الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ، وَأَنَّ عَامَّةَ السَّاكِنِينَ بِهَا هَلَكُوا تَحْتَ الرَّدْمِ رحمهم الله:
وَفِي أَوَاخِرِ شَهْرِ شَوَّالٍ خَرَجَتِ التَّجَارِيدُ إِلَى الْكَرَكِ وَهُمَا أَمِيرَانِ مُقَدَّمَانِ الْأَمِيرُ عَلَاءُ الدِّينِ قَرَاسُنْقُرُ، وَالْأَمِيرُ الْحَاجُّ بَيْدَمُرُ، وَاشْتَهَرَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنَّ أَمْرَ الْكَرَكِ قَدْ ضَعُفَ وَتَفَاقَمَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ وَضَاقَتِ الْأَرْزَاقُ عِنْدَهُمْ جِدًّا، وَنَزَلَ مِنْهَا جَمَاعَاتٌ مِنْ رُؤَسَائِهَا وَخَاصِّكِيَّةُ الْأَمِيرِ أَحْمَدَ بن الناصر مخامرين عليه، فسيروا من الصبح إلى قلاوون وصحبتهم مقدمون مِنَ الْحَلْقَةِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَأَخْبَرُوا أَنَّ الْحَوَاصِلَ عِنْدَ أَحْمَدَ قَدْ قَلَّتْ جِدًّا فاللَّه الْمَسْئُولُ أَنْ يُحْسِنَ الْعَاقِبَةَ.
وَفِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ تُوُفِّيَ القاضي الامام العلامة برهان الدين ابن عَبْدِ الْحَقِّ شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَاضِي الْقُضَاةِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، بَعْدَ ابْنِ الْحَرِيرِيِّ، ثُمَّ عزل وأقام بدمشق ودرس في أيام تغردمر بِالْعَذْرَاوِيَّةِ لِوَلَدِهِ الْقَاضِي أَمِينِ الدِّينِ، فَذَكَرَ بِهَا الدَّرْسَ يَوْمَ الْأَحَدِ قَبْلَ وَفَاةِ وَالِدِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ مَوْتُ بُرْهَانِ الدِّينِ رحمه الله بِبُسْتَانِهِ مِنْ أَرَاضِي الْأَرْزَةِ بِطَرِيقِ الصَّالِحِيَّةِ، وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ بِمَقْبَرَةِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ رحمه الله، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَحَضَرَ جَنَازَتَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ وَالْأَكَابِرُ رحمه الله.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالدِّيَارِ الشَّامِيَّةِ وما يتعلق بذلك الملك الصالح بن إسماعيل بن السلطان الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَقُضَاتُهُ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي السَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَنَائِبُهُ بِمِصْرَ الْحَاجُّ سَيْفُ الدِّينِ وَوَزِيرُهُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ، وَنَاظِرُ الْخَاصِّ الْقَاضِي مَكِينُ الدين، وناظر الجيوش القاضي علم الدين ابن الْقُطْبِ، وَالْمُحْتَسِبُ الْمُتَقَدِّمُ، وَشَادُّ الدَّوَاوِينِ عَلَمُ الدِّينِ الناصري، وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النَّجِيبِيِّ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ شرنوخ، وَنَاظِرُ الْخِزَانَةِ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، وَبَقِيَّةُ الْمُبَاشِرِينَ وَالنُّظَّارِ هُمُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُمْ، وَكَاتِبُ الدَّسْتِ الْقَاضِي بَدْرُ الدِّينِ بْنُ فَضْلِ الله كاتب السر، والقاضي أمين الدين ابن الْقَلَانِسِيِّ وَالْقَاضِي شِهَابُ الدِّينِ بْنُ الْقَيْسَرَانِيِّ، وَالْقَاضِي شَرَفُ الدِّينِ بْنُ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ الشِّهَابِ محمود، والقاضي علاء الدين شرنوخ.
شَهْرُ الْمُحَرَّمِ أَوَّلُهُ السَّبْتُ اسْتَهَلَّ وَالْحِصَارُ وَاقِعٌ بِقَلْعَةِ الْكَرَكِ، وَأَمَّا الْبَلَدُ فَأُخِذَ وَاسْتُنِيبَ فِيهِ الأمير سيف الدين قبليه، قَدِمَ إِلَيْهَا مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالتَّجَارِيدُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَمِنْ دِمَشْقَ مُحِيطُونَ بِالْقَلْعَةِ، وَالنَّاصِرُ أَحْمَدُ بْنُ النَّاصِرِ مُمْتَنِعٌ مِنَ التَّسْلِيمِ، وَمِنَ الْإِجَابَةِ إِلَى الْإِنَابَةِ. وَمِنَ الدُّخُولِ فِي طَاعَةِ أَخِيهِ، وَقَدْ تَفَاقَمَتِ الْأُمُورُ وَطَالَتِ الْحُرُوبُ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيرٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ، مِنَ الْجُيُوشِ وَمِنْ أَهْلِ الْكَرَكِ، وَقَدْ تَوَجَّهَتِ الْقَضِيَّةُ إِلَى خَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ يَسِيرَةٍ هَرَبَ مِنْ قَلْعَةِ
الْكَرَكِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ أَبُو بَكْرِ بْنُ بَهَادُرَآصْ الَّذِي كَانَ أُسِرَ فِي أَوَائِلِ حِصَارِ الْكَرَكِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَمَالِيكِ النَّاصِرِ أَحْمَدَ، كَانَ اتهمهم بقتل الشهيب أحمد، الَّذِي كَانَ يَعْتَنِي بِهِ وَيُحِبُّهُ، وَاسْتَبْشَرَ الْجُيُوشُ بِنُزُولِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ عِنْدِهِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ يده، وجهز إلى الديار المصرية معظما، وهذا وَالْمَجَانِيقُ الثَّلَاثَةُ مُسَلَّطَةٌ عَلَى الْقَلْعَةِ مِنَ الْبَلَدِ تَضْرِبُ عَلَيْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَتُدَمِّرُ فِي بِنَائِهَا مِنْ دَاخِلٍ، فَإِنَّ سُورَهَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ، ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّ الْحِصَارَ فَتَرَ وَلَكِنْ مَعَ الِاحْتِيَاطِ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ إِلَى الْقَلْعَةِ مِيرَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِمَّا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى الْمُقَامِ فِيهَا، فاللَّه الْمَسْئُولُ أَنْ يُحْسِنَ الْعَاقِبَةَ. وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ قَدِمَ الْبَرِيدُ مُسْرِعًا مِنَ الْكَرَكِ فَأَخْبَرَ بِفَتْحِ الْقَلْعَةِ، وَأَنَّ بَابَهَا أُحْرِقَ، وَأَنَّ جَمَاعَةَ الْأَمِيرِ أَحْمَدَ بْنِ النَّاصِرِ اسْتَغَاثُوا بِالْأَمَانِ، وَخَرَجَ أَحْمَدُ مُقَيَّدًا وَسُيِّرَ عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، وللَّه عَاقِبَةُ الْأُمُورِ وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ رَابِعِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ دَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ، وَزُيِّنَتِ الْبَلَدُ عَنْ مَرْسُومِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ سُرُورًا بِفَتْحِ الْبَلَدِ، وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِ، وَاسْتَمَرَّتِ الزِّينَةُ إِلَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَابِعِهِ، فَرُسِمَ بِرَفْعِهَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَتَشَوَّشَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَوَامِّ، وَأَرْجَفَ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ ظَهَرَ أَمْرُهُ وَبَايَعَهُ الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَقِيقَةٌ، وَدَخَلَتِ الْأَطْلَابُ مِنَ الْكَرَكِ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْأَحَدِ ثَالِثَ عَشَرَ ربيع الأول بالطبلخانات وَالْجُيُوشِ، وَاشْتَهَرَ إِعْدَامُ أَحْمَدَ بْنِ النَّاصِرِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ حَادِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ صُلِّيَ بالجامع الأموي على الشيخ أمين الدِّينِ أَبِي حَيَّانَ النَّحْوِيِّ، شَيْخِ الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ مِنْ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِمِصْرَ عَنْ تِسْعِينَ سَنَةً وَخَمْسَةِ أَشْهُرٍ. ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ قَتْلُ السُّلْطَانِ أَحْمَدَ وَحَزُّ رَأْسِهِ وقطع يديه، وَدَفْنُ جُثَّتِهِ بِالْكَرَكِ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى أَخِيهِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَحَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَدَخَلَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزُّرَعِيُّ عَلَى السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ فَطَلَبَ مِنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكتاش، وَإِطْلَاقِ أُمَرَاءَ مَحْبُوسِينَ بِقَلْعَةِ دِمَشْقَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فأجابه إلى جميع ذلك، وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضع وثلاثين مَرْسُومًا، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ قَدِمَتِ الْمَرَاسِيمُ الَّتِي سَأَلَهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ مِنَ الْمَلِكِ الصَّالِحِ، فَأُمْضِيَتْ كُلُّهَا، أَوْ كَثِيرٌ مِنْهَا، وأفرج عن صلاح الدين بن الْمَلِكِ الْكَامِلِ، وَالْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بِلَوٍ، فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ سَلْخِ هَذَا الشَّهْرِ، ثُمَّ رُوجِعَ في كثير منها وتوقف حَالُهَا.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ عُمِلَتْ مَنَارَةٌ خَارِجَ بَابِ الْفَرَجِ وَفُتِحَتْ مَدْرَسَةٌ كَانَتْ دَارًا قَدِيمَةً فَجُعِلَتْ مَدْرَسَةً لِلْحَنَفِيَّةِ وَمَسْجِدًا، وَعُمِلَتْ طَهَّارَةٌ عَامَّةٌ، وَمُصَلًّى لِلنَّاسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَمِيرِ سيف الدين تقطم الْخَلِيلِيُّ أَمِيرُ حَاجِبٍ كَانَ، وَهُوَ الَّذِي جَدَّدَ الدَّارَ الْمَعْرُوفَةَ بِهِ الْيَوْمَ بِالْقَصَّاعِينَ.
وَفِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ عَاشِرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ تُوُفِّيَ صَاحِبُنَا الْمُحَدِّثُ تَقِيُّ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ صَدْرِ الدِّينِ سُلَيْمَانَ الْجَعْبَرِيُّ زَوْجُ بِنْتِ الشَّيْخِ جَمَالِ الدين المزي، والد شَرَفِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَمَالِ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ فَقِيهًا بِالْمَدَارِسِ، وَشَاهِدًا تَحْتَ السَّاعَاتِ وَغَيْرِهَا، وَعِنْدَهُ فَضِيلَةٌ جَيِّدَةٌ فِي قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ وَشَيْءٌ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَهُ نَظْمٌ مُسْتَحْسَنٌ، انْقَطَعَ يَوْمَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ وَتُوُفِّيَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ، وَكُنْتُ عِنْدَهُ وَقْتَ الْعَشَاءِ الْآخِرَةِ لَيْلَتَئِذٍ، وَحَدَّثَنِي وَضَاحَكَنِي، وَكَانَ خَفِيفَ الرُّوحِ رحمه الله، ثُمَّ تُوُفِّيَ فِي بَقِيَّةِ لَيْلَتِهِ رحمه الله، وَكَانَ أَشْهَدَنِي عَلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ مَا يُسْخِطُ اللَّهَ عز وجل، وَأَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى تَرْكِ الشُّهُودِ أَيْضًا رحمه الله، صُلِّيَ عَلَيْهِ ظُهْرَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ عِنْدَ أَبَوَيْهِ رحمهم الله.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَانِيَ عِشْرِينَ شَهْرِ رَجَبٍ خَطَبَ الْقَاضِي عِمَادُ الدين بْنُ الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ بِجَامِعِ تَنْكِزَ خَارِجَ بَابِ النَّصْرِ عَنْ نُزُولِ الشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ عَلِيِّ بن داود القفجارى لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَيْضًا نَائِبِ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرِ سيف الدين تغردمر وَحُضُورِهِ عِنْدَهُ فِي الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ يَوْمَئِذٍ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَاسِعِ عِشْرِينَ رَجَبٍ تُوُفِّيَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْعَالِمُ جَلَالُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ قَاضِي الْقُضَاةِ حُسَامِ الدِّينِ الرُّومِيُّ الْحَنَفِيُّ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمْعَةِ بِمَسْجِدِ دِمَشْقَ، وَحَضَرَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ وَدُفِنَ بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا إِلَى جَانِبِ الزَّرْدَكَاشِ قَرِيبًا مِنَ الْخَاتُونِيَّةِ الْجَوَّانِيَّةِ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ قَضَاءَ قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي أيام ولاية أبيه الديار الْمِصْرِيَّةِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وقدم الشَّامَ مَعَ أَبِيهِ فَأَقَامُوا بِهَا، ثُمَّ لَمَّا وَلِيَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ لَاجِينُ وَلَّى أَبَاهُ قَضَاءَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَوَلَدَهُ هَذَا قَضَاءَ الشَّامِ، ثُمَّ إِنَّهُ عُزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ثَلَاثِ مَدَارِسَ مِنْ خِيَارِ مَدَارِسِ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ صَمَمٌ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَكَانَ مُمَتَّعًا بحواسه سواه وقواه، وكان يذاكر في العلم وغير ذلك.
وَفِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ القفجارى خَطِيبُ جَامِعِ تَنْكِزَ، وَمُدَرِّسُ الظَّاهِرِيَّةِ، وَقَدْ نَزَلَ عَنْهَا قَبْلَ وَفَاتِهِ بِقَلِيلٍ لِلْقَاضِي عِمَادِ الدِّينِ بْنِ الْعِزِّ الْحَنَفِيِّ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَئِذٍ، وَعِنْدَ بَابِ النَّصْرِ وَعِنْدَ جَامِعِ جَرَّاحٍ وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ ابْنِ الشَّيْرَجِيِّ عِنْدَ وَالِدِهِ، وَحَضَرَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ، وَكَانَ أُسْتَاذًا فِي النَّحْوِ وَلَهُ عُلُومٌ أُخَرُ، لَكِنْ كَانَ نِهَايَةً فِي النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْعَابِدُ النَّاسِكُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الضَّرِيرُ الزُّرَعِيُّ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الظُّهْرِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ وَبِبَابِ النَّصْرِ وَعِنْدَ مَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ، وَدُفِنَ بِهَا قَرِيبًا مِنَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَةَ رحمه الله، وَكَانَ كَثِيرَ التِّلَاوَةِ حَسَنَهَا وَصَحِيحَهَا، كَثِيرَ الْعِبَادَةِ، يُقْرِئُ النَّاسَ مِنْ دَهْرٍ طَوِيلٍ وَيَقُومُ بِهِمُ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ، فِي مِحْرَابِ الْحَنَابِلَةِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ رحمه الله.