المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هَذِهِ الْعُلُوْمَ عَنِ المُشْرِكِيْنَ، وَلَبَّسُوْا بِهَا (1) خَفَافِيْشَ الْقُلُوْبِ، نَسْأَلُ - البراهين المعتبرة في هدم قواعد المبتدعة

[عبد العزيز المديهش]

الفصل: هَذِهِ الْعُلُوْمَ عَنِ المُشْرِكِيْنَ، وَلَبَّسُوْا بِهَا (1) خَفَافِيْشَ الْقُلُوْبِ، نَسْأَلُ

هَذِهِ الْعُلُوْمَ عَنِ المُشْرِكِيْنَ، وَلَبَّسُوْا بِهَا (1) خَفَافِيْشَ الْقُلُوْبِ، نَسْأَلُ اللهَ الْسَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ فِيْ الْدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). انْتَهَى. (2)

- وَأَمَّا قَوْلُهُ: (إِنَّ هَذِهِ الْفَرَسَ بِهَا شَعْرَةٌ، مَنْ رَكِبَهَا طُعِنَ بِرُمْحٍ

إِلَخْ).

هَذَا طَيْرَةٌ وَتَشَاؤُمٌ، قَالَ الْنَّوَوِيُّ:

‌(الْطِّيَرَةُ: الْتَّشَاؤُمُ

. وَأَصْلُهُ الْشَّيْءُ المَكْرُوْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَرْئِيٍّ، وَكَانُوْا يَتَطَيَّرُوْنَ بِالْسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِحِ، فَيَنْفِرُوْنَ الْظِّبَا وَالْطُّيُوْرِ، فَإِذَا أَخَذَتْ ذَاتَ الْيَمِيْنِ تَبَرَّكُوْا بِهِ، وَمَضَوْا فِيْ سَفَرِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ؛ وَإِنْ أَخَذَتْ (3) ذَاتَ الْشَّمَالِ؛ رَجَعُوْا عَنْ سَفَرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ، وَتَشَاءَمُوْا بِهَا، فَكَانَتْ تَصُدُّهُمْ فِيْ كَثِيْرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ عَنْ مَصَالِحِهِمْ، فَنَفَى الْشَّرْعُ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ، وَنَهَى عَنْهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأَثِيْرٌ بِنَفْعٍ وَلَا بِضُرٍّ، فَهَذَا

(1) في «فتح المجيد» زيادة: على.

(2)

ينظر: «فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد» ـ ط. دار الصميعي ـ للشيخ: عبدالرحمن ابن حسن ابن الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله تَعَالَى (2/ 494 ـ 496)، وانظر:«المسائلُ التي خالفَ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهلَ الجاهلية» للشيخ الإمام: محمد بن عبدالوهاب ـ تحقيق د. يوسف السعيد ـ (2/ 855 ـ 872).

(3)

نهاية الورقة [20] من المخطوط.

ص: 351

مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَلَا طِيَرَةَ» (1)، وَفِيْ حَدِيْثٍ آخَرَ:«الْطَّيَرَةُ شِرْكٌ» ، أَيْ اعْتِقَادُ أَنَّهَا تَنْفَعُ وَتَضُرُّ إِذَا عَمِلُوْا بِمُقْتَضَاهَا، مُعْتَقِدِيْنَ تَأَثِيْرَهَا، فَهُوَ شِرْكٌ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوْا لَهَا أَثَرَاً، فِيْ الْفِعْلِ وَالإِيْجَادِ). انْتَهَى. (2)

قُلْتُ: وَقَدْ نَفَى اللهُ سُبْحَانَهُ تَأَثِيْرَ ذَلِكَ، وَأَبْطَلَهُ، كَمَا قال تعالى:{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} (3)، وَقَوْلُهُ:{قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} (4)(5).

وَقَدْ وَرَدَتْ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ فِيْ نَفْيِ تَأَثِيْرِ ذَلِكَ وَإِبْطَالِهِ، مِنْهَا: مَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِيْ «صَحِيْحِهِ» ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ)(6).

(1) يُنظر: «مفتاح دار السعادة» لابن القيم (ص 582) وفي ـ ط. عالم الفوائد ـ (3/ 1470) وما بعدها، و «فتح المجيد» (2/ 512)، «تيسير العزيز الحميد» (2/ 854)، «القول المفيد» لابن عثيمين (1/ 559)، «فتح الحميد في شرح كتاب التوحيد» لعثمان بن عبدالعزيز بن منصور (3/ 1201).

(2)

«شرح النووي على صحيح مسلم» (14/ 218 ــ 219).

(3)

سورة الأعراف، آية (131).

(4)

سورة يس، آية (19).

(5)

يُنظر للفائدة: «فتح المجيد» (2/ 506).

(6)

أخرجه: «البخاري» (5757)، و «مسلم» (2220).

ص: 352

وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَ «الْبُّخَارِيُّ» ، وَ «مُسْلِمٌ» ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: (لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِيْ الْفَأَلُ)، قَالُوْا: وَمَا الْفَأَلُ؟ قَالَ: (الْكَلِمَةُ الْطَّيِّبَةُ)(1).

وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَ «أَبُوْ دَاوُدَ» ، وَ «الْتِّرْمِذِيُّ» وَصَحَّحَهُ، عَنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعَاً:

(الْطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا إِلَّا، وَلَكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالْتَّوَكُّلِ)(2).

(1) أخرجه «البخاري» (5756)(5776)، و «مسلم» (2224).

(2)

صحيح، وقولُه: «وما مِنَّا إلا

» مدرج من كلام ابن مسعود رضي الله عنه.

أخرجه: الإمام أحمد في «المسند» (6/ 213)(3687)، و (7/ 234)(4171)، و (7/ 250)(4194)، [ومن طريقه: المزي في «تهذيب الكمال» (22/ 621)]، والطيالسي في «مسنده» (1/ 278)(354)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» ـ ط. عوامة ـ (13/ 446)(26918) وفي «مسنده» أيضاً (1/ 182)(265)، وفي «الأدب» (ص 205)(161)، والبخاري في «الأدب المفرد» (ص 317)(909)، وأبو داود

ـ ط. الرسالة ـ (6/ 54)(3910)، والترمذي في «جامعه» ـ ط. الرسالة ـ (3/ 429)(1706)، وفي ط. عبدالباقي (1614) وفي «العلل الكبير» للترمذي (1/ 265)(485)، وابن ماجه في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (4/ 560)(3538)، وابن أبي الدنيا في «التوكل» (ص 79)(42)، وابن الجعد في «مسنده» (1/ 390)(503)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2/ 298)(827)، و (4/ 444)(1747)، وفي «شرح معاني الآثار» =

ص: 353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (4/ 312)، وابن خزيمة في «التوكل» كما في «إتحاف المهرة» لابن حجر (10/ 191)(12557)، وابن حبان في «صحيحه» (13/ 491)(6122) وأبو يعلى في «مسنده» (9/ 140)(5219)، والبزار في «البحر الزخار» (5/ 230)(1840)، والهيثم بن كُليب الشاشي في «مسنده» (2/ 121)(655)(656)(657)، والحاكم في «المستدرك» (1/ 18 ـ 19)(43)(44)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 239)، وفي «شعب الإيمان» (2/ 397)(1124)، وقوام السنة في «الترغيب والترهيب» (1/ 417)(729)، والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص 187)(253)، والبغوي في «شرح السنة» (12/ 177)، وأبو القاسم الحرفي كما في «فوائده برواية الأنصاري» ـ ط. الدار الأثرية ـ (ص 67)(21) من طُرُقٍ عن سلمة بن كهيل، عن عيسى بن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً.

وإسناده صحيح.

وعند بعضهم: كأبي داود، وابن أبي الدنيا: قال: الطيرة شرك (ثلاثاً)، وعند ابن أبي شيبة (مرتين)، وعند الحاكم في الموضع الأول ليس فيه:(وما ومنا إلا).

وقد رُوي من وجه آخر: رواه عَمْرو بنُ أبي قيس، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبدالله بن مسعود. قال الدارقطني في «العلل» (5/ 245) (855) عن هذا الوجه: ووهِمَ وهماً قبيحاً، والصواب: عن منصور، عن سلمة بن كهيل، عن عيسى بن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبدالله.

قال الترمذي: حسن صحيح. وذكر عن البخاري، عن سليمان بن حرب: أن آخر الحديث من كلام ابن مسعود. =

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال الحاكم: هذا حديث صحيح، سنده ثقات لرواته، ولم يخرجاه.

وصححه العراقي في «أماليه» كما في «فيض القدير» للمناوي (4/ 294)، والمناوي في «التيسير» (2/ 124).

إلا أن لفظة: (وما مِنَّا إلا .. ) مُدرجةٌ من كلام ابن مسعود رضي الله عنه.

كما قال الترمذي ـ فيما سبق ـ، وقال أيضاً في «العلل الكبير» (1/ 265) (485): قال محمد ـ أي البخاري ـ: وكان سليمان بن حرب ينكر هذا الحديث أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لهذا الحرف (وما مِنَّا) وكان يقول: هذا كأنه عن عبدالله بن مسعود قوله.

ورجَّح الإدراج جماعةٌ من الأئمة، منهم: الخطابيُّ وقد نقله عن البخاري كما في «معالم السنن» (4/ 232)، والبيهقيُّ كما في «الجامع لشعب الإيمان» ـ ط. الرشد ـ (2/ 397)، وابنُ القيم في «مفتاح دار السعادة» ـ ط. عالم الفوائد ـ (3/ 1484) وقال: كذا قاله بعضُ الحفاظ، وهو الصواب؛ فإن الطيرة من الشرك ..

والهيثميُّ في «موارد الضمآن» (ص 345)(1427)، وابنُ حجر في «فتح الباري» (10/ 213)، وفي «النكت على مقدمة ابن الصلاح» (2/ 827)، والسيوطيُّ كما في «عون المعبود» للعظيم آبادي (4/ 24)، والشيخُ سليمان بن عبدالله في «تيسير العزيز الحميد» (2/ 888)، والشيخُ عبدالرحمن بن حسن في «قرة عيون الموحدين» (ص 152). =

ص: 355

وَ «لِأَحْمَدَ» مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَمْرٍو: (مَنْ رَدَّتْهُ الْطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَتِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ) قَالُوْا: فَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: (أَنْ تَقُوْلَ: الْلَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ)(1).

= وقد خالف هؤلاء، فنفوا الإدراج، وصححوا اللفظة مرفوعاً: ابنُ القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» (5/ 387)، والألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 791)(429)؛ اتِّبَاعاً لظاهر الإسناد.

والراجح ما قرره الأئمة: أن الجملة الأخيرة مدرجة من قول ابن مسعود رضي الله عنه.

(1)

ضعيف.

أخرجه: الإمام أحمد في «مسنده» (11/ 623)(7045) عن حسن الأشيب.

وابن وهب في «جامعه» ـ ط. ابن الجوزي ـ (2/ 745)(658) ومن طريقه: [ابن السني في «عمل اليوم والليلة» ـ ط. بشير عيون ـ (1/ 144) (292)].

والطبراني في «الكبير» (14/ 35)(14622)، ابن عبدالبر في «التمهيد» ـ ط. المغربية ـ (24/ 201) من طريق ابن المقرئ.

والطبراني في «الكبير» (14/ 35)(14622) من طريق أسد بن موسى.

أربعتهم: (حسن، وعبدالله بن وهب، وعبدالله بن يزيد المقرئ، وأسد بن موسى) عن عبدالله بن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن أبي عبدالرحمن الحُبُلي، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعاً. =

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ـ

ابن هبيرة هو: عبدالله بن هبيرة بن أسعد السبئي الحضرمي، أبو هبيرة المصري. ثقة. «تقريب التهذيب» (ص 361).

ـ

أبو عبدالرحمن الحُبُليّ: هو عبدالله بن يزيد المَعَافِري. ثقة. «تقريب التهذيب» (ص 363).

ـ الحديث مداره على ابن لهيعة، وفيه كلام كثير جداً، ومن يصحح حديثه إذا كان من رواية قتيبة، والعبادلة عنه، فإنه يصحح هذا الحديث، ومَن يضعفه مطلقاً، يضعف هذا الحديث لأجله، وحيث إن الترجيح هنا مبني على ترجيح الحكم في ابن لهيعة؛ فإني أبسط الحديث فيه.

ـ

عبدالله بن لَهِيْعَةَ بن عقبة الحضرمي، أبو عبدالرحمن المصري الفقيه القاضي.

الراجح في حاله أنه: ضَعِيْفٌ.

اختلف أئمة الحديث فيه اختلافاً كثيراً، وطال الحديث فيه، حتى أُفردت فيه رسائل، منها:«النكت الرفيعة في الفصل في ابن لهيعة» لأبي محمد عصام بن مرعي، و «الإمام المحدث عبدالله بن لهيعة دراسة نقدية تحليلية مقارنة في تصحيح منزلته وأحاديثه» لحسن مظفر الرزو. و «ما قيل في الإمام ابن لهيعة المصري» د. عبدالعزيز العثيم وعطاالله السندي، مطبوع في آخر كتابهما «الأخطاء الإسنادية» ، وقد أطال في بيان حاله د. أحمد معبد عبدالكريم في تحقيقه لـ «النفح الشذي» (2/ 794 ـ 863) وضعَّفه.

وقد انقسم العلماء فيه إلى ثلاثة أقسام: قسم وثَّقَه مطلقاً، وقسم ضَعَّفَه مطلقاً، وقسم فَصَّل في حاله. =

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أثنى عليه: ابن وهب، والثوري، وأحمد بن صالح.

ووثَّقَه مطلقاً: مالك، حيث قال ابن عبدالبر في «التمهيد»:(إن الذي في الموطأ عن مالك، عن الثقة عنده، عن عمرو بن شعيب، هو ابن لهيعة).

ووثَّقَه أيضاً: أحمد بن حنبل في رواية، حيث قال: من كان بمصر يشبه ابن لهيعة في ضبط الحديث، وكثرته، وإتقانه.

قال يحيى بن حسان: ما رأيت أحفظ من ابن لهيعة.

وفصّل قومٌ في حاله:

فصحَّحَ حديثه الساجي، والأزدي إذا كان من رواية العبادلة: وهم: عبدالله بن المبارك، وعبدالله بن وهب، وعبدالله المقريء، وعبدالله بن مسلمة.

قال ابن حبان في «المجروحين» : وكان أصحابنا يقولون: من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة، فسماعهم صحيح؛ ومن سمع منه بعد احتراق كتبه، فسماعه ليس بشيء.

قال الذهبي في «تذكرة الحفاظ: (لم يكن على سعة علمه بالمتقن، حدث عنه ابن المبارك، وابن وهب، وأبو عبدالرحمن المقريء، وطائفة قبل أن يكثر الوهم في حديثه، وقبل احتراق كتبه، فحديث هؤلاء عنه أقوى، وبعضهم يصححه، ولا يرتقي لهذا).

والرواة القدماء عنه: الأوزاعي، وشعبة، والثوري، وعمرو بن الحارث، والعبادلة: ابن المبارك، وابن وهب، وابن مسلمة القعنبي، وابن يزيد المقرئ، وقتيبة بن سعيد، والوليد بن مزيد البيروتي، وابن مهدي، والليث بن سعد. ينظر: تحقيق محمد عوامة لـ «الكاشف» ط. دار المنهاج (3/ 182). =

ص: 358

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقد أشار الحاكم في «المستدرك» إلى أن حديثه قبل اختلاطه صحيح.

ونقل البسوي عن صدقة بن الفضل أنه كتب عن المقرئ كتابه عن ابن لهيعة، وكان صدقه يحمد حديثه، وكتابه.

وضعفه مطلقاً: أكثر أئمة هذا الشأن، منهم: ابن سعد، يحيى القطان، وابن معين، وأحمد في رواية، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبخاري، والترمذي، والجوزجاني، وبشر بن السري، والفلاس، والبسوي، وابن حبان، وابن عبدالبر، وغيرهم.

قال ابن عبدالبر: (أكثر أهل العلم لا يقبلون شيئاً من حديثه، ومنهم من يقبل منه ما حدث به قبل احتراق كتبه، ولم يسمع منه فيما ذكروا قبل احتراق كتبه، إلا ابن المبارك وابن وهب لبعض سماعه، أما أسد بن موسى، ومثله، فإنما سمعوا منه بعد احتراق كتبه، وكان يُملي من حفظه، ويخلط، وليس بحجة عند جميعهم).

قال ابن معين: ابن لهيعة ليس بشيء، تغيَّر أو لم يتغيَّر.

وقال ابن الجنيد لابن معين: سماع القدماء والآخرين من ابن لهيعة سواء؟ قال: نعم، سواء، واحد.

وقد ذكر ابن سعد والبسوي أنه ضعيف، لكن قال ابن سعد: من سمع في أول أمره أحسن حالاً.

وقال البسوي: فمن كتب قبل احتراق كتبه كابن المبارك وعبدالله بن يزيد المقرئ أصح من الذين كتبوا بعد ما احترقت الكتب، وهو ضعيف الحديث. =

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال ابن حبان: (قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين، عنه، فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجوداً، وما لا أصل له من رواية المتقدمين كثيراً، فرجعت إلى الاعتبار، فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفاء، على أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات، فألزق تلك الموضوعات به.

وقال ابن حبان أيضاً: (

فوجب التنكب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه، لما فيها من الأخبار المدلَّسة عن الضعفاء والمتروكين، ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه، لما فيه مما ليس من حديثه).

وقال الدارقطني في «الضعفاء» : (يعتبر بما يروي عنه العبادلة: ابن المبارك، والمقرئ، وابن وهب).

فليس رواية العبادلة عنده صحيحة، بل ضعيفة يُعتبر بها.

قال أحمد بن حنبل: (ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب، أعتبر به، وهو يقوي بعضه بعضاً).

وذكر أبو زرعة وأبو حاتم بعد تضعيفهما بأن أمر ابن لهيعة مضطرب، يكتب حديثه على الاعتبار.

ومن ضعفه ممن سبق، ضَعَّفَه لسوء حفظه، كما قال أبو زرعة، وغيره.

وقد ذُكر فيه أمور أخرى: الاختلاط، وقبوله التلقين، واحتراق كتبه، والتدليس، وقد سبق ذكر شيء منها في كلام من ضعفه.

أما الاختلاط: =

ص: 360

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فقد ذكر الحاكم في «المستدرك» (2/ 390) أنه اختلط في آخر عمره.

لكن ابن سعد ذكر أن أهل مصر ـ وهم أهل بلده ـ ذكروا أنه لم يختلط.

فالصواب أنه لم يختلط، لأن أهل مصر أدرى به، وهُوَ سَيءُ الحفظ، وربما زاد سوءاً في آخر عمره.

قال ابن معين: ليس بشيء، تغيَّر أو لم يتغير.

وبعضهم ذكر الاختلاط بعد احتراق كتبه، وسيأتي بيانه.

وأما قبوله التلقين:

قاله قتيبة بن سعيد، وأبو الأسود فيما نقله عنه أبو حاتم الرازي، وسعيد بن أبي مريم وقيَّده بأنه في آخر عمره.

وأما احتراق كتبه:

أثبته: الفلاس، وإسحاق الطباع، وابن حبان، والخطيب.

ونفاه: ابن معين، وأبو زرعة.

وتوسط قوم فقالوا: لم يحترق من كتبه إلا القليل، وأما جُلُّ أصوله فقد بقيت على حالها.

وقال بذلك: عثمان بن صالح السهمي، والذهبي.

قال الذهبي في «السير» : الظاهر أنه لم يحترق إلا بعض أصوله.

وهذا هو الراجح، وعليه فالقول بأنه اختلط بسبب احتراق كتبه، وأنه حدث بعده من حفظه، فظهرتِ المنكرات في حديثه، قَولٌ مرجوحٌ.

قال أبو زرعة: لم تحترق كتبه، ولكن كان ردئ الحفظ. =

ص: 361

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأما التدليس:

فقد وصفه بذلك ابن حبان كما سبق في النقل عنه فيمن ضعفه.

وقال ابن كثير في «تفسيره» (10/ 28) ـ سورة الحج، آية (18) ـ (

فإن ابن لهيعة قد صرح بالسماع، وأكثر ما نقموا عليه تدليسه).

وذكره ابن حجر في «المرتبة الخامسة» من مراتب المدلسين، ونقل عن ابن حبان فقط، والمرتبة الخامسة هم: من ضُعِّفَ بأمر آخر سوى التدليس، فحديثهم مردود، ولو صرحوا بالسماع إلا أن يوثَّق من كان ضعفه يسيراً كابن لهيعة.

ولم يصفْ أحدٌ من الأئمة ابنَ لهيعة بالتدليس غير ابن حبان، وما جاء في إشارة ابن كثير، والذين تكلموا في ابن لهيعة جرحاً وتعديلاً عددٌ كثير من الأئمة، في جوانب من حال ابن لهيعة، ولم ينص أحدٌ منهم على أنه مدلس. وربما وصفه ابن حبان بذلك لما ظهر من سوء حفظه وتخليطه، ويحتمل أنه من تصرف الرواة عن ابن لهيعة خاصة وأنه سبق الكلام في قبوله التلقين.

فالراجح أنه غير مدلس.

قال الذهبي في «السير» : (لا ريب أنه كان عالم الديار المصرية هو والليث معاً

ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبه الاحتجاج به عندهم.

وبعض الحفاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد والاعتبارات، والزهد والملاحم، لا في الأصول، وبعضهم يبالغ في وهنه، ولا ينبغي إهداره، وتتجنَّب تلك المناكير، فإنه =

ص: 362

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عدل في نفسه

أعرض أصحاب الصحاح عن رواياته، وأخرج له أبو داود، والترمذي، والقزويني، وما رواه عنه ابن وهب والمقرئ. والقدماء، فهو أجود).

وقال في «الكاشف» : ضُعِّف

والعمل على تضعيف حديثه. وفي «المغنى» : ضعيف.

وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» : (صدوق، خلَّط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك، وابن وهب، عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون).

والراجح أنه ضعيف مطلقاً، ورواية مَنْ ذُكر من المتقدمين، وبالأخص العبادلة، أحسن حالاً، مع بقائها في دائر الضعف.

[«الطبقات» لابن سعد (7/ 516)، «تاريخ ابن معين» رواية الدوري (2/ 327)، ورواية الدارمي (533)، وابن الجنيد (538)، «التاريخ الكبير» للبخاري (5/ 182)، «الضعفاء» للبخاري (190)، «أحوال الرجال» للجوزجاني (274)، «سؤالات البرذعي لأبي زرعة» ـ ط. الفاروق ـ (48)(49)(681)، «جامع الترمذي» حديث (10)، «الجرح والتعديل» (5/ 145)، «الضعفاء والمتروكون» للنسائي (346)، «الضعفاء» للعقيلي (2/ 694)، «المجروحون» لابن حبان (1/ 504)، «الكامل» لابن عدي (4/ 144)، «الضعفاء» للدارقطني (322)، «تهذيب الكمال» (15/ 487)، «سير أعلام النبلاء» (8/ 11)، «الكاشف» (2/ 122)، «ميزان الاعتدال» (3/ 189)، «المغني» (1/ 561)، «تعريف أهل التقديس» (140)، «تهذيب التهذيب» (5/ 373)، «تقريب التهذيب» ـ ط. عوامة ـ (ص 353)، «النكت الرفيعة في الفصل في ابن لهيعة» =

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لعصام بن مرعي، «الإمام المحدث عبدالله بن لهيعة

» لحسن مظفر، تعليقات د. أحمد معبد على «النفح الشذى» (2/ 794)].

وللحديث شاهدٌ ـ بذكر كفارة التطير ـ من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

أخرجه: البزار في «البحرالزخار» (10/ 275)(4379)، وعنه: الطبراني في «الدعاء» (3/ 1316)(1270) من طريق الْحَسَنِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمد بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَن سُلَيمان بْنِ بُرَيدة، عَن أَبيهِ رضي الله عنه قَالَ ذَكَرْتُ الطِّيَرَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، ولا بُدَّ فَكَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ولا بُدَّ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ كَذَا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ لا طَيْرَ إلَاّ طَيْرُكَ، ولا خَيْرَ إلَاّ خَيْرُكَ، ولا إِلَهَ غَيْرُكَ.

قال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نعلَمُ أحَدًا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا اللَّفْظِ إلَاّ بُرَيدة، ولا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا إلَاّ هَذَا الطَّرِيقَ، ولا نَعْلَمُ أَسْنَدَ مُحَمد بْنُ جُحَادَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، إلَاّ هَذَا الْحَدِيثَ.

وهذا حديث ضعيف؛ لضعف الحسن بن أبي جعفر، ويشتد ضعفه إذا كان من روايته عن محمد بن جحادة، وهو شيخه هنا في هذا الحديث؛ وعليه فلا يُقَوِّي هذا الحديث حديثَ عبدالله بن عمرو.

ـ

الحسن بن أبي جعفر عجلان، وقيل: عمرو الجُفْري ـ بضم الجيم وسكون الفاء ـ أبو سعيد الأزدي، ويقال: العدوي البصري.

ضَعِيْفٌ، خاصة في روايته عن محمد بن جحادة. =

ص: 364

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ضَعَّفَهُ: يحيى بن سعيد القطان، وابن معين في رواية ابن الجنيد عنه، وابن المديني، والإمام أحمد، والجوزجاني، وأبو داود، والنسائي، والعقيلي، وابن حبان، والدارقطني، وغيرهم.

وقال أحمد في رواية عبدالله: ليس بشيء. وقال البخاري والساجي: منكر الحديث. وقال النسائي في رواية: متروك الحديث. وقال ابن معين: لا شيء.

وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث، كان شيخاً صالحاً، في بعض حديثه إنكار. وقال عمرو بن الفلاس: صدوق، منكر الحديث.

وذكر ابن عدي أن له أحاديث صالحة، وأنه يروي الغرائب، خاصة عن محمد بن جحادة، له عنه نسخة كبيرة

إلى أن قال: وله عن غير ابن جحادة عن ليث، عن أيوب، وعلي بن زيد، وأبو الزبير، وغيرهم على ما ذكرت أحاديث مستقيمة صالحة، وهو عندي ممن لا يتعمد الكذب، وهو صدوق كما قال عمرو بن علي، ولعل هذه الأحاديث التي أنكرت عليه توهمها توهماً، أو شُبِّه عليه فغلط. ا. هـ المراد نقله من «الكامل» لابن عدي.

والراجح أنه ضعيف الحديث مع صلاحه وفضله، خاصة روايته عن محمد بن جحادة، وتضعيفه هو ما عليه أئمة النقد، وانفرد ابن عدي بقوله: صدوق. وقال: وهو كما قال عمرو بن علي.

وقولُ عمرو بن علي لا يفيد تحسين حديثه؛ إذ أنه صدوق في نفسه؛ لصلاحه وعبادته وفضله، وهو منكر الحديث لوهمه وغلطه وقلبه للأسانيد، كما قال ابن حبان في =

ص: 365

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= «المجروحين» ؛ لذا ختم ابن حبان كلامه بقوله: حتى صار ممَّن لا يحتج به، وإن كان فاضلاً.

قال الذهبي في «الكاشف» : صالح خَيِّر، ضعَّفوه.

وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» : ضعيفُ الحديث مع عبادته وفضله.

ت 167 هـ أخرج حديثه الترمذي، وابن ماجه.

[«تاريخ ابن معين» رواية الدوري (2/ 108)، «رواية ابن الجنيد» (260)، «العلل» للإمام أحمد رواية عبدالله (3874)، «التاريخ الكبير» للبخاري (2/ 288)، «الضعفاء» للبخاري (63)، «أحوال الرجال» للجوزجاني (191)، «سؤالات الآجري لأبي داود» (1/ 431) (899)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (3/ 29)، «الضعفاء والمتروكون» للنسائي (155)، «الضعفاء» للعقيلي (1/ 240)، «المجروحون» لابن حبان (1/ 287)، «الكامل» لابن عدي (2/ 304)، «الضعفاء والمتروكون» للدارقطني (189)، «تهذيب الكمال» (6/ 73)، «ميزان الاعتدال» (2/ 5)، «المغني في الضعفاء» (1/ 245)، «الكاشف» (1/ 219)، «تهذيب التهذيب» (2/ 260)، «تقريب التهذيب» (ص 197)]

وجاء ذكر كفارة التطير في حديث موقوف على عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في محاورة بينه وبين كعب الأحبار. أخرجه ابن وهب في «جامعه» برقم (659)(660)، ومن المحتمل أن يكون الوقف على عبدالله، أصل الحديث، ووهم ابن لهيعة في رفعه.

ولم يرد في كفارة التطير ما يعضده. فيبقى على الضعف ـ والله أعلم ـ.

وأما الجزء الأول من الحديث، فله شواهد، منها ما سبق تخريجه في حديث «الطيرة شرك» . =

ص: 366

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وحديث رويفع بن ثابت، كما أخرجه: البزار في «البحر الزخار» (6/ 300 ـ 301)(2316) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَسَدِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِدْرِيسُ بْنُ يَحْيَى الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شِيَيْمِ بْنِ بَيْتَانَ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ شَيْءٍ فَقَدْ قَارَفَ الشِّرْكَ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ وَحْدَهُ، وَشُيَيْمُ بْنُ بَيْتَانَ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا حَدِيثَهُ إِذْ كَانَ لَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْكَلَامُ إِلَّا عَنْهُ وَقَدْ رَوَى غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضاً.

سئل الإمام أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث من طريق إدريس بن يحيى، به، فقال: هذا حديث منكر. «العلل» لابن أبي حاتم (6/ 93)(2347).

وأما ابن حجر فقال في «مختصر الزوائد» (1/ 641)(1160): إسناده حسن.

وحديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه موقوفاً عليه، ولفظه:(من ردته الطيرة فقد قارف الشرك)، أخرجه: ابن وهب في «جامعه» (2/ 743) رقم (656)(657)، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (16/ 517) عن ابن لهيعة، عن عياش بن عباس، عن أبي الحصين، عن فضالة، موقوفاً.

و(657) عن الليث بن سعد، عن عياش بن عباس، عن أبي عبدالرحمن الحبلي، عن فضالة بن عبيد، موقوفاً. وقد صحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3/ 53)(1065).

ص: 367

وَلَهُ مِنْ حَدِيْثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ: (إِنَّمَا الْطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ أَوْ رَدَّكَ)(1).

(1) ضعيف.

قال الإمام أحمد في «مسنده» (3/ 327)(1824): حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلاثَةَ، عَنْ مَسْلَمَةَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمًا فَبَرِحَ ظَبْيٌ، فَمَالَ فِي شِقِّهِ فَاحْتَضَنْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَطَيَّرْتَ؟ قَالَ:«إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ، أَوْ رَدَّكَ» .

قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 358): رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ، وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ.

قال الشيخ المحدث: سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في «تيسير العزيز الحميد» (2/ 892): (هكذا رواه أحمد، وفي إسناده نظر. وقرأتُ بخط المصنِّف: «فيه رجل مختلف فيه، وفيه انقطاع» أي: بين مسلم وبين الفضل بن عباس .. ).

ـ

حماد بن خالد الخياط القرشي، أبو عبدالله البصري، نزيل بغداد، قال في «التقريب» (ص 214): ثقةٌ، أُمِّيٌّ.

ـ

محمد بن عبدالله بن عُلَاثَة العُقيلي الجَزَري، أبو اليسير الحرّاني القاضي.

ضعيف.

وثَّقه: ابن سعد، وابن معين في رواية الدوري والدارمي عنه، والخطيب البغدادي.

وتوسَّط فيه جماعةٌ: قال ابن عدي: حسن الحديث، وأرجو أنَّه لابأس به.

وضعَّفَهُ جماعةٌ، وبعضهم تركه: قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولايحتج به. وقال البخاري: في حديثه نظر. وقال الداقطني: عمرو بن الحصين، وابنُ علاثة جميعاً متروكان. قال ابن حبان: كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات، ويأتي بالمعضلات =

ص: 368

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عن الأثبات، لايحلُّ ذكره في الكتب إلا على جهة القدح فيه، ولاكتابة حديثه إلا على جهة التعجب. قال البزار في «مسنده»: ليِّن الحديث.

وضعفه أبو نعيم، وقال الحاكم: ذاهب الحديث، له مناكير عن الأوزاعي وعن أئمة المسلمين. وقال الحاكم أيضاً: روى عن الأوزاعي وخُصيف الجزري والنضر بن عربي أحاديث موضوعة.

قال ابن حجر في «التقريب» : صدوق يخطئ.

وتعقَّبه أصحاب «تحرير التقريب» بأن الصواب: ضعيف يعتبر به في الشواهد والمتابعات.

ولعلَّل الراجح فيه ـ والله أعلم ـ أنه ضعيف؛ وهو اختيار الأكثرين، وقد أورده الذهبي في «المغني في الضعفاء» .

ينظر: [«الطبقات» لابن سعد (7/ 323، 483)، «تاريخ ابن معين رواية الدارمي (ص 187) (808) والدوري (2/ 514)، «التاريخ الكبير» للبخاري (1/ 132)، «الجرح والتعديل» (7/ 302)، «المجروحون» لابن حبان» (2/ 291)، «الكامل» لابن عدي (6/ 222)، «البحر الزخار» للبزار (3/ 245)، «سؤالات السجزي والبغداديين للحاكم» (ص 67) (256)، «تهذيب الكمال» (25/ 524)، «تهذيب التهذيب» ـ ط. الرسالة ـ (4/ 612)، «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 325)، «تقريب التهذيب» (ص 519)، «تحرير التقريب» (3/ 271)].

ــ مَسْلمة بن عبدالله بن رِبْعِيّ الجُهني الحِمْيَري الدمشقي، قال في «التقريب» (ص 560): مقبول.

أي حيث يتابَع، وإلا فليِّن الحديث ـ كما أشار لذلك في المقدمة (ص 111). =

ص: 369

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وهذا الإسناد ضعيف، فيه ثلاث عِلل: ضعف ابن علاثة، وعدم متابعة مسلمة، وانقطاعه بين مسلمة والفضل. لأن الفضل قديم الوفاة، قتل يوم اليرموك (15 هـ)، وقيل: يوم مَرْج الصُّفَّر (سنة 13 هـ)، وقال ابن كثير: والصحيح أنه تأخر إلى سنة 18 هـ. ينظر في ترجمة «الفضل بن العباس» من «تهذيب الكمال» (23/ 232)، و «البداية والنهاية» (9/ 611).

وللحديث شواهد شديدة الضعف، لاتفيده شيئاً، منها:

ــ حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الطيرة ما ردَّك أو أمضاك. (لفظ أبي يعلى)، ولفظ الروياني (ما حبسك وأمضاك).

أخرجه أبو يعلى في «مسنده» ـ كما في «المطالب العالية» (11/ 186)(2494) من طريق جعفر بن الزبير، والروياني في «مسنده» (2/ 290)(1229) من طريق مُطَّرِح، عن عبيد الله بن زَحْر، عن علي بن يزيد الألهاني، كلاهما:(جعفر، وعلي) عن القاسم، عن أبي أمامة.

جعفر بن الزبير الحنفي: متروك الحديث «التقريب» (ص 179)، ومُطَّرِح بن يزيد أبو المهلب الكوفي: ضعيف. «التقريب» (ص 563)، وعبيد الله بن زَحْر: صدوق يخطئ. «التقريب» (ص 402)، وعلي بن يزيد الألهاني: ضعيف. «التقريب» (ص 437)، القاسم بن عبدالرحمن الدمشقي، صاحب أبي أمامة: صدوق يُغرِب كثيراً. «التقريب» (ص 480).

وانظر للشواهد: حاشية «المطالب العالية» لابن حجر ـ ط. العاصمة ـ (11/ 186)، ولايُسَلَّمُ للمخرِّج ما توصَّل إليه.

ص: 370

- قَوْلُهُ: (كَيْفَ تَقُوْلُ فِيْ حَدِيْثِ عِتْبَانَ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الْنَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ).

أَقُوْلُ: إِذَا جَاءَ بِشُرُوْطِهَا وَتَحْقِيْقِهَا، وَمَعْرِفَةِ المَنْفِيِّ مِنَ المُثْبَتِ فِيْهَا.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ:

(وَقَوْلُ الْعَبْدِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، يَقْتَضِيْ أَنْ لَا إِلَهَ «لَهُ» (1) غَيْرَ اللهِ، وَالْإِلَهُ: هُوَ الَّذِيْ يُطَاعُ فَلَا يُعْصَى؛ هَيْبَةً لَهُ، وَإِجْلَالَاً، وَمَحَبَّةً، وَخَوْفَاً، وَرَجَاءً، وَتَوَكُّلَاً «عَلَيْهِ» (2)، وَسُؤَالَاً مِنْهُ، وَدُعَاءً لَهُ؛ وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَا لله عز وجل) (3).

(1) سقطت من المخطوطة، والتصحيح من كتاب «كلمة الإخلاص» (ص 23)، فالعبارة:(أنْ لا إلَهَ لَهُ غَيرُ الله).

(2)

سقطت من المخطوطة، والتصحيح من كتاب «كلمة الإخلاص» (ص 23).

(3)

يحسُن هنا إكمال النص من ابن رجب، قال:(فمن أشرك مخلوقاً في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية؛ كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول (لا إله إلا الله)، ونقصاً في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك؛ وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله، أو خوفه، أو رجائه، أو التوكل عليه، والعمل لأجله؛ كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله، =

ص: 371

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَغَيْرُهُ، فِيْ هَذَا الحَدِيْثِ وَنَحْوِهِ، فِيْمَنْ قَالَهَا وَمَاتَ عَلَيْهَا، كَمَا جَاءَتْ مُقَيَّدَةً بِقَوْلِهِ: خَالِصَاً مِنْ قَلْبِهِ، غَيْرَ شَاكٍّ فِيْهَا، بِصِدْقٍ وَيَقِيْنٍ، فَإِنَّ حَقِيْقَةَ الْتَّوْحِيْدِ انْجِذَابُ الْرُّوْحِ إِلَى الله تَعَالَى جُمْلَةً.

فَمَنْ شَهِدَ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصَاً مِنْ قَلْبِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ هُوَ انْجَذَابُ الْقَلْبِ إِلَى الله تَعَالَى، بِأَنْ يَتُوْبَ مِنَ الْذُّنُوبِ تَوْبَةً

= والإعتماد عليه، وعلى من سوَّى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت .. وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرُّدِ الله بالنفع والضر، كالطيرة، والرُّقَى المكروهة، وإتيان الكُهَّان وتصديقهم بما يقولون؛ وكذلك اتِّباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادحٌ في تمام التوحيد وكماله، ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك، كقتال المسلم ..... إلخ

«كلمة الإخلاص وتحقيق معناها» لابن رجب ـ ط. المكتب الإسلامي ـ (ص 23)، وعنه:«تيسير العزيز الحميد» (1/ 180)، و «فتح المجيد» (1/ 125).

وانظر في تفصيل معنى (الإله): كتاب «رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله وتحقيق معنى التوحيد والشرك بالله» للشيخ العلَاّمة: عبدالرحمن المُعلِّمي ـ ط. دار العاصمة ـ (ص 187) وما بعدها، و «حقيقة التوحيد بين أهل السنة والمتكلمين» د. عبدالرحيم السُّلَمِي (ص 349).

ص: 372

نَصُوْحَاً؛ فَإِذَا مَاتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ نَالَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيْثُ، بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْنَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. وَكَانَ فِيْ قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيْرَةً، وَمَا يَزِنُ خَرْدَلَةً، وَمَا يَزِنُ ذَرَّةً.

وَتَوَاتَرَتِ (1) بِأَنَّ كَثِيْرَاً مِمَّنْ يَقُوْلُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) يَدْخُلُ الْنَّارَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا، وَتَوَاتَرَتْ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْنَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَشَهِدَ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ، لَكِنْ جَاءَتْ مُقَيَّدَةً بِالْقُيُوْدِ الْثِّقَالِ.

وَأَكْثُرُ مَنْ يَقُوْلُهَا لَا يَعْرِفُ الْإِخْلَاصَ! وَأَكْثَرُ مَنْ يَقُوْلُهَا إِنَّمَا يَقُوْلُهَا تَقْلِيْدَاً أَوْ عَادَةً، وَلَمْ يُخَالِطِ الإِيْمَانُ بَشَاشَةَ قَلْبِهِ!

وَغَالِبُ مَنْ يُفتَنُ عِنْدَ المَوْتِ، وَفِيْ الْقُبُوْرِ، أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ، كَمَا فِيْ الحَدِيْثِ:«سَمِعْتُ الْنَّاسَ يَقُوْلُوْنَ شَيْئَاً، فَقُلْتُهُ» (2).

وَغَالِبُ أَعْمَالِ هَؤُلَاءِ، إِنَّمَا هُوَ تَقْلِيْدٌ وَاقْتِدَاءٌ بِأَمْثَالِهِمْ، وَهُمْ مِنْ أَقْرَبِ الْنَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (3)

(1) نهاية الورقة [21] من المخطوط.

(2)

ينظر: «صحيح البخاري» (86)، و «صحيح مسلم» (905) من حديث أسماء، عن عائشة رضي الله عنهما.

(3)

سورة الزخرف (23).

ص: 373

وَحِيْنَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَحَادِيْثِ.

فَإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا بِإِخْلَاصٍ وَيَقِيْنٍ تَامٍّ، لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الحَالُ مُصِرَّاً عَلَى ذَنْبٍ أَصْلَاً. انْتَهَى مُلَخَّصَاً مِنْ كَلَامِهِ رحمه الله. (1)

(1) النص منقولٌ من «فتح المجيد» ، وفي النقل سقط، من المناسب إكماله هنا، وهو قبل قوله (انتهى ملخصاً من كلامه)، قال:

فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحبَّ إليه من كل شيء، فإذن لا يبقى في قلبه إرادةٌ لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله.

وهذا هو الذي يحرُم على النار وإن كانت له ذنوب قبل ذلك، فإن هذا الإيمان وهذا الإخلاص، وهذه التوبة، وهذه المحبة، وهذا اليقين، لا تترك له ذنباً إلا مُحِيَ عنه كما يمحو الليلُ النهارَ، فإذا قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأكبر والأصغر، فهذا غيرُ مصِرٍّ على ذنب أصلاً، فيُغفَر له ويحرُم على النار.

وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر، ولم يأتِ بعدها بما يناقض ذلك، فهذه الحسنة لا يقاومها شيءٌ من السيئات؛ فيرجح بها ميزان الحسنات، كما في حديث البطاقة، فيحرم على النار، ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه.

وهذا بخلاف من رجحت سيئاته بحسناته ومات مُصِرَّاً على ذلك، فإنه يستوجب النار وإن قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر، لكنه لم يمت على ذلك، بل أتى بعد ذلك بسيئات رجحت على حسنة توحيده، فإنه في حال قولها كان مخلصاً لكنه أتى بذنوب أوهنت ذلك التوحيد والإخلاص فأضعفته، وقويت نارُ الذنوب حتى أحرقت =

ص: 374

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ذلك بخلاف المُخْلِص المستيقن، فإن حسناته لا تكون إلا راجحةً على سيئاته ولا يكون مُصِرَّاً على سيئات، فإنْ ماتَ على ذلك دخل الجنة.

وإنما يُخاف على المخلص أن يأتي بسيئةٍ راجحةٍ فيَضعُف إيمانُه، فلا يقولها بإخلاص ويقين مانع من جميع السيئات، ويُخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر، فإنْ سَلِم من الأكبر بقي معه من الأصغر، فيضيف إلى ذلك سيئات تنضَمُّ إلى هذا الشرك فيرجح جانِبُ السيئات، فإن السيئات تُضْعِفُ الإيمان واليقين، فيضعف قولُ «لا إله إلا الله» ، فيمتنع الإخلاصُ بالقلب، فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النائم، أو من يُحسِّنُ صوتَه بآية من القرآن من غير ذوق طعم وحلاوة، فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين، بل يأتون بعدها بسيئات تُنْقِضُ ذلك، بل يقولونها من غير يقين وصدق، ويموتون على ذلك، ولهم سيئات كثيرة تمنعهم من دخول الجنة.

وإذا كثرت الذنوب ثَقُلَ على اللسان قولها وقسا القلب عن قولها، وكَرِهَ العملَ الصالح، وثَقُلَ عليه سماع القرآن، واستبشر بذكر غيره، واطمأن إلى الباطل، واستحلى الرفث، ومخالطة أهل الباطل، وكره مخالطة أهل الحق، فمثل هذا إذا قالها قال بلسانه ما ليس في قلبه، وبفيه ما لا يُصَدِّقه عمله.

قال الحسن: «ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال؛ فمن قال خيراً وعمل خيراً؛ قُبِلَ منه، ومن قال خيراً وعمِلَ شرَّاً؛ لم يقبل منه» .

وقال بكر بن عبد الله المزني: «ما سبقهم أبو بكر رضي الله عنه بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بشيء وَقَرَ في قلبه» . =

ص: 375

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ ـ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ـ: (وَالْشَارِعُ ـ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ـ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ حَاصِلَاً بِمُجَرَّدِ الْلِّسَانِ فَقَطْ، فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ المَعْلُوْمِ بِالْاضْطِرَارِ مِنَ دِيْنِ الإِسْلَامِ، فَإِنَّ المُنَافِقِيْنَ يَقُوْلُوْنَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَهُمْ تَحْتَ الجَاحِدِيْنَ لَهَا فِيْ الْدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ الْنَّارِ)(1).

= فمن قال: «لا إله إلا الله» ولم يقم بموجبها بل اكتسب مع ذلك ذنوباً، وكان صادقاً في قولها موقناً بها ـ لكن له ذنوب أضعفت صدقَه ويقينَه ـ وانضاف إلى ذلك الشرك الأصغر العملي؛ رجحت هذه السيئات على هذه الحسنة، ومات مصراً على الذنوب.

بخلاف من يقولها بيقين وصدق، فإنه إمَّا أن لا يكون مصراً على سيئة أصلاً، أويكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته.

والذين يدخلون النار ممن يقولها، إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التامَّيْنِ المنافِيَين للسيئات، أو لرجحانها، أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم، ثم ضعُف لذلك صدقهم ويقينهم، ثم لم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين تام؛ لأن الذنوب قد أضعفت ذلك الصدق واليقين من قلوبهم، فقولها من مثل هؤلاء لا يقوى على محو السيئات، فترجحُ سيئاتهم على حسناتهم. انتهى ملخصاً.

وقد ذكر معناه غيره، كابن القيم، وابن رجب، والمنذري، والقاضي عياض، وغيرهم. انتهى.

ينظر: «تيسير العزيز الحميد» (1/ 228 ـ 234)، و «فتح المجيد» (1/ 137 ــ 143).

(1)

«مدارج السالكين» ـ ط. الصميعي ـ (2/ 889).

ص: 376

وَفِيْ «الْدِّيْنِ الخَالِصِ» (1): (قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: المُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيْثِ أَنْ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» سَبَبٌ لِدُخُوْلِ الجَنَّةِ، وَالْنَّجَاةِ مِنَ الْنَّارِ وَالمُقْتَضِيْ لِذَلِكَ.

وَلَكِنَّ المُقْتَضِيْ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، إِلَّا بِاجْتِمَاعِ شُرُوْطِهِ، وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ.

فَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ مُقْتَضَاهُ؛ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوْطِهِ، أَوْ لِوُجُوْدِ مَانِعٍ، وَهَذَا قَوْلُ الحَسَنِ، وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ (2)، قَالَ (3) لِلْفَرَزْدَقِ وَهُوَ يَدْفِنُ امْرَأَتَهُ: مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ؟ قَالَ: شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُنْذُ سَبْعِيْنَ سَنَةٍ. (4) نِعْمَ الْعُدَّةُ؛ إِنَّ لِ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» شُرُوْطَاً، فَإيَّاكَ وَقَذْفَ المُحْصَنَاتِ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْفَرَزْدَقِ: هَذَا الْعَمُوْدُ فَأَيْنَ الْطِّنْبُ؟

وَقِيْلَ لِلْحَسَنِ: إِنَّ نَاسَاً يَقُوْلُوْنَ: مَنْ قَالَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» ؛ دَخَلَ الجَنَةَ، فَقَالَ: مَنْ قَالَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» فَأَدَّى حَقَّهَا وَفَرْضَهَا؛ (دَخَلَ الجَنَّةَ)(5).

(1) لصِدِّيق حسن خان القنوجي (ت 1307 هـ)، وهو شيخ للمؤلف - رحمهما الله -.

(2)

في «الدين الخالص» زيادة: وهو الأظهر.

(3)

في «الدين الخالص» : قال الحسن للفرزدق:

(4)

في «الدين الخالص» : قال الحسن: نِعْمَ

(5)

ساقطة من المخطوطة.

ص: 377

وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: لِمَنْ سَأَلَ: أَلَيْسَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ؟ !

قَالَ: (وَلَكِنْ مَا مِنْ مِفْتَاحٍ، إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ؛ فُتِحَ لَكَ، وَإِلَّا لَمْ يُفْتَح لَكْ)(1)(2).

- قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا: أَنَّ الْرَّجُلَ إِذَا قَالَ: هُوَ لَا يُؤْمِنُ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ، أَوْ جَاهِلٌ يُعْذَرُ).

أَقُوْلُ: قَدْ أَخْبَرَ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ الْإِيْمَانَ:

أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ (3)، فَهَذَا جَوَابٌ لمِنْ سَأَلَهُ عَنِ الْإِيْمَانِ، فَمَنْ جَحَدَ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ، أَوْ مِنَ الْأَسمَاءِ

(1) انظر هذه الآثار في: «صحيح البخاري» في أول كتاب الجنائز (ص 243)، ، «فتح البارئ» (3/ 109)، «عمدة القارئ» (8/ 3)، «التاريخ الكبير» للبخاري (1/ 95)، «المطالب العالية» (12/ 334)(2893)، «حلية الأولياء» لأبي نعيم (4/ 66)، «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (1/ 210)، «فيض القدير» للمُنَاوي (5/ 286)، «فتح الحميد في شرح التوحيد» لعثمان بن عبدالعزيز بن منصور (1/ 302 ـ 303).

(2)

«الدين الخالص» لصديق حسن خان القنوجي (1/ 157)، وفي ـ ط. وزارة الشؤون الإسلامية في قطر ـ (1/ 154).

(3)

يضاف: وبالقدرخيره وشَرِّه. كما في حديث جبريل. «صحيح مسلم» (8).

ص: 378

وَالْصِّفَاتِ، أَوْ الْذَّاتِ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، فَإنَّهُ كَافِرٌ بِاللهِ الْعَظِيْمِ (1)، وَمُخَلَّدٌ فِيْ الْنَّارِ بِإجْمَاعِ أَهْلِ الْسُّنَّةِ.

«وَقَدْ يَكُوْنُ الْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءَ، كَمَا قَالَتْ الْعُلَمَاءُ: كُفْرُ إِنْكَارٍ؛ وَكُفْرُ جُحُوْدٍ؛ وَكُفْرُ عِنَادٍ؛ وَكُفْرُ نِفَاقٍ.

فَكُفْرُ الْإِنْكَارِ هُوَ: أَنْ لَّا يَعْرِفَ اللهَ أَصْلَاً، وَلَا يَعْتَرِفْ بِهِ.

وَكُفْرُ الجُحُوْدِ هُوَ: أَنْ يَعْرِفَ اللهَ بِقَلْبِهِ، وَلَا يَعْتَرِفْ بِلِسَانِهِ، كَكُفْرِ إِبْلِيْسَ، وَكُفْرِ الْيَّهُوْدِ، قَالَ اللهُ تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} (2)

وَكُفْرُ الْعِنَادِ، هُوَ: أَنْ يَعْرِفَ اللهَ بِقَلْبِهِ، وَيَعْتَرِفَ بِلِسَانِهِ، وَلَا يَدِيْنُ بِهِ، كَكُفْرِ أَبِيْ طَالِبٍ، حَيْثُ يَقُوْلُ:

وَلَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ (3) دِيْنَ مُحَمَّدٍ

لَمِنْ (4) خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِيْنَاً

وَلَوْلَا (5) المَلَامَةُ أَوْ حَذَارِ مَسَبَّةٍ

لَوَجَدْتَنِيْ سَمْحَاً بِذَلِكَ (6) مُبِيْنَاً

(1) نهاية الورقة [22] من المخطوط.

(2)

سورة البقرة، آية (89).

(3)

في «تفسير البغوي» (1/ 64): بأنَّ.

(4)

في «تفسير البغوي» (1/ 64): مِنْ.

(5)

في «تفسير البغوي» (1/ 64): لولا

(6)

في «تفسير البغوي» (1/ 64): بذاك.

ص: 379

أَمَّا كُفْرُ الْنِّفَاقِ: فَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِلِسَانِهِ، وَلَا يَعْتَقِدَ بِالْقَلْبِ.

وَجَمِيْعُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ سَوَاءٌ؛ فِيْ أَنَّ مَنْ لَقِيَ اللهَ تَعَالَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا؛ لَا يُغْفَرُ لَهُ» (1).

قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا: أَنَّ قَوْلَ اللهِ تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ .... الآيَة

} (2)، مَا مَنَعَتْ الْرَّسُوْلَ عَنْ مُوَادَّةِ المُنَافِقِيْنَ).

أَقُوْلُ: قَدْ نَفَى اللهُ سبحانه وتعالى الْإِيْمَانَ عَمَّنْ يُوَادُّ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ، مِنَ الْكُفْرِ، وَالْنَّفَاقِ، وَالْفُجُوْرِ، وَالْفُسُوْقِ، فَكُلُّهُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، عَلَى اخْتِلَافِ المَرَاتِبِ؛ يَخْتَلِفُ الْوَعِيْدُ بِهِ.

(1) مابين القوسين منقول من كتاب «معالم التنزيل» ـ تفسير البغوي ـ (1/ 64).

وانظر في بيان أنواع الكفر ـ نعوذ بالله منه ـ: «تهذيب اللغة» للأزهري (10/ 110)، و «تفسير القرآن» لأبي المظفر السمعاني (1/ 46)، و «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (1/ 186)، و «مدارج السالكين» لابن القيم ـ ط. الصميعي ـ (2/ 906)، و «التعريفات الإعتقادية» لسعد آل عبداللطيف (ص 271 ـ 281) ـ مهم ـ.

(2)

سورة المجادلة، آية (22).

ص: 380

فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى عَدَمِ مُوَالَاةِ الْكَافِرِيْنَ وَالمُنَافِقِيْنَ، وَأَهْلِ الْفُجُوْرِ، وَالْفُسُوْقِ، وَكُلِّ مَنْ فَعَلَ كَبِيْرَةً مِنْ كَبَائِرِ الْذُّنُوْبِ.

قَوْلُهُ: (مَنْ) نَكِرَةٌ، تَعُمُّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُمَا.

وَقِيْلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ فِيْ حَاطِبِ بْنِ أَبِيْ بَلْتَعَةَ، حِيْنَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ.

وَرَوَى مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ، فِيْ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ:{وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ}

يَعْنِيْ: أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الَجرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ، {أَوْ أَبْنَاءَهُمْ}: يَعْنِيْ أَبَا بَكْرٍ، دَعَا ابْنَهُ يَوْمَ بَدْرٍ إِلَى الْبَرَازِ، وَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ دَعْنِيْ أَكُوْنُ فِيْ الْرَّعْلَةِ الْأُوْلَى (1)، فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(مَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ). {أَوْ إِخْوَانَهُمْ} يَعْنِيْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْدَةَ بْنَ عُمَيْرٍ، يَوْمَ أُحُدٍ. {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} يَعْنِيْ عُمَرَ، قَتَلَ خَالَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ المُغِيْرَةِ، يَوْمَ بَدْرٍ.

وَعَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ، قَتَلَوْا يَوْمَ بَدْرٍ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيْعَةَ، وَالْوَلِيْدَ ابْنَ عُتْبَةَ. (2)

(1) يقال للقطعة من الفرسان (رَعْلَة)، ولجماعة الخيل (رَعيل) كما في «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (2/ 235)، والمراد هنا: الجماعة الأولى من الشهداء ..

(2)

لم أجد مَن أخرجه، وقد أورده بلا إسناد عدد من المفسرين، وروي في بعضه أسانيد ضعيفة كقصة أبي عبيدة، ينظر:«أسباب النزول» للواحدي ـ ط. الميمان ـ (653)، «تفسير البغوي» (8/ 63)، «تفسير ابن كثير» ـ ط. طيبة ـ (8/ 54)، و «الاستيعاب في بيان الأسباب» في أسباب نزول القرآن، للهلالي ومحمد نصر (3/ 350 ـ 351)، و «تخريج الأحاديث والآثار الواردة في تفسير الزمخشري» للزيلعي (3/ 433)، و «الكشف والبيان» للثعلبي (9/ 264).

ص: 381

هَلْ هَذَا عَنْ مَوْدَّةٍ لَهُمْ؟ ! أَمْ عَنْ بُغْضٍ، وَقَدْ قَالَ اللهُ سبحانه وتعالى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (1)

قَالَ عَطَاءُ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْعَفْوِ وَالْصَّفْحِ. (2)

وَقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (3)

(1) سورة التحريم (9).

(2)

ينظر: «معالم التنزيل = تفسير البغوي» (4/ 74)، وانظر أثر ابن عباس رضي الله عنهما في «تفسير ابن جرير» (11/ 566).

(3)

سورة التوبة، آية (23).

ص: 382

وَقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} الْآيَةَ (1)(2).

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ اللهُ فِيْ كِتَابِهِ مِنَ الْنَّهْيِ عَنْ مُوَادَّةِ الْكَافِرِيْنَ وَالمُنَافِقِيْنَ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: (لَا تَلْقَى المُنَافِقِ إِلَّا بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ)(3).

(1) نهاية الورقة [23] من المخطوط.

(2)

سورة آل عمران، آية (118).

(3)

أخرج الطبري في «تفسيره» (11/ 566)، وابن مردويه في «تفسيره» ـ كما في «تخريج الأحاديث والآثار في كتاب الكشاف» للزيلعي (2/ 81) ـ من طريقَ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أبي جُنْدُبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ تعالى:{جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} قَالَ: «بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَكْفَهِرَّ فِي وَجْهِهِ» .

وهذا إسناده فيه ضَعْفٌ يَسِيْرٌ؛ لأجل عمرو.

ـ

عمرو بن أبي جُنْدب، مقبول. «التقريب» (ص 449).

ـ علي بن الأقمر بن عمرو الهمْداني، ثقة. «التقريب» (ص 429).

ـ

الحسن بن صالح بن حَيّ، ثقة، فقيه، عابد، رُمي بالتشيع. «التقريب» (ص 199).

ـ

يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، ثقة، حافظ، فاضل. «التقريب» (ص 618).

ص: 383

وَأَخْرَجَ «ابْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ» عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: إِنَّ هَهُنَا غُلَامَاً مِن أهْلِ الحِيْرَةِ، حَافِظَاً، كَاتِبَاً، فَلَوْ اتَّخَذْتَهُ كَاتِبَاً؛ قَالَ: لَقَدْ اتَّخَذَتُ إذَنْ بِطَانَةً مِنْ دُوْنِ المُؤْمِنِيْنَ. (1)

(1) أخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» ـ ط. عوامة ـ (13/ 233)(26392)، وابن جرير في «تاريخ الأمم والملوك» ـ ط. الكتب العلمية ـ (2/ 566)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» كما في «تفسير ابن كثير» (2/ 107)، وابن قتيبة في «عيون الأخبار» ـ ط. المصرية ـ (1/ 43)، وابن شبَّة في «تاريخ المدينة» ـ ط. شلتوت ـ (2/ 694) من طريق أبي حيَّان التيمي، عن أبي الزِّنباع، عن أبي الدِّهْقَانَة قال: قيل لعُمَر بن الخطاب رضي الله عنه: إنَّ ها هُنَا غلاماً من أهل الحِيرةِ، لَمْ يُرَ قطُّ أحفظَ منه، ولا أكتبَ منه، فإن رأيتَ أن تتخذه كاتباً بين يديك؟ إذا كانت لك حاجةٌ شهدك؟ قال: فقال عمر: «قد اتخذتُ إذن بِطَانةً من دون المؤمنين» . هذا لفظ ابن أبي شيبة.

ولفظ ابن جرير: إنَّ ههنا رَجُلٌ من الأنبار، لَهُ بَصَرٌ بِالدِّيْوَانِ، لَوْ اتَّخَذْتَهُ كَاتِبَاً ..

وفي لفظ ابن قتيبة: (من أهل الحيرة، وكان نصرانياً).

وعند ابن شبة: (إن هاهنا حائكاً من أهل الحيرة نصرانياً فلو استكتبته). يحتمل أن تكون (حائكاً) وهم أو تصحيف من (كاتباً).

وأخرجه عبد بن حميد كما في «الدر المنثور» ـ ط. هجر ـ (7/ 738).

ـ

أبو حيَّان التيمي: يحيى بن سعيد بن حيَّان الكوفي، ثقة، عابد. «تقريب التهذيب» (ص 622). =

ص: 384

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ـ

أبو الزنباع: صدقة بن صالح الكوفي، ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يوردا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأورده ابن حبان في «الثقات» .

والذي يظهر أنه مجهول.

ينظر: [«العلل للإمام أحمد رواية عبدالله» (2/ 361) (2601)، «تاريخ ابن معين رواية ابن محرز» (2/ 95)، «التاريخ الكبير» للبخاري (4/ 294)، «الجرح والتعديل» (4/ 428)، «الثقات» لابن حبان (6/ 466)، «المقتنى في سرد الكنى» للذهبي (1/ 250)].

ـ

أبو الدهقان، روى عن: عمر، وعبدالله. روى عنه: أبو الزنباع. لم يذكر فيه البخاري وابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً. وذكره العجلي وابن حبان في «الثقات» .

ينظر: [«تاريخ ابن معين» رواية الدوري (4/ 35)، «التاريخ الكبير ـ الكنى ـ» للبخاري (8/رقم (244)، «الثقات» للعجلي (1/ 497)، «الجرح والتعديل» (9/ 368)، «الثقات» لابن حبان (5/ 580)، «الكنى» للدولابي (2/ 528)، «فتح الباب في الكنى والألقاب» لابن مندة (1/ 308)].

وهذا الإسناد ضعيف؛ لجهالة أبي الزنباع، لكن لمعنى الحديث شاهد، ينظر في:«عيون الأخبار» (1/ 43)، و «السنن الكبرى» للبيهقي (10/ 127)، وصححه الألباني في «إرواء الغليل» (8/ 255)(2630).

هذا، وقد علَّق ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» (2/ 107) على هذا الأثر بقوله: [ففي هذا الأثر مع هذه الآية دلالة على أن أهل الذَّمَّة لا يجوز استعمالهم في الكتابة، التي فيها =

ص: 385

وَأَخْرَجَ عَنْ أَنَسٍ، فِيْ هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ:(لَا تَسْتَشِيْرُوْا (1) المُشْرِكِيْنَ فِيْ شَيْءٍ مِنْ أُمُوْرِكُمْ) (2).

= استطالة على المسلمين واطِّلاع على دَوَاخل أمُورهم التي يُخْشَى أن يُفْشوها إلى الأعداء من أهل الحرب؛ ولهذا قال تعالى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} ].

وانظر: «بدائع الفوائد» لابن القيم ـ ط. عالم الفوائد ـ (3/ 1004)، و «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (1/ 499)، و «إرشاد أولي الألباب إلى ما صحَّ من معاملة أهل الكتاب» لجمال بن محمد بن إسماعيل، و «الاستعانة بغير المسلمين في الفقه الإسلامي» د. عبدالله بن إبراهيم الطريقي، وهي رسالة دكتوراة من جامعة الإمام، طبعت في مؤسسة الرسالة.

(1)

في المخطوطة «لاتشيروا» ، وهو تصحيف، والتصويب من مصادرالتخريج.

(2)

ضعيف.

أخرجه: ابن أبي حاتم في «تفسيره» (3/ 743)(4036)، ومسدَّد في «مسنده» كما في «المطالب العالية» لابن حجر (10/ 410)(2271)، وابن جرير في «تفسيره»

ـ ط. التركي ـ (5/ 710)، ـ ط. أحمد شاكر ـ (7/ 142)، وابن المنذر في «تفسيره» (1/ 344)(841)، وأبو يعلى في «مسنده» ـ كما في «تفسير ابن كثير» (2/ 107)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/ 263)، وأبو الشيخ في «أمثال الحديث» (ص 348)(296)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (10/ 127)، وفي «شعب الإيمان» =

ص: 386

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (12/ 10)(8930)، والضياء المقدسي في «المختارة» (4/ 379)(1546) من طريق هشيم، عن العوام بن حوشب، عن الأزهر بن راشد، عن أنس رضي الله عنه، به.

عند ابن أبي حاتم فقط، جاء الحديث من قول أنس في الآية ـ كما ذكر المؤلف ـ.

وعند الباقين من قول الحسن البصري في تفسير حديث أنس مرفوعاً، وهذا لفظه: عَنِ الْأَزْهَرِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: كَانُوا يَأْتُونَ أنَساً، فَإِذَا حَدَّثهم بِحَدِيثٍ لَا يَدْرُونَ مَا هُوَ، أتَوا الْحَسَنَ ـ يَعْنِي الْبَصْرِيَّ يُفَسِّرُهُ لَهُمْ. قَالَ: فحدَّث ذَاتَ يَوْمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: (لا تَسْتَضِيؤوا بِنَارِ المُشْرِكِينَ، وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبياً). فَلَمْ يَدْرُوا مَا هُوَ، فَأَتَوُا الْحَسَنَ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ أَنَسًا حَدّثنا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَسْتَضِيؤوا بِنَارِ الشِّركِ، وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبياً) فَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَّا قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبياً): مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: (لا تَسْتَضِيؤوا بِنَارِ الشِّركِ) يَقُولُ: لَا تَسْتَشِيرُوا المشْرِكِينَ فِي أُمُورِكُمْ. ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}

وقد أخرج الجزء المرفوع فقط: الإمام أحمد في «مسنده» (19/ 18)(11954)، والنسائي في «سننه» (8/ 176)(5209)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 455) من طريق هشيم، به. لكن دون ذكر تفسير الحسن البصري. والحديث ضعفه الألباني في «الضعيفة» (10/ 322)(4781).

وأما الحديث مع تفسير الحسن البصري؛ فإسناده ضعيف؛ لضعف الأزهر. =

ص: 387

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ـ

الأزهر بن راشد البصري، روى عن: أنس بن مالك، والحسن البصري؛ روى عنه: العوام بن حوشب. قال أبو حاتم: مجهول، وضعفه ابن معين. روى له النسائي، قال الذهبي، وابن حجر: مجهول. وهو من الطبقة الخامسة.

وقيل: بأن قول أبي حاتم وابن معين إنما هو في أزهر بن راشد الكاهلي الكوفي، من الطبقة الثامنة، قيل: هما واحد، وقيل: بل اثنان. وقد قال ابن حجر في الكاهلي: ضعيف.

والصواب أنهما اثنان، والفرق بينهما واضح، وأن قول أبي حاتم وابن معين في الثاني، كما حققه الشيخ: أحمد شاكر في تحقيقه ل «تفسير ابن جرير» (7/ 142) ووهّم في ذلك المزي وابن حجر.

لكن أحمد شاكر وثَّقه! ولم يُسبَق إليه، والراجح أنه في دائرة الضعف، إما أن يكون مجهولاً أو ضعيفاً.

وانظر تعليق المحققين في حاشية «تهذيب الكمال» .

ينظر: [«تهذيب الكمال» (2/ 322)، «ميزان الاعتدال» للذهبي ـ ط. الرسالة ـ (1/ 182)، «الكاشف» (2/ 88)، «تقريب التهذيب» (ص 136)، «تعليق أحمد شاكر على تفسير الطبري» (7/ 142)].

ــ العوام بن حوشب بن يزيد الشيباني، ثقة، ثبت، فاضل. «تقريب التهذيب» (ص 463). =

ص: 388

وَأَخْرَجَ «ابْنُ أَبِيْ شَيْبَةَ» ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (مَنْ أَحَبَّ فِيْ اللهِ، وَأَبْغَضَ فِيْ الله، وَوَالَى فِيْ الله، وَعَادَى فِيْ الله، فَإِنَّمَا تُنَالُ وَلَايَةُ الله بِذَلِكَ، «وَلَنْ يَجِدَ

= ــ هشيم بن بشير بن القاسم السُّلمي، ثقة، ثبت، كثير التدليس والإرسال الخفي. «تقريب التهذيب» (ص 603).

علّق ابن كثير على تفسير الحسن البصري بعد أن ساقه بإسناد ومتن أبي يعلى، قال: [هَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى رحمه الله وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ هُشَيْمٍ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ هُشَيم بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِيهِ نَظَرٌ، وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ «لَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبيّا» أَيْ: بِخَطٍّ عَرَبِيٍّ، لِئَلَّا يُشَابِهَ نَقْشَ خَاتَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ كَانَ نَقْشُه مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا جاء في الحديث الصحيح أنه «نَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ» .

وَأَمَّا الِاسْتِضَاءَةُ بِنَارِ المشْرِكِينَ، فَمَعْنَاهُ: لَا تُقَارِبُوهُمْ فِي الْمَنَازِلِ بِحَيْثُ تَكُونُونَ مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، بَلْ تَبَاعَدُوا مِنْهُمْ وهَاجروا مِنْ بِلَادِهِمْ؛ وَلِهَذَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ رحمه الله «لَا تَتَرَاءَى نَاراهُمَا» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:«مَنْ جَامَعَ المُشْرِكَ أَوْ سَكَنَ مَعَهُ، فَهُوَ مِثْلُهُ» ؛ فحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَسَنُ رحمه الله وَالِاسْتِشْهَادُ عَلَيْهِ بِالْآيَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ]. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.

ص: 389

عَبْدٌ طَعْمَ الْإِيْمَانِ ـ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ ـ حَتَّى يَكُوْنَ كَذَلِكَ» (1)، وَقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ الْنَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى أَمْرِ الْدُّنْيَا، وَذَلِكَ لَا يُجْدِيْ عَلَى أَهْلِهِ شَيْئَاً) (2).

(1) مابين القوسين، ساقط من المخطوطة، والإضافة من المصدر «مصنف ابن أبي شيبة» ، وليس في مطبوعة «المصنف» الجزء الأخير «وقد صارت .. » .

(2)

ضعيف.

أخرجه: ابن المبارك في «الزهد» (1/ 328)(337)، وابن أبي شيبة في «مصنفه»

ـ ط. عوامة ـ (19/ 240)(35915)، وابن أبي الدنيا في «الإخوان» (22)، وابن نصر المروزي في «تعظيم قدرالصلاة» ـ ط. الربيش ـ (ص 271)(397)، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (3/ 306 ـ 307)(710)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (12/ 76)(9069) من طريق ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً عليه.

وأخرجه الطبراني في «الكبير» (12/ 318)(13537)، ومن طريقه:[أبو نعيم في «حلية الأولياء» (1/ 312)] من طريق ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

عند الطبراني موقوفاً، وعند أبي نعيم مرفوعاً. وربما يكون الرفع خطأً مطبعياً.

لم يخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، والحكيم، والبيهقي، الجزء الأخير (وقد صارت .. ) =

ص: 390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وعند المروزي زيادات.

وقد أخرجه أيضاً بتمامه: ابن جرير في «تفسيره» ـ كما ذكره ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (1/ 125)، والشيخ: محمد بن عبدالوهاب وحفيده سليمان «تيسير العزيز الحميد» (2/ 961).

وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» ـ كما في «الدر المنثور» (14/ 330).

وهو ضعيف؛ لضعف ليث بن أبي سليم ـ كما سبقت ترجمته في موضعين ـ، مع اضطرابه، فمرة يرويه عن ابن عباس، ومرة عن ابن عمر.

ويغني عنه أحاديث كثيرة، منها: ما رواه القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان). أخرجه: أبو داود (4681)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» ـ ط. الرشد ـ (7/ 130)(34730)، واللالكائي في «شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة» (3/ 972)(1618)، والطبراني في «الكبير» (8/ 177)(7737)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 11)، والبغوي في «شرح السنة» (13/ 54)، وغيرهم.

وهو حديث حسنٌ ـ إن شاء الله ـ؛ لشواهده، وقد صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ رقم 380)، وانظر:«الدر النضيد في تخريج كتاب التوحيد» للشيخ: صالح العصيمي (ص 113 ـ 144).

وللحديث شاهد عند الحاكم في «المستدرك» (2/ 178)(2694) من حديث معاذ الجهني رضي الله عنه.

وينظر للشواهد: «تعظيم قد رالصلاة» للمروزي ـ ط. الربيش ـ (رقم 394 وما بعده)، و «فتح الحميد» لعثمان بن منصور (3/ 1359)، و «أوثق عُرى الإيمان» للشيخ =

ص: 391

وَفِيْ حَدِيْثٍ رَوَاهُ «أَبُوْ نُعَيْمٍ» ، وَغَيْرُهُ، عَنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: (أَوْحَى اللهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَنْ قُلْ لِفُلَانٍ الْعَابِدِ: أَمَّا زُهْدُكَ فِيْ الْدُّنْيَا، فَتَعَجَّلْتَ رَاحَةَ نَفْسِكَ، وَأَمَّا انْقِطَاعُكَ إِليَّ، فَتَعَزَّزْتَ فِيَّ (1)، فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيْمَا لِيَ عَلَيْكَ؟

قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا لَكَ عَلَيَّ؟

قَالَ: هَلْ عَادَيْتَ لِيْ عَدُوَّاً، أَوْ وَالَيْتَ لِيْ وَلِيَّاً؟ ) (2).

= المحدث: سليمان بن عبدالله بن الإمام محمد بن عبدالوهاب، «تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران» للشيخ: حمود التويجري.

وفي (باب الولاء والبراء) ينظر: «الولاء والبراء» د. محمد بن سعيد القحطاني، و «الموالاة والمعاداة» لمحماس الجلعود، و «حقيقة الولاء والبراء في الكتاب والسنة بين تحريف الغالين وتأويل الجاهلين» للشيخ: د. عصام السناني.

(1)

في «حلية الأولياء» : بي.

(2)

ضعيف جداً.

أخرجه: أبو نعيم في «الحلية» (10/ 316 ـ 317)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» ـ ط. دار الغرب ـ (4/ 331)، وابن عبدالبر في «التمهيد» ـ ط. المغربية ـ (17/ 432)، وـ ط. الفاروق ـ (16/ 41 ـ 42)، وأبو القاسم الحلبي في «حديثه» ـ كما في «الضعيفة» للألباني (3337)، و (30) ـ كما في «برنامج جوامع الكلم» ، والقاضي عياض في «الغنية» (ص 144)، من طريق محمد بن محمد بن أبي الورد، قال: حدثني =

ص: 392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سعيد بن منصور، قال: حدثنا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبدالله بن الحارث، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا إسناد ضعيف جداً، لضعف حميد، وهو متروك.

ـ حميد بن عمَّار، وقيل: ابن عُبيد، وقيل: ابن عطاء، الأعرج الكوفي القاص.

قال الإمام أحمد: ضعيف، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث واهي الحديث، وقال ابن معين: ليس حديثه بشئ، وقال البخاري وأبو حاتم والترمذي: منكر الحديث، زاد أبو حاتم: ضعيف الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: يروي عن ابن الحارث، عن ابن مسعود نسخةً كأنها موضوعة.

قال ابن حجر: ضعيف. وقال الذهبي في «الميزان» : متروك.

واختيار الذهبي أصح.

ينظر: [«تهذيب الكمال» (7/ 409)، «ميزان الاعتدال» ـ ط. الرسالة ـ (1/ 564)، «تقريب التهذيب» (ص 218)]

ـ

خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي، صدوق اختلط في الآخر. «تقريب التهذيب» ـ ط. عوامة ـ (ص 320).

ـ محمد بن محمد بن أبي الورد، له ترجمة في «تاريخ بغداد» للخطيب ـ ط. الغرب ـ (4/ 330)، «طبقات الحنابلة» لأبي يعلى ـ تحقيق العثيمين ـ (2/ 353)، ولم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً.

وقد ضعَّف الحديث الألبانيُّ في «السلسلة الضعيفة» (7/ 351)(3337).

وقد رجَّح ابنُ عبدالبر وقفَ الحديث على ابن مسعود، وإذا كان كذلك فهو مع ضعفه جداً، من الاسرائليات. =

ص: 393

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال ابن عبدالبر في «التمهيد» ـ ط. المغربية ـ (17/ 434) ـ ط. الفاروق ـ (16/ 42):

[قَالَ الْأزدي ـ علي أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن الأزدي شيخ شيخ ابن عبدالبر في أحد أسانيد الحديث ـ: هذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْوَرْدِ، وَالنَّاسُ يُوقِفُونَهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبدالبر: قَدْ أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ الْحَافِظُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْحَلَبِيِّ، عَنِ الْغَضَائِرِيِّ بِإِسْنَادِهِ هَذَا مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَرْفَعْهُ.

وَأَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَيْضًا قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الإسفرايني الْحَافِظُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ حِفْظِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدُونَ الْفَقِيهُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْوَرْدِ وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأعرج، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ أَنْ قُلْ لِفُلَانٍ الزَّاهِدِ: أَمَّا زُهْدُكَ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَعَجَّلْتَ رَاحَةَ نَفْسِكَ؛ وَأَمَّا انْقِطَاعُكَ إِلَيَّ فَقَدْ تَعَزَّزْتَ بِي، فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا لِي عَلَيْكَ؟ قَالَ: وَمَا لَكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: هَلْ وَالَيْتَ فِي وَلِيًّا أَوْ عاديت في عدواً؟ .

قال الإسفرايني: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ أَبِي الْوَرْدِ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ مَنْصُورٍ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبدالبر: أَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. فَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ حميد الْأَعْرَجَ هَذَا الَّذِي يَرْوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ، وَهُوَ حُمَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو يَحْيَى الْأَعْرَجُ، لَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارث مناكير منها عن عبدالله بن الحارث، عن ابن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَلَّمَ اللهُ =

ص: 394

وَعَنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ (1)، مَرْفُوْعَاً:(لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنَاً، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ). رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِيْ «صَحِيْحِهِ» . (2)

= مُوسَى يَوْمَ كَلَّمَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ، وَكِسَاءُ صُوفٍ وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ، وَكُمَّةُ صُوفٍ وَنَعْلَانِ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ غَيْرِ ذَكِيٍّ.

رَوَاهُ أَيْضًا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَخَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، أَصْلُهُ من الْكُوفَة، وَسَكَنَ وَاسِطَ وَإِلَيْهَا يُنْسَبُ، وَمَاتَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ]. انتهى من «التمهيد» لابن عبدالبر.

وقد أخرج الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (7/ 142)(3044)، ومن طريقه: ابن قدامة في «المتحابين في الله» (ص 26)(7) عن أحمد بن محمد النيسابوري، قال: حدثنا حسين بن حسن المروزي، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: أَوْحَى الله عز وجل إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ: أَمَّا زُهْدُكَ فِي الدُّنْيَا؛ فَتَعَجَّلْتَ الرَّاحَةَ، وَأَمَّا انْقِطَاعُكَ إِلَيَّ، فَتَعَزَّزْتَ بِي، وَلَكِنْ هَلْ عَادَيْتَ لِيَ عَدُوًّا، أَوْ وَالَيْتَ لِي وَلِيًّا؟

فجعله من قول ابن المبارك، والقول فيه مُوجَّه لِنبيٍّ من الأنبياء، وليس لفلانٍ العابد.

(1)

وَهْمٌ، والصواب: أبو سعيد الخدري، وليس ابن مسعود، كما في مصادر التخريج.

(2)

الحديث حسن ـ إن شاء الله ـ.

أخرجه: ابن المبارك في «الزهد» ـ ط. الأعظمي ـ (1/ 124)(364) ومن طريقه: [أبو داود الطيالسي في «مسنده» (3/ 664)(2327)، وأبو داود السجستاني في «سننه» ـ =

ص: 395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ط. الرسالة ـ (7/ 203)(4832)، والترمذي في «جامعه» ـ ط. أحمد شاكر ـ (2395)، وفي ـ ط. الرسالة ـ (4/ 404)(2557)، وابن أبي الدنيا في «الإخوان» (ص 92)(41)، وابن حبان في «صحيحه» (2/ 315)(555)، والخطابي في «العزلة» ـ ط. دار الدعوة ـ (ص 142)(174)، والبغوي في «تفسيره» (6/ 82)، وابن عساكر في «ذم قرناء السوء» (ص 46)، والمزي في «تهذيب الكمال» (10/ 170)].

وأخرجه: أحمد بن حنبل في «مسنده» (17/ 437)(11337)، والدارمي في «مسنده» (2/ 1308)(2101)، وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (2/ 484)(1315)، وابن منيع في «مسنده» ـ كما في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» للبوصيري (4/ 288)(3586)، وابن حبان في «صحيحه» (2/ 314)(554)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (3/ 277)(3136)، والخطابي في «العزلة» (111)، والحاكم في «المستدرك» (4/ 143)(7169)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (12/ 16)(8937) كلهم من طريق حيوة بن شُريح، عن سالم بن غيلان، عن الوليد بن قيس التُّجيبي، عن أبي سعيد؛ أو عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد.

ـ

عند ابن المبارك، وعنه الترمذي، وابن منيع: بيان الشك من سالم بن غيلان.

ـ

عند ابن حبان برقم (555)، والخطابي، والحاكم: بدون شك (الوليد، عن أبي سعيد).

ـ

عند الطبراني: بدون شك (عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد).

ـ

عند الطيالسي: (حيوة، عن رجل قد سمَّاه، عن أبي سعيد). =

ص: 396

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ـ

عند البيهقي في «الشعب» (سالم، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد) وهو وهمٌ من إبراهيم بن منقذ المصري أو من دونه، وقد خالف فيه الرواة، وسلك فيه الجادة، وهي السلسلة المعروفة (دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد).

ـ

حيوة بن شريح، ثقة. «تقريب» (ص 221)؛ وسالم بن غيلان التُّجيبي المصري، ليس به بأس «تقريب» (ص 262)، الوليد بن قيس بن الأخرم التُّجيبي المصري، مقبول. «تقريب» (ص 613)، وقد ذكر المزي في «تهذيب الكمال» (31/ 68) أنه روى عن أبي سعيد، وقيل: عن أبي سعيد؛ أو أبي الهيثم، عن أبي سعيد.

أبو الهيثم هو: سليمان بن عمرو الليثي المصري، ثقة. «تقريب» (ص 287).

قال الترمذي عقب الحديث: هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه.

قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

قال الطبراني عقب الحديث: لايُروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به سالم.

قال النووي في «رياض الصالحين» (ص 144)(366): إسناده لا بأس به.

وحسَّن الحديثَ: البغوي في «شرح السنة» (13/ 69)، وابنُ مفلح في «الآداب الشرعية»

(3/ 527)، والألباني في «صحيح الجامع» (2/ 1226)(7341).

وابن حبان حيث أخرجه في «صحيحه» .

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الخطابي رحمه الله في «العزلة» (ص 142) بعد إيراده الحديث: [قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيُّ» إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ طَعَامَ الدَّعْوَةِ دُونَ طَعَامِ الْحَاجَةِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيراً)، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أُسَرَاءَهُمُ الْكُفَّارُ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَدُونَ الْأَتْقِيَاءِ مِنَ المسْلِمِينَ؛ وَإِنَّمَا وَجْهُ =

ص: 397

وَعَنْ عَلِيٍّ، مَرْفُوْعَاً:(لَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمَاً، إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ).

رَوَاهُ «الْطَّبَرَانِيُّ» بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. (1)

= الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ: لَا تَدْعُ إِلَى مُؤَاكَلَتِكَ إِلَّا الْأَتْقِيَاءَ؛ لِأَنَّ المؤَاكَلَةَ تُوجِبُ الْأُلْفَةَ وَتَجْمَعُ بَيْنَ الْقُلُوبِ. يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَتَوَخَّ أَنْ يَكُونَ خُلَطَاؤُكَ وَذَوُو الِاخْتِصَاصِ بِكَ أَهْلَ التَّقْوَى].

قال المُناوي رحمه الله في «فيض القدير» (6/ 404): [«ولا يأكل طعامك إلا تقي» لأن المطاعمة توجب الألفة، وتؤدي إلى الخلطة، بل هي أوثق عُرى المداخلة؛ ومخالطة غير التقي يخل بالدين، ويوقع في الشُّبَه والمحظورات، فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار؛ إذْ لا تخلو عن فساد إمَّا بمتابعة في فعل، أو مسامحة في إغضاء عن منكر، فإن سَلِم من ذلك ولا يكاد، فلا تُخطِئه فتنة الغير به، وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أطعمَ المشركين، وأعطى المؤلَّفَةِ المئين، بل يطعمه، ولا يخالطه؛ والحاصل أن مقصود الحديث كما أشار إليه الطيبي: النهي عن كسب الحرام، وتعاطي ما يَنْفرُ منه المتقي، فالمعنى لا تصاحب إلا مطيعاً، ولا تخالل إلا تقيَّاً].

(1)

قاله المنذري في «الترغيب والترهيب» (4/ 28).

قال الطبراني في «المعجم الأوسط» (6/ 293)(6450)، وفي «المعجم الصغير» (2/ 114) (874): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِرْسٍ الْمِصْرِيُّ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ الْخَيَّاطُ الْمَكِّيُّ، قال: حدثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ هُنَّ حَقٌّ: لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهَ عَبْدٌ فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ، وَلَا يُحِبُّ =

ص: 398

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا حُشِرَ مَعَهُمْ». لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ إِلَّا ابْنُ عُيَيْنَةَ.

ـ شيخ الطبراني، ويقال له: ابن عراس. قال عنه الهيثمي: لم أعرفه، وأقره الألباني، فهو مجهول الحال، ويحتمل أنه يقال: بأنه صدوق؛ لكثرة شيوخه الدالة على طلبه للحديث، مع إكثار الطبراني عنه. قاله في «إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني» للمنصوري (ص 581)(946).

ـ

محمد بن ميمون الخياط البزاز، صدوق ربما أخطأ. «تقريب التهذيب» (ص 539).

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 280): (وفيه محمد بن ميمون الخياط، وقد وُثِّق، وبقية رجاله رجال الصحيح).

وجاء عن علي رضي الله عنه من وجه آخر، أخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/ 134)(154)، والبزار في «البحر الزخار» (2/ 317)(746) عن شُعْبَة، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُسْلِمٌ الْأَعْوَرُ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبَّةَ الْعُرَنِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِمْ قَالَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» . =

ص: 399

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

وهذا الإسناد ضعيف؛ لضعف مسلم بن كيسان، وحبة العرني.

والأولى بالمؤلف رحمه الله إيراد ما في «الصحيحين» :

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب» .

أخرجه: البخاري في «صحيحه» (6168)، ومسلم في «صحيحه» (2641). وانظر:«العلل» لابن أبي حاتم ـ ط. الحميِّد ـ (5/ 132)(1862).

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا» . قَالَ: لا شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» .

قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ أَنَسٌ: «فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ» .

أخرجه: البخاري في «صحيحه» (3688)، ومسلم في «صحيحه» (2639).

وفي الباب: من حديث عائشة رضي الله عنها مطولاً، أخرجه: أحمد في مسنده «42/ 55) (25121)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (2/ 338)(863)، وغيرهم، وانظر تخريجه في طبعة الرسالة لمسند أحمد.

وصفوان بن عسَّال رضي الله عنه أخرجه: أحمد في «مسنده» (30/ 11)(18091)، وأبو داود الطيالسي في «مسنده» (2/ 486)(1263)، والترمذي في «جامعه» (2387)، والنسائي في «السنن الكبرى» (10/ 97)(11114)، وابن خزيمة في «صحيحه» (1/ 13)(17)، وغيرهم. وانظر تخريجه في تحقيق الشيخ د. سعد الحميِّد ل «سنن سعيد بن منصور» (5/ 120).

وجاء أيضاً عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم تُنظر أحاديثهم في طبعة الرسالة ل «مسند أحمد» (6/ 260)، و «مجمع الزوائد» (10/ 280).

ص: 400

وَنَقَلَ الْشَّيْخُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الله ابْنِ الْشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ (1) رحمهم الله تَعَالَى، وَأَسْكَنَهُمْ بَحْبُوْحَةَ جَنَّتِهِ ــ فِيْ مَسْأَلَةِ أَهْلِ بَلَدٍ مُرْتَدِّيْنَ، أَوْ بَادِيَةٍ، وَذَكَرَ فِيْهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَالْأَحَادِيْثِ، وَالْآثَارِ، مَا فِيْهِ الْكِفَايَةُ، فَرَاجِعْهُ. (2)

وَقَالَ فِيْ «تَفْسِيْرِ الْقُرْطُبِيِّ» عَلَى الْآيَةِ: [نَهَى اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ عِبَادَهُ المُؤْمِنِيْنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَتَّخِذُوْا مِنَ الْكَافِرِيْنَ، وَالْيَهُوْدَ، وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ، دُخَلَاءَ، وَوُلَجَاءَ، يُفَاوِضُوْنَهُمْ فِيْ الْآرَاءِ، وَيُسْنِدُوْنَ إِلَيْهِمْ أُمُوْرَهُمْ، وَيُقَالُ: كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِكَ وَدِينِكَ: فَلَا يَنْبَغِيْ «لَكَ» (3) أَنْ تُؤَاخِيْهِ (4).

قَالَ:

عَنِ المَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ خَلِيْلِهِ (5)

فَكُلُّ قَرِيْنٍ بِالمُقَارَنِ يَقْتَدِيْ (6)

(1) سبقت ترجمة الشيخ سليمان في (ص 308).

(2)

الفتيا بعنوان «أوثق عرى الإيمان» طُبعت ضمن «مجموع رسائله» ـ ط. عالم الفوائد ـ بتحقيق د. الوليد الفريان، وهي من (ص 99 ــ 148)، وطبعت أيضاً في غلاف مع رسالتين للشيخ في «دار القاسم في الرياض» .

(3)

سقطت من المخطوطة، والإضافة من «تفسير القرطبي» .

(4)

في «تفسير القرطبي» : تحادثه؛ وفي رسالة الشيخ سليمان بن عبدالله نقلاً عن القرطبي: تخادنه

(5)

في «تفسير القرطبي» : قرينه، وهي كذلك في «ديوان عدي بن زيد» ، و «ديوان طَرَفة» .

(6)

البيت في «ديوان عدي بن زيد العبادي» ـ ط. بغداد ـ (ص 106)، ونحوه في «ديوان طَرَفة بن العَبْد رواية الأعلم الشنتمري» ـ تحقيق الخطيب والصقال ـ (ص 153). وفيه:«وأبصر قرينه» .

وقد أخرج ابن بطة في «الإبانة» ـ الإيمان ـ (2/ 440)(378) بإسناده إلى الأصمعي قوله: لم أر بيتاً قط أشبهَ بالسُّنَّةِ من قول عدي:

عن المرء لاتسأل وأبصر قريته * فإن القرين بالمقارن يقتدي.

ص: 401

وَفِيْ «سُنَنِ أَبِيْ دَاوُدَ» عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«المَرْءُ عَلَىْ دِيْنِ خَلِيْلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ» (1).

(1) الحديث حسنَ. وقد جاء بلفظ: «المرء

»، وبلفظ:«الرجل .. » .

أخرجه: أبو داود الطيالسي في «مسنده» (4/ 299)(2696)، ومن طريقه: [عبد بن حميد في «مسنده» كما في «المنتخب من مسنده» (2/ 338)(1429)، وأبو داود السجستاني في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (7/ 204)(4833)، والترمذي في «جامعه»

ـ ط. الرسالة ـ (4/ 390)(2535)، وفي ترقيم عبدالباقي (2378)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» ـ ط. الرشد ـ (4/ 1742)(308)، وفي «مساوئ الأخلاق»

ـ ط. السوادي ـ (ص 313)(655)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1/ 141)(187)، والبيهقي في «الجامع لشعب الإيمان» (12/ 44)(8890)، وفي «الآداب» (ص 94)(234)، وابن بطة في «الإبانة» (2/ 432)(356)، وابن قدامة في «المتحابين =

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= في الله» (ص 90)(132)، والمزي في «تهذيب الكمال» (29/ 166)، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (8/ 189)، وابن حجر في «الأمالي المطلقة» (ص 151)].

وأخرجه: الإمام أحمد في «مسنده» (13/ 398)(8028)، وابن أبي الدنيا في «الإخوان» (ص 86)(37)، وأبو إسحاق البغدادي في «الجزء الأول من أماليه» (56)(89)، والسبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (3/ 225)، وابن حجر في «الأمالي المطلقة» (ص 151) عن عبد الرحمن بن مهدي.

وأخرجه: أبو داود السجستاني في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (7/ 204)(4833)، والترمذي في «جامعه» ـ ط. الرسالة ـ (4/ 390)(2535)، وفي ترقيم عبدالباقي (2378)، والإمام أحمد في «مسنده» (14/ 142)(8417)، وعبد بن حميد كما في «المنتخب من مسنده» (2/ 338)(1429)، وابن بطة في «الإبانة» (2/ 431)(354)، والحاكم في «المستدرك» (4/ 188)(7319)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (5/ 184)، ومن طريقه:[ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 236) (1206)] عن أبي عامر العقدي.

وأخرجه: إسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/ 352)(351) عن الوليد بن مسلم.

وأخرجه: الإمام أحمد في «مسنده» (13/ 398)(8028)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (12/ 44)(8890)، والبغوي في «تفسيره» (6/ 82)، وفي «شرح السنة» (13/ 70)(3486) عن مؤمل بن إسماعيل.

وأخرجه: الخطابي في «العزلة» ـ ط. السلفية ـ (ص 46)، وابن عدي في «الكامل» (3/ 218) من طريق يحيى بن حمزة. =

ص: 403

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ستتهم: (أبو داود الطيالسي، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو عامر العقدي، والوليد بن مسلم، ومؤمل بن إسماعيل، ويحيى بن حمزة) عن زهير بن محمد، قال: أخبرني موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه: ابن بطة في «الإبانة» (2/ 432)(355) من طريق ابن لهيعة، عن موسى ابن وردان، به.

ـ

زهير بن محمد التميمي العنبري، أبو المنذر الخراساني المروزي الخَرَقِيُّ، من أهل نيسابور، قدم الشام، وسكن الحجاز.

الخلاصة في حاله: أنه ثقةٌ، إلا في رواية أهل الشام عنه.

وثَّقَهُ: الإمام أحمد، وابن معين في رواية الدارمي والدوري عنه، وعثمان الدارمي أيضاً، وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: يخطئ ويخالف.

توسَّط فيه بعضهم: قال أحمد في رواية: ليس به بأس، وفي رواية: مستقيم الحديث، وفي رواية: مقارب الحديث، وقال ابن معين في رواية: صالح، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وف يحفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق؛ لسوء حفظه، فما حدَّث من حفظه ففيه أغاليط، وما حدَّث من كتبه فهو صالح. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق، صالح الحديث. وقال النسائي في رواية: ليس به بأس وعند عمرو بن أبي سلمة عنه مناكير.

وقال العجلي: جائز الحديث، وقال: لابأس به، وهذه الأحاديث التي يرويها أهل الشام ليست تعجبني. وقال الساجي: صدوق منكر الحديث. =

ص: 404

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال الإمام أحمد: (كأن زهير الذي روى عنه أهل الشام آخر؛ فإن رواية أصحابنا عنه مستقيمة، عند عبدالرحمن بن مهدي، وأبي عامر العقدي، وأما رواية عمرو بن أبي سلمة التنيسي فبواطيل).

قال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح.

قال ابن عدي بعد أن ساق الأحاديث التي يرى أن فيها بعض النكارة، ومنها حديثنا هذا، قال في آخرالترجمة:(وهذه الأحاديث لزهير بن محمد فيها بعض النكرة، ورواية الشاميين عنه أصح من رواية غيرهم، وله غير هذه الأحاديث؛ ولعلَّ الشاميين حيث رووا عنه أخطأوا عليه، فإنه إذا حدَّث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبه المستقيم، وأرجو أنه لابأس به).

ضعَّفه بعضهم: ضعفه ابن معين في رواية، وقال النسائي: ضعيف، وفي رواية: ليس بالقوي. وذكره أبو زرعة الرازي، والعقيلي في «الضعفاء» .

قال ابن عبدالبر: زهير بن محمد ضعيف عند الجميع. تعقبه الذهبي في «الميزان» بقوله: كلَاّ بل خرَّج له البخاري ومسلم، وأيد التعقُّب ابنُ حجر في «هدي الساري» ، ووصف حكم ابن عبدالبر بالإفراط.

قال البخاري: قال الإمام أحمد: كأن الذي روى عنه أهل الشام زهيرٌ آخر؛ فقُلِبَ اسمُه.

هذا، وقد قال الذهبي في «من تُكُلِّم فيه وهو موثَّق أو صالح الحديث»: له غرائب. وفي «الكاشف» : ثقة يُغرِب، ويأتي بما يُنكَر. وفي «المغني»: ثقة له غرائب. وفي «السير» : ماهو بالقوي ولا بالمتقن، مع أن أرباب الكتب الستة خرجوا له. =

ص: 405

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال ابن حجر في «التقريب» : (سكن الشام، ثم الحجاز، رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة؛ فضُعِّفَ بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهيراً الذي يروي عنه الشاميون آخر! . وقال أبو حاتم: حدَّث بالشام من حفظه؛ فكثُر غلَطُه).

روى حديثه الجماعة.

الترجيح: من خلال الأقوال السابقة، يظهر ـ والله أعلم ـ أنه ليس بينها اختلافٌ كبيرٌ، فزهير ثقةٌ، وفي حفظه بعض الضعف، وقد حدَّث في الشام فكثر غلطه، لهذا ضعَّفه بعضهم؛ ومَن وثَّقه فلجودة أحاديثه وصحتها، ومَنْ توسَّط فيه فأنزله عن درجة الثقة؛ فلهذه الأوهام في رواية الشاميين عنه، ومَن وثَّقه واستثنى رواية الشاميين عنه، فقد جمع أطراف الحكم فيه، خاصةً مع إخراج الشيخين حديثه في «صحيحهما» .

لذلك قال ابن رجب في «شرح علل الترمذي» في [فصل مَن حدَّث عنه أهل مصر أو إقليم فحفظوا حديثه، وحدَّث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه]: ثقة، متفق على تخريج حديثه، مع أن بعضهم ضعَّفَه، وفصل الخطاب في حال رواياته: أن أهل العراق يروون عنه أحاديث مستقيمة، وما خُرِّج عنه في الصحيح فمن رواياتهم عنه؛ وأهل الشام يروون عنه روايات منكرة .... إلخ

[«التاريخ الكبير» للبخاري (3/ 427)، «تاريخ ابن معين» رواية الدارمي (ص 109)(343، 345)، رواية الدوري (2/ 176)، رواية ابن الجنيد (ص 173)(602)، «سؤالات أبي داود للإمام أحمد» (ص 233)(228)، «علل الترمذي الكبير» (2/ 953)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (3/ 589)، «الضعفاء» للنسائي (218)«الكامل» لابن عدي (3/ 217)، «تاريخ دمشق» (19/ 116)، «موسوعة أقوال =

ص: 406

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الإمام أحمد في رجال الحديث وعلله» (1/ 395)، «بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم» (318)، «تهذيب الكمال» (9/ 414)، «من تُكُلِّم فيه وهو موثَّق أو صالح الحديث» للذهبي (ص 208)(118)، «ميزان الاعتدال» ـ ط. الرسالة ـ (2/ 78)، «الكاشف» للذهبي (2/ 425)، «المغني في الضعفاء» للذهبي (1/ 371)، «سير أعلام النبلاء» (8/ 187)، «شرح علل الترمذي» لابن رجب (2/ 614)، «تهذيب التهذيب» (3/ 348)، «تقريب التهذيب» (ص 252)، «هدي الساري» لابن حجر (ص 403)، «زهير بن محمد وروايات أهل الشام عنه» د. محمد القناص].

ـ

موسى بن وَرْدَان العامري مولاهم القاص، أبو عمر المصري، مدنيُّ الأصل.

قال الذهبي في «الكاشف» (4/ 372): صدوق. وقال ابن حجر في «التقريب» (ص 583): صدوق ربما أخطأ.

واختيار الذهبي أرْجَحُ.

وهذا الإسناد حسنٌ ـ إن شاء الله ـ؛ لأجل موسى بن وردان.

وأما زهير بن محمد فسبق توثيقه إلا في رواية الشاميين عنه، وهذا الحديث رواه عنه أهل العراق: أبو داود الطيالسي، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو عامر العقدي، ومؤمل بن إسماعيل).

قال الترمذي: حديث حسن غريب.

وقال ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 528): إسناده جيد، موسى حسن الحديث.

وقال النووي في «رياض الصالحين» (367): إسناده صحيح.

والحديث حسَّنه ابن حجر في «الأمالي المطلقة» (ص 151). وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2/ 597)(927). =

ص: 407

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وضعفه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 237)(1206) بموسى بن وردان، مستنداً إلى قول ابن حبان فيه بأنه يروي المناكير عن المشاهير. ولم يصب في ذلك فموسى وثقه عدد من الأئمة، وتوسط فيه جماعة، وخلاصته كما سبق أنه صدوق.

هذا وقد ذكر الزركشي في «التذكرة» (ص 89)، والسخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص 443)(1009) أن ابن الجوزي أورد الحديث في «الموضوعات» وتعقباه في ذلك. ولم أجد الحديث في «الموضوعات» لابن الجوزي، وإنما أورده في «العلل المتناهية» ـ كما سبق ـ، وضعَّفَه.

هذا وقد جاء الحديث من وجه آخر، لكنه ضعيف جداً:

أخرجه: القطيعي في «جزء الألف دينار» (ص 437)(292)، وابن وضاح في «البدع» (129)، وابن حبان في «المجروحين» ـ ط. الصميعي ـ (1/ 104)، ومن طريقه:[ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 236) (1207)]، والحاكم في «المستدرك» (4/ 189)(7320)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» ـ ط. الرشد ـ (4/ 1744)(309)، وفي «مساوئ الخلاق» (ص 314)(656)، وابن بشران في «الأمالي» (1/ 85)(167)، وأبو نعيم في «الحلية» (3/ 165)، والبيهقي في «الشعب» (12/ 45)(8992)، ، وابن عساكر في «ذم قرناء السوء» (ص 47)، والسلفي في «معجم السفر» (ص 266)، من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وليس في مطبوعة الحاكم: صفوان بن سليم. وقال الحاكم بعد الحديث: صحيح. وتعقّبه ابن حجر في «إتحاف المهرة» (15/ 15)(18773). =

ص: 408

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال أبو نعيم في «الحلية» (3/ 165): غريب من حديث سعيد وصفوان، تفرد به عنه فيما قيل: إبراهيم بن محمد الأسلمي.

وقال ابن عساكر: حديث حسن غريب.

ـ

إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، أبو إسحاق المدني، متروك. «تقريب التهذيب» (ص 132).

تابعه محمد بن سعيد ابن بنت الأعمش:

أخرجه: أبو الفضل الزهري كما في «حديثه» (ص 154)(105)، وابن بطة في «الإبانة» (2/ 433)(357)، وابن المقرئ في «معجمه» (ص 246)(802)، وابن عساكر في «معجمه» (2/ 1219)(1594) من طريق محمد بن سعيد بن الحسن ابن بنت الأعمش، عن صفوان بن سليم، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة.

ـ

محمد بن سعيد بن الحسن، لم أجد له ترجمة

قال الدارقطني رحمه الله في «العلل» (8/ 324)(1595) بعد أن سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْمَرْءَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ.

فَقَالَ: [يَرْوِيهِ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ ابْنُ بِنْتِ الْأَعْمَشِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ صَفْوَانَ، وَخَالَفَهُمَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْهُ. فَرَوَاهُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]. =

ص: 409

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقد روي من حديث سهل بن سعد، وعائشة رضي الله عنهما:

حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أخرجه: ابن عدي في «الكامل» (3/ 247)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (2/ 73)(907) من طريق المُسَيَّبِ بْنِ وَاضِحٍ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، وَلَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَكَ مِنَ الْحَقِّ مِثْلَ الَّذِي تَرَى لَهُ» .

وهذا حديث موضوع، فيه سليمان بن عمرو بن عبدالله بن وهب، أبو داود النخعي الكوفي.

أجمع أهل العلم على أنه كذاب يضع الحديث. ينظر: «الكشف الحثيث عمن رُمِي بوضع الحديث» لبرهان الدين الحلبي (ص 130)(331)، و «ميزان الاعتدال» (2/ 202).

حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه: ابن عساكر في «ذم قرناء السوء» (ص 47) من طريق إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا يونس بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن حمزة الدمشقي، عن الحكم بن عبدالله، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ).

قال ابن عساكر: وحديث عائشة غريب.

وهذا أيضاً حديث موضوع، فيه: الحكم بن عبدالله بن سعد الأيلي، قال الإمام أحمد: أحاديثه كلها موضوعة، وقال أبو حاتم: كذاب، وقال النسائي والدارقطني وجماعة: متروك الحديث. =

ص: 410

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ينظر: «ميزان الاعتدال» (1/ 525)(2083).

قال الخطابي رحمه الله «العزلة» (ص 46): (مَعْنَاهُ لَا تُخَالِلْ إِلَّا مَنْ رَضِيتَ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ فَإِنَّكَ إِذَا خَالَلْتَهُ قَادَكَ إِلَى دِينِهِ وَمَذْهَبِهِ، وَلَا تُغَرِّرْ بِدِينِكَ، وَلَا تُخَاطِرْ بِنَفْسِكَ، فَتُخَالِلْ مَنْ لَيْسَ مَرْضِيًّا فِي دِينِهِ وَمَذْهَبِهِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: انْظُرُوا إِلَى فِرْعَوْنَ مَعَهُ هَامَانُ انْظُرُوا إِلَى الْحَجَّاجِ مَعَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ شَرٌّ مِنْهُ انْظُرُوا إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ صَحِبَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ فَقَوَّمَهُ وَسَدَّدَهُ وَيُقَالُ: إِنَّ الْخَلَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَخَلُّلِ الْمَوَدَّةِ الْقَلْبَ وَتَمَكُّنِهَا مِنْهُ: وَهِيَ أَعْلَى دَرَجِ الْإِخَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي الْأَصْلِ أَجَانِبُ فَإِذَا تَعَارَفُوا ائْتَلَفُوا فَهُمْ أَوِدَّاءُ وَإِذَا تَشَاكَلُوا فَهُمْ أَحِبَّاءُ فَإِذَا تَأَكَّدَتِ الْمَحَبَّةُ صَارَتْ خَلَّةً).

قال الراغب الأصبهاني رحمه الله في «الذريعة إلى مكارم الشريعة» ـ ط. دار السلام ـ (ص 259): [قال صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» أي: أنه يجذبه خليله إلى دينه ومذهبه، ولقوة هذا المعنى وتأثيره في النفوس شاع على الألسنة قول الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي

وليس إعداء الجليس بجليسه في خلقه بمقاله وفعاله فقط، بل بالنظر إليه، فالنظر في الصورة يؤثر في النفوس أخلاقًا مناسبة لخلق المنظور إليه، فإن من دامت رؤيته لِمَسْرورٍ سُرَّ أو لمحزون حَزِنَ، وليس ذلك في الإنسان فقط، بل في الحيوانات والنبات. =

ص: 411

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فإن الجمل الصعب قد يصير ذلولاً بمقارنة الذلل، والذلول قد ينقلب صعباً بمقارنة الصعاب، والريحانة الغضة قد تذبل بمقارنة الذابلة، ولهذا يلتقط أصحاب الفلاحة الرمم عن الزرع، لئلَّا تفسدها ومعلوم أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة إذا قربت منهما، وذلك مما لا ينكره ذو تجربة، فإذا كانت هذه الأشياء قد بلغت في قبول التأثيرهذا المبلغ فما الظن بالنفوس البشرية التي موضوعها على قبول صور الأشياء خيرها وشرها، فقد قيل: إنما سمي الإنس إنساً، لأنه يأنس بما يراه إن خيراً وإن شرّاً.

وللإنسان في المعاشرة، ثلاثة أحوال:

إما أن يكون شكساً، أي: قاسي الطبع، أو ملقًا أي: سلس الطبع، أو مساعداً، أي: تاركاً للخلاف على مقتضى العقل وهو المحمود، وحق الإنسان في المعاشرة أن يتقوى من جهة الفكرة بالمطايبة فىِ الكلام، ومن جهة الغضب بالتحالم، ومن جهة الشهوة بالجود، وأن يتعرى عن أضداد ذلك، وأن يجامل المعاشرين والمعاندين والمشتهين منهم بالإخوان ويصابرهم ويكاشرهم طمعًا في رجوعهم إخواناً واتقاء من شرورهم حتى يكون ظريفاً، فإن الظرف عبارة عن استجماع آلة العشرة من الطلاقة والاحتمال ولين الجانب].

وانظر: «بَهجة المَجَالِس وأُنْس المُجَالِس» لابن عبدالبر (2/ 701)، و «الآداب الشرعية» لابن مفلح (3/ 527)، و «محاضرات الأدباء» للراغب الأصبهاني ـ ط. دار صادر ـ (3/ 5).

ص: 412

وَرُوَيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، أَنَّهُ قَالَ:(اعْتَبِرُوْا الْنَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ (1)) (2).

(1) كذا في المخطوطة، وفيما نقله الشيخ سليمان بن عبدالله، وأما في «تفسير القرطبي»: بإخوانهم؛ وهو تصحيف؛ لأنه ليس في شئ من طرق الأثر ـ كما سيأتي في التخريج ـ.

(2)

الحديث حَسَنٌ.

أخرجه: ابن أبي الدنيا في «الإخوان» (ص 89)(38) من طريق أيوب بن جابر.

ومسدد في «مسنده» كما في «إتحاف الخيرة المهرة» للبوصيري (7/ 401)(7188)، ومن طريق مسدد:[ابنُ عساكر في «ذم قرناء السوء» (ص 52)].عن يحيى بن سعيد.

وابن بطة في «الإبانة» ـ الإيمان ـ (2/ 477)(500)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (12/ 45)(8993) من طريق شعبة.

ورقم (501) من طريق إسرائيل.

ورقم (502) من طريق حميد بن عبدالرحمن الرؤاسي، قال: سمعت من رجلٍ قد سمَّاه.

وفي (2/ 439)(376) من طريق يزيد بن عطاء.

والطبراني في «المعجم الكبير» (9/ 187)(8919) من طريق محمد بن كثير، عن سفيان.

وابن عدي في «الكامل» (2/ 163)، ومن طريقه:[البيهقي في «شعب الإيمان» (12/ 46) (8994)] من طريق أبي الوليد الطيالسي، عن الجراح بن مليح والد وكيع.

كلُّهم عن أبي إسحاق السبيعي، عن هُبَيْرة بن يَريم، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه.

ـ

لم يصرح أبو إسحاق بالتحديث عن هبيرة ـ في جميع الطرق ـ بل رواه بالعنعنة. =

ص: 413

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ـ

خالفهم الجراح والد وكيع: فرواه عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود. (وهذا الوجه ضعيف كما سيأتي)

قال أبو الوليد الطيالسي لأبي وكيع الجراحِ: إن شعبة حدثنا عن أبي إسحاق، عن هبيرة. قال الجراح: وحدثنا أبو إسحاق، عن هبيرة، عن عبدالله.

ـ

رواية يزيد بن عطاء ليس فيها هبيرة، وإنما أبو إسحاق، عن ابن مسعود.

ـ

رواية أيوب بن جابر: اعتبروا الناس بأخدانهم، فإن الرجل يخادن مَن يعجبه.

ـ ورواية يحيى بن سعيد، وشعبة: اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب الرجل مَن هو مثله. قال شعبة عَقِبَ الأثر: وجدته مكتوباً عندي: فإنما يصاحب الرجل مَن يحب.

ـ

رواية إسرائيل، ويزيد بن عطاء: اعتبروا الناس بأخدانهم، فإن المرء لا يخادن إلا مَن يعجبه.

ـ

رواية حميد الرؤاسي عن رجل: اعتبروا الناس بأخدانهم، المسلم يتبع المسلم، والفاجر يتبع الفاجر.

ـ

رواية الجراح والد وكيع: اعتبروا الأرض بأسمائها، واعتبروا الصاحب بالصاحب.

ـ

رواية سفيان: اعتبروا الناس بأخدانهم.

ـ

عمرو بن عبدالله بن عُبيد، ويقال: بن علي، ويقال: ابن أبي شعيرة، الهَمْداني، أبو إسحاق السَّبِيعي الكوفي.

مُجْمَعٌ عَلى تَوثِيقِه، وهُوَ مُدلِّس.

وثَّقَه: ابن معين، وأحمد، والعجلي، وأبو حاتم، والنسائي، وغيرهم.

وذُكر فيه ثلاثة أمور:

الأول: تَكلَّم فيه مغيرةُ بن مقسم، حيث قال: (ما أفسد أحد حديث الكوفة إلا أبو =

ص: 414

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إسحاق، وسليمان الأعمش) وهو مردود، قال الذهبي في «السير»: لا يسمع قول الأقران بعضهم في بعض، وحديث أبي إسحاق محتجٌ به في دواوين الإسلام.

الثاني: رُمي بالاختلاط، والصحيح أنه تغيُّرٌ يَسيرٌ في الكِبر ولم يختلط، قال الذهبي في «الميزان»:( .. شاخَ ونسي ولم يختلط، وقد سمع منه سفيان بن عيينة، وقد تغير قليلاً).

وقال أيضاً في «مَنْ تُكُلِّم فيه وهو مُوَثّق» : ثِقَةٌ، تغَيَّر قبلَ مَوتِه من الكِبر، وساءَ حفظه.

وقال في «سير أعلام النبلاء» : ثقةٌ، حُجَّةٌ بلا نزاع، وقد كبر وتغيَّر حِفظه تغيُّرَ السِّن، ولم يختلط. قال العلائي: لم يعتبر أحد من الأئمة ما ذُكر من اختلاط أبي إسحاق، واحتجوا به مطلقاً، وذلك يدل على أنه لم يختلط في شيء من حديث.

الثالث: التدليس. وصفه به النسائي، وابن جرير، وغيرهم. قال ابن حجر في «تعريف أهل التقديس»: مشهور بالتدليس، وأورده في «المرتبة الثالثة» وهم الذين أكثروا من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع.

قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» : ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ، عابِدٌ، اختَلَطَ بأَخَرَه، ت 129 هـ وقيل: قبل ذلك.

قلت: كذا أطلق ابن حجر رحمه الله الاختلاط، والصواب ما سبق من قول الذهبي والعلائي.

[«الطبقات» لابن سعد (6/ 313)، «تاريخ ابن معين» رواية الدوري (2/ 448)، «العلل للإمام أحمد» رواية عبدالله (1/ 322)، 2/ (2611)، «الجرح والتعديل» (6/ 242)، «الثقات» لابن حبان (5/ 177)، «تهذيب الكمال» (22/ 102)، «ميزان الاعتدال» (4/ 190)، «سير أعلام النبلاء» (5/ 392)، «مَنْ تُكلم فيه وهو موثق أو =

ص: 415

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= صالح الحديث» (400)، «كتاب المختلطين» للعلائي (35)، «تهذيب التهذيب» (8/ 63)، «تقريب التهذيب» (ص 453)، «تعريف أهل التقديس» (ص 46)(91)، «الكواكب النيرات» (ص 341)، «معجم المختلطين» (ص 247 ـ 264)، «معجم المدلسين» (ص 359)].

ـ هُبَيْرة بن يَرِيم الشِّبامي، ويقال: الخارفي، أبو الحارث الكوفي. قال ابن حجر: لابأس به، وقد عيب بالتشيع. «تقريب التهذيب» (ص 600).

والإسناد حسنٌ ـ إن شاء الله ـ؛ لأجل هبيرة؛ وأما الخشية من تدليس أبي إسحاق السبيعي، فقد زالت لرواية شعبة عنه، لأنه قال:(كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة). قال ابن حجر في «تعريف أهل التقديس» : (فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة: أنها إذا جاءت من طريق شعبة، دلَّتْ على السماع، ولو كانت معنعنة). ينظر: «معرفة السنن والآثار» للبيهقي (1/ 152)، «النكت على مقدمة ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 630)، «تعريف أهل التقديس» (ص 63).

ـ

ورواية الجراح بن مليح أبي وكيع فيها مخالفة للثقات، حيث جعله عن أبي الأحوص، وأضاف «اعتبروا الأرض بأسمائها» ، لذا هذه الزيادة ضعيفة، خاصة وأن ابن حجر قال في الجراح: صدوقٌ يَهِم. «التقريب» (ص 177)، والحقيقة أنه إلى الضعف أقرب، وقد قال الدارقطني: ليس بشئ، وهو كثير الوهم، قيل له: يُعتبر به؟ قال: لا. انظر: «تهذيب الكمال» (4/ 517). ولمّا أوقفه أبو الوليد الطيالسي على رواية شعبة، قال: وكذلك! مما يدل على عدم ضبطه للحديث.

هذا، وقد ضعَّف الأثرَ الألبانيُّ رحمه الله في «السلسلة الضعيفة» (14/ 1119)(7021). =

ص: 416

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال المُنَاوي رحمه الله في «فيض القدير» (1/ 552)(1136) في شرح الأثر برواية أبي وكيع الجراح بن مليح: [«اعتبروا» إرشاداً «الأرض بأسمائها» أي: تدبروها، من قولهم: عبرت الكتاب إذا تدبرته؛ فإذا وجدتم اسم بقعة من البقاع مكروهاً، فاستدلوا به على أن تلك البقعة مكروهة، فاعدلوا عنها إن أمكن، أو غيِّروا اسمها، فإن معاني الأسماء مرتبطة بها، مأخوذة منها، حتى كأنها منها اشتقت؛ ولذلك لما مر المصطفى صلى الله عليه وسلم في مسيره بين جبلين، قال: ما اسمهما؟ فقيل: فاضح وفجر؛ فعدل عنهما.

ولما نزل الحسين رضي الله عنه بكربلاء، سأل عن اسمها؟ فقيل: كربلاء. فقال: كربٌ وَبَلاءٌ، فكان ما كان. ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب، قال: من أين أنتَ؟ قالت من بني سعد. قال: ما اسمك؟ قالت: حليمة. قال: بخٍ بخْ، سعدٌ، وحُلْم، خصلتان فيهما غِنى الدهر.

وليس هذا من الطِّيَرة المنهي عنها. ولما نزل الأشعث دير الجماجم، ونزل الحجَّاج دير قرة، قال: استقر الأمر بيدي، وتجمجم أمره، والله لأقتلنَّه. ونظيره في أسماء الآدميين ما في «الموطأ» عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل: ما اسمُكَ؟ قال: جمرة. قال: ابنُ مَنْ؟ قال: ابن شهاب. قال: ممَّن؟ قال: مِن الحُرَقَة. قال: أين مَسْكَنُكَ؟ قال: بِحَرَّة النَّار. قال: بأيها؟ قال: بذاتِ لَظَى. قال: أدرِكْ أهلَك فقد احترقوا. فكان كذلك.

«واعتبروا الصاحب بالصاحب» فإن الأرواح جنودٌ مجنَّدَة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، والتعارف هو: التشاكل المعنوي الموجِب لاتحاد الذوق الذي يدرك ذوق صاحبه، فذلك علة الائتلاف، كما أن التناكر ضدَّه، ولذلك قيل فيه:

ولا يصحب الإنسان إلا نظيره

وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد =

ص: 417