الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المساجد
190 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصحح إرساله (1).
المساجد جمع مسجد بفتح العين وكسرها، وقال سيبويه: إذا قصدت بالمسجد المكان المخصوص الذي على هيئة مخصوصة يقع فيه السجود فهو بالكسر لا غير؛ لأنه أخرجته عما يكون عليه اسم المكان، وإن قصدت به موضع السجود وموضع وقوع الجبهة في الأبيض فهو بالفتح لأنه جاري على الفعل وفعله فَعَل يَفْعُل وحق المكان منه على مَفْعَل بالفتح لا غير.
والدور جمع دار، والدار لغة: العامر المسكون والغامر المتروك، وهي مأخوذة من الاستدارة لأنهم كانوا يخطون بطرف رماحهم قدر ما يريدون أن يتخذوه مسكنا ويدورون حوله.
والظاهر أن الأمر محمول على الندب لقرينة وهو قوله: "أيضًا أدركت الصلاة فصل"(2)"ولا صلاة لجار المسجد"(3) وغير ذلك ولعله إجماع.
191 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
(1) أبو داود: الصلاة باب اتخاذ المساجد في الدور 1/ 314 ح 455. الترمذي موصولا ومرسلا الصلاة باب ما ذكر في تطييب المساجد 1/ 489، 490 ح 594، 595، أحمد 6/ 279، ابن ماجه المساجد والجماعات باب تطهير المساجد وتطييبها 1/ 250 ح 758، ابن حبان باب ما جاء في المساجد 18 ح 306 (موارد).
(2)
سيأتي في ح 305.
(3)
الدارقطني 1/ 420.
عليه وسلم: "قَاتَلَ الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" متفق عليه (1)، وزاد مسلم:"والنصارى"(2).
ولهما من حديث عائشة: "كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا"، وفيه:"أولئك شِرَار الخلق"(3).
الحديث أخرجه البخاري بأسانيد مختلفة في أبواب متعددة، ومعنى "قاتل" أي: قتلهم الله، أو المعنى: لعن، فإنه قد ورد بذلك (4) اللفظ.
واتخاذ القبور مساجد أعم من أن يكون بمعنى الصلاة إليها كما هو الظاهر، أو بمعنى الصلاة عليها، وقد أورد مسلم من طريق أبي يزيد الغنوي مرفوعًا:"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها"(5)، وليس على شرط البخاري، فلذلك أشار إليه في ترجمة باب (6).
وقوله: "اتخذوا": جملة استئنافية بيان لسبب اللعن كأنه قيل: ما سبب لعنهم؟ فأجيب بقوله: اتخذوا، وزاد (أ) مسلم قوله:"والنصارى" وقد (ب) استشكل ذكر النصارى فيه لأن اليهود لهم أنبياء بخلاف النصارى، فليس بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم
(أ) في جـ وهـ: وزيادة.
(ب) ساقطة من هـ.
_________
(1)
البخاري الصلاة 1/ 532 ح 437، مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها 1/ 376 ح 20/ 530. أبو داود الجنائز باب في البناء على القبر 3/ 553 ح 3227، النسائي بلفظ "لعن" الجنائز اتخاذ القبور مساجد 4/ 78، أحمد 2/ 396.
(2)
وفي رواية عند مسلم "لعن الله اليهود والنصارى" 1/ 377 ح 21 - 530 م.
(3)
البخاري الصلاة باب الصلاة في البيعة 1/ 531 ح 434، مسلم 1/ 375 ح 16 - 528.
(4)
عند البخاري 1/ 532 ح 435، 436 ومسلم 1/ 377 ح 21 - 530.
(5)
مسلم 2/ 668 ح 97 - 972.
(6)
أورد البخاري حديث الباب ولم يترجم عليه بل قال: باب 1/ 532.
نبي، وليس له قبر أو لأن أنبياء اليهود كموسى وهرون وغيرهما أنبياء للنصارى، وإنما شريعة عيسى ناسخة لبعض شريعة موسى صلى الله عليه وسلم أجمعين.
وأجيب أنه كان فيهم أنبياء غير مرسلين كالحواريين ومريم -في قولٍ-، والجمع في قوله "أنبيائهم" للمجموع من اليهود والنصارى، أو المراد الأنبياء وكبار أتباعهم، فاكتفى بذِكْر الأنبياء، ويؤيده قوله في رواية مسلم من طريق جندب:"كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد"(1) ولهذا (أ) لما أفرد النصارى كما في حديث عائشة قال: "إذا مات في الرجل الصالح"(2) ولما أفرد اليهود كما في حديث أبي هريرة قال: "أنبيائهم"(3)، أو المراد بالاتخاذ أعمّ من أن يكون ابتداعا أو اتباعا، فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت، ولا ريب أَنَّ النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين يعظمهم اليهود.
وحديث عائشة أخرجه البخاري (4) بألفاظ في بعضها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأيتها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصورة وأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"، وهذا القول كان في مرض النبي صلى الله عاجه وسلم الذي مات منه قبل أن يتوفى بخمس. أخرجه مسلم (5) وزاد فيه:"فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك"، وهذا يدل على أن هذا النهي ثابت غير منسوخ وإنما صَوَّرَ الصورة أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك
(أ) الواو زائدة في جـ.
_________
(1)
مسلم 1/ 377 ح 23 - 532.
(2)
البخاري 1/ 531 ح 434.
(3)
البخاري 1/ 532 ح 437.
(4)
البخاري 1/ 523 ح 427.
(5)
مسلم 1/ 375، 376 ح 16 - 528.
الصورة ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ثم خَلَفَ من بعدهم خُلُوف جهلوا مرادهم، وسوس (أ) لهم الشيطان أن آباءم كانوا يعبدون هذه الصورة يعظمونها فيعبدونها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك.
وفي الحديث دليل على تحريم التصوير، وحمل بعضهم الوعيد على مَنْ كان في ذلك الزمان لِقُرْب العهد بعبادة الأوثان وأما الآن فلاث وقد رد ابن دقيق العيد على ذلك أحسن رد (1).
وقال البيضاوي (2): لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانا لعنهم ومنع المسلمين من ذلك، فأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا لتعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد (3)، وظاهر الأحاديث في النهي عن اتخاذ المساجد على القبور غير معلل بما ذكروا، إنما النهي مطلق، ولعل الحكمة في ذلك النهي سدا للذريعة، وبُعْدًا عن التشبه بعبدة الأوثان التي تعظّم الجمادات التي لا تسمع ولا تنفع (ب ولا تشفع ب) ولا تدفع ولِما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية، وفي حديث ابن عباس تصريح بالنهي، وهو ما أحرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن (جـ) عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها
(أ) في جـ: ووسوس.
(ب- ب) بهامش هـ.
(جـ) في هـ: على.
_________
(1)
إحكام الأحكام 2/ 256.
(2)
فتح الباري 1/ 525.
(3)
نقل الكلام من الفتح وقال شيخنا عبد العزيز بن باز في تعليقه: وهذا غلط واضح والصواب تحريم ذلك ودخوله تحت الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد فانتبه واحذر والله الموفق. . تعليقه على الفتح 1/ 525.
المساجد والسُّرج" (1)، والله سبحانه أعلم.
192 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بَعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم خيلا فجاءت برجل فربطوه بسارية من سواري المسجد. . ." الحديث متفق عليه (2).
قوله: "خيلا" أي: فُرسانا، والرجل التي أتت به هو ثُمامة بن أَثَال، صرح بذلك في الصحيحَيْن وغيرهما.
وقوله: "فربطوه" فيه دلالة على أن الربط لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قرر ذلك؛ لأن في القصة أنه كان يمر به ثلاثة أيام وكان (1) يقول له: ما عندك يا ثمامة؟ ففي هذا تصرج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قرر ذلك الفعل، ففيه دلالة على جواز ربط الأسير بالمسجد وإن كان كافرا، وأن ذلك مخصوص لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما المسجد لذكر الله والطاعة"(3).
ويدل على جواز دخول الكافر المسجد، وقد ذهب إلى هذا المؤيد بالله وأبو حنيفة (4) لهذا ولإدخاله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف (5)، ويقاس بقية المساجد
(أ) ساقطة من جـ وهـ.
_________
(1)
أبو داود 3/ 558، الترمذي 2/ 136 ح 320، النسائي 4/ 77، ابن ماجه (بلفظ زائرات القبور فقط) 1/ 502 ح 1576 والحديث فيه أبو صالح باذام مولى أم هانئ وهو ضعيف. التقريب 42، المغني في الضعفاء 1/ 100، ولكن للحديث شاهد في النهي عن اتخاذ القبور مساجد وهو حديث الباب.
(2)
البخاري 1/ 555 ح 462، (في قصة) الصلاة باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضًا في المسجد، مسلم (في قصة) 3/ 1386 ح 59 - 1764، كتاب الجهاد باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه، أبو داود الجهاد باب في الأسير يوثق 3/ 129 ح 2679، النسائي الغسل تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم 1/ 91 (طرف منه).
(3)
مسلم من حديث أنس 1/ 236 ح 100 - 285.
(4)
البحر 1/ 223، حاشية الدر المختار 5/ 248.
(5)
لم أقف عليه في كتب السنة ولكن ابن بهران عزاه إلى أصول الأحكام 1/ 13.
على مسجده صلى الله عليه وسلم ولو المسجد الحرام، وأما قوله تعالى {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} (1) فالمراد: لا يمكنون من الحج والعمرة كما ورد في القصة التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم بآيات براءة إلى مكة، وقوله:"فلا يحجن بعد هذا العام مشرك".
وقال الشافعي (2): يجوز دخول الكافر المساجد إلا المسجد الحرام بإذن المسلم، سواء كان مشركا أو كتابيا، وذهب الهادي والناصر ومالك وعمر بن عبد العزيز وقتادة والإِمام يحيى (3) إلى أنه لا يجوز دخول الكافر مطلقا إلى المسجد سواء كان المسجد الحرام أو غيره، قالوا لقوله تعالى {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} ، وقوله {أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إلا خَائِفِينَ} (4) ويجاب عن الآية الأولى بما عرفت وعن الآية الثانية (5) بأن ذلك في حقّ من استولى عليها، وصار له الحكمة والمنعة كما وقع في سبب نزول الآية الكريمة أنها نزلت في شأن النصارى، واستيلائهم على بيت المقدس وتخريبه، وإلقاء الأذى والأزبال فيه، أو أنها نزلت في شأن قريش ومنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عن العمرة، وأما مجرد دخوله من دون استيلاء وتخريب ومَنْع فمن أين يُفهم ذلك والأحاديث موضحة لهذا المعنى أشد إيضاح (أ)؟
وفي الحديث دلالة أيضًا على جواز الربط للأسير وحبسه والاستيثاق منه والمنّ عليه كما وقع في تمام القصة.
(أ) في هـ وجـ: والإيضاح.
_________
(1)
الآية 28 من سورة التوبة.
(2)
المجموع 2/ 177 وإذن المسلم متعلق بالمساجد أما المسجد الحرام فلا يجوز الدخول.
(3)
البحر 1/ 223، جواهر الإكليل 1/ 23.
(4)
الآية 114 من سورة البقرة.
(5)
تفسير القرطبي 2/ 77.
193 -
عنه رضي الله عنه "أن عمر رضي الله عنه مر بحسان ينشد في المسجد فلحظ إليه فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك" متفق عليه (1).
يريد بالخير: النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أنشد الشعر في المسجد لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا حسان، أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقد أشار البخاري في باب بدء الخلق في رواية هذه القصة عن سعيد بن المسيب أن قوله صلى الله عليه وسلم:"أَجِبْ" كان في المسجد، وأنه أنشد فيه ما أجاب به المشركين.
وإيراده للقصة في كتاب الصلاة من حديث أبي سلمة (2) مجردة عن ذكر المسجد لا ينافيه، وقد أورده في باب الشعر في المسجد (3)، ولعل البخاري اختصر القصة في كتاب الصلاة لإِيرادها في موضع آخر.
(أ) وفي الحديث دلالة على جواز إنشاد الشعر في المساجد (ب)، وقد ورد ما يعارض ذلك وهو ما أخرجه ابن خزيمة وصححه والترمذي وحسنه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المساجد"(4) وفي هذا المعنى عدة أحاديث وإن كان
(أ) الواو ساقطة من جـ وهـ.
(ب) في جـ: المسجد.
_________
(1)
مسلم فضائل الصحابة باب فضائل حسان بن ثابت 4/ 1932 ح 151 - 2485، البخاري بدء الخلق باب ذكر الملائكة 4/ 306 ح 3212.
(2)
نقل المؤلف هنا كلام ابن حجر في مناسبة حديث استشهاد حسان لأبي هريرة لأن الرواية التي رواها الإمام البخاري في باب إنشاد الشعر في المسجد ليس فيها تعرض لإلقاء الشعر في المسجد. فأراد الإمام ابن حجر أن يذكر صنيع الإمام البخاري وربطه بين الروايات. وأما المؤلف هنا فليس هناك داع لذكر هذا، والله أعلم.
(3)
البخاري 1/ 548.
(4)
ابن خزيمة 2/ 575 ح 1306 الترمذي 2/ 139 ح 322 - أبو داود 1/ 651 ح 1079 والحديث =
في إسنادها مقال، وطريق الجمع أن يُحْمَلَ النهيُ على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين وما لم يكن فيه غرض صحيح والمأذون ما سَلِم من ذلك.
وقيل: المأذون فيه مشروط بأن لا يكون ذلك مما يتشاغل مَنْ في المسجد به، وأدعى أبو عبد الملك البوني (1) بأن أحاديث الإِذن منسوخة بأحاديث النهي، ولم يوافق على ذلك، والله أعلم.
194 -
عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإنَّ المساجد لم تُبْنَ لهذا" رواه مسلم (2).
قوله "يَنْشُد": بفتح الياء وضم الشين من نشد بفتح النون والشين المعجمة يقال: نشدت الدابة إذا طلبتها ويقال: أنشدت أي عرفتها.
قوله: (أ "ضالة" يقال بالهاء للذَّكَر والأنثى والجمع ضوال، مثل: دابة ودواب، والضالة مخصوصة بالحيوان ويقال: لغير الحيوان ضائع ولقطة أ)،
(أ، أ) بهامش هـ.
_________
= من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مختلف فيها وتكلم الشارح عليه في ح 363 قال ابن حجر: صدوق، التقريب 260، والميزان 3/ 265 وحَسّن إسناده الألباني كما في ابن خزيمة، وصححه شاكر في الترمذي وقال ابن حجر: وإسناده صحيح إلى عمرو فمن يصحح نسخته يصححه. وقد أطال الإمام الذهبي النفس فقال: ولسنا ممن نعد نسخة عمرو عن أبيه عن جده من أقسام الصحيح الذي لا نزاع فيه من أجل الوجادة ومن أجل أن فيها مناكير، فينبغي أن يتأمل حديثه ويتحايد ما جاء منه منكر ويروى ما عدا ذلك في السنن والأحكام محسنين لإسناده فقد احتج به أئمة كبار وثقوه في الجملة وتوقف فيه آخرون قليلا، وما علمت أن أحدا تركه. سير أعلام النبلاء 5/ 175.
قلتُ: والنكارة هنا بيّنة فيه لأنه عارض حديثًا صحيحا لم يتطرق به النسخ بدليل فعل الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم وانقطاع النسخ، والله أعلم.
(1)
الفتح 1/ 549.
(2)
مسلم المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن نشد الضالة في المسجد 1/ 397 ح 79/ 568، أبو داود الصلاة باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد 1/ 321 ح 473، ابن خزيمة أبواب فضائل المساجد باب الأمر بالدعاء على ناشد الضالة في المسجد أن لا يردها الله عليه 2/ 273 ح 1302، أحمد 2/ 420، البيهقي الصلاة باب كراهية إنشاد الضالة في المسجد 2/ 447.
والجواب عليه بلا ردها الله عليك عقوبة له لما ارتكب من العمل الذي لا يجوز في المسجد.
وقوله: "فإن المساجد لم تبن لهذا" معناه: أنها لم تبن إلا لذكر الله تعالى والصلاة والعِلْم والمذاكرة في الخير ونحوها.
قال القاضي عياض (1): وفيه دليل على منع عمل الصنائع في المساجد قال فيه: قال بعض شيوخنا: إنما يمتنع في المساجد عمل الصناعة التي يختص نفعها بالآحاد ويكتسب به ويتخذ متجرا، فأما الصنائع التي يشمل نفعها المسلمين في دينهم، كمبايعة وإصلاح آلات الجهاد (أ) ومما لا امتهان (ب) للمسجد في عمله فلا بأس به (2) قال: وحكى بعضهم في تعليم الصبيان فيها خلافا (3)، [وعلل بعض المالكية كراهة تعليم الصبيان في المساجد وقال: إنه من باب البيع، وهذا إذا كان بأجرة، فإن كان بغير أجرة منع أيضًا من وجه آخر، وهو أن الصبيان لا يتحرزون من القذر والوسخ فيؤدي ذلك إلي عدم تنظيف المسجد، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنظيفها وقال:"جنبوا مساجدكم صبيانكم. . ."(4)] (جـ).
وفي الحديث دلالة على أن إنشاد الضالة لا يجوز في السجد، ويلحق به ما في
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) في هـ: يتهاون.
(جـ) بهامش الأصل وهـ.
_________
(1)
شرح مسلم 2/ 202.
(2)
المجموع 2/ 180.
(3)
جواهر الإكليل 2/ 203، قوانين الأحكام الشرعية 64.
(4)
ابن ماجه 1/ 247 ح 750، وفيه الحارث بن نبهان الجزمي أبو محمد البصري متروك مر في 626 ح 165. وللحديث شاهد عند الطبراني في الكبير، فيه العلاء بن كثير وهو ضعيف، مجمع الزوائد 2/ 25، 26، المغني في الضعفاء 2/ 440.
وله شاهد آخر أورده ابن عدي في الكامل من طريق عبد الله بن محرز الجزري مولى بني عقيل قاضي الرقة، وهو ضعيف. الكامل 4/ 1454 المجروحين 2/ 22، 23.
معناه من البيع والشراء والإِجارة ونحوها في (أ) العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد، قال مالك وجماعة من العلماء (1): يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره، وأجاز أبو حنيفة (2) ومحمد بن مسلم من أصحاب مالك رفع الصوت بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجمعهم ولابد لهم منه.
195 -
عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك". رواه النسائي والترمذي وحَسَّنه (3).
في الحديث دلالة على أن البيع والشراء لا يجوزان في المساجد وقد تقدم تعليل ذلك في الحديث الذي قبله، وقال الماوردي: اختلفوا في جواز ذلك في المسجد مع اتفاقهم على صحة العقد لو وقع.
196 -
وعن حكيم بن حِزَام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقَامُ الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها". رواه أحمد وأبو داود بسندٍ ضعيف (4).
(أ) في جـ وهـ: من.
_________
(1)
شرح مسلم للنووي 2/ 202، جواهر الإكليل 2/ 203.
(2)
حاشية رد المحتار 1/ 660.
(3)
النسائي في عمل اليوم والليلة باب ما يقول لمن يبيع أو يبتاع في المسجد 219، 220 ح 176، الترمذي البيوع باب النهي عن البيع في المسجد 3/ 610 ح 1321، ابن حبان باب ما نهي عن فعله في المسجد 99، 100 ح 313 (موارد)، الحاكم البيوع 2/ 56.
البيهقي الصلاة باب كراهية إنشاد الضالة في المسجد وغير ذلك مما لا يليق بالمسجد 2/ 447، ابن خزيمة باب الأمر بالدعاء على المتبايعين في المسجد أن لا تربح تجارتهما 2/ 274 ح 305.
(4)
أحمد 3/ 434، أبو داود الحدود باب في إقامة الحد في المسجد 62914 ح 4490 (بمعناه)، الدارقطني كتاب الحدود والديات وغيرها 3/ 86، الحاكم 4/ 378، سنن البيهقي 8/ 328، والحديث ضعيف لأن فيه:
أ- محمد بن عبد الله بن المهاجر الشعيثي -مصغرا- صدوق. التقريب 307، الكاشف 3/ 65.
ب- زفر بن وثيمة بن مالك بن أوس بن الحدثان مقبول. التقريب 107.
هو أبو خالد حكيم بن حِزَام -بكسر الحاء المهملة وبالزاي- بن خويلد، ابن أخي خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، ولد في الكعبة قبل الفيل بثلاثة عشر سنة، وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، وتأخر إسلامه إلى عام الفتح، وهو من مسلمة الفتح هو وبنوه عبد الله وخالد ويحيى وهشام وكلهم صَحِبَ النبي صلى الله عليه وسلم، ومات بالمدينة في داره سنة أربع وخمسين، وقيل ثمان وخمسين وله مائة وعشرون سنة ستون في الجاهلية وستون في الإِسلام، كان عاقلًا، سَرِيًّا، فاضلا، تقيا، حسن إسلامه بعد أن كان من المؤلفة قلوبهم، أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، وكان مع المشركين يوم بدر فنجا من القتل، وكان إذا حلف بعد أن أسلم قال:"لا والذي نجاني يوم بدر"، روى عنه عُروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وموسى بن طلحة (1).
الحديث رواه أيضًا الحاكم وابن السكن وأحمد بن حنبل والدارقطني والبيهقي.
قال المصنف -رحمه الله تعالى- في "التلخيص"(2): ولا بأس بإسناده،
ورواه البزار (3) من حديث جبير بن مطعم وفيه الواقدي (4).
ورواه ابن ماجه (5) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "نهي أن يجلد الحد في المسجد"(أ) وفيه ابن لهيعة (6)، ورواه الترمذي وابن ماجه
(أ) في هـ: في المسجد الحد.
_________
(1)
سير أعلام النبلاء 3/ 44، تهذيب الكمال 1/ 321.
(2)
التلخيص 4/ 86. قلتُ: لعل ذلك بمجموع طرقه حسن إسناده.
(3)
كشف الأستار 2/ 222، قال البزار: هذا أحسن إسناد يروى في ذلك ولا نعلمه بإسناد متصل من وجه صحيح وقد تكلم بعض أهل العلم في محمد بن عمرو وضعفوا حديثه.
(4)
قال الهيثمي: فيه الواقدي وهو ضعيف لتدليسه وقد صرح بالسماع في الحديث. مجمع الزوائد 6/ 282، قلت: بل هو متروك ضعيف. قال البخاري وأبو حاتم: متروك، وقال النسائي: يضع الحديث. قال الذهبي: استقر الإجماع على وهن الواقدي. التقريب 312، 313 الميزان 3/ 662.
(5)
ابن ماجه 2/ 867 ح 2600 ولفظه "إن رسول الله نهى عن إقامة الحد في المسجد".
(6)
ابن لهيعة مر في ح 28.
من حديث ابن عباس (1) وفيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف (2).
والحديث فيه دلالة على النهي عن فِعْل ما ذكر في المسجد لما تقدم أن المساجد إنما هي للذكر وما يتبعه، وهو إخبار في معنى الإِنشاء لامتناع الحقيقة، فوجب الحمل على المجاز وظاهر النهي التحريم إذ هو حقيقة ولا مقتضى لصرفه عن ظاهره، والله أعلم.
197 -
وعن عائشة رضي الله عنه قالت: "أُصِيبَ سعد يوم الحندق فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد، ليعوده مِنْ قُرْب" متفق عليه (3).
وهو سعد بن معاذ (4) أصابه رجل منْ قريش، قال ابن الكلبي: اسم هذا الرجل حِبَّان -بكسر الحاء المهملة- ابن أبي قيس بن علقمة ويقال له: ابن العَرِقَة -بعين مهملة مفتوحة ثم راء مكسورة ثم قاف- وهي أمه، واسمها قِلَابة -بقاف مكسورة وبباء موحدة- بنت سعيد بن سهيل وهو من بني عبد مناف بن الحارث وسميت بالعَرِقَة لطيب ريحها، وكنيتها أم فاطمة. رماه في الأكحل وهو عِرْق معروف، قال الخليل: إذا قطع في اليد لم يرق (أ) الدم، وهو عرق الحياة في كل عضو منه شعبة.
(أ) بالأصل: يرقى.
_________
(1)
الترمذي 4/ 19 ح 1401، ابن ماجه 2/ 867 ح 2599، الحاكم 4/ 369، البيهقي 8/ 39، الدارمي 2/ 190، أبو نعيم في الحلية 4/ 18. ووقفه عبد الرزاق على طاووس في 1/ 437 ح 1710.
(2)
إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق وقيل أبو ربيعة. تركه يحيى القطان وابن مهدي وقال النسائي: متروك. المجروحين 1/ 120، التقريب 35، المغني في الضعفاء 1/ 86.
(3)
مسلم الجهاد والسير باب جواز قتال من نقض العهد 3/ 1389 ح 65 - 1769. البخاري الصلاة باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم 1/ 556 ح 463، أبو داود الجائز باب في العيادة مرارا 1/ 477 ح 3101، النسائي المساجد ضرب الخباء في المسجد 2/ 35، ابن خزيمة الصلاة الرخصة في ضرب الأخبية 2/ 287 ح 1333.
(4)
الإصابة 4/ 171، 172، سير أعلام النبلاء 1/ 279، الاستيعاب 4/ 163.
وقوله: "فضرب عليه" إلخ: فيه دلالة على جواز النوم في المسجد وجواز مكث المريض فيه وإن كان جريحا وفي ذلك فضيلة ظاهرة لسعد رضي الله عنه.
198 -
وعنها رضي الله عنه قالت: "رأيتُ رسول صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد. . ." الحديث، متفقُ عليه (1).
قولها: "يسترني" يدل على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، ويدل على جواز نظر المرأة إلى الرجل، وأجيب بأن ذلك قبل بلوغ عائشة، وهو مردود بالستر، وقولها في تمام الحديث في رواية الزهري:"فاقدروا قَدْر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو"(2) وفي رواية أبي سلمة: "فقلتُ يا رسول الله. لا تَعْجَل. فقال لي ثم قال: حسبك قلتُ: لا تَعْجَل، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن تنظر النساء مقامه لي ومكاني منه"(3).
وظاهر هذا أنها حينئذ شابة، وأجيب بأن ذلك منسوخ بحديث:"أفعمياوتان أنتما؟ "(4) ويجاب بأن هذا مُخْتَلَفٌ فيه لا يقاوِم هذا الحديث، وأيضًا فإنه مؤيد بظاهر قوله تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (5) فإن الظاهر أن "مِنْ" للتبعيض فيكون الغض عند خشية الفتنة
(1) مسلم العيدين باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد 2/ 608 ح 17 - 892 م، البخاري العيدَيْن باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين 2/ 474 ح 988، النسائي العيد اللعب في المسجد يوم العيد ونظر النساء إلى ذلك 3/ 159، الحميدي 1/ 123 ح 254 بمعناه، مشكل الآثار 1/ 116، عبد الرزاق 10/ 465 ح 19721 بمعناه.
(2)
النسائي 2/ 159، ومسلم 2/ 609 ح 17 - 892 م بلفظ (حريصة).
(3)
النسائي الكبرى في عشرة النساء. تحفة الأشراف 12/ 359.
(4)
أبو داود 4/ 361، 362 ح 4112، الترمذي 5/ 102 ح 2778. أحمد 6/ 296، ابن حبان 483 ح 1968 (موارد). البيهقي 7/ 92. والحديث ضعيف لأن مداره على نبهان مولى أم سلمة وهو مقبول ولم يتابع، التقريب 356.
قلتُ: وقال ابن حجر: إسناده قوي فإنه من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة وأكثر ما عُلل به انفراد الزهري عن نبهان وليست بعلة قادحة فإن مَنْ يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته.
(5)
الآية 31 من سورة النور.
والنظر إلى المحاسن والجواز فيما عدا ذلك، وأيضًا فتظاهر الأخبار بخروج النساء في عصره صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وحضور الصلاة والخروج إلى الجبانة، وأَمْر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة وإلقاء حليهن في ثوب بلال (1). ويبعد مع تلك الأحوال عدم رؤيتهن للرجال وإنما أمرن بإدناء الجلابيب وإجماع المسلمين خَلَف عن سلف بعدم منع النساء من الخروج لقضاء ما يحتجن له من البيع والشراء والتحاكم.
قال القاضي عياض (2): وفيه جواز نظر النساء إلى الرجال الأجانب لأنه إنما يكره لهن النظر إلى المحاسن والاستلذاذ لذلك، وقال النووي (3): النظر بشهوة وعند خشية الفتنة حرام اتفاقا، وأما بغير شهوة فالأصح أنه يحرم. وأجاب عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة وقد عرفت الجواب عنه، قال: وكانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا إلى وجوههم وأبدانهم، وإن وقع بلا قصد إن أمكن أن تصرفه في الحال. انتهى. وقد عرفتَ بُعْدَ هذا وقولها:"وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون" وقع في رواية البخاري في موضعٍ (4): "وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق (5) والحِرَاب" في رواية عروة عن عائشة، ووقع في رواية الزهري في البخاري في موضع:"والحبشة يلعبون في المسجد"(6) ووصلها مسلم: "بحرابهم"، ولمسلم من رواية هشام عن أبيه:"جاء حبش يلعبون في المسجد"(7) قال المحب الطبري (8): هذا السياق يُشْعِرُ بأن عادتهم ذلك في كل عيد، ووقع في رواية ابن حبان (9): "لما قَدِمَ وفد الحبشة قاموا
(1) البخاري 2/ 166 ح 978.
(2)
شرح مسلم 2/ 345 وترجم الإمام البخاري باب نظر المرأة إلى الحبشة وغيرهم من غير ريبة.
(3)
شرح مسلم 2/ 545.
(4)
البخاري 2/ 440 ح 950.
(5)
الدرق جمع درقة وهي الترس. لسان العرب 10/ 95.
(6)
البخاري 2/ 474 ح 988، زاد مسلم:"بحرابهم" 2/ 609 ح 18 - 892 م.
(7)
مسلم 2/ 609 ح 20 - 892 م بلفظ (يزمنون) بمعنى يلعبون.
(8)
الفتح 2/ 443.
(9)
ابن حبان 7/ 545 ح 5841 (إحسان).
يلعبون في المسجد"، وهو يُشْعِر بأن الترخيص لهم في ذلك بحال القدوم، ولا تنافي بينهما لاحتمال أن يكون قدومهم صادف يوم عيد، وكان من عادتهم اللعب في الأعياد يفعلون ذلك كعادتهم ثم صاروا يلعبون في كل عيد، ويؤيده ما رواه أبو داود عن أنس: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جاء الحبش بحرابهم" (1) ولا شك أن يوم قدومه كان أعظم عندهم من يوم العيد.
وفي الحديث دلالة على جواز مثل ذلك اللعب في المسجد إذا كان في يوم من أيام المسرة التي شرع للمسلمين إظهار المسرة والتلبس بشعار النعمة، وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة، أما القرآن فقوله تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} (2) وأما بالسنة فحديث:"جَنِّبوا صِبْيَانَكُمْ مَسَاجِدَكُمْ. . ."(3) الحديث، وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه ولا عُرِفَ التاريخ فيثبت النسخ.
وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد، وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث، وفي بعضها أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد فقال له صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُمْ"(4) من (أ) طريق أبي الزناد وعن عروة عن عائشة أنه، صلى الله عليه وسلم، قال:"لِتعلمَ يهودُ (ب) أنّ في ديننا فسحةً وأني بعثت بحنيفيَّة سَمْحَة"(5)، وكأنَّ عمر بَنَى على الأصل من تنزيه المساجد فبين له النبي صلى الله
(أ) في جـ: في.
(ب) في هـ: اليهود.
_________
(1)
أبو داود نحوه 5/ 221 ح 4923، قلتُ: والحديث من رواية معمر عن ثابت، وهذا الضرب ضعفه علماء الحديث كابن معين وغيره. تهذيب التهذيب 10/ 243، الميزان 4/ 154، الجرح والتعديل 8/ 255.
(2)
الآية 36 من سورة النور.
(3)
تقدم في ح 194.
(4)
البخاري 2/ 474 ح 988.
(5)
عزاه ابن حجر في الفتح إلى السراج 2/ 444.
عليه وسلم أن التعمق والتشديد ينافي قاعدة شريعته، صلى الله عليه وسلم، من التسهيل والتيسير، وهذا يدفع جواب الطبري بأنه يغتفر للحبش ما لا يغتفر لغيرهم فيقرر (أ) حيث ورد ويدفع قول من قال: إن اللعب بالحراب ليس لَعِبًا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو ففي ذلك من المصلحة التي تجمع عامة المسلمين ويحتاج إليها إقامة الدين فيجوز في المسجد.
وفي الحديث دلالة على جواز النظر إلى اللهو المباح، وفيه حُسْن خُلُقِه، صلى الله عليه وسلم، مع أهله وكرم معاشرته، وفَضْل عائشة وعِظَم محلها عنده.
فائدة في سَتْرِهِ صلى الله عليه وسلم لها (ب): فوقع في البخاري في بعض ألفاظه "سترني بردائه"(1)، وفي بعض ألفاظه:"فأقامني وراءه خدي على خده"(2) أي متلاصقين، وفي بعضها:"فوضعت رأسي علي مَنْكِبه"(3)، وفي رواية:"فوضعتُ ذَقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده"(4)، وفي رواية:"أنظر بين أذنه وعاتقه"(جـ)(5) وقد استنبط من هذه الألفاظ أنها كانت مستترة بقيامها خلف النبي، صلى الله عليه وسلم، وأن مثل ذلك يكفي في الستر إذا قام مقام الرداء، ويجاب عنه بأن الستر بالرداء متعين لأن القصة واحدة، وقد وقع التعيين في بعض الألفاظ بالساتر فتحمل بقية الألفاظ عليه، والله أعلم.
199 -
وعنها رضي الله عنها "أنَّ وليدةً سوداءَ كان لها خِباءٌ في المسجد،
(أ) في هـ: فيقر.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) في جـ: مايقه.
_________
(1)
البخاري (بلفظ) يستثني 9/ 336 ح 5236.
(2)
البخاري 2/ 440 ح 950.
(3)
مسلم 2/ 609 ح 20 - 892 م.
(4)
النسائي الكبرى عشرة النساء. تحفة الأشراف 2/ 359.
(5)
مسلم 2/ 610 ح 21 - 892 م بلفظ (أذنيه).
فكانت تأتيني فتحدث عندي. . ." الحديث، متفقُ عليه (1).
وسياق الحديت في البخاري: عن عائشة أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم، قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت: فوضعته -أو وقع (أ) منها- فمرت حدياة وهو ملقى فحسبته لحمًا فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، قالت: وطفقوا (ب) يفتشون حتى فتشوا قُبُلَهَا، قالت: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته فوقع بينهم، قالت: فقلتُ للذي اتهمتموني (جـ) به: زعمتم وأنا منه بريئة -وهو ذا هو قالت: فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، قالت عائشة: فكان (د) لها خباء في المسجد أو حِفْش، قالت: فكانت تأتيني فتحدث عندي قالت: فلا تجلس عندي مجلسا إلا قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا
…
ألا إنه من بلدة الكفر نجاني
قالت عائشة: فقلتُ لها: ما شأنُكِ لا تقعدين معي إلا قلتِ هذا؟
قالت: (هـ) فحدثتني بهذا الحديث.
قولها (و)"وليدة": الوليدة هي أَمَة (ز)، وهي في الأصل لها ساعة تولد، قال
(أ) زاد في هـ: عليهم.
(ب) في جـ وهـ: فطفقوا.
(جـ) في هـ: الذي اتهمتوني به، وفي جـ: للذي اتهموني به، وفي البخاري:"هذا الذي اتهمتوني به" 1/ 533 ح 439.
(د) في جـ وهـ: فكانت.
(هـ) ساقطة من هـ.
(و) في هـ وجـ: قوله.
(ز) في هـ وجـ: الأمة.
_________
(1)
البخاري الصلاة باب نوم المرأة في المسجد 1/ 533 ح 439.
قلتُ: ولم يُخرِجه مسلم، والعجب أنه هنا عزاه إلى المتفق عليه وفي الفتح أشار إلى أن مسلما لم يوافقه في تخريجه. الفتح 2/ 594.
ابن سيده: ثم أطلق على الأمة وإن كانت كبيرة.
والخِبَاء -بكسر الخاء المعجمة بعدها موحدة وبالمد- الخيمة مِنْ وَبَر أو غيره، وعن أبي عبيدة: لا تكون من شَعَر، وفي البخاري: أو حِفْش -وهو بكسر المهملة وبعدها فاء ساكنة وشين معجمة- البيت الصغير القريب السمك (1)، مأخوذ من الانخفاش وهو الانضمام، وأصله الوعاء الذي تضع المرأة فيه غَزْلَها.
وقولها: "فتحدث" بلفظ المضارع بحذف إحدى التائين.
وفي الحديث دلالة على إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا سَكَنَ له من المسلمين رجلا كان أو امرأة عند أمن الفتنة، وإباحة (أ) استظلاله بالخيمة ونحوها.
وفي تمام القصة دلالة على الخروج من البلد الذي تحصل للمرء فيه المحنة، ويتحول إلى ما هو خير منه.
وفيه: فضل الهجرة من دار الكفر وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافرا لأن في السياق إسلامها كان بعد قدومها المدينة، والله أعلم.
فائدة: (ب) قال المصنف رحمه الله (2) -: لم أقف على اسم المرأة، ولا على اسم القبيلة التي كانت لهم، ولا على اسم الصبية صاحبة الوشاح، والبيت الذي كانت تنشده عروضه من الضرب الأول من الطويل وأجزاؤه ثمانية ووزنه: فعولن مفاعيلن أربع مرات (جـ) لكن دخل البيت المذكور القبض وهو حَذف الخامس
(أ) في هـ: واستباحه.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) في هـ: مراتب.
_________
(1)
مختار الصحاح 236.
(2)
الفتح 1/ 534.
الساكن في ثاني جزء منه فإن أشبعت حركة الحاء من الوشاح صار سالما أو قلت: ويوم وشاحٍ بالتنوين صار القبض في أول جزء من البيت وهو أخف من الأول، واستعمال القبض في الجزء الثاني وكذا في السادس في أشعار العرب كثير جدا نادر في أشعار المولدين (1).
200 -
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" متفق عليه (2).
وفي لفط للبخاري: "البزاق" ولمسلم "التفل"(3).
والتفل -بالمثناة من فوق-: أخف من البزاق، والنفث بمثلثة آخره: أخف منه.
وفي الحديث دلالة على أن ذلك في المسجد خطيئة، والدفن مكفر لها، وهو معارَض بحديث "فليبصق عن يساره أو تحت قدمه"(4)، وظاهره سواء كان في المسجد أو في غيره، قال النووي (5): هما عمومان تعارضا (أ) ولكن العموم الثاني مخصوص بما إذا لم يكن في المسجد ويبقى عموم الخطئة إذا كان في المسجد من دون تخصيص، وقال القاضي عياض (6): إنما يكون البصاق في المسجد خطيئة إذا لم يدفنه وأما مَنْ أراد دفنه فلا.
وذهب إلى هذا ابن مكي في التنقيب والقرطبي في "المفهم"(7) وغيرهما،
(أ) ساقطة من جـ وهـ.
_________
(1)
الفتح 1/ 534، 535.
(2)
مسلم المساجد باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها 1/ 390 - ح 55/ 552، البخاري بلفظ (البزاق) الصلاة باب كفارة البزاق 1/ 511 ح 415 وفي نسخة البلوغ الخطوطة (البزاق) ل 16، أبو داود الصلاة باب في كراهية البزاق 1/ 322 ح 475، والترمذي الصلاة باب ما جاء في كراهية البزاق 2/ 460 ح 572، أحمد 3/ 274 والجميع بلفظ (البزاق)، النسائي بلفظ (البصاق) المساجد البصاق في المسجد 2/ 39.
(3)
مسلم 1/ 390 ح 56 - 552 م.
(4)
مر في ح 185.
(5)
شرح مسلم 2/ 188، 189.
(6)
شرح مسلم 2/ 189.
(7)
المفهم ل 126.
ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسنادٍ حسن (1) من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا قال: "فمن تنخم في المسجد فليغيب (أ) نخامته أن يصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه".
وأوضح منه ما رواه أحمد أيضًا والطبراني بإسنادٍ حَسَن (2) من حديث أبي أمامة مرفوعًا قال: "فمن تنخّع في المسجد فلم يدفنه فسيئة، وإنْ دفنه فحسنة" فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن، ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعًا قال:"ووجدت في مساوئ أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تُدْفَنُ"(3).
وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله أخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال: "الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة"(4)، فدل على أن الخطيئة مختص عن تركها.
وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير "أنه صلى مع النبي، صلى الله عليه وسلم، فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله"(5) إسناده صحيح، وأصله في مسلم، والظاهر أن ذلك كان في المسجد.
قال النووي (6): قال الجمهور: والمراد بدفنها في تراب المسجد ورمله
(أ) في هـ وجـ: فيغيب.
_________
(1)
أحمد 1/ 179 وحسن الشارح الحديث تبعا لابن حجر في الفتح 1/ 512، وصحح إسناده أحمد شاكر في المسند 3/ 1452، وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله موثقون 2/ 18.
ومسند أبي يعلى 2/ 131، كشف الأستار 2/ 447 ح 2078.
(2)
الطبراني الكبير 8/ 341 ح 8092، قال الهيثمي في المجمع: رجاله موثقون 2/ 18.
(3)
مسلم 1/ 390 ح 57 - 553.
(4)
مصنف ابن أبي شيبة 2/ 365، 366، وعن ابن عمر مثل ذلك، وفي مصنف عبد الرزاق رجلا من أصحاب رسول الله 1/ 434 ح 1696.
(5)
أبو داود 1/ 324 ح 482، 483، وعند مسلم 1/ 390 ح 59 - 554 م.
(6)
شرح مسلم 2/ 190.
وحصائه، وحكى الروياني (1) أن المراد بدفنها: إخراجها من المسجد، وهو بعيد، والظاهر أن (أ) الخطيئة وقوع البزاق في المسجد (ب سواء كان الفاعل داخل المسجد أو من خارج المسجد إلى داخله، والله أعلم ب).
(جـ وأما حديث: "إن المسجد جـ) لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار" (2)، لم (د) أقف على مَنْ خرجه، وبمعناه رواه في "الأمالي" عن علي رضي الله عنه فلا يدل على تحريم التنخم في المسجد، أو يحمل على عدم دفنها فيوافق الأحاديث الصحيحة، والله أعلم.
[فائدة: ورد في القملة إذا وجدها وهو ما رواه الطبراني في "الأوسط" عن مالك عن عامر قال: "رأيت معاذ بن جبل يقتل القملة والبراغيث في المسجد" (3)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم القملة في المسجد فليدفنها"، وزاد "وليمطها عنه" (4)، وروي في الكبير والبزار بسندٍ رجاله موثقون عن رجل من الأنصار أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا وجد أحدكم القملة فليصرها في ثوبه ولا يُلْقِهَا في المسجد" (5)](هـ).
(أ) في جـ: في، وهـ: من.
(ب، ب) بهامش هـ.
(جـ، جـ) بهامش هـ.
(د) في هـ وجـ: فلم.
(هـ) مثبتة بورقة ملحقة بالأصل وبهامش هـ وجـ.
_________
(1)
الفتح 1/ 512.
(2)
ذكره القرطبي في تفسيره 12/ 266، بلفظ (النجاسة) ولم يعزه قال القاري: لم يوجد. كشف الحفاء 1/ 295.
(3)
مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني الكبير وقال: رجاله موثقون 2/ 20.
(4)
مجمع الزوائد وعزاه إلى البزار والطبراني في الأوسط وعنده الزيادة "فليمطها" وقال: فيه يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف 2/ 20 انظر ترجمته في ح 345. كشف الأستار 1/ 209 ح 414.
(5)
مجمع الزوائد وعزاه إلى أحمد وقال: رجاله موثقون 2/ 20، أحمد 5/ 410.
201 -
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناسُ في المساجد" أخرجه الخمسة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة (1).
[وأورده البخاري (2) تعليقا عن أنس فقال: وقال أنس: "يتباهَوْن" بفتح الهاء.
قال المصنف: وهذا التعليق رويناه موصولا في مسند أبي يعلى وصحيح ابن خزيمة من طريق أبي قلابة أن أنسا قال: سمعته يقول: "يأتي على أمتي زمان يتباهَوْن بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا"(3) والمراد بعمارتها قليلا هو عمارتها بالذكر والصلاة] (أ) التباهي في المساجد بأن يقول واحد منهم مسجدي أحسن من مسجدك زينة وعلوًّا وغير ذلك.
[وذلك بأن يتفاخروا في إحداث بناء (ب) المساجد وقد جاء في رواية أنه في حسن بنائها وفي رواية البخاري يتباهون بها أي تنقيش المساجد وكثرتها](جـ).
(أ) بهامش الأصل، وأعاد في جـ الكلام من قوله: قال المصنف إلى نهاية القوس. في الحديث التالي (حديث ابن عباس).
(ب) ساقطة من هـ.
(جـ) في هامش الأصل وهـ.
_________
(1)
أبو داود الصلاة باب في بناء المساجد 1/ 311 ح 449، ابن ماجه الماجد باب تشييد المساجد 1/ 244 ح 739، أحمد 3/ 134، والنسائي نحوه المساجد المباهاة في المساجد 2/ 26، الدارمي الصلاة باب في تزويق المساجد 1/ 68 ح 1415، ابن خزيمة فضائل المساجد باب ذكر الدليل على أن التباهي في المساجد من أشراط الساعة 2/ 282 ح 1323، ابن حبان باب المباهاة في المساجد 99 ح 308 (موارد).
الطبراني في الصغير 2/ 114، البيهقي الصلاة باب في كيفية بناء المساجد 2/ 439. قلت: وإسناده صحيح.
(2)
البخاري 1/ 539.
(3)
أبو يعلى 5/ 201، ابن خزيمة 1/ 281 ح 1321، قلت: وفيه أبو عامر الخزاز صالح بن رستم المزني مولاهم صدوق كثير الخطأ، ضعفه ابن معين وأبو حاتم وابن المديني وثقه أبو داود، وقال أحمد: صالح الحديث.
التقريب 149، الميزان 2/ 294.
ولكن للحديث متابعات منها حديث الباب وهو حديث صحيح.
202 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أمرت بتشييد المساجد". أخرجه أبو داود (1)، وصححه ابن حبان (2).
تمام حديث ابن عباس قال: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى"، والمراد بالتشييد: هو رفع البناء وتزيينه بالشيد وهو الجصّ، وظاهر هذين الحديثين الكراهة إن لم يكن في تمام رواية ابن عباس التشبه باليهود والنصارى دلالة على التحريم، وظاهره سواء كان المحراب وحده أو جميع المسجد، وقال أبو طالب (3): لا كراهة في تزيين المحراب لعمل السلف من غير نكير، وقال المنصور بالله إنه يجوز في جميع المسجد، وقال أبو مضر: يجوز من بذر المسجد، قال الإِمام المهدي في "البحر" (4): فأما تزيين الحرمَيْن فلم يكن برأي ذي حَلّ وعقد ولا سكوت رضي، وفي تخريبه إضاعة، فلم يغير أحد من بعد ما قد وضع، ومثله ذكر الإِمام يحيى، قال (أ): وإنما فعلها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأَحدٍ من أهل الفضل، وسكت المسلمون والعلماء من غير رضي.
وحديث ابن عباس أورده البخاري تعليقا فقال (ب): وقال ابن عباس: "لتزخرفنها. ." الحديث (5)، ولم يذكر البخاري المرفوع وهو قوله:"ما أمرت" إلخ للخلاف على يزيد بن الأصم (6) في وصله وإرساله، وقد توهم الطيبي (7) أن قوله:"لتزخرفنها"، من تمام الحديث، وأنه بكسر اللام تعليل لما
(أ) في هـ: قال المصنف.
(ب) في جـ وهـ: قال.
_________
(1)
أبو داود في الصلاة باب في بناء المساجد 1/ 310 ح 448، البيهقي الصلاة باب في كيفية بناء المساجد 2/ 438، المصنف 3/ 152 ح 5127، مرح السنة باب ثواب من بنى مسجدا 1/ 348 ح 463، قال نعيم: لم يوصله إلا محمد بن الصباح ورواه عبد الجبار وغيره فوقفه على يزيد. الحلية 7/ 313.
(2)
ابن حبان باب ما جاء في المساجد 98 ح 305 (موارد).
(3)
البحر 1/ 222.
(4)
البحر 1/ 222.
(5)
قوله "لتزخرفنها" 1/ 539.
(6)
و (7) الفتح 1/ 540.
قبله، وليس كذلك وإنما هو بفتح اللام وهو (أ) جواب قَسَم.
وأخرج البخاري عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه الجريد، وعُمُده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه (ب) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا، ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج" (1).
والقَصَّة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وهي الجص بلغة أهل الحجاز، وقال الخطابي (2): يشبه الجص وليست به.
والساج نوع من الخشب معروف، يؤتى به من (جـ) الهند.
قال ابن بطال (3) وغيره: وهذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلوّ في تحسينه، فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل قد نخر في أيامه، ثم قال عند عمارته:"أكنَّ الناس من المطر وإياك أن تحمّر أو تصفر فيفتن الناس"(4) ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر فحسّنه بما لا يقتضي الزخرفة، ومع ذلك فقد (د) أنكر بعض الصحابة عليه، وأول من زخرف
(أ) في جـ وهـ: وهي.
(ب) في هـ: بناية.
(جـ) في الأصل: في.
(د) ساقطة من جـ وهـ.
_________
(1)
البخاري 1/ 540 ح 446.
(2)
معالم السنن 1/ 256.
(3)
شرح ابن بطال باب بنيان المساجد.
(4)
ذكره البخاري في ترجمة باب بنيان المساجد 1/ 539.
المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان وذلك في أواخر عصر الصحابة، وسكت كثيرُ من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة، ورخص في ذلك بعضهم، وهو قول أبي حنيفة (1) إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال.
وقال ابن المنير (2): لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة، وهو مستقيم إذا كانت العلة فيه هو ترك الرفاهية، وأما إذا كانت العلة هو شغله بال المصلي فالعلة مستمرة (3).
203 -
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضت عليَّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد" رواه أبو داود، والترمذي، واستغربه، وصححه ابن خزيمة (4).
(1) الهداية شرح بداية المبتدئ 1/ 650.
(2)
فتح الباري 1/ 541.
(3)
قلت: بل العلة قائمة والأولى ترك زخرفها لأن في ذلك خشوع للمصلي وزهد في الدنيا وتذكير بالآخرة وإيثار ما عند الله والباقيات الصالحات على الدنيا، والله أعلم.
(4)
أبو داود الصلاة باب في كنس المسجد 1/ 316 ح 461 (وله بقية)، الترمذي كتاب فضائل القرآن باب 19 ح 2916، الطبراني في الصغير 1/ 198. البيهقي الصلاة باب في كنس المسجد 1/ 440، ابن خزيمة باب فضل إخراج القذى من المسجد 2/ 271 ح 1297.
قلتُ: وللحديث علتان:
أ- أنه من رواية المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي وهو صدوق كثير التدليس والإرسال قال أبو حاتم: روايته عن الصحابة مرسلة، قال محمد: لا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. الميزان 4/ 129، الجرح والتعديل 8/ 359، تهذيب التهذيب 10/ 178، سنن أبي داود 5/ 179، التقريب 339.
ب- فيه ابن جريج وهو مدلس وقد عنعنه قال الدارقطني شَرّ التدليس تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح. طبقات المدلسين 30.
قلتُ: وروي من طريق الزهري عن أنس لكن فيه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد صدوق يخطئ، قال ابن حبان: متروك. التقريب 218. لكن هذه الرواية وإن كانت ضعيفة لكنها تتابع رواية المطلب عن أنس فإن الزهري روى عن أنس. التهذيب 9/ 445، 446. وللحديث شواهد أخرى منها حديث أبي ذر عند مسلم:"عرضت علي أعمال أمتي. . ." وفيه "ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن" فإنه يدل بمفهومه أن دفنها من المحاسن، والله أعلم.
القِذَى -بالقاف والذال المعجمة مقصور: جمع قذاة (أ)، وجمع الجمع أقذية، قال أهل اللغة: القذى في العين والشراب ما سقط فيه، ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرا.
وفي الحديت دلالة على أن ذلك مما يؤجر عليه المسلم وإنْ قَلَّ وحَقُرَ.
[وفيه ترغيب في تنظيف المساجد مما يحصل فيها من القمامات القليلة أنها تكتب في أجورهم، وتعرض على نبيهم صلى الله عليه وسلم، وإذا كتب هذا القليل وعرض فيكتب الكبير ويعرض من باب الأولى، ففيه تنبيه بالأدنى على الأعلى، وبالطاهر على النجس، والحسنات على قدر الأعمال، وينبغي لمن أخرج قذاة من المسجد أو أذى من طريق أن يقول عند أخذها لإِزالتها: لا إله إلا الله، ليجمع بين أدنى شعب الإِيمان وأعلاها وهي كلمة التوحيد، وبين الأفعال والأقوال، وإن جمع القلب مع اللسان كان أكمل](ب).
204 -
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتَيْن". متفق عليه (1).
فيه دلالة على أن الصلاة مأمور بها لأن النبي عن الشيء أمر بالضد أو يقتضيه، والجمهور على أن ذلك أمر ندب، والقرينة على ذلك قوله، صلى الله عليه وسلم، للذي رآه يتخطى:"اجلس فقد آذيت"(2) ولم يأمره
(أ) ساقطة من هـ وجـ.
(ب) بهامش الأصل معلقة بورقة، وبهامش هـ.
_________
(1)
البخاري التهجد في الصلاة باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى 3/ 48 ح 1163. مسلم نحوه كتاب صلاة المسافرين باب استحباب تحية المسجد بركعتين 1/ 495 ح 69 - 714، أبو داود نحوه الصلاة باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد 1/ 318 ح 467، الترمذي نحوه الصلاة باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين 2/ 129 ح 316، النسائي نحوه المساجد الأمر بالصلاة قبل الجلوس فيه 2/ 42.
ابن ماجه نحوه الصلاة باب من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع 1/ 324 ح 1013، أحمد بلفظه 5/ 311.
(2)
أبو داود 1/ 292 ح 1118 - أحمد 4/ 188، ابن خزيمة 3/ 156 ح 1811، ابن حبان 150 ح 572 (موارد)، النسائي 3/ 84. قلت: وإسناده صحيح.
بصلاة (أ)، وكذلك مِثل قوله، صلى الله عليه وسلم:"أفلح إن صدق"(1) لمن قال: لا أزيد على ذلك، [وكذا ما أخرجه ابن أبي شيبة عن الدراوردي عن زيد بن أسلم قال:"كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصّلون"(2)، وروى حماد بن زيد قال: إذا دخلتَ المسجد فَصَلِّ فيه، فإن لم تصل فيه فاذكر الله تعالى، وهذا مثل ما قاله الغزالي رحمه الله وغيره: إن داخل المسجد إذا كان على غير وضوء يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر] (ب).
ونقل ابن بطال (3) عن أهل الظاهر أن الأمر على وضعه وهو الوجوب وابن حزم (4)(جـ) صرح بمثل قول الجمهور.
وظاهر الحديث أن ذلك مشروع في جميع الأوقات لا يختص منه وقت الكراهة لإِطلاق اللفظ، ولكنه قد عارضه عموم كراهة الصلاة في الأوقات المخصوصة لمن دخل المسجد وغيره، فذهب جمع إلى تخصيص النهي وتعميم هذا الأمر وهو الأصح عند الشافعية (5)، وذهب جمع إلى عكسه وهو قول الحنفية والمالكية (6).
(أ) ساقطة من هـ وجـ.
(ب) مثبت في ورقة ملحقه بالأصل، وفي هامش هـ.
(جـ) في هـ: من الظاهرية.
_________
(1)
البخاري 1/ 106 ح 46، ومسلم 1/ 40، 41 ح 8 - 11.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة 1/ 340.
(3)
كذا في الفتح عزاه لابن بطال وتبعه المصنف، وقد تعُقب ابن بطال بأن ابن حزم قال بقول الجمهور ولكن الذي في شرح ابن بطال قال بعضهم: ذلك واجب في كل وقت. شرح ابن بطال باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع فلم ينسب ذلك إلى أهل الظاهر، والفتح 1/ 537، 538.
(4)
المحلى 5/ 69 لم يقل بمثل قول الجمهور بل أكدهما غاية التأكيد وقال: لا شيء في السنن أوكد منهما وقال: لولا البرهان الذي ذكرنا قبل أن لا فرض إلا الخمس لكانت هاتان الركعتان فرضا.
(5)
المجموع 3/ 501.
(6)
حاشية رد المحتار 1/ 374، 375، بداية المجتهد 1/ 81، قوانين الأحكام الشرعية 61، واستثنوا الجنازة في رواية:"إذا خشي عليها بعد اسفرار الشمس"، الاستذكار 1/ 142.
وظاهر الحديث أن ذلك مشروع قبل أن يجلس فإن خالف وجلس فصرح جماعة بأنه لا يشرع له التدارك (1)، وفيه نظر لما رواه ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أَرَكَعتَ ركعتَيْن؟ " قال: لا، قال:"قُمْ فاركعهما"(2) وترجم عليه ابن حبان أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس، وكذلك ما سيأتي من قصة سُليك الغطفاني (3).
وقال المحب الطبراني (4): يحتمل أن يقال: وقتها قبل الجلوس وقت فضيلة، وبعده وقت جواز، أو يُقَال: وقتهما قبله أداء وبعده قضاء، ويحتمل أن مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يَطُل الفصل، وقد أخرج ابن أبي شيبة حديث أبي قتادة من وجه آخر:"أعطوا المساجد حقها، قيل: وما حقها؟ قال: ركعتين قبل أن تجلس"(5).
[وبقي الكلام فيمن يكثر تردده إلى المسجد (6) ويتكرر هل تتكرر عليه التحية؟ قال بعضهم: لا، وقاسه على الحطابين والفكاهين المترددين إلى مكة في سقوط الإِحرام عليهم. والحديث يدل على تكرار التحية بتكرار الدخول، قلتُ: والقول بالتكرار أولى (7)، وهل يدخل في ذلك من دخل المسجد ولم يجلس؟ ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا دخل. . ." إلخ أنه يدخل في عمومه المجتاز، ونازع في ذلك ابن دقيق العيد (8) لظاهر قوله، صلى الله عليه وسلم:"فلا يجلس حتى يصليَ ركعتَيْن" لأنه علَّق النهي عن الجلوس بالصلاة فإذا لم يكن جلوس انتفى النهي، وقيل: وفيه نظر لأن الجلوس بخصوصه ليس هو
(1) المجموع 3/ 502، 503.
(2)
ابن حبان 101 ح 322 (موارد).
(3)
في كتاب الجمعة وسيأتي تفصيل الخلاف في ذلك.
(4)
الفتح 1/ 538 وفي كتب الفقه تفصيل أكثر. انظر المجموع 3/ 502، 503، والمغني 2/ 135.
(5)
مصنف ابن أبي شيبة 1/ 340.
(6)
إحكام الأحكام 2/ 475.
(7)
المجموع 3/ 502.
(8)
إحكام الأحكام 2/ 468.
المقصود بالتعليق عليه، بل المقصود هو الحصول في بقعته كما نبه عليه إمام الحرمين، والنهي عن الجلوس إنما ذُكِرَ للتنبيه على أنه لا يشتغل بشيء غير صلاة ركعتين كما في نظيره وهي تحية البيت الحرام أو المسجد الطواف بالبيت فإنه معلّق (أ) بالحصول بالحرم (ب) لا بالجلوس.
قال البرماوي: ويدل على ذلك أنه لو دخل ونام أو استمر قائما فإنه يكره له ذلك حتى يصلي، وحديث أبي داود يصرح بهذا فإنه أخرج الحديث بلفظ:"إذا جاء أحدكم. . ." إلخ، وفي رواية أخرى للحديث بزيادة:"ثم ليقعد بعد إن شاء أو ليذهب لحاجته" أخرجها أبو داود] (جـ).
وقوله: "ركعتين" لا مفهوم له في جانب الكثرة، واختلف في جانب العلة والصحيح اعتباره، فلا تتأدى هذه السُّنَّة بأقل من ركعتين، وقد أخرج من عموم المسجد المسجد الحرام فتحيته الطواف وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ قبلها ولا بعدها وقد يَرِد على ذلك أنه لم يصلها في مسجد. قلتُ: ولعله يجاب بأنه، صلى الله عليه وسلم، صلَّى العيد عقب وصوله قبل أن يجلس والمنهي عنه إنما هو الجلوس قبل الصلاة، وأما إذا اشتغل بصلاة ولو كانت فرضا فقد أجزته عن التحية. وقد أخرج مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من رواية عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة:"إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"(1) وأورده البخاري ترجمة (2)، ولعل ذلك منه لما اختلف
(أ) في جـ: تعلق.
(ب) في جـ، هـ: في الحرم.
(جـ) بهامش هـ وبورقة ملحقة بالأصل.
_________
(1)
مسلم 1/ 493 ح 63 - 710، الترمذي 2/ 282 ح 421، النسائي 2/ 90، أحمد 2/ 455، ابن خزيمة 2/ 169 ح 1123.
(2)
البخاري 2/ 149.
على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه.
[فائدة: ويستحب لمن دخل المسجد أن يدعو بالدعاء المأثور وذلك ما رواه أبو داود عن عبد الملك بن سعيد بن سويد قال: سمعتُ أبا سعيد أو أبا أسيد الأنصاري يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"إذا دخل أحدكم المسجد فليسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك"(1).
وقد ورد في صفة الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، عند الدخول عن أنس من رواية ابن السني:"كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا دخل المسجد قال: بسم الله اللهم صلى على محمد، وإذا خرج قال: بسم الله اللهم صل على محمد"، وروى ابن مردويه (أ) السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد والخروج منه، وزاد في الموضع السلام على رسول الله اللهم صلى على محمد وعلى (ب) آل محمد] (جـ).
(د عدد أحاديث الباب ستة عشر حديثًا د).
آخر الجزء الثاني، ويتلوه إن شاء الله الجزء الثالث
وأوله: باب صفة الصلاة
والحمد لله رب العالمين
(أ) في جـ وهـ: أنه من دون.
(ب) ساقطة من هـ وجـ.
(جـ) في ورقة ملحقة بالأصل، وبهامش هـ.
(د، د) ساقطة من هـ وفي الأصل سبعة عشر والصحيح أنها ستة عشر حديثًا.
_________
(1)
أبو داود 1: 317 ح 465، مسلم 1: 494 ح 68 - 713.