الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب سترة المصلي
174 -
عن أبي جُهَيْم بن الحارث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المارُّ بين يَدَي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرا له من أنْ يمرَّ بين يديه". متفق عليه، واللفظ للبخاري (1)، ووقع في البزار (2) من وجه آخر "أربعين خريفا".
هو أبو جُهَيْم (3) -بضم الجيم وفتح الهاء، وسكون الياء- عبد الله بن جهيم فيما ذكره وكيع، وقيل هو عبد الله بن الحارث بن الصمّة الأنصاري، له حديثان أحدهما هذا والآخر في السلام على مَنْ يبول (4)، أخرجه البخاري ومسلم ونسبه أبو داود فقال: أبو جهيم بن الحارث بن الصمة ولم يذكر اسمه (5)، وابن عبد البر (6) قال: راوي حديث السترة هو عبد الله بن جُهَيْم، وراوي حديث السلام هو عبد الله بن الحارث ويقال له أبو جهيم وابن جهيم، وابن منده قال: اسمه عبد الله بن جُهيم ويقال: عبد الله بن الحارث فجعلهما واحدًا وروى الحديث عنه، وقال مسلم في "كتاب الكنى" (7): قال أبو الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، قال: وقال وكيع: اسمه عبد الله بن جهيم، والله أعلم.
(1) البخاري الصلاة باب إثم المار بين يدي المصلي 1/ 584 ح 510، ولفظ (من الإثم) عند الكشميهني فقط، ومسلم الصلاة باب منع المار بين يدي المصلي 1/ 363 ح 261 - 507، أبو داود الصلاة باب ما ينهى عنه في المرور بين يدي المصلي 1/ 449 ح 701، الترمذي الصلاة باب ما جاء في كراهية المرور بين يدي المصلي 2/ 158 ح 336، النسائي القبلة التشديد في المرور بين يدي المصلي 3/ 52، وابن ماجه إقامة الصلاة والسنن فيها باب المرور بين يدي المصلي 1/ 304 ح 945.
(2)
مجمع الزوائد باب فيمن يمر بين يدي المصلي 2/ 61. وعزاه للبزار.
(3)
الاستيعاب 11/ 181، الإصابة 11/ 68.
(4)
البخاري 1/ 441 ح 337، مسلم معلقا 1/ 281 ح 114 - 369.
(5)
أبو داود 1/ 233 ح 329.
(6)
في الاستيعاب فرق بين أبي جهم عبد الله بن جهم الأنصاري، فروى حديث المرور، وأبي الجهيم مصغرا ويقال أبو الجهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري روى حديث التيمم والسلام على من يبول الاستيعاب 11/ 179 - وما بعدها.
(7)
الكنى 1/ 195.
الحديث فيه دلالة على تحريم المرور بين يدي المصلي فإن المعنى أَنَّ المارَّ لو علم مقدار الإثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلي لاختار أَنْ يَقِفَ المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الإثم.
قال المصنف رحمه الله: ومقتضى ذلك أن يُعَدَّ في الكبائر، وهو صريح في تحريم المرور، ويُقَاسُ عليه القعود والاضطجاع ونحو ذلك بجامع شغله المصلي (1) بذلك (أ)، وظاهره عموم كل مُصَلٍّ سواء كان فرضا أو نفلا، إمامًا أو مأموما أو منفردا، وخصه بعض المالكية (2) بالإِمام والمنفرد لا المؤتم، إذ سترة إمامه سترة له والتعليل غير مناسب إذ السترة إنما تفيد رفع الحرج عن المصلي لا عن المار (ب).
وقوله (3): "بين يدي المصلي" أي أمامه بالقرب وعَبَّر باليدَيْن لكون أكثر الشغل يقع بهما، واختلف في مقدار ذلك فقيل إذا مر بينه وبين مقدار سجوده، وقيل: بينه وبين قَدْر ثلاثة أذرع، وقيل: بينه وبين قدر رمية بحجر.
وقوله: "ماذا عليه من الإثم" لم تقع هذه اللفظة إلا في رواية الكشميهني "من الإثم"، وليست هذه من رواية غيره، والحديث في "الموطأ" بدونها.
(أ) في هـ: بالفاء.
(ب) في جـ: الإمام.
_________
(1)
لكن ظاهر الحديث يختص بمن مر وإن قصد التشويش فالقياس جائز.
(2)
جواهر الإكليل 1/ 50.
(3)
قلت: الحرج متعلق بالمار لكون الوعيد فيه. والحرج لم يسلم منه المصلي حيث أمر بدفعه وكذلك الأمر بالسترة لكن هل الأمر للوجوب أو الاستحباب. وقد قسم بعض الفقهاء المرور على أربع صور:
أ) أن يكون للمار مندوحة ولم يتعرض المصلي لذلك فيختص المار بالإثم.
ب) أن يكون للمصلي تعرض للمرور وليس للمار مندوحة يختص المصلي بالإثم.
جـ) أن يكون للمصلي تعرض للمرور وللمار مندوحة فيأثمان جميعا.
د) أن لا يتعرض المصلي ولا يكون للمار مندوحة فلا يأثمان جميعا. إحكام الأحكام 2/ 450 - 451.
قال المصنف (1): قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في شيء منه، وكذا رواه باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها، ولم أرها في شيءٍ من الروايات مطلقا، لكن في "مصنف ابن أبي شيبة" (2):"يعني من الإِثم"، فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية فظنها الكشميهني أصلًا لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ، وقد عزاها المحب الطبري في "الأحكام"(3) للبخاري وأطلق فعِيب عليه ذلك وعلى صاحب "العمدة"(4) في إيهامه أنها (أ) من الصحيحَيْن، وقال ابن الصلاح (5): ليس "من (ب) الإِثم" في الحديث صريحا، وقال النووي في "شرح المهذب" (6): وفي رواية رويناها في "الأربعين" لعبد القادر الرهاوي: "ماذا عليه من الإِثم".
وقوله: "لكان أن يقف" جواب لو، وليس بمحذوف كما زعمه الكرماني (7)، وقال: تقديره: لوقف أربعين لكان خيرا له، "وخير" منصوب خبر كان في رواية المصنف للبخاري، وفي رواية الترمذي بالرفع على أنها اسم كان، وفيه كون الخبر معرفة والاسم نكرة، وهو قليل، ويحتمل أن يكون في كان ضمير الشأن.
(أ) في جـ: في.
(ب) في جـ: نفي.
_________
(1)
الفتح 1/ 585.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة 1/ 282 من حديث عبد الله بن عكيم.
(3)
الفتح 1/ 585.
(4)
العمدة مع تيسير العلام 1/ 252.
(5)
الفتح 1/ 585. وعزاه إلى مشكل الوسيط.
(6)
المجموع 3/ 210، 211.
(7)
الكرماني 4/ 163.
وفي زيادة البزار (1) تعيين (أ) المبهم في الحديث، وفي سياق البخاري دلالة على أن الإِبهام لشك الراوي قال: قال أبو النضر: "لا أدري أربعين يوما أو شهرا أو سنة"(2)، وفي ابن ماجه (3) وابن حبان من حديث أبي هريرة:"لكان (أأن يقف مائة عام خيرًا له من الخطوة التي خطاها"، وفي هذه الرواية إشعار بِأنَّ ذِكْر أ) الأربعين لمجرد المبالغة لا لتحقيق خصوص عدد، وجنح الطحاويّ (4) إلى أنَّ التقييد بالمائة متأخر عن التقييد بالأربعين زيادة في تعظيم الإِثم على المار.
فائدة: وقع في رواية أبي العباس السرَّاج من طريق الضحاك بن عثمان عن أبي النضر: "لو يعلم المار بين يدي المصلي والمصلَّى" فحمله بعضُهم على ما إذا قصر المصلي في دفع المار، أو بأن صلى في شارع، ويحتمل أن يكون قوله "والمصلَّى" بفتح اللام أي بين يدي المصلي من داخل سترته وهذا أظهر، والله أعلم.
(أ، أ) بهامش هـ.
_________
(1)
مجمع الزوائد 2/ 61.
(2)
البخاري 1/ 584 ح 510.
(3)
ابن ماجة 1/ 304 ح 546، وابن حبان 117 ح 410 (موارد) وفيه مقال لأن فيه عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب التيمي قال أبو حاتم: صالح الحديث وقال الحافظ: ليس بالقوي. التقريب 226، الخلاصة 251، وفيه عبيد الله بن عبد الله بن موهب أبو يحيى التيمي المدني، قال أحمد: أحاديثه مناكير لا يعرف لا هو ولا أبوه، وثقه ابن حبان وقال: إنما وقع في المناكير في حديث أبيه من قبل أبيه يحيى. الميزان 3/ 11، الثقات 5/ 72.
(4)
الفتح 1/ 585.
175 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "سُئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك عن سُترة المصلي فقال: مثل مُؤْخِرَة الرَّحْل" أخرجه مسلم (1).
المُؤْخِرَة: بضم الميم وهمزة ساكنة وكسر الخاء ويقال: بفتح الخاء مع فتح الهمزة وتشديد الخاء (أ) ومع إسكان الهمزة وتخفيف الخاء، ويقال "آخِرَة الرحل" بهمزة ممدودة وكسر الخاء فهذه أربع لغاتْ، وهي العود الذي في آخر الرحل (2).
وهذا الحديث تضمن بيان أنَّ أقَّل السُّتْرَة مثل مؤخرة الرحل، وهي قدر عظم الذراع وهي ثُلُثَا ذراع، ويحصل بأي شيءٍ أقامه بين يديه سواء غَلُظَ أو رَقَّ كما سيأتي في قوله:(ب)"ولو بسهم".
وشرط مالك أن يكون مثل غلظ الرمح (3) ويكون بين المصلِّي وبين السترة قدر ممر الشاة، وقيل أكثر من ذلك، ثلاثة أذرع لحديث بلال:"أن النبي، صلى الله عليه وسلم، صلَّى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع"(4) وجمع الداودي بأن أقله ممر الشاة وأكثره ثلاثة أذرع، وجمع بعضهم بأنَّ الأول في حال القيام والقعود والثاني في حال الركوع والسجود، وقال ابن الصلاح: قدروا ممر الشاة بثلاثة أذرع (5).
(أ) ساقطة من هـ.
(ب) في جـ: قولهم.
_________
(1)
مسلم الصلاة باب سترة المصلي 1/ 358 ح 243 - 500، النسائي كتاب القبلة سترة المصلى 2/ 48 (بلفظه)، البيهقي الصلاة باب ما يكون سترة المصلي 2/ 68.
(2)
شرح مسلم 2/ 134، 135.
(3)
في المدونة قلنا لمالك: إذا كان السوط ونحوه فكره وقال لا يعجبني هذا 1/ 109. وقال ابن عبد البر: وأقل السترة ذراع في غلظ رمح. الكافي 1/ 209، التمهيد 4/ 198.
(4)
حديث ابن عمر: " .. فيمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع صلى يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبي صلى فيه". البخاري 1/ 579 ح 506.
(5)
الفتح 1/ 575.
قال المصنف (1) -رحمه الله تعالى-: ولا يخفى ما فيه.
وقال البغوي (2): استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قَدْر إمكان السجود وكذلك بين الصفوف، وقد ورد الأمر بالدنوّ منها.
وفيه بيان الحكمة في ذلك وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حثمة مرفوعًا: "إذا صلَّى أحدُكم إلى سترة فلْيَدْنُ منها، لا يقطع الشيطانُ عليه (أ) صلاتَه"(3).
176 -
وعن سَبْرة بن معبد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِيَسْتَتِرْ أحدُكم في الصلاة لَوْ بسهَم" أخرجه الحاكم (4).
هو أبو ثُرَيَّة (5) -بضم الثاء المثلثة وفتح الراء وتشديد الياء تحتها نقطتان، ويقال بفتح الثاء وكسر الراء، والأول أكثر -سبرة بن معبد- ويقال (ب): ابن عوسجة- الجهني، سكن المدينة وهو والد الربيع بن سبرة، روى عنه الربيع، وعداد في المصريين، و (جـ) سَبْرة: بفتح السين وسكون الباء الموحدة.
(أ) في جـ: عليه الشيطان.
(ب) في هـ زيادة: سبرة.
(جـ) الواو ساقطة من جـ.
_________
(1)
الفتح 1/ 575.
(2)
شرح السنة 2/ 447.
(3)
أبو داود 1/ 446 ح 695، النسائي 2/ 49، أحمد 2/ 4، الحاكم 1/ 251 ورجاله ثقات وإسناده صحيح، وحَسَّنَ إسنادَه ابن عبد البر في التمهيد 4/ 195، وقال ابن القيم: رجاله مسلم. تهذيب السنن 1/ 342.
(4)
الحاكم الصلاة 1/ 251، أحمد 3/ 404، البيهقي الصلاة باب ما يكون سترة المصلي 1/ 270، التاريخ الكبير 4/ 270، الطبراني 7/ 134، مسند أبي يعلى 2/ 239 ح 941، وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح المجمع 2/ 58.
(5)
الاستيعاب 4/ 129، الإصابة 4/ 121.
الحديث دل على الأمر بالسترة في الصلاة، وهو محمول على الندب بقرينة ما ذكر في سائر الأحاديث أنه لا يقطع الصلاة شيْءٌ مع السترة، وقطعها مع عدم السترة.
وقوله: "ولو بسهم" فيه دلالة على أنه تُجزئُ السترة سواء غلظت أو رقت (1).
قال العلماء الحكمة في السترة كَفّ البصر عما وراءه ومنع من يجتاز بقربه (2)، والمستحب أن يجعل السترة عن يمينه أو (أ) شماله ولا يصمد إليها، والله أعلم.
177 -
عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "يقطعُ صلاةَ المرءِ المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مُؤْخِرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود
…
" الحديث، وفيه: "الكلب الأسود شيطان" أخرجه مسلم (3).
وله عن أبي هريرة نحوه دون الكلب (4).
(أ) في هـ: أو عن.
_________
(1)
يدل على ذلك حديث ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها قال: "ما رأيتُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا" أبو داود 1/ 445 ح 693.
والحديث فيه مقال لأن راويه الوليد بن كامل بن معاذ البجلي أبو عبيدة الشامي لين الحديث، التقريب 371، الكاشف 3/ 241، وفيه أيضًا ضباعة بنت المقداد بن الأسود لا تُعرف. التقريب 470.
(2)
القبس 1/ 350.
(3)
مسلم بمعناه الصلاة باب قَدْر ما يستر المصلي 1/ 365 ح 265 - 510، أبو داود نحوه الصلاة باب ما يقطع الصلاة 1/ 450 ح 702، الترمذي: الصلاة باب ما جاء أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة 2/ 161 ح 338. النسائي نحوه القبلة باب ذِكْر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة 2/ 50، ابن ماجه نحوه باب إقامة الصلاة باب ما يقطع الصلاة 1/ 306 ح 952.
(4)
حديث أبي هريرة، مسلم 1/ 365، ح 266 - 511 وفيه ذكر الكلب.
ولأبي داود والنسائي عن ابن عباس (1) نحوه دون آخره، وقيد المرأة بالحائض. هو جُنْدُب -بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها أيضًا- (أابن جُنَادة -بضم الجيم وتخفيف النون أ)، ويقال: جندب بن السكن- بن كعب بن سفيان بن عبيد بن حرام، ويقال: عبيد بن الوقيعة بن حرام بن غفار الغفاري (2)، وفي نسبه واسمه اختلاف كثير، وهو من أعلام الصحابة وزهادهم والمهاجرين، وهو أول من حَيَّا النبي صلى الله عليه وسلم بتحية الإِسلام" (3)، وأسلم قديما بمكة يُقال: كان خامسا في الإِسلام، ثم انصرف إلى قومه فأقام فيهم إلى أن قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخندق، ثم سكن الربذة إلى أن مات بها سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان، وصلى عليه ابن مسعود، ويقال: إن ابن مسعود مات بعده بعشرة أيام وكان أبو ذر يتعبد قبل مبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، روى عنه ابن عباس وأنس بن مالك وعُبادة بن الصامت وزيد بن وهب وأبو إدريس الخولاني وقيس بن أبي حازم وخلق سواهم.
الحديت فيه دلالة على أنَّ الصلاة يقطعها هذه المذكورات إذا لم يكن ثَمَّ سُترة، والقطع ظاهر في إبطال الصلاة، وقد ذهب إلى أن هذه المذكورات تقطعها جماعةٌ، وقال عطاء (4): تقطعها المرأةُ والكلب الأسود دون الحمار (ب)، وقال أحمد (5): يقطعها الكلب الأسود، وفي قلبي من الحمار شيءٌ.
وذهب الجمهور (6) إلى أنه لا يقطعها شيء، وتأولوا هذا الحديث بأن المراد
(أ، أ) بهامش هـ.
(ب) الواو ساقطة من جـ.
_________
(1)
حديث ابن عباس رواه أبو داود الصلاة باب ما يقطع الصلاة 1/ 452 ح 703، النسائي 2/ 50، ابن ماجه 1/ 305 ح 949.
(2)
طبقات ابن سعد 4/ 219 - 237، حلية الأولياء 1/ 156، الإصابة 11/ 188.
(3)
صحيح مسلم من حديث طويل وفيه: " .. فكنتُ أنا أولي مَنْ حَيَّاه بتحية الإسلام" 4/ 1919 - 1922 ح 132 - 2473.
(4)
المغني 2/ 250.
(5)
المغني 2/ 249 ورواية أخرى عن أحمد: الكلب الأسود والمرأة إذا مرت والحمار. 2/ 250.
(6)
المغني 2/ 250، المجموع 3/ 211، 212، شرح فتح القدير 1/ 404.
بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء، وليس المراد إبطالها، وبعضهم (1) ذهب إلى أن هذا منسوخ بحديث أبي سعيد:"لا يقطع الصلاة شيءٌ" وسيأتي، وهذا غير مرضيّ لأن النسخ لا يُصار إليه إلا حيث تعذر الجمع بين الحديثَيْن وعلم التاريخ، وهما مفقودان، إذ الجمع بالتأويل المذكور ممكن ولا تاريخ هنا، وأيضًا لا يستقيم على القول ببناء العام على الخاص إذ (أ) على القول به هذا الحديث المذكور في الكتاب خاص بأن هذه المذكورات تقطع، وحديث أبي سعيد عام والعمل بالخاص فيما يتأوله مع أنه سيأتي بيان ضعف ذلك (2).
ووجه قول أحمد أنه ورد حديث اعتراض عائشة (3) في قبلة النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي وإذا سجد غمزها فقبضت رجليها، وإذا قام بسطتهما، وفي الحمار حديث ابن عباس بمروره راكبا على الحمار بين يدي الصف، والنبي، صلى الله عليه وسلم، يصلي بهم في منى (4)، ولم يأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بإعادة الصلاة ولا سأل أحد من الصحابة النبي، صلى الله عليه وسلم، في ذلك، وإنما لم يجزم بالقول بعدم القَطْع في حق الحمار لاحتمال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشعر بذلك وإن سترة الإمام سترة للمأموم، وبقي الحديث في الكلب الأسود غير معارض فوجب العمل به.
ولعل وجه قول عطاء بأن المرأة والكلب يقطعانها دون الحمار حديث ابن عباس في حق الحمار ولعله قول في اعتراض عائشة أن ذلك في نفل وهو يغتفر فيه من النقص ما لا يغتفر في الفرض، أو أن ذلك حكاية فعل الغمز ولم يحك أنه (ب) اجتزأ بما اعترضت فيه، ولعله أعاد ذلك. والله أعلم.
(أ) في جـ: أو.
(ب) في هـ: بأنه.
_________
(1)
الشافعية. وقد أطال النووي النفس في الكلام على بطلانه، المجموع 3/ 213.
(2)
في ح 178.
(3)
البخاري 1/ 588 ح 513.
(4)
البخاري 1/ 571 ح 493.
[أو أنه يغتفر اعتراض الراقد ما لا يغتفر في القاعد والماشي لقلة تشويشه دونهما، وفي رواية النسائي (1) عن عائشة لحديثها في اعتراضها في قبلة النبي صلى الله عليه وسلم: "فأكره أن أقوم فأمر بين يديه فأنسل انسلالا" فظهر أنها كرهت القيام بين يديه دون الاعتراض والله أعلم](أ).
وقد ورد أنه يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار واليهودي والنصراني والمجوسي والخنزير وهو ضعيف (2).
178 -
وعن أَبي سعيد الخُدْرِيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"إذا صلى أَحَدُكُم إلى شيءٍ يستره (ب) من الناس وأراد أحد أن يجتاز بين يديه فلْيَدْفَعْه فإنْ أَبَى فلْيُقاتِلْهُ، فإنَّما هو شيطانٌ" متفق عليه (3).
وفي رواية: "فإنَّ معهُ القَرِين"(4).
(أ) بهامش الأصل.
(ب) في الأصل: ليستره، والصحيح المثبت.
_________
(1)
النسائي 1/ 51.
(2)
أخرج أبو داود أن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخزير واليهودي والمجوسي والمرأة ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفه بحجر" 1/ 453 ح 704، قال أبو داود: في نفسي من هذا الحديث شيء: كنت أذاكر به إبراهيم وغيره فلم أر بأحدٍ جاء به عن هشام ولا يعرفه. وأحسب الوهم من ابن أَبي سمينة يعني محمد بن إسماعيل البصري مولى بنى هاشم والمنكر فيه ذكر المجوس وفيه: "على قذفه بحجر" وذكر الخنزير وفيه نكارة، قال أبو داود: ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد بن إسماعيل بن سمينة وأحسبه وهم لأنه كان يحدثنا من حفظه، سنن أبي داود 1/ 453، 454.
(3)
البخاري الصلاة باب يَرُدُّ المصلي من مر بين يديه 1/ 581 ح 509 وفيه قصة واللفظ له، مسلم الصلاة باب منع المار بين يدي المصلي 1/ 362 ح 259 - 505 م، أبو داود الصلاة باب ما يؤمر المصلي أن يدرء عن الممر بين يديه 1/ 447 ح 697، النسائي القبلة التشديد في المرور بين يدي المصلي وسترته 2/ 52، ابن ماجه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب إدراء ما استطعت 1/ 306 ح 954، أحمد 3/ 34.
(4)
رواية: "فإن معه القرين" من رواية أبي سعيد في السنن الكبرى 4/ 1507 ح 747، ومن رواية عبد الله بن عمر عند مسلم 1/ 363 ح 260 - 505، وابن ماجه 1/ 307 ح 955.
الحديث يدل بحسب مفهومه أنه إذا لم يستتر المصلي بشئٍ فليس له أن يدفع المار هذا الدفع لتقصيره، وكذا إذا تباعد عن السترة، وقد نَصَّ على هذا بعض الشافعية (1).
وقوله: "فليدفعه" وفي رواية لمسلم: "فليدفع في نحره"(2) قال القرطبي (3): أي بالإِشارة ولطيف المنع.
وقوله: "فليقاتله": أي يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول. قال: وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح لمخالفة ذلك قاعدة الصلاة من الإقبال عليها والاشتغال بها والخشوع فيها. انتهى.
وأطلق جماعةٌ من الشافعية (4) إلى أن له أن يقاتله حقيقة، واستبعد ابن العربي (5) ذلك في "القبس" وقال: المراد بالمقاتلة المدافعة، وقال الباجي: المراد بالمقاتلة (6): اللعن والتعنيف، وتعقب بأن الكلام يفسد الصلاة بخلاف الفِعل اليسير، وأجيب بأنه إنما يفسد إذا كان مخاطِبًا وهو يأتي به هنا على جهة الدعاء، لكن فعل أبي سعيد مع الشاب الذي دفعه وهو راوي الحديث قرينة أن المقاتلة على ظاهرها بالفعل لا بالقول، وقد روى الإسماعيلي في هذا الحديث: "
…
فإنْ أَبَى فليجعل يده في صدره وليدفعه" (7). ونقل البيهقي عن الشافعي (أأن المقاتلة مراد بها دفع أَشَدّ من الدفع الأول، قال أصحاب الشافعي (8): يرده أ) بأسهل الوجوه
(أ، أ) بهامش هـ.
_________
(1)
المجموع 3/ 211.
(2)
مسلم 1/ 362 ح 259 - 505 م.
(3)
المفهم ل 118.
(4)
الفتح 1/ 582، المجموع 3/ 211.
(5)
القبس 1/ 355، 356.
(6)
المنتقى 1/ 275 وذكر معاني أخرى للمقاتلة.
(7)
الفتح 1/ 583.
(8)
المجموع 3/ 212.
فإن أَبَى فبأشد ولو أدى إلى قتله ولا شيء عليه، لأن الشارع أباح له مقاتلته فلا ضمان عليه كمقاتلة الصائل. ونقل عياض (1) الخلاف عندهم في وجوب الدية في هذه الحالة، ونقل ابن بطال (2) وغيره كالقاضي عياض الاتفاق على أنه لا يجوز له المشي من مكانه ليدفعه ولا العمل الكثير في مدافعته لأن ذلك أشدّ في إبطال الصلاة من المرور، وذهب الجمهور (3) أنه إذا مَرَّ ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده لأن فيه إعادة للمرور، وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنّ له ذلك (4)، ويمكن حمله على ما إذا رده فامتنع وتمادى لا حيث يُقَصِّر المصلي في الرد، قال النووي (5): ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع بل صَرَّح أصحابُنَا بأنه مندوب.
قال المصنف رحمه الله (6) -: قد صرح بوجوبه أهل الظاهر، وكأن النووي لم يطلع على خلافهم أو لم يعتد به. انتهى (7).
وقوله "إنما هو شيطان": أي: فِعله فعل الشيطان من التشويش على المصلي.
وفي الحديث دلالة على جواز إطلاق هذا اللفظ على من فُتِنَ في الدين كما قال تعالى: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} (8) والظاهر أنه من باب التشبيه البليغ لأنَّ الشيطان حقيقة في المتمرد من الجن، ويحتمل أنْ يكون المعنى: فإنما الحامل له
(1) شرح مسلم 2/ 141، 142.
(2)
شرح ابن بطال باب يرد المُصلِّي من مر بين يدي المُصَلّي.
(3)
المغني وعزاه إلى الثوري والشعبي وإسحاق وابن المنذر. وعزاه ابن حجر إلى الجمهور، المغني 2/ 247، الفتح 1/ 584.
(4)
عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: كان ابن مسعود إذا مر أحدٌ بين يديه وهو يصلي التزمه حتى يرده ويقول: إنه يقطع نصف صلاة المرء مرور المرء بين يديه، مصنف ابن أبي شيبة 1/ 282.
(5)
شرح مسلم 2/ 141.
(6)
الفتح 1/ 584.
(7)
قلت: بل صرح الإمام النووي أنه لا يعتد بقول داود في الإجماع والخلاف لإخلاله بالقياس وهو أحد شروط المجتهد. شرح مسلم 4/ 764.
(8)
الآية 112 من سورة الأنعام.
على ذلك الشيطان، ويدل على هذا ما وقع في رواية الإِسماعيلى:"فإن معه الشيطان"(1)، ورواية مسلم:"فإن معه القرين"(2). واستنبط ابن أبي حمزة من هذا أن الأمر بالمقاتلة المراد به المدافعة اللطيفة، لأن مقاتلة الشيطان إنما هي بالاستعاذة منه.
واختلف في الحكمة المقتضية للأمر بالمدافعة، فقيل: إنها (أ) لدفع الإِثم عن المار، وقيل لخلل يقع في الصلاة، والأخير أرجح (3) إذ اشتغال المصلي بصلاته أهم من دفعه الإِثم عن غيره، وقد روى ابن أبي شيبة (4) عن ابن مسعود: إن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته، وروى أبو نعيم عن عمر:"لَوْ يَعلَمُ المصلِّي ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه ما صلَّى إلا إلى شيءٍ سَتَره (ح) من الناس". والأثران يُؤَيِّدَان الأخير ولهما حكم الرفع، والله أعلم.
179 -
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإنْ لم يجد فلينصِب عَصًا، فإن لم يكن فليخط خطا، ثم لا يضره من مَرَّ بين يَدَيْه" أخرجه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان (5)، ولم يُصب مَنْ زعم أنه مضطرب بل هو حسن.
الزاعم بأنه مضطرب ابن الصلاح حيث أورده مثالا للمضطرب (6).
(أ) في هـ: بأنها.
(ب) في هـ وجـ: يستره.
_________
(1)
الفتح 1/ 583.
(2)
مسلم 1/ 362 ح 259 - 505 م.
(3)
قال الصنعاني: ولو قيل إنهما لهما معا لما بعد فيكون لدفع الإثم عن المار الذي أفاده حديث "لو يعلم .. "، ولصيانة الصلاة عن النقصان الذي أفاده حديث عمر.
(4)
ابن أبي شيبة 1/ 282.
(5)
أحمد 2/ 255، ابن ماجه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب ما يستر المصلي 1/ 943 ح 303، أبو داود الصلاة باب الخط إذا لم يجد عصا 1/ 443 ح 689، ابن حبان الإمامة باب السترة للمصلي 117 ح 407 (موارد)، البيهقي الصلاة باب الخط إذا لم يجد عصا 2/ 270.
(6)
علوم الحديث 85.
قال المصنف رحمه الله (1) -: وقد نوزع في ذلك كما بينته في "النكت"(2)، وقد ذكره الشافعي في القديم، وأخرجه أبو داود والبيهقي وصححه أحمد وابن المديني فيما نقله ابن عبد البر (3) في "الاستذكار"، وأشار إلى ضعفه سفيان بن عيينة (4) والشافعي (5) والبغوي (6) وغيرهم، وقال الشافعي (7) في البويطي: ولا يخط المصلي بين يديه خَطًّا إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت، وكذا قال في "سنن حرملة"، ورواه المزني في المتوسط عن الشافعي وهو من الجديد فلا اختصاص له بالقديم.
والحديث يدل على أن السترة تجزئ من أي شيءٍ، وقد ورد في الصحيحَيْن من حديث ابن عمر (8)"أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يعرض راحلته فيصلي إليها" أي: ينيخها بالعَرْض من القبلة حتى تكون معترضة بينه وبين من يمر بين يَدَيْه.
وفي ذلك الحديث قلت: أفرأيت إذا هبت الركاب، أي قامت والركاب جمع لا واحد له من لفظه، وإنما واحده راحلة. قال: كان يأخذ الرحل فيعد له فيصلي إلى آخرته وقد تقدم ذلك.
(1) التلخيص 1/ 286.
(2)
النكت وقال: إنَّ جميع مَنْ رواه عن إسماعيل بن أمية عن هذا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته، وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة، وإذا تحقق الأمر فيه لم يكن فيه حقيقة الاضطراب. وحقيقة الاضطراب الخلاف الذي يؤثر قدحا واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر، ذلك لأنه إذا كان ذلك الرجل ثقة فلا ضير، وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل. (النكت 2/ 772: 773 بتصرف).
(3)
التمهيد 4/ 199.
(4)
حيث قال: لم نجد شيئًا يشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه. النكت 2/ 773.
(5)
سنن البيهقي 2/ 271 قال ابن حجر: فيه نظر فإنه احتج به فما وقفت عليه في المختصر الكبير للمزني. النكت 2/ 774.
(6)
شرح السنة 2/ 451، والنووي: المجموع 3/ 209.
(7)
سنن البيهقي 2/ 271.
(8)
البخاري 1/ 580 ح 507، مسلم 1/ 359 ح 248 - 502 م.
(أقال أصحاب الشافعي (1): وإذا لم يجد العصا جمع أحجارًا أو ترابا أو متاعه، فإن لم يكن شيءٌ من ذلك خطَّ خَطًّا، والخط قال أبو داود (2) (ب): سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الخط غير مرة فقال: هكذا يعني عرضا مثل الهلال، قال أبو داود: وسمعت مسددا قال: قال أبو داود: الخط بالطول [أي يكون مستقيما أ) بين يديه إلى القبلة، قال النووي (3): المختار في كيفيته (جـ) ما قاله الشيخ أبو إسحاق أنه إلى القبلة، لقوله (د في الحديث د) تلقاء وجهه، واختار في "التهذيب" أنْ يكون من المشرق إلى المغرب كالجنازة](هـ).
وقوله: "ثم (و) لا يضره مَنْ مَرَّ بين يديه" لفعله ما شرع له من الإِعلام بأنه مصلي (ز) بخلاف ما إذا قصر في ذلك، وقد تقدم معنى الضرر وأنه يرجع إلى نقص صلاة المصلي، وهذا إذا كان منفردا، أو إماما، وأما إذا كان مؤتمًّا فسترة الإِمام سترة له، وقد بوب البخاري وأبو داود (4) لذلك وأورد بعده حديث ابن عباسٍ (5) وحماره في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مِنًى. قال القاضي عياض (6): الاتفاق على أنَّ المأمومين يصلون إلى سترة لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإِمام أم سترتهم الإِمام نفسه. انتهى.
(أ، أ) ما بينهما متأخر في هـ بعد قوله: (كالجنازة) وقد أشار في النسخة إلى ذلك.
(ب) زاد في هـ: و.
(جـ) في هـ: من كيفيته.
(د، د) بهامش هـ.
(هـ) بهامش الأصل.
(و) ساقطة من جـ.
(ز) في هـ: يصلي.
_________
(1)
المجموع 3/ 209.
(2)
سنن أبي داود 1/ 444.
(3)
المجموع 3/ 209.
(4)
البخاري 1/ 571، وأبو داود 1/ 455.
(5)
1/ 571 ح 493.
(6)
الفتح 1/ 572.
قال المصنف رحمه الله (1) -: وفيه نظر لما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو الغفاري الصحابي "أنه صلى بأصحابه في سفر (أ)، وبين يديه سترة، فمرت حمير بين يدي أصحابه فأعاد لهم الصلاة"(2)، وفي رواية (ب له أنه قال ب):"إنها لم تقطع صلاتي ولكن قطعت صلاتكم"(3) فهذا يعكر على ما نُقل من الاتفاق، وقد ورد (جـ في حديث مرفوع جـ) عن أنس أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4) من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعًا:"سترة الإِمام سترة لمن خلفه"، وقال: تفرد به سويد عن عاصم وسويد ضعيف عندهم، وورد أيضًا في حديث موقوف على ابن عمر أخرجه عبد الرزاق (5) ويظهر (د) أثر الخلاف الذي نقله القاضي عياض فيما لو مر بين يدي الإِمام أَحَدٌ فعلى قول مَنْ يقول: إن سترة الإِمام سترة من خلفه يضر صلاته وصلاتهم معا وعلى قول من يقول: إن الإِمام نفسه سترة من خلفه يضر صلاته ولا يضر صلاتهم.
واعلم أن ظاهر الحديث وما كان عليه، صلى الله عليه وسلم، واستمرت عادته في الصلاة إلى السترة سواء كان في فضاء أو غيره فثبت أنه كان، صلى الله عليه وسلم: إذا صلى إلى الجدار جعل بينه وبينه قَدْر (هـ) ممر الشاة (6) ولم يكن يتباعد منه بل أمرنا بالقرب من السترة، وكان إذا صلى إلى عُودٍ أو عمود أو شجرة جعله على جانبه الأيمن أو
(أ) في جـ: سفره.
(ب، ب) ساقطة من هـ.
(جـ، جـ) مكررة في هـ.
(د) زاد في هـ: من.
(هـ) في هـ: وبين الجدار قدر.
_________
(1)
الفتح 1/ 572.
(2)
و (3) المصنف 2/ 18 ح 2320 - 2/ 18 ح 2318.
(4)
مجمع الزوائد 2/ 62 وفيه سويد بن عبد العزيز بن نمير السلمي مولاهم الدمشقي قاضي بعلبك لين الحديث. التقريب 140، المغني في الضعفاء 1/ 291، الميزان 2/ 251.
(5)
المصنف 2/ 18 ح 2317 قال عبد الرزاق: وبه آخذ وهو الأمر الذي عليه الناس.
(6)
البخاري 1/ 574 ح 496.
الأيسر ولم يصمد له صمدا، وكان يركز الحربة في السفر والبرية فيصلي إليها فتكون سترته، وكان يعرض راحلته فيصلي إليها، وكان يأخذ الرحل فيعدله فيصلي إلى آخرته، وأمر المصلي أن يستتر ولو بسهم أو عصا، فإِنْ لم يجد فليخط خَطًّا، وقاس بعضُ الشافعية (1) علي ما ذكر بسط المصلى بجامع إشعار المار، والحكمة في اعتبار ذلك هو منع المار (أمن المرور أ) بينه وبين قبلته وقد مر تفصيل ذلك، والله أعلم.
180 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"لا يقطع الصلاة شيءٌ وادْرَأْ ما اسْتَطَعْتَ" أخرجه أبو داود وفي سنده ضعف (2).
وأخرج نحوه أيضًا الدارقطني من حديث أنس (3) وأبي أمامة (4)، وأخرج أيضًا الطبراني من حديث جابر (5)، وفي إسناده ضعف، وترجم البخاري (6): من قال لا يقطع الصلاة شيءٌ وأورد هذه الجملة من قول الزهري، ورواها مالك في "الموطأ"(7) عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه من قوله، ورواها سعيد بن منصور بإسنادٍ صحيح عن علي وعثمان وغيرهما موقوفًا.
الكلام تقدم على فقه الحديث والجمع بينه وبين معارضه.
عدة (ب) أحاديث الباب اثنا عشر حديثًا.
(أ، أ) ساقطة من هـ.
(ب) ساقطة من هـ.
_________
(1)
البغوي والغزالي المجموع 3/ 210، الوسيط 2/ 658.
(2)
أبو داود (بلفظ وادْرؤوا ما استطعتم) الصلاة باب من قال لا يقطع الصلاة شيء. 1/ 460 ح 719، وهو ضعيف لأن فيه مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني أبو عمر الكوفي ليس بالقوي، اختلط في آخر عمره. التقريب 328، الكواكب 505.
(3)
الدارقطني 1/ 368 وسنده ضعيف لأن فيه صخر بن عبد الله بن حرملة المدلجي حجازي مختلف فيه، قال ابن حجر، مقبول. التقريب 151، الميزان 2/ 308.
(4)
الدارقطني 1/ 368، فيه عفير بن معدان قال يحيى بن معين: ليس بشيء، المجروحين 2/ 198.
(5)
مجمع الزوائد 2/ 62، وقال: رواه الطبراني في الأوسط. قال: فيه يحيى بن حمون النجار أبو أيوب البصري. قال الدارقطني: متروك، وقال النسائي: ليس بثقة وقال الفلاس: كتبت عنه وكان كذابا، الميزان 4/ 411، الخلاصة 428.
(6)
البخاري 1/ 588.
(7)
الموطأ 1215.
باب الحث على الخشوع (أ) في الصلاة
قال: الخشوع تارة يكون من قبل القلب كالخشية، وتارة يكون من قِبَل البَدَن كالسكون، وقيل لا بد من اعتبارها، حكاه الفخر الرازي في تفسيره، ويدل على أنه مِنْ عَمَل القلب حديث علي رضي الله عنه:"الخشوعُ في القلب"(1) أخرجه الحاكم، وأما حديث:"لو خشع قلبه لخشعت جوارحه" ففيه إشارة إلى أن الظاهر عنوان الباطن (أ).
181 -
عن أبي هريرة - رضي الله عمه- قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصرًا" متفق عليه، واللفظ لمسلم (2)، ومعناه: أن يجعل يده على خاصرته.
وفي البخاري عن عائشة أن ذلك فِعْل (ب) اليهود (3).
تفسير الاختصار بما ذكره المصنف عليه المحققون والأكثرون من أهل اللغة والغريب والمحدثين (4)، وبه قال أصحاب الشافعي، وقال الهروي (5): قيل: هو
(أ) في حاشية الأصل وفي هـ.
(ب) في جـ: كان فعلة.
_________
(1)
سنن البيهقي موقوفًا 2/ 289، وابن المبارك في الزهد موقوفًا 1/ 213، قال السيوطي ضعيف، الجامع الصغير 2/ 219 وقال الألباني موضوع الإرواء 2/ 93، والصحيح أنه موقوف على سعيد بن المسيب.
(2)
البخاري العمل في الصلاة باب الخصر في الصلاة 3/ 88 ح 1220، مسلم المساجد ومواضع الصلاة باب كراهة الاختصار في الصلاة 1/ 387 ح 46 - 545، أبو داود نحوه الصلاة باب الرجل يصلي مختصرًا 1/ 582 ح 947، الترمذي الصلاة باب ما جاء في النهي عن الاختصار في الصلاة 2/ 222 ح 383، النسائي الافتتاح باب النهي عن التخصر في الصلاة 2/ 98، أحمد 2/ 232.
(3)
البخاري 6/ 495 ح 3458.
(4)
سنن الترمذي 2/ 223.
(5)
غريب الحديث 1/ 308.
الذي يأخذ بيده عصا يتوكأ عليها، وقيل (1): أن يختصر السورة يقرأ من آخرها آية أو آيتين، وقيل: أن يحذف منهما ولا يمد قيامها وركوعها وسجودها وحدودها، والصحيح ما ذكره المصنف.
والحكمة في النهي عنه قيل: لأنه فِعْل اليهود (2)، وقيل: فِعْل الشيطان، وقيل: لأن إبليس هبط من الجنة كذلك (3)، وقيل: إنه فِعل المتكبرين (4)، (5) والله أعلم.
182 -
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا قُدِّم العَشَاءُ فابْدَووا به قبل أَنْ تصلُّوا المغرب". متفق عليه (6).
الحديث ورد في هذه الرواية بالتصريح بالمغرب، وورد في غيره من الروايات بإطلاق لفظ الصلاة، قال ابن دقيق العيد (7): فيحمل المطلق على المقيد والحديث يفسر بعضه بعضا، وقد ورد في رواية صحيحة: "إذا وُضِعَ العَشَاءُ وأحدُكم صائمٌ
…
" (8) فلا ينبغي أن تُحمل الأحاديث المطلقة على هذه الرواية
(1) الغزالي. الفتح 3/ 89.
(2)
ويؤيده رواية عائشة عند البخاري 6/ 495 ح 3458.
(3)
روى ابن أبي شيبة 2/ 47 موقوفًا عن حُميد بن هلال أنه إنما كره التخصر في الصلاة لأن إبليس أهبط متخصرًا.
(4)
حكاه المهلب. الفتح 3/ 89.
(5)
وقيل: لأن الراجز يضع يده كذلك، وقيل: لأنّ وَضْع اليَدَيْن على الحقو استراحة أهل النار، مصنف ابن أبي شيبة 2/ 47.
(6)
البخاري كتاب الآذان باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة 2/ 159 ح 672 مسلم نحوه المساجد ومواضع الصلاة باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال 1/ 392 ح 64 - 557. الترمذي نحوه الصلاة باب ما جاء "إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا" 2/ 184 ح 353، ابن ماجه نحوه في إقامة الصلاة باب إذا حضرت الصلاة ووضع العشاء 1/ 301 ح 393، النسائي نحوه الإمامة باب العذر في ترك الجماعة 2/ 86، أحمد نحوه 3/ 110.
(7)
إحكام الأحكام 2/ 65.
(8)
مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني في الأوسط وقال: رجاله رجال الصحيح 2/ 47.
فإن الحكمة في ذلك هو دفع ما يحصل من تشويش الخاطر المفضِي إلى ترك الخشوع في الصلاة وقد يكون الجائع غير الصائم أشوق إلى الأكل من الصائم، والأولى حَمْل المطلق على إطلاقه، وذكر الخاص الموافق لا يقتضي تقييدا ولا تخصيصا، والجمهور حملوا الأمر على الندب، ثم اختلفوا فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية (1)، وزاد الغزالي قيدا وهو إذا خشي فساد المأكول، وحمله ابن حزم والظاهرية على الوجوب (2)، وقالوا: تبطل الصلاة إذا قدّمها، ومنهم مَن اختار البداءة بالطعام إذا كان خفيفا، نقله ابن المنذر عن مالك (3)، وفصل أصحابه فقالوا: يبدأ بالصلاة إن لم تكن النفس متعلقة بالأكل أو (أ) كان لا يشغله عن صلاته، وإن كان ذلك يشغله بدأ بالطعام واستحب له الإعادة.
ويلحق باشتغال النفس بالطعام اشتغالها بغير ذلك من سائر مقاصدها فيندب تقديم ذلك، وهذا إذا كان في الوقت سَعَة، فإن ضاق صلى على حاله محافظة على حُرمة الوقت، ولا يجوز التأخير، وحكى المتولي وجهًا أنه يبدأ بالأكل وإن خرج الوقت؛ لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا (ب) يفوته، كذا ذكره النووي (4)، وهذا إنما يجيئ على قول من يوجب الخشوع في الصلاة، وفي قولهم أيضًا نظر لأن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما، (جـ) فخروج الوقت أشد من ترك الخشوع بدليل صلاة الخوف والغريق وغير ذلك، وإذا صلَّى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة، ويستحب الإعادة عند الجمهور (5).
(أ) في هـ: و.
(ب) في جـ: و.
(جـ) في جـ وهـ: و.
_________
(1)
المجموع 4/ 34 والحنابلة المغني 1/ 630.
(2)
الفتح 2/ 160، المحلى 4/ 46، 47.
(3)
المغني 1/ 630.
(4)
شرح مسلم 2/ 194.
(5)
وبقية كلامه: وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند =
واستدل بالحديث على أن الجماعة ليست بواجبة، وفيه نظر لأن بعض من أوجب الجماعة كابن حِبَّان (1) جعل حضور الطعام عُذْرًا، في تَرْك الجماعة، فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب.
وظاهر قوله "فابدؤوا" في حق من لم يكن قد أكل شيئًا وأما من قد شرع في الأكل فلا يتمادى فيه. وقد استدل به بعض الشافعية على ذلك، وقد أخرج البخاري (2) عن ابن عمر "أنه كان إذا حضر عشاؤه وسمع الإِقامة وقراءة الإِمام لم يقم حتى يفرغ"، ورواه ابن حبان (3) عن نافع أن ابن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس وكان أحيانا يلقاه وهو صائم فيقدّم له عشاءه وقد نودي للصلاة ثم تقام وهو يسمع، فلا يترك عشاءه، ولا يعجل حتى يقضي عشاءَه ثم يخرج فيصلِّي، وروى سعيد بن منصور (4) وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس: أنهما كانا يأكلان طعاما، وفي التنور شواء، فأراد المؤذن أن يقيم الصلاة فقال له ابن عباس:"لا تعجل لا نقوم، وفي أنفسنا منه شيءٌ". وفي رواية ابن أبي شيبة (5): "لئلا يعرض لنا في صلاتنا"، وله (6) عن الحسن
= الجمهور لكن يستحب إعادتها ولا يجب، فاستحباب الإعادة ليس للجمهور. وحكاه ابن قدامة عن مالك. شرح مسلم 2/ 194، المغني 1/ 630.
وقال في المجموع: والمشهور من مذهبنا ومذهب العلماء صحة صلاته مع الكراهة 4/ 34، قلتُ: فلا معنى لاستحباب الإعادة مع الإِجزاء. وقرأتُ بعد ذلك تعليقًا لسماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز: الأولى عدم استحباب الإعادة؛ لأن من صلى كما أمر فليس عليه إعادة فقد قال الله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} والله أعلم الفتح 2/ 161.
(1)
ابن حبان- الإحسان - 3/ 254.
(2)
البخاري 2/ 159 ح 673.
(3)
ابن حبان- الإحسان - 3/ 254 ح 2064، ولفظه: كان ابن عمر إذا غربت الشمس وتبين له الليل فكان أحيانا يقدم عشاءه وهو صائم والمؤذن يؤذن ثم يقيم وهو يسمع فلا يترك عشاءه ولا يعجل حتى يقضي عشاءه ثم يخرج فيصلي ويقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"لا تَعْجَلُوا عن عشائكم إذا قدّم إليكم".
(4)
الفتح 2/ 161.
(5)
ابن أبي شيبة 2/ 421.
(6)
ابن أبي شيبة 2/ 421.
ابن علي قال: "العَشَاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة". وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك (أ) تشوق النفس إلى الطعام فيدار الحكم معها وجودا وعدمًا بالنظر إلى البداية بالطعام والتمام إلا في حق من منعه (ب) الشرع من الأكل كالصائم فلا يكره له ذلك؛ إذ الممتنع شرعا لا تشوق النفس إليه لكن يستحب له الانتقال، إذا شغله، إلى غير ذلك المكان.
183 -
وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمةَ تُواجِهه". رواه الخمسة بإسناد صحيح، وزاد أحمد:"واحدة أودع"(1).
وفي الصحيح عن معيقيب نحوه بغير تعليل (2).
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: رخصة.
_________
(1)
أبو داود الصلاة، باب في مسح الحصى 1/ 581 ح 945، الترمذي الصلاة باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة 2/ 219 ح 379، النسائي السهو النهي عن مسح الحصى في الصلاة 3/ 7، ابن ماجه في إقامة الصلاة باب مسح الحصى في الصلاة 1/ 327 ح 1027، أحمد 5/ 150 - 163، البيهقي الصلاة باب كراهة مسح الحصى وتسويته في الصلاة 2/ 284، الدارمي النهي عن مسح الحصى 1/ 263 ح 1395، الطيالسي في الصلاة ما يكره فعله 1/ 108، ح 492.
قلتُ: حديث أبي ذر ضعيف الإسناد لأن فيه أبا الأحوص مولى بني ليث لا يعرف اسمه ويقال مولى بني غفار لم يرو عنه غير الزهري قال ابن معين: ليس بشيءٍ، وقال النسائي: لم نقف على اسمه ولا نعرفه، قال أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم، قلت: قال ابن حجر: مقبول، وهو في الحقيقة مجهول الحال لأنه لم يرو عنه غير الزهري. وقد أنكر ابن عبد البر على ابن معين ذلك لأنه روى عن ابن أكيمة وقال: يكفيه قول ابن شهاب: حدثني فقال يلزمه مثل هذا في أبي الأحوص والله أعلم.
الكنى 1/ 93، التهذيب 12/ 5، الكاشف 3/ 308، الميزان 4/ 487.
قلتُ: وللحديث شاهد من الصحيح ولكن بدون التعليل.
(2)
حديث معيقيب.
البخاري في العمل في الصلاة باب مسح الحصى في الصلاة 3/ 79 ح 1207، مسلم في المساجد باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة 1/ 387، ح 47 - 546، أبو داود 1/ 581 ح 946، الترمذي 2/ 220 ح 381، النسائي 3/ 7، وابن ماجه 1/ 327 ح 1026.
حديث معيقيب متفقٌ عليه في الرجل و (أ) يسوي التراب حيث يسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن كنت فاعلا فواحدة"، أي: إنْ كنتَ لا بد أن تسوِّيَ فسوِّ مرة واحدة.
وقوله: "فلا تمسح الحصا" المراد بمَسح الحصا اللعب به وتسويته ليسجد عليه وذلك مما يشغل القلب.
وقوله: "فإن الرحمة" إلخ يعني الرحمة تقبل عليه وتنزل فلا يليق اللعب بالحصى وغيره مما تغشاه الرحمة وتواجهه والله أعلم.
[ومُعَيْقِيْبِ (1) بضم الميم وفتح العين المهملة: وسكون الياء تحتها نقطتان وكسر القاف بعدها ياء أخرى ساكنة بعدها باء موحدة، وهو معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي مولى سعيد بن أبي العاص، وقيل حليف لآل سعيد شهد بدرا وكان أسلم قديما بمكة وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وأقام بها حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال. روى عنه ابنه محمد وابن ابنه إياس بن الحارث وأبو سلمة بن عبد الرحمن، مات سنة أربعين، وقيل في آخر خلافة عثمان](ب).
184 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الالتفات في الصلاة، فقال:"هو اختلاسٌ يخْتَلِسُه الشيطان من صلاةِ العبد" رواه البخاري (2).
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) بهامش الأصل.
_________
(1)
الإصابة 9/ 266.
(2)
البخاري في الأذان باب الالتفات في الصلاة 2/ 234 ح 751، أبو داود الصلاة باب الالتفات في الصلاة 1/ 560 ح 910 بنحوه، الترمذي الصلاة باب ما ذكر في الالتفات في الصلاة 2/ 484 ح 590، النسائي السهو باب التشديد في الالتفات في الصلاة 3/ 8، أحمد 6/ 106 البيهقي الصلاة باب في كراهية الالتفات 2/ 281، ابن خزيمة الصلاة باب ذكر الدليل على أن الالتفات في الصلاة يتعطل الصلاة وأنه يفسدها فسادا يجب عليه إعادتها 1/ 244 ح 484، شرح السنة باب كراهية الالتفات في الصلاة 3/ 251 ح 732.
وللترمذي وصححه (1): "إياكَ والالتفاتَ في الصلاة فإنه هلكةٌ، فإنْ كان لا بدَّ ففي التطوع".
الحديث فيه دلالة على كراهة الالتفات، وهو إجماع (2)، و (أ) لكن الجمهور على أنها للتنزيه والمراد به الالتفات الذي لم يبلغ إلى استدبار القبلة بصدره أو عنقه كله، وسبب الكراهة يحتمل أَنْ يكون لنقص الخشوع كما أراده المصنف بإيراده في هذا الباب أو لترك استقبال القبلة ببعض البَدَن، أو لما فيه من الإِعراض عن التوجه إلى الله تعالى. كما أشار إلى ذلك فيما أخرجه أحمد وابن خزيمة من حديث أبي ذر، رفعه:"لا يزالُ الله مُقبلًا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف"(3)، وأخرجه أيضًا أبو داود والنسائي (4).
وقوله: "اختلاس" أي اختطاف بسرعة، وفي النهاية (5): اختلاس افتعال من الخلسة وهو ما يؤخذ سلبا مكابرة. وقال غيره: المختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة المالك له، والناهب يأخذ بقوة، والسارق يأخذ في خفية (ب).
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: يأخذ خفية، وهـ: يأخذ بخفية.
_________
(1)
الترمذي 2/ 484 ح 589، قلت: والحديث في سنن الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، وقال أحمد شاكر في تعليقه على السنن: لم نجد تصحيحه في أي نسخة من سنن الترمذي، والمجد ابن تيمية نقل الحديث في المنتقى رقم 1089 وقال: رواه الترمذي وصححه. قلتُ: ورواه ابن عبد الهادي في "المحرر" وعزا تصحيحه إلى الترمذي 1/ 215، والحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان، ضعيف مر في حديث 12.
(2)
الفتح 2/ 234.
(3)
ابن خزيمة 1/ 244 ح 482، أحمد 5/ 172، والحديث ضعيف لأن فيه أبا الأحوص مر في 667 ح 183.
(4)
أبو داود 1/ 560 ح 909، والنسائي 3/ 8.
(5)
النهاية 2/ 61.
ونسبه إلى الشيطان مجازا عقليا، لما كان الالتفات سبب ما يوسوس به الشيطان من أخطار الأسباب المفضية إلى التفات المصلي، وأطلق على ذلك الالتفات اسم الاختلاس مبالغة في تشبيهه بالاختطاف بسرعة، وقيل: أسند إلى الشيطان لأن فيه انقطاعا عن ملاحظة التوجه إلى الحَقّ سبحانه.
وقال الطيبي (1): سماه اختلاسا تصويرا لقُبح تلك الفعلة بالمختلس لأن المصلي يُقْبِلُ على الرب تعالى والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فيسلبه تلك الحالة.
وقوله: "يختلسه" بالضمير في رواية الكشميهني (2)، وهي رواية أبي داود (3) عن مسدد شيخ البخاري وفي سائر الروايات بحذف الضمير.
وقوله: "فإنه هلكة" أطلق اسم الهلكة عليه مبالغة لما فيه من طاعة الشيطان والإِعراض عن التوجه إلى الرحمن.
185 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن شماله تحت قدمه" متفق عليه (4). وفي رواية: "أو تحت قدمه"(5).
قوله: "إذا كان أحدكم في الصلاة" ورد في رواية التقييد بالصلاة وفي غيرها أورده البخاري (6) من طريق ابن شهاب من حديث أبي هريرة، ومن
(1) الفتح 1/ 235.
(2)
الفتح 1/ 235.
(3)
أبو داود 1/ 560 ح 910.
(4)
مسلم كتاب المساجد باب النهي عن البصاق في المسجد 1/ 390 ح 54 - 551 البخاري كتاب العمل في الصلاة باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة 3/ 84 ح 1214، ابن ماجه كتاب المساجد باب كراهية النخامة في المسجد 1/ 251 ح 761.
(5)
البخاري كتاب الصلاة باب إذا بدره البزاق فليأخذ بطرف ثوبه 1/ 513 ح 417.
(6)
البخاري 1/ 510 ح 410.
طريق قتادة (1) من حديث أنس أيضًا (أ) مطلق من التقييد بكونه في الصلاة. ولعله بحمل المطلق على القيد والتعليل بقوله: "فإنه يناجي ربه" يدل على ذلك في حق القبلة، وأما في حق اليمين فقد علل في حديث أبي هريرة المطلق فإن على يمينه ملكًا (2)، وظاهره الإِطلاق، وورود المقيد المطابق للمطلق لا يدل على التقييد، وقد جزم النووي (3) بالمنع في كل حالة (ب) داخل الصلاة وخارجها، سواء كان في المسجد أم في غيره، ونقل عن مالك (4) أنه قال: لا بأس به خارج الصلاة، ويشهد للإِطلاق ما رواه عبد الرزاق (5) وغيره عن ابن مسعود: أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في الصلاة، وعن معاذ بن جبل قال: ما بصقتُ عن يميني منذ أسلمت (6)، وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا (7).
وقوله: "فإنه يناجي ربه" وفي البخاري زيادة: "وإن ربه بينه وبين القبلة"(8) بواو العطف في رواية الحموي والمستملي، وبالشك في رواية الأكثر (9)، والمناجاة من العبد مراد بها حقيقة النجوى ومن قِبَل الرب لازم ذلك فيكون مجازا، والمراد إقباله عليه بالرحمة والرضوان.
وأما قوله: "فإن ربه بينه وبين القبلة" فمعناه أن توجهه إلى القبلة مفضٍ
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: حال.
_________
(1)
البخاري 1/ 510 ح 412.
(2)
البخاري 1/ 512 ح 416 وفيه .. "ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا".
(3)
شرح مسلم 2/ 187، 188.
(4)
المدونة 1/ 99.
(5)
المصنف 1/ 435 ح 1699، وفي مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني الكبير وقال: رجاله ثقات 2/ 20.
(6)
و (7) المصنف 1/ 435 ح 1700 - 1701
(8)
البخاري 1/ 507 ح 405.
(9)
الفتح 1/ 508.
بالقصد منه إلى ربه، فصار في التقدير كأن مقصوده بينه وبين قبلته، وقيل: هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله (1)، وقال ابن عبد البر: هو كلامُ خرج مخرج التعظيم لشأن القبلة.
وقد أفهم الحديث أن البصاق إلى القبلة حرام سواء كان في المسجد أم غيره، وسواء كان في الصلاة أم غيرها، ويؤيده ما في صحيحَي ابن خزيمة وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعًا:"مَنْ تَفَلَ تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينَيْه"(2)، وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعًا:"يُبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة، وهي في وجهه"(3)، ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد أن رجلا أَمَّ قوما فبصق (أ) في القبلة، فلما فرغ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي لكم
…
" الحديث، وفيه أنه قال له (ب): "إنك (ح) آذيت الله ورسوله" (4).
وقوله: "فلا يبصقن بين يديه" أي قبلته، يقال: بصق وبزق لغتان مشهورتان، والبصاق والبزاق (5) من الفم، وقد يقال: بساق، لغة قليلة.
وعدها جماعة خطأ (6).
والنخامة و (د) هي النخاعة من الصدر (7)، يقال: تنخع وتنخم.
(أ) في جـ: بصق.
(ب) ساقطة من جـ.
(جـ) ساقطة من هـ.
(د) ساقطة من جـ وهـ.
_________
(1)
قلتُ: هذا تأويل باطل، والأولى أن يثبت كما ورد على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته.
(2)
ابن حبان 103 ح 332 (موارد)، ابن خزيمة 2/ 62 ح 925، أبو داود 4/ 171 ح 3824، وإسناده صحيح.
(3)
ابن خزيمة 2/ 278 ح 313، وابن حبان 103 ح 333 (موارد) وإسناده صحيح.
(4)
أبو داود 1/ 334 ح 481 منها ابن حبان (موارد) 103/ 334.
(5)
ماء الفم إذا خرج منه وما دام فيه. القاموس 3/ 220.
(6)
شرح مسلم 2/ 186.
(7)
القاموس 4/ 181، 182.
وقوله: "ولكن عن يساره أو تحت قدمه" وهذا إذا كان في غير المسجد، وأما إذا كان في المسجد فلا يبصق إلا في ثوبه لقوله:"البصاق في المسجد خطيئة"(1)، وقد أورد البخاري في بعض روايات حديث أنس:"ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض، فقال: أو يفعل هكذا"(2).
فائدة: قد تقدم تعليل النهي بالبصق عن اليمين بأن على يمينه ملكا فيقال: واليسار عليها ملك وهو الموكل بالسيئات. وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بمَلَك اليمين تشريفا له وتكريما، هكذا قاله جماعة من القدماء، وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أم الحسنات البدنية فلا دخل لكاتب السيئات فيها، ويشهد له ما رواه ابن أبي شيبة. من حديث حذيفة موقوفًا في هذا الحديث قال:"ولا عن يمينه (أفإن عن يمينه أ) كاتب الحسنات"(3)، وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث:"فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره"(4) انتهى.
فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان، ولعل مَلَك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، أو أنه يتحول في الصلاة إلى اليمين. والله أعلم.
186 -
وعنه رضي الله عنه قال: "كان قِرَامٌ لعائشة رضي الله عنها سترت به جانب بيتها فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "أَمِيطِي عنا قِرَامَكِ هذا، فإِنَّه لا تزال تَصاويرُه تَعرِض لي في صلاتي" رواه البخاري (5).
(أ، أ) بهامش هـ.
_________
(1)
البخاري 1/ 511 ح 415 وسيأتي في 701 ح 200.
(2)
البخاري 1/ 513 ح 417.
(3)
ابن أبي شيبة 2/ 364.
(4)
الطبراني الكبير 8/ 234، 235 ح 7808، قال الهيثمي 2/ 19: وقال من رواية عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد وكلاهما ضعيف.
(5)
الصلاة باب إن صلى في ثوب مُصَلَّب أو تصاوير هل تفسد صلاته 1/ 484 ح 374.
واتفقا على حديثها في قصة أَنْبِجَانِيَّة أبي جهم وفيه: "فإنها ألهتني عن صلاتي"(1).
"القِرَام" بكسر القاف وتخفيف الراء: ستر رقيق من صوف ذو ألوان (2).
وقوله: "أميطي": أزيلي.
وقوله: "تصاوير" روي بحذف الضمير.
قال المصنف رحمه الله (3): كذا في روايتنا، ورواه الباقون بإثبات الضمير كما في الأصل فيكون الضمير في قوله:"فإنه" ضمير الشأن على حذف ضمير "تصاوير"، وعلى إثبات الضمير فيكون ضمير "فإنه" عائد إلى القرام.
وقوله: "تَعرِض" بفتح أوله وكسر الراء: أي تَلُوح، وللإِسماعيلي (4) تعرَّض بفتح العين وتشديد الراء وأصله: تتعرض.
وفي الحديث دلالة على أن الصلاة لا تفسد بذلك؛ لأنه، صلى الله عليه وسلم، لم يقطعها ولم يُعِدْها.
وقوله: "في قصة أَنْبِجَانيَّة"(5): بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء النسبة: كساء غليظ لا عَلَم له، وقال ثعلب: يجوز فتح همزته وكسرها، وكذا الموحدة يقال: كبش أنبجانيّ: إذا كان ملتفًّا كثير الصوف، وكساء أنبجاني كذلك، وأنكر أبو موسى المديني على مَنْ زعم أنه منسوب إلى "منبج" البلد المعروف بالشام، قال صاحب "الصحاح" (6):
(1) حديث عائشة:
البخاري الصلاة باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إليها علمها 1/ 482 ح 373، مسلم المساجد باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام 1/ 391 ح 61 - 556، أبو داود الصلاة باب النظر في الصلاة 1/ 562 ح 914، النسائي القبلة، الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام 2/ 56، ابن ماجه اللباس باب لباس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، 2/ 1176 ح 3550، أحمد 6/ 37.
(2)
النهاية 4/ 49.
(3)
الفتح 1/ 484.
(4)
المرجع السابق.
(5)
النهاية 1/ 73.
(6)
الصحاح 1/ 343.
إذا نسبتَ (أ) إلى منبج فتحت الباء فقلت كساء مَنْبجَانِيّ، وقال أبو حاتم السجستاني: لا يُقال كساء أنبجاني وإنما يقال: منبجاني، قال: وهذا مما يخطئ فيه العامة، وتعقبه أبو موسى فقال: الصواب أن هذه النسبة إلى موضع يقال له: "أنبجان".
وأبو جهم (1) هو (ب) عبيد -ويقال عامر- بن حذيفة العدوي صحابي مشهور، [أسلم عام الفتح، وكان مقدما في قريش معظما في مشيخة قريش، عالما بالأنساب، معمرا، حضر بناء الكعبة مع قريش مع عبد الله بن الزبير، وهو أحد الأربعة الذين دفنوا عثمان](جـ).
والحديث عن عائشة "أن النبي، صلى الله عليه رسلم، صلَّى في خَمِيصَةٍ لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي"(2)، وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال النبي، صلى الله عليه وسلم:"كنتُ أنظر إلى عَلَمِها، وأنا في الصلاة، فأخاف أن تفتنني"(3) والخميصة: كساء مربع له عَلَمان (4) وهي بفتح المعجمة وكسر اليم وفتح الصاد الهملة، وإنما خصه، صلى الله عليه وسلم، بإرسال الخميصة لأنه كان أهداها له كما رواه مالك في "الموطأ" من طريق أخرى عن عائشة قالت: "أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها عَلَم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال:
(أ) في جـ: نسب.
(ب) في هـ: أبو عبيد.
(جـ) بهامش الأصل.
_________
(1)
سير أعلام النبلاء 2/ 556، الإصابة 11/ 66.
(2)
و (3) البخاري 1/ 482، ح 373.
(4)
وقيل: لا تكون خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة. النهاية 2/ 81.
رُدِّي هذه الخميصة إلى أبي جهم" (1) ولأبي داود من طريق أخرى: "وأخذ كرديًّا لأبي جهم فقيل: يا رسول الله الخميصة كانت خيرا من الكرديّ" (2).
قال ابن بطال (3): إنما طلب منه ثوبا غيرها لِيُعْلمَهُ أنه لم يردّ عديه هديته استخفافا به، قال (أ): وفيه أن الواهب إذا ردت عليه عطيته من غير أن يكون هو الراجع فيها فله أن يقبلها من غير كراهة.
وقوله: "ألهتني" أي: شغلتني، يقال لهي بالكسر: إذا غفل: ولها بالفتح: إذا لعب (4).
وقوله: "آنفا" أي: قريبا، مأخوذ من انتياف الشيء أي ابتدائه (5).
وقوله: "عن صلاتي" أي: كمال الحضور فيها، وفي بعض طرق الحديث ما يدل على أنه لم يقع الإِلهاء لأنه قال:"وأخاف"، وكما تقدم في رواية هشام "فأخاف"، ويمكن الجمع بينهما بأن الإِلهاء وقع في الصلاة الواقعة والخوف في الصلاة المستقبلة [أو أن معنى ألهتني: كادت تلهيني فإطلاق حقيقة الإِلهاء عليه مبالغة في القُرْب (ب) لا لتحقق الإِلهاء] (جـ).
وفي الحديت الدلالة على مبادرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصالح الصلاة، ونفي ما لعله يخدش فيها، ويدل على كراهية ما شَغَلَ (د) عن الصلاة مِن الإِمتاع والنقوش، ونحوها.
(أ) ساقطة من هـ.
(ب) في جـ: للقرب.
(جـ) بهامش الأصل.
(د) في جـ: يشغل.
_________
(1)
الموطأ 81 ح 72.
(2)
أبو داود 1/ 562 ح 915.
(3)
شرح ابن بطال باب إذا صلى في ثوب لها أعلام ونظر إلى علمها فيه.
(4)
القاموس 4/ 390.
(5)
القاموس 3/ 123، 124.
وفيه قَبول الهدية من الأصحاب والإِرسال إليهم والطلب منهم.
و (أ) قال الطيبي (1): فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية، يعني: فضلا عما دونها.
وفي هذا الحديت دلالة على أن الاستملاء من الكتابة لا يفسد الصلاة واستثبات المكتوب كذلك إذ الأنبجانية وتعرض التصاوير لا تشغله إلا وقد استثبت ما فيها، والله أعلم.
187 -
وعن جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه قال: قال، رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَيُنْتَهَيَنَّ قَوْمٌ يرفعون أبصارَهم إلى السماء في الصلاة أولًا ترجع إليهم" رواه مسلم (2).
[قوله: "لَيُنْتَهيَنَّ": في رواية المستملي والحموي للبخاري (3) بضم الياء وسكون النون وبفتح المثناة والهاء والياء وتشديد النون على البناء للمفعول والنون للتأكيد، وللباقين بفتح أوله وسكون النون وضم الهاء على البناء للفاعل وهو الضمير المحذوف.
"وقوم" فاعل أيضًا على لغة أكلوني البراغيث] (ب)، وفي رواية "أو لتخطفن أبصارهم".
(أ) سقطت من جـ.
(ب) في هامش الأصل.
_________
(1)
الفتح 1/ 482.
(2)
مسلم الصلاة باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة 1/ 321 ح 117 - 428، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها باب الخشوع في الصلاة 1/ 332 ح 1045، البيهقي الصلاة باب كراهية رفع البصر إلى السماء في الصلاة 2/ 283، أحمد 5/ 108، الدارمي كتاب الصلاة باب كراهية رفع البصر إلى السماء 1/ 298، المحلى 4/ 15.
(3)
ليس في البخاري حديث جابر بن سمرة والمؤلف نقل كلام ابن حجر في الفتح على حديث أبي هريرة: "لينتهين عن ذلك. ." البخاري مع الفتح 2/ 233، 234 ح 750.
وهذا غلط فإن صحيح البخاري ومسلم مبني على السماع والاتصال فيجوز في موضع ما لا يجوز في الآخر والله أعلم.
في الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك، [وعلى هذا فهو حرام، وقال ابن حزم: تبطل به الصلاة (1)، وقيل المعنى: إنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل على المصلي، وفي قصة قراءة أُسَيْد بن (أ) حُضَير (2) ما يدل على ذلك أشار إلى هذا المعنى الداودي](ب)، وقد قيل إنه مجمع على أنه منهيّ عن ذلك في الصلاة. قال القاضي عياض (3): واختلفوا في غير الصلاة في الدعاء فكرهه شريح وآخرون وجوّزه الأكثرون، وقالوا إن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة فلا يكره رفع الأبصار إليها كما لا يكره رفع اليد بالدعاء قال الله تعالى {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} (4)(جـ).
188 -
وله عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان"(5).
تقدم الكلام في حضور الطعام.
وقوله: "ولا وهو يدافعه الأخبثان": فيه دلالة على أنّ ذلك مع المدافعة لا إذا كان يجد في نفسه ثقل ذلك ولا يحتاج إلى دفعِ خارجٍ فلا كراهة، والمراد بالأخبثين البول والغائط، ويلحق بهما ما كان شاغلا عن الصلاة وعن كمال
(أ) ساقطة من هـ.
(ب) بهامش الأصل.
(جـ) الآية بهامش هـ.
_________
(1)
الفتح 2/ 234، المحلى 4/ 16، 17.
(2)
البخاري مع الفتح 9/ 63 ح 5018.
(3)
شرح مسلم 2/ 73.
(4)
الآية 22 من سورة الذاريات.
(5)
مسلم كتاب المساجد باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله 1/ 393 ح 67 - 560 (في قصة). البيهقي الصلاة باب ترك الجماعة بحضرة الطحاكم ونفسه إليه شديدة التوقان 3/ 73.
الخشوع وحضور القلب، وهو محمول على كراهة التنزيه دون الحَصْر مع استكماله لواجب الصلاة، فقوله:"لا صلاة" متوجه إلى نفي الكمال والأفضل، إذ ذات الصلاة غير منفيَّة لإمكان وقوعها، وتقديم إزالة الخَبَث إذا كان الوقت فيه سَعَة، فإن ضاق الوقت وأمَكن تأدية الصلاة وجب تقديمها كما تقدم في حضور الطعام (أ)، والله أعلم.
189 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع" رواه مسلم والترمذي (1) وزاد: "في الصلاة".
قوله: "التثاؤب" مصدر تثاءب الرجل، وتثاوب على وزن تفاعل إذا فتح فاه من غَلَبَةِ النوم أو الغفلة أو كثرة امتلاء البطن، وكل ذلك غير مرضيّ، فلأجل هذا كره التثاؤب، ومن وجد ذلك في نفسه فليكظمه أي (ب) وأضيف إلى الشيطان لما يوثر من الغفلة والكسل عن الطاعة التي يرضاها الشيطان، ولعل الشيطان وسوسه، وتنشيطا لحضور ذلك، قد أشار إلى هذا في تمام الحديث (2) في رواية مسلم بقوله:"فإن الشيطان يدخل".
وقوله: "فليكظم" الكَظْم المَنْع والإِمساك.
(أ) في جـ: الصلاة.
(ب) ساقطة من جـ وهـ.
_________
(1)
مسلم كتاب الزهد والرقائق باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب 4/ 2293 ح 56 - 2994، الترمذي الصلاة باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة 2/ 206 ح 370، البخاري بمعناه كتاب الأدب باب إذا تثاءب فليضع يده على فيه 10/ 611 ح 6226، ابن ماجه بمعناه إقامة الصلاة باب ما يكره في الصلاة 1/ 310 ح 968.
ابن خزيمة الأفعال المكروهة في الصلاة باب كراهة التثاؤب في الصلاة إذ هو من الشيطان 2/ 61 ح 920، أحمد 2/ 517.
(2)
ليس من تمام الحديث فإن حديث أبي هريرة ليس فيه ذلك وإنما هو من حديث أبي سعيد: "فإن الشيطان يدخل" 4/ 2293 ح 57 - 2295.
وزاد: "في الصلاة" ظاهره أنها زيادة للترمذي، وهي أيضًا في البخاري، وتمام رواية البخاري:"ولا تَقُلْ (أ) ها فإنما ذلكم من (ب) الشيطان يضحك منه"(1)، والضمير في "منه" عائد إلى الحالة المعبر عنها بقوله "ها"، وزيادة "في الصلاة" لا تنافي النهي عن تلك الحالة مطلقا، لموافقة الطلق والمقيد في الحكم فلا تقييد حينئذ، والله أعلم.
عدد أحاديث الباب: أربعة عشر حديثًا.
(أ) بالأصل: ولا يصلي ها.
(ب) في جـ وهـ: ذلك.
_________
(1)
لفظ البخاري: "إذا قال ها ضحك منه الشيطان". 10/ 607 ح 6223.