الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صور من المخطوطة
غلاف المخطوطة
الصفحتان الأخيرتان من المخطوطة
وفي ختام هذه المقدمة
أحمد اللهَ - جل وعلا - وأشكرُه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، على أن يسَّر لي تحقيقَ هذا الكتاب، والعناية به.
ثُمَّ أشكر أخي الفاضل الشيخ: حسان بن إبراهيم الرديعان، الذي أفادني بهذه المخطوطة، وخصَّني بها؛ لإخراجها وتحقيقها.
وكذا أخي الفاضل: ثامر بن عبدالله بن عبدالرحمن المديهش؛ على مقابلته جزءاً من المنسوخ على المخطوطة.
جزاهما الله عني خير الجزاء وأوفاه.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه:
إبراهيم بن عبدالله بن عبدالرحمن بن حمود بن محمد المديهش
الرياض (10/ 6/ 1433 هـ)
النص المحقق:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحُمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِميْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ قَامَتْ بِهِ مَعَالِمُ الدِّيْنِ، فَأَشْرَقَتْ عَلَى أَقْوَامٍ وَأَغْرَبَتْ عَنْ آخَرِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ.
أَمَّا بَعْدُ
فَقَدْ بَلَغَ إِليَّ مَكْتُوْبَاً مِنْ بَعْضِ الإِخْوَانِ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ المُخَالِفِيْنَ لَهُمْ؛ أَنْ أَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ الحَقُّ، وَأَنْ أُحِلَّ مُعْضِلَاتِهِ، وَهُوَ ذَا مِنْ كَلَامِهِمْ:
[تَجْوِيْزُ السَّفَرِ إِلَى بِلَادِ المُشْرِكِيْنَ، مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ دِيْنٍ، شِفْ (1) دَلِيْلَكَ فِيْ الْقُرْآنِ:
{وَآخَرُوْنَ يَضْرِبُوْنَ فِيْ الأَرْضِ يَبْتَغُوْنَ مِنْ فَضْلِ الله} وَمِنْ «الْفَتْحِ» (2)، وَمِنْ «ابْنِ كَثِيْرٍ» ، وَمِنْ «الْبُخَارِيِّ» عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسُوْلِ وَالرَّسُوْلَ (3) يُظْهِرُوْنَ دِيْنَهُمْ، بَلْ مِنْ حِيْنَ قَدِمَ الْرَّسُوْلُ المَدِيْنَةَ، هُوَ
(1) من كلام المردود عليه بنصه، وهو من العوام الجهلة. ومعناه: انظر إلى الدليل في القرآن.
(2)
يريد «فتح الباري» لابن حجر.
(3)
كذا! يريد أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه.
وأَصْحَابُهُ إِلَى زَمَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ، يُسَافِرُوْنَ إِلَى بُلْدَانِ المُشْرِكِيْنَ، وَلَمْ يَكُوْنُوْا يُظْهِرُوْنَ دِيْنَهُمْ، مِثْلَ مُسَافِرَتِ أَهْلِ زَمَانِنَا عْقِيْلْ (1)،
بَلْ إِنَّ أُحْسَنَ
(1) المعروفون بِ «عْقِيْلَات» ، وهُمْ قوافِلُ تجَارِيَّةٍ، تُسَافِرُ من «نجد» إلى خَارج الجزيرة: الشام، والعراق، ومصر، وغيرها، و «عقِيْل» نِسْبةً إلى رعايا القوافل التجارية زمن الدويلات العقيلية في الجزيرة العربية، وآخر هذه الدويلات دولة آل أجود الجبرية العقيلية، وكانت تحكم الأحساء، وبعض نجد.
قال أبو العباس القلقشندي (ت 821 هـ) في «قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان» (ص 119 ـ 121):
[بنو عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
قال في «العبر» : وكانت مساكنهم بالبحرين في كثير من قبائل العرب، وكان أعظم قبائل البحرين: بنو عقيل هؤلاء، وبنو تغلب، وبنو سليم، وكان أظهرهم في الكثرة والعزِّ بنو تغلب، ثم اجتمع بنو عقيل وبنو تغلب على سليم وأخرجوهم من البحرين، فسارت إلى مصر، فأقام بها بعض وسار البعض إلى إفريقية من بلاد المغرب.
ثم اختلف بنو عقيل وبنو تغلب بعد مدة، فغلب بنو تغلب على بني عقيل وطردوهم من البحرين، فسار بنو عقيل إلى العراق، وملكوا الكوفة والبلاد الفُراتية، وتغلّبوا على الجزيرة والموصل، وملكوا تلك البلاد، وكان منهم: المقلد، وقريش، وابنه: مسلم، المشهور ذكرهم ووقائعهم في كتب التاريخ، وبقيت المملكة بأيديهم حتى غلبوا عليها الملوك السُّلجوقية، فتحولوا عنها إلى البحرين حيث كانوا أولاً، فوجدوا بني تغلب قد ضعُف أمرهم فغلبوهم على البحرين، وصار الأمر بالبحرين لبني عُقيل. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال ابن سعيد: سألت أهل البحرين في سنة (إحدى وخمسين وستمائة) حين لقيتهم بالمدينة النبوية عن البحرين، فقالوا: المُلك فيها لبني عُقيل، وبنو تغلب من جملة رعاياهم، وبنو عُصفور من بني عقيل هم أصحاب الأحساء دار ملكهم.
ومن بني عقيل هؤلاء: بنو عامر.
قال في «العبر» : وهم: بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر، ولم يزد في رفع نسبهم على هذا.
قال: وهم إخوة بني المنتفق وسكنهم بجهات البصرة.
قال: وقد ملكوا البحرين بعد بني أبي الحسن، وغلبوا عليها تغلب.
قال ابن سعيد: وملكوا أيضاً أرض اليمامة من بني كلاب، وكان ملكهم في نحو الخمسين من المائة السابعة، ملكها منهم عُصفور، وبنوه ......
قال في «مسالك الأبصار» : وتوالت وفادتهم على الأبواب العالية الناصرية ـ يعني الناصر بن قلاوون ـ وأغرقتهم تلك الصدقات بديمها، فاستجلبت النائي منهم. وبرز الأمر السلطاني إلى آل فضل بتسهيل الطرق لوفودهم وقُصادهم، وتأمينهم في الورد والصدر، فانثالت عليه جماعتهم، وأُخلصت له طاعتهم، وآتته أجلاب الخيل والمهارى، وجاءت في أعنتها وأزمتها تتبارى، فكان لا يزال منهم وفود بعد وفود، وكان نزولهم تحت دار الضيافة يسد فضاء تلك الرحاب ويغص بقبائه تلك الهضاب. بخيام مشدودة بخيام، ورجال بين قعود وقيام.
قال: وكانت الإمرة فيهم في أولاد مانع إلى بقية أمرائهم وكبرائهم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ثم قال: ودارهم الأحساء، والقطيف، وملح، وأنطاع، والقرعاء، واللهابة، والجودة، ومتالع.
ومن بني عقيل أيضاً: بنو المنتفق ويقال: بَلْمُنتفق، بفتح الباء الموحدة، وسكون اللام. وهم: بنو المنتفق بن عامر بن عقيل.
قال ابن سعيد: ومنازلهم الآجام والقصب التي بين البصرة والكوفة من العراق.
قال: والإمارة فيهم في بني مَعروف.
قلت (القلقشندي): وقد ذكر ابن فضل الله العمري في «التعريف» : عرب عقيل وبطونها، من عامر، والمنتفق، وغيرهما، مُعَبِّرَاً عنهما بِعَرَبِ البحرين، فقال: وأما عرب البحرين فهم قوم يصلون إلى باب السلطان وصول التجار، يجلبون جياد الخيل وكرام المهارى واللؤلؤ، وأمتعة من أمتعة العراق والهند، ويرجعون بأنواع الحِباء والإنعام والقُماش والسكر وغير ذلك، ويكتب لهم بالمسامحة فيردون ويصدرون.
ثم قال: وبلادهم بلاد زرع وبر وبحر، ولهم متاجر مربحة، وواصلهم إلى الهند لا ينقطع، وبلادهم ما بين العراق والحجاز، ولهم قصور مبنية وآطام عالية، وريف غير متسع، إلى ما لهم من النعم والماشية والحاشية والغاشية، وإنما الكلمة قد صارت شتى لأناس مجتمعة). انتهى من «قلائد الجمان» .
وانظر: «التعريف بالمصطلح الشريف» لابن فضل الله العمري (ص 80)، و «مجلة العرب س 16 /ص 779).
نقل العلامة حمد الجاسر قول ابن فضل الله ـ مختصراً ـ وقال: (ثم استمرَّ اسمُ عقيل يُطلق على التُجَّارِ الذين ساروا على طريقة مَن كانوا من قبيلة «عقيل»، ولو لم يكونوا منها).
وفي القرنين الماضيين كانت أغلب هذه القوافل من «منطقة القصيم» ، و «بريدة» تحديداً. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال العلامة: حمد الجاسر: (كانت مدينة «بريدة» أهم مركز لتجارة الإبل في الجزيرة، ولهذا كانت قوية الصلة بالشام، ومصر؛ وفي أسواق هذين القُطْرَين رواج تلك التجارة بواسطة تجار معروفين من أهل «القصيم» باسم «عقيل»؛ منهم مَن يتولى تصريفها في دمشق، وعمَّان، والقاهرة .... وما كان يضارع تلك المدينة في نشاطها التجاري سوى مدينة «عنيزة» التي كان تجارها على صلة قوية بالبلاد الشرقية: كالبحرين، حتى الهند، وفي البصرة، وبغداد .... ).
وكانتْ آخرُ رِحْلَاتِهِمْ في سَنَةِ (1370 هـ ـ 1951 م)، ثُمَّ أُوْقِفَتْ إثْرَ صُدُوْرِ قَرَارِ «الجامعة العربية» بمنع هذه القوافل.
وانظر أسماء أسر «عقيلات» ، مع أسماء بعض أفرادها من «بريدة» في الكتابين التاليين:
ينظر: [«نجديون وراء الحدود» لعبد العزيز بن عبد الغني إبراهيم، «عقيلات بريدة رجولة وشموخ» لإبراهيم المعارك، و «عصر العقيلات، الجذورالعربية في مصر والشام والعراق، قطوف على هامش قصصهم» د. نواف بن صالح الحليسي، وبحث الشيخ: أبي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري في «العقيلات
…
مناقشة حول نسبهم» طُبِع ضمن كتابِه «مسائل من تاريخ الجزيرة العربية» ، وفيه أيضاً (ص 259) كلام للأديب: سليمان الدّخِيْل صاحب جريدة الرياض الصادرة من بغداد، عن تميز أهل القصيم في العلوم، بسبب تنقلاتهم التجارية، «من سوانح الذكريات» للشيخ: حمد الجاسر (1/ 100)، وللأستاذ: بدر الوهيبي رسالة دكتوراة عن «عقيلات» ، ولهم أخبار منثورة أيضاً في «صفحات مطوية من تاريخنا العربي» لخليل الروَّاف، و «سفينة الصحراء» للشيخ: عبدالعزيز المسند؛ أفادني بهذين الكتابَيْن الشيخُ: محمد بن حمد النّمَيْ ـ جزاه الله خيراً ـ]. =
الْظَّنُّ بِهِمْ، أَظْهَرُوْا دِيْنَهُمْ، وَأَنَّ الْرَّسُوْلَ يَوْمَ يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ، يَوْمَ يَنْفَضُّوْنَ، أَنَّ كَبِيْرَ العِيْرِ أَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرَ، جَايِّيْن (1) مِنْ الشَّامِ، وَهِيَ بِلَادُ شِرْكٍ، وَلَمْ يُظْهِرُوْا دِيْنَهُمْ.
وَمِنْهَا (2): أَنَّ مَنْ حَرَّمَ الْسَّفَرَ إِلَى بِلَادِ المُشْرِكِيْنَ خَوَارِجُ، يُكَفِّرُوْنَ بِالْذُنُوْبِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ عَصَى لَا يُبْغَضُ، إِنَّمَا تُبْغَضُ مَعْصِيْتُهُ، دُوْنَ ذَاتِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَايُؤَدَّبُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ نَفَّاثَاتٍ يُخْبِرْنَ بِأُمُوْرٍ مِنْ الْغَيْبِ، وَمِنْ قِيْلِهِنَّ: أَنَّ هَذِهِ الْفَرَسَ بِهَا شَعْرَةٌ، مَنْ رَكِبَهَا طُعِنَ بِرُمْحٍ، وَأُخْرَى مَنْ رَكِبَهَا فَجَرَ بِأَهْلِهِ، قَالَ بَعْضُ عَوَامِّ المُسْلِمِيْنَ: هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ. قَالَ: أَعُوْذُ بِالله! تُكَفِّرُوْنَ المُسْلِمِيْنَ! ؟ كَيْفَ تَقُوْلُ فِيْ حَدِيْثِ عِتْبَانَ: فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ
= فائدة: في «تذكرة أولي النهى والعرفان» لابن عبيد (3/ 35): (زعيم بريدة: محمد بن عبدالرحمن بن شريدة (ت 1333 هـ) من خِيَارِ «عقِيْل» ، ومن الصالحين
…
الذين كانوا يُسَافِرُوْن إلى الشام، ومصر، والعراق؛ للتِّجَارَةِ، وكَان مُتَمَسِّكَاً بِدِيْنِهِ).
(1)
قادمين، ولا زال الكلام للجاهل المردود عليه.
(2)
أي من الأباطيل التي يعتقدها المردود عليه.
لَاإِلَهَ إِلَّا اللهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْرَّجُلَ إِذَا قَالَ: هُوَ لَايُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ لَايَكْفُرُ، أَوْ جَاهِلَاً يُعْذَرُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: «لَاتَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. » الآيَةَ
مَا مَنَعَتْ الْرَّسُوْلَ عَنْ مُوَادَّةِ المُنَافِقِيْنَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْسَّفَرَ إِلَى بِلَادِ المُشْرِكِيْنَ سَهْلٌ، لِكَنَّ الكَائِدَ القِرَاءَةُ بِ «الْزَّادِ» (1) مَا يَقْرَأُ بِهِ إِلَّا ضَالٌّ مُضِلٌّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْزَّانِيْ وَالْسَّارِقُ وَالخَمَّارُ لَهُمْ حُرْمَةٌ، يَعْنِيْ تَامَّةٌ، لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُوْنَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: «قُلْ أَبِا اللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُوْلِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئِوُنَ لَاتَعْتَذِرُوْا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ» لَيْسَ مُوْجِبُهُ (2) كَلَامُهْمُ الَّذِيْ سَمِعَهُ عَوْفٌ، وَإِنَّمَا مُوْجِبُهُ كُفْرُهُمْ المُتَقَدِّمُ فِيْ المَدِيْنَةِ، أَنْتُمْ مَا تَعْرِفُوْنَ التَّأَوِيْلَ، وَلِابْنِ الْقَيِّمِ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ بَعْضُ الْاسْتِدْلَالِ.
(1)«زاد المستقنع» للحجاوي
(2)
نهاية الورقة الأولى من المخطوط.
وَلَوْ كَانَ صَفَّيْنِ: صَفّ مُسْلِمِيْنَ، وَصَفّ مُشْرِكِيْنَ؛ فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ المُسْلِمِيْنَ فَقَاتَلَ مَعَ المُشْرِكِيْنَ لَمْ يَكُنْ مُرْتَدَّاً بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هَذَا رَجُلٌ مَا قَدِرَ عَلَى قَاتِلِ أَبِيْهِ، فَرَاحَ يَمَّ صَفِّ المُشْرِكِيْنَ، فَقَاتَلَ مَعَهُمْ؛ لِيَقْتُلَ مَنْ قَتَلَ أَبِيْهِ.
إِيْش مَعْنَى: وَكُلُّ شَئٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ؛ وَكُلُّ شَئٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ].
…
تَمَّ بِحُرُوْفِهِ.
فَلَمَّا بَلَغَ إِلَيَّ، سَأَلْتُ اللهَ الْتَّوْفِيْقَ، فَنَظَرْتُ فِيْهِ بِالْنَّظَرِ الْعَمِيْقِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى غَيْرِ الْتَّحْقِيْقِ، فَخَشِيْتُ مِنْهُ عَلَى سَالِكِ الْطَّرِيْقِ، فَخَطَرَ عَلَى بَالِيْ حَدِيْثُ الْصِّدِّيْقِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْنَّاسَ إِذَا رَأَوْا المُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوْهُ؛ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ» (1).
(1) صحيح.
أخرجه: الإمام أحمد في «مسنده» (1/ 177)(1)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» ـ ط. عوامه ـ (21/ 260) (38738) ومن طريقه:[ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (63)، وابن ماجه في «سننه» (4005)]، وسعيد بن منصور في «سننه» ـ التفسير ـ (4/ 1636)(840)، وأبو داود في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (6/ 393)(4338)، والترمذي في «جامعه» ـ ط. بشار ـ (4/ 37)(2168) و (5/ 106)(3057)، والنسائي في «السنن الكبرى» (10/ 88)(11092)، والحميدي في «مسنده» (3)، وابن أبي الدنيا في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» (ص 70)(27)، والمروزي في «مسند أبي بكر» =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (86)(87)(88)(89)، ، وابن حبان في «صحيحه» (1/ 539)(304)، وأبو يعلى في «مسنده» (1/ 120)(132)، ومن طريقه:[الضياء المقدسي في «المختارة» (1/ 144) (58)]، وغيرهم.
من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قَامَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ هَذِهِ الْآيَةَ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وَإِنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا المُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ؛ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ» .
وقد اختُلِف فيه على إسماعيل، فمرَّة يَنْشَطُ فيَرْفَعُهُ، ومَرَّةً يوقِفُهُ:
فرواه جماعة عنه، مرفوعاً، منهم: شعبة، وزائدة، وابن المبارك، ويزيد بن هارون، وزهير، وجرير، وابو أسامة، ووكيع، وغيرهم.
ورواه جماعة عنه، موقوفاً، منهم: يحيى القطان، وابن عيينة، وإسماعيل بن مجالد، وغيرهم.
سئل عنه أبو زرعة الرازي ـ كما في «العلل» لابن أبي حاتم (5/ 36)(1788) ـ فقال:
[وَقَدْ وَقَفَهُ ابنُ عُيَينةَ، ووكيعٌ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ ـ عَنْ إسماعيلَ ـ ويونسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَرَوَاهُ يونسُ، عَنْ طارقِ بْنِ عبد الرحمن، وبَيَانِ بن بشرٍ، عَنْ قيسٍ، عَنْ أَبِي بكرٍ، موقوف.
وَرَوَاهُ الحَكَمُ، عَنْ قيسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، موقوف.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وأحسَبُ إسماعيلَ بْن أَبِي خالدٍ كَانَ يرفعُهُ مَرَّةً، ويُوقِفُهُ مَرَّةً].
وسئل عنه الدارقطني في «العلل» (1/ 250)(47) فقال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= [هُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، فَرَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْنَدَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَفَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ.
فَمِمَّنْ أَسْنَدَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، وَمُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَشُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنُ مُسْلِمٍ الْقَسَمَلِيُّ، وَهَيَّاجُ بْنُ بِسْطَامٍ، وَمُعَلَّى بْنُ هِلَالٍ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَوَكِيعُ ابْنُ الْجَرَّاحِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى رَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَخَالَفَهُمْ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنُ مُوسَى، فَرَوُوهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ.
وَرَوَاهُ بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، وَطَارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَذَرُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، فَرَوُوهُ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَوْقُوفًا.
وَجَمِيعُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ كَانَ يَنْشَطُ فِي الرِّوَايَةِ مَرَّةً فَيُسْنِدُهُ، وَمَرَّةً يَجْبُنُ عَنْهُ فَيَقِفَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ.
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْمِصِّيصِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعًا. وَذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ رَاوِيهِ.
وَالصَّحِيحُ عَنْ جَرِيرٍ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عن قيس]. =
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ـ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ـ: (فَالمُنْكَرَاتُ الْظَّاهِرَةُ يَجِبُ إِنْكَارُهَا بِخِلَافِ البَاطِنَةِ، فَإِنَّ عُقُوْبَتُهَا عَلَى صَاحِبِهَا خَاصَةٌ). (1)
- قَوْلُهُ: (تَجْوِيْزُ السَّفَرِ إِلَى بِلَادِ المُشْرِكِيْنَ مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ دِيْنٍ).
أَقُوْلُ: فَإِنَّ هَذِهِ المَقَالَةَ مِنْ أَشْنَعِ المَقَالَاتِ، وَأَوْضَعِ الاعْتِقَادَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ المُحَقِّقِيْنَ، كَيْفَ يُدْنَا إِلَى قَوْمٍ وَقَدْ أَبْعَدَهُمُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ، وَكَانُوْا ضِدَّ المُسْلِمِيْنَ، قال تعالى:
= قال الترمذي بعد إخراجه الحديث: (حديث حسنٌ صحيحٌ. وقد رواه غير واحدٍ عن إسماعيل بن أبي خالد نحو هذا الحديث مرفوعاً، وروى بعضهم عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي بكر، قولَه، ولم يرفعوه).
وانظر للاستزادة: تخريج الشيخ: سعد الحميِّد في «سنن سعيد بن منصور» (840).
وقد صحَّحَ الحديثَ الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» (4/ 88)(1564).
(1)
«مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (28/ 205، 217)، وانظر في المسألة:«الداء والدواء» لابن القيم ـ ط. عالم الفوائد ـ (ص 261)، «الأحكام السلطانية» لأبي يعلى (ص 296)، و «الذخيرة» للقرافي (10/ 47)، و «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» للشيخ: خالد السبت (ص 298)، «الحسبة في الماضي والحاضر بين ثبات الأهداف وتطور الأسلوب» د. علي بن حسن القرني (1/ 251)، «قواعد في فقه الاحتساب» د. عبدالعزيز البداح (ص 105).
وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى:
{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} (2) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ اللهُ فِيْ كِتَابِهِ مِنَ الْنَّهِيِ عَنِ الرُّكُوْنِ إِلَى المُشْرِكِيْنَ، وَقَدْ يَتَأَثَّرُ الْرُّكُوْن (3) إِلَى المُشْرِكِيْنَ مِمَّنْ يُسَافِرُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا .... (4) أَمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ: عَدَمُ مَعْرِفَةِ مِلَّةَ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلِ.
(1) سورة آل عمران، الآيتان (118 ـ 119).
(2)
تكملة الآية {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} سورة آل عمران، آية (28).
(3)
كذا، ولعله: بالركون.
(4)
طمس بمقدار كلمتين، (كأنها على سبب)، ثم ضُرِب عليها ..
وَالْثَّانِيْ: مَحَبَّةُ عَرَضِ الْدُّنْيَا يَؤُوْلُ بِهِمْ إِلَى الْرُّكُوْنِ، مَعَ كَثْرَةِ الْمُخَالَطَةِ وَالْمُجَالَسَةِ وَالْمُكَالَمَةِ.
وَالْرُّكُوْنُ فِيْ الْلُّغَةِ (1): المَيَلَانُ إِلَى الْشَّئِ، وَالْسُّكُوْنُ.
وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ: أَنَّ الْرُّكُوْنَ إِلَى المُشْرِكِيْنَ مِنَ المَحَبَّةِ وَالْقِيَامِ لَهُمْ إِلَى تَقْرِيْبِ الْقَلَمِ وَالْدَّوَاةِ (2)؛ وَهَذَا كُلُّهُ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى المُسْلِمِيْنَ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ يُسَافِرُ إِلَى بِلَادِ المُشْرِكِيْنَ، وَقَدْ نَبَذَ إِلَيْهِمْ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم العَدَوَاةَ وَالبَغْضَاءَ، وَصَرَمَ عَنْهُمْ المُخَالَطَةَ وَالمُجَالَسَةَ بِقَوْلِهِ:«أَنَا بَرِئٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيْمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِيْنَ» (3).
وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ (4) عَنِ المُسْلِمِيْنَ مِنْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ عِنْدَ مَوْتِهِ، كَمَا فِيْ
(1) قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث والأثر» (2/ 261): (الرُّكُونِ: السُّكون إِلَى الشَّيْءِ والمَيْل إِلَيْهِ)، وانظر:«تاج العروس» للزبيدي (35/ 110)، وفي «المخصص» لابن سِيْدَه (3/ 462): [«صَاحب الْعين» : ركِن إِلَى الدُّنْيَا رَكْناً: مَال إِلَيْهَا واطمأنّ بهَا ولُغة سفلى مُضر ركَن يركُن رُكوناً، وناس أخذُوا من اللغتين فَقَالُوا: ركن يركَن رَكانة. ابْن السّكيت: ركِن يركُن نَادِر
…
].
(2)
كذا في المخطوطة، ولعلَّ في الكلام سقطاً.
(3)
سيأتي تخريج المؤلِّفِ له، انظر (ص 179).
(4)
نهاية الورقة [2] من المخطوط.
حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيْ الْصَّحِيْحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا، أَنَّ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: «أَخْرِجُوْا المُشْرِكِيْنَ مِنْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيْزُوْا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيْزُهُمْ
…
» وَنَسِيْتُ الْثَّالِثَةَ، وَالْشَكُّ مِنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ (1).
وَأَخْرَجَ «مُسْلِمٌ» ، وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيْثِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ:«لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُوْدَ وَالْنَّصَارَى مِنْ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لَايَبْقَى فِيْهَا إِلَّا مُسْلِمٌ» (2).
وَأَخْرَجَ «أَحْمَدٌ» مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ قَالَ: «لَانَتْرُكَ (3) بِجَزِيْرَةِ الْعَرَبِ دِيْنَانِ» .
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: : حَدَّثَنِيْ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِالله بْنِ عُتْبَةَ، عَنْهَا (4).
(1) أخرجه: البخاري في «صحيحه» (114) و (3053) و (4431)، ومسلم في «صحيحه» (1637) من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1767)، ولفظه: «
…
حتى لا أَدَعَ إلا مُسْلِمَاً».
(3)
كذا في المخطوط، وفي «المسند»:(لايُتْرَكُ).
(4)
إسناد حسنٌ؛ لأجل ابن إسحاق، والحديث صحيح؛ لشواهده.
أخرجه: أحمد في «مسنده» (43/ 371)(26352) من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف.
والطبري في «تاريخه» (3/ 214)، والطبراني في «الأوسط» (2/ 12)(1066) من طريق محمد بن سَلَمَة.
ورواه زياد البكائي كما ذكره الدارقطني في «العلل» (13/ 256).
ثلاثتهم: (إبراهيم بن سعد، ومحمد بن سلمة، وزياد البكائي) عن محمد بن إسحاق، به.
خالفهم عبدالله بن نمير، فرواه عن محمد بن إسحاق، به. مرسلاً. أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (2/ 254).
قال الطبراني عقبه: (لم يروه عن صالح إلامحمد).
وصحَّحَ الحديثَ الدارقطنيُّ في «العلل» (13/ 256).
ورواه معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، مرسلاً. أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (6/ 53)(9984)، (10/ 357)(19359).
ويشهد للحديث، ماذكره المؤلف قبله من حديث عمر رضي الله عنه في «صحيح مسلم» .
وَالأَدِلَّةُ هَذِهِ، دَلَّتْ عَلَى مُبَايَنَةِ المُشْرِكِيْنَ مُطْلَقَاً؛ فَالمُخَالَطَةُ رَأَسُ كُلِّ شَرٍّ، كَمَا هُوَ المَعْرُوْفُ عِنْدَ مَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ فِي أَصْلِ الْدِّيْنِ، وَاتِّسَاءٌ بِإبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ عليه السلام ومَنْ مَعَهُ، حَيْثُ ذَكَرَ اللهُ عَنْهُمْ إِظْهَارَ الدِّيْنِ فِيْ قَوْمِهِمْ بِقَوْلِهِ:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (1).
(1) سورة الممتحنة، آية (4).
فَأَبْدَى إِظْهَارَ الدِّيْنِ فِيْهِمْ عليه السلام فِيْ هَذِهِ الخِصَالِ الأَرْبَعِ، وَهِيَ: البَرَآءَةُ مِنْهُمْ، وَالكُفْرُ بِهِمْ، وَالعَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ حَتَّى يُؤْمِنُوْا بِالله؛ فَهَذِهِ مِلَّةُ إِبْرَاهِيْمَ فِيْهِمْ عليه السلام، وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ المُعَامَلَةِ مَعَ المُشْرِكِيْنَ، مِنْ المَبْعَثِ إِلَى أَنْ مَاتَ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ القَيِّمِ ـ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ـ:(وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِيْنَةَ، صَارَ الكُفَّارُ مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ صَالحَهُمْ وَوَادَعَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يُحَارِبُوْهُ وَلَايُظَاهِرُوْا عَلَيْهِ (1) عَدُوَّهُ، وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، آمِنُوْنَ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؛ وَقِسْمٌ حَارَبُوْهُ وَنَصَبُوْا لَهُ الْعَدَاوَةَ؛ وَقِسْمٌ تَارَكُوْهُ، فَلَمْ يُصَالِحُوْهُ، (2) بَلْ انْتَظَرُوْا مَا يَؤُوْلُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَأَمَرُ أَعْدَائِهِ (3).
إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ آلَتْ حَالُ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالْصُّلْحِ إِلَى الإِسْلَامِ، فَصَارُوْا مَعَهُ قِسْمَيْنِ: مُحَارِبِيْنَ؛ وَأَهْلِ ذِمَّةٍ) (4).
قُلْتُ: أمَّا القِسْمُ الأَوَّلُ، فَقَدْ بَارَزَهُمْ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم، وَبَرَزَ إِلَيْهِمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ، وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ، وَمُبَايَنَتِهِمْ.
(1) في المطبوع من «الزاد» زيادة: ولا يوالو.
(2)
في «الزاد» : ولم يحاربوه.
(3)
«زاد المعاد» (3/ 126).
(4)
«زاد المعاد» (3/ 160).
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ سبحانه وتعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بِالهِجْرَةِ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (1) كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
أَخْرَجَهُ: «التِّرْمِذِيُّ» وَصَحَّحَهُ هُوَ، وَالحَاكِمُ، وَذَكَرَ الحَاكِمُ أَنَّ خُرُوْجَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ بَيْعَةِ العَقَبَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ قَرِيْبَاً مِنْهَا.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِيْ «صَحِيْحِهِ» عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: «الْأَعْمَالُ (2) بِالنِّيَّةِ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيْبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ؛ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ» (3).
وَبَقِيَ وُجُوْبُ الهِجْرَةِ عَنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى أَنْ تَقُوْمَ الْسَّاعَةُ، لِحَدِيْثِ عَبْدِاللهِ بْنِ الْسَّعْدِيِّ، رَفَعَهُ:«لَاتَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ مَا قُوْتِلَ الْعَدُوُّ» رَوَاهُ الْنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ (4).
(1) سورة الإسراء، آية (80).
(2)
نهاية الورقة [3] من المخطوط.
(3)
«البخاري» (1) و (54) و (3898)، و «مسلم» (1907).
(4)
أخرجه كما قال المؤلف: النسائي في «المجتبى» (7/ 146)(1472)، وفي «السنن الكبرى» (8/ 65)(8654) إلى رقم (8657)، وفي (7/ 179) رقم (7747) و (7748)، وابن حبان في «صحيحه» (11/ 207) (4866) ولفظه عندهما:«ما قُوْتِلَ الكُفَّارُ» .
وأخرجه: أحمد في «مسنده» (3/ 206)(1671)، و (37/ 10)(22324)، وغيرُه.
ولفظ أحمد (37/ 10): عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّعْدِيِّ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حَسَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا لَهُ: احْفَظْ رِحَالَنَا. ثُمَّ تَدْخُلُ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقَضَى لَهُمْ حَاجَتَهُمْ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: ادْخُلْ فَدَخَلَ. فَقَالَ: «حَاجَتُكَ؟ » قَالَ: حَاجَتِي. تُحَدِّثُنِي: أَنْقَضَتِ الْهِجْرَةُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «حَاجَتُكَ خَيْرٌ مِنْ حَوَائِجِهِمْ لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ» .
ومن ألفاظ النسائي: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّعْدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: وَفَدْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابِي فَقَضَى حَاجَتَهُمْ، ثُمَّ كُنْتُ آخِرَهُمْ دُخُولًا عَلَيْهِ» فَقَالَ:«حَاجَتُكَ؟ » فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْكُفَّارُ» .
والحديث في إسناده اخْتِلَافٌ كَثِيْرٌ، ، وَلَهُ شَوَاهِدُ، يُنْظر:«التخريج المحبَّر الحثيث لأحاديث كتاب المحرر في الحديث» لسليم الهلالي (2/ 884 ـ 887)، «بيان الوهم والإيهام» لابن القطان (2/ 42)، «إرواء الغليل» (5/ 34)، «السلسلة الصحيحة» (4/ 240)، طبعة الرسالة ل «المسند» (37/ 11).
وحسَّنَ إسنادَه الألبانيُّ في «الإرواء» (5/ 34).
وَلِأَبِيْ دَاوْدَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، مَرْفُوْعَاً: «لَاتَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ
الْتَّوْبَةُ، وَلَاتَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الْشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» (1).
وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ سُبْحَانَهُ الَّذِيْنَ لَمْ يُهَاجِرُوْا مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الإِسْلَامِ إِذَا كَانُوْا قَادِرِيْنَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا
(1) أخرجه: أحمد في «مسنده» (28/ 111)(16906)، ومن طريقه:[المزي في «تهذيب الكمال» (17/ 330)]، والدارمي في «مسنده» (3/ 1634)(2555)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (9/ 80)، وأبو داود في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (4/ 136)(2479)، وعنه:[ابن سمعون في «أماليه» (232)]، والنسائي في «السنن الكبرى» (8/ 67)(8658)، والطحاري في «مشكل الآثار» (7/ 45)(2634)، وأبو يعلى في «مسنده» (13/ 359)(7371)، والطبراني في «المعجم الكبير» (19/ 387)(907)، وفي «مسند الشاميين» (2/ 138)(1065)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 17) مِنْ طُرُقٍ عن عبدالرحمن بن أبي عَوْفٍ الجُرَشي، عن أبي هند البجلي قال: كنا عند معاوية رضي الله عنه فذكره.
وهذا الإسناد ضعيف؛ لجهالة أبي هند، قال الذهبي في «الميزان» ـ ط. الرسالة ـ (5/ 297):(لايُعْرَف، لكن احتجَّ به النسائي على قاعدته)، وقال ابن حجر في «التقريب» (ص 704): مقبول. أي إذا تُوبِع، وإلا فَلَيِّنُ الحَدِيْثِ. ولم يُتابَع هُنَا؛ قال البغوي في «شرح السنة» (10/ 371):(وَهَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ).
لكن له شَاهِدٌ يُقَوِّيْهِ، وهُوَ حَدِيثُ ابنِ السَّعْدي السابق.
والحديثُ صحَّحَهُ العَلَّامَةُ الألباني في «إرواء الغليل» (5/ 33)(1208)، وانظر:«أنيس الساري» للبصارة (9/ 6098)(4283).
فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} الآيَةَ (1).
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ، عَلَى أَنَّ الهِجْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ بِدَارِ الْشِّرْكِ، أَوْ بِدَارٍ عُمِلَ فِيْهَا بِمَعَاصِيْ اللهِ جِهَارَاً، إِذَا كَانَ قَادِرَاً عَلَى الهِجْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ المُسْتَضْعَفِيْنَ؛ لِمَا فِيْ هَذِهِ الآيَةِ مِنْ عُمُوْمِ الْنَّهْيِ.
وَقَدْ نَهَى رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِقَامَةِ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِيْنَ، كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَنَا بَرِئٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ» رَوَاهُ أَبُوْ دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيْثِ جَرِيْرٍ، وَفِيْهِ قِصَّةٌ؛ وَصَحَّحَ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُوْ حَاتِمٍ، وَأَبُوْ دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالْدَّارَقُطْنِيُّ، إِرْسَالَهُ إِلَى قَيْسِ بْنِ أَبِيْ حَازِمٍ؛ وَرَوَاهُ الْطَّبَرَانِيُّ مَوْصُوْلَاً (2).
(1) سورة النساء، آية (97).
(2)
الحديثُ ضَعِيْفٌ؛ لإرسْاله.
أخرجه: أبوداود في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (4/ 280)(2645)، ومن طريقه:[ابن حزم في «المحلى» (11/ 199)]، والترمذي في «جامعه» ـ ط. الرسالة ـ (3/ 422)(1696)، وفي ترقيم عبدالباقي (1604)، وفي «علله الكبير» (2/ 686)(285)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (8/ 274)(3233)، وابن المنذر في «الأوسط» ـ ط. الفلاح ـ (6/ 405)(6338)، والطبراني في «الكبير» (2/ 302)(2261)(2262)(2264) =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (2265)، وابن الأعرابي في «معجمه» (2/ 439)(858)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 131، 225) و (9/ 12، 142)، وفي «الجامع لشعب الإيمان» (12/ 10)(8929)، وأبو البختري كما في «مجموع فيه مصنفاته» (238) ومن طريقه:[الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (9/ 78)]، والخطيب في «المتفق والمفترق» (1/ 355)(173) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ، فَأَسْرَعَ فِيهِمُ القَتْلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ العَقْلِ وَقَالَ:«أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِمَ؟ قَالَ:«لا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» .لفظ الترمذي.
عند الطحاوي فقط: عن قيس، عن خالد بن الوليد. ولم يذكر جريراً.
وأخرج: الشافعي كما في «مسنده» (3/ 37)(1642)، وفي «الأم» ـ ط. الوفاء ـ (7/ 89)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (4/ 36)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» ـ ط. عوامة ـ (17/ 517)(33668)، و (20/ 286)(37785)، وسعيد بن منصور في «سننه» ـ ط. الأعظمي ـ (2/ 292)(2663)، والترمذي في «جامعه» (3/ 423)(1697)، وترقيم عبدالباقي (1605)، والنسائي في «السنن الكبرى» (6/ 347)(6956)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 130)، وفي «معرفة السنن والآثار» (12/ 194)(16433) من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازمٍ، مرسلاً.
وقد صحَّح الأئمةُ الحديثَ المرسلَ، كما قالَهُ المؤلف. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال الترمذي عن هذا الحديث المرسل: (وهذا أصح، وفي الباب عن سمرة؛ وأكثر أصحاب إسماعيل قالوا: عن قيس بن أبي حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية، ولم يذكروا فيه عن جرير، ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، مثل حديث أبي معاوية؛ وسمعت محمداً ـ أي البخاري ـ يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.
وروى سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لاتساكنوا المشركين، ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم). انتهى كلام الترمذي.
وقال أيضاً في «العلل الكبير» (2/ 686)(285): (سَأَلْتُ مُحَمَّداً عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، مُرْسَلٌ.
قُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ جَرِيرٍ؟ فَلَمْ يَعُدَّهُ مَحْفُوظاً).
قال أبو داود: (رواه هشيم، ومعتمر، وخالد الواسطي، وجماعة، لم يذكروا جريراً).
قال أبو حاتم في «العلل» (3/ 370)(942): (الكوفيون ـ سوى حجاج ـ لايُسْنِدُونَه؛ ومرسل أشبه).
سئل عنه الدارقطني في «العلل» (13/ 464)(3355) فقال: (يَرْوِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَاخْتُلِفَ عنه:
فرواه: أبومعاوية الضرير، وصالح بن عمرو، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير.
ورواه: حفص بن غياث، عن إسماعيل، عن قيس، عن خالد بن الوليد.
قاله يوسف بن عدي عنه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه: أبو إسحاق الفزاري، ومروان بن معاوية، ومعتمر بن سليمان، عن إسماعيل، عن قيس مرسلاً؛ وهو الصواب).
وصحح المرسلَ أيضاً: البيهقيُّ في «معرفة السنن والآثار» (12/ 194)(16435)، وابن عبدالهادي في «المحرر» (ص 287)(792).
ورجَّح الروايةَ الموصولة: ابنُ دقيق العيد، كما في «الإلمام» (1308)، وكذا «الإمام» فيما نقله عنه: ابن الملقن في «البد رالمنير» (9/ 164)؛ قال ابن دقيق: والذي أسنده ثقة عندهم.
وابنُ القطَّان في «بيان الوهم والإيهام» (5/ 421)، وابنُ حجر في «البلوغ» (1260) وذكر أن البخاري رجَّح إرساله.
وقال سماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله في درس «سنن أبي داود» (10/ 10/1417 هـ): والحديث لابأس به موصولاً. انتهى.
وصححه أيضاً موصولاً: الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (5/ 29)(1207)، وفي «السلسلة الصحيحة» (2/ 228)(636).
قلتُ: وقول الأئمة الأكابر المتقدمين: البخاري، وأبي حاتم، والدارقطني، والترمذي، والبيهقي؛ أولى بالقبول.
وحديث سمرة الذي ذكره الترمذي، أخرجه: أبو داود في «سننه» (4/ 413)(2787)، من طريق سليمان بن موسى أبي داود، قال: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، قال: حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن جامَع المشرِكَ، وسَكنَ مَعَه؛ فإنَّهُ مِثْلُهُ» . =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وإسناده ضعيفٌ جداً؛ جعفر بن سعد، ليس بالقوي، كما في «التقريب» (ص 179)، وسليمان بن سمرة، مقبول، «التقريب» (ص 285)؛ وخبيب مجهول، كما في «التقريب» (ص 228).
وأخرجه: البزار في «البحر الزخار» (10/ 420)(4569)، وابن المنذر في «الأوسط» ـ ط. الفلاح ـ (6/ 405)(6340)، والطبراني في «المعجم الكبير» (7/ 217)(6905)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 154)(2627)، وعنه:[البيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 240)] من طريق إسحاق بن إدريس قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تُسَاكِنُوا المُشْرِكِينَ، وَلَا تُجَامِعُوهُمْ، فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ ، فَهُوَ مِنْهُمْ»
وإسحاق كذَّبَهُ: ابن معين، وتركه النسائي وابن المديني، وقال أبو زرعة: واه. ينظر: «لسان الميزان» (2/ 41).
قال البزار: (وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَن الْحَسَنِ عَنْ سَمُرة إلَاّ هَمَّامٌ، ولا عَن هَمَّامٍ إلَاّ إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لا تُسَاكِنُوهُمْ في أرضهم).
ورواه ابن المنذر ـ أيضاً ـ في «الأوسط» (6/ 405)(6339) من طريق حجاج، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا قتادة، عن الحسن، رفعه. وهذا مرسل.
هذا وقد قال الشيخ العلامة: إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في «الأجوبة السمعيات» (ص 79) عن حديث جرير: (وهو إن صحَّ مُرْسَلاً، فهو حُجَّةٌ من وجوه متعَدِّدَةٍ، يعرفها علماء أصول الحديث؛ منها: أن المرسل إذا اعتضد بشاهدٍ واحِدٍ، =
وَلِمَا أَخْرَجَ «النَّسَائِيُّ» مِنْ طَرِيْقِ بَهْزِ بْنِ حَكِيْمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، مَرْفُوْعَاً:«لَايَقْبَلُ اللهُ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلاً بَعْدَ مَا أَسْلَمَ أَوْ يُفَارِقَ المُشْرِكِيْنَ» (1).
= فهُو حُجَّةٌ؛ وقد اعتضد هذا الحديث بأكثر من عشرين شاهداً، وتشهد له الآيات المحكمات، مع الكليات من الشرع، وأصول يُسَلِّمُهَا أهلُ العِلْمِ).
قال ابن الأثير في «النهاية» (2/ 177): [«لَا تَرَاءَى نارَاهما» أَيْ: يلزَمُ المُسْلم ويَجبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَاعِد مَنْزِلَه عَنْ مَنْزل المُشرك، وَلَا يَنْزل بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِذَا أُوقِدَت فِيهِ نارُه تلُوحُ وتظهرُ لنارِ المُشْرِك إِذَا أوقَدها فِي مَنْزِلِهِ، وَلَكِنَّهُ ينزلُ مَعَ المسْلِمِينَ فِي دَارِهم.
وَإِنَّمَا كَرِهَ مُجَاورَة المشرِكين؛ لأنَّهم لَا عَهْدَ لَهُم وَلَا أَمَانَ، وحثَّ المسْلِمِينَ عَلَى الهِجْرة.
والتَّرَائِي: تَفَاعُلٌ مِنَ الرُّؤْيَة، يُقَالُ: تَرَاءَى القومُ: إِذَا رَأَى بعضُهُم بَعْضاً، وتَرَاءَى لِيَ الشيءُ: أَيْ ظهرَ حَتَّى رَأَيْتُهُ؛ وإسْنادُ التَّرَائِي إِلَى النارَين مجازٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: دَارِي تَنْظُر إِلَى دَارِ فُلان: أَيْ تُقَابلها. يَقُولُ: نارَاهما مُخْتلفتان، هَذِهِ تَدْعو إِلَى اللَّهِ، وَهَذِهِ تَدْعو إِلَى الشَّيْطَانِ فَكَيْفَ يَتَفِقَان؟ !
والأصلُ فِي تَرَاءَى: تَتَرَاءَى، فَحَذَفَ إحْدى التاءَين تَخْفِيفاً].
(1)
أخرجه: ابن أبي شيبة في «مصنفه» ـ ط. عوامة ـ (19/ 17، 129)(35548)(35569) ـ مختصراً جداً وليس فيه الشاهد ـ، وعبدالرزاق في «مصنفه» (11/ 130)(20115)، أحمد في «مسنده» (33/ 236)(20037)، والنسائي في «المجتبى» (5/ 82)(2568)، وفي «السنن الكبرى» (3/ 66)(2360)، وابن ماجه في «سننه» (2536)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (10/ 355)(4160)، والروياني في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= «مسنده» (2/ 111)(917)، والمخلِّص كما في «المخلصيات» (4/ 52)(3001)، والطبراني في «المعجم الكبير» (19/ 407)(969) وما بعدها، والحاكم في «المستدرك» (4/ 643)(8774) من طُرُقٍ عن بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ، عَنْ أبيه، عن جَدِّه: قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِنَّ لِأَصَابِعِ يَدَيْهِ أَنْ لَا آتِيَكَ وَلَا آتِيَ دِينَكَ، وَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللهِ بِمَا بَعَثَكَ رَبُّكَ إِلَيْنَا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«بِالْإِسْلَامِ» قُلْتُ: وَمَا آيَاتُ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: «أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَى اللهِ وَتَخَلَّيْتُ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَ مَا يُسْلِمُ عَمَلًا أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى المسلِمِينَ» .
ولفظ أحمد: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى حَلَفْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ أُولَاءِ، وَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى أَنْ لَا آتِيَكَ، وَلَا آتِيَ دِينَكَ، وَإِنِّي قَدْ جِئْتُ امْرَأً لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللهِ بِمَ بَعَثَكَ رَبُّنَا إِلَيْنَا؟ قَالَ:«بِالْإِسْلَامِ» . قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا آيَةُ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: «أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَتَخَلَّيْتُ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ مُشْرِكٍ يُشْرِكُ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا، أَوْ يُفَارِقُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مَا لِي أُمْسِكُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، أَلَا إِنَّ رَبِّي دَاعِيَّ وَإِنَّهُ سَائِلِي: هَلْ بَلَّغْتَ عِبَادِي؟ وَأَنَا قَائِلٌ لَهُ: رَبِّ قَدْ بَلَّغْتُهُمْ، أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ مَدْعُوُّونَ، وَمُفَدَّمَةٌ أَفْوَاهُكُمْ بِالْفِدَامِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُبِينُ، وَقَالَ بِوَاسِطٍ يُتَرْجِمُ، قَالَ =
فَدَلَّتْ هَذِهِ الأَدِلَّةُ عَلَى مُبَايَنَةِ المُشْرِكِيْنَ، وَعَدَمِ الاتِّصَالِ بِهِمْ.
فَلَمَّا انْحَازَ المُسْلِمُوْنَ إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ، وَكَانُوْا عِصَابَةً وَاحِدَةً، وَتَحَابُّوْا فِيْ اللهِ وَتَبَاغَضُوْا فِيْهِ، شَنَّ الْغَارَةَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَدُوِّهِمْ مِنَ المُشْرِكِيْنَ، فَقَاتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، وَنَصَبَ رَايَةَ المُسْلِمِيْنَ عَلَى عَدُوِّهِمْ فِيْ الْغَزَوَاتِ وَالْسَّرَايَا؛ فَجَدُّوْا وَاجْتَهَدُوْا، وَبَذَلُوْا أَنْفَسَهُمْ فِيْ جِهَادِ الْكَفَرَةِ مَعَ نَبِيِّ اللهِ؛ وَذَلِكَ مَبْسُوْطٌ فِيْ كُتُبِ التَّارِيخِ والسِّيَرِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِيّ: فَإِنَّهُمْ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَهْلِ هُدْنَةٍ، وَأَهْلِ جِزْيَةٍ.
= ـ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ ـ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا دِينُنَا. قَالَ: «هَذَا دِينُكُمْ وَأَيْنَمَا تُحْسِنْ يَكْفِكَ» .
والحديث رُوِيَ بأطول من هذا، وفيه زيادات.
قال ابن مفلح في «الفروع» (2/ 105): حديث جيِّد.
وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 712)(369).
ولابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842 هـ) جُزْءٌ بعنوان «تنوير الفِكْرَة بحديث بهز بن حكيم في حُسْنِ العِشْرَة» ، طبع بتحقيق: د. مصلح الحارثي، ط. دار التوحيد في الرياض.
أَمَّا أَهْلُ الهُدْنَةِ: فَإِنَّهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، كَانَ مَعَهُمْ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَهَادَنَهُمُ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِمَصَالِحِ المُسْلِمِيْنَ، لِسُلُوْكِ طَرِيْقِ الْوُصُوْلِ إِلَى حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ المَصَالِحِ لِلْمُسْلِمِيْنَ، عَلَى شَئٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ المُدَّةُ (1)، كَمَا فِيْ حَدِيْثِ أَنَسٍ عِنْدَ «مُسْلِمٍ» ، وَغَيْرِهِ، أَنَّ قُرَيْشَاً صَالَحُوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَاشْتَرَطُوْا عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَانَرُدُّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوْهُ عَلَيْنَا، فَقَالُوْا يَارَسُوْلَ اللهِ، أَتَكْتُبُ هَذَا؟ ! (2) قَالَ:«نَعَمْ، إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللهُ، وَمَنْ جَاءَ مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللهُ لَهُ فَرَجَاً وَمَخْرَجَاً» (3).
وَهُوَ فِيْ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» (4) وَغَيْرِهِ، مِنْ حَدِيْثِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ مُطَوَّلاً، وَفِيْهِ مُدَّةُ الصُّلْحِ بَيْنَهُ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ قُرَيْشٍ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَذَلِكَ عَامَ الحُدَيْبَيِةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُوْرُ إِلَى أَنَّهُ لَايَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِيْنَ (5)؛
لِأَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أَمَرَنَا بِمُقَاتَلَةِ الْكُفَّارِ فِيْ كِتَابِهِ الْعَزِيْزِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللهُ
(1) كذا بهذه العبارة.
(2)
نهاية الورقة [4] من المخطوط.
(3)
«صحيح مسلم» (1784).
(4)
«صحيح البخاري» (2581).
(5)
والراجح عدم التحديد بِمُدَّةٍ؛ إذا رأى وليُّ الأمر المصلحة في ذلك، ويكون العقد جائزاً غير لازم.
ينظر في هذه المسألة: «الأم» للشافعي (4/ 269)، «الأوسط» لابن المنذر ـ ط. دار الفلاح ـ (6/ 354 ـ 356)، «الإنجاد في أبواب الجهاد» لابن المناصف (2/ 329)، «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (29/ 140)، «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (2/ 877)، «مجموع فتاوى ابن باز» (18/ 439)، «الشرح الممتع» لابن عثيمين (8/ 46).
- سبحانه وتعالى عَلَى المُسْلِمِيْنَ المُكْثَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَتَكْثِيْرِ سَوَادِهِمْ عَلَى المُسْلِمِيْنَ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الْثَّانِيُّ: فَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ لِكَنْ لَيْسَ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ هُمْ خَائِفُوْنَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمَوَاشِيْهِمْ، فَدَخَلُوْا فِيْ المُسْلِمِيْنَ، وَتَدَالَوْا (1) إِلَيْهِمْ، وَخَذَلَهُمُ المُسْلِمُوْنَ، وَأَبْقَوْهُمْ بِسَاحَتِهِمْ؛ كَيْ يَنْتَظِرُوْا إِسْلَامَهُمْ، وَيَنْظُرُوْا شَعَائِرَ المُسْلِمِيْنَ، وَلَيْسَ مِنْ دِيْنِهِمْ شَئٌ ظَاهِرٌ، وَعَامَلَهُمْ المُسْلِمُوْنَ، وَضَرَبُوْا عَلَيْهِمُ الجِزْيَةَ؛ لِإِهَانَتِهِمْ وَظُهْوْرِ الإِسْلَامِ
(1) كذا في المخطوطة.