الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أدب المشي إلى الصلاة
.
مسألة: (يستحب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار ويقارب بين خطاه ولا يشبك اصابعه).
قال أبو عبد الله رحمه الله في رواية مهنى ويستحب للرجل إذا اقبل إلى المسجد أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع وأن تكون عليه السكينة والوقار ما ادرك صلى وما فات قضى بذلك جاء الاثر عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني وجاء عنه أنه كان يأمر باثقال الخطى يعني قرب الخطى إلى المسجد.
ولا بأس إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئا ما لم يكن عجلة تقبح جاء الحديث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أنهم كانوا يعجلون شيئا إذا تخوفوا فوت التكبيرة الأولى وطمعوا في ادراكها وذلك لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الاقامة فامشوا وعليكم السكينة ولا تسرعوا فما ادركتم فصلوا وما فاتكم فاتموا" وعن أبي قتادة قال: "بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال ما شانكم قالوا استعجلنا إلى الصلاة قال فلا تفعلوا إذا اتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما ادركتم فصلوا وما فاتكم فاتموا" متفق
عليهما.
فعلى هذا يكره الاسراع الشديد مطلقا وأن فاته بعض الصلاة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ويكره الاسراع اليسير إلا إذا خاف فوت تكبيرة الافتتاح وطمع في ادراكها لما ذكره الامام أحمد عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنهم كانوا يعجلون شيئا إذا تخوفوا فوت التكبيرة وطمعوا في ادراكها" وقد روى سعيد في سننه عن رجل من طيء قال كان عبد الله ينهانا عن السعي إلى الصلاة فخرجت ليلة فرأيته يشتد إلى الصلاة فقلت يا ابا عبد الرحمن كيف تنهانا عن السعي إلى الصلاة فرأيتك الليلة اشتددت إليها قال اني وابيك بادرت حد الصلاة يعني التكبيرة الأولى وهذا يدل على أن هذا الموضع غير داخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم لأن أصحابه أعلم بمعنى ما سمعوه منه فإن ابن مسعود من جملة رواة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وسياق الحديث يدل على أن النهي إنما هو لمن فاتته تكبيرة الافتتاح لأنه في اناس سمع جلبتهم وهو في الصلاة وهذا بعد التحريم وفي الحديث الاخر إذا سمعتم الاقامة فامشوا إلى الصلاة فغالب من يكون بعيد الدار عن المسجد إذا اتى حين يسمع الاقامة تفوته التكبيرة والفرق بين هذا الموضع وغيره أنه جاء فضل عظيم فيمن يدرك حد الصلاة وادراك
الحد أن يدرك اولها وهو أن يدرك الصلاة قبل تكبيرة الامام ليكون خلف الامام إذا كبر للإفتتاح وهذا القدر لا ينجبر إذا فات لأنه يكون مدركا للركعة ولو ادرك الامام في الركوع بخلاف ما إذا فاتته الركعة فإنه يمكن أن يقضي ما فاته وبخلاف ما إذا فاته حد الصلاة فإنه قد ايس من ادراك الحد فإذا كان هذا المقصود العظيم الذي لا ينجبر فواته يحصل باسراع يسير لم يكره ذلك.
فأما الاسراع لادراك الركعة فباق على عموم الحديث بل هو المقصود منه لأن الفوات إنما يكون بفوات الركعة لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "لابي بكرة لما اسرع لادراك الركوع زادك الله حرصا ولا تعد".
وان خشي فوات الجماعة أو الجمعة بالكلية فلا ينبغي أن يكره له الاسراع هنا لأن ذلك لا ينجبر إذا فات وقد علل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالسكينة لقوله فما ادركتم فصلوا وما فاتكم فاتموا فمن لا يرجوا ادراك شيء إذا مشى عليه السكينة يدخل في هذا الحديث وقد قيده في الحديث الاخر إذا سمعتم الاقامة فعلم أن الخطاب لمن ياتي الصلاة طامعا في ادراكها ولا فرق فيما ذكرناه من كراهة الاسراع لمن رجى الادراك بين الجمعة وغيرها لعموم الحديث وقد روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الاناة من الله والعجلة من الشيطان وقال صلى الله عليه وسلم: "إن فيك لخلتين
يحبهما الله الحلم والأناة" رواه مسلم وكان قد استأنى في دخوله على النبي صلى الله عليه وسلم دون رجال قومه واصل ذلك في قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً} قال الحسن وغيره سكينة ووقار وقال لقمان في وصيته لابنه {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} .
ولأن الاسراع الشديد يذهب بالحلم ويغير العقل والراي فكره لما فيه من هذه المفاسد وغيرها ولأنه إذا استانى وصلى البعض في الجماعة والبعض منفردا كان اصلح وابلغ في اجتماع همه على الصلاة من الاسراع الشديد الذي تتعقبه الصلاة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لابي بكرة زادك الله حرصا ولا تعد" ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم بتقديم العشاء والخلاء على الصلاة ليجمع القلب عليها.
فإن قيل فقد قال تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} .
قلنا السعي في كتاب الله لمعنى الفعل والعمل دون العدو قال
تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} وقال: {وَمَنْ أراد الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} وقال: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيهَا} وقال تعالى عن فرعون: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} وقال: {وأما مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} وقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً} ومنه يقال السعي على الصدقات كما يقال العامل عليها وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: "فامضوا إلى ذكر الله وذروا البيع" ويقول لو قرأتها فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي فقد اتفقوا على أنه ليس المراد بالعدو ولكن من فهم من السعي أنه العدو كما في الحديث اختار الحرف الاخر وأما حرف العامة فقد تبين معناه.
وإنما استحببنا المقاربة بين الخطأ لما روى أبو هريرة عن الني صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تطهر الرجل ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة" متفق عليه.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تطهر
الرجل ثم اتى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتباه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات والقاعد يرعى الصلاة كالقانت ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع اليه" رواه أحمد وعن زيد ابن ثابت رضي الله عنه قال: " اقيمت الصلاة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وانا معه فقارب الخطى ثم قال تدري لم فعلت هذا لتكثر خطاي في طلب الصلاة" رواه عبد ابن حميد.
وأما التشبيك بين الاصابع فيكره من حين يخرج وهو في المسجد أشد كراهة وفي الصلاة أشد واشد لما روى كعب بن عجرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا توضا أحدكم ثم خرج عامدا إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وعنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يشبك اصابعه في الصلاة ففرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اصابعه" رواه ابن ماجة وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وأن أحدكم لا يزال في الصلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه" رواه احمد.
قال أبو عبد الله في رسالته واعلموا أن العبد إذا خرج من منزله يريد المسجد يأتي الله الجبار الواحد القهار العزيز الغفار وأن أن كان لا يغيب عن الله تعالى حيث كان ولا يعزب عنه مثقال حبة من خردل ولا اصغر من ذلك ولا أكبر في الأرضين السبع ولا في السماوات السبع ولا في البحار السبع ولا في الجبال الصم الصلاب الشوامخ البواذخ وإنما يأتي بيتا من بيوت الله يريد الله وتوجه إلى الله وإلى بيت من البيوت التي اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فإذا خرج من منزله فليحدد لنفسه تفكرا وادبا غير ما كان عليه وغير ما كان فيه قبل ذلك من حالات الدنيا واشغالها وأن يخرج بسكينة ووقار فإن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أمر وليخرج برغبة ورهبة وبخوف ووجل وخضوع وذل وتواضع لله عز وجل فإنه كلما تواضع لله عز وجل وخشع وذل لله عز وجل كان ازكى لصلاته وأحرى لقبولها واشرف للعبد واقرب له من الرب وإذا تكبر قصمه الله ورد عمله وليس يقبل من المتكبر عملا جاء الحديث عن إبراهيم عليه السلام خليل الله عز وجل أنه أحيا ليلة
فلما أصبح اعجب بقيام ليلته فقال نعم الرب رب إبراهيم ونعم العبد إبراهيم فلما كان غداؤه لم يجد احدا ياكل معه فنزل ملكان من السماء فاقبلا نحوه فدعاهما إبراهيم إلى الغداء فأجاباه فقال لهما تقدما بنا إلى هذه الروضة فإن فيها عينا وفيها ماء فنتغذى عندها فتقدموا إلى الروضة فإذا العين قد غارت فليس فيها ماء فاشتد ذلك على إبراهيم واستحيا مما قال إذ رأى غير ما قال فقالا له يا إبراهيم ادع ربك وأسأله أن يعيد الماء في العين فدعا الله عز وجل فلم يرى شيئا وفاشتد ذلك عليه فقال لهما ادعوا الله فدعا أحدهما: فرجع وهو بالماء في العين ثم دعا الاخر فاقبلت العين فاخبراه أنهما ملكان وأن اعجابه بقيام ليلة رد دعاءه عليه ولم يستجب له"
مسألة: (ثم يقول بسم الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} الآيات إلى قوله: {إِلَاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ويقول اللهم اني أسألك بحق السائلين عليك إلى آخره ويستحب لكل من خرج من بيته إلى الصلاة وغيرها أن يقول ما روي أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلى بالله قيل له هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه شيطان فيلقاه شيطان اخر فيقول مالك برجل قد هدي وكفي ووقي" رواه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا في هذا الوجه وعن أم سلمة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله اللهم انا نعوذ بك من أن نزل أو نضل أو نظلم أو نظلم أو نجهل أو يجهل علينا" هذا لفظ الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وأما الخارج إلى الصلاة خصوصا فقد روي أنه يقول بسم الله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} إلى قوله: {إِلَاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .
والدعاء الاخر رواه فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج الرجل من بيته إلى الصلاة وقال اللهم اني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي أنه لا يغفر الذنوب إلا انت" رواه أحمد وابن ماجة والطبراني.
مسألة: (فان سمع الاقامة لم يسع اليها).
قد تقدمت هذه المسألة:
مسألة: (إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة).
وجملة ذلك أنه إذا شرع المؤذن في الاقامة فلا يشتغل عن المكتوبة بتطوع سواء خشي أن تفوته مع الامام الركعة أو لم يخش وسواء كان التطوع سنة راتبة أو غير راتبة وسواء في ذلك ركعتا الفجر وغيرهما وسواء كان يريد أن يصلي التطوع في بيته أو في المسجد إلا أن يكون يريد أن يصلي في مسجد اخر أو جماعة اخرى حيث يشرع ذلك وصرح بعض أصحابنا بان ذلك لا يجوز فإن خالف وصلى ففي انعقاد صلاته وجهان وذلك لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" رواه الجماعة إلا البخاري وفي رواية لاحمد إذا اقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي اقيمت وعن عبد الله بن بحينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وقد اقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لاث به الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آلصبح
اربعا آلصبح اربعا" متفق عليه وعن عبد الله بن سرجس قال دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا فلان أي الصلاتين اعتددت ابصلاتك وحدك أو صلاتك معنا" رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال اقيمت صلاة الصبح وفقام رجل يصلي الركعتين فجذب النبي صلى الله عليه وسلم بثوبه وقال: "اتصلي الصبح اربعا" رواه أحمد وذلك لأن المؤذن إذا أخذ في الاقامة فقد وجب الدخول في الصلاة معه ولأن الجماعة واجبة فلا يجوز أن يشتغل عن ذلك بما هو دونه لأنه من اخذه في الإقامة تعين وقت فعل الصلاة لأن الوقت الذي تفعل فيه الصلاة من وقتها المحدود شرعا الذي اجيزت فيه الصلاة ليس هو مؤقتا من جهة الشارع وإنما هو مفوض إلى الامام فهو الذي يعين الوقت الذي يصلي فيه الناس بتعيينه وتقدر صلاة المامومين بتقديره ولهذا كان الامام املك بالإقامة فإذا اقيمت الصلاة فقد دخل الوقت الذي عينه الامام وهو وقت مضيق لأنه حين فعل الصلاة لا يمكن الاشتغال بعبادة اخرى فأيما
صلاة صليت بعد الاقامة كانت كأنها هي الصلاة المأمور بها المشروعة حينئذ لأن ذلك الوقت لا يتسع لغير ما أمر به فمن صلى بعد ذلك غير المكتوبة فكانه زاد في المكتوبة أو صلاها مرتين ولهذا والله أعلم أشار صلى الله عليه وسلم بقوله آلصبح اربعا وبقوله باي صلاة اعتددت بصلاتك وحدك أو بصلاتك معنا إذ لا صلاة بعد الاقامة إلا ما دعي إليه بالاقامة وأيضا فإن السنن يمكن أن تفعل بعد الفريضة قضاء وما يفوته من إدراك حد الصلاة وما يفوته من الصلاة خلف الامام ولو بعد ركعة جماعة لا يستدرك بالقضاء فكانت المحافظة على ما لا يستدرك أولى من المحافظة على ما يمكن استدراكه.
ولأن ما يدركه من تكبيرة الافتتاح والتامين والركوع أفضل من جميع التطوعات لما ورد في فضل من ادرك حد الصلاة ومن ادرك التامين مع الامام ولأن الاشتغال بأجابة المؤذن أولى من الاشتغال بالنافلة على ما تقدم لكون ذلك وقت الأجابة فلان يكون الاشتغال بما دعي إليه أولى من النافلة بطريق الأولى.
فان كان قد شرع في النافلة واقيمت الصلاة اتمها أن رجى اتمامها وادراك الجماعة وأن خشي إذا اتمها أن تفوته الجماعة قطعها في احدى الروايتين لأن الفرائض اهم فإن الجماعة واجبة واتمام النافلة ليس واجبا في المشهور.
وفي الأخرى يتمها لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} .
لكن أن علم أن الصلاة تقام قريبا فهل ينبغي أن يشرع في نافلة ينبغي أن يقال أنه لا يستحب أن يشرع في نافلة يغلب على ظنه أن حد الصلاة يفوته بسببها بل يكون تركها لادراك أول الصلاة مع الامام وأجابة المؤذن هو المشروع بما تقدم من أن رعاية جانب المكتوبة بحدودها أولى من سنة يمكن قضاؤها أو لا يمكن.
مسألة: (وإذا اتى المسجد قدم رجله اليمنى في الدخول وقال بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي وافتح لي ابواب رحمتك وإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال ذلك إلا أنه يقول وافتح لي ابواب فضلك).
اما تقديم اليمنى فلما ذكره البخاري عن ابن عمر أنه: "كان يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج بدأ برجله اليسرى" ولأن ما اشتركت فيه اليدان أو الرجلان وكان من باب الكرامة قدمت فيه اليمنى وأن كان خلاف ذلك قدمت فيه اليسرى.
ولهذا يقدم في الانتعال اليمنى وفي الخلع اليسى كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقدم في دخول الخلاء اليسرى دخولا واليمنى خروجا كما تقدم.
فان كان خلع نعله على باب المسجد بحيث يخلع النعل ويدخل قدمه فينبغي أن يقال هنا أنه يخلع اليسرى ويضعها على النعل ثم يخلع اليمنى ويضعها على النعل كذلك ثم يدخل اليمنى ثم يدخل اليسرى ليكون مؤخرا لليمنى في الخلع مقدما لها في الدخول.
وأما الذكر فلما روت فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب رحمتك وإذا خرج قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب فضلك" رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال فيه صلى على محمد وسلم بدل قوله: "بسم الله والسلام على رسول الله" وقال حديث حسن وليس اسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسن لم تدرك فاطمة الكبرى إنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم اشهرا وقد روي هذا الحديث من وجوه متعددة بهذا الاسناد واتفقت جميعها على أنه كان يقول إذا دخل: "اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب رحمتك".
وإذا خرج يقول مثل ذلك إلا أنه يقول ابواب فضلك" رواه أحمد والنسائي ورواه مسلم وأبو داود وقالا عن ابن حميد أو أبي اسيد ورواه ابن ماجة وقال عن أبي حميد ورواه الطبراني وقال في أوله:
فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره وافتح لي ابواب فضلك وقد روى عبد الرزاق في تفسيره بإسناد صحيح عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} قال إذا دخلت المسجد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
فصل.
ولا يجلس إذا دخل المسجد حتى يصلي ركعتين لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين" رواه الجماعة إلا النسائي
فصل.
ويستحب إذا جلس لانتظار الصلاة أن يجلس مستقبلا القبلة لأن
خير المجالس ما استقبل به القبلة ولأن العبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة ومن سنة المصلي أن يكون مستقبل القبلة قال القاضي ويكره الاستناد إلى القبلة وقد نص أحمد على أنه مكروه قبل صلاة الغداة قال أحمد ابن احرم رأيت أبا عبد الله دخل المسجد لصلاة الصبح فإذا رجل مسند ظهره إلى القبلة ووجه إلى غير القبلة قبل صلاة الغداة فأمره أن يتحول إلى القبلة وقال هذا مكروه وذلك لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه رأى رجالا قد اسندوا ظهورهم بين إذان الفجر والإقامة إلى القبلة فقال عبد الله: "لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتهم" وفي لفظ: "تحولوا عن القبلة لا تحولوا بين الملائكة وبينها فإن هذه الركعتين تطوع" وقال إبراهيم: "كانوا يكرهون أن يتساندوا إلى القبلة قبل صلاة الفجر" رواهن النجاد وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "نهى أن تستدبر القبلة في مواقيت الصلاة" رواه أبو حفص ولأن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن التشبيك في المسجد وعلله بأن العبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة" فكره لمن ينتظر الصلاة ما يكره للمصلي إلا ما تدعو إليه الحاجة ولأنه في مواقيت الصلاة يدخل الناس إلى المسجد ففي استدبار القبلة استقبال للمصلي من الملائكة وذلك مكروه كراهية شديدة وإلى هذا المعنى أومأ عبد الله بن مسعود.
ويستحب أن يتقدم في أوقات الصلوات إلى مقدم المسجد لأن السنة أن يكمل الصف الأول فالأول ولا بأس في ذلك في كل وقت.
فأما وقت السحر فقد روي عن أبي النعمان قال: "حججت في خلافة عمر رضي الله عنه فقدمت المدينة فدخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فتقدمت إلى مقدم المسجد اصلي إذ دخل عمر رضي الله عنه فرآني فاخذ برأسي وجعل يضرب به الحائط ويقول ألم أنهكم أن تقدموا في مقدم المسجد بالسحر أن له عوامر" وعن عبد الله بن عامر قال: "دخل حابس بن سعد الطائي المسجد من السحر وكانت له صحبة فإذا أناس في صدر المسجد يصلون فقال أرعبوهم فمن أرعبهم فقد أطاع الله ورسوله" قال جرير بن عثمان: "كنا نسمع أن الملائكة تكون قبل الصبح في الصف الأول" رواهما جعفر الفريابي قال القاضي وهذا يدل على كراهة التقدم في صدر المسجد وقت السحر.