الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب شروط الصلاة
الشروط جمع شرط والشرط لغة العلامة ومنه أشراط الساعة أي علاماتها. وفي اصطلاح الفقهاء ما يلزم من عدمه عدم حكم أو سبب.
154 -
عن علي بن طلق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فَسَا أحدُكم في الصلاة، فلينصرف، وليتوضأ، وليعد الصلاة" رواه الخمسة وصححه ابن حبان (1).
(هو علي بن طلق الحنفي اليمامي، روى عنه سلم بن سلام، وهو من أهل اليمامة وحديثه فيهم، قال ابن عبد البر: أظنه والد طلق بن علي الحنفي، ومال أحمد والبخاري (2): إلى أن طلق بن علي، وعلي بن طلق اسم لذات واحدة (3)) (أ) الحديث.
وأخرجه أحمد أيضًا وابن حبان، وقال ابن حبان: لم يقل فيه: "وليعد صلاته" إلا جرير بن عبد الحميد، وأعله ابن القطان بمسلم بن سلام
(أ) بهامش الأصل. واللام غير واضح واستدركته من نسخة هـ.
_________
(1)
أبو داود الطهارة باب من يحدث في الصلاة 1/ 141 ح 205 بلفظ (فليعد
…
) الترمذي مختصرًا، الرضاع باب ما جاء في كراهة الفساء في أدبارهن 3/ 468، 469 ح 1164، 1166، وقال أبو عيسى: حديث علي بن طلق حديث حسن. والنسائي في الكبرى في باب عشرة النساء تحفة الأشراف 7/ 471، وابن ماجه لم أقف عليه، انظر تحفة الأشراف 7/ 471، أحمد 1/ 86، ابن حبان- الإحسان 4/ 4 ح 2234. الدارقطني باب في الوضوء من الخارج من البدن 1/ 153.
(2)
عبارة الترمذي تدل على أنهما رجلان لا واحد ففي سنن الترمذي: سمعت محمدا يقول: لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا أعرف هذا الحدث من حدث طلق بن على السحمي السنن 3/ 468.
(3)
الاستيعاب 8/ 220، الإصابة 7/ 61.
الحنفي (1)، وهو لا يعرف وقال الترمذي قال البخاري (أ): ولا أعلم لعلي بن طلق غير هذا الحديث الواحد (2).
وفي الحديث دلالة على كون الفساء ناقضا للوضوء، وهو مجمع عليه والمراد به (ب) الريح الخارج من الدبر من غير صوت، ولذلك عطف عليه ما فيه صوت في حديث أبي هريرة لما قيل له:"ما الحدث؟ فقال: فساء أو ضراط"(3) ويدل على كونه مبطلا للصلاة يوجب استئنافها وقد قال بهذا الهادي، والناصر، والشافعي (4) في أحد قوليه كما تقدم في نواقض الوضوء، والخلاف في ذلك لأبي حنيفة وغيره كما تقدم لما مر من حديث عائشة (5) ولكنه لم يذكر في حديث عائشة (جـ) الريح ولكنه ذكر ما هو أغلظ منه كالمذي ولم يبطل الصلاة فهذا بالأولى، فالحديثان متعارضان والجواب ترجيح (د) هذا لأنه مثبت لاستئناف الصلاة وذلك ناف (6) والله أعلم.
(أ) زاد في هـ: و.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) ساقطة في هـ وجـ.
(د) في هـ: بترجيح.
_________
(1)
مسلم بن سلام الحنفي أبو عبد الملك مقبول التقريب 335.
(2)
سنن الترمذي 3/ 468.
(3)
البخاري 1/ 234 ح 135، أحمد 2/ 308، البيهقي 1/ 117.
(4)
هل يستأنف صلاته من جديد أو يبني على صلاته. الشافعي وأحمد في رواية تبطل الصلاة، وعنه يبني وعنه إن كان الحدث من السبيلين استأنف وإن كان من غيرهما بنى، المغني مع الشرح 1/ 780. الحنفية يبني على صلاته والاستئناف أفضل والمالكية في الرعاف خاصة وهو قول الشافعي في القديم المجموع 4/ 74، الشرح الصغير 1/ 379، شرح فتح القدير 1/ 377 - 381.
(5)
تقدم جـ 67.
(6)
وقال الصنعاني: الأولى الترجيح بأن هذا قال بصحته ابن حبان وذلك لم يقل أحد بصحته فهذا أرجح من حيث الصحة السبل 1/ 255، قلت وهذا هو الأحوط.
155 -
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" رواه الخمسة إلا النسائي وصححه ابن خزيمة (1).
الحديث أخرجه أحمد والحاكم، وأعله الدارقطني (أ) وقال: إن وقفه أشبه وأعله الحاكم بالإِرسال، ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي قتادة بلفظ:"لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر"(2).
قوله: "لا يقبل" المراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإِجزاء وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزية رافعة لما في الذمة، ولما كان الإِتيان بشروطها مظنة الإِجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا وقد يطلق القبول ويراد كون العبادة بحيث يترتب عليها الثواب وهو بهذا المعنى لا يلزم من نفيه نفي الصحة كما في قوله:"من أتى عرافا لم تقبل له صلاة"(3) ونحوه، وقوله "صلاة حائض": المراد بالحائض من بلغت سن الحيض والقصود هنا البلوغ الشرعي سواء (4) كان بالحيض أو بغيره، ولعله اعتبر الأغلب إذ به يكون البلوغ في الأغلب، وقوله:"إلا بخمار": فيه دلالة على أنه يجب على المرأة ستر الرأس والعنق
(أ) عليها كشط بالأصل وفي هـ وحـ بالوقف وفي التلخيص بإثباتها.
_________
(1)
أبو داود الصلاة باب المرأة تصلي بغير خمار 1/ 421 ح 641، الترمذي نحوه الصلاة باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار 2/ 215 ح 377، ابن ماجه الطهارة باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار 1/ 214 ح 655، أحمد نحوه 6/ 150، الحاكم الصلاة 1/ 251 وقال صحيح على شرط مسلم وقال الذهبي: وعلقه ابن أبي عروبة وأخرجه أيضًا عن الحسن مرسلًا، البيهقي الصلاة باب ما تصلي فيه المرأة من الثياب 2/ 233، ورواه عن الحسن مرسلًا.
وابن خزيمة، اللباس باب نفي قبول صلاة الحرة المدركة بغير خمار 1/ 380 ح 775 قلت: والحديث مداره على قتادة وقد اختلف عليه فيه فروى عنه مرسلًا وروي عنه موصولا.
(2)
المعجم الصغير 1/ 190 وقال الهيثمي: تفرد ابن إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي. مجمع الزوائد 2/ 52.
(3)
صحيح مسلم 4/ 1751 ح 125 - 2230، أحمد 4/ 68.
(4)
قال النووي: يقع في كثير من كتب شروح الحديث وكتب الفقه أن المراد بالحائض التي بلغت سن المحيض وهذا تساهل لأنها قد تبلغ سن المحيض ولا تبلغ البلوغ الشرعي ثم إن التقييد بالحائض خرج على الغالب، المجموع 3/ 157.
ونحوه، مما يقع عليه الخمار، وكذلك سائر بدنها لقوله تعالى:{إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (1)، وفسر بموضع الكحل والخاتم وهو الوجه والكفين (2)، وما عداه فهو عورة، فدل على وجوب الستر مطلقا في الصلاة وغيرها وقد ذهب إلى هذا الهادي ورواية عن القاسم وأحد قولي الشافعي وعن أبي حنيفة ومالك (3)، وعن القاسم وعن (أ) أبي حنيفة (4)، وهو قول الثوري، أن القدمين وموضع الخلخال ليس بعورة، وذهب أحمد وتخرج السيدين (5) و (ب) داود الظاهري إلى أن جميعها عورة إلا الوجه (6) قالوا للإِجماع على كشفه للإِحرام والشهادة، وذهب بعض أصحاب الشافعي أن جميعها عورة من غير استثناء (7)، قالوا لقوله صلى الله عليه وسلم:"النساء عي وعورات"(8) ولم يفصل، ورد عليهم بتفسير ابن عباس لقوله {إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بما مر (جـ) ولقوله، صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه أبو داود عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سألت النبي، صلى الله عليه وسلم "أتصلى المرأة في درع وخمار عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغا يغطى ظهور قدميها" (9) قال أبو داود: ورواه جماعة موقوفًا على أم سلمة منهم مالك، وقد أعله عبد الحق لذلك، ورجح وقفه.
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) الواو ساقطة من جـ.
(جـ) الواو ساقطة من جـ.
_________
(1)
الآيه 31 من سورة النور.
(2)
روى عن ابن عباس وفسر ابن مسعود الزينة بالثياب، القرطبي 12/ 229.
(3)
البحر الزخار 1/ 227، والمجموع 3/ 159، بدائع الصنائع 6/ 2956.
(4)
بدائع الصنائع 6/ 2956، والبحر الزخار 1/ 227، المغني 1/ 601.
(5)
السيدان أبو طالب والمؤيد بالله. انظر البحر 1/ 227.
(6)
المغني 1/ 601، البحر 1/ 227.
(7)
وهو قول عند الحنابلة. المغني 1/ 601، وعزاه صاحب البحر إلى بعض أصحاب الشافعي، البحر 1/ 227.
(8)
ضعفاء العقيلي 1/ 85 بلفظ "إن من النساء عي وعورات .. " وفيه إسماعيل بن عباد البصري ضعيف، اللسان 1/ 412.
(9)
أبو داود 1/ 420 ح 640، والبيهقي موقوفًا ومرفوعا 2/ 232 - 233، الحاكم 1/ 250.
قال المصنف (1): وهو الصواب.
وحكم الخنثى (2) حكم المرأة تغليبا لجانب الحظر، وأما الأمة فهي كالرجل وهي مخصوصة من عموم هذه الأحاديث بما روي عن أبي موسى أنه تكلم على المنبر وقال:"لا أعرف أحدا أراد أن يشتري أمة فينظر ما بين السرة والركبة، لا يفعل ذلك أحد إلا عاقبته"(3) ولم ينكر عليه، فدل على أن ما عدا ذلك يجوز النظر إليه فهو ليس بعورة وقال بعض أصحاب الشافعي (4): بل يجب ستر ما عدا موضع (أ) التقليب للبيع وهي الذراعان والساقان والرأس للحاجة، وقال بعض أصحاب الشافعي: بل هي كالحرة (5) إلا الرأس لإِنكار عمر ستره (6)، ولم ينكر.
والجواب بما (ب) روي عن أبي موسى: ومن لم ينفذ عتقها حكمها حكم الأمة لبقاء الرقبة وعن ابن سيرين: أم الولد كالحرة (7) لحصول سب العتق، قلنا لم ينفذ فهي كالدبرة. والله أعلم.
(أ) في هـ: مواضع.
(ب) في جـ: ما.
_________
(1)
التلخيص 1/ 299.
(2)
فرق صاحب البحر بين الخنثى الرق والحر، فقال: الرق كالرجل والحر كالمرأة في العورة ولم يفرق صاحب المغني في ذلك بل قال: كالرجل لأن ستر ما زاد على عورة الرجل محتمل فلا توجب عليه حكما أمر محتمل، وقال النووي بالتفريق بين الحر والرق بناء على عروة الأمة. والله أعلم. البحر 1/ 228، والمغني 1/ 605، المجموع 3/ 159.
(3)
لم أقف عليه وذكره صاحب المهذب ولم يتكلم عنه النووي 3/ 158.
(4)
المجموع 3/ 159.
(5)
وهو قول أبي علي الطبري. المجموع 3/ 159، قلت: والجمهور على أنها كالرجل، المجموع 3/ 159، المغني 1/ 604.
(6)
البيهقي 2/ 226.
(7)
البحر الزخار 1/ 228، وعند الحنابلة والشافعية كالأمة. المغني 1/ 605، المجموع 3/ 159.
156 -
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن كان الثوب واسعا فالتحف به -يعني في الصلاة". ولمسلم: "فخالف بين أطرافه وإن كان ضيقا فاتزر به" متفق عليه (1).
ولهما في حديث أبي هريرة: "لا يصلي أحدم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء"(2).
قوله: إن كان (الثوب)(أ) واسعا فالتحف به: الالتحاف في معنى الارتداء وهو أن يتزر بأحد طرفي الثوب ويرتدي بالطرف الآخر، وقوله: يعني في الصلاة أخذ التقييد من كون الحديث واردا (ب) في قصة صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم فإن في القصة: "فوجدته يصلي، وعلي ثوب واحد، فاشتملت به وصليت إلى جانبه فلما انصرف قال: ما السُّرى يا جابر فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت، قال: ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟ قلت: كان ثوب، قال: فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به"(3) وقوله "فخالف بين أطرافه": المخالفة بين الأطراف مراد بها الخالفة بين الطرفين وهي لا تتيسر إلا بجعل شيء منه على العاتق، وقد صرح بذكر الطرفين في رواية أحمد من طريق معمر عن يحيى:"فليخالف بين طرفيه على عاتقيه"(4).
(أ) في الأصل الثواب.
(ب) في هـ: واراد.
_________
(1)
البخاري وله قصة الصلاة باب إذا كان الثوب ضيقا 1/ 472 جـ 361، مسلم وله قصة الزهد والرقائق باب حديث جابر الطوبل وقصة أبي اليسر 4/ 2305 ح 3010، بلفظ (طرفيه)، وأبو داود الصلاة 1/ 417 ح 634 بلفظ مسلم.
(2)
مسلم الصلاة باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه 1/ 368 ح 516، البخاري الصلاة باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه 1/ 471 ح 359 بلفظ (عاتقيه شيء). أبو داود نحوه الصلاة باب جماع أبواب ما يصلى فيه 1/ 414 ح 626، النسائي الصلاة صلاة الرجل الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء 2/ 56، البيهقي نحوه الصلاة باب وجوب ستر العورة للصلاة وغيرها 2/ 224، أحمد 2/ 243.
(3)
البخاري 1/ 472 ح 361 والسرى في الحديث: السير في الليل.
(4)
أحمد 2/ 266.
وقوله: لا يصلي أحدكم: قال ابن الأثير هو كذا في الصحيحين بإثبات الياء على أن لا للنفي وهو في معنى النهي، ويحتمل أن لا للنهي وهو مجزوم بحذف الياء تقديرا، وقد رواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق الشافعي عن مالك بلفظ:"لا يصل" مجزوما ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء بلفظ: "لا يصلين" بزيادة نون التوكيد، ورواه الإِسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ نهي، وقوله "و (أ) ليس على عاتقه منه شيء" (1) زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد لفظ:"منه"، وهي محذوفة في البخاري، والمراد: لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه، بل يتوشح بهما على عاتقيه فيحصل الستر، لجزء من أعالي البدن.
والحديث فيه دلالة على الأمر بالالتحاف إذا كان الثوب واسعا، وحمل الجمهور الأمر على الندب، والنهي في الرواية الأخرى على التنزيه، (ب) قال الكرماني:(2) الإِجماع منعقد على جواز تركه وهو منقوض بما روي عن أحمد (3): أنها لا تصح (جـ) صلاة (د) من قدر على ذلك فتركه فقد جعله من الشرائط، وفي رواية عنه: تصح الصلاة ويأثم فجعله واجبا مستقلا وكلام الترمذي (4) يدل على ثبوت الخلاف، ونقل الشيخ تقي الدين (5) السبكي وجوب ذلك عن نص الشافعي واختاره، لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه، واستدل الخطابي على عدم
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) زاد في جـ: و.
(جـ) في جـ: لا تصلح.
(د) في هـ: الصلاة.
_________
(1)
لفظ البخاري بدون (منه) وهو الذي يقتضيه السياق لأنه نقل الكلام من فتح الباري وساق رواية مسلم انظر: فتح الباري 1/ 472.
(2)
الكرماني 4/ 18.
(3)
المغني 1/ 581.
(4)
السنن 2/ 168.
(5)
الفتح 1/ 472.
الوجوب بأنه صلى الله عليه وسلم صلي في ثوب واحد كان أحد طرفيه على نسائه (1) وهي نائمة، قال: ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأن يتزر به (أ) ويفضل منه ما كان لعاتقه، وفيه نظر، وجنح البخاري إلى أنه يجب إذا كان الثوب واسعا، وإذا كان ضيقا لم يجب شيء منه على العاتق وهو اختيار ابن المنذر (2).
فائدة: السفر الذي ورد في حديث (3) جابر هو في غزوة بُوَاط (4) بضم الموحدة وتخفيف الواو وهي من (ب) أول مغازيه صلى الله عليه وسلم.
فائدة أخرى: كان الخلاف في منع جواز الصلاة في الثوب الواحد قديما، روى ابن أبي شيبة (5) عن ابن مسعود قال: لا يصلين في ثوب واحد وان كان، أوسع ما بين السماء إلى الأرض، ونسب ابن بطال (6) ذلك لابن عمر ثم قال لم يتابع عليه، ثم استقر الأمر على الجواز.
(أ) في هـ: فيه.
(ب) ساقطة من هـ.
_________
(1)
حديث عائشة عند مسلم 1/ 277 ح 274 - 514، وأبو داود 1/ 259، ح 370 وابن ماجه 1/ 214 ح 256، والنسائي 2/ 55.
(2)
الفتح 1/ 472 قلت: وعبارة ابن حجر في الفتح: والظاهر من تصرف المصنف التفصيل بين ..
(3)
يدل على ذلك رواية مسلم: "سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بُوَاط 4/ 2304 ح 743 - 3009.
(4)
بُوَاط: بضم الباء الموحدة وفتحها وتخفيف ثانيه وآخره طاء مهملة جبل من جبال جهينة. مشارق الأنوار 1/ 116.
(5)
ابن أبي شيبة 1/ 315، قلت: بل أورد ابن أبي شيبة وعبد الرزاق صورة ذلك فعن أبي سعيد الخدري قال: اختلف أُبي بن كعب وابن مسمود في الصلاة في الثوب الواحد فقال أُبي: ثوب، وقال ابن مسعود: ثوبان. فخرج عليهما عمر فلامهما، وقال: إنه ليسؤوني أن يختلف اثنان من أصحاب محمد في الشيء الواحد. ابن أبي شيبة 1/ 313، عبد الرزاق 1/ 356 ح 1385.
(6)
ابن بطال باب إذا كان الثوب ضيقا.
157 -
عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار؟ ذال: "إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها" أخرجه أبو داود، وصحح الأئمة وقفه (1).
الحديث رواه ممالك وغيره (موقوفًا)(أ).
قال المصنف رحمه الله: وهو الصواب.
تقدم الكلام فيه في الكلام على حديث عائشة قريبا.
158 -
وعن عامر بن ربيعة قال: كنا النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلمة، فأشكلت علينا القبلة، فصلينا فلما طلعت الشمس (ب) إذا نحن صلينا إلى غير القبلة، فنزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أخرجه الترمذي وضعفه (2).
هو أبو عبد الله عامر بن ربيعة بن مالك العنزي (3)، وفي نسبه خِلَاف، وهو
(أ) في النسخ: مرفوعًا، ولعله سبق قلم فقد ساق الشارح هذا الحديث في حديث عائشة السابق وساق قول الحافظ أعله عبد الحق ورجح وقفه وقال هو الصواب. التلخيص 1/ 291.
(ب) زاد في جـ: و.
_________
(1)
أبو داود الصلاة باب في كم تصلي المرأة 1/ 420 ح 631، البيهقي الطهارة باب ما تصلى فيه المرأة من الثياب 1/ 232 - 233، مرفوعًا وموقوفا. الحاكم 1/ 250 وقال: على شرط البخاري ووافقه الذهبي. قال ابن الجوزي: وفيه مقال وهو: أن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ضعفه يحيى وقال أبو حاتم: لا يحتج به والظاهر أنه غلط في رفع هذا الحديث فإن أبا داود قال: قد رواه مالك وابن أبي ذئب وبكر بن نصر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة من قولها ولم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار المدني ضعفه ابن عدي وأبو حاتم ويحيي ووثقه جماعة، قال الدارقطني: خالف فيه البخاري الناس وليس هو بمتروك، قلت: هو صالح الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به. التقريب 204، الميزان 2/ 572، وهدي الساري 417.
(2)
الترمذي الصلاة باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم 2/ 176 ح 345، ابن ماجه إقامة الصلاة باب من يصلي لغير القبلة 1/ 326 ح 1020، الدارقطني باب الاجتهاد في القبلة وجواز التحري في ذلك 1/ 272، البيهقي الصلاة باب استبيان الخطأ بعد الاجتهاد 2/ 11، الطيالسي 146 ح 1145، أبو نعيم في الحلية 1/ 179، والحديث ضعيف وسيأتي بيان ذلك.
(3)
الاستيعاب 6/ 287، الإصابة 6/ 277.
حليف بني عدي بن كعب ولذلك يقال له العدوي، هاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها وأسلم قديما.
روى عنه ابنه عبد الله وابن عمر وابن الزبير، مات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل سنة ثلاث، وقيل سنة خمس.
والعَنْزِيّ: بفتح العين المهملة وسكون النون وبالزاي نسبة إلى (أعنز (ب) بن وائل أخي بكر بن أ) وائل وتغلب، وعدد العنزيين في الأرض قليل، وقال علي بن المديني: عامر بن ربيعة بن عَنَز بفتح النون، والأول عندهم أصح، ومنهم من نسبه إلى مَذْحج من اليمن، ولم يختلفوا أنه حليف للخطاب بن نفيل لأنه تبناه.
والحديث مضعف بأشعث بن سعيد السمان (1) وهو يضعف (جـ) في الحديث، وقد ذهب أكثر أهل العلم إليه، وابن حزم (2) ذكره من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة، والحديث إنما هو عن عامر، وكذا رواه أحمد (3)، والطبراني ثم (د) أعله بعاصم بن عبيد الله، وما نقله (5) الترمذي أولى، فإِنَّ عاصم بن عبيد الله (4) هذا، قد قال العجلي (5): ثقة لا بأس به، ولا أعلم من وثق الأول، وقال ابن معين (6): بلغني عن مالك أنه قال: عجبا من شعبة هذا الذي ينتقي الرجال
(أ- أ) ساقط من جـ.
(ب) في هـ: عنزة.
(جـ) في جـ: مضعف.
(د) ساقطة في جـ.
(هـ) في جـ: وما فعله، وفي هـ: ومما فعله.
_________
(1)
أشعث بن سعيد البصري أبو الربيع السمان، متروك. التقريب 37، المجروحين 1/ 172.
(2)
المحلى 3/ 230.
(3)
الفتح الرباني 4/ 125.
(4)
عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب: ضعيف. التقريب 159، الميزان 2/ 353.
(5)
لفظ العجلي: (مدني لا بأس به). الثقات 241.
(6)
التاريخ 2/ 283.
وهو يحدث عن عاصم ولكنه يقال لمالك: لا تتعجب من شعبة فإنك قد رويت عنه في "الموطأ"(1).
والحديث فيه دلالة على أن من صلى مع لَبْس القبلة أجزأته الصلاة، وسواء كان صلاته مع التحري والنظر في الأَمَارات أو بدون ذلك، وسواء انكشف له الخطأ في الوقت أو بعده، ومثل هذا ما رواه الطبراني من حديث معاذ بن جبل قال:"صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم في سفر إلى غير القبلة فلما قضى الصلاة تجلت الشمس فقلنا: يا رسول الله صلينا إلى غير القبلة، فقال: قد رفعت صلاتكم بحقها إلى الله عز وجل"(2)، وفي إسناده هذا أبو عبلة (أ) والد إبراهيم، ذكره ابن حبان في "الثقات"(3)، واسمه شمر بن يقظان.
وقد ذهب إلى ظاهر هذا الحديث وعمومه أبو حنيفة (4)، ورواه ابنُ أبي شبية عن ابن المسيَّب وعطاء والشعبي وغيرهم، وهو قول الكوفية فيما عدا مَنْ صلى بغير تحرى وتيقن الخطأ فإنه حكى في "البحر" الإجماع (5) على وجوب الإعادة عليه فيكون عموم الحديث مخصصا بالإجماع، وذهب الهادي (6) والقاسم ومالك والزهري إلى أنه لا يجب الإعادة على مَنْ صلى بتحري وانكشف له الخطأ وقد خرج الوقت، وأما إذا تيقن الخطأ والوقت باقٍ وجب عليه الإعادة، قالوا:
(أ) في جـ: أبو أعبلة.
_________
(1)
نقل الذهبي في الميران أنه روى عنه ثم ضعفه 2/ 353.
(2)
مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني في الأوسط وفيه شمر بن يقظان 2/ 15.
(3)
الثقات 4/ 367، التمهيد 1/ 114 - 115، وقال: اسمه شمير، قال ابن حبان: روى عنه ابنه إبراهيم رروى عنه عوف بن مالك.
(4)
الهداية 1/ 45.
(5)
البحر 1/ 209، وحكاية الإجماع فها نظر فإن المزني حكى أن لا إعادة عليه.
(6)
الكافي 1/ 198 - 199، البحر 1/ 209.
لتوجه الخطاب مع بقاء الوقت فإن لم يتيقن فلا، إذ لا يأمن الخطأ في الآخر (أ) فإِنْ خرج الوقت فلا إعادة للحديث، واشترط التحري إذ الواجب عليه تيقن الاستقبال، فَإِنْ تعذر اليقين فعل ما يمكنه من التحري، فإِنْ قصر فهو غير معذور إلا إذا تيقن الإِصابة.
وذهب الشافعي (1) إلى وجوب الإِعادة عليه في الوقت وبعده، ولعل الوجه في ذلك أن الاستقبال واجب قطعي، وحديث السرية (2) قد عرفت ما فيه، ولكنه يدفع بتقويه بحديث معاذ بل هو كاف في الاحتجاج به والإِطلاق في الحديثَيْن وارد عليهم والتقييد بما ذكر من الإِجماع. والله أعلم.
159 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" رواه الترمذي، وقوّاه البخاري (3).
الحديث رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح"، ورواه الحاكم من طريق شعيب بن أيوب عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، وذكره الدارقطني (4) في "العلل" فقال: الصواب عن نافع عن عبد الله بن عمر
(أ) في جـ: الأخرى.
_________
(1)
المجموع 3/ 190.
(2)
حديث الباب.
(3)
الترمذي الملاة باب ما جاء أنه ما بين المشرق والمغرب قبلة 2/ 171 - 173 ح 342، 343، 344، ابن ماجه إقامة الصلاة باب القبلة 1/ 323 ح 1011. قلت: رواه الترمذي من طريقَيْن:
أ) محمد بن أبي معشر بواسطة وبدون واسطة، ويسمى محمد بن نجيح السندي، وهو صدوق، التقريب 321.
ب) عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان بن محمد الأخنس عن سعيد المقبري.
وعثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس صدوق له أوهام. التقريب 236، الميزان 3/ 52. قلتُ: وللحديث شواهد فمنها حديث ابن عمر عند الحاكم 1/ 205، والبيهقي 2/ 9، والدارقطني 1/ 270، وعلل ابن أبي حاتم 1/ 184، وشرح السنة 2/ 327 ح 446.
وقد اختُلف في رفعه ووفقه والصحيح أنه موقوف. والله أعلم.
(4)
علل الدارقطني 2/ 31 - 33.
عن عمر، وزاد رُزَيْن:"إذا استقبلتَ البيت ولم تره"، وقال الترمذي (1): وقد روي هذا الحديث عن غير واحد من الصحابة منهم: عمر وعلي وابن عباس، وقال ابن عمر:"إذا جعلتَ المغرب عن يمينك والمشرق عن شمالك فما بينهما قبلة إذا استقبلتَ القبلة"(2). انتهى. وفي "الموطأ"(3) نحوه.
وهذا الحديث - (أأي قول ابن عمر أ) - في حق مَنْ كان في جهات المدينة كما لا يخفى، وكذلك حديث الأصل إنما يكون في حق بعض أهل الجهات كأهل اليمن والمدينة.
وفي الحديث دلالة على أَنَّ المقصود الجهة لا العَيْن في حق مَنْ تَعَّذَر عليه الرؤية ونحوها، وقد ذهب إلى هذا أبو العباس وأبو طالب والكرخي وأحد قولَي أصحاب الشافعي ورواية لأبي حنيفة لهذا الحديث (4).
ولأنه لو كان المقصود العَيْن لَلَزِمَ بُطْلَان صلاة بعض مَنْ كان في صَفٍّ طويل وهو مَنْ زاد على مقدار عُرْض الكعبة، وذهب زيد بن على والناصر وأحد قولي الشافعي (5) ورواية عن أبي حنيفة أن المقصود هو عين الكعبة لقوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (6)، وقياسا على من كان يمكنه اليقين للعين، وما ذكر من الإِلزام مدفوع إذ الحرم الصغير مع البُعْد منه يمتد وكلما ازداد بُعْده (ب) زاد امتداده وهذا مُدْرَكٌ والله أعلم (7).
(أ، أ) ساقط من جـ.
(ب) في الأصل: "بعد" بدل "بعده"، وفي جـ:"كلما ازداد بعدا ازداد امتداد".
_________
(1)
السنن 2/ 174.
(2)
علل ابن أبي حاتم 1/ 121 ح 332.
(3)
في الموطأ عن عمر 138 ح 8.
(4)
البحر 1/ 203، المجموع 3/ 187 والقول بالعين للمزني من أصحاب الشافعي وليس بمعروف للشافعي، وقد أنكره مجموعة من الشافعية، وهو الصحيح من أقوال الحنفية الهداية 1/ 45، وقال ابن قدامة: مَنْ كان معاينا للكعبة ففرضه الصلاة إلى عينها لا نعلم خلافا، المغني 1/ 438 - 439.
(5)
وهو الصحيح من قول الشافعية وبه قال بعض المالكية ورواية عن أحمد، المجموع 3/ 187، والبحر 1/ 203، الهداية 1/ 45.
(6)
الآية 144، 150 من سورة البقرة.
(7)
وقد رجح صاحب السبل الجهة 1/ 260، وهو صحيح قول الحنفية والحنابلة.
160 -
وعن عامرو بن ربيعة رضي الله عنه قال: "رأيتُ رسوَل الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيثُ تَوَجَّهَتْ به"، متفق عليه. زاد البخاري "يومئ برأسه، ولم يكن يصنعه في المكتوبة"(1).
ولأبي داود من حديث أنس: "كان إذا سافر فأراد أَنْ يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث كان وجه ركابه" وإسناده حسن (2).
الحديث أخرجه البخاري من حديث عامر بن ربيعة بلفظ: "كان يسبح على الراحلة"، وأخرجه من حديث ابن عمر:"كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه، ويومئ برأسه قِبل أي وجه توجه ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة"(3)، وللبخاري من وجهٍ آخر:"كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه ويومئ برأسه"(4)، وللبخاري من حديث آخر نحوه وفيه:"فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة"(5).
وأخرج الشافعي نحوه من حديث جابر بلفظ: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو على راحلته النوافل"(6)، ورواه ابنُ خزيمة من حديث محمد بن بكر عن بن جُرَيْج مثل سياقه وزاد: "ولكنه يخفض السجدتَيْن من الركعة يومئ إيماءة (7)، ولابن حبان نحوه.
(1) البخاري كتاب تقصير الصلاة باب صلاة المتطوع على الدواب وحينما توجهت به 2/ 573 ح 1093، مسلم صلاة المسافرين باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت 1/ 488 ح 40 - 701، زاد البخاري بلفظ:"يصنع ذلك" 2/ 574 - 575 ح 1097.
(2)
أبو داود الصلاة باب التطوع على الراحلة والوتر 2/ 21 ح 1225، وإسناده حسن لأن فيه ربعي بن عبد الله بن الجارود وهر صدوق، التقريب 100. وللحديث شواهد أخرى منها حديث عامر بن ربيعة وغيره، والله أعلم.
(3)
البخاري 2/ 575 ح 1098.
(4)
البخاري 2/ 578 ح 1105.
(5)
البخاري 2/ 575 ح 1099.
(6)
مسند الشافعي 24 وبقيته: "في كل جهة".
(7)
ابن خزيمة 2/ 253 ح 1270.
وحديث أنس أخرجه أبو داود من حديث الجارود بن أبي سبرة حدثني أنس، وصححه ابن السكن.
وفي الحديث تصريح بصحة صلاة المتنفل على الراحلة وإن فاته الاستقبال، وفي حديث أنس زيادة:"وهو الاستقبال عند التكبيرة " وفي رواية البخاري أيضًا زيادة: "وهو أَنْ يومئ برأسه إيماء"(1)، وظاهره (أ) سواء كان على راحلته رحل أو لا، وأنه لا يسجد على ظهرها ولو كان الرحل حائلًا، ويكون إيماؤه لسجوده أخفض من إيمائه لركوعه فصلًا بينهما ما أمكن، وظاهره سواء كان السفر قصيرا أم طويلا، إلا أن في رواية رزين لحديث جابر زيادة:"في سَفَرِ القَصْرِ".
وقدْ ذهب إلى هذا مالك (2)، وهو محكيٌّ عن الشافعي، وذهب إليه الإِمام يحيى قال: وفي الحاضر وجهان المختار أنه لا يجوز، و (ب) قال أبو سعيد الإصطخري (3) من أضحاب الشافعي أنه يجوز في البلد، وهو مرويّ عن أنس بن مالك -من فِعْلِهِ- وأبى يوسف (4).
[وحَدَّ بعضُ الشافعية السفر القصير بالميل، وبعضه بأَنْ يخرج إلى مكان لا يلزمه فيه الجمعة لعدم سماع النداء](جـ).
(أ) في جـ: وظاهر هذا.
(ب) الواو ساقطة من جـ.
(جـ) بهامش الأصل.
_________
(1)
البخاري 2/ 573 ح 1093.
(2)
التطوع على الراحلة في السفر نوعان: السفر الطويل فاتفق أهل العلم على ذلك قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافا، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه جائز، أما السفر القصير -وهو ما لا يباح فيه القصر- فأباحه الإمام أحمد والشافعي وأصحاب الرأي وخصه مالك بالطويل، المغني 1/ 435، وبداية المجتهد 1/ 168 - 169. وأما في الحَضَر فجوّزه أبو يوسف من الحنفية والإصطخري من الشافعية ويُحْكَى عن أنس بن مالك، النووي 2/ 351، الفتح 2/ 575.
(3)
شرح مسلم 2/ 351.
(4)
الهداية 1/ 69.
فظاهر الحديث اشتراط الركوب، فلا يعفى عن الماشي الاستقبال (1)، وذهب الشافعي إلى جواز مثل صلاة الراكب للماشي، واختاره الإِمام المهدي والإِمام شرف الدين، ووجهه القياس على الراكب بجامع التيسير (أ) للمتطوع وفي قوله "حيث توجهت به"، وقوله "حيث كان وجه ركابه": دلالة على أنه لا يعفى له عدم الاستقبال إلا إذا لم يعدل عن مقصده كأنه جعل مقصده بدلا عن توجه القبلة، فلو توجه إلى غير المقصد فقال أصحاب الشافعي: إن كان ذلك إلى القبلة جاز، وإلا فلا.
ومن جَوَّز مثل ذلك للماشي فقيل إن حكمه حكم الراكب وقيل: بل (ب) يلزمه الاستقبال في ركوعه وسجوده وإتمامهما، ولا يمشي إلا في قيامه وتشهده، وفي جواز المشي عند الاعتدال من الركوع وجهان لا في الجلوس بين السجدتَيْن إذ لا يمكن المشي إلا بالقيام وهو غير جائز بينهما، وظاهره أنه يتم الصلاة ولو دخل إلى بلده، لأن دخوله صحيح، ولعله يعفى له من الأفعال ما يحتاج إليه في حال سيره وسوق دابته، والله أعلم.
[ولا يختص ذلك بالراحلة لأنه قد صح عنه كما في رواية مسلم أنه صلى على حماره](جـ)(2)، وفيما ذكره (د) من الأحاديث تقييد الصلاة بالنافلة، وقد ورد في
(أ) في النسخ التيسر والمثبت من هو.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) بهامش الأصل.
(د) في جـ: ذكره.
_________
(1)
أما الماشي في السفر:
أ) لا تباح له الصلاة وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد.
ب) له أن يصلي ماشيا وعليه أن يستقبل القبلة لافتتاح الصلاة ثم ينحرف إلى جهة سيره وهو رواية عن أحمد ومذهب عطاء والشافعي. المغني 1/ 437.
(2)
مسلم 1/ 487 ح 35 - 700.
رواية الترمذي والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاةُ فأمر المؤذن فأذّن وأقام ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء فجعل السجود أخفض من الركوع (1). قال الترمذي: حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح (أ)، وثبت ذلك عن أنس مِن فِعْله، وصححه عبد الحق، وحسنه النووي، وضعفه البيهقي (2).
وقد ذهب بعضُهم إلى أن الفريضة تصح على الراحلة إذا كان مستقبل القبلة (ب) في هودج (3).
(جـ) ولو كانت سائرة كالسفينة (د) فإنها تصح الصلاة فيها بالإِجماع (4).
وأما إذا كان مستقبل القبلة وهو في هودج (جـ) والراحلة واقفة فالصحيح في مذهب الشافعي (5) صحة الصلاة، ولعل الحديث يحمل علي لحوق الضرر من استقرارهم للإجماع على أن الفريضة لا تصح من دون استقلال واستكمال، ويعارض هذا ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم "أَوْتَرَ على الراحلة"(6) والوتر واجب عليه.
(أ) في الأصل وهـ: الرباح، وفي جـ: الذباح، وفي حاشية الأصل: لم نقف في التقريب على عمر بن الرباح فبحثنا عليه في الترمذي فإذا هو عمر بن الرماح وهو في التقريب كذلك، فما ضبطه الشارح سبق قلم.
(ب) زاد في جـ: وهو.
(جـ، جـ) بهامش جـ.
(د) ساقط من جـ.
_________
(1)
الترمذي 2/ 266 ح 411، وقال: تفرد به عمر بن الرماح ولا يعرف إلا من حديثه، البيهقي 2/ 7 وقال: وفي إسناده ضعف، لم يثبت من عدالة رواته ما يوجب قبول خبره، أحمد 4/ 173 - 174، الدارقطني 1/ 380، تاريخ بغداد 11/ 182 - 183، ولم يروه النسائي.
(2)
المجموع 3/ 106، البيهقي 2/ 7.
(3)
ويتم الركوع والسجود شرح مسلم 2/ 352.
(4)
حكى الإجماع النووي شرح مسلم 2/ 352.
(5)
شرح مسلم 2/ 352.
(6)
البخاري 2/ 488 ح 199، مسلم 1/ 487 ح 38 - 700.
والجواب: بأن الذي لا يصح إنما هو الواجب على جميع المكلفين فيه ما فيه والله أعلم.
وعند الشافعية (1) صحة صلاة الفريضة أيضًا على الأرجوحة المشدودة بالحبال، وما كان محمولا على الرحال من السرير إذا كانوا واقفين، فإن ساروا بالسرير فوجهان.
وقوله: "يسبح" في الحديث المراد به: يصلي النافلة، والسُّبْحة بضم السين وإسكان الباء النافلة [أطلق عليها مجازا من إطلاق اللازم على الملزوم، لأن التسبيح حقيقة قول الرجل: سبحان الله، ومعناه التنزيه لله، والصلاة المخلصة لازمها التنزيه أو (أ) العلاقة الجزئية والكلية فإن "سبحان الله" جزء من (ب) الصلاة، لأن الصلاة الشرعية ذات أذكار وأركان و "سبحان الله" من أذكارها](جـ).
161 -
عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحَمَّام" رواه الترمذي، وله علة (2).
الحديث فيه اختلاف في وصله وإرساله فرواه حماد موصولا عن عمرو بن يحيى
(أ) في جـ: و.
(ب) في هـ: في.
(جـ) بهامش الأصل. وفي بعض المحو، واستدركته من نسخة هـ.
_________
(1)
شرح مسلم 2/ 352.
(2)
الترمذي الصلاة باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام 2/ 131 ح 317، أبو داود الصلاة باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة 1/ 330 ح 492. ابن ماجه كتاب المساجد والجماعات باب المواضع التي تكره فيها الصلاة 1/ 246 ح 745، أحمد 3/ 83، الدارمي باب الأرض كلها طهور ما خلا المقبرة والحمام 1/ 323 وقال: الحديث كلهم أرسلوه، الحاكم 1/ 251، وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي، البيهقي الصلاة باب ما جاء في النهي عن الصلاة في المقبرة والحمام 2/ 434، ابن خزيمة باب الزجر عن الصلاة في المقبرة والحمام 2/ 7 ح 791، الأم 1/ 79، ابن حبان باب ما جاء في الصلاة في الحمام والمقبرة 104 ح 338 (موارد)، المصنف باب الصلاة على القبور 1/ 405 ح 2582.=
عن أبيه عن أبي سعيد، ورواه الثوري مرسلًا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية الثوري أصح وأثبت، وقال الدارقطني: المرسل المحفوظ، وقال الشافعي: وجدته عن ابن عيينة موصولا ومرسلا، ورجّح البيهقي المرسل (1)، وقال النووي في "الخلاصة": هو ضعيف، وقال صاحب "الإِمام": حاصل ما عُلل به الإِرسال، ولم يصب ابن دحية (2) حيث قال: هذا لا يصح من طريق من الطرق، وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
والحديث فيه دلالة على أن الأرض كلها تصح فيها الصلاة ما عدا المقبرة والحمام، فأما المقبرة -[وهي مثلثة الباء وكمكنسة على مفعلة بكسر اليم](1)، وهو المحل الذي يدفن فيه الموتى- فهو لا يصح فيه الصلاة (3)، وظاهره سواء كان على القبر أو بين
(أ) بهامش الأصل.
_________
= قلتُ: هذا الحديث أعله الترمذي بالاضطراب في المتن والسند:
أما المتن: فإنه يخالف الحديث: "جُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدا وطهورا" أخرجه البخاري 1/ 435 ح 335، ومسلم 1/ 370 ح 3 - 521. وقد أجيب أن الحديث عام وحديث أبي سعيد هنا خاص فهو مخصص للعموم.
وأما السند: فروي عن أبي سعيد مرسلًا وموصولا، وقد رجح كثير من العلماء رواية الإرسال لأن روايها أثبت. وللحديث شواهد أخرى تدل عليه. فيما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو:"نهى عن الصلاة في المقبرة"، وحديث أنس:"نهي أن يصلي بين القبور" ابن حبان 105 ح 342 - 345) (الموارد)، وط أخرجه أبو داود من حديث علي:"نهاني أن أصلى في المقبرة" 1/ 329 ح 490.
(1)
السنن 2/ 435.
(2)
في كتاب التنوير. التلخيص 1/ 277.
(3)
حكم الصلاة في المقبرة:
أ) ذهب الإمام أحمد إلى تحريم الصلاة في المقبرة وإليها. وسواء كان في القبور أو في محل منفرد عنها، وله رواية أخرى: تصح إن لم تكن نجسة.
ب) ذهب الشافعي أنه إن تحقق أن المقبرة منبوشة لم تصح صلاته فيها بلا خلاف، وإن تحقق عدم نبشها صحت بلا خلاف وهي مكروهة كراهة تنزيه، ومع الشك تصح مع الكراهة ولا تصح.
جـ) وروى عن علي وابن عباس وعطاء وأبي حنيفة والنخعي أنهم كرهوا الصلاة في المقبرة.
د) جوز الإمام مالك الصلاة بدون كراهية، وينسب إلى أبي هريرة والحسن البصري. وقال الإمام مالك: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على الجارية السوداء في المقبرة. المجموع 3/ 150، المغني 2/ 67، البحر 1/ 216 - 217. والعلة في ذلك:
لأن التراب فيه صديد الموتي ودماؤهم ولحومهم، وقيل لحرمة الميت، وقيل سدا لذريعة الشرك وتعظيم غير الله وهو الأولى، والله أعلم.
القبر (أ) والقبر (ب)، سواء كان قبر مؤمن أو كافر، فالمؤمن تكرمة له والكافر بعدا من خبثه، وقد ذهب إلى هذا المنصور بالله وداود وصاحب "اللمع" وغيرهم للحديث، وذهب أبو طالب وأبو العباس والشافعي إلى أنها تصح إن لم يعلم انتباشها، فإن علم انتباشها لم تصح الصلاةُ فيها لاختلاطها بما تفتت من عظام الموتى ولحومهم، قالوا: لقوله صلى الله عليه وسلم: "أينما أدركتك الصلاة فَصَلِّ"(1)، والجواب: الحديث عام مخصوص.
وأما الحَمَّام فذهب أحمد بن حنبل إلى العمل بظاهر الحديث فلا تصح عنده الصلاة فيه وعلى سطحه أيضًا (2)، وذهب الجمهور إلى صحتها مع طهارته ولكن مع كراهة، قالوا: لقوله: "أينما أدركتك الصلاة فَصَلِّ"، وحديث النهي محمول على أنه نجس والنجاسة هي علة النهي، وقيل: بل علة النهي أنها مجتمع الشياطين فتكره الصلاة فيه (جـ) والظاهر مع أحمد، والله أعلم.
162 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى في سبع مواطن: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الإِبل، وفوق ظهر بيت الله تعالى" رواه لم الترمذي وضعفه (3).
(أ) في جـ: القبور.
(ب) زاد في هـ: و.
(جـ) في جـ: فيها.
_________
(1)
البخاري 1/ 435 ح 335، ومسلم 1/ 370 ح 3/ 521.
(2)
السطح:
1 -
حكمه حكم المصلَّى لأن الهواء تابع للقرار ويثبت فيه حكمه.
2 -
ورجح ابن قدامة قصر النهي على ما تناوله وأنه لا يعدى إلى غيره لأن الحكم إن كان تعبديا فالقياس فيه ممتنع، وإن علل بالنجاسة فلا يتخيل هذا في السطح. المغني 2/ 72.
(3)
الترمذي بلفظ (أن رسول الله نهى
…
) الصلاة باب ما جاء في كراهية ما يصلي إليه وفيه 2/ 177 ح 346، ابن ماجه بلفظ (نهى رسول الله) المساجد باب المواضع التي تكره فيها الصلاة 1/ 246 ح 745، البيهقي الصلاة باب النهي عن الصلاة على ظهر الكعبة 2/ 329 - 330.
ضعفه الترمذي براوٍ (1) في سنده، وأخرجه ابن ماجه، وفي طريقه عبد الله بن عمر (2) العمري وهو ضعيف أيضًا، وصححه ابن السكن وإمام الحرمين، وقد روي في هذ الحديث:"بطن الوادي" بدل "المقبرة" وهي زيادة باطلة لا تعرف (3).
والحديث فيه دلالة على عدم صحة الصلاة في هذه السبع المذكورة فالمزبلة والمجزرة لما فيهما من النجاسة، إذ المزبلة هي موضع إلقاء الزبل وهي لا تخلو من النجاسة، والمجزرة هي المحل الذي ينحر (أ) فيها الجزور وتذبح فيها البقر والغنم وهي كذلك فالنهي تعلق بهما بناء على الأغلب، والمزبلة من زَبَل بفتح الباء أي أصلح الأرض بالزبل (4)، والمجزرة من جَزَر وهما مكانان على مَفْعَلة بفتح العين شاذَّان من حيث لحاق (ب) التاء بهما.
والمقبرة والحمام تقدم الكلام عليهما.
وقارعة الطريق وهي حافة الطريق (5) ووسطه، واختلف في العلة المانعة من الصلاة فيهما، فقيل: للنجاسة فتصح إن لم تكن فيها (ب) نجاسة، وقيل: لحق الغير (6) فلا تصح الصلاة فيها سواء كانت واسعة أو ضيقة لعموم النهي، وقد
(أ) في جـ: يذبح.
(ب) في هـ: إلحاق.
(جـ) ساقطة من جـ.
_________
(1)
هو زيد بن جَبِيْرة بن محمود الأنصاري أبو جبيرة المدني، متروك، قال ابن معين: لا شيء، التقريب 112 المجروحين 1/ 309 - 310.
(2)
عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني صدوق في حفظه ضعف فترك.
التقريب 182، الميزان 2/ 465، الخلاصة 207.
(3)
التلخيص 1/ 215.
(4)
زبل زرعه يزبله سمده القاموس 3/ 399.
(5)
وقيل: أعلاه، وقال الأزهري والجوهري: ما برز منه، وقيل: صدره. مختار الصحاح 299.
(6)
وقيل: لتَرْك الخشوع بممر الناس.
ذهب إلى هذا أبو طالب، وقيل: إن ذلك مقيَّد بما إذا كانت تضر الغير، لا في الواسعة التي لا تضر وقد ذهب إلى هذا المؤيد بالله والمنصور بالله.
ومعاطن الإِبل: هي مباركها حول الماء، وقد صرح بالعِلَّة في رواية البراء بقوله:"فإنها من الشياطين" أخرجه أبو داود (1).
[وقد ورد في رواية: "مبارك الإِبل"، وفي رواية "أعطان الإِبل" (2)، وفي رواية "مناخ الإِبل" (3)، وفي رواية "مرابد الإِبل" (4) وهي أعمّ من "معاطن" لشمولها، ووقع في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر (5) "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابد الغنم ولا يصلي في مرابد الإِبل والبقر" وسنده ضعيف (6)، ولو ثبت لأفاد أن (أ) حكم البقر حكم الإِبل](ب)، ولعل الحِكْمَة في ذلك لتعريض الصلاة للفساد لما يحصل عند تفرقها، والله أعلم.
وظَهْر بيت الله الحرام مُتأول بما إذا [كان على](جـ) طرف بأن يخرج حرمته عن هوائها، فإن لم يطرف صحت عند المؤيد (د) بالله (7) وأبي طالب سواء كان
(أ) ساقط من جـ.
(ب) بهامش الأصل.
(جـ) بهامش الأصل وساقط من جـ.
(د) ساقط من هـ.
_________
(1)
أبو داود 1/ 128 - 331 ح 184 - 493.
(2)
الترمذي من طريق أبي هريرة 2/ 180 ح 348.
(3)
عزاه في الفتح إلى أسيد بن حضير عند الطبراني، والذي في الطبراني الكبير معاطن الإبل 1/ 206.
(4)
أحمد 2/ 178 وهو في مسند عبد الله بن عمرو وليس في مسند عبد الله بن عمر، وفي فتح الباري كذلك.
(5)
كذا بالأصل والصواب: عبد الله بن عمرو.
(6)
لأن فيه ابن لهيعة وقد مر في ح 28.
(7)
البحر 1/ 203.
مستقبلا جزءًا منتصبا أم لا، وذهب الشافعي (1) إلى أنها تصح بشرط أن يستقبل من بنائها قدر ثلثي ذراع ليكون مستقبلا شطر المسجد الحرام، وعند أبي حنيفة (2) لا يشترط ذلك كقول المؤيد.
واعلم أن التقييد في هذه المذكورات بما ذكر دل عليه الجمع بين هذا وحديث: "أينما أدركتك الصلاة فَصَلِّ"، [وبعض الأئمة جعله قرينة لحمل الكراهة على التنزيه](أ) وهو محل نظر لا سيما على القول بالعمل بالخاص مطلقا فتنبه، والله أعلم.
163 -
عن أبي مَرْثَد الغَنَوِيّ رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها" رواه مسلم (3).
هو مَرْثَد -بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة- ابن أبي مرثد الغَنَوِيّ -بفتح الغين المعجمة وفتح النون-، واسم أبي مرثد: كَنّاز -بفتح الكاف وتشديد النون والزاي- ابن حصن، وقيل: ابن حصين، شهد بدرا هو وأبوه، وكانا حليفَيْن لحمزة بن عبد المطلب، وشهدا أحدا، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن الصامت، وقتل يوم غزوة الرجيع شهيدا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، (4).
(أ) بهامش الأصل. وفيه بعض المسح واستدركته من نسخة هـ.
_________
(1)
المجموع 3/ 183 - 184.
(2)
الهداية 1/ 95 فالصلاة عند أبي حنيفة تجوز في الكعبة فرضا ونفلا.
(3)
مسلم الجنائز النهي عن الجلوس على القبور والصلاة عليها 2/ 668 ح 98 - 972 م، أَبو داود بلفظ:"لا تجلسوا .. ولا تصلوا" الجنائز باب في كراهية القعود على القبر 3/ 554 ح 3229، الترمذي بلفظ أبي داود الجنائز باب ما جاء في كراهية المشي على القبور والجلوس عليها والصلاة إليها 3/ 367 ح 1050، النسائي القبلة النهي عن الصلاة إلى القبر 2/ 53، أحمد 4/ 135.
(4)
انظر: الاستيعاب 1/ 60، 12/ 140، والإصابة 9/ 162، 12/ 15.
الحديث فيه دلالة على منع استقبال القبر بالصلاة وقد تقدم الكلام في الصلاة في المقبرة ومنع الجلوس عليها، وفي ذلك أحاديت منها حديث جابر في منع وطء القبر (1)، وحديث أبي هريرة:"لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر" أخرجه مسلم (2)، عن مالك (3) أنه لا يكره القعود عليها، ونحوه: قال: وإنما النهي عن القعود لقضاء الحاجة، وفي الموطأ عن علي "إنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها"(4)، وفي البخاري أن ابن عمر كان يجلس على القبور (5)، وفيه عن يزيد بن ثابت أخي زيد بن ثابت نحوه (6). قال: وإنما كره ذلك لمن أحدث عليها.
164 -
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإِنْ رأى في نعليه أذى (أأو قذرا أ) فليمسحه وليصل فيهما"(7) أخرجه أَبو داود، وصححه ابن خزيمة.
وأخرج الحديث أحمد والحاكم وابن حبان، ولفظ الحديث قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه في نعليه إذ خلعهما فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك
(أ، أ) بهامش هـ.
_________
(1)
"نهى رسول الله أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه" مسلم 2/ 667 ح 94 - 970، والترمذي بزيادة "وأن توطأ" 3/ 368 ح 1052.
(2)
مسلم 2/ 667 ح 96 - 971، أَبو داود 3/ 553 ح 3228، النسائي 4/ 77 - 78، ابن ماجه 1/ 499 ح 1566، أحمد 2/ 311.
(3)
الموطأ 1/ 161، قال مالك: إنما نهى عن القعود على القبور للمذَاهِب (الموضع الذي يغوط فيه).
(4)
الموطأ 161 ح 34.
(5)
علقه البخاري في باب الجريدة على القبر، وقد وصله الطحاوي في شرح معاني الآثار 2/ 517.
(6)
علقه البخاري، وذكره الحافظ في التغليق 2/ 493 وعزاه إلى مسند مسدد.
(7)
أبو داود وفيه قصة "قذر أو أذى" الصلاة باب الصلاة في النعل 1/ 426 ح 650، الحاكم نحوه الصلاة 1/ 260، أحمد 3/ 20، البيهقي الصلاة باب الطهارة الخف والنعل 2/ 431، الدارمي نحوه باب الصلاة في النعلين 1/ 320، الطيالسي نحوه 286 ح 2154، ابن خزيمة باب المصلي يصلي في نعليه وقد أصابهما قذر لا يعلم به 1/ 107 ح 1017.
أصحابه ألقوا نعالهم فلما قضى صلاته قال: ما حملكم على خلع نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت (أ) فخلعنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا (ب فإذا جاء أحدكم" الحديث ب).
واختلف في وصله وإرساله، ورجح أَبو حاتم في "العلل" الموصول (1)، ورواه الحاكم أيضًا من حديث أنس (2) وابن مسعود (3)، ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس (4) وعبد الله بن الشخير (5) وإسنادهما ضعيفان، ورواه البزار من حديث أبي هريرة (6)، وإسناده ضعيف معلول أيضًا.
(جـ) في الحديث دلالة على أنَّ مَسْحَ النعال من النجاسة مطهر له إذ القذر والأذى الظاهر منهما هو النجاسة سواء كانت النجاسة رطبة أو جافة.
وعلى أن المصلي إذا دخل في الصلاة وهو متلبس بنجاسة ناسيا ثم ذكر في أثناء الصلاة وجب عليه الإِزالة والبناء على صلاته، وقد قال بالطرف الأول أبو حنيفة وأبو يوسف (7) وهو قول قديم للشافعي، ولحديث أبي هريرة الآتي، وروى
(أ) في جـ وهـ: خلعها.
(ب- ب) بهامش هـ وساقطة من جـ.
(جـ) زاد في جـ: و.
_________
(1)
قلتُ: وإسناده صحيح إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، وقال أبو حاتم: المتصل أشبه لأنه اتفق اثنان عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم. العلل 1/ 121 - 330، وللحديث شواهد أخرى ساقَهَا الشارح.
(2)
الحاكم 1/ 139 - 140، وقال: على شرط البخاري ووافقه الذهبي، والبيهقي 2/ 404.
(3)
الحاكم 1/ 140 وقال: على شرط مسلم.
(4)
الدارقطني 1/ 399 والحديث ضعيف لأن فيه صالح بن بيان، قال الدارقطني: متروك، وقال ابن عدي: كان شيخا صالحا، الميزان 2/ 290، المغني في الضعفاء 1/ 302. وفيه فرات بن السائب أَبو المعلى الجزري متروك مر في ح 79.
(5)
كشف الأستار 1/ 289 ح 603، قال البزار: رواه غير الجريري عن مطرف عن أبيه.
(6)
كشف الأستار 1/ 289 ح 601.
(7)
الهداية 1/ 34 - 35، المجموع 2/ 551.
ذلك الأميرُ الحسين في "الشفا" عن القاسم (1) والباقر، وذهب الأكثر من العلماء إلى أنَّ ذلك لا يكفي في النجاسة الرطبة وإن زالت العين به قياسا على الثوب المتنجس، وذهب محمد وأكثر العترة (2) والأخير من قولي الشافعي (3) إلى أن ذلك لا يكفي في الجافة والرطبة قياسا على سائر المتننجسات والحديث متأول [بأن المراد] (أ) بالقذر ما لا نجاسة فيه كالمخاط والبصاق ولكن رواية "أذى أو قذرا" كما في الحديث هنا وفي رواية:"خبثا" وهي أصرح بدفع ذلك التأويل.
ويجابُ عن القياس بالتخصيص بالحديث، والحديث (ح) وإن لم يُتَّفق على تصحيحه فهو لا يقصر عن صحة العمل به ولا سيما مع ما يعضده من الشواهد، والله أعلم.
وأما الطرف الثاني (4) فقد قال به أبو العباس لكن بشرط أن لا يفعل ركنا من أركان الصلاة وهو متلبس بالنجاسة وكذا في كشف العورة عنده قياسا على النجاسة، وقال به أيضًا أَبو حنيفة والمنصور بالله.
وفي الحديث فوائد منها: أنَّ الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله واجب كما في أقواله.
(أ) بهامش الأصل.
(ب) بهامش هـ.
_________
(1، 2) البحر 1/ 25، الهداية 1/ 35.
(3)
المجموع 2/ 551، وعلى هذا القول لا تصح الصلاة وهو صحيح المذهب ولكن الجمهور على أن من نسى النجاسة أو صلى فيها أن لا إعادة عليه، وقال النووي: وهو قوي في الدليل وهو المذهب المختار. المجموع 3/ 149.
(4)
وهو أن المصلي إذا دخل في صلاته وهو متلبس بنجاسته ناسيا ثم ذكر في أثناء الصلاة وجب عليه الإزالة والبناء. وهو قول الجمهور وقال النووي: وهو قوي الدليل وهو المختار. المجموع 3/ 551.
وفيه من الأدب أن المصلي إذا صلى وحده فخلع (أ) نعليه (ب) وضعهما عن يساره فإذا كان معه غيره في الصف وكان عن يمينه وعن يساره ناس فإنه يضعهما بين رجليه.
وفيه أن الفعل اليسير لا يقطع الصلاة.
165 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وطيء أحدكم الأذى بخُفَّيْه فطهورهما التراب" أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان.
وأخرجه ابن السكن والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة (1)، وهو معلول اختلف فيه على (جـ) الأوزاعي [فقال في رواية العباس بن الوليد عنه: أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدث عن أبيه عن أبي هريرة، وفي محمد بن كثير عنه قال: عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، كذا في "سنن البيهقي" ولفظه "بنعليه" عوض عن (د)"خفيه"، ولفظه "خفيه"(هـ) في "سنن أبي داود"، (و)، وسنده ضعيف.
(أ) في جـ: خلع.
(ب) زاد في جـ: و.
(جـ) ساقطة من جـ وهـ.
(د) ساقطة من جـ.
(هـ) في جـ: خفيفة.
(و) بهامش الأصل وهـ.
_________
(1)
أَبو داود الصلاة باب الأذى يصيب النعل 1/ 268 ح 386، ابن حبان (واللفظ له) باب إزالة القذر من النعل 85 ح 249 (موارد)، البيهقي الصلاة باب طهارة الخف والنعل 1/ 430.
قلتُ: وهو معلول بالاختلاف فيه على الأوزاعي كما قال الشارح فلم يسم الأوزاعي شيخه إلا أن له شواهد كثيرة وإن كانت لا تخلو من ضعف إلا أن بعضها يقوي بعضها فتنهض للاحتجاج.
ورُوى عنه صلى الله عليه وسلم من طريق عائشة أيضًا أخرجه أَبو داود (1)، وساقه ابن عدي في "الكامل" في ترجمة عبد الله بن سمعان (2)، وفي ابن ماجه من وجهٍ آخر عن أبي هريرة مرفوعًا:"الطُّرُق يطهر بعضها بعضا"(3) وإسناده ضعيف (4).
وفي الباب حديث أم سلمة: "يطهره ما بعده" رواه الأربعة (5)، وفي الباب أيضًا عن أنس رواه البيهقي في "الخلافيات" وسنده ضعيف (6).
وأخرج البيهقي عن امرأة من بني عبد الأشهل قالتُ: قلتُ: يا رسول الله: إنَّ بيني وبين المسجد طريقا منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟
قلت: بلى. فقال: هذه بهذه.
وأخرج عن ابن العلاء عن أبيه عن جده قال: أقبلتُ مع علي ابن أبي طالب رضي الله عنه إلى الجمعة وهو ماش فحال بينه وبين المسجد حوض ماء وطين فخلع نعله وسراويله، قال: قلتُ: هات يا أمير المؤمنين أحمله عنك.
قال: لا يحاص. فلما جاوز لبس نعله وسراويله ثم صلى بالناس ولم يغسل رجليه.
الكلام في فِقْهِ الحديث تقدَّم في الذي قبله.
(1) أَبو داود 1/ 268 ح 387.
(2)
الكامل 4/ 1445 - 1446 في ترجمة عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان، وقال ابن عدي: والضعف على حديثه ورواياته بَيِّن.
(3)
ابن ماجه 1/ 177 ح 532 بلفظ: "الأرض .. ".
(4)
لأن في إسناده إبراهيم بن إسماعيل اليشكري مجهول الحال. التقريب 19، الميزان 1/ 20.
(5)
أبو داود 1/ 266 ح 383، الترمذي 1/ 266 ح 143، ابن ماجه 1/ 177 ح 531. قلتُ: وهذا الحديث ضعيف لجهالة أم ولد عبد الرحمن بن عَوف وهي الرواية عن أم سلمة رضي الله عنها.
(6)
مختصر الخلافيات 1/ 11 - 12، وفيه الحارث بن نبهان الجرمي أبو محمد البصري متروك. التقريب 61، الخلاصة 69.
166 -
عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" رواه مسلم (1).
هو معاوية بن الحكم السلمي (2) كان ينزل المدينة وسكن في بني سليم، وعداده في أهل الحجاز. روى عنه ابنه كثير وعطاء بن يسار وأبو سلمة ابن عبد الرحمن، وقد روى عنه مالك في "موطئه" هذا الحديث (3) وسماه عمر بن الحكم وهو وهَمْ (4)، وليس في الصحابة مَن يقال له عمر بن الحكم، وإنما عمر بن الحكم من التابعين، مات سنة سبع عشرة ومائة.
وأخرج الحديث أبو داود (أوالنسائي وابن حبان والبيهقي. في الحديث دلالة على أن الذي يصلح في الصلاة أ) إنما هو التسبيح إلى آخره، وكذلك نحوه مِثل سائر أذكار الصلاة المشتهر كونها من الأركان (ب)، ومعناه لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس ومخاطباتهم بقرينة ما نهى عنه في القِصَّة، وهو تشميته للعاطس، فيتضمن الحديث أن الكلام أي التكليم للغير عمدًا مفسد للصلاة سواء كان لحاجة
(أ، أ) ساقط من هـ.
(ب) في هـ: الأذكار.
_________
(1)
مسلم الصلاة 1/ 381 ح 33 - 537. (وفيه قصة)، أَبو داود الصلاة باب تشميت العاطس في الصلاة 1/ 570 ح 930، النسائي السهو باب الكلام في الصلاة 3/ 14، أحمد 5/ 447 - 448، البيهقي الصلاة باب (الكلام في الصلاة على وجه السهو) 2/ 360، وأبو عوانة 2/ 141 - 142، والدارمي باب النهي عن الكلام في الصلاة 1/ 353، المنتقى باب الأفعال الجائزة في الصلاة وغير الجائزة 82 - 83 ح 212، الطيالسي 150 ح 1105، البخاري في جزء القراءة 19 ح 69.
(2)
الاستيعاب 10/ 131، الإصابة 9/ 229.
(3)
لم أقف عليه في رواية يحيى، ومحمد بن الحسن، والقطعة المطبوعة من رواية ابن زياد.
(4)
التقريب 252، الخلاصة 282.
أو غيرها، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها، فإذا احتاج إلى تنبيه الغير كداخلٍ (أ) أو نحوه فسيأتي في حديث أبي هريرة (1) بيان (ب) ما يفعل، وقد ذهب إلى هذا جمهور العلماء (جـ) من الخلف والسلف، وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي، والظاهر أنه إجماع (2).
ويدل الحديث على أن كلام الجاهل لتحريمه لا يفسد صلاته إذ لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإِعادة، ومثله الناسي إذا تكلم بكلامٍ قليلٍ (3) عند مالك وأحمد والشافعي والجمهور، فإِنْ كَثُرَ كلام الناسي فوجهان لأصحاب الشافعي أصحهما تبطل صلاتُه، قالوا: للحديث في حق الجاهل، ولقوله:"رُفع عن أمتي"(د)
…
الحديث (4)، ولخبر ذي اليدَيْن الآتي.
وقال أبو حنيفة والكوفيون والهادوية (5): بل يُفسد كلام الناسي، قالوا: لهذا الحديث وغيره، وعدم حكاية الأمر بإعادة الصلاة لا يستلزم القول بصحتها، غاية الأمر أنه لم ينقل فيرجع إلى غيره من الأدلة كأمره المسئ بالإِعادة لاختلال أركانها، وحديث ذي اليَدَيْن منسوخ فإنه قد قيل إنه وقع قبل النهي.
(أ) في جـ: لداخل.
(ب) في جـ: بيانه.
(جـ) زاد في هـ: و.
(د) زاد في جـ: الخطأ والنسيان.
_________
(1)
سيأتي في ح 168.
(2)
لغير مصلحة الصلاة، المجموع 4/ 15، المغني 2/ 45، البحر 1/ 290.
(3)
المجموع 4/ 16، المغني 2/ 46 - 49.
(4)
كذا اشتهر بهذا اللفظ في كتب الفقه، وهو منكر، والثابت في كتب السنة:"إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان" وبعضها: "تَجَاوَزَ".
ابن ماجه 1/ 659 ح 2045، والحاكم 2/ 198، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، والبيهقي 10/ 61، والدارقطني 4/ 170، والحديث علته الانقطاع بين عطاء وابن عباس، وقال أبو حاتم: لا يصح هذا الحديث ولا يثبت إسناده. العلل 1/ 431 ح 1296.
(5)
شرح فتح القدير 1/ 295 - البحر 1/ 290.
ويُجاب عنه بأن تحريم الكلام متقدم (أ) على القصة مع أن راويه (ب) أبو هريرة وهو متأخر الإِسلام. والله أعلم.
(جـ وفي الحديث دلالة على أنَّ تكبيرة الإِحرام من الصلاة (د) ركن من أركانها.)، وهو مذهب الهادي والشافعي والجمهور (1) خلافا للمؤيد بالله وأبي حنيفة فهي عندهما ليست منها بل هي شرط خارج عنها متقدم.
167 -
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "إنْ كُنَّا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. فأُمِرْنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام". متفق عليه، واللفظ لمسلم (2).
في الحديث دلالة أنه كان التكليم في الصلاة مباحا في صدر الإِسلام ثم نُسِخَ، ونزول الآية دليل على أن معنى قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (3) أي ذاكرين الله سبحانه، أو ساكتين عن الخطاب، ولفظ القنوت محتمِل، وله معان إحدى عشرة جمعها زين الدين العراقي في قوله (4):
(أ) في جـ: يتقدم.
(ب) في هـ: مع رواية. وفي جـ: مع أن رواية.
(جـ - جـ) بهامش هـ.
(د) زاد في هـ: و.
_________
(1)
المغني 1/ 461، والمجموع 3/ 233. وسيأتي بيان ذلك في صفة الصلاة.
(2)
مسلم نحوه باب تحريم الكلام في الصلاة 1/ 381 ح 35 - 539، البخاري (واللفظ له إلا قوله:"ونهينا عن الكلام") كتاب العمل في الصلاة باب ما ينهى عن الكلام في الصلاة 3/ 72، ح 1200، أبو داود الصلاة باب النهي عن الكلام في الصلاة 1/ 583 ح 949، الترمذي الصلاة باب ما جاء في نسخ الكلام في الصلاة 2/ 256 ح 405، النسائي السهو باب الكلام في الصلاة 3/ 16.
(3)
الآية 238 من سورة البقرة.
(4)
الفتح 2/ 491.
ولفظ القنوت أعدد معانيه تجد
…
مزيدا على عشر معاني مرضية
وعاء خشوع والعبادة طاعة
…
إقامتها إقرارنا بالعبودية
سكوت صلاة والقيام وطوله
…
كذاك دوام الطاعة الرائح أهنيه (1)
وهو مُجْمَعٌ على تحريم ذلك في الصلاة وأنه مفسد إذا كان عامدا عالما لغير حاجة الصلاة، وقد عرفتَ تفصيل القيود فيما حكى.
168 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" متفقٌ عليه، زاد مسلم:"في الصلاة"(2).
اتفقا عليه مختصرًا من حديث أبي هريرة بلفظ: "إنما التسبيح
…
" (3) الحديث، وأخرجا من حديث سهل بن سعد نحوه في (أ) حديثٍ طويل (4)، وفي رواية: "إذا نابكم أمرٌ فلتسبح الرجال ولتصفح النساء" (5) والتصفيح هو التصفيق.
وفي الحديث دلالة على أنه مشروع لمن نابه في الصلاة أمر كتنبيه الإِمام أو مار أو من يريد منه أمرًا وهو لا يدري أنه يصلي فينبه على أنه يصلي إِنْ كان رجلا أو يقول: "سبحان الله"، وقد ورد في لفظٍ للبخاري هذا اللفظ (6) وأُطلق في
(أ) في هـ: من.
_________
(1)
القاموس 1/ 111، لسان العرب 2/ 378.
(2)
البخاري كتاب العمل في الصلاة باب التصفيق للنساء 3/ 77 ح 1203، مسلم الصلاة باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء 1/ 318 ح 106 - 422، وفي رواية همام زاد:"في الصلاة"، أبو داود الصلاة باب التصفيق في الصلاة 1/ 247 ح 939، النسائي في السهو باب التصفيق في الصلاة 3/ 11، ابن ماجه إقامة الصلاة باب التسبيح للرجال في الصلاة والتصفيق للنساء 1/ 329 ح 1034.
(3)
لفظ البخاري ومسلم التسبيح بدون لفظ: "إنما".
(4)
البخاري 3/ 75 ح 1201، ومسلم 1/ 316 ح 102 - 421.
(5)
البخاري 13/ 182، ح 7190.
(6)
البخاري 3/ 107 ح 1234.
سائر الألفاظ، وإن كان (أ) امرأة فالتصفيق (1)، قال أبو داود: قال عيسى بن أيوب: "التصفيح للنساء أن تضرب بإصبعين من يمينها على كفها اليُسْرَى"(2)، وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأبو يوسف (3) مطلقا [وأحمد وإسحاق والأوزاعي وأبو ثور، وجمهور العلماء من السلف والخلف](ب) والمؤيد بالله والإِمام يحيى ورواية عن أبي حنيفة في حق المؤتم (4)، وذهب أبو حنيفة (5) ومحمد أن ذلك مفسد (جـ) سواء كان فَتْحًا أو جوابا لا إذا قصد به الإِعلام بأنه في الصلاة، فلا تبطل يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"يا عليّ لا تفتح على الإِمام في الصلاة" أخرجه أبو داود (6).
وقال أبو داود: وأبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها (7)، وحديث أبي هريرة (8) ونحوه لعله قبل نسخ الكلام ومع جهل التاريخ فدليل تحريم الكلام أرجح للحظر، والجواب بأَنَّ هذا لا يستقيم على القول بناء العام على الخاص (د) مطلقا ولا على قول مَنْ يحكم بتخصيص العام سواء تقدم الخاص أو تأخر، وحَمَلَ أبو حنيفة ومحمد (9) حديث أَبي هريرة بما إذا كان
(أ) في هـ: كانت.
(ب) بهامش الأصل.
(جـ) في هـ: يفسد.
(د) في الأصل تقديم، وقد أشار إلى التصحيح.
_________
(1)
البخاري 3/ 77 ح 1203.
(2)
وقيل: تضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر. شرح مسلم 2/ 67، الروض المربع 2/ 111.
(3)
البحر 1/ 292، الهداية 1/ 62، المغني 2/ 19.
(4)
و (5) الهداية 1/ 62.
(6)
أبو داود 1/ 559 ح 908، وفيه الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور مر في المقدمة.
(7)
أبو داود 1/ 560.
(8)
حديث الباب.
(9)
فتح الباري 3/ 77، 78.
القصد به الإِعلام بأنه في الصلاة وهما محتاجان لدليل على ذلك، وحَمَلَا حديث سهل في قوله:"مَنْ نابه شيءٌ في صلاته" على نائب مخصوص وهو إرادة الإعلام بأنه في الصلاة، والأصل عدم هذا التخصيص لأنه عام لكونه يكره في سياق الشرط، فيتناول النائم الذي يحتاج معه إلى الجواب، والذي يحتاج إلى الإِعلام فحمله على أحدهما من غير دليل لا يمكن المصير إليه، كيف والواقعة التي هي سبب الحديث لم يكن القصد فيها الاعلام بأنه في الصلاة، وإنما كان القصد تنبيه الصِّديق رضي الله عنه بحضور النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتفقوا على أن السبب لا يجوز إخراجه، وعن أحمد (1) رواية مثل قول أبي حنيفة.
وكون المشروع للرجال التسبيح وللنساء التصفيق هل هو على سبيل الإِيجاب أو (أ) الاستحباب أو الإِباحة؟ قال شارح "التقريب"(2): الذي ذكره أصحابنا ومنهم الرافعي والنووي أنه سنة، وحكاه عن الأصحاب ثم قال بعد كلام: والحق انقسام التنبيه في الصلاة إلى ما هو واجب ومندوب ومباح بحسب ما يقتضيه الحال.
169 -
عن مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّيْر عن أبيه رضي الله عنهما قال: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وفي صدره أزيز كأزيز المِرْجَل من البكاء". أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه ابن حبان (3).
(أ) في جـ: و.
_________
(1)
لم أقف عليها.
(2)
طرح التثريب 1/ 245، وقد أطال النفس وتكلم بكلام نفيس حول الوجوب والإباحة والندب.
(3)
أحمد 4/ 25، أبو داود الصلاة باب البكاء في الصلاة 1/ 557 ح 904 بلفظ (الرحى)، النسائي السهو باب البكاء في الصلاة 3/ 12. بلفظ (ولجوفه)، الترمذي في الشمائل باب ما جاء في بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم 55 ح 315، ابن حبان المواقيت باب البكاء في الصلاة 139 ح 522 (موارد)، وابن خزيمة جماع أبواب سترة المصلى باب الدليل على أن البكاء في الصلاة لا يقطع الصلاة 2/ 53 ح 900، الحاكم الصلاة 1/ 264. قلت: وإسناده صحيح، وقال ابن حجر في "الفتح": وإسناده قوي 2/ 206، ورجاله ثقات.
هو أبو عبد الله مُطَرِّف -بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الراء المكسورة وبالفاء- ابن عبد الله بن الشِّخِّيْر -بكسر الشين المعجمة وكسر الخاء المعجمة المشددة- العامري البصريّ. روى عن أبي ذر وعثمان بن أبي العاص، روى عنه أخوه يزيد وعلي بن زيد وقتادة مات بعد سنة سبع وثمانين (1).
الحديث صححه أيضًا ابن خُزيمة والحاكم، ووهم مَنْ زعم أن مسلما أخرجه (2)، ومثله الرواية عن عمر:"أنه قرأ في صلاة الصبح سورة يوسف حتى بلغ إلى قوله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} فسمع نشيجه".
أخرجه البخاري (3) مقطوعا، ووصله سعيد بن منصور عن ابن عُيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد سمع عبد الله بن شداد هذا، وأخرجه ابن المنذر من طريق عُبيد بن عُمير عن عمر (4).
والأزيز: بفتح الألف بعدها زاي ثم تحتانية ساكنة ثم زاي أيضًا هو صوت القِدْر.
و (أ) المرجل: بكسر الميم وسكون المهملة (ب) وفتح الجيم القِدْر إذا غَلَت، وفي لفظٍ:"كأزيز الرحى"(5).
والنشيج: بفتح النون وكسر المعجمة وآخره جيم قال ابن فارس (6): نشج
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) في هـ: الراء المهملة، وفي جـ: الراء.
_________
(1)
تهذيب الكمال 3/ 1335، طبقات ابن سعد 7/ 141، الحلية 2/ 198 تهذيب التهذيب 10/ 173.
(2)
الفتح 2/ 206، والمحرر 1/ 179 ح 214.
(3)
البخاري 2/ 206.
(4)
تغليق التعليق 2/ 300، ابن أبي شيبة من حديث علقمة 1/ 355.
(5)
أبو داود 1/ 557 ح 904.
(6)
معجم اللغة لابن فارس 3/ 868.
الباكي ينشج نشيجا إذا غصَّ بالبكاء فِي حَلْقِهِ من غير انتحاب، وقال الهروي (1): النشيج صوت (أ) معه ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره، وفي "المُحكم" (ب): هو أشد البكاء.
وفي الحديث دلالة على أن صدور مثل ذلك لا يضر الصلاة، وقاس الناصر والشافعي (2) الأنين عليه، قالا لأنه من جنس الأزيز، واستضعفه (جـ) الإِمام المهدي (3).
170 -
وعن علي رضي الله عنه قال: "كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان، فكنتُ إذا أتيته وهو يصلي يتنحنح لي"(د) رواه النسائي وابن ماجه (4)؛ أخرجه النسائي من حديث أَبى بكرة عن عياش عن مغيرة، وبهذا اللفظ يتنحنح، وكذا ابن ماجه، وصححه ابن السكن، وأخرج النسائي من حديث جرير عن مغيرة عن الحارث العُكْلي عن عبد الله بن نجيّ عن علي بلفظ:"فسبح"(هـ) مكان "تنحنح"(5)، وقال البيهقي (6): هذا مختلفٌ في إسناده ومتنه، وقال:"ومداره على عبد الله بن نُجَيّ"(7).
(أ) في جـ: ضرب.
(ب) زاد في هـ: شواهد.
(جـ) في جـ: واستصعبه.
(د) في جـ وهـ: تنحنح.
(هـ) في جـ: فتتح.
_________
(1)
غريب الحديث 3/ 337 ولفظه: "مثل بكاء الصبي إذا ضُرِبَ فلم يخرج بكاه وردده في صدره".
(2)
عند الشافعي إِنْ بَانَ منه حرفان بَطُلَتْ صلاته إلا فلا، وَفَّرقَ البعضُ أنه إِنْ كان لخوفِ اللهِ أو النار لم تبطل وإلا فتبطل. المجموع 4/ 20.
(3)
البحر 1/ 392.
(4)
النسائي السهو التنحنح في الصلاة 3/ 12، ابن ماجه الأدب باب الاستئذان 2/ 1322 ح 3708، أحمد نحوه من حديث طويل 1/ 85، البيهقي الصلاة باب ماذا يقول إذا نابه شيءٌ في صلاته 2/ 247.
(5)
في المجتبى بلفظ: (تنحنح) وفي النسائي الكبرى: "فسبح". 1/ 324 ح 189.
(6)
سنن البيهقي 2/ 247.
(7)
عبد الله بن نُجَيّ بن سلمة الحضرمي أبو لقمان الكوفي وثقه النسائي وابن حبان، وقال ابن معين: لم يسمع من علي. الميزان 2/ 514 والتهذيب 6/ 55.
قال المصنف رحمه الله: واختلف عليه فقيل: عنه عن علي، وقال يحيى بن معين: لم يسمعه عبد الله بن عليّ بينه وبين علي أبوه (1).
والحديث فيه دلالة على أَنَّ التنحنح لا يفسد الصلاة على رواية الأصل، وقد ذهب إلى هذا الناصر والشافعي (2) للحديث المذكور وظاهره سواء كان لإصلاح الصلاة أم لا، ورواية عن الناصر أنَّ ذلك لا يفسد إذا كان لحاجة الصلاة (3)، وذهب إلى هذا المنصور بالله، وذهب الهادوية وغيرهم إلى أنه يفسد الصلاة إذا كان بحرفَيْن فصاعدا إلحاقًا له بالكلام المفسد. والحديث مضطرب كما عرفتَ، واللهُ أعلم.
171: وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "قلتُ لبلال: كيف رأيتَ النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا: وبَسَطَ كَفَّه". أخرجه أبو داود والترمذي وصححه (4).
وأخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان.
(1) هذا الحديث ضعف للانقطاع بين علي وعبد الله بن نجَيّ ولكن هذا الانقطاع وصله الإمام أحمد فإنه قال: عبد الله بن نجي عن أبيه قال: "قال لي علي"، ولكن وإن انجبر هذا الانقطاع إلا أن نجي والد عبد الله مختلف فيه فوثقه العجلي ولينه الذهبي وقال ابن حجر: مقبول وقال ابن حبان: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد. الكاشف 3/ 199، التقريب 356، تاريخ الثقات 448. ثم الاضطراب في متنه فروى "تنحنح"، وروى "سبح" كما قال ذلك البيهقي 2/ 247.
(2)
حكى الرافعي أن هذا نص الشافعي وذكر النووي أن الصحيح أنه إِنْ بَانَ حرفان بطلت صلاته وإلا فلا. المجموع 4/ 20.
(3)
البحر 1/ 292.
(4)
أبو داود الصلاة باب رد السلام في الصلاة 1/ 569 ح 927، الترمذي نحوه الصلاة باب ما جاء في الإشارة في الصلاة 2/ 204 ح 368، وقال: حديث حسن صحيح. النسائي بنحوه السهو باب رد السلام بالإِشارة في الصلاة 3/ 6، ابن ماجه (بلفظ: فسألت صهيبا وكان معه). إقامة الصلاة والسنة فيها 1/ 325 ح 1017)، أحمد 4/ 332 عن صهيب، الدارمي باب كيف يرد السلام 1/ 326 (بلفظ: فسألت صهيبا)، ابن حبان -الموارد - (بلفظ: فسألت صهيبا) باب الإشارة بالسلام في الصلاة 141 ح 532، البيهقي بالشك بين بلال أو صهيب الصلاة باب الإشارة برد السلام 2/ 259.
وأصلُ الحديث: "خرج رسولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، إلى قُبَاء يصلي فيه، فجاءت الأنصار وسلموا عليه، فقلتُ لبلال: كيف رأيتَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يردّ عليهم حين كانوا، يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا وبسط كفه".
ورواه أحمد وابن حبان والحاكم أيضًا من حديث ابن عمر أنه سأل صُهَيْبًا عن ذلك بدل بلال، وذكر الترمذي أن الحديثَيْن جميعا صحيحان (1).
في الحديث دلالة على أن المصلي لا يردّ السلام نُطْقًا (أ)، وإنما يشير إلى ذلك، وفي حديث جابر أخرجه مسلم قال:"إِنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجته ثم أدركته وهو يصلي، فسلمتُ عليه فأشار إليَّ فلما -فرغ دعاني وقال: إنك سلمتَ"(2) ففي هذا الحديث زيادة اعتذار المصلي إلى المُسْلِّم بعد الرد بالإشارة، وحديث ابن مسعود لم يذكر فيه إشارة وإنما قال:"إنَّ في الصلاة شُغْلًا"(3)، وقد اختلف العلماء في رَدِّ السلام مِن المصلي، فذهب (ب) الشافعي والأكثرون (4) -قال القاضي عياض (5): وبه قال جماعة من العلماء- أنه يردّ السلام في الصلاة نطقا، منهم أبو هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة وإسحق، وقيل: يرد في نفسه، وقال عطاء والنخعي والثوري: يرد بعد السلام من الصلاة، وقال أبو حنيفة (6): لا يرد بلفظٍ ولا إشارة، قال عمر بن عبد العزيز ومالك (7) وأصحابه: يرد إشارة ولا يرد نطقا.
(أ) في جـ: مطلقا.
(ب) في هـ: وذهب.
_________
(1)
قال الترمذي: كِلَا الحديثَيْن عندي صحيح لأن قصة حديث صهيب غير قصة حديث بلال 2/ 204.
(2)
مسلم 1/ 383 ح 36 - 540.
(3)
مسلم 1/ 382 ح 34 - 538.
(4)
الشافعي والأكثرون أنه يستحب رد السلام بالإشارة وليس كما توهِمُ العبارة أنه يرد نطقا، والخلاف نقله الشارح من شرح مسلم 2/ 176.
(5)
شرح مسلم 2/ 176.
(6)
الهداية 1/ 64.
(7)
جواهر الإكليل 1/ 63.
وفي هذا الحديث دلالة على أنه يرد إشارة ولا يرد نطقا، ولعل ذلك استحباب، ويدل عليه حديث ابن مسعود وقوله:"إنَّ في الصلاة شغلا"، وبهذا يَحْصُلُ الجمعُ بين الروايات.
وأما ابتداء السلام على المصلي فمذهب الشافعي (1)(أ) أنه لا يسلّم عليه فإِنْ سلّم [لم](ب) يستحق جوابا، وعن مالك روايتان (2) إحداهما كراهة السلام والثانية (جـ) جوازه.
ويدل الحديث على أن الأفعال اليسيرة لا تُكره في الصلاة إذا احتيج إليها.
172 -
وعن أَبي قتادة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو حامل أمامة بنت زَيْنَب فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها" متفق عليه (3)، ولمسلم:"وهو يؤمُّ الناسَ في المسجد".
في الحديث دلالة على أنَّ حَمْلَ المصلي حيوانًا آدميا أو غيره في الصلاة لا يضرها، وسواء كان ذلك لضرورة أو غيرها (د)، وسواء كان في صلاة فريضة أو غيرها، وسواء كان منفردا أو إمامًا إذ قد صرح في رواية مسلم بكونه (5) إمامًا، وإذا جاز ذلك في حال الإِمامة جاز في غيرها بالطريق الأولى إذ هي أرفع حالا.
(أ) في جـ: فذهب للشافعي.
(ب) غير موجودة في النسخ، ومثبتة من شرح صحيح مسلم وهي ولازم رأي الشافعي عليه رحمة الله.
(جـ) في جـ: والثاني.
(د) في جـ: أو غيره.
(هـ) في جـ: كونه.
_________
(1)
المجموع 4/ 33 وقال: "لا يجب عليه الرد ويستحب أن يردّ في الحال إشارة"، وفي شرح مسلم كذلك 2/ 177.
(2)
عارضة الأحوذي 2/ 162، 163.
(3)
البخاري الصلاة باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة 1/ 590 ح 516، مسلم المساجد باب جواز حمل الصبيان في الصلاة 1/ 385 ح 41 - 543، أبو داود الصلاة باب العمل في الصلاة 1/ 563 ح 917، النسائي السهو باب حمل الصبايا في الصلاة ووضعهن في الصلاة 3/ 10، أحمد 5/ 295 - 303 مالك كتاب قَصْر الصلاة باب جامع الصلاة 123 ح 84.
وقد ذهب إلى هذا الشافعي وغيره من الأئمة (1)، والخلاف في ذلك للمالكية (2) فقالوا: لا يجوز ذلك في الفريضة، وتأولوا الحديث بأن ذلك في النافلة، ورواية مسلم (3) تدفع ذلك التأويل إذ الظاهر في الائتمام به إنما هو في الفريضة، وبعض المالكية رد ذلك بأنه منسوخ (4)، وبعضهم أنه خاصّ بالنبي، صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أن ذلك لضرورة (5)، والخطابي (6) بأن ذلك بغير فعله، وإنما كانت أُمَامَة تعلق به بغير تعمد منه لحملها، قال: لأن في حمله لها ووضعه شغلا عن الصلاة مع أنه قد خلع الخميصة التي لها أعلام لَمَّا شغلته أعلامها وتركها فكيف يفعل في الصلاة هذا الفعل؟ وهذا باطل بصريح الرواية بقوله: "فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها"، وحَمْل الإِسناد على المجاز بعيد، وفي رواية غير مسلم "فخرج علينا حاملا أمامة وصلى" وذكر الحديث (7).
وأما ترك الخميصة فهي (أ) إشغال للقلب بلا فائدة، وحَمْل أمامة لا يُسَلَّم أنه شغل للقلب وإن سُلِّم [فلعل في تركها شغلا أعظم لما يحصل من بكائها.
وأيضًا فإن] (ب) فيه فوائد وتمهيد قواعد شرعية منها التواضع مع الصبيان والضعفة ورحمتهم وملاطفتهم والعناية بما فيه مسرتهم.
(أ) في هـ: فهو.
(ب) بهامش الأصل.
_________
(1)
عبارة النووي أدق في التعبير حيث قال: "ومن وافقه". شرح مسلم 2/ 181.
(2)
شرح مسلم 2/ 181، فتح الباري 1/ 592، شرح الرزقاني 2/ 86.
(3)
وهي "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة على عاتقه" مسلم 1/ 385 ح 42 - 543 م.
(4)
شرح الزرقاني 2/ 86.
وتعقب: بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وبأنَّ هذه القصة كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم:"إن في الصلاة لشغلا" لأن ذلك كان قبل الهجرة وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعًا. الفتح 1/ 592.
(5)
وهي رواية أشهب وابن نافع عن مالك.
(6)
معالم السنن 1/ 431.
(7)
أبو داود 1/ 564 ح 918، ولفظه:"فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة .. ".
ومنها أن مثل ذلك الفِعل لا يضر الصلاة.
ومنها أن (أ) الظاهر في ثياب مَنْ لا يحترز من النجاسة هي الطهارة كالأطفال والمجانين وكذا أبدانهم، والدلائل الشرعية متضافرة بذلك وهو محتمل الحكم بطهارتها بعد زوال عين النجاسة والجفاف كما أن ذلك مجمع عليه في المولود من الآدميين أنه لا يجب غسله بعد الولادة وقياسا على ذلك سائر حالات الصبيان الذين لا يعقلون التنزه من النجاسة، والمجانين لما في ذلك من الحرج والمشقة عليهم وعلينا، وقد ذهب إلى ذلك المنصور بالله أو (ب) أن ذلك محكوم بنجاسته لكنه معفوّ عنه للحرج والمشقة.
وأُمَامة -بضم الهمزة- بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد الشمس (1)، وقد قيل: إنه من ربيعة والأصح الأول، تزوجها عليّ بن أبي طالب بعد خالتها فاطمة رضي الله عنهم، أمرته بذلك فاطمة، زوجها منه الزبير بن العوام، أوصاه أبوها بها.
173 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا الأسودَيْن في الصلاة الحية والعقرب" أخرجه الأربعة، وصححه ابن حبان (2).
وأخرجه أحمد والحاكم أيضًا من حديث ضمضم بن حوس عن أبي هريرة.
(أ) زاد في الأصل: ثياب، ولا معنى لها.
(ب) في هـ: و.
_________
(1)
الاستيعاب 12/ 211، الإِصابة 12/ 127.
(2)
أبو داود الصلاة باب العمل في الصلاة 11/ 566 ح 921، الترمذي الصلاة باب ما جاء في قتل الحية والعقرب 2/ 232 ح 390 نحوه، النسائي السهو باب قتل الحية والعقرب في الصلاة 3/ 9، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها باب ما جاء في قتل الحية والعقرب 1/ 394 ح 1245 بنحوه، أحمد 2/ 248 ونحوه، ابن حبان باب ما يجوز من العمل في الصلاة 141 ح 529 (موارد)، الحاكم الصلاة 1/ 256 وقال على شرطهما ووافقه الذهبي، ابن الجارود في المنتقى باب الأفعال الجائزة في الصلاة وغير الجائزة 83 ح 213 وسنده صحيح.
وعن ابن عباس مرفوعًا نحوه (أ) رواه الحاكم (1) وإسناده ضعيف.
وفي صحيح مسلم (2). له شاهد من حديث زيد بن جبير عن ابن عمر عن إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يأمر بقتل الكلب العَقُور والفأرة والعقرب والحُدَياء والغراب والحية، وقال: في الصلاة".
وعند أبي داود بإسنادٍ منقطع عن رجل من بنى عدي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لهم: "إذا وجد أحدكم عقربًا وهو يصلي فليقتلها بنعله اليسرى"(3).
في الحديث دلالة على شرعية قتل الأسودَيْن إذ الأمر إِنْ لم يكن للوجوب فالأقرب فيه الندب، وحمله على الإِباحة بعيد لما في المذكورين من الضرر للمصلي أو لغيره وإذا فعل ذلك في الصلاة، فظاهر الحديث أن ذلك لا يضر الصلاة سواء حصل ذلك بفعل يسير أو كثير، وإن كان في قوله:"فلْيقتلها بنعله اليسرى" في حديث أبي داود ما يشير إلى أن يفعل ذلك بفعلٍ يسيرٍ ولعله وإن أمكن في العقرب فهو لا يمكن في الحية، وقد ذهب إلى ظاهر الحديث أبو حنيفة (4) وأصحابه، وقالت الهادوية (5): تفسد الصلاة بقتل الحية لكثرة ذلك، وتأولوا الحديث بالخروج من الصلاة قياسا على سائر الأفعال الكثيرة التي تدعو إليها الحاجة وتعرض وهو يصلي كإنقاذ غريقٍ ونحوه، فإنه يخرج لفِعلِ ذلك، وقال الناصر (6)
(أ) زاد في هـ: و.
_________
(1)
الحاكم 4/ 270، وطرفه:"إن لكل شيء شرفا" وقال الذهبي: هشام متروك ومحمد ابن معاوية كذّبه الدارقطني، فبطل الحديث.
(2)
مسلم 2/ 858، 75 - 1200 م.
(3)
المراسيل 125 ح 45.
(4)
الهداية، واستدلوا بالحديث ولأن فيه إزالة الشغل فأشبه درء المار.
(5)
البحر 1/ 289.
(6)
البحر 1/ 289 - 290.
والإِمام يحيى: إِنْ كان الفعل كثيرًا أفسد وإلا فلا تفسد وذلك كالضربة (أ) والضربتَيْن وهو قول المنصور بالله والشافعي (1) وفي الرواية عن الناصر إِنْ كان في أول الوقت فكما ذكر، وإن كان في آخر الوقت لم يفسد ولو احتاج إلى فعلٍ كثير أو احتاج إلى استدبار القبلة، والحديث حجة لأبي حنيفة، وكذلك غير الأسودَيْن كما ذكر في حديث ابن عمر وقياسا على الأسودَيْن والله أعلم، وإطلاق الأسودين على الحية والعقرب من باب التغليب.
عدة (ب) أحاديث الباب ستة وعشرون حديثًا.
(أ) في جـ: بالضربة.
(ب) في جـ: عدد.
_________
(1)
ذكر الإمام النووي ضابط الفعل: إن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرا أبطلها بلا خلاف وإن كان قليلا لم يبطلها، ثم اختلفوا في ضابط القليل والكثير. المجموع 4/ 22 - 23.