المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الآذان والإقامة - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - من كتاب الصلاة

[ابن تيمية]

الفصل: ‌باب الآذان والإقامة

‌باب الآذان والإقامة

.

الآذان: مصدر أذن يؤذن تأذينا وإذانا وإيذانا وهو الإعلام الرفيع المدرك بالسمع ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} وقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} سمي بذلك لأن المؤذن يعلم الناس بمواقيت الصلاة ويسمى النداء من قولك ناديت فلانا إذا دعوته دعاء رفعت به الصوت لأن المؤذن يدعو الناس إلى الصلاة.

والإقامة أيضا تسمى الآذان الثاني والنداء الثاني وإنما سميت إقامة لأن إقامة الصلاة تفسر فعل الصلاة من قولهم قامت الحرب وقامت السوق لأن الشيء إذا أتي به تاما كاملا فهو قائم بخلاف ما لم يقم فإنه يكون ناقصا وأول ما يشرع في إقامة الصلاة إذا نودي النداء الثاني إذ الأول إعلام بالوقت والثاني: إعلام بالفعل.

ص: 95

مسألة: (وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها للرجال دون النساء).

في هذا الكلام فصول.

الأول: أن الآذان مشروع للصلوات الخمس بالكتاب وهو قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً} الصلاة هنا هي الصلاة المعهودة وهي الخمس لأن الله سبحانه اخبر عن ندائهم إلى الصلاة لأنهم كانوا ينادون إلى الخمس وقد قال في الجمعة {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} وقوله سبحانه: {وَمَنْ أحسن قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ} وقوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} وفي السنة المتواترة أنه كان ينادى للصلوات الخمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإجماع الأمة وعملها المتوارث خلفا عن سلف.

وأول ما شرع الآذان عن رؤيا عبد الله بن زيد كما سنذكره أن شاء الله تعالى وقد رضي ذلك واقرهم حيث أنزل به كتابه وقال بعض العلماء كان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فرضت عليه الصلوات الخمس قد أمر بالآذان في السماء وأذن بعض الملائكة ولم يظهره في مكة من أجل الكفار فلما احتاجوا إليه في المدينة وكان من رؤيا عبد الله بن زيد ما كان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تأذين الملك فقال أنها لرؤيا حق أن شاء الله تعالى وروى النجاد بإسناده عن العلاء قال قلت لابن الحنفية كنا نحدث أن الآذان رؤيا رآها رجل من الأنصار ففزع وقال عمدتهم إلى أحسن دينكم فزعمتم أنه

ص: 96

كان رؤيا هذا والله هو الباطل ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به انتهى إلى مكان في السماء توقف وبعث الله إليه ملكا ما رآه أحد في السماء قبل ذلك اليوم علمه الآذان فقال الله أكبر قال الله صدق عبدي وأنا أكبر قال أشهد أن لا اله إلا الله قال صدق عبدي وأنا الله لا اله إلا أنا قال أشهد أن محمدا رسول الله قال صدق عبدي أنا أرسلته واخترته قال حي على الصلاة قال صدق عبدي دعا إلى فريضتي ومن أتاها محتسبا كانت كفارة لكل ذنب فلما قال حي على الفلاح قال صدق عبدي هي الفلاح وهي النجاح فلما قال قد قامت الصلاة قال صدق عبدي أنا أقمت حدودها وفريضتها قال فأم أهل السماء فتم له شرفه على جميع خلق الله وروي نحو ذلك من وجوه مسندة.

والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر بذلك وسنه وشرعه بأذن الله له أن يشرع ويسن ورؤيا صاحب النبي عليه السلام في زمانه إذا عرضها على النبي صلى الله عليه وسلم وأقرها كانت مثل رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في أنها حق كما أن رؤيا الأنبياء وحي لأن الله سبحانه وتعالى يبين لنبيه الحق من الباطل بما يقذفه في قلبه من نوره.

ص: 97

الفصل الثاني.

أنه لا يشرع الآذان والإقامة إلا للصلوات الخمس فلا تشرع لعيد ولا كسوف ولا استسقاء ولا غير ذلك فأما الجمعة فإنها أما ظهر ذلك اليوم أو بدل عن الظهر أو معينة عن الظهر فآذانها هو آذان الظهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤذن على عهده إلا للصلوات الخمس وقد نقل الناس صلواته غير الخمس إنما كانت بغير آذان ولا إقامة وفي الصحيحين عن جابر وابن عباس: "أنه لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" وقال جابر بن سمرة: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد مرة أو مرتين بغير آذان ولا إقامة" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

وكذلك نقلوا في غير العيد على ما يذكر في موضعه ولأن هذا الآذان صار شعار الصلوات الخمس المكتوبات والإعلام بمواقيتها والدعاء إليها فلا يشرع لغيرها ولأن هذا الدعاء إعلام بالوقت المحدود وهذا إنما هو للمكتوبات ولأنه نداء إلى الصلاة التي تجب الأجابة إليها على الأعيان وهذا يخص الخمس.

فأما النداء بغير الآذان فالسنة أن ينادى لكسوف الشمس: "الصلاة

ص: 98

جامعة لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: "خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديا الصلاة جامعة فقام فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك" متفق عليهما.

وكذلك العيد والاستسقاء عند أكثر متأخري أصحابنا لأنها صلاة ذات ركوع وسجود يشرع لها الاجتماع ولها وقت تنفرد به فأشبهت الكسوف وأولى لأن الاجتماع لها أكد وقد روى النجاد بإسناده عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى يوم عيد الصلاة جامعة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع أصحابه لأمر يخطبهم له بعث مناديا ينادي الصلاة جامعة كما في حديث الجساسة وكما أخبرهم عن الفتن في بعض أسفاره وغير ذلك.

وقال بعضهم: لا يسن النداء للعيد ولا للاستسقاء وقد قال الإمام

ص: 99

أحمد: صلاة العيد ليس فيها آذان ولا إقامة هكذا السنة إذا جاء الإمام قام الناس وكبر الإمام وظاهره موافق لهذا القول لأنه قد تكرر تعييده وقد استسقى ولم ينقل عنه فيه نداء كما نقل عنه في الكسوف مع أن صلاة الكسوف كانت أقل ولو كان ذلك معلوما من فعله لنقل كما قد نقل غيره بالروايات المشهورة والقياس هنا فاسد الوضع والاعتبار لأنه موضوع في مقابلة النص وذاك أن تركه صلى الله عليه وسلم سنة كما أن فعله سنة وليست الزيادة على المسنون في المخالفة بدون نقص من المسنون وأما فساد الاعتبار فإن النداء في قوله الصلاة جامعة إنما كان ليجمع الناس ويعلمهم بأنه قد عرض أمر الكسوف فلا يلحق بهذا إذ لم يستعدوا للاجتماع له فأما العيد فيوم معلوم مجتمع له وكذلك الاستسقاء قد اعدوا له يوما فأغنى اجتماعهم له عن النداء ولم يبق للنداء فائدة إلا الإعلان بنفس الدخول في الصلاة وهذا يحصل بالتكبير والمشاهدة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث المنادي في الطرقات للكسوف الصلاة جامعة وفي العيد والاستسقاء لا يبعث مناديا ينادي في الطرقات وإنما ينادي عند اجتماعهم عند من يقول هي بمنزلة الإقامة للصلاة وهذا لا أصل له يقاس عليه لأن نداءه لصلاة الكسوف بمنزلة الآذان لا بمنزلة الإقامة.

ولهذا لا يشرع النداء للجنازة لأن ذلك لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه إذ لو كان لنقل لكثرة وقوع الجنائز على عهده.

وكذلك أيضا لا يشرع أن ينادي للتراويح بشيء في المنصوص عنه.

وقيل له الرجل يقول بين التراويح الصلاة قال لا تقل الصلاة

ص: 100

كرهه سعيد بن جبير وأبو قلابة وكذلك قال كثير من أصحابنا.

وقال القاضي والآمدي وغيرهما ينادى لها كذلك لأنها عبادة محضة أو ذات ركوع وسجود تسن لها الجماعة فيسن لها النداء كالكسوف.

والأول أصح حيث لم ينقل ذلك عن السلف الصالح ولا هو في معنى المنقول لأن التراويح تفعل بعد العشاء تبعا فيكفيها نداء العشاء.

فأما ما لا يشرع له الاجتماع فلا يشرع فيه النداء بلا تردد.

الفصل الثالث:.

أن النساء لا يشرع لهن آذان ولا إقامة سواء صلت المرأة منفردة أو أمت النساء لما روت أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس على النساء آذان ولا إقامة" رواه حرب في مسائله والنجاد وقال

ص: 101

المصنف مضت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على النساء آذان ولا إقامة في حضر ولا سفر" وعن ابن عمر وابن عباس قالا ليس على النساء آذان ولا إقامة" رواهما حرب وعن أنس مثله ذكره أن المنذر ولأن التأذين إنما شرع في الأصل بصوت رفيع والمرأة ليست أهلا لرفع الصوت فإن ذلك عورة منها ولذلك لا ترفع صوتها بالتلبية ولأنه مشروع في الأصل لصلاة الجماعة وليس على النساء جماعة ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أم ورقة أن تؤم أهل دارها جعل مؤذنا من الرجال.

ولا بأس أن تؤذن نص عليه لما روى النجاد عن ابن عمر قال لا أنهى عن ذكر الله قال أصحابنا: هذا إذا لم ترفع صوتها فإن رفعته كره وينبغي أنه أن كان هناك من يسمع صوتها من الرجال والأجانب أن يحرم

ص: 102

وإلا فلا وهل تستحب لها الإقامة على روآيات اشهرها لا تستحب لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال المرأة لا تؤم ولا تؤذن ولا تنكح ولا تشهد النكاح ولان الإقامة في الجملة مظنة رفع الصوت فلم تستحب لها كالآذان ولأنه لم يرد به الشرع في المحل فلم تستحب كالزيادة على التلبية.

والأخرى تستحب لما روي عن جابر أنه قيل له أتقيم المرأة قال نعم ذكره ابن المنذر ولأنه ذكر لله فاستحب لها كالتلبية ولان من السلف من يأمرها بالإقامة ويكره لها تركها ففي الإقامة خروج من الخلاف.

والثالثة أنها تخير بين الفعل والترك قال أحمد إذا فعلت فإن شاءت اقتصرت على الإقامة وأن شاءت أذنت وأقامت قال إذا أذن وأقمن فلا بأس وأن لم يفعلن فجائز قال وسئل ابن عمر عن ذلك فغضب وقال أنا أنهي عن ذكر الله تعالى وقد روى النجاد عن

ص: 103

عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم ولان ذلك لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فلا يؤمر به وهو ذكر الله تعالى فلا ينهى عنه كسائر الأذكار.

فأما الآذان فلا يستحب لها بل الأفضل تركه في المشهور عنه وعنه أنها تخير بين فعله وتركه.

ص: 104

مسألة: (والآذان خمس عشرة جملة لا ترجيع فيه والإقامة إحدى عشرة).

ص: 105

مسألة: (وينبغي أن يكون المؤذن أمينا صيتا عالما بالأوقات ويستحب أن يؤذن قائما متطهرا على موضع عال مستقبل القبلة فإذا بلغ الحيعلة التفت يمينا وشمالا ولا يزيل قدميه ويجعل إصبعيه في أذنيه ويترسل في الآذان ويحدر الإقامة).

ص: 107

مسألة: (ويقول في آذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين بعد الحيعلة وذلك لما روي عن بلال قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أثوب إلا في الفجر" رواه أحمد ورواه ابن ماجة ولفظه: "أمرني أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء" والترمذي ولفظه: "قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تثوبن في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر" وعن سعيد بن المسيب عن بلال أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر فقيل له هو نائم فقال الصلاة خير من النوم مرتين فأقرت في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك" رواه ابن ماجة وقد تقدم في آذان أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "له فإن كان في صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله" رواه أحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني وعن

ص: 108

أنس بن مالك قال: "من السنة إذا قال المؤذن في صلاة الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله" وفي رواية: "كان التثويب في صلاة الفجر إذا قال المؤذن حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم" رواه سعيد وحرب وابن المنذر والدارقطني وقال عمر لمؤذنه: "إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم" رواه الدارقطني ورواه الشافعي في القديم عن علي مثل ذلك ولا يعرف عن صحابي خلاف ذلك وهذا لأن الصبح مظنة نوم الناس في وقتها فاستحب زيادة ذلك فيها بخلاف سائر الصلوات وسواء أذن مغلسا أو مسفرا لأنه مظنة في الجملة.

فأما التثويب في غيرها أو التثويب بين الندائين مثل أن يقول إذا

ص: 109

استبطأ الناس حي على الصلاة حي على الفلاح أو الصلاة خير من النوم في الفجر أو غيرها أو يقول الصلاة الإقامة أو الصلاة رحمكم الله عند الإقامة أو بين النداءين فمكروه سواء قصد ذلك نداء الأمراء أو نداء أهل السوق أو غير ذلك لما روي عن ابن عمر أنه: "نزل الكوفة في بعض الأحياء فنودي بالصبح في مسجد أولئك الحي فخرج إليهم ليصلي معهم فلما ثوبوا قال أليس قد نودي للصلاة قالوا بلى قال فما يقول هذا قالوا أن هذا شيء يصنعونه عند ضوء الصبح إذا أضاء لهم فقال أن هؤلاء قد ابتدعوا لا نصلي معهم فانصرف إلى منزله فصلى فيه" رواه سعيد وعن أبي العالية قال كنا مع ابن عمر في سفر ونزلنا بذي المجاز على ماء لبعض العرب فحضرت الصلاة فأذن مؤذن ابن عمر ثم أقام الصلاة فقام رجل فعلا على رحل من رحالات القوم ثم نادى بأعلى صوته الصلاة يا أهل الماء الصلاة فجعل ابن عمر يسبح في صلاته حتى إذا قضت الصلاة قال ابن عمر من الصائح بالصلاة قالوا أبو عامر يا أبا عبد الرحمن فقال له ابن عمر لا صليت ولا تليت أي شيطانك أمرك بهذا أما كان في الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والصالحين ما أغنى عن بدعتك هذه أن الناس لا يحدثون بدعة وأن رأوها حسنة إلا أماتوا سنة فقال رجل من القوم إنه ما أراد إلا خيرا يا أبا عبد الرحمن فقال ابن عمر لو أراد خيرا ما رغب بنفسه عن سنة نبيه والصالحين من عباده" رواه ابن بطة في جزء

ص: 110

صنفه في الرد على من صاح عند الآذان الصلاة الإقامة وعن مجاهد قال كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر فقال اخرج بنا فإن هذه بدعة" رواه أبو داود في سننه وعن مجاهد قال لما قدم عمر مكة فأذن أبو محذورة ثم أتى عمر فقال الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة حي على الفلاح قال عمر: "أما كان في دعائك الذي دعوتنا إليه أولا ما كفاك حتى تأتينا ببدعة تحدثها لنا" رواه سعيد وابن بطة وهذا كله إذا كانوا قد سمعوا النداء الأول فإن لم يكن الإمام أو البعيد من الجيران قد سمع النداء الأول فلا ينبغي أن يكره تنبيهه لما تقدم عن بلال " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤذنه بصلاة الفجر بعد الآذان فقيل أنه نائم فقال الصلاة خير من النوم" قال ابن عقيل فإن تأخر الإمام الأعظم أو إمام الحي أو أماثل الجيران فلا بأس أن يمضي إليه منبه يقول له قد حضرت الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قصده بلال ليؤذنه بالصلاة وهو مريض فقال مروا أبا بكر أن يصلي بالناس وذكر احتمال أن نداء الأمراء ليس ببدعة

ص: 111

لأنه فعل على عهد معاوية ولعله اقتدى به في ذلك في حديث بلال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم".

فأما قصد الإمام لاستئذانه في الإقامة فلا بأس به لأن بلالا كان يجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الإقامة لأن الإمام املك في الإقامة.

فصل.

ويكره أن يوصل الآذان بذكر قبله مثل قراءة بعض المؤذنين قبل الآذان {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} الآية وقول بعض من يقيم الصلاة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ونحو ذلك لأن هذا محدث وكل بدعة ضلالة لا سيما وهو تغيير للشعار المشروع وكذلك أن وصله بذكر بعده.

ص: 112

مسألة: (ولا يؤذن قبل الوقت إلا لها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم").

أما غير صلاة الفجر فلا يجوز ولا يجزى الآذان لها إلا بعد دخول الوقت فإن أذن قبله أعاد إذا دخل الوقت لأن المقصود بالآذان الإعلام بدخول الوقت ودعاء الناس إلى الصلاة وهذا لا يكون إلا في الوقت ولأن الآذان معتبر للصلاة فلا بد من حصوله في وقتها كسائر أسبابها من الشرائط والأركان فإن الشرط وأن جاز فعله قبل الوقت فلا بد من بقائه حكما إلى آخر الصلاة والآذان لا يبقى.

ويستحب أن يكون الآذان في أول الوقت لما روي جابر بن سمرة قال: "كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خرج أقام حين يراه" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.

وأما الفجر فيجوز الآذان لها قبل وقتها لما روي ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" متفق عليهما وفي رواية للبخاري فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 113

: لا يمنعكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق" رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة وعن عبد الله ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعن أحدكم آذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم" رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي فقد نبه صلى الله عليه وسلم على حكمة تقديم الآذان في الفجر وذلك لأن آخر الليل مظنة نوم النائم وقيام القائم للصلاة فإذا أذن قبل الفجر استيقظ النائم وتأهب للصلاة بالتخلي والتطهر واللباس ليتمكن من الصلاة في أول الوقت ولذلك خصت بالتثويب فيها بخلاف سائر الصلوات فإن الناس عند النداء بها يكونون إيقاظا وأهبة للصلاة إذ ذاك فكانت خفيفة على أكثرهم وأما القائم فإنه يعلم دنو الفجر فيبادر الفجر بالوتر.

ص: 114

فصل.

ويستحب الآذان قبل الفجر لما تقدم ويستحب أن يكون مؤذنان أحدهما: يؤذن قبل الفجر والآخر بعده كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وليحصل الإعلام بدخول الوقت فإن أذن المؤذن مرتين فقال الآمدي هو مستحب أيضا كالمؤذنين وأن أذن واحد جاز لما روى الحارث بن زياد الصدائي قال لما كان إذان الصبح أمرني النبي صلى الله عليه وسلم فناديت فجعلت أقول أقيم أقيم يا رسول الله فجعل ينظر إلى ناحية المشرق فيقول لا حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه فتوضأ فأراد بلال أن يقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم قال فأمت" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.

ويستحب أن يكون التأذين قريب الفجر ليحصل المقصود وهو إيقاظ النائم ورجع القائم فإنه لا يقصد قبل ذلك وفي الصحيحين "أنه لم يكن بين آذان بلال وابن أم مكتوم إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا".

ص: 115

ويستحب أن يكون الآذان في وقت واحد لأنه إذا قدم تارة وآخر أخرى اضطرب على الناس أمر الوقت ولم ينتفع بآذانه بل قد يتضرر به فأشبه من عادته الآذان أول الوقت فأذن في أثنائه وعلى ذلك ما حمل بعض أصحابنا ما روى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: "إن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي إلا أن العبد نام فرجع فنادى إلا أن العبد نام" رواه أبو داود وقال الترمذي هو غير محظوظ وقال الدارقطني الصواب عن نافع عن ابن عمر أن مؤذنا لعمر أذن قبل الصبح فأمره أن يرجع فينادي وكذلك ما روى شداد مولى عياض بن عامر عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يديه عرضا" رواه أبو داود وقال هو منقطع لأن شدادا لم يدرك بلالا فإن صحا حملا على نوبة بلال فإنه كان تارة يؤذن قبل أبي محذورة وتارة بعده كذلك رواه أحمد والنسائي عن حبيب بن عبد الرحمن عن عمته وكانت حجت مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 116

يقول أن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال".

وروى أحمد عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان بلال وعمرو بن أم مكتوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أذن عمرو فكلوا واشربوا فإنه رجل ضرير وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم فإن بلالا لا يؤذن حتى يصبح" قال ابن خزيمة أن الآذان كان نوبا بين بلال وابن أم مكتوم فكان يتقدم بلال ويتأخر عمرو ويتقدم عمرو ويتأخر بلال.

فأما في شهر رمضان فقد كره الإمام أحمد الآذان قبل طلوع الفجر قال لأنه يمنع الناس من السحور يعني إذا لم يكن مؤذنان كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا بأس به حينئذ والكراهة المطلقة من الإمام تحمل على التحريم أو التنزيه فيه وجهان.

وذكر الآمدي في جواز الآذان في رمضان قبل الفجر روايتين.

إحداهما: لا يجوز لما فيه من منع الناس من السحور المشروع

ص: 117

وتحريم ما أباح الله لهم.

والثانية يجوز لأنه إذا علم أنه يؤذن قبل الوقت لم يقلد في ذلك.

فصل.

وليس عن أحمد نص في أول الوقت الذي يجوز فيه التأذين إلا أن أصحابنا قالوا يجوز بعد منتصف الليل كما تجوز الإفاضة من مزدلفة ورمي الجمرة والطواف وحلق الرأس بعد ذلك قالوا لأن النصف الثاني هو التابع لليوم الثاني بخلاف الأول ولأنه حينئذ يكون قد ذهب معظم الليل فيشبه ذهاب جميعه ولأن النصف الأول وقت للعشاء في حال الاختيار فلو جاز الآذان فيه لاشتبه على السامع الآذانان وعلى هذا فينبغي أن يكون الليل الذي يعتبر نصفه أوله غروب الشمس وآخره طلوعها كما لو كان النهار المعتبر نصفه أوله طلوع الشمس وآخره غروبها لانقسام الزمان إلى ليل ونهار وأن كان في غير التنصيف يكون آخر الليل طلوع الفجر وهو أول النهار ولعل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "في أحد الحديثين: "ينزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر" يعني الليل الذي ينتهي بطلوع

ص: 118

الفجر وفي الآخر حين يمضي نصف الليل يعني الليل الذي ينتهي بطلوع الشمس فإنه إذا انتصف الليل الشمسي يكون قد بقي ثلث الليل الفجري تقريبا ولو قيل تحديد وقت إلى نصف الليل تارة وإلى ثلثه أخرى من هذا الباب وأنه إذا مضى ثلث الليل الشمسي فقد قارب مضي نصف الليل الفجري لكان متوجها.

ص: 119

مسألة: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول")

هذا الحديث أخرجه الجماعة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن" وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وارجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة" رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا اله إلا الله قال أشهد أن لا اله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا اله إلا الله من قلبه دخل الجنة" رواه أحمد ومسلم وأبو داود وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

ص: 120

أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقامها الله وأدامها" وقال في سائر الإقامة بنحو حديث عمر في الآذان" رواه أبو داود وجاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وعمرو بن العاص وابنه وأبي رافع ومعاوية وغيرهم وعن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه قال من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه" رواه الجماعة إلا أحمد والبخاري.

ص: 121

وهذا الذكر مستحب استحبابا مؤكدا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به واقل أحوال الأمر الاستحباب حتى إنه إذا سمعه لم يشتغل عنه بصلاة نافلة من تحية مسجد ولا سنة راتبة ولا غيرها بل إذا دخل المسجد وسمع المؤذن بدأ بأجابته قبل التحية نص عليه.

ويستحب أن لا يقوم إذا أخذ المؤذن في الآذان لسبب آخر وهو أن الشيطان إذا سمع النداء أدبر وله ضراط حتى لا يسمع التأذين ففي التحرك عند سماع النداء تشبه بالشيطان قال أحمد رحمه الله في الرجل يقوم فيتطوع إذا أذن المؤذن فقال لا يقوم أول ما يبدأ ويصبر قليلا وقال أيضا يستحب له أن يكون ركوعه بعدما يفرغ أو يقرب من الفراغ لأنه يقال أن الشيطان يدبر حين يسمع النداء وعلى هذا فيستحب لمن كان قاعدا أن لا يقوم عند سماع الآذان سواء أجابه في حال قيامه ومشية أم لم يجبه وأن سمعه وهو في قراءة أو دعاء قطع لأن أجابة المؤذن تفوت فإن كان في صلاة لم يقله لأن في الصلاة لشغلا ولهذا لا يستحب له أن يؤمن على دعاء غيره ولا أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره وهو في الصلاة ويقوله إذا فرغ من الصلاة ذكره القاضي وكلام غيره يقتضي أنه لا يستحب لأنه سنة فات محلها فأشبه صلاة الكسوف بعد التجلي وتحية المسجد بعد الخروج منه ولأنه ذكر معلق بسبب فلم يشرع بعد انقضاء السبب كالذكر المشروع عند دخول المسجد والخروج منه والأكل والشرب والخلاء ودعاء الاستفتاح والاستعاذة وغير ذلك فإن قاله في الصلاة لم

ص: 122

تبطل لأنه ذكر لله إلا أن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح فإنها تبطل لأنه خطاب لآدمي ولهذا كان المسنون أن يقول كما يقول المؤذن إلا في الحيعلة فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله كما جاء مفسرا في رواية عمر وغيره نص عليه.

واستحب بعض أصحابنا أن يجمع بين ذلك وبين الحيعلة أخذا بظاهر القول " فقولوا مثل ما يقول" مع أمره بالحوقلة.

والصحيح الأول لأن الروايات المفسرة من أمره وقوله تبين الرواية المطلقة ولأن كلمات الآذان كلها ذكر لله سبحانه فاستحب ذكر الله سبحانه عند ذلك.

أما الحيعلة فإنها دعاء للناس إلى الصلاة وسامع المؤذن لا يدعو أحدا فلم يستحب أن يتكلم بما لا فائدة فيه لكن لما كان هو من جملة المدعوين شرع له أن يقول ما يستعين به على أداء ما دعي إليه وهو لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة وبها يقتدر الإنسان على كل فعل إذ معناها خالق الأعمال والقوي عليها فجمعت جميع الحركات والقدرة التي بها تكون الحركات في السماوات والأرض.

وقيل لا حول عن معصية الله إلا بمعونة الله ولا قوة على طاعة الله إلا

ص: 123

بتوفيق الله والمعنى الأول أجمع وأشبه.

قال بعض أصحابنا: ويقول إذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم صدقت وبررت أو نحو هذا.

وقد قال أحمد بن ملاعب سمعت أبا عبد الله ما لا أحصيه وكان يكون هو المؤذن فإذا قال الله أكبر الله أكبر قال قليلا الله أكبر الله أكبر إلى آخر الآذان قال أصحابنا: فيستحب للمؤذن أن يقول سرا مثل ما يقول علانية وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول" كقوله: "إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين" وقوله: "إذا قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" وهذا لأنه ذكر يقتضي جوابا فاستحب له أن يجيب نفسه كما استحب لغيره أن يجيبه كالتأمين والتحميد ولأنه بذلك يجمع له بين اجرين بذكر الله سرا وعلانية ولأن السر ذكر محض بخلاف العلانية فإنه يقصد به الإعلام ولأنه يستحب أن يفصل بين كلمات الآذان فاستحب له أن يشغلها بذكر الله سبحانه.

والاستحباب في حق غيره أوكد وبكل حال فهو مستحب حتى لو تركه أو اشتغل عنه بصلاة أو قراءة لم يكن عليه شيء نص عليه وقال أيضا إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن استحب له أن يقول مثل ما يقول

ص: 124

المؤذن وأن لم يقل وافتتح الصلاة فلا بأس وقال الآمدي يكره أن يشرع في النافلة إذا سمع التأذين.

والمستحب أن يقول مثل ما يقول المؤذن كلمة كلمة فلا يسبقه بالقول كما في حديث عمر وغيره ولقوله عليه السلام: "إذا سمعتم المؤذن فقولو مثل ما يقول" ولأنه بذلك يحصل له اجر استماع الآذان وموافقة المؤذن.

قال أصحابنا: ويستحب إذا سمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول المؤذن لما تقدم فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قال أقامها الله وأدامها.

فأما المنادي بالإقامة فلا يستحب له أن يقول سرا ما يقول علانية لأن الإقامة تحدر ولا يحصل بينها سكوت.

وإذا أقيمت الصلاة وهو قائم فيستحب له أن يجلس وأن لم يكن صلى تحية المسجد قال ابن منصور رأيت أبا عبد الله أحمد يخرج عند المغرب فحين انتهى إلى موضع الصف أخذ المؤذن في الإقامة فجلس لما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وبلال في الإقامة فقعد" رواه الخلال ورواه أبو حفص ولفظه: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يؤذن فجلس" ولأن القيام قبل الشروع في الصلاة غير مشروع وتحية المسجد قد سقطت بالإقامة فإنها إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت.

ص: 125

فصل.

ويستحب أن يدعو إذا فرغ من الآذان والإقامة نص عليه وكان إذا أقيمت الصلاة رفع بكفيه وجعل يدعو لما روى سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثنتان لا تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا" رواه أبو داود وعن عبد الله بن عمرو أن رجلا قال يا رسول الله أن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه" رواه أحمد وأبو داود وعن أنس بن مالك قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء لا يرد بين الآذان والإقامة قالوا فما نقول يا رسول الله قال سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة" رواه أحمد والترمذي وأبو داود وهذا لفظه وعن أم سلمة قالت علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند

ص: 126

آذان المغرب: "اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي" رواه أبو داود.

وينبغي أن يقدم إمام الدعاء لنفسه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ينبغي أن يقرن ذلك بأجابة المؤذن وأن لم يدع لنفسه كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو ولما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة" رواه الجماعة إلا مسلما زاد بعض أصحابنا واسقنا بكأسه من حوضه مشربا هنيئا سائغا رويا غير خزايا ولا ناكثين برحمتك.

فصل.

السنة أن يقيم من أذن لما روى زياد بن الحارث الصدائي قال: "كنت

ص: 127

مع النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني فأذنت فأراد بلال أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم" رواه الخمسة إلا النسائي ولولا أن السنة أن يتولاهما رجل واحد لم يمنع المؤذن الراتب من حقه وهو الإقامة لما حضر وعن عبد العزيز بن رفيع قال رأيت أبا محذورة جاء وقد أذن أنسان قبله فأذن ثم أقام" رواه أبو حفص واحتج به أحمد ولولا أن ذلك سنة عندهم لاكتفى بتأذين الرجل ولأن ذلك اقرب إلى أن يعلم الناس أن الثاني إقامة وليس بإذان آخر ولأنهما فصلان من الذكر يتقدمان الصلاة فكانت السنة أن يتولاهما واحد كالخطبتين.

فان أذن غير المؤذن الراتب فأما أن يقيم من أذن كما فعل زياد أو يعيد الراتب الآذان كما صنع أبو محذورة.

فان أقام غير من أذن كره نص عليه وأجزأ لأن المقصود قد حصل.

ولو تناوب اثنان على إذان واحد فقال هذا كلمة وهذا كلمة أو بنى الرجل على آذان غيره لم يجز لعذر ولا لغيره بل لا بد من آذان رجل واحد وأن جوزنا الخطبة من اثنين لأنه ذكر واحد يختلف مقصوده باختلاف الأصوات بخلاف الخطبة.

ص: 128

ولا يقيم إلا بإذن الإمام فإن أمر الصلاة إليه قال علي رضي الله عنه: "المؤذن املك بالآذان والإمام املك بالإقامة" رواه سعيد وأبو حفص.

والسنة أن يكون الآذان والإقامة في موضع واحد فإذا أذن في مكان استحب أن يقيم فيه لا في الموضع الذي يصلي فيه لما احتج به الإمام أحمد رحمه الله عن بلال رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله لا تسبقني بآمين" رواه أحمد وأبو داود وقال اسحق بن راهويه وكذلك أبو هريرة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والأئمتهم ولو كانت الإقامة موضع الصلاة لم يخشوا أن يسبقوا بآمين" فعلم أن الإقامة كانت حيث يسمعها الغائبون عن المسجد أما موضع الآذان أو قريبا منه وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة" متفق عليه وقد تقدم قول ابن عمر رضي الله عنه كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة ولأن الإقامة أحد الندائين فاستحب

ص: 129

أسماعها للغائبين كالآذان ولأن المقصود بها الإعلام بفعل الصلاة لمنتظرها في المسجد وغيره فإن شقت الإقامة قريبا من موضع الآذان بأن يكون الآذان في المنارة أو في موضع بعيد من المسجد فإنه يقيم في غيره بحيث يعلم الغائبين أيضا لما روى عبد الله بن شقيق قال الآذان في المنارة والإقامة في المسجد وقال هي السنة" رواه سعيد.

فصل.

وإذا أذن قريبا من المسجد جاز وأن كان بينهما طريق كما يجوز الآذان في منارة المسجد كما تقدم من حديث بلال أنه كان يؤذن على سطح امرأة من الأنصار.

وإن أذن في مكان بعيد من المسجد فقال أحمد معاذ الله ما سمعنا أن أحدا يفعل هذا لأن المؤذن يدعو الناس إلى الصلاة فلا بد أن يكون نداؤه قريبا من موضع الصلاة ليقصده الناس.

فأما أن أذن لغير المسجد بل للإعلام بالوقت فلا بأس بذلك بكل موضع.

ص: 130

فصل.

ولا يصح الآذان إلا مرتبا متواليا على ما جاءت به السنة لأنه ذكر مجموع فوجب أن يؤتى به على وجهه كقراءة الفاتحة ولأنه بدون ذلك يختل المقصود به من الإعلام والدعاء فإن نكسه لم يصح بحال.

وإن فرق بين كلماته بسكوت يسير أو كلام يسير مباح لم يقطعه لكنه أن كان لغير حاجة كره وهو في الإقامة أشد كراهة من الآذان.

وإن كان لحاجة مثل أن يرد على من سلم عليه أو يأمر بعض أهله بحاجة أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر بكلام قليل لم يكره لما ذكره الإمام أحمد عن سليمان بن صرد وكانت له صحبة أنه كان يأمر غلامه بالحاجة وهو يؤذن وأمر ابن عباس مؤذنه أن يقول في يوم مطير بعد قوله حي على الفلاح: "ألا صلوا في الرحال" متفق عليه ولأن ذلك لا يخل بمقصود الآذان وبه إليه حاجة فأشبه العمل اليسير في الصلاة.

وعنه أن ذلك يكره مطلقا.

وعلى الروايتين فالأفضل أن لا يتكلم برد سلام في الآذان ولا غيره.

فأما الإقامة فلا يتكلم فيها لأن السنة حدرها والكلام يقطع ذلك.

ص: 131

فأما أن طال الكلام أو السكوت استأنف لأن ذلك يخل بمقصود الإعلام فأشبه التنكيس.

وإن فصل بينه بكلام يسير محرم كالسب والقذف فهل يبطل على وجهين ومن أصحابنا من يحكيها على روايتين.

إحداهما: يبطل قال الآمدي وهو الصحيح لأنه ذكر محض مجموع والكلام المحرم مناف له وربما ظن متلاعبا لا مؤذنا إذا خلط الحق بالباطل.

وفي الأخرى لا يبطل لأنها عبادة لا تبطل بالكلام المباح فكذلك بالمحرم كالصوم والحج.

فأم الكلام بين الآذانين فلا يكره لأن الفصل بينهما مشروع بعمل أو جلوس والكلام من جملة الفواصل.

ولو ارتد في أثناء الآذان بطل لأنها عبادة واحدة فبطلت بالردة في أثنائها كسائر العبادات فلو عاد إلى الإسلام في الحال استأنف.

ولو جن أو نام أو أغمى عليه ثم أفاق في الحال بنى لأنه لم يخرج عن كونه من أهل العبادة.

وقال الآمدي: إذا أغمى عليه بطل الآذان كما يبطل بالكلام الكثير.

ولو ارتد بعد الآذان ففيه وجهان.

أحدهما: يبطل قاله القاضي والآمدي وغيرهما كما تبطل الطهارة بالردة وهذا إذا كانت الردة بين الآذان والصلاة فأما أن كانت بعد الصلاة

ص: 132

لم يبطل حكم الآذان قولا واحدا وكذلك أن كان بعد الشروع في الصلاة.

والثاني: لا يبطل وأن استمر على ردته وهو أصح قاله طائفة من أصحابنا لأنها عبادة قد انقضت فلم تبطل بالردة كسائر العبادات بخلاف الطهارة فإن حكمها باق ولأنه لا يبطل بعد فراغه شيء من المبطلات فلم تبطل بالردة كالصلاة وأولى وعكسه الطهارة وهذا لأن إحباط العمل لا يلزم منه بطلأنه كما تقدم في الطهارة.

فصل.

يستحب أن يفصل بين الآذان والإقامة للمغرب بجلسة بقدر ركعتين قال في رواية المروذي بين الآذانين جلسة في المغرب وحدها لأن في حديث الأنصاري الذي رأى الآذان رأيت رجلا كان عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قام فقال مثلها" رواه أحمد وأبو داود وفي رواية قال: "رأيت الذي أذن في المنام أذن المغرب وقعد بين الآذان والإقامة قعدة" رواه حرب وعن أبي بن كعب قال: قال

ص: 133

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال اجعل بين إذانك وإقامتك نفسا يفرغ الأكل من أكل طعامه في مهل ويقضي المتوضىء حاجته في مهل" رواه عبد الله بن أحمد في المسند قال اسحق بن راهويه لا بد من القعدة في الصلوات كلها حتى في المغرب لما صح عن بلال حيث علمه النبي صلى الله عليه وسلم الآذان فأمره أن ينتظر بين الآذان والإقامة قدر ما يستيقظ النائم وينتشر المنتشر للصلاة فأذن مثنى مثنى وأقام مرة مرة وقعد قعدة وعن مجاهد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أذن المؤذن فلا يقيم حتى يجلس".

وعن ابن عباس قال: "ينتظر المؤذن في الصلاة كلها بين الآذان والإقامة قدر ما يغتسل الرجل وفي المغرب قدر ما يتوضأ" رواه الشالنجي وإنما قدرها الإمام أحمد بركعتين لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون بين الآذانين للمغرب ركعتين وقد قال صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة" ولأنه بالفصل يتأهب إلى الصلاة من ليس على أهبة ويصلي من يريد الصلاة ويدرك أكثر الجماعة حد الصلاة وهو تكبيرة الإحرام ويدركون التأمين

ص: 134

وذلك مقصود للشارع وفيه أجر عظيم جاءت به الأحاديث.

وأما القعود فليفصل بين الآذانين وليكون قائما إلى الإقامة قياما مبتدأ ولأنهما فصلان من الذكر يتقدمان الصلاة يفصل بينهما بجلسة كالخطبتين وإنما خصت المغرب بذلك لضيق وقتها وكراهة تأخيرها.

فأما سائر الصلوات فالفصل بين الصلاتين يحصل بأسباب أخرى من الصلاة وغيرها.

فإن تأخرت الجماعة أكثر من قدر ركعتين استحب له انتظارهم ما لم يخف خروج الوقت قال مهنا سألت أحمد عن إمام أذن لصلاة المغرب فرأى أن ينتظر القوم إلى أن يتوضأ ما لم يخف فوت الوقت.

وعنه أنه إنما استحب انتظارهم بالقدر المتقدم قال في رواية حنبل ينبغي للمؤذن إذا أذن أن لا يعجل بالإقامة ويلبث حتى يأتيه أهل المسجد ويقضي المعتصر حاجته يجعل بين إذانه وإقامته نفسا وهذا أشبه بالروايتين.

وفيما إذا أسفر الجيران يغلس أو يسفر على روايتين.

ولو أذن ثم خرج من المسجد أو ذهب إلى منزله لحاجة مثل أن يتوضأ لم يكره وأن كان لغير حاجة كره لأن الخروج من المسجد بعد الآذان منهي عنه لغير المؤذن فالمؤذن أشد إلا أن يكون التأذين للفجر قبل الوقت فلا يكره الخروج نص على ذلك كله لأن وقت الصلاة لم يدخل ولا تجب

ص: 135

الأجابة إليها إلا بعد الوقت.

فصل.

الآذان من أفضل الأعمال فإنه ذكر الله على وجه الجهر ويفتح أبواب به السماء وتهرب منه الشياطين وتطمئن به القلوب وهو إظهار لشعار الإسلام وأعلام للناس بوقت الصلاة ودعاء إليها ومراعاة الشمس والقمر والظلال لذكر الله قال الإمام أحمد الآذان أحب إلي من الإمامة لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه والمؤذن يغفر له مد صوته وهذا اختيار أكثر أصحابنا.

وروي عنه أن الإمامة أفضل وهذا اختيار أبي عبد الله ابن حامد وأبي الفرج ابن الجوزي لأن الإمامة تولاها صلى الله عليه وسلم هو بنفسه وكذلك خلفاؤه الراشدون ووكلوا الآذان إلى غيرهم وكذلك ما زال يتولاها أفاضل المسلمين علما وعملا ولأن الإمامة يعتبر لها من صفات الكمال أكثر مما يعتبر للإذان ولأن الإمامة واجبة في كل جماعة والآذان إنما يجب مرة في المصر وقد روي عن داود بن أبي هند قال حدثت أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مرني بعمل أعمله قال: "كن إمام قومك قال فإن لم أقدر قال:

ص: 136

فكن مؤذنهم" رواه سعيد.

والأول أصح لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين" ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان والمدعو له بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرشد لأن المغفرة نهاية الخير ولهذا أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستغفار بقوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكان ذلك خصوصا خصه به دون سائر الأنبياء وندب قوام الليل إلى الاستغفار بالأسحار والرشد مبتدأ الخير فإنه من لم يرشد يكن غاويا والغاوي المتبع للشهوات المضيع للصلوات ولأن الآذان له خصائص لا توجد في الإمامة.

منها أنه يغفر له مد صوته.

وأنه يستغفر له كل رطب ويابس.

وأنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة وقد تقدم ذلك وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لا يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه" متفق عليه وعن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤذنون

ص: 137

أطول الناس أعناقا يوم القيامة" رواه أحمد ومسلم وعن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤذن يغفر له مد صوته ويصدقه من يسمعه من رطب ويابس وله مثل اجر من صلى معه" رواه أحمد والنسائي وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أذن محتسبا سبع سنين كتبت له براءة من النار" وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه كل يوم ستون حسنة وفي كل إقامة ثلاثون حسنة" رواهما ابن ماجة ولم يجئ في فضل الإمامة مثل هذا ولأن الإمامة من باب الإمامة والولاية إذ هي الإمامة الصغرى ولذلك قال عثمان لابن عمر: "اقض بين الناس فاستعفاه وقال لا أقضي بين اثنين ولا أؤم رجلين" رواه أحمد وهي فتنة لما فيها من الشرف والرئاسة حتى ربما كان طلبها مثل طلب الولايات والإمارات الذي هو من إرادة العلو في الأرض وهذا مضر بالدين وقد روى كعب بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص

ص: 138

المرء على المال والشرف لدينه" قال الترمذي حديث حسن صحيح ولأنه يخاف على صاحبها انتفاخه بذلك واختياله وأن يفتن باشتهاره ولذلك صلى حذيفة بن اليمان مرة إماما ثم قال: "لتصلن وحدانا أو لتلتمسن لكم إماما غيري فإني لما أممتكم خيل إلي أنه ليس فيكم مثلي" وقيل لمحمد بن سيرين في بعض المرات إلا تؤم أصحابك فقال: "كرهت أن يتفرقوا فيقولوا أمنا محمد بن سيرين" ولأن الإمام يتحمل صلاة المأمومين الذي دل عليه حديث الضمان والآذان سليم من هذه المخاوف كلها بل ربما زهد الشيطان فيه وثبط عنه حتى يفوض إلى أطراف الناس ولذلك قال عمر رضي الله عنه لبعض العرب من يؤذن لكم قالوا عبيدنا قال ذلك شر لكم وأما إمامته صلى الله عليه وسلم وإمامة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم فمثل الإمارة والقضاء وذلك أن الولايات وأن كانت خطرة لكن إذا أقيم أمر الله فيها لم يعدلها شيء من الأعمال وإنما يهاب الدخول فيها أولا خشية أن لا يقام أمر الله فيها لكثرة نوائبها وخشية أن يفتن القلب بالولاية لما فيها من الشرف والعز ويكره طلبها لأنه من حب الشرف وإرادة العلو في الأرض يكون في الغالب ولأنه تعرض للمحنة والبلوى فإذا ابتلي المرء بها صار القيام بها فرضا عليه وكذلك إذا تعينت عليه فإمامته وإمامة الخلفاء الراشدين كانت متعينة عليهم فإنها

ص: 139

وظيفة الإمام الأعظم ولم يمكن الجمع بينها وبين الآذان فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الآذان لخصوص أحوالهم وأن كان لأكثر الناس الآذان أفضل ولهذا قال عمر رضي الله عنه: "لولا الخليفي لأذنت" رواه سعيد وهذا كالإمارة نفسها وكما أن مقامهم بالمدينة لكونها دار هجرتهم كان أفضل من مقامهم بمكة بل كان يحرم عليهم استيطان مكة وهذا الوصف مفقود في غيرهم وكذلك صوم يوم وفطر يوم هو أفضل الصيام وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم غيره لأنه كان يضعفه عما هو أفضل منه فصار قلة الصوم في حقه أفضل ونظائر هذا كثيرة نعم نظير هذا أن يكون في القوم رجل لا يصلح للإمامة إلا هو وهو أحقهم بالإمامة ومن يصلح للإذان كثير فتكون إمامته بهم إذا قصد وجه الله بها وإقامته هذا الفرض واتقى الله فيها أفضل لما ذكرناه وعلى هذا يحمل حديث داود بن أبي هند وقد روى عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة عبد أدى حق الله وحق مواليه ورجل أم قوما وهم به راضون ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة" رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب".

ص: 140

فصل.

وإذا تشاح نفسان في الآذان قدم أكملهما في الخصال المطلوبة في المؤذن وهي الصوت والأمانة والعلم بالأوقات بأن يكون أندى صوتا أو أعلم بالأوقات ويقدم أكملهما في عقله ودينه لما تقدم فإن استويا في ذلك قدم أعمرهما للمسجد وأكثرهما مراعاة له وأقدمهما تأذينا فيه.

ولا يقدم أحدهما بكون أبيه كان هو المؤذن فإن استويا في ذلك قدم من يرتضيه الجيران أو أكثرهم فإن انقسموا طائفتين متساويتين أو لم يختاروا أحدهما أو لم يكن للمسجد جيران اقرع بينهما لقوله: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه" ولأن الناس تشاحوا في الآذان بالقادسية فاقرع بينهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ذكره الإمام أحمد وغيره.

والأول أصح لأن ذلك اقرب لرضاهم وانتظام أمرهم ولذلك اعتبر ذلك في الإمامة.

ص: 141

فصل.

قال القاضي يستحب الاقتصار على مؤذنين وأن اقتصر على واحد أجزاه إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان له مؤذنان بلال وابن أم مكتوم وكذلك قال الآمدي يستحب أن لا ينقص في مسجد الجماعة عن اثنين لدعوى الحاجة إليهما كالواحد في غير مسجد الجماعة ومعنى هذا أنه يرتب للمسجد مؤذنان أن غاب أحدهما: حضر الآخر وأما تأذين واحد بعد واحد فعلى ما ذكره القاضي يستحب وعلى ما ذكره غيره لا يستحب ذلك إلا في الفجر.

قال القاضي ولا يستحب أن يزيد على أربعة يعني أن ترتيب الأربعة ورزقهم جائز من غير كراهة بخلاف الزيادة على الأربعة وكذلك قال الآمدي لا يرزق أكثر من أربعة لأن عثمان رضي الله عنه اتخذ أربعة من المؤذنين ولأنه إذا زاد على أربعة فأذن واحد بعد واحد فات فضيلة أول الوقت فلا يزاد على الإثنين إلا لحاجة.

وإذا احتيج إلى أكثر من أربعة كانت الزيادة مشروعة وهذا ظاهر المذهب ذكر أبو بكر عن أحمد أنه قال في رواية أحمد بن سعيد ويقيم الإمام من المؤذنين ما أراد ويرزقهم من الفيء.

ص: 142

فصل.

وإذا أذن جماعة فالأفضل أن يؤذن واحد بعد واحد أن كان المسجد صغيرا والإبلاغ يحصل بذلك لأن مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤذن أحدهما: بعد الآخر.

فان أذنوا جميعا من غير حاجة فقال الآمدي يكره وذلك لما فيه من اختلاط الأصوات على المستمع حتى لا يفهم ما يقولون مع ما فيه من مخالفة السنة وأن كان المسجد كبيرا لا يحصل التبليغ بآذان الواحد والمقصود إسماع أماكن لا يبلغهم صوت الواحد فلا بأس بآذانهم جميعا نص عليه وقال إذا أذن في المنارة عدة فلا بأس لأن المقصود بالآذان الإبلاغ وذلك يحصل باجتماع الأصوات ما لا يحصل بتفريقها.

وإن أذنوا في وقت واحد متفرقين فإن كان كل واحد يستمع آذانه أهل ناحية بأن يؤذن أحدهما في طرف والآخر في طرف بعيد منه فهو حسن.

وإن أدنوا في مكان واحد فهذا أولى بالكراهة من آذانهم جميعا في المكان الصغير لما فيه من اختلاط الأصوات قال بعض أصحابنا: وأن خافوا من تأذين واحد بعد واحد فوات أول الوقت أذنوا دفعة واحدة.

ولا يؤذن قبل تأذين المؤذن الراتب إلا أن يغيب ويخاف فوت وقت التأذين فأما مع حضوره فلا.

ص: 143