَضًا عَنِ الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْمُحْتَسِبِ، بِحُكْمِ وَفَاتِهِ رحمه الله كَمَا ذَكَرْنَا، وَحَضَرَ عِنْدَهُ خَلْقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْعَامَّةِ، وَكَانَ دَرْسًا حَافِلًا، أَخَذَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ من فَضْلِهِ 4: 54
الآية وما بعدها، فَاسْتَنْبَطَ أَشْيَاءَ حَسَنَةً، وَذَكَرَ ضَرْبًا مِنَ الْعُلُومِ بِعِبَارَةٍ طَلْقَةٍ جَارِيَةٍ مَعْسُولَةٍ، أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَلَعْثُمٍ وَلَا تَلَجْلُجٍ وَلَا تَكَلُّفٍ فَأَجَادَ وَأَفَادَ، وَشَكَرَهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ مِنَ الْحَاضِرِينَ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ دَرْسًا مِثْلَهُ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ منه توفى الصدر برهان الدين بْنُ لُؤْلُؤٍ الْحَوْضِيُّ، فِي دَارِهِ بِالْقَصَّاعِينَ وَلَمْ يَمْرَضْ إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَخَرَجُوا بِهِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ، فَخَرَجَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ فَصَلَّى عَلَيْهِ إِمَامًا خَارِجَ بَابِ النَّصْرِ، ثُمَّ ذَهَبُوا بِهِ فَدَفَنُوهُ بِمَقَابِرِهِمْ بِبَابِ الصغير، فدفن عند أبيه رحمه الله، وَكَانَ رحمه الله فِيهِ مُرُوءَةٌ وَقِيَامٌ مَعَ النَّاسِ، وَلَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ الدَّوْلَةِ وَقَبُولٌ عِنْدَ نُوَّابِ السَّلْطَنَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَيُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَأَهْلَ الْخَيْرِ، وَيُوَاظِبُ عَلَى سَمَاعِ مَوَاعِيدِ الْحَدِيثِ وَالْخَيْرِ، وكان له مال وثروة ومعروف، قارب الثَّمَانِينَ رحمه الله.
وَجَاءَ الْبَرِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فَأَخْبَرَ بِمَوْتِ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّقَّاشِ الْمِصْرِيِّ بِهَا، وَكَانَ وَاعِظًا بَاهِرًا، وفصيحا ماهرا، ونحويا شَاعِرًا، لَهُ يَدٌ طُولَى فِي فُنُونٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَقُدْرَةٌ عَلَى نَسْجِ الْكَلَامِ، وَدُخُولٌ عَلَى الدَّوْلَةِ وَتَحْصِيلُ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَرْبَعِينَ رحمه الله.
وَأَخْبَرَ الْبَرِيدُ بِوِلَايَةِ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْمَالِكِيِّ الْبَغْدَادِيِّ، الَّذِي كَانَ قَاضِيًا بِالشَّامِ لِلْمَالِكِيَّةِ، ثُمَّ عُزِلَ بِنَظَرِ الْخِزَانَةِ بِمِصْرَ، فَإِنَّهُ رُتِّبَ لَهُ مَعْلُومٌ وَافِرٌ يَكْفِيهِ وَيَفْضُلُ عَنْهُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ مَنْ يُحِبُّهُ.
وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ تُوُفِّيَ الرَّئِيسُ أَمِينُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّدْرِ جَمَالِ الدِّينِ أحمد بن الرَّئِيسِ شَرَفِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَلَانِسِيِّ، أَحَدُ مَنْ بَقِيَ مِنْ رُؤَسَاءِ الْبَلَدِ وَكُبَرَائِهَا، وَقَدْ كان باشر مباشرات كبار كَأَبِيهِ وَعَمِّهِ عَلَاءِ الدِّينِ، وَلَكِنْ فَاقَ هَذَا على أسلافه فإنه باشر وكالة الْمَالِ مُدَّةً، وَوَلِيَ قَضَاءَ الْعَسَاكِرِ أَيْضًا، ثُمَّ وَلِيَ كِتَابَةَ السِّرِّ مَعَ مَشْيَخَةِ الشُّيُوخِ وَتَدْرِيسِ النَّاصِرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ دَرَّسَ فِي الْعَصْرُونِيَّةِ مِنْ قَبْلِ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ لَمَّا قَدِمَ السُّلْطَانُ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ عُزِلَ عَنْ مَنَاصِبِهِ الْكِبَارِ، وَصُودِرَ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ يُقَارِبُ مِائَتَيْ أَلْفٍ، فَبَاعَ كَثِيرًا مِنْ أَمْلَاكِهِ وَمَا بَقِيَ بِيَدِهِ مِنْ وَظَائِفِهِ شَيْءٌ، وَبَقِيَ خَامِلًا مُدَّةً إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَتُوُفِّيَ بَغْتَةً، وَكَانَ قَدْ تَشَوَّشَ قَلِيلًا لَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ الْعَصْرَ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَخَرَجُوا بِهِ مِنْ بَابِ النَّاطَفَانِيِّينَ إِلَى تُرْبَتِهِمُ الَّتِي بِسَفْحِ قَاسِيُونَ رحمه الله.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَامِنَ عَشَرَهُ، خُلِعَ عَلَى الْقَاضِي جَمَالِ الدِّينِ بن قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفِ الدِّينِ الْكَفْرِيِّ الْحَنَفِيِّ، وَجُعِلَ مَعَ أَبِيهِ شَرِيكًا فِي الْقَضَاءِ وَلُقِّبَ فِي التَّوْقِيعِ الْوَارِدِ صُحْبَةَ الْبَرِيدِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ «قَاضِي الْقُضَاةِ» فَلَبِسَ الْخِلْعَةَ بِدَارِ السَّعَادَةِ وَجَاءَ وَمَعَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ