المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والتوجه إليه أما على وجه المسألة وأما على وجه العبادة - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - من كتاب الصلاة

[ابن تيمية]

الفصل: والتوجه إليه أما على وجه المسألة وأما على وجه العبادة

والتوجه إليه أما على وجه المسألة وأما على وجه العبادة المحضة لأن دعاء الشيء هو طلبه وإرادته سواء طلب لذاته أو للأمر منه ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فإنه فسر بالمسألة: (وبالعبادة وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} إلى قوله: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} إلى قوله: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أن أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} إلى قوله: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً} وقوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} وقوله تعالى: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً} وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرض} وقوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} الآية إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ} وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّه أَوَِ

ص: 28

ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وقوله تعالى: {قُلْ يَا أيها النَّاسُ أن كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} إلى قوله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّك} وقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} الآية وقوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلا إِنَاثاً وأن يَدْعُونَ إلا شَيْطَاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللَّهُ} فإن الدعاء في هذه المواضع يراد به نفس اتخاذ المدعو ربا وإلها بحيث يسأل ويعبد وقد فصل معنى الدعاء بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وقوله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} وفي قوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} ونحو ذلك من الآي فهو يعبد من حيث هو اله ويسأل من حيث هو رب وأن كان كل عابد سائلا وطالبا وكل سائل عابدا وقاصدا من جهة الالتزام فسميت العبادات لله المحضة مثل الصلاة والذكر والسؤال والركوع والسجود والطواف صلاة أو هي دعاء لله وعبادة لله بلا توسط شيء آخر ولهذا قال ابن مسعود ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة وأن كنت في السوق ثم

ص: 29

غلب هذا الاسم على ما كان فيه فعل مثل القيام والسجود والطواف دون القول المحض كالقراءة والذكر والسؤال ولأن ذلك عبادة بجميع البدن ولهذا اشترطت له الطهارة وأن اشتركا في استحباب الطهارة ثم غلب على القيام والركوع والسجود مع أذكارها لأنها أخص بالتعبد من الطواف ولهذا حرم فيه الكلام والعمل الكثير وسمي السجود المفرد كسجود التلاوة والشكر والقيام المفرد كقيام الجنازة صلاة وأن كان اغلب الصلوات المشروعة هي مما اشتملت على القيام والقعود والركوع والسجود فإذا أطلق اسم الصلاة في الشرع لم يفهم منه إلا هذا وهي القيام والركوع والسجود لله بالأذكار المشروعة فيها ثم قال جماعة من أصحابنا منهم أبو الخطاب وابن عقيل هي منقولة في اللغة إلى الشرع ومعدول بها عن المفهوم الأول إلى مفهوم آخر.

وقال القاضي وغيره ليست منقولة بل ضمت إليها الشريعة شروطا وقيودا وهي مبقاة على ما كانت عليه وكذلك القول في اسم الزكاة والصيام وغيرها من الأسماء الشرعية.

وتحقيق ذلك أن تصرف الشرع فيها كتصرف أهل العرف في بعض الأسماء اللغوية أما تخصيصها ببعض معانيها كالدابة وأما تحويلها إلى ما بينه وبين المعنى الأول سبب كإسم الراوية والغائط والعذرة فالصلاة كانت اسما لكل دعاء فصاري إسما لدعاء مخصوص أو كانت اسما.

ص: 30

لدعاء فنقلت إلى الصلاة الشرعية لما بينها وبين الدعاء من المناسبة والأمر في ذلك متقارب نعم قد يسرف بعض من يقول هي منقولة فلا يشترط أن يكون بين المنقولة منه والمنقولهه إليه مناسبة بل يجعله وصفا ثانيا حتى كأنه ليس من المجاز اللغوي ويسرف من يقول هي منقولة حتى يعتقد أن مفهومها في الشرع هو محض الدعاء والمسألة: (فقط مما يكون في اللغة وما خرج عن ذلك من قيام وقعود وغير ذلك فهو شرط في الحكم بمعنى الصلاة التي هي الدعاء لا تجزئ إلا على هذا الوجه كما لا تجزئ إلا بتقدم الإيمان والطهارة ولا يجعل هذه الأفعال جزءا من المسمى ولا مفهومة من نفس الاسم وكلا القولين طرف وخيار الأمور أوسطها وبهذا التقرير قول من يقول هي منقولة اقرب إلى الصواب وكذلك أيضا بهذا التقرير أن معنى النقل تخصيصها ببعض معانيها وهي في ذلك أبلغ من تخصيص أهل العرف الاسم ببعض معانيه كالدابة والنجم لأن ذلك التخصيص كان معلوما بخلاف ما كان من خصائص الصوم والصلاة والزكاة فإنه لم يكن معروفا معناه ولا دلالة للفظ عليه وقد اتفقوا على أن الصلاة المشروعة بعد بيان النبي صلى الله عليه وسلم صارت في المفهوم من لفظ الصلاة في الكتاب والسنة ومن ادعى بعد ذلك أنها بعد ذلك تصرف إلى مجرد المعنى اللغوي فقد غلط.

والصلاة واجبة في الجملة قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ

ص: 31

مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} وقال: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} ونصوص القرآن التي فيها ذكر الصلاة كثيرة جدا.

وكذلك السنة منها حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان" متفق عليه.

وأجمعت الأمة على أن الصلاة واجبة في الجملة وأنها أعظم مباني الإسلام الفعلية وهي عمود الدين وسنذكر أن شاء الله بعض خصائصها.

ص: 32