الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة:
(الشرط السادس: النية
للصلاة بعينها).
النية لها ركنان.
أحدهما: أن ينوي العبادة والعمل.
والثاني: أن ينوي المعبود المعمول له فهو المقصود بذلك العمل والمراد به الذي عمل العمل من اجله كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" فميز صلى الله عليه وسلم بين من كان عمله لله ومن كان عمله لمال أو نكاح والذي يجب أن يكون العمل له هو الله سبحانه وحده لا شريك له فإن هذه النية فرض في جميع العبادات بل هذه النية أصل جميع الاعمال ومنزلتها منها منزلة القلب من البدن ولا بد في جميع العبادات أن تكون خالصة لله سبحانه كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ إلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} .
وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أن أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} وقال
تعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} وقال تعالى: {إِلَاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} وقال سبحانه: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقال: {إِلَاّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} في عدة مواضع وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} وهذه الآيات كما دلت على فرض العبادة ففرضت العبادة وأن تكون لله خالصة وهذه حقيقة الاسلام وما في القران من قوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالآنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} وقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إلى غير ذلك من الآيات كلها تدل على هذا الأصل بل جماع مقصود الكتاب والرسالة هو هذا وهو معنى قول لا اله إلا الله وهو دين الله الذي بعث به جميع المرسلين.
وضد هذه النية الرياء والسمعة وهو ارادة أن يرى الناس عمله وأن يسمعوا ذكره وهؤلاء الذين ذمهم الله تعالى في قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} وقال: {وَإِذَا قَامُوا إلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ} ومن صلى بهذه النية فعمله باطل يجعله الله هباء منثورا وكذلك من ادى شيئا من الفرائض.
والكلام في هذه النية وتفاصيلها لا يختص بعبادة دون عبادة إذ الفعل بدون هذه النية ليس عبادة اصلا.
الركن الثاني: أن ينوي ما تتميز به عبادة عن عبادة فينوي الصلاة لتتميز عن سائر اجناس العبادات وينوي صلاة الظهر مثلا لتتميز عن صلوات سائر الاوقات وهكذا في كل ما يميز تلك العبادة من غيرها سواء كانت مفروضة أم مستحبة وهذه النية هي التي يتكلم عليها في هذه المواضع إذ الكلام هنا في فروع الدين وشرائعه وتلك النية متعلقة باصل الدين وجماعه والفقه في شرائع الدين وفروعه إنما هو بعد تحقيق اصوله إذ الفروع كمال الأصول واتمامها.
إذا تبين هذا فيجب على المصلي أن ينوي الفعل وهو الصلاة ليتميز قيامه عن قام العادة وكذلك سائر افعاله.
ويجب أن يعين الصلاة مثل أن ينوي صلاة الظهر أو العصر أن كانت ظهرا أو عصرا ونحو ذلك هذا ظاهر المذهب.
وعنه ما يدل على أنه يكفيه نية مطلقة إذا تعذر تعيين الصلاة وأمكن الاكتفاء بنية مطلقة بان ينوي فرض الوقت أو تكون عليه فائتة رباعية أما الظهر وأما العصر ينوي الواجب عليه كما قلنا في الزكاة.
والأول المذهب لأن مقصود كل صلاة واسمها ووقتها يخالف الأخرى فلا بد من تمييزها بالنية.
ولهذا لو كانت عليه فوائت فصلى رباعية ينويها عما عليه لم يجزه اجماعا ولو كانت عليه شياه عن ذود وغنم أو صيعان من طعام من صدقة فطر وعشر فاخرج شاة أو صاعا مما عليه أجزاه لأن الواجب ثم لم يختلف اسمه ولا مقصوده وإنما اختلف سبب وجوبه فإن مواقيت الصلاة حدود للصلوات صارت صفات لها فالعبادة المفعولة على غير ذلك الحد والصفة لا تسد مسدها معها كالبعير بالنسبة إلى البقرة ولهذا كانت الصلوات الخمس لا بد أن تخالف كل صلاة الأخرى في بعض واجباتها أو في بعض مستحباتها كما خالفتها في الوقت.
فصل.
وهل يجب عليه في المكتوبة أنها فرض على وجهين.
أحدهما: يجب عليه قاله ابن حامد لأن الظهر قد تكون نفلا كظهر الصبي والظهر المعادة وكما لو صلى الظهر اولا تطوعا قبل أن يصلي
المكتوبة.
والثاني: لا يجب وهو قول الأكثرين لأن الظهر المطلق ممن في ذمته ظهر لا يقع إلا فرضا فإذا نوى الظهر واطلق لم تكن إلا فرضا كما أن الزكاة المطلقة لما لم تقع إلا فرضا لم يجب أن ينوي الفرض وكذلك الوضوء من الحدث وغسل الميت وغسل الجنابة وأن كان مع التقييد قد تكون الزكاة نافلة كما يقال زكاة الحلي عاريته وكما قال صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة اوسق صدقة إلا أن يشاء ربها" وكما قد يستحب له إخراج الزكاة في مواضع تذكر أن شاء الله تعالى في مواضعها.
وسبب ذلك أن نية صفات العبادة تندرج في نية العبادة فإذا نوى الظهر اندرج في ذلك أربع ركعات وانها واجبة ونحو ذلك إذا كانت تلك العبادة لا تقع إلا على تلك الصفة أو تنصرف عند الاطلاق إلى تلك الصفة وعلل القاضي وغيره من أصحابنا ذلك بان الظهر الأولى من المكلف لا تقع إلا فرضا فلم يحتمل الفعل وجهين لتميز النية بينهما إلا أن هذا يشكل بمن نوى ظهرا تطوعا قبل المكتوبة كما حملوا عليه حديث معاذ بن جبل فانهم قالوا كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم تطوعا ثم يصلي بقومه المكتوبة وهذا جائز بل مستحب إذا كان لغرض صحيح مثل أن
يكون امام مسجد راتب فتقام الصلاة اولا في غير مسجده فيصلي الظهر معهم والتعليل بالاطلاق اجود.
فأما نية الوجوب في ابعاض الصلاة مثل أن ينوي وجوب قراءة الفاتحة ووجوب الركوع والسجود ونحو ذلك فلا يجب بل يكفي أن ياتي بالواجبات مع اعتقاد وجوب الصلاة في الجملة هكذا ذكره أصحابنا لأن تمييز الواجبات من غيرها إنما يدرك بالظن في كثير من المواضع وفيه من الخلاف والاشتباه ما لا خفاء به فلو كانت هذه النية واجبة لكان لا يصلي أحد صلاة متيقنة الصحة ولا صلاة مجمعا على صحتها ولأن ذلك لو كان واجبا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا قاطعا للعذر كما بين لهم وجوب الصلوات الخمس دون غيرها فلما لم يكن ذلك علم أن هذا ليس واجبا.
فصل.
وهل يحتاج أن ينوي في الحاضرة أنها الحاضرة أو المؤداة أو فرض الوقت وينوي في الفائتة أنها الفائتة أو المقضية أو فرض الوقت الفائت على ثلاثة أوجه.
أحدها: يجب عليه لأن احكام الفائتة تخالف احكام الحاضرة فإنها واجبة في وقت محدود يقتل بتركها ويحرم تأخيرها عن وقتها اجماعا ويشرع لها من الآذان والاجتماع وغير ذلك ما لا يشرع للفائتة وبنى
القاضي هذا الوجه على قول من لا يجيز ائتمام المؤدي بالقاضي فعلى هذا لو كان عليه ظهران فائتة وحاضرة فصلى ظهرا مطلقة لم تجزه عن واحدة منهما وأن لم يكن عليه إلا ظهرا فائتة أو حاضرة وصلى ظهرا لم يخطر بقلبه هل هي صلاة الوقت الحاضرة أو صلاة الوقت الفائتة لم يجزه.
والثاني: لا يجب ذلك بناء على أنهما صلاتان من جنس واحد ولهذا جوز اقتداء المؤدي بالقاضي من لم يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل ولأن حاصل ذلك يرجع إلى تعيين الوقت وهو غير واجب لأنه لو كان عليه فائتة لم يحتج أن ينوي يومها اتفاقا وكذلك لو كان عليه فائتتان من جنس كفاه أن يصلي إحداهما: ينوي أنها السابقة وأن لم يعين يومها فعلى هذا يجزئه في الصورة الثانية ويجزئه في الصورة الأولى ويقع عن الفائتة إذا كان ذاكرا لها لأن فعلها قبل الحاضرة واجب إلا أن يكون الوقت قد ضاق فيقع عن الحاضرة.
والوجه الثالث: تعتبر النية للفائتة دون الحاضرة لأن وقت الحاضرة يوجب انصراف النية إليها وأن جاز أن يفعل غيرها بخلاف الفائتة.
فأما أن نوى ظهر يومه معتقدا بقاء الوقت فتبين فواته أو معتقدا فواته فتبين بقاؤه أو غير معتقد شيئا ناويا ظهر يومه من غير أن يخطر بقلبه وصف القضاء أو الاداء أجزاه قولا واحدا وكذلك لو نوى الظهر التي عليه قبل اليوم في الفائتة وشبه ذلك لأنه قد عين الصلاة التي وجبت عليه في وجه
لا تشتبه بغيرها وذلك كاف فإن نية القضاء والاداء تلزم ذلك وكل صفة لازمة لما نواه لا يجب أن ينويها.
ولهذا قلنا لا يجب أن ينوي كونها أربع ركعات إذا كانت حاضرة ولا أن ينوي وصف الاداء إذا قصد فعلها في وقتها ولا أن ينوي وصف القضاء إذا قصد فعلها بعد خروج وقتها قولا واحدا لأن ذلك تابع لازم لما نواه.
ولو كان عليه ظهران فائتة وحاضرة فصلاهما ثم ذكر أنه ترك شرطا من إحداهما: لا يعلم عينها اجزاته صلاة واحدة ينوي بها ما عليه على الوجه الثاني: وعلى الأول والثالث: تلزمه صلاتان.
ولو كانتا فائتتين اجزاته صلاة واحدة قولا واحدا.
وعلى الاقوال الثلاثة إذا نوى صلاة بعينها اداء أو قضاء لم تجزه عن غيرها مثل أن ينوي ظهرا حاضرا وتكون عليه فائتة فإنه لا يجزئه عن الفائتة أو ينوي ظهر امس يعتقد أنها عليه ثم تبين أنها ليست عليه فإنها لا تجزئه ظهر اليوم سواء كانت فائتة أو حاضرة.
ومن أصحابنا من خرج وجها بالاجزاء الغاء لوصف التعيين كما الغينا وصف القضاء والاداء عند الاشتباه لأنهما من جنس واحد وهذا ضعيف لأن هذا نوى الصلاة لم تكن عليه فكيف تجزئه عما هو عليه خلاف وصف القضاء والاداء فإنه لا يخل بعين المكتوبة ولأنه لم يقصد
امتثال الأمر فيما يحكيه فيبقى في عهدته ولأنه لا يلزم من انصراف النية إليه عند الاطلاق انصرافها إليه إذا نوى غيرها كنية الفريضة ولأنه لو اخرج زكاة ماله الغائب فبان تالفا لم يجزه عن الحاضر ولو كفر عن يمين عينه بنيته ثم بان أنه لم يحنث لم يجزه عن يمين اخرى إذا كان الواجب عليه كفارتين ففي الصلاة أولى ولو كان عليه فائدتان من جنس فنوى إحداهما: لا بعينها أجزاه في أحد الوجهين لاتحاد الجنس كالزكوات والكفارات وهذا اختيار الآمدي وغيره.
وفي الاخر لا تجزئه حتى ينوي الأولى منهما لأن الترتيب شرط وهو قادر عليه.
فصل.
ولا يستحب أن يقصد في نيته أو لفظه نية اليوم الذي يصلي فيه ولا استقبال القبلة ذكره الآمدي وكذلك نية العدد أن كان مقيما أو مسافرا لأن هذا من شرط صحة الصلاة فلو شرع ذكره لشرع ذكر جميع الشرائط والأركان ولان المصلي وأن كان ينقسم إلى مستقبل وغيره كالخائف ونحوه والصلاة وأن كانت تنقسم إلى رباعية كصلاة المقيم وثنائية كصلاة المسافر فإن
الحالة التي هو عليها تميز بين الواجب عليه وغيره وتميز بين الواقع وغيره.
فصل.
والمنذورة كالمكتوبة في افتقارها إلى التعيين وإلى نية القضاء والاداء أن كانت كذلك عند من يقول به.
فأما التطوع فإن كان مقيدا لوقت أو سبب كالسنن الرواتب والضحى وصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح فإنه يفتقر إلى التعيين وإلى نية القضاء أو الاداء عند من يقول به وكذلك تفتقر صلاة العيد والجنازة إلى نية الفرض على الكفاية عند من يقول باشتراط نية الفرضية فيما ذكره بعد أصحابنا.
مسألة: (ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها).
لا نعلم خلافا في المذهب أنه يجوز أن تتقدم النية على التكبير ويكفي استصحاب حكمها لأن التكبير جزء من اجزاء الصلاة فجاز أن تكون النية مستصحبة فيه حكما وأن لم تكن مذكورة كسائر اجزاء الصلاة ولأن ايجاب مقارنة النية للتكبير يعسر ويشق على كثير من الناس ويفتح باب الوسواس المخرج لهم عن الصلاة إلى العبث واللغو من القول.
ولأن المقصود بالنية تمييز عمل عن عمل وهذا يحصل بالنية المقترنة والمتقدمة ولأن المعروف من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم كانوا يكبرون بيسر وسهولة من غير تعمق وتكلف وتعسير وتصعيب ولو كانت المقرانة واجبة لاحتاجوا إلى ذلك ولأن المصلي يحتاج أن ينوي الصلاة وعينها ووقتها وكونها فرضا عند من يقول بذلك وحضور هذه الارادات فيي قلبه لا يكون إلا في زمن فإن أراد احضار هذه الارادات في قلبه عند أول حرف من التكبير لم يمكن ذلك وأن بسط هذه الارادات على حروف التكبير خلى أول التكبير عن تمام النية الواجبة ولم يقارن اخره لبعض النية فعلم أن مقارنة النية المعتبرة للتكبير أو لبعض اجزائه محال وإنما الممكن ايقاع التكبير عقب النية المعتبرة فعلم أن الموجود حال التكبير حكم النية المعتبر ذكرها وإذا كان حكمها كافيا فلا فرق فيه بين التقدم والتأخر ولأن التكبير كلام له معنى فلا بد أن يتدبره ويتصوره ويفهمه لأنه لم يتعبد بلفظ
لا يتدبر معناه بل أكثر المقصود فهمه وتصوره وذلك إنما يكون حال النطق باللسان فلو كلف أن يحضر بقلبه ارادة تلك الامور حينئذ لم يمكن ذلك فعلم أنه حين التكلم إنما يستحضر معنى التكبير ونحوه من الاقوال وأن النية المعتبرة لذلك القول لا بد أن تسبقه سواء كان بينهما فعل أو لم يكن.
إذا تبين ذلك فقال كثير من أصحابنا إنما يجوز تقديمها بالزمن اليسير لأن ذلك هو الذي تدعو الحاجة إليه ولأن النية مرتبطة بالمنوي ارتباط القبول بالايجاب وارتباط ما يوصل بالكلام من الاستثناء ونحوه به فلا بد أن يتقارب ما بينهما من الزمن لأن طول الفصل يقطع الارتباط.
وقال الخرقي وأن تقدمت النية قبل التكبير وبعد دخول الوقت ما لم يفسخها أجزاه وهذا كالنص في جواز التقديم بعد دخول الوقت وحمل القاضي وغيره ذلك على التقديم بالزمن اليسير.
والصواب اقراره على ظاهره وقد صرح أبو الحسن الآمدي بمثل ذلك فقال يجوز تقديم النية على الصلاة بالزمن الكثير كما يجوز بالزمن اليسير ما لم يفسخها لأنه إذا لم يفسخها لا يزال له فسخها فهو مستصحب بحكمها.
والمنصوص عن أحمد يشبه ذلك فإنه سئل عن الذي يخرج من بيته يوم الجمعة ينوي قال خروجه من بيته نية وقال إذا خرج الرجل من بيته
فهو نيته افتراه كبر وهو لا ينوي الصلاة.
ووجه ذلك أنها عبادة مؤقتة فجاز تقديمها في أول الوقت المضاف إليها كالصوم واولى لأن الصلاة تجب باول وقتها والصوم إذا غربت الشمس فإنما تدخل الليلة المضافة إلى اليوم ولأنه إذا نوى من حين الوجوب فقد قصد امتثال الأمر بعد توجهه إليه ولم يفسخ هذا القصد فكان قصدا صحيحا كالمقارن ولأن من اصلنا أن ما يتقدم العقود من الشروط والصفات فإن العقد يقع على موجبه ما لم يفسخه المتعاقد أن فكذلك ما يتقدم عقود العبادات واولى فإنه إذا لم يكن فرق بين الشرط المقترن بالعقد والمتقدم عليه بزمن طويل أو قصير إذا لم يفسخ ذلك الشرط فكذلك لا فرق بين القصد المقترن بفعل العبادة والمتقدم عليها لأن بقاء القصد هنا ثابت بلاريب وهناك بقاء الحكم المشروط قد يرجع عنه أحد المتعاقدين لأن حكم الارادات المعتقدة لا يزول إلا بفسخ تلك الاعقادات بل يترتب عليها الثواب والعقاب في كل وقت كما أن حكم المعلوم المعتقد كذلك ولذلك يوصف الرجل بالاعتقاد للعلم والاعتقاد للعمل حتى يقال هو محب ومبغض وعالم ونحو ذلك مع غروب هذه الأشياء عن قلبه إذا لم ينفسخ وإذا لم يزل حكمها فيجب اعتباره.
فصل.
قال القاضي وغيره ويستحب أن تقارن النية التكبير ذكرا إلى آخر جزء
منه بان ينوي قبل التكبير ما يريده من الصلاة ويديم استحضار ذلك في قلبه إلى اخر التكبير ليخرج بذلك من الاختلاف ولأنه يستحب له اصطحاب ذكر النية إلى اخر الصلاة فاصطحابه إلى اخر التكبير أولى وليس لهذا أصل في كلام أحمد وأكثر أصحابه وكلام بعضهم يدل على أنه إنما يستحب له اصطحاب ذكر النية إلى حين التكبير وهذا هو المقارنة المستحبة على هذا القول لأنه بعد ذلك ينبغي أن يشتغل بالتكبير وتدبره وفي ذلك شغل عن غيره وكذلك اصطحاب ذكر النية المعتبرة في جميع الصلاة لا يؤمر به على هذا لأن الصلاة فيها ذكر مشروع في جميعها من قراءة وتكبير وتسبيح ودعاء وغير ذلك ففي تدبره شغل عن تصور غيره ولانا قد بينا أن استحضار النية حين النطق بالتكبير بغيره من الاذكار متعذر أو متعسر فيجب تقديم استحضار معنى التكبير لثلاثة أوجه.
أحدها: أنه هو المقصود وإنما النية وسيلة اليه.
الثاني: أن استحضار معناه لا يتقدم النطق به ولا يتأخر عنه فإن معنى اللفظ مقارن له بخلاف النية فإن تقدمها واجب لأن ارادة القول والفعل لا بد أن تسبق المراد.
الثالث: أن الكلام إذا لم يتصور معناه ولم يتدبره كان لفظا بلا معنى وذلك تشبيه له بالمهمل وإخراج له عن حقيقته حتى يصير كجسد لا روح فيه وأما النية فإن استحضارها عند ارادة التكبير كاف وهذا الكلام إنما يرد إذا كانت العبادة قولا من الاقوال كالتكبير فأما إذا كانت فعلا كالوضوء والغسل فإن استدامة ذكر النية في أول جزء من الفعل سهل متيسر لأن استحضار النية لا يشغل عن الفعل وقد يقوى القلب عن استحضار النية
مع استحضار معنى القول في حالة واحدة لكن هذا يكون في قليل من الناس.
فإن قيل فقد قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وهذا يقتضي وجود الاخلاص حين العبادة لأن الحال في الأمر يجب أن تكون مقارنة للفعل العامل فيها.
قلنا اولا هذا في نية الاخلاص لا في نية العمل المييزة له عن غيره وهما نيتان كما تقدم لأن هذه حقيقة المقصود وتلك تكملة له.
وثانيا أن النية المستصحبة حكما نية صحيحة وبها يكون الإنسان مخلصا وناويا بدليل الإجماع على جواز الذهول عن ذكر النية في اثناء الصلاة.
فصل.
ومحل النية القلب فلو تلفظ بخلاف ما نواه فالاعتبار بما نواه لا بما لفظ به لأن الفظ النية ليس من الصلاة.
وان لفظ بما نواه فقال القاضي وخلائق من أصحابنا هو اوكد وافضل ليجمع بين القلب واللسان وقال ابن عقيل أن كان ممن يعتريه الوسواس ولا تحصل له نية بقلبه إلا أن يستنهضها بلسانه فعل ذلك
لأن عليه تحصيل العقد باي شيء يحصل له كما يجب عليه تحصيل الماء بالشراء والسعي إليه إذا بعد واستعاره إذا كان في قعر بئر وغير ذلك من التسبب إلى العبادات وقد قال أحمد في رواية أبو داود وسأله هو قبل التكبير تقول شيئا قال لا وحمله بعض أصحابنا على أنه ليس قبل التكبير ذكر مشروع وكلام أحمد عام في الذكر واللفظ بالنية وذلك لأن النية محض عمل القلب فلم يشرع اظهارها باللسان لقوله سبحانه: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وفاعل ذلك يعلم الله بدينه الذي في قلبه ولهذا قال العلماء في قوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} لم يقولوه بالسنتهم وإنما علمه الله من قلوبهم ولهذا لم يستحبوا أن يتلفظ بنية الاخلاص.
ولأن التلفظ بذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن أحد من التابعين لهم باحسان ومعلوم أن ذلك لو كان مستحبا لفعلوه وعلموه وامروا به ولو كان ذلك لنقل كما نقل سائر الاذكار وإذا لم يكن كذلك كان من محدثات الامور ولأن النية مشروعة في جميع الواجبات والمستحبات
بل يستحب أن تكون جميع حركات العبد وسكناته بنية صالحة فلو كان اللفظ بها مستحبا لاستحب لمن يشيع جنازة أن يقول اتبعها ايمانا واحتسابا ولمن جاهد في سبيل الله أن يقول نويت بجهادي أن تكون كلمة الله هي العليا وإذا انفق نفقة أن يقول ابتغي بهذه النفقة وجه الله إلى سائر الاعمال ومعلوم يقينا أن النبي صلى الله عليه وسلم والسابقين والتابعين لم يكونوا يتكلمون بهذه النيات مع وجودها في قلوبهم ولأن حصول النية في القلب أمر ضروري للفعل حتى لو أراد أن يفعله بلا نية لم يمكن.
وإذا حضرت النية فلو عبر عنها بما يدل على خلافها لم يؤثر ذلك لأنها مما يعرض للقلب بمنزلة الفرح والحزن والحب والبغض والرضى والسخط والشهوة والنفرة ومعلوم أن قصد تحقيق هذه الأشياء بالتعبير عنها قبيح ولأن ذلك تكثير لكلام لا أصل له وفتح لباب اللغو من القول فكان حسمه أولى والقول في الطهارة والصيام مثل هذا.
فإن قيل قد استحببتم أن يتكلم بما ينوي في الحج وقد نص أحمد على ذلك وروي عن جماعة من السلف.
قلنا الفرق بينهما من ثلاثة أوجه.
أحدهما: أن التكلم في الحج ماثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ومأثور عن الصحابة والتابعين قبل التلبية وفي اثناء التلبية.
الثاني أن الحج ليس في اوله ذكر واجب عند أصحابنا ولا له حد من الافعال الظاهرة يدخل به فيه فاستحب أن يتكلم بالنية ليبين أول الاحرام.
الثالث: أن أكثر الناس لا يعلمون ما يقصدون بالاحرام حتى يتكلموا به بخلاف الصلاة والصوم فإن المقصود معلوم لهم والنية تتبع العلم وبكل
حال فلا يستحب الجهر بشيء من اللفظ بالنية بل يكره الجهر به في الامام والمأموم كدعاء الاستفتاح وتسبيح الركوع والسجود واولى.
فصل.
إذا قطع النية في الصلاة بطلت لفوات اصطحاب النية لأن جزءا من الصلاة خلا عن النية فلم يصح بدون النية ومتى بطل بعضها بطل جميعها ولأنه شرط من شرائط الصلاة فوجب استدانته إلى اخر الصلاة كالاستقبال والسترة.
وان عزم أن يقطعها فيما بعد أو تردد هل يقطعها أم لا ففيه ثلاثة أوجه.
أحدها: أنها تبطل قاله القاضي وغيره لأن الواجب عليه استدامة النية ولم يستدمها فاشبه ما لو احرم بالنية قبل الاحرام ثم تردد حين الاحرام أو نوى حينئذ سيقطعها ولأن القياس كان يقتضي استدامة ذكر النية وإنما سقط لمشقته ولا مشقة في الامساك عن التردد.
والثاني: لا تبطل قاله ابن حامد لأن في حديث ابن مسعود قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال حتى هممت بأمر شر قيل له: وما
هممت به قال هممت أن اجلس وادعه" متفق عليه.
وعن أنس: "أن ابا بكر كان يصلي بهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة لينظر الينا وهو قائم فكأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم فضحك فههمنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة فاشار الينا النبي صلى الله عليه وسلم أن اتموا صلاتكم وارخى الستر" متفق عليه ولأن المبطل إنما افسد النية وهذا لم يوجد وإنما تردد في فعله أو عزم عليه فاشبه ما لو نوى أن يتكلم فإنه لو نوى أن يفعل ما يبطل الصلاة غير قاصد لابطالها لم تبطل بلا تردد.
والثالث: يبطل بالعزم على قطعها دون التردد في قطعها لأن التردد لا يقطع نية جازمة بخلاف العزم الجازم.
فصل.
وان شك في اثناء الصلاة هل نوى أم لا أو شك هل كبر للافتتاح ابتدا الصلاة لأن الأصل عدم ما شك فيه فإن ذكر أنه كان نوى أو كبر قبل أن يقطعها بنيته أو ياخذ في عمل منها بنى على ما مضى لأنه لم يوجد مبطل فإن الشك وحده غير مبطل كما لو شك هل صلى ركعة ثم ذكر أنه
كان صلاها وأن ذكر بعد أن فعل شيئا منها فقال ابن حامد يبني أيضا وهو الذي ذكره القاضي في المجلد والجامع الكبير لأن الشك لا يزيل حكم النية كما لو لم يحدث عملا وذلك لأن كل جزء من اجزاء الصلاة يجب فيه اصطحاب النية ومع هذا فلو شك وبقي ساعة يفكر ثم ذكر بنى على صلاته ولو كان ذلك الجزء في حكم غير المنوي لم تصح الصلاة فكذلك العمل.
وحكي عن القاضي أن ذلك يبطل لأن هذا العمل من الصلاة فإذا خلا عن النية لم تصح ومتى بطلت بعضها بطل جميعها ولأن عليه أن يفعل شيئا من الصلاة حال الشك فمتى خالف وفعل لم تصح صلاته وأن كان مصيبا في الباطن كما في نظائره.
وقال جدي أبو البركات ما فعل مع الشك كما فعل بغير نية فلا يعتد به ويكون زيادة في الصلاة فإذا كان مما لا تبطل الصلاة زيادته كالقراءة والتسبيح فله أن يبني على ما قبله وأن كان مما يبطل الصلاة زيادته كالركوع والسجود بطلت به.
وإذا شك هل احرم بنفل أو فرض اتمها نفلا إلى أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملا وأن ذكره بعد عمل أخذ فيه فعلى الوجهين.
وان شك هل احرم بظهر أو عصر فهل هو كما لو شك في أصل النية أو في نية الفرض على الوجهين.