الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ أَمِيرُ الْحَاجِّ سَيْفَ الدِّينِ ملك آص وقاضيه شهاب الدين بْنَ الشَّجَرَةِ الْحَاكِمَ بِمَدِينَةِ بِعْلَبَكَّ يَوْمَئِذٍ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، انْتَهَى.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَسُلْطَانُ الْبِلَادِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ وَالْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ سيف الدين شعبان بن الْمَلِكِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ، وَلَيْسَ لَهُ بِمِصْرَ نَائِبٌ، وَقُضَاةُ مِصْرَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَنَائِبُ دِمَشْقَ الْأَمِيرُ سيف الدين يلبغا البحناوي، وَقُضَاةُ دِمَشْقَ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، إلا أن قاضى القضاة عماد الدين بن إِسْمَاعِيلَ الْحَنَفِيَّ نَزَلَ عَنِ الْقَضَاءِ لِوَلَدِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ نَجْمِ الدِّينِ، وَاسْتَقَلَّ بِالْوِلَايَةِ وَتَدْرِيسِ النُّورِيَّةِ، وَبَقِيَ وَالِدُهُ عَلَى تَدْرِيسِ الرَّيْحَانِيَّةِ.
وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الشَّيْخُ الصَّالِحُ مُحَمَّدٌ ابْنُ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ قَوَامٍ بِزَاوِيَتِهِمْ بِالسَّفْحِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ الْجُمْعَةُ بِجَامِعِ الْأَفْرَمِ، ثُمَّ دُفِنَ بِالزَّاوِيَةِ وَحَضَرَهُ الْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهَذَا أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَفُتِحَتْ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الْقَيْسَارِيَّةُ الَّتِي أَنْشَأَهَا الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا نَائِبُ السَّلْطَنَةِ ظَاهِرَ بَابِ الْفَرَجِ وَضُمِنَتْ ضَمَانًا بَاهِرًا بِنَحْوٍ مِنْ سَبْعَةِ آلَافٍ كُلَّ شَهْرٍ، وَدَاخِلَهَا قَيْسَارِيَّةُ تِجَارَةٍ فِي وَسَطِهَا بِرْكَةٌ وَمَسْجِدٌ، وَظَاهِرَهَا دَكَاكِينُ وَأَعَالِيهَا بُيُوتٌ لِلسَّكَنِ.
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عُقِدَ مَجْلِسٌ بِمَشْهَدِ عُثْمَانَ لِلنُّورِ الْخُرَاسَانِيِّ، وكان يقرأ الْقُرْآنَ فِي جَامِعِ تَنْكِزَ، وَيُعَلِّمُ النَّاسَ أَشْيَاءَ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، ادُّعِيَ عَلَيْهِ فِيهِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعَقَائِدِ وَيُطْلِقُ عِبَارَاتٍ زَائِدَةً عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ، وَشَهِدَ عليه ببعض أشياء مُتَعَدِّدَةٍ، فَاقْتَضَى الْحَالُ أَنَّ عُزِّرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَطِيفَ بِهِ فِي الْبَلَدِ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى السِّجْنِ مُعْتَقَلًا. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ الثَّانِي عِشْرِينَ مِنْهُ شَفَعَ فِيهِ الْأَمِيرُ أَحْمَدُ بْنُ مُهَنَّا مَلِكُ الْعَرَبِ عِنْدَ نَائِبِ السَّلْطَنَةِ فَاسْتَحْضَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَطْلَقَهُ إِلَى أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ، وَلَمَّا كَانَ تَارِيخُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَالِثَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى صَلَّى نَائِبُ السَّلْطَنَةِ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدين يلبغا البحناوي الناصري بجامع تتكز ظَاهِرَ دِمَشْقَ بَرَّا بَابِ النَّصْرِ، وَصَلَّى عِنْدَهُ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ وَالْمَالِكِيُّ وَكِبَارُ الْأُمَرَاءِ، وَلَمَّا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ صَلَّى وَقَعَدَ بَعْضُ مَمَالِيكِهِ عَنِ الصَّلَاةِ وَمَعَهُ السِّلَاحُ حِرَاسَةً لَهُ، ثُمَّ لَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ اجْتَمَعَ بِالْأُمَرَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَتَشَاوَرُوا طَوِيلًا، ثُمَّ نَهَضَ النَّائِبُ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ فَلَمَّا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ بَرَزَ بِخَدَمِهِ وَمَمَالِيكِهِ وَحَشَمِهِ وَوِطَاقِهِ وَسِلَاحِهِ وَحَوَاصِلِهِ، وَنَزَلَ قِبْلِيَّ مَسْجِدِ الْقَدَمِ وَخَرَجَ الْجُنْدُ وَالْأُمَرَاءُ فِي آخِرِ النَّهَارِ وَانْزَعَجَ النَّاسُ، وَاتَّفَقَ طُلُوعُ الْقَمَرِ خَاسِفًا، ثُمَّ خَرَجَ الجيش ملبسا تحت الثياب وعليه التراكيس بالنشاب والخيول والجنابات، وَلَا يَدْرِي النَّاسُ مَا الْخَبَرُ، وَكَانَ
سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ بَلَغَهُ أَنَّ نائب صغد قَدْ رَكِبَ إِلَيْهِ لِيَقْبِضَ عَلَيْهِ، فَانْزَعَجَ لِذَلِكَ وَقَالَ:
لَا أَمُوتُ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ أَفْرَاسِي، لَا عَلَى فِرَاشِي، وَخَرَجَ الْجُنْدُ وَالْأُمَرَاءُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَفُوتَهُمْ بِالْفِرَارِ، فَنَزَلُوا يَمْنَةً وَيَسْرَةً، فَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ بَلِ اسْتَمَرَّ بِهَا يَعْمَلُ النِّيَابَةَ وَيَجْتَمِعُ بِالْأُمَرَاءِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى، وَيَسْتَمِيلُهُمْ إِلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الرَّأْيِ، وَهُوَ خَلْعُ الْمَلِكِ الْكَامِلِ شَعْبَانَ لِأَنَّهُ يُكْثِرُ مِنْ مَسْكِ الْأُمَرَاءِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَيَفْعَلُ أَفْعَالًا لَا تَلِيقُ بِمِثْلِهِ، وَذَكَرُوا أُمُورًا كَثِيرَةً، وَأَنْ يُوَلُّوا أَخَاهُ أَمِيرَ حَاجِّي بْنَ النَّاصِرِ لِحُسْنِ شكالته وجميل فعله، ولم يزل يفتلهم فِي الذِّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى أَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، ووافقوه عليه، وسلموا له ما يدعيه، وتابعوا على ما أشار إليه وبايعوه، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْبَعْثِ إِلَى نُوَّابِ الْبِلَادِ يستميلهم إلى ما مالأ عَلَيْهِ الدِّمَشْقِيُّونَ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ، وَشَرَعَ أَيْضًا فِي التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ، وَأَخْرَجَ بَعْضَ مَنْ كَانَ الْمَلَكُ الْكَامِلُ اعْتَقَلَهُ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَرَدَّ إِلَيْهِ إِقْطَاعَهُ بَعْدَ مَا بَعَثَ الملك الكامل إلى من أقلعه [1] مَنْشُورَهُ، وَعَزَلَ وَوَلَّى وَأَخَذَ وَأَعْطَى، وَطَلَبَ التُّجَّارَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ثَامِنَ عَشَرَهُ لِيُبَاعَ عَلَيْهِمْ غِلَالُ الْحَوَاصِلِ السُّلْطَانِيَّةِ فَيَدْفَعُوا أَثْمَانَهَا فِي الْحَالِ، ثُمَّ يَذْهَبُوا فَيَتَسَلَّمُوهَا مِنَ الْبِلَادِ الْبَرَّانِيَّةِ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْقُضَاةُ عَلَى الْعَادَةِ وَالْأُمَرَاءُ وَالسَّادَةُ، وَهَذَا كُلُّهُ وَهُوَ مُخَيِّمٌ بِالْمَكَانِ الْمَذْكُورِ، لَا يَحْصُرُهُ بَلَدٌ وَلَا يَحْوِيهِ سُورٌ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ رَابِعِ جُمَادَى الْآخِرَةِ خَرَجَتْ تَجْرِيدَةٌ نَحْوُ عَشَرَةٍ طَلِيعَةً لتلقى من يقدم مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، بِبَقَاءِ الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُمُ النَّائِبُ، وَرُبَّمَا عَاقَبَ بَعْضَهُمْ، ثُمَّ رَفَعَهُمْ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَأَهِلُ دِمَشْقَ مَا بَيْنَ مُصَدِّقٍ بِاخْتِلَافِ الْمِصْرِيِّينَ وَمَا بَيْنَ قَائِلٍ السُّلْطَانُ الْكَامِلُ قَائِمُ الصُّورَةِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَالتَّجَارِيدُ الْمِصْرِيَّةُ وَاصِلَةٌ قَرِيبًا، وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ خَبْطَةٍ عَظِيمَةٍ. وَتَشَوَّشَتْ أَذْهَانُ النَّاسِ وَأَحْوَالُهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُحْسِنَ الْعَاقِبَةَ.
وَحَاصِلُ الْقَضِيَّةِ أَنَّ الْعَامَّةَ مَا بَيْنَ تَصْدِيقٍ وَتَكْذِيبٍ، وَنَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَخَوَاصُّهُ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ الْأُمَرَاءَ عَلَى خُلْفٍ شَدِيدٍ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَيْنَ السُّلْطَانِ الْكَامِلِ شَعْبَانَ وَبَيْنَ أَخِيهِ أَمِيرِ حَاجِّي، وَالْجُمْهُورُ مَعَ أَخِيهِ أَمِيرِ حَاجِّي، ثُمَّ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى النَّائِبِ بِأَنَّ التَّجَارِيدَ الْمِصْرِيَّةَ خَرَجَتْ تَقْصِدُ الشَّامَ وَمَنْ فِيهِ مِنَ الْجُنْدِ لِتُوَطِّدَ الْأَمْرَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَرَاجَعَتْ رُءُوسُ الْأُمَرَاءِ فِي اللَّيْلِ إِلَى مِصْرَ وَاجْتَمَعُوا إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِمَّنْ هُوَ مُمَالِئٌ لَهُمْ عَلَى السُّلْطَانِ، فَاجْتَمَعُوا وَدَعَوْا إِلَى سَلْطَنَةِ أمير حاجي وضربت الطبلخانات وَصَارَتْ بَاقِي النُّفُوسِ مُتَجَاهِرَةً عَلَى نِيَّةِ تَأْيِيدِهِ، ونابذوا السلطان الكامل، وعدوا عليه مساويه، وَقُتِلَ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ، وَفَرَّ الْكَامِلُ وَأَنْصَارُهُ فَاحْتِيطَ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ أَرْغُونُ الْعَلَائِيُّ زَوْجُ ابْنَتِهِ وَاسْتَظْهَرَ أَيْضًا أَمِيرَ حَاجِّي فَأَجْلَسُوهُ عَلَى السَّرِيرِ وَلَقَّبُوهُ بِالْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى النَّائِبِ بِذَلِكَ، فَضُرِبَتِ الْبَشَائِرُ عِنْدَهُ، وَبُعِثَ إِلَى نَائِبِ الْقَلْعَةِ فامتنع من ضربها، وكان قد
[1] كذا بالأصول التي بأيدينا.
طُلِبَ إِلَى الْوِطَاقِ فَامْتَنَعَ مِنَ الْحُضُورِ، وَأَغْلَقَ بَابَ الْقَلْعَةِ، فَانْزَعَجَ النَّاسُ وَاخْتَبَطَ الْبَلَدُ، وَتَقَلَّصَ وُجُودُ الْخَيْرِ، وَحُصِّنَتِ الْقَلْعَةُ وَدَعَوْا لِلْكَامِلِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً عَلَى الْعَادَةِ، وَأَرْجَفَ الْعَامَّةُ بِالْجَيْشِ عَلَى عادتهم في كثرة فصولهم، فَحَصَلَ لِبَعْضِهِمْ أَذِيَّةٌ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَامِنِ الشَّهْرِ قَدِمَ نَائِبُ حَمَاةَ إِلَى دِمَشْقَ مطيعا لنائب السلطنة في تجمل وأبهة، ثم أجريت له عَادَةُ أَمْثَالِهِ.
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ وُقِّعَتْ بِطَاقَةٌ بِقُدُومِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بَيْغَرَا حَاجِبِ الْحُجَّابِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ لِأَجْلِ الْبَيْعَةِ لِلسُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ، فَدَقَّتِ الْبَشَائِرَ بِالْوِطَاقِ، وَأُمِرَ بِتَزْيِينِ الْبَلَدِ، فَزَيَّنَ النَّاسُ وَلَيْسُوا مُنْشَرِحِينَ، وَأَكْثَرُهُمْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا مَكْرٌ وَخَدِيعَةٌ، وَأَنَّ التَّجَارِيدَ الْمِصْرِيَّةَ وَاصِلَةٌ قَرِيبًا. وَامْتَنَعَ نَائِبُ الْقَلْعَةِ مِنْ دَقِّ الْبَشَائِرِ وَبَالَغَ فِي تَحْصِينِ الْقَلْعَةِ، وَغَلْقِ بَابِهَا، فَلَا يُفْتَحُ إِلَّا الْخَوْخَةُ الْبَرَّانِيَّةُ وَالْجَوَّانِيَّةُ، وَهَذَا الصَّنِيعُ هُوَ الَّذِي يُشَوِّشُ خَوَاطِرَ الْعَامَّةِ، يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ ثَمَّ شَيْءٌ لَهُ صِحَّةٌ كَانَ نَائِبُ الْقَلْعَةِ يَطَّلِعُ عَلَى هَذَا قَبْلَ الْوِطَاقِ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ بَعْدَ الزَّوَالِ قَدِمَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ بَيْغَرَا إِلَى الْوِطَاقِ، وَقَدْ تَلَقَّوْهُ وَعَظَّمُوهُ، وَمَعَهُ تَقْلِيدُ النِّيَابَةِ مِنَ الْمُظَفَّرِ إِلَى الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ يَلْبُغَا نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَكِتَابٌ إِلَى الأمراء بالسلام. ففرحوا بذلك وبايعوه وانضمت الْكَلِمَةُ وللَّه الْحَمْدُ. وَرَكِبَ بَيْغَرَا إِلَى الْقَلْعَةِ فَتَرَجَّلَ وَسَلَّ سَيْفَهُ وَدَخَلَ إِلَى نَائِبِ الْقَلْعَةِ فَبَايَعَهُ سَرِيعًا وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ فِي الْقَلْعَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَطَابَتْ أَنْفُسُ النَّاسِ ثُمَّ أَصْبَحَتِ الْقَلْعَةُ فِي الزِّينَةِ وَزَادَتِ الزِّينَةُ فِي الْبَلَدِ وَفَرِحَ النَّاسُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ حَادِيَ عَشَرَ الشَّهْرِ دَخَلَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ مِنَ الْوِطَاقِ إِلَى الْبَلَدِ وَالْأَطْلَابُ بَيْنَ يَدَيْهِ في تجمل وطبلخانات عَلَى عَادَةِ الْعَرْضِ، وَقَدْ خَرَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ إلى الفرجة، وَخَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالتَّوْرَاةِ، وَأُشْعِلَتِ الشُّمُوعُ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.
وَقَدْ صَلَّى فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِالشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ صَبِيٌّ عُمُرُهُ سِتُّ سِنِينَ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ وَامْتَحَنْتُهُ فَإِذَا هُوَ يُجِيدُ الْحِفْظَ وَالْأَدَاءَ، وَهَذَا مِنْ أَغْرَبِ مَا يَكُونُ. وَفِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فرغ من بناء الحمامين الّذي بَنَاهُمَا نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِالْقُرْبِ مِنِ الثَّابِتِيَّةِ فِي خَانِ السُّلْطَانِ الْعَتِيقِ، وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الرِّبَاعِ وَالْقِرَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ حَادِيَ عَشَرَهُ اجْتَمَعَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَوَكِيلُ بيت المال والدولة عند تل المستقين، مِنْ أَجْلِ أَنَّ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ قَدْ عَزَمَ عَلَى بِنَاءِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ جَامِعًا بِقَدْرِ جَامِعِ تَنْكِزَ، فَاشْتَوَرُوا هُنَالِكَ، ثُمَّ انْفَصَلَ الْحَالُ عَلَى أَنْ يُعْمَلَ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَالِثِ ذِي الْقِعْدَةِ صُلِّيَ عَلَى الشَّيْخِ زين الدين عبد الرحمن بن تيمية، أخو الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَانِيَ عَشَرَهُ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْقَطَنَانِيُّ بِقَطَنَا، وَكَانَ قَدِ اشْتَهَرَ أَمْرُهُ فِي هَذِهِ السِّنِينَ، وَاتَّبَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفَلَّاحِينَ وَالشَّبَابِ المنتمين إلى طريقة أحمد ابن الرِّفَاعِيِّ، وَعَظُمَ أَمْرُهُ وَسَارَ ذِكْرُهُ، وَقَصَدَهُ الْأَكَابِرُ لِلزِّيَارَةِ مَرَّاتٍ، وَكَانَ يُقِيمُ السَّمَاعَاتِ عَلَى عَادَةِ