المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب المدبر والمكاتب وأم الولد - البدر التمام شرح بلوغ المرام ت الزبن - جـ ١٠

[الحسين بن محمد المغربي]

الفصل: ‌باب المدبر والمكاتب وأم الولد

‌باب المدبر والمكاتب وأم الولد

المدبر بفتح الباء: اسم مفعول، هو الذي علق عتقه بموت مالكه؛ سمي بذلك لأن الموت دبر الحياة، أو لأن فاعله دبر أمر دنياه وآخرته؛ أما دنياه فباستمراره على الانتفاع بخدمة عبده، وأما آخرته فبتحصيل ثواب العتق، وهو راجع إلى الأول؛ لأن تدبير الأمور راجع إلى النظر في العاقبة، فيرجع إلى دبر الأمر وهو آخره. والمكاتب بفتح التاء اسم مفعول: مَنْ وقعت عليه الكتابة، وبالكسر اسم فاعل: مَن تقع منه الكتابة، والكتابة مصدر بكسر الكاف وفتحها، قال الراغب (1): اشتقاقها من كتب بمعنى أوجب، ومنه قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (2). {نَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (3). أو بمعنى وجب وضم، ومنه كتب الخط، وعلى الأول فالمناسبة أن الكتابة يلتزم فيها أداء المال المناسب، بمعنى (أ) الوجوب، أي: الثبوت، وعلى الثاني، فلما يكون عند عقدها من كتابة نجوم الأداء وعقدها غالبًا. قال الروياني (4): الكتابة إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية. وقال ابن التين (4): كانت الكتابة متعارفة قبل الإِسلام فأقرها

(أ) في ب: لمعنى.

_________

(1)

المفردات في غريب القرآن ص 425.

(2)

الآية 183 من سورة البقرة.

(3)

الآية 103 من سورة النساء.

(4)

الفتح 5/ 184.

ص: 127

النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن خزيمة في كلامه على حديث بريرة: قيل: إن بريرة أول مكاتبة في الإِسلام، وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية بالمدينة، وأول من كوتب في الإِسلام من الرجال سلمان. وقال ابن التين حكاية (1): أن أول من كوتب أبو المؤمل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " [أعينوه] "(أ). وأول من كوتب من النساء بريرة، وأول من كوتب بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو أمية مولى عمر، [ثم](ب) سيرين مولى أنس.

وحقيقة الكتابة تعليق عتق على أداء مال أو نحوه من مالك أو نحوه لمملوك، وهي (جـ) على خلاف القياس عند من يقول: إن العبد لا يملك. وهي لازمة من جهة السيد إلا إن عجز العبد، وجائزة غير واجبة عليه على الراجح من أقوال العلماء. وأم الولد هي من ولدت من مالكها.

1196 -

وعن جابر رضي الله عنه، أن رجلًا من الأنصار أعتق غلامًا له (د)، عن دبر لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم. متفق عليه (2). وفي لفظ البخاري: فاحتاج. وفي رواية النسائي (3): وكان عليه دين فباعه

(أ) في ب، جـ: أعتقوه. والمثبت من الفتح.

(ب) في ب، جـ: بن. والمثبت من الفتح.

(جـ) في جـ: هو.

(د) ساقطة من: جـ.

_________

(1)

فتح الباري 5/ 184.

(2)

البخاري، كتاب البيوع، باب بيع المزايدة 4/ 354 ح 2141، ومسلم، كتاب الأيمان، باب جواز بيع المدبر 3/ 1289 ح 997/ 58.

(3)

النسائي في "الكبرى" كتاب العتق، باب التدبير 3/ 192 ح 5004.

ص: 128

بثمانمائة درهم فأعطاه وقال: "اقض دينك".

قوله: أن رجلًا. اسمه مذكور، والغلام اسمه يعقوب. كذا في رواية مسلم وأبي داود والنسائي (1)، والغلام قبطي. كذا في رواية مسلم (2) وابن أبي شيبة (3)، ومات أول عام في إمارة ابن الزبير.

والحديث فيه دلالة على مشروعية التدبير، وهو متفق عليه، وله ألفاظ صريحة وكناية، فصريحه (أ): أنت حرٌّ على دبر مني. أو: أنت مُدَبَّر. وأما: أنت حر بعد موتي. فقال مالك (4): إذا قاله وهو صحيح، فالظاهر أنه وصية، والقول قوله في ذلك، ويجوز رجوعه إلا أن يريد التدبير. وبه قال ابن (ب) القاسم، وقال (أبو حنيفة): الظاهر أنه تدبير فليس له الرجوع. وقال به من أصحاب مالك أشهب، إلا أن يكون هناك قرينة تدل على الوصية، مثل أن يكون على سفر، أو يكون مريضًا، أو ما أشبه ذلك من الأحوال التي جرت العادة أن يكتب الناس فيها وصاياهم. وجعله الإِمام المهدي في "البحر" صريح التدبير، وجعل في: دبرتك. احتمال الصريح والكناية، واختلف العلماء: هل ينفذ من رأس المال أو من الثلث؟ فذهب

(أ) في جـ: بصريحه.

(ب) ساقطة من: ب.

(جـ- جـ) ساقط من: جـ.

_________

(1)

مسلم 2/ 693 عقب ح 997/ 41، وأبو داود ح 3957، والنسائي في الكبرى 3/ 192 ح 5006.

(2)

مسلم 3/ 1289 ح 997.

(3)

ابن أبي شيبة 6/ 174.

(4)

المدونة الكبرى 3/ 295.

ص: 129

الجمهور إلى أنه ينفذ من الثلث، وذهب ابن مسعود والحسن البصري وسعيد بن جبير والنخعي ومسروق والظاهرية إِلى أنه ينفذ من رأس المال، وحجة الأولين القياس على الوصية بجامع أنه مال ينفذ بعد الموت فيكون من الثلث، وبما أخرجه البيهقي (1) من حدثنا علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر:"المدبر من الثلث". مرفوعًا، ورواه الشافعي (2) أيضًا عن علي بن ظبيان وقال: قلت لعلي: كيف هو؟ قال: كنت أحدث به مرفوعًا، فقال لي أصحابي: ليس هو بمرفوع. فوقفته. قال الشافعي: و (أ) الحفاظ يقفونه على ابن عمر. ورواه الدارقطني (3) من حديث عبيدة بن حسان (4) عن أيوب عن نافع مرفوعًا بلفظ: "المدبر لا يباع ولا يوهب، وهو حر من الثلث". قال أبو [حاتم](ب)(5): عبيدة منكر الحديث. وقال الدارقطني في "العلل"(6): الأصح وقفه. وقال العقيلي (7): لا يعرف إلا بعلي بن ظبيان وهو منكر الحديث (8). وقال أبو زرعة (9): الموقوف أصح. بل قال

(أ) ساقطة من: ب.

(ب) ساقطة من: ب، جـ. والمثبت من التلخيص الحبير 4/ 215.

_________

(1)

البيهقي 10/ 314.

(2)

الأم 8/ 18.

(3)

الدارقطني 4/ 138 ح 50.

(4)

عبيدة بن حسان العنبري السنجاري، قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. المجروحين 2/ 189، ولسان الميزان 4/ 125.

(5)

الجرح والتعديل 6/ 92.

(6)

العلل 4/ 108 - مخطوط.

(7)

الضعفاء الكبير 3/ 234.

(8)

تقدمت ترجمته في 2/ 154.

(9)

العلل لابن أبي حاتم 2/ 432.

ص: 130

أبو زرعة: بل (أ) رفعه باطل. وقال ابن القطان (1): المرفوع ضعيف. وقال البيهقي (2): الصحيح موقوف كما رواه الشافعي. وروي من وجه آخر عن أبي قلابة مرسلًا، أن رجلًا أعتق عبدًا له عن دبر فجعله النبي صلى الله عليه وسلم من الثلث، وعن علي كذلك موقوفًا عليه، وروى بسنده عن عثمان بن أبي شيبة أنه قال: حديث علي بن ظبيان خطأ (3). وعلي بن ظبيان هو قاضي بغداد تفقه بأبي حنيفة. وحجة الآخرين القياس على الهبة ونحوها مما يخرجه الإنسان من ماله في حال حياته فأشبه الهبة، وكأنهم رجعوا إلى القياس لما ضعف الحديث، ولكنه يقال: هذا الحديث وإن ضعف فضعفه لأجل الوقف، إلا أنه مؤيد بالقياس على الوصية، ويتأيد بصحة بيعه (ب) لإعسار صاحبه، فإن أكثر التصرفات التي تنقض إنما هي ما لم تكن نافذة في حال الحياة، وهذا في الوصية لا في غيرها، فهذا لما نقض كان كالوصية، وإن كان النقض لأجل إعسار السيد فهي قضية عينية لا يمنع البيع لغيرها، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها، أنها باعت جارية سَحَرتها وقد كانت مُدَبَّرة (4). ولعل هذا حجة الهدوية الذين قالوا: إنه يجوز بيع المدبر لفسق أو ضرورة.

والحديث فيه دلالة على صحة بيع المدبر ولكن في حق من لا مال له،

(أ) ساقطة من: جـ.

(ب) في جـ: منعه.

_________

(1)

التلخيص الحبير 4/ 215.

(2)

البيهقي 10/ 314.

(3)

التلخيص الحبير 4/ 216.

(4)

أحمد 6/ 40.

ص: 131

كما في رواية البخاري، أو في قضاء الدين، كما في رواية النسائي، وقد احتج بهذا الهادي والقاسم والمؤيد وأبو طالب، أنه لا يجوز بيعه إلا لضرورة، وذهب إليه طاوس أيضًا، وذهب مالك وأبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة إلى أنه ليس للسيد أن يبيع مُدَبَّره، قالوا: لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (1). ولأنه عتق إلى أجل فأشبه أم الولد، أو أشبه العتق المطلق، إلا أن مالكًا قال: إذا باعه إلى من يعتقه نفذ البيع والعتق، وقال أبو حنيفة والكوفيون: البيع مفسوخ سواء أعتقه المشتري أم لم يعتقه. وظاهر كلامهم أنه لا يصح بيعه ولو للدين، والحديث يرد عليهم ويكون تخصيصًا (ب) لعموم الآية، وذهب الشافعي وأحمد وأهل الظاهر وأبو ثور وأهل الحديث، ونقله البيهقي في "المعرفة"(2) عن أكثر الفقهاء، إلى أن للسيد أن يبيع مدبره، قالوا: لحديث جابر، ولشبهه بالوصية، وينفذ غير البيع من الهبة والنذر كما يبطل الوصية، والحديث لم يكن فيه قصر الحكم على حالة الحاجة والضرورة، وإنما الواقع [جزئي](أ) من جزئيات صور بيعه، وقياسه على الوصية يؤيد اعتبار الجواز المطلق، وأبو حنيفة يجوّز بيعه إذا كان التدبير مقيدًا كـ: إن مت في شهري أو مرضي هذا. لشبهه بالمشروط، كذا روى الخلاف هذا عن أبي حنيفة في "البحر"، وكذا في "ملتقى الأبحر"، ورده

(أ) في جـ: مخصصا.

(ب) في ب، جـ: جزأين. والمثبت من السبل 4/ 290.

_________

(1)

الآية 1 من سورة المائدة.

(2)

معرفة السنن والآثار 7/ 528.

ص: 132

الإِمام المهدي بأن الدليل لم يفصل (أ)، وبأن المختار في مثل هذا أنه ليس بتدبير بل عتق معلق على شرط، وفيه تفصيل؛ أنه إن قصد به تنجيز العتق بطل العتق؛ لأنه بعد موته قد صار في ملك الورثة، وإن قصد به الوصية كان وصية، وقد تقدم الخلاف في هذا، وروي عن أحمد الجواز في المدبرة دون المدبر. وعن الليث: يجوز إن شرط على المشتري عتقه. وعن ابن سيرين: يبيعه من نفسه.

1197 -

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم". أخرجه أبو داود (1) بإسناد حسن، وأصله عند أحمد والثلاثة وصححه الحاكم (2).

رووا الحديث من طرق، ورواه النسائي وابن حبان (3) من وجه آخر من حديث عطاء عن عبد الله بن عمرو في حديث طويل ولفظه:"ومن كان مكاتبًا على مائة درهم فقضاها إلا أوقية فهو عبد". قال النسائي (4): هذا

(أ) في ب: يفضل.

_________

(1)

أبو داود، كتاب العتق، باب المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت 4/ 19 ح 3926.

(2)

أحمد 2/ 178، وأبو داود، كتاب العتق، باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته 4/ 20 ح 3927، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي 3/ 561 ح 1260، والنسائي في الكبرى، كتاب العتق، باب المكاتب يؤدي بعض كتابته 3/ 197 ح 5026، والحاكم، كتاب العتق 2/ 218.

(3)

النسائي في الكبرى 3/ 197 ح 5027، وابن حبان 10/ 161 ح 4321.

(4)

التلخيص الحبير 4/ 216.

ص: 133

حديث منكر، وهو عندي خطأ. وقال ابن حزم (1): عطاء عندي هذا هو الخراساني ولم يسمع من عبد الله بن عمرو. وقال الشافعي (2) في حديث عمرو بن شعيب: لا أعلم أحدًا روى هذا إلا عمرو بن شعيب، ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته، وعلى هذا فتيا المفتين. واخرج ابن أبي شيبة (3) موقوفًا على عائشة رضي الله عنها عن سليمان بن يسار قال: استأذنت على عائشة فعرفت صوتي فقالت: سليمان (أ)؟ فقلت: سليمان. فقالت: أديت ما بقي عليك من كتابتك؟ قلت: نعم، إلا شيئًا يسيرًا. قالت: ادخل فإنك عبد ما بقي عليك شيء. وأخرج الشافعي (4) أن زيد بن ثابت قال في المكاتب: هو عبد ما بقي عليه درهم.

والحديث فيه دلالة على أن المكاتب إذا لم يوف ما عليه من مال الكتابة فهو عبد له أحكام المملوك جميعها، وقد ذهب إلى هذا الجمهور؛ منهم عمر وابن عمر وعائشة وأم سلمة والحسن وابن المسيب والزهري والثوري والهادي وأبو حنيفة والشافعي ومالك، وقد روي عن علي (5)، أنه يعتق إذا أدّى الشطر. ورواية عنه (6) أنه يعتق منه بقدر ما أدّى. وعن ابن

(أ) في حاشية ب: كان مولى لميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

_________

(1)

المحلى 10/ 274.

(2)

البيهقي 10/ 327.

(3)

ابن أبي شيبة 6/ 147.

(4)

مسند الشافعي 2/ 136 ح 227.

(5)

المحلى 10/ 271، والمغني 14/ 453.

(6)

عبد الرزاق 8/ 410 ح 15734، وابن أبي شيبة 6/ 152.

ص: 134

مسعود (1): لو كاتبه على ما في أوقية وقيمته مائة فأدى المائة عتق. وهو رواية عن عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت (2). والأشهر عنهم مثل قول الجمهور، وروي عن بعض من السلف أنه يعتق بعقد الكتابة. وعن بعض: إذا أدى الثلث. وقول الجمهور هو الأولى، وهو متأيد بالآثار عن (1) الصحابة وقد صحت عنهم الرواية، وروى ذلك مالك في "الموطأ"(3)، ولأنه أخذ بالاحتياط في ملك السيد لا يزول إلا بما قد رضي به من تسليم ما عقد عليه، وشبهة من قال: يعتق بعقد الكتابة. أنه شبه الكتابة بالبيع، فكأن المكاتب اشترى نفسه من سيده. ومن ذهب إلى أنه يعتق منه بقدر ما أدى احتج بما أخرجه النسائي (4) من حديث يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يُودى المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقى دية عبد". قال البيهقي (5): قال أبو عيسى فيما بلغني عنه: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة عن علي رضي الله عنه. قال البيهقي: فاختلف على عكرمة فيه، ورواية عكرمة عن علي مرسلة، ورواه حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وجعله إسماعيل من قول عكرمة. وروي موقوفًا عن علي

(أ) زاد في جـ: بعض.

_________

(1)

عبد الرزاق 8/ 411 عقب ح 15737، والمحلى 10/ 271، 272.

(2)

ينظر بداية المجتهد 8/ 371.

(3)

الموطأ 2/ 787 ح 1.

(4)

النسائي 8/ 415.

(5)

البيهقي 10/ 325، 326.

ص: 135

من طرق أخرجها البيهقي، ومن طرق مرفوعًا (1). وقد ذهب إلى هذا من الهدوية المؤيد بالله وأبو طالب، وهذا الخلاف إنما هو في جري الأحكام على المكاتب في الحدود والدية وغيرها. وأما بيع المكاتب فقد تقدم الكلام عليه في كتاب البيع (2).

1198 -

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه". رواه أحمد والأربعة (3) وصححه الترمذي.

الحديث من رواية سفيان عن الزهريّ. قال الشافعي (4): ولم أحفظ عن سفيان أن الزهريّ سمعه من نبهان مكاتب أم سلمة (5). وقد روي من حديث معمر عن الزهريّ، قال الشافعي: ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبت واحدًا من هذين الحديثين. يعني حديث نبهان وحديث عمرو بن شعيب الذي مرَّ وتعقب عليه البيهقي بأن حديث عمرو قد روي من أوجه، وحديث نبهان قد صرح فيه معمر بسماع الزهريّ من نبهان، إلا أن البخاري ومسلمًا لم يخرجا حديث نبهان في الصحيح، وكأنه لم تثبت عدالته عندهما، أو لم يَخْرُجْ من حد الجهالة برواية عدل عنه، وقد أخرجه ابن

(1) البيهقي 10/ 326.

(2)

تقدم 6/ 46، 47.

(3)

أحمد 6/ 289، وأبو داود، كتاب العتق، باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت 4/ 20 ح 3928، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي 3/ 562 ح 1261، والنسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، دخول العبد على سيدته ونظره إليها 5/ 389 ح 9228، وابن ماجه، كتاب العتق، باب المكاتب 2/ 842 ح 2520.

(4)

البيهقي 10/ 327.

(5)

تقدمت ترجمة نبهان في 2/ 401.

ص: 136

خزيمة (1) عن أبي بكر بن إسحاق [الصغاني](أ) عن قبيصة عن سفيان عن محمَّد بن عبد الرحمن مولى [آل](ب) طلحة عن مكاتب مولى أم سلمة يقال له: نبهان. فذكر هذا الحديث، وأخرجه محمَّد بن يحيى الذهلي (2) عن محمَّد بن يوسف عن سفيان بالإسناد الأول، فذكر حديث نبهان.

الحديث فيه دلالة على أن المكاتب إذا كان معه وفاء مال الكتابة، أنه قد صار حرًّا فتحتجب منه سيدته، وظاهره: وإن لم يكن قد سلَّم ذلك. وهو يخالف حديث عمرو بن شعيب، ولذلك تأوله الشافعي وقال (3): إن هذا يجوز أن يكون خاصًّا بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو احتجابهن عن المكاتب، وإن لم يكن قد سلَّم مال الكتابة إذا كان يجده، ولا (جـ) منع من ذلك كما منع سودة من نظر ابن زمعة إليها مع أنه قد قال:"الولد للفراش"(4). وهو قريب، وأما ما رواه عبد الله بن زياد بن سمعان (5) عن ابن شهاب أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لنبْهان مكاتبها: ادفع ما بقي من كتابتك إلى ابن أخي ابن عبد الله بن أبي أمية فإني قد أعنته بها، ثم لا تكلمني إلا من وراء حجاب.

(أ) في الأصل، جـ: الصنعاني. والمثبت من مصدر التخريج، وينظر الأنساب 3/ 508، 542.

(ب) في الأصل، جـ: أبي. والمثبت من مصدر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 25/ 614.

(جـ) في جـ: إلا.

_________

(1)

ابن خزيمة -كما في البيهقي 10/ 327.

(2)

الذهلي -كما في البيهقي 10/ 327.

(3)

البيهقي 10/ 327.

(4)

تقدم ح 931.

(5)

البيهقي 10/ 328.

ص: 137

فبكى نبهان، فقالت أم سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "إذا كاتبت إحداكن عبدها [فليرها] (أ) ما بقي عليه شيء من كتابته، فإذا قضاها فلا تكلمن إلا من وراء حجاب". فهو ضعيف، ورواية الثقات عن الزهريّ بخلافه.

والحديث فيه دلالة بمفهومه، وهو مفهوم الشرط، أنه يجوز له النظر إذا لم يكن معه وفاء مال الكتابة أولم يؤد ذلك، وذلك لأنه باق على ملك المكاتبة، والمملوك يجوز له النظر إلى سيدته، وهو موافق لقوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} . في سورة "النور"(1) وقد ذهب إلى هذا أكثر السلف، ورواه في "البحر" عن عائشة وابن المسيب وأحد قولي الشافعي؛ للآية الكريمة ولحديث أم سلمة، ويحتج أيضًا لهم بقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة لما تقنعت بثوب إذا قنعت رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فقال صلى الله عليه وسلم:"ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك"(2). ثم قال: وذهب الهدوية وأبو حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي إلى أن المملوك كالأجنبي؛ بدليل صحة تزويجها إياه بعد العتق، وأجاب عن الآية بأن سعيد بن المسيب قال: لا تغرنكم آية "النور" فالمراد بها الإماء (3). وأن سعيدًا رجع عن مذهبه، قال في "البحر": وخصهن بالذكر رفعًا لتوهم مخالفتهن للحرائر في قوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} . إذ الإماء ليس من نسائهن، إذ الإضافة تقتضي أن المراد أمثالهن، وقالت ميسون لمعاوية في الخصي: إن المثلة لا تحل ما حرم الله. وأجاب عن حديث أم سلمة بأنه مفهوم لا يؤخذ به انتهى. ولا يخفى

(أ) في ب، جـ: فليراها. والمثبت من مصدر التخريج.

_________

(1)

الآية 31 من سورة النور.

(2)

أبو داود 4/ 61 ح 4106.

(3)

ابن أبي شيبة 4/ 269.

ص: 138

عليك ما في هذا؛ فإن الآية ظاهرة في تعميم: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} . ولا مساغ للتوهم الذي قال برفعه، وقول ميسون لا يعتد به، والمفهوم معمول به عند الأكثر مع أن في كلام أم سلمة تصريح بجواز النظر عند ألا يفي، وفي كلام عائشة وفعلها ذلك، وهن أعرف بمعاني خطابه صلى الله عليه وسلم لهن، والله سبحانه أعلم (أ).

1200 -

وعن عمرو بن الحارث، أخي جُوَيرية أم المؤمنين رضي الله عنها، قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارًا، ولا عبدًا ولا أمةً، ولا شيئًا، إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضًا جعلها صدقة. رواه البخاري (1).

هو عمرو بن الحارث بن أبي ضرار، بكسر الضاد المعجمة وبراء خفيفة، ابن عايذ، بالعين المهملة وباثنتين من أسفل تحتها نقطان وبالذال المعجمة، ابن مالك بن جذيمة، وهو المصطلق بن سعد الخزاعي عداده في أهل الكوفة، روى عنه أبو وائل شقيق بن سلمة وأبو إسحاق السبيعي (2).

الحديث فيه دلالة على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا وإنفاق ما وصل إليه صلى الله عليه وسلم، وتنزهه عن أعراضها وأدناسها، وخلو قلبه وقالبه عن

(أ) في حاشية ب: وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يودى المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وبقدر ما رق منه دية العبد. والحديث تقدم نحوه عن عكرمة مرسلًا في ص 544. وأخرجه النسائي في الكبرى 3/ 196 ح 5019، والدارقطني 4/ 122 ح 4، والحاكم 2/ 237.

_________

(1)

البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا 5/ 356 ح 2739.

(2)

ينظر الاستيعاب 3/ 1171، والإصابة 4/ 618.

ص: 139

الاشتغال بغير عبادة ربه سبحانه وتعالى، حتى نقله إلى الرفيق الأعلى سالمًا عن الأغراض والأعراض، وكان ما قد ملكه من أرقائه إما قد مات أو معتقا.

وفيه دلالة على أن أم الولد تعتق بموت سيدها، فإن مارية القبطة أم إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم توفيت في زمن عمر بن الخطاب سنة ست عشرة ودفنت بالبقيع، وهذا وجه ذكر الحديث هنا. وقد قيل: إنها ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. والأول هو الأشهر.

وقوله: ولا شيئًا. على الأصح في رواية البخاري وكذا رواية الإسماعيلي (1)، وفي رواية الكشميهني (1): ولا شاة. وفي رواية مسلم (2) عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما ولا دينارًا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء.

وقوله: وأرضًا جعلها صدقة. جاء في رواية أبي داود (3) أن صدقته صلى الله عليه وسلم كانت في المدينة أرضا، قال: فكانت نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، أعطاها [الله](أ) إياه، فقال:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (4). قال: فأعطى أكثرها للمهاجرين، وبقى منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة. ولأبي داود (5) أيضًا من طريق ابن شهاب، قال: كانت

(أ) ساقطة من: ب، جـ. والمثبت من مصدر التخريج.

_________

(1)

ينظر الفتح 5/ 360.

(2)

مسلم 3/ 1256 ح 18/ 1635.

(3)

أبو داود 3/ 155، 156 ح 3004.

(4)

الآية (7) من سورة الحشر.

(5)

أبو داود 3/ 141 ح 2967.

ص: 140

لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا؛ [بنو](أ) النضير وخيبر وفدَك، فأما بنو النضير فكانت حُبُسًا لنوائبه، وأما فدك فكانت حُبُسًا لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها ما (ب) بين المسلمين، ثم قسم جزءًا لنفقة أهله، وما فَضَلَ منه جعله في فقراء المهاجرين. وجاء في رواية [أبي] (جـ) إسحاق (1): وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة.

1201 -

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته". أخرجه ابن ماجه والحاكم (2) بإسناد ضعيف، ورجح جماعة وقفه على عمر رضي الله عنه.

تقدم الكلام في هذا الحديث في كتاب البيع فخذه من هناك وافيا (3).

1202 -

وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أعان مجاهدًا في سبيل الله، أو غارمًا في عسرته، أو مكاتبًا في رقبته، أظله الله يوم لا ظل إلا ظله". رواه أحمد، وصححه الحاكم (4).

(أ) في ب، جـ: بني. والمثبت من مصدر التخريج.

(ب) ساقطة من: جـ، وفي مصدر التخريج: رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء، جزأين.

(جـ) في ب، جـ: ابن. والمثبت من مصدر التخريج، وهو أبو إسحاق السبيعي. وينظر الفتح 5/ 360.

_________

(1)

البخاري 8/ 148 ح 4461.

(2)

ابن ماجه، كتاب العتق، باب أمهات الأولاد 2/ 841 ح 2515، والحاكم 2/ 19، واللفظ له.

(3)

تقدم في 6/ 50 - 55.

(4)

أحمد 3/ 487، والحاكم 2/ 217.

ص: 141

وأخرج الحديث البيهقي (1) أيضًا، وقد تقدم بعض مباحث الحديث في تحقيق الظل في باب الصدقة (2). والله أعلم.

(1) البيهقي 10/ 320.

(2)

تقدم في 4/ 364.

ص: 142