المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تأثير الأسماء في المسميات - البراهين المعتبرة في هدم قواعد المبتدعة

[عبد العزيز المديهش]

الفصل: ‌ تأثير الأسماء في المسميات

ثُمَّ بَيَّنَ (1) المَعْنَى الَّذِيْ لِأَجْلِهِ نَهَى عَنِ المُوَاصَلَةِ، «ثُمَّ» (2) قَالَ:

= وقيل: انظر من تصاحب، فقَلَّ من نواة طُرحت مع حصاةٍ إلا أشبهتها، ولهذا قال الإمام الغزالي تبعاً لبعض الحكماء: لا يتفق اثنان في عشرة، إلا وفي أحدهما وصف من الآخر، حتى الطير. ورأى بعضهم مرة غراباً مع حمامةٍ، فاستبعد المناسبة بينهما، ثم تأمل فوجدهما أعرجين. فإذا أردتَ أن تعرف من غابَتْ عنك خِلَاله بمَوتٍ أو غَيْبة أو عَدَمِ عِشْرةٍ؛ امتحن أخلاق صاحبِه وجليسِه بذلك؛ وذلك يدل على كمالِه أو نقصِه، كما يدُلُّ الدخان على النار، ولهذا قيل فيه:

إذا أردت ترى فضيلة صاحب

فانظر بعين البحث من ندمائه

فالمرء مطوي على علاته

طي الكتاب وتحته عنوانه

وإذا صاحبَ الرجلُ غَيْرَ شكْلِهِ لم تَدُمْ صحبَتُه]. انتهى كلام المناوي.

وانظر كلاماً رائعاً عن‌

‌ تأثير الأسماء في المسميات

، في «زاد المعاد» لابن القيم (2/ 307 ـ 311)، «الوابل الصيب» ـ ط عالم الفوائد ـ (ص 356)، «تحفة الودود في أحكام المولود» لابن القيم ـ ط. عالم الفوائد (ص 175) و (ص 211)، و «مفتاح دار السعادة» لابن القيم ـ ط. عالم الفوائد (3/ 1492).

(1)

كذا في المخطوطة، و «تفسير القرطبي» ، وأما في رسالة الشيخ سليمان بن عبدالله:(ثم بين تعالى المعنى الذي من أجله .. ).

(2)

في «تفسير القرطبي» فقال: (لايألونكم خبالاً)، وليس فيه (ثم).

ص: 418

{لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} «يَقُوْلُ: فَسَادَاً» (1)، يَعْنِيْ: لَا يَتْرُكُوْنَ «الجُهْدَ» (2) فِيْ فَسَادِكُمْ.

قَالَ (3): وَقَدِمَ أَبُوْ مُوْسَى الْأَشْعَرِيِّ عَلَى عُمَرَ بِحَسَّابٍ، فَدَفَعَهُ (4) إِلَى عُمَرَ، فَأَعْجَبَهُ، (5)«وَجَاءَ عُمَرَ كِتَابٌ» (6)، فَقَالَ لِأَبِيْ مُوْسَى: أَيْنَ كَاتِبُكَ يَقْرَأُ هَذَا «الْكِتَابَ» (7) عَلَى الْنَّاسِ؟

فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ المَسْجِدَ.

فَقَالَ: لِمَ؟ ! أَجُنُبٌ هُوَ؟ !

قَالَ: إِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ.

(1) طُمِسَ عليها في المخطوطة، والإضافة من «تفسير القرطبي» .

(2)

سقطت من المخطوطة، والإضافة من «تفسير القرطبي» .

(3)

أي: القرطبي.

(4)

في «تفسير القرطبي» فرفعه.

(5)

في «تفسير القرطبي» زيادة: وجاء عمرَ كتابٌ، فقال لأبي موسى:

(6)

سقطت من المخطوطة، والإضافة من «تفسير القرطبي» .

(7)

سقطت من المخطوطة، والإضافة من «تفسير القرطبي» .

ص: 419

قَالَ: فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ؛ وَقَالَ: لَا تُدْنِهِمْ، وَقَدْ أَقْصَاهُمُ اللهُ، وَلَا تُكْرِمْهُمْ، وَقَدْ أَهَانَهُمُ اللهُ، «وَلَا تَأَمَنْهُمْ، وَقَدْ خَوَّنَهُمُ اللهُ» (1)(2)(3)].

(1) سقطت من المخطوطة، والإضافة من «تفسير القرطبي» .

(2)

«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ـ ط. الرسالة ـ (5/ 272 ـ 273)، وقد نقله أيضاً الشيخ: سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في رسالته «أوثق عرى الإيمان» (ص 117 ـ 119).

(3)

الحديث صحيح.

أخرجه: الإمام أحمد في «مسنده» ـ كما قال ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 184)، ولم أجده، وقد ذكر إسنادَه ابنُ القيِّم في «أحكام أهل الذمة» (1/ 454)، ولم يعزه للمسند ــ ومن طريق الإمام أحمد رواه:[الخلال في «أحكام أهل الملل والرِّدة» (ص 115) (328)] قال أحمد: حدثنا وكيع، قال: حدثنا إسرائيل.

وابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/ 1156)(6510) من طريق عمرو بن أبي قيس.

والبيهقي في «السنن الكبرى» (10/ 127) من طريق شعبة.

وأيضاً (10/ 127) وفي «شعب الإيمان» (12/ 17)(8939) من طريق أسباط.

أربعتهم: (إسرائيل، وعمرو، وشعبة، وأسباط) عن سماك بن حرب، عن عياض الأشعري، عن أبي موسى الأشعري.

وأخرجه ابن قتيبة في «عيون الأخبار» ـ ط. المصرية ـ (1/ 43) من طريق يزيد بن أبي زياد، عن عياض، به. ووقع في المطبوعة تصحيف «عياض بن أبي موسى» .

ـ لفظ إسرائيل: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت لعمر رضي الله عنه: إن لي كاتباً نصرانياً، قال: ما لَكَ؟ ! قاتَلَك الله! أما سمعت الله تعالى يقول: {

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا =

ص: 420

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة: 51) ألا اتخذت حنيفاً؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، لي كتَابَتُهُ ولَهُ دينُه. قال: لا أُكْرِمُهُم إذْ أهانَهم اللهُ، ولا أُعِزُّهُم إذْ أذلَّهمُ اللهُ، ولا أُدْنِيْهِم إذْ أَقْصَاهُمُ اللهُ.

ـ ولفظ شعبة: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَمَرَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه أَنْ يَرْفَعَ ، إِلَيْهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى فِي أَدِيمٍ وَاحِدٍ وَكَانَ لَهُ كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ ، فَرَفَعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَعَجِبَ عُمَرُ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَفِيظٌ هَلْ أَنْتَ قَارِئٌ لَنَا كِتَابًا فِي الْمَسْجِدِ جَاءَ مِنَ الشَّامِ؟ فَقَالَ إِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ ، قَالَ عُمَرُ: أَجُنُبٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا بَلْ نَصْرَانِيٌّ ، قَالَ: فَانْتَهَرَنِي وَضَرَبَ فَخِذِي قَالَ: أَخْرِجُوهُ ، ثُمَّ قَرَأَ: {

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة: 51).

ـ ولفظ أسباط: عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى فِى أَدِيمٍ وَاحِدٍ؛ وَكَانَ لأَبِى مُوسَى كَاتِبٌ نَصْرَانِىٌّ يَرْفَعُ إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَعَجِبَ عُمَرُ رضي الله عنه، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَافِظٌ. وَقَالَ: إِنَّ لَنَا كِتَابًا فِى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ جَاءَ مِنَ الشَّامِ، فَادْعُهُ فَلْيَقْرَأْ. قَالَ أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ. فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَجُنُبٌ هُوَ؟ قَالَ: لا، بَلْ نَصْرَانِىٌّ. قَالَ: فَانْتَهَرَنِى، وَضَرَبَ فَخِذِى، وَقَالَ: أَخْرِجْهُ، وَقَرَأَ: {

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة: 51) قَالَ أَبُو مُوسَى: وَاللَّهِ مَا تَوَلَّيْتُهُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْتُبُ. قَالَ: أَمَا وَجَدْتَ فِى أَهْلِ الإِسْلامِ مَنْ يَكْتُبُ لَكَ؟ ! لا تُدْنِهِمْ إِذْ أَقْصَاهُمُ الله، وَلا تَأْمَنُهُمْ إِذْ أَخَانَهُمُ الله، وَلا تُعِزَّهُمْ بَعْدَ إِذْ أَذَلَّهُمُ الله، فَأَخْرَجَهُ. =

ص: 421

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَالْأَحَادِيْثِ عَنِ الْصَّحَابَةِ وَالْتَّابِعِيْنَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ أَهْلِ الْعِلْمِ المُحَقِّقِيْنَ، سَلَفَاً وَخَلَفَاً؛ الْدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ مُوَالَاةِ الِكَفَرَةِ، وَالمُنَافِقِيْنَ، وَأَهْلِ الْبِّدَعِ، وَالْتَّغْلِيْظِ فِيْ (1) ذَلِكَ، وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ

= والحديث صحح إسناده ابن تيمية رحمه الله في «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 184)، و «مجموع الفتاوى» (25/ 326)، وصحح الحديثَ الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (8/ 255)(2630)

ـ وقد أخرج سعيد بن منصور في «سننه» ـ كما في «الآداب الشرعية» لابن مفلح (2/ 433) قال: حدثنا هشيم، عن العوام، عن إبراهيم التيمي، قال: قال عمر: لاترفعوهم إذْ وَضَعَهُم اللهُ، ولاتُعِزُّوهم إذْ أذلَّهم الله. ـ يعني أهل الكتاب ـ. وقال ابن مفلح عقب الحديث: كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ، لَكِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ.

ـ يُنظر للشواهد والمسائل في الباب: «أحكام أهل الملل والردة» للخلال (ص 115)، «الجامع لشعب الإيمان» للبيهقي (12/ 12) في الباب (66) مباعدة الكفار والمفسدين والغلظة عليهم، «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (1/ 448)، «الآداب الشرعية» لابن مفلح (2/ 430)، «حسن السلوك الحافظ دولة الملوك» لمحمد الموصلي الشافعي ـ ط. دار الوطن ـ (ص 161)، «غذاء الألباب» للسفاريني (2/ 15)، و «إرشاد أولي الألباب إلى ما صحَّ من معاملة أهل الكتاب» لجمال بن محمد ابن إسماعيل.

(1)

نهاية الورقة [24] من المخطوط.

ص: 422

فَعَلَهُ، أَوْ رَضِيَ بِهِ، وَهُجْرَانِهِ، وَمَقْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ، لِغَلَبَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الْشَّأَنِ؛ وَجَبَتْ الهِجْرَةُ مِنْ ذَلِكَ المَوْضِعِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ (1)

فِيْ «تَذْكِرَتِهِ» : [(وَفِيْ «صَحِيْحِ الْتِّرْمِذِيِّ»: «أَنَّ الْنَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْظَّالِمَ وَلَمْ يَأَخُذُوْا عَلَى يَدَيْهِ؛ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ» وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُوْرِ)(2) الْفِتَنِ (3)، وَانْتِشَارِ المُنْكَرِ، وَعَدَمِ الْتَّغْيِيْرِ، وَإِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَجَبَ

(1) هو أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المالكي، قال عنه الذهبي:(إمام متفننٌ، متبحر في العلم، له تصانيف مفيدةٌ، تدل على كثرة اطلاعه ووفور فضله. وقد سارت يتفسيره العظيمِ الشأنِ الركبانُ، وهو كامل في معناه .. ).

من شيوخه: علي بن هبة الله اللخمي، وعبدالعظيم المنذري، وأبو العباس أحمد بن عمر القرطبي صاحب «المفهم في شرح صحيح مسلم» .

من مؤلفاته: تفسيره الكبير المسمى «الجامع لأحكام القرآن» ، و «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» ، و «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفات الله العلى» ، و «قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذل السؤال بالكسب والصناعة» ، وجميعها مطبوعة.

وفاته: توفي رحمه الله في مصر، سنة 671 هـ.

ينظر في ترجمته: [«تاريخ الإسلام» للذهبي ـ تحقيق بشار ـ (15/ 229)، «الديباج المذهب» لابن فرحون (2/ 308)، «شذرات الذهب» لابن العماد (7/ 584)، «الوافي بالوفيات» (2/ 122)، «طبقات المفسرين» للداوودي (2/ 65)، «الأعلام» للزركلي (5/ 322)، مقدمة تحقيق د. الصادق بن محمد لكتاب «التذكرة» (1/ 26)].

(2)

مابين القوسين ساقط من المخطوطة، ولايستقيم النقل إلا به، والإضافة من «التذكرة» .

(3)

في «التذكرة» : المعاصي.

ص: 423

عَلَى المُؤْمِنِيْنَ المُنْكِرِيْنَ لَهَا بِقُلُوْبِهِمْ، هِجْرَانَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَالهَرَبَ مِنْهَا؛ وَهَكَذَا كَانَ الحُكْمُ فِيْمَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنَ الْأُمَمِ، كَمَا فِيْ قِصَّةِ الْسَّبْتِ، حِيْنَ هَجَرُوْا الْعَاصِيْنَ، وَقَالُوْا: لَا نُسَاكِنُكُمْ، وَبِهَذَا قَالَ الْسَّلَفُ رضي الله عنهم.

وَرَوَى «ابْنُ وَهْبٍ» ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: تُهْجَرُ الْأَرْضُ الَّتِيْ يُصْنَعُ فِيْهَا المُنْكَرُ جِهَارَاً، وَلَا يُسْتَقَرُّ فِيْهَا، وَاحْتَجَّ بِصَنِيْعِ أَبِيْ الْدَّرْدَاءِ، فِيْ خُرُوْجِهِ مِنْ أَرْضِ مُعَاوِيَةَ، حِيْنَ أَعْلَنَ بِالْرِّبَا، فَأَجَازَ بَيْعَ سِقَايَةِ الْذَّهَبِ، بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا (1). خَرَّجَهُ أَهْلُ الْصَّحِيْحِ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِيْ مَوْضِعٍ آخَرَ: إِذَا ظَهَرَ الْبَاطِلُ عَلَى الْحَقِّ، كَانَ الْفَسَادُ فِيْ الْأَرْضِ. (2)

وَقَالَ: لَا تَنْبَغِيْ (3) الْإِقَامَةُ فِيْ أَرْضٍ، يَكُوْنُ الْعَمَلُ فِيْهَا بِغَيْرِ الحَقِّ، والْسَّبُّ لِلْسَّلَفِ. (4)

(1) في المخطوطة «وزنه» ، والتصحيح من «التذكرة» للقرطبي.

(2)

ترك المؤلف هنا مجموعةً من النقول الواردة في المصدر المنقول منه «التذكرة» للقرطبي.

(3)

في «التذكرة» : لاينبغي.

(4)

يُنظر: «التمهيد» لابن عبدالبر (17/ 443).

ص: 424

وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ الْثَّوْرِيِّ، «أَنَّهُ» (1) قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِيْ أَيِّ الْبِلَادِ أَسْكُنُ؟ فَقِيْلَ لَهُ: خُرَاسَانُ. فَقَالَ: فِيْهِ مَذَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ، وَآرَاءٌ فَاسِدَةٌ.

فَقِيْلَ لَهُ: الْشَّامُ، فَقَالَ: هُنَاكَ يُشَارُ إِلَيْكَ بِالْأَصَابِعِ ـ أَرَادَ الْشُّهْرَةَ ـ فَقِيْلَ لَهُ: الْعِرَاقُ. فَقَالَ: بَلْدَةُ الجَبَابِرَةِ. فَقِيْلَ لَهُ: مَكَّةُ، فَقَالَ: مَكَّةُ مُذِيْبٌ (2) لِلْكِيْسِ وَالْبَدَنِ] (3).

- قَوْلُهُ: (إِنَّ الْسَّفَرَ إِلَى بِلَادِ المُشْرِكِيْنَ سَهْلٌ، لِكَنَّ الْكَايِدَ الْقِرَاءَةُ بِالْزَّادِ، مَا يَقْرَأُ فِيْهِ إِلَّا ضَالٌّ مُضِلٌّ).

أَقُوْلُ: الْسَّهْلُ مَا سَهَّلَ اللهُ، وَأَمَرَ بِهِ وَرَسُوْلُهُ؛ وَلَمْ يَأَمْرُ بِالْسَّفَرِ إِلَى بِلَادِ المُشْرِكِيْنَ، بَلْ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَنَا بَرِئٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِيْنَ» ، قَالُوْا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! وَلِمَ؟ قَالَ: «لَا تَرَاءَى نَارَهُمَا» (4).

(1) سقطت من المخطوطة، والإضافة من «التذكرة» .

(2)

في «التذكرة» : تذيب الكيس والبدن.

(3)

«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» لأبي عبدالله محمد بن أحمد القرطبي

ـ ط. المنهاج ـ (3/ 1065 - 1066)، وانظر:«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (7/ 392).

(4)

سبق تخريجه، انظر (ص 179).

ص: 425

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (لَا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْتَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعَ الْتَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلَعَ الْشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)(1).

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، أَنَّهُ قَالَ:(أَيُّمَا رَجُلٍ جَلَبَ شَيْئَاً إِلَى مَدِيْنَةٍ مِنْ مَدَائِنِ المُسْلِمِيْنَ صَابِرَاً مُحْتَسِبَاً، فَبَاعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ، كَانَ عِنْدَ اللهِ بِمَنْزِلَةِ الْشُّهَدَاءِ. ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (2)(3).

وَقَالَ مَالِكٌ: تُهْجَرُ الْأَرْضُ الَّتِيْ يُصْنَعُ فِيْهَا المُنْكَرُ جِهَارَاً، وَلَا يُسْتَقِرُّ فِيْهَا، وَاحْتَجَّ بِصَنِيْعِ أَبِيْ الْدَّرْدَاءِ فِيْ خُرُوْجِهِ مِنْ أَرْضِ مُعَاوِيَةَ، حِيْنَ أَعْلَنَ بِالْرِّبَا. وَقَدْ سَبَقَ الجَمِيْعُ (4).

(1) سبق تخريجه، انظر (ص 176).

(2)

سورة المزمل، آية (20).

(3)

سبق تخريجه، انظر (ص 230).

(4)

سبق النقل في (ص 224).

ص: 426

وَقَدْ تَقَرَّرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ كُلَّ وَسِيْلَةٍ يَتَأَثَّرُ مِنْهَا مُحَرَّمٌ (1)، يَحْرُمُ فِعْلُهَا، فَيَجِبُ تَرْكُهَا عَلَى المُؤْمِنِيْنَ، بِإِجْمَاعِ المُسْلِمِيْنَ.

فَمَنْ سَافَرَ مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِيْنَ إِلَى بِلَادِ المُشْرِكِيْنَ، الَّذِيْ لَا يُظْهِرُ دِيْنَهُ فِيْهَا، يَتَأَثَّرُ مِنْهُ خِصَالٌ عَدِيْدَةٌ قَبِيْحَةٌ، مِنْهَا: مُتَعَرِّضٌ لِلْوَعِيْدِ الَّذِيْ قَالَ فِيْهِ عليه السلام: «أَنَا بَرِئٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِيْنَ» ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُشَاهِدُ جَمِيْعَ الْفُجُوْرِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا رَآهُ لَا يَسْتَطِيْعُ أَنْ يُنْكِرَّ مِنْهُ شَيْئَاً، فَالَّذِيْ يَرَى المُنْكَرَ وَلَمْ (2) يُغَيِّرْ بِطَاقَتِهِ (3)، شَيْطَانٌ أَخْرَسٌ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَضْعُفْ إِيْمَانُهُ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا تَضْعُفُ دِيَانَتُهُ (4)، وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَكْتَسِبُ مِنْ رُسُوْمِهِمْ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَكْتَسِبُ مِنْ عَقَائِدِ مَنْ يَسْكُنُ عِنْدَهُمْ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَخْلُوْ مِنْ الْتَّزَيِّيْ بِزِيِّهِمْ، وَمِنْهَا: أَنَّ بَعْضَ المُحَرَّمَاتِ

(1) لعل الأنسب أن يقال: (كل وسيلة تُوْصِل إلى محرَّم) وهذه قاعدة: (الوسائل لها أحكام المقاصد) تُنظر في: «التعليق على القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي» للشيخ: محمد العثيمين رحمه الله (ص 30 ـ 48).

(2)

نهاية الورقة [25] من المخطوط.

(3)

أي على حسب طاقته.

(4)

بمعنى ما قبله.

ص: 427

تَخِفُّ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَاظَمَهَا قَلْبُهُ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ الْكَبَائِرِ لَمْ يَمْنَعْ نَفْسَهُ، لِمُوَافَقَتِهِمْ وَمُرَاعَاتِهِمْ لِمَصْلَحَةِ عَرَضِ الْدُّنْيَا.

وَمِنْهَا: أَنَّ بَعْضَ مَنْ يُسَافِرُ (1) إِلَى دِيَارِهِمْ، رَأَى نَفْسَهُ فِيْ الْرُّؤْيَا أَعْمَى، وَهَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، مُتَوَاتِرٌ جِدَّاً، وَمَشْهُوْرٌ؛ فَإِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْرُّجُوْعِ عَنْ ذَلِكَ، رَأَى مَا يَسُرُّه، هَذَا إِذَا لَمْ يَرْكَنْ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ؛ فَهُوَ مِنْهُمْ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» (2).

وَقَالَ سَهْلٌ: (إِذَا ظَهَرَتْ المَعَاصِيُّ وَالْبِدَعُ فِيْ أَرْضٍ، فَا خْرُجُوْا مِنْهَا إِلَى أَرْضِ المُطِيْعِيْنَ)(3).

قُلْتُ: وَقَدْ خَرَجَ أُنَاسٌ مِنْ بِلَادِ المُسْلِمِيْنَ، إِلَى بِلَادِ المُشْرِكِيْنَ، وَاتَّخَذُوْهُ سُنَّةً، لَا أَظْهَرَ اللهُ سُنَّتَهُمْ هَذِهِ، وَلَا كَثَّرَهَمُ اللهُ فِيْ أَرْضِهِ.

(1) لعلها سافر.

(2)

سبق تخريجه، انظر (ص 399).

(3)

انظر: «تفسير السلمي» (2/ 118)، «تفسير النسفي» ـ دار الكلم الطيب ـ (2/ 683)، «روح المعاني» للآلوسي (21/ 16).

ص: 428

- وَأَمَّا قَوْلُهُ: (الْكَايِدْ: الْقِرَاءَةُ بِالْزَّادِ

إِلَخ).

يَعْنِيْ كِتَابَ «الْرَّوْضِ المُرْبِعِ شَرْحَ زَادَ المُسْتَقْنِعِ فِيْ اخْتِصَارِ المُقْنِعِ» مِنْ كُتُبِ فِقْهِ الحَنَابِلَةِ لِلْبُهُوْتِيِّ الحَنْبَلِيِّ (1)

رحمه الله تَعَالَى؛ عَابَهُ؛ لِأَنَّ فِيْهِ الْرَّدَ عَلَى مَذْهَبِهِ الْفَاسِدِ، الَّذِيْ يُجِيْزُ مُخَالَطَةَ المُشْرِكِيْنَ، مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ دِيْنٍ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْسُّنَّةِ، وَالْاعْتِمَادِ عَلَى مَا صَحَّ مِنْ الْأَحَادِيْثِ (2).

(1) هو: أبو السعادات، منصور بن يونس البُهُوتي الحنبلي، شيخ الحنابلة في مصر.

ولد: سنة (1000 هـ). من شيوخه: يحيى بن موسى الشهير بابن الحجَّاوي، ومحمد ابن أحمد المرداوي.

من تلاميذه: مرعي الكرمي، ومحمد البهوتي الشهير بالخلوتي وهو ابن أخت الشيخ منصور، وعبدالله بن عبدالوهاب بن مشرَّف الوهيبي قاضي العيينة.

من مؤلفاته: «كشاف القناع على متن الإقناع» ، و «الروض المربع» ، «عمدة الطالب لنيل المآرب» ، «إعلام الأعلام بقتال من انتهك حرمة البيت الحرام» ، «منح الشفا الشافيات في شرح المفردات» ، وجميعها مطبوعة.

وفاته: توفي رحمه الله (سنة 1051 هـ).

ينظر في ترجمته: [«خلاصة الأثر» للمحبي (4/ 426)، «النعت الأكمل» (ص 210)، «السحب الوابلة» لابن حميد (3/ 1131)، «الأعلام» للزركلي (7/ 307)، مقدمة تحقيق «كشاف القناع» ط. وزارة العدل (1/ 25)].

(2)

قوله عن «الزاد» : (والاعتماد على ما صح من الأحاديث) فيه نظر.

ص: 429

قَالَ فِيْ «الْزَّادِ» فِيْ «أَحْكَامِ الْذِّمَّةِ» : (وَيَلْزَمُ الْإِمَامُ أَخْذَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، فِيْ ضَمَانِ (1) الْنَّفْسِ، وَالمَالِ، وَالْعِرْضِ، وَإِقَامَةِ «الحُدُوْدِ» (2) عَلَيْهِمْ، فِيْمَا يَعْتَقِدُوْنَ تَحْرِيْمَهُ، «دُوْنَ مَا يَعْتَقِدُوْنَ حِلَّهُ» (3)، وَيُلْزِمُهُمْ التَمَيُّزَ عَنْ المُسْلِمِيْنَ، وَلَهُمْ رُكُوْبُ غَيْرِ جَمَلٍ (4) كَالحُمُرِ (5) بِغَيْرِ سُرْجٍ، فَيَرْكَبُوْنَ بِإِكَافٍ، وَلَا يَجُوْزُ تَصْدِيْرُهُمْ فِيْ المَجَالِسِ، وَلَا الْقِيَامُ لَهُمْ، وَلَا ابْتِدَاؤُهُمْ (6) بِالْسَّلَامِ، وَيُمْنَعُوْنَ مِنْ إِحْدَاثِ كَنَائِسَ، وَبِيَعٍ، وَبِنَاءِ مَا انْهَدَمَ مِنْهَا، وَلَوْ ظُلْمَاً. وَيُمْنَعُوْنَ أَيْضَاً (7) تَعْلِيَةَ بُنْيَانٍ عَلَى مُسْلِمٍ، «لَامُسَاوَاتُهُ لَهُ» (8)،

(1)(ضمان) ليس في المطبوعة.

(2)

سقطت من المخطوطة.

(3)

سقطت من المخطوطة.

(4)

كذا، وفي «الزاد» (غير خيل).

(5)

ليست في «الزاد» .

(6)

في «الزاد» : بُداءَتُهم.

(7)

كلمة: (ويمنعون أيضاً) ليست في «الزاد» ، وإنما فيه العطف على الجملة السابقة، بقوله: ومن تعلية بنيان ..

(8)

سقطت من المخطوطة.

ص: 430

وُيُمْنَعُوْنَ أَيْضَاً (1) مِنْ إِظْهَارِ خَمْرٍ، وَخِنْزِيْرٍ، وَمِنْ إِظْهَارِ (2) نَاقُوْسٍ، وَجَهْرٍ بِكِتَابِهِمْ). (3)

انْتَهَى كَلَامُهُ ـ رحمه الله تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً ــ.

فَهَذِهِ صِفَةُ إِظْهَارِ الْدِّيْنِ فِيْ المُشْرِكِيْنَ، وَإِظْهَارُ دِيْنِ الله كَمَا هُوَ حَقُّهُ، لِمَنْ سَأَلَ عَنْ صِفَتِهِمْ (4)، لَا كَمَا بَهْرَجَ بَعْضُ الْنَّاسِ، وَزَعَمَ أَنَّ صِفَتَهُ غَيْرُ ذَلِكَ (5)، وَسَافَرَ إِلَى أُنَاسٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُظْهِرُ دِينَهُ فِيْهِمْ، ظَاهِرٌ فِيْهِمْ الْكُفْرَ، وَجَمِيْعَ الْفُجُوْرِ، عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ.

(1) في «الزاد» : ومن إظهار خمر

دون قوله: (ويمنعون أيضاً).

(2)

كلمة من إظهار ليست في «الزاد» .

(3)

«زاد المستقنع في اختصار المقنع» للحَجَّاوي ـ ط. ابن الجوزي ـ، بتحقيق د. الهبدان (ص 185 - 186)، وانظر شرح هذا النص المنقول في «الشرح الممتع على زاد المستقنع» للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (8/ 65)، و «الروض المربع شرح زاد المستقنع» للبهوتي، مع تعليقات د. المشيقح وآخرين ـ ط. دار الوطن ـ (5/ 487).

وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم، و «إرشاد أولي الألباب إلى ما صحَّ من معاملة أهل الكتاب» لجمال بن محمد بن إسماعيل، و «أحكام الذميين والمستأمنين» د. عبدالكريم زيدان.

(4)

ربما هناك سقط، والعبارة تحتاج إلى إعادة صياغة، ، والمراد: فهذه صفة إظهار دين الله في المشركين كما أراد الله، وبيان صفة أهل الذمة في بلاد المسلمين.

(5)

مضى بيان الضابط في مسألة إظهار الدين، في المقدمة، وانظر أيضاً (ص 234).

ص: 431

فَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ: اعْبُدُوْا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوْا بِهِ؛ قُتِلَ حَالَاً، وَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ: اكْفُرُوْا بِالْطَّاغُوْتِ، وَآمِنُوْا بِالله، وَلَا تُحَكِّمُوْنَ دَوْنَ الله، قَالُوْا: إِنَّ هَذَا لَوَهَّابِيٌّ، فَجَعَلُوْهُ فِيْ الْتَّعْزِيْرِ زَمَانَاً طَوِيْلَاً أَبْلَغَ مِنَ الْقَتْلِ حَالَاً، وَمَصِيْرُهُ إِلَى الْقَتْلِ (1).

وَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ: لَا تَحْكُمُوْا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَلَا تَزْنُوْا، وَلَا تَشْرَبُوْا الخَمْرَ، وَلَا تَلْبَسُوْا الحَرِيْرَ، وَلَا تَرْبُوْا، وَلَا تَضْرِبُوْا المَعَازِفَ؛ قُتِلَ (2) قَبْلَ بُلُوْغِهِ إِلَى الْسُّلْطَانِ، أَوْ أُخْرِجَ.

وَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ: لَا تَدْعُوْا عَليَّ بْنَ أَبِيْ طَالِبٍ، وَلَا الْعَبَّاسَ، وَلَا الحُسَيْنَ، وَلَا الخَضِرَ؛ ضُرِبَ حَالَاً، وَقُتِلَ، وَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ: دُعَاءُ هَؤُلَاءِ لَمْ يَضُرَّ وَلَمْ يَنْفَعْ، ادْعُوْا رَبَّكُمْ الَّذِيْ خَلَقَكُم؛ قُتِلَ أَوْ أُخْرِجَ (3).

(1) ينظر: «سبيل النجاة والفكاك» للشيخ: حمد بن علي بن عتيق (ص 102)، وهو جواب من الشيخين: حسين، وعبدالله، ابني الإمام: محمد بن عبدالوهاب، و «الجيوش الربانية في كشف الشُّبَهِ العَمْرِيَّة» ، و «منهاج أهل الحق والاتباع» (ص 83) كلاهما للشيخ: سليمان بن سحمان (ص 105)، و «الأجوبة السمعيات» للشيخ: إسحاق بن عبدالرحمن (ص 110).

(2)

نهاية الورقة [26] من المخطوط.

(3)

ينظر في أحوال تلك الديار في زمن المؤلف وما قبله: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (1/ 380 وما بعدها) و (2/ 269)، و «الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري» لعلي بن بخيت الزهراني (مجلدان)، «عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي» د. صالح العبود (1/ 65) وما بعدها، «تذكرة أولي النهى والعرفان» لابن عبيد ـ ط. الرشد ـ (1/ 23)، «غربة الإسلام» للشيخ: حمود التويجري (1/ 216 ـ 267).

ص: 432

فَسَافَرَ إِلَيْهِمْ مَنْ سَافَرَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ، فَدَاهَنَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؛ فَتَرَكُوْهُ، فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا إِظْهَارُ الْدِّيْنِ، وَلَمْ يَدْرِ المِسْكِيْنُ أَنَّ هَذَا خِذْلَانٌ لِلْدِّيْنِ، وَإِهَانَةٌ لَهٌ، فَاللهُ سبحانه وتعالى يُجَازِيْهِ بِعَمَلِهِ.

- قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا: أَنَّ الْزَّانِيَ، وَالْسَّارِقَ، وَالْخَمَّارَ، وَالْمُنَافِقَ، لَهُمْ حُرْمَةٌ، يَعْنِيْ تَامَّةً؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُوْنَ).

أَقُوْلُ: لِلْزَّانِيْ الْبِكْرُ، فَإِنَّهُ يُجْلَدُ مِئَةَ جَلْدَةٍ، لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَيُغَرَّبُ عَامَاً، وَحُرْمَةٌ لَهُ عَنْ سَفْكِ دَمِهِ؛ وَإِنْ كَانَ ثَيِّبَاً جُلِدَ كَمَا يُجْلَدُ الْبِكْرُ (1)، وَيُرْجَمُ حَتَّى يَمُوْتَ، لَا حُرْمَةَ لَهُ.

وَأَمَّا الْسَّارِقُ إِذَا كَانَ مُكَلَّفَاً، وَسَرَقَ مِنْ حِرْزٍ، رُبْعَ دِيْنَارٍ فَصَاعِدَاً، قُطِعَتْ كَفُّهُ الْيُمْنَى، لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَحُرْمَةٌ لَهُ عَنْ سَفْكِ دَمِهِ.

وَأَمَّا الخَمَّارُ إِذَا شَرِبَ مُسْكِرَاً، (2) مُكَلَّفَاً مُخْتَارَاً، جُلِدَ عَلَى مَا يَرَاهُ

(1) سيأتي أن جلد الثيب قبل رجمه، منسوخ.

(2)

ربما سقطت كلمة: «وكان» .

ص: 433

الْإِمَامُ، وَمَا يَلِيْقُ بِالْخَمَّارِ، إِمَّا أَرْبَعِيْنَ جَلْدَةً، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ بِالْنِّعَالِ، وَلَا حُرْمَةَ لَهُ، وَحُرْمَةٌ لَهُ عَنْ سَفْكِ دَمِهِ.

وَالجَمِيْعُ مَنْ مَاتَ عَلَى الْشَّهَادَتَيْنِ لَا يُخَلَّدُ فِيْ الْنَّارِ، وَيَكُوْنُ تَحْتَ مَشِيْئَةِ الله، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.

وَأَمَّا المُنَافِقُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ اللهُ فِيْهِ:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (1)، نَعُوْذُ بِالله مِنْ ذَلِكَ، وَلَا حُرْمَةَ لَهُ أَصْلَاً.

فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ (2):

أَمَّا الْزَّانِيْ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَىْ:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} الآيَةَ (3).

وَلِحَدِيْثِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، فِيْ «الْصَّحِيْحَيْنِ» ، وَغَيْرِهِمَا، أَنَّ رَجُلَاً مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ الله،

ص: 434

أَنْشُدُكَ «اللهَ» (1) إِلَّا قَضَيْتَ لِيْ بِكِتَابِ الله. وَقَالَ الْخَصْمُ الْآخَرُ ـ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ـ: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ الله، وَاذَنْ لِيْ، فَقَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم:«قُلْ» ، قَالَ: إِنَّ ابْنِيْ كَانَ عَسِيْفَاً عَلَى هَذَا، فَزَنَىْ بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّيْ أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِيْ الْرَّجْمَ؛ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِئةِ شَاةٍ وَوَلِيْدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُوْنِيْ أَنَّ عَلَىْ ابْنِيْ جَلْدَ مِئَةٍ وَتَغْرِيْبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الْرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيْدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ الله، الْوَلِيْدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْريْبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسَ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَر بِهَا رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ» (2).

قَالَ مَالِكٌ: الْعَسِيْفُ: الْأَجِيْرُ (3).

وَفِيْ «صَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ» ، وَغَيْرِهِ، مِنْ حَدِيْثِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ، أَنَّ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيْمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ، بِنَفْيِ عَامٍ، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (4)(5).

(1) سقطت لفظة الجلالة من المخطوطة.

(2)

أخرجه: «البخاري» (6827)(6828)، و «مسلم» (1697).

(3)

ذَكَرَهُ في «الموطأ» (3519).

(4)

نهاية الورقة [27] من المخطوط.

(5)

أخرجه: «البخاري» (6833).

ص: 435

وَأَخْرَجَ «مُسْلِمٌ» ، وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيْثِ عُبَادَةَ بْنِ الْصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: (خُذُوْا عَنِّي، «خُذُوا عَنِّي» (1)، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيْلَاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِئَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ؛ وَالْثَّيِّبُ بِالْثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ، وَالْرَّجْمُ) (2).

(1) سقطت من المخطوطة، والإضافة من «صحيح مسلم» .

(2)

أخرجه: «مسلم» (1690). وقدْ دَلَّ هذا الحديث على أن حَدَّ الثيِّب الزاني: الجلد والرجم، وهناك بعض الآثار عن عمر، وعلي، ومسروق رضي الله عنهم.

وأما حديث أبي هريرة وزيد بن خالد ـ السابق ذكره ـ، وحديث رجم ماعز، والغامدية، واليهودية، فليس فيها الجلد، وإنما الرجم فقط، وقد وردت في ذلك آثار عن عمر، وإبراهيم النخعي، والزهري ..

لذا اختلف العلماء في الجلد قبل الرجم في حد الثيب الزاني.

فجمهور أهل العلم على أنه لاجلد على من وجب عليه الرجم، .

وفي رواية لأحمد، وقول ابن المنذر، ومذهب الظاهرية، واختاره الشوكاني أنه يُجمع بين الجلد والرجم.

وقيل: بأن الجمع بينهما في حق المحصن إذا كان شيخاً، أما الشاب المحصن فلا يجلد. روي عن كعب بن مالك، ومسروق. =

ص: 436

وَأَمَّا الْسَّارِقُ، فَلِمَا أَخْرَجَهُ «أَبُوْ دَاوُدَ» مِنْ حَدِيْثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ

= ولا يمكن الجمع بين النصوص في الباب، فيُنتَقل إلى النسخ، وهو أن جلد الثيب الوارد في حديث عبادة منسوخ، وقد قال بذلك جمع من أهل العلم؛ لتأخر الأحاديث الدالة على الاقتصار على الرجم.

ممن قال بالنسخ: الإمام أحمد، ينظر:«مختلف الحديث عند الإمام أحمد» د. عبدالله بن فوزان الفوزان (2/ 1003).

وقال به أيضاً: الشافعي كما في «الرسالة» (248)، وابن عبد البر في «التمهيد» (9/ 82)، و «الاستذكار» (7/ 479)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 139)، والعيني في «عمدة القاري» (20/ 258)، وابن القيم في «زاد المعاد» (5/ 26)، والنووي كما في «شرح مسلم» (11/ 188)، والماوردي في «الأحكام السلطانية» (ص 279) وذكره الخطابي عن عامة الفقهاء كما في «معالم السنن» (4/ 570)، وينظر:«السنن الكبرى» للبيهقي (8/ 210 ـ 212)، و «الاعتبار في منسوخ الأخبار» للحازمي (2/ 704)، و «رسوخ الأخبار في منسوخ الأخبار» للجعبري (ص 484)، و «فتح الباري» (12/ 117)، و «المبسوط» للسرخسي (9/ 36)، والشنقيطي في «أضواء البيان» (6/ 46).

وانظر مناقشات الأدلة في: «أضواء البيان» للشنقيطي (6/ 47)، و «الحدود والتعزيرات عند ابن القيم» للشيخ د. بكر أبو زيد (ص 129).

ص: 437

عَنْ الحَرِيْسَةِ (1) الَّتِيْ تُؤْخَذُ مِنْ مَرْتَعِهَا؟ قَالَ: «فِيْهَا ثَمَنُهَا مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبُ نَكَالٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ عَطَنِهِ فَقَيْدَ الْقَطْعِ، وَأَبْلَغُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ» .

قَالَ: يَا رَسُوْلَ الله، وَالْثِّمَارَ وَمَا أُخِذَ مِنْهَا فِيْ أَكْمَامِهَا؟ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ بِفَمِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً؛ فَلَيْسِ عَلَيْهِ شَئٌ، وَمَنْ احْتَمَلَهُ، فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبُ نَكَالٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ أَجْرَانِهِ فَفَيْهِ الْقَطْعُ، إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ

(1) في المخطوطة «الحرسية» ، وهو تصحيف.

قال الزبيدي في «تاج العروس» (15/ 532): (الحَريسَة: جِدارٌ من حجارةٍ يُعمَلُ للغنَمِ لأجلِ الحِراسةِ لَهَا والحِفظ

الحَريسَة: السَّرِقَةُ نَفْسُها. والحَريسَة أَيْضا: مَا احْتُرِسَ مِنْهَا.

وَقيل: الاحْتِراسُ: أَن يُسرَقَ الشيءُ من المَرْعى).

قَالَ أَبُو عبيد في «غريب الحديث» (3/ 98): الحريسة تُفَسَّر تفسيرين: فبعضهم يَجْعَلهَا السرِقة نَفسهَا، يُقَال: حَرَست أحرِس حَرَساً إِذا سرق، فَيكون الْمَعْنى: أَنه لَيْسَ فِيمَا يُسرق من الْمَاشِيَة بالحبل قطع حَتَّى يؤويها المراح.

وَالتَّفْسِير الآخر: أَن يكون الحريسة هِيَ المحروسة، فَيَقُول: لَيْسَ فِيمَا يُحْرس فِي الْجَبَل قطع، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِموضع حرز وَإِن حُرِس.

وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (2/ 38)، و «النهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير (1/ 367).

ص: 438

ثَمَنُ المِجَنِّ). وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضَاً «أَحْمَدُ» ، وَ «الْنَّسَائِيُّ» ، وَ «الحَاكِمُ» ، وَحَسَّنَهُ الْتِّرْمِذِيُّ (1).

(1) الحديث حسنٌ.

أخرجه: الإمام أحمد في «مسنده» (11/ 273)(6683) ـ واللفظ له ـ، وفي (11/ 492)(6891)، وأبو داود في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (3/ 135)(1710)، والتِّرمِذي في «جامعه» ـ ط. الرسالة ـ (3/ 136)(1334) وفي ترقيم عبدالباقي (1289)، والنسائي في «المجتبى» (8/ 85 ـ 86)(4958)(4959)، وفي «السنن الكبرى» (7/ 34)(7405)، وابن ماجه في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (3/ 622)(2596)، والشافعي في «مسنده» (2/ 160)(730)، وابن أبي شيبة في «مصنفه»

ـ ط. عوامة ـ (7/ 72)(10871)، و (11/ 226)(22078)، والحميدي في «مسنده» (1/ 507)(608)(609)، وأبو عبيد في «الأموال» (1/ 462)(848)(849)(850)، وابن الجارود في «المنتقى» (2/ 237) /وابن خزيمة في «صحيحه» ـ ط. الميمان ـ (4/ 80)(2327)(2328)، والدارقطني في «سننه» (3/ 194 ـ 195) و (4/ 236)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (2/ 279)(1983)، والحاكم في «مستدركه» (4/ 423)(8151)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 152) و (6/ 190)، والبغوي في «شرح السنة» (8/ 318)(2211) ـ وانظر «المسند الجامع» (11/ 124) ـ

من طُرُقٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الضَّالَّةِ مِنَ =

ص: 439

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الْإِبِلِ؟ قَالَ: «مَعَهَا حِذَاؤُهَا، وَسِقَاؤُهَا، تَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَتَرِدُ الْمَاءَ، فَدَعْهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا بَاغِيهَا» قَالَ: الضَّالَّةُ مِنَ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ، تَجْمَعُهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا بَاغِيهَا» قَالَ: الْحَرِيسَةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي مَرَاتِعِهَا؟ قَالَ: «فِيهَا ثَمَنُهَا مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبُ نَكَالٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ عَطَنِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ، إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» .

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالثِّمَارُ، وَمَا أُخِذَ مِنْهَا فِي أَكْمَامِهَا؟ قَالَ:«مَنْ أَخَذَ بِفَمِهِ، وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنِ احْتَمَلَ، فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ وَضَرْبًا وَنَكَالًا، وَمَا أَخَذَ مِنْ أَجْرَانِهِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ، إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» .

قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللُّقَطَةُ نَجِدُهَا فِي سَبِيلِ الْعَامِرَةِ؟ قَالَ:«عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَإِنْ وُجِدَ بَاغِيهَا، فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» ، قَالَ: مَا يُوجَدُ فِي الْخَرِبِ الْعَادِيِّ؟ قَالَ: «فِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» . ـ لفظ الإمام أحمد ـ.

بعضهم أورده مطولاً، وبعضهم أورد جزءاً منه.

وهذا إسناد حسنٌ، وقد حسَّنَ الحديثَ الترمذيُّ في «جامعه» .

ـ عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، عن أبيه، عن جده.

صَدُوقٌ، ورِوَايتُه عَن أَبِيِهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرو، مِنْ قَبِيلِ الحدِيثِ الحَسَنِ.

في حال عمرو بن شعيب، وفي النسخة «عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده» خلافٌ كثيرٌ، مُتَعدِّدُ الأطراف، بَلْ ومختلفُ القولِ عن إمامٍ واحدٍ، فضلاً عن مجموع الأئمة، حتَّى أُلِّفَت فيها رسائل، منها:

[«جزء فيه ما استنكر أهل العلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده» للإمام مسلم، ذكره ابن حجر في مسموعاته، كما في «المعجم المفهرس» (ص 159)، و «من =

ص: 440

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= روى من التابعين عن عمرو بن شعيب» لعبدالغني بن سعيد، ذكره السخاوي في «الإعلان بالتوبيخ» (604)، وألَّف العلائي جزءاً مفرداً في صحة الاحتجاج بهذه النسخة، والجواب عما طعن به عليها، كما في «تدريب الراوي» (2/ 257)، و «بذل الناقد بعض جهده في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده» للبلقيني، ذكره في «محاسن الاصطلاح» (542)، و «رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في الكتب التسعة» ، رسالة ماجستير لأحمد عبدالله ـ.

أفاد ما سبق الشيخ: مشهور بن حسن سلمان في تحقيقه لـ «الكافي في علوم الحديث» للتبريزي (ص 433).

ويُضاف: «صحيفتا عمرو بن شعيب وبهز بن حكيم عند المحدثين والفقهاء» لمحمد ابن علي بن الصديق، مطبوعة في المغرب]

ثم استقرّ الأمر على مذهب القبول، والتحسين، وأن الجدَّ هو الصحابي: عبدالله بن عمرو رضي الله عنه.

وإثبات سماع شعيب من جده عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، وما لم يسمَعْهُ، فَوِجَادَةٌ صحيحةٌ، ونُسب هذا القول المختار إلى الجمهور.

والحديث هنا فيه ثلاث مسائل:

الأولى: بيان حال عمرو بن شعيب.

الثانية: بيان حال شعيب بن محمد.

الثالثة: بيان القول في صحة الترجمة، واتصالها من انقطاعها.

الأولى: حال عمرو بن شعيب. =

ص: 441

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي، أبوإبراهيم، ويقال: أبوعبدالله، المدني، وعدَّه بعضهم في أهل الطائف.

صَدُوقٌ.

وثَّقَهُ مطلقاً: جمهورُ أهل الحديث: قال علي بن المديني: عمرو بن شعيب عندنا ثقة، وكتابه صحيح.

وقال يعقوب بن شيبه: (ما رأيت أحداً من أصحابنا فيمن ينظر في الحديث وينتقي الرجال يقول في عمرو بن شعيب شيئاً، وحديثه عندهم صحيح، وهو ثقة ثبت. الأحاديث التي أنكروها من حديثه إنما هي لقوم ضعفاء، رووها عنه، وما روى عنه الثقاتُ فصحيح).

وقال البخاري: (رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأباعُبيد، وعامة أصحابنا، يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ما تركه أحدٌ من المسلمين، قال البخاري: مَنْ الناس بعدهم

؟ ! ).

ووَثَّقَهُ أيضاً: يحيى القطان، وابن معين، ـ في رواية عنهما ـ، وأبو زرعة، وصالح جزرة، والنسائي، وفي موضع قال: لابأس به. وابن عدي، وغيرهم. وقال ابن حبان في «المجروحين»: يُحوَّل إلى تاريخ الثقات، لأن عدالته قد تقدمت.

وضَعَّفَهُ مُطْلَقَاً: يحيى القطان، وابن معين، وأحمد ـ في رواية عنهم ـ وأبو داود، وقال: أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه، وما روى عنه الثقات، فيُذاكر به.

وفصَّلَ فيهِ آخَرُون، فضعفوا مارواه عن أبيه، عن جده، وصححوا ما عداه:

قال ابن عيينة: (إنما يحدث عن أبيه عن جده، وكان حديثه عند الناس فيه شيء). وقال =

ص: 442

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ابن معين: (هو ثقة في نفسه، وما روى عن أبيه عن جده لا حجة فيه، وليس بمتصل، وهو ضعيف

). وقال أيضاً: (إذا حدث عن ابن المسيب أو سليمان بن يسار أو عروة فهو ثقة عنهم). وقال ابن المديني: (ما روى عنه أيوب، وابن جريج، فذاك له صحيح، وما روى عن أبيه عن جده فهو كتاب، هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو ابن العاص، وهو يقول: أبي عن جده، فمن هاهنا جاء ضعفه

، وإذا حدث عن سعيد بن المسيب، أو سليمان بن يسار، أو عروة، فهو ثقة عن هؤلاء أو قريب من هذا). وقال أبوزرعة:(روى عنه الثقات، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه، عن جده، وقالوا: إنما سمع أحاديث يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها، وما أقل ما نصيب عنه مما روى عن غير أبيه من المنكر، وعامة هذه المناكير التي تروى عنه إنما هي عن المثنى بن الصباح، وابن لهيعة والضعفاء، وهو ثقة في نفسه، إنما تكلم فيه بسبب كتاب عنده).

وقال ابن حبان: (إذا روى عمرو بن شعيب عن طاووس، وابن المسيب، وغيرهما من الثقات ـ غير أبيه ـ فهو ثقة، يجوز الاحتجاج بما يروي عن هؤلاء، وإذا روى عن أبيه، عن جده، ففيه مناكير كثيرة، لا يجوز عندي الاحتجاج بشيء روى عن أبيه، عن جده؛ لأن هذا الإسناد لا يخلو من أن يكون مرسلاً أو منقطعاً، لأنه عمرو بن شعيب ابن محمد بن عبدالله بن عمرو، فإذا روى عن أبيه فأبوه شعيب، وإذا روى عن جده وأراد عبدالله بن عمرو جدَّ شعيب، فإن شعيباً لم يلق عبدالله بن عمرو، والخبر بنقله هذا يكون منقطعاً، وإن أراد بقوله:«عن جده» جدَّه الأدنى جد عمرو، فهو محمد بن عبدالله بن عمرو، ومحمد بن عبدالله لا صحبة له؛ فالخبر بهذا النقل يكون مرسلاً. =

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فلا تخلو رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، من أن يكون مرسلاً أو منقطعاً، والمرسل والمنقطع من الأخبار لا تقوم بهما الحجة .... وأما من قال: إذا قال عمرو بن شعيب: عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو، ويسميه فهو صحيح. وقد اعتبرت ما قاله، فلم أجد من رواية الثقات المتقنين عن عمرو فيه ذكر سماع عن جده عبدالله بن عمرو، وإنما ذلك شيء يقوله محمد بن إسحاق، وبعض الرواة، ليعلم أن جده اسمه عبدالله بن عمرو، فأدرج في الإسناد.

فليس الحكم عندي في عمرو بن شعيب إلا مجانبة ما روى عن أبيه عن جده. والاحتجاج بما روى عن الثقات غير أبيه، ولولا كراهية التطويل، لذكرت مناكير أخباره التي رواها عن أبيه، عن جده، أشياء يستدل بها على وهن هذا الإسناد .. ) ا. هـ كلام ابن حبان في «المجروحين» .

وقال ابن عدي: (وقد روى عن عمرو بن شعيب أئمةُ الناس، وثقاتُهم، وجماعةٌ من الضعفاء، إلا أن أحاديثه عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم اجتنبه الناس، مع احتمالهم إياه، ولم يدخلوه في صحاح ما خرَّجوه، وقالوا: هي صحيفة).

وقد ذكر ابن حجر أن من ضعفه مطلقاً، محمول على روايته عن أبيه، عن جده. فيبقى قولان في حال عمرو بن شعيب.

ومن ضعفه في روايته عن أبيه، عن جده، فلِعِلَلٍ، سيأتي ذكرها في الأمر الثالث.

قال الذهبي في «المغني» : (عمرو بن شعيب، مختلف فيه، وحديثه حسن، وفوق الحسن).

قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» : صدوق. =

ص: 444

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأورده في «طبقات المدلسين» وذكره في المرتبة الثانية، وهم: من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح، لإمامته، وقلة تدليسه، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة.

قال ابن تيمية: (أئمة الإسلام، وجمهور العلماء، يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده».

توفي سنة (118 هـ).

الثانية: بيان حال شعيب بن محمد.

شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي الحجازي، وقد يُنْسَب إلى جده.

تَابِعِيٌّ، صَدُوقٌ.

ذكره ابن حبان في «الثقات» وأنكر سماعه من جده. وتعقبه ابن حجر «التهذيب» .

قال الذهبي في «السير» ما علمت به بأساً.

قال الذهبي في «الكاشف» ، وابن حجر في «التقريب»: صدوق، زاد ابن حجر: ثَبتَ سماعُه من جده.

[«الجرح والتعديل» (4/ 351)، «الثقات» لابن حبان (4/ 357)، «تهذيب الكمال» (12/ 534)، «سير أعلام النبلاء» (5/ 181)، «الكاشف» (2/ 13)، «تهذيب التهذيب» (4/ 356)، «تقريب التهذيب» ـ ط. عوامة ـ (ص 301)]

الثالثة: القول في نسخة (عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده)، وبيان اتصالها من انقطاعها.

القول بالاحتجاج بها هو قول الجمهور، منهم: أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن =

ص: 445

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= المديني، وإسحاق بن راهويه، والحميدي، وأبو عبيد، والبخاري، والترمذي، وأحمد ابن سعيد الدارمي، ويعقوب بن شيبة، والحاكم، والبيهقي، وابن عبد البر، والمزي، وابن تيمية، والعلائي ـ وقد ألَّف فيها رسالة ـ، والعراقي، وغيرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى» : (وأما أئمةُ الأسلام، وجمهور العلماء، فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، إذا صح النقل إليه، مثل: مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، ونحوهما، ومثل: الشافعى، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، قالوا: الجدُّ هُوَ: عبد الله، فإنه يجيء مُسمَّى، ومحمدٌ أدركَه، قالوا: وإذا كانت نسخةً مكتوبةً من عهد النبي كان هذا أوكدَ لها، وأدلَّ على صحتها، ولهذا كان في نسخة عمرو بن شعيب، من الأحاديث الفقهية التي فيها مقدراتُ ما احتاج إليه عامة علماء الاسلام).

ـ

ومَنْ ضعَّف عمرو بنَ شعيب، عن أبيه، عن جده، احتج بأمرين:

أن روايته تلك، كتابٌ وجَدَهُ.

أن روايته عن أبيه، عن جَدِّهِ، مرسلةٌ أو منقطعةٌ، كما سبق النقل عن ابن حبان في بيان وجه الإرسال والإنقطاع.

وهو عودُ الضمير في «جدِّه» ، هل يعودُ على عَمْرو، فيكون الجد «محمد بن عبدالله» وهو تابعي، فيكون مرسلاً، أم أنَّ الضمير يعود على شعيب، فيكون الجد «عبدالله بن عمرو» وشعيب لم يلق جده عبدالله، فيكون منقطعاً.

والجواب عن الأول: أنه وِجَادَةٌ صحيحةٌ معروفةٌ، أصلُها ما كان يكتبه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد شهد بصحتها ابن معين، قال ابن =

ص: 446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حجر: (فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح، غير أنه لم يسمعها، وصح سماعه لبعضها، فغاية الباقي أن يكون وجادةً صحيحةً، وهو أحد وجوهِ التحمُّل).

والجواب عن الثاني: بأن الضمير يعود على شعيب، والجد هو «عبدالله بن عمرو بن العاص» حيث جاء في بعض الروايات التصريح بذكر الجد، هكذا «عن جده عبدالله» وفي بعضها:«عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو» وجاءت روايات أخرى مصرحة بسماع الجد من النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون المراد قطعاً «عبدالله بن عمرو بن العاص» لأن ابنه محمداً تابعيٌّ.

قال الذهبي في «السير» بعد أن ساق الأدلة على أن الجدَّ هُو الصحابي عبدالله بن عمرو، قال:(وعندي عدة أحاديث سوى ما مرَّ، يقول: عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو، فالمطلق محمول على المقيَّد المفسَّرِ بعبدالله).

وتبقى الآن مسألة سماع شعيب بن محمد من جده عبدالله.

والصواب أنه سمع منه؛ لأن محمداً مات في حياة أبيه عبدالله، فتربَّى شعيب في حِجْر جدِّهِ عبدالله، فلازمه، وسمع منه، حتى إنه نسب إليه فقيل: شعيب بن عبدالله.

وقد أثبت جَمعٌ من الأئمة سماعه منه، منهم: ابن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والترمذي، وأبو بكر عبدالله بن محمد بن زياد النيسابوري، والحاكم، وغيرهم.

الخلاصة: صحة الاحتجاج برواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وأنها من مراتب الحسن.

وقال البخاري ـ كما سبق ـ: (رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأباعُبيد، وعامة أصحابنا، يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن =

ص: 447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= جده، ما تركه أحد من المسلمين، قال البخاري: مَنْ الناس بعدهم

؟ ! ).

وقال الترمذي في «جامعه» ـ تحقيق شاكر ـ (3/ 33)(2/ 140): (وشعيبٌ قد سمع من جدِّه عبدِ الله بن عمرو، ومَنْ ضعَّفه فإنما ضعَّفَهُ مِن قِبَل أنه يحدث من صحيفة جده عبد الله بن عمرو، كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث مِن جدِّه، وأما أكثر أهل الحديث فيحتجُّون بحديث عمرو بن شعيب، فيثبتونه، منهم: أحمد، وإسحاق، وغيرهما).

قال ابن القيم في «الفروسية» عن تصحيح الترمذي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:(وأحسنَ كلَّ الإِحسانِ في ذلك).

وقال ابن عبدالبر في «التقصي لحديث الموطأ» : (وحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مقبولٌ عند أكثرِ أهل العلم بالنقل).

وقال إسحاق بن راهويه: (إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ثقة، فهو كأيوب، عن نافع، عن ابن عمر). قال النووي في «المجموع» : (هذا التشبيه نهاية الجلالة من مثل إسحاق رحمه الله).

قال ابن الصلاح: وقد احتج أكثر أهل الحديث بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، حملاً لمطلق الجَدِّ فيه على الصحابي عبدالله بن عمرو بن العاص، دون ابنه محمد والد شعيب، لما ظَهرَ لهم مِن إطلاقه ذلك).

قال المزي في «تهذيب الكمال» : (وهكذا قال غير واحد: أن شعيباً يروي عن جده عبدالله، ولم يذكر أحدٌ منهم أنه يروي عن أبيه محمد، ولم يذكر أحدٌ لمحمد بن عبدالله والدِ شعيب هذا، ترجمةً إلا القليل، فدلَّ ذلك على أن حديث عمرو بن شعيب، عن =

ص: 448

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أبيه، عن جده، صحيحٌ متصلٌ، إذا صَحَّ الإسناد إليه، وأنَّ مَن ادَّعى فيه خلاف ذلك، فدعواه مردودة، حتى يأتي بدليل صحيح يعارض ما ذكرناه).

قال النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» : (الصحيح المختار صحة الاحتجاج به عن أبيه، عن جده، كما قال الأكثرون).

قال ابن القيم في «زاد المعاد» : (فإن حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، لا يُعرف مِن أئمةِ الإسلامِ إلا مَن احتجَّ به، وبنى عليه، وإن خالفَهُ في بعض المواضع).

وقال في «إعلام الموقعين» : (وقد احتج الأئمة الأربعة، والفقهاء قاطبة، بصحيفة «عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده»، ولا يُعرف في أئمة الفتوى إلا مَن احتاج إليها، واحتَجَّ بها؛ وإنما طَعَن فيها مَنْ لم يتحَمَّلَ أعباءَ الفقه والفتوى، كأبي حاتم البستي، وابن حزم، وغيرهما).

قال الذهبي في «السير» : (ولسنا ممن يَعُدُّ نسخةَ عَمرو، عن أبيه، عن جده، من أقسام الصحيح الذي لا نزاع فيه؛ من أجل الوجادة، ومِنْ أن فيها مناكير، فينبغي أن يتُأمل حديثُه، ويتحايد ما جاء منه منكراً، ويُروَى ما عدا ذلك في السنن والأحكام، محسنين لإسناده، فقد احتجَّ به أئمةٌ كبار، ووثَّقُوه في الجملة، وتوقَّفَ فيه آخرون قليلاً، وما علمتُ أنَّ أحداً تركه).

وقال في «الميزان» : هو من قبيل الحسن.

وقال في «الموقظة» : (أعلى مراتب الحسن: بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده؛ وعمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده).

[«التاريخ الكبير» للبخاري (6/ 342)، «تاريخ ابن معين» رواية الدوري (2/ 446)، =

ص: 449

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= رواية ابن الجنيد (695)، «سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لابن المديني» (117)، «سؤالات أبي داود للإمام أحمد» (ص 230)(216)(217)(218)، «الجامع» للترمذي (2/ 140) و (3/ 33) مع تعليق الشيخ أحمد شاكر عليه، «الجرح والتعديل» (6/ 238)، «المجروحون» (2/ 37)، «الكامل» لابن عدي (5/ 114)، «السنن» للدارقطني (3/ 50)، «تعليقات الدارقطني على المجروحين» (ص 165)(202)، «المستدرك» للحاكم (2/ 74)(2374)، «التقصي لحديث الموطأ» لابن عبدالبر (ص 254)، «السنن الكبرى» للبيهقي (5/ 168)، «علوم الحديث» لابن الصلاح (ص 315)، «المجموع» للنووي (1/ 65)، «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 28)، «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (18/ 8)، «منهاج السنة» لابن تيمية (4/ 431)، «الفروسية» لابن القيم (ص 244)، «زاد المعاد» (3/ 458)(5/ 283)، «إعلام الموقعين» (1/ 99)، «تهذيب الكمال» (22/ 64) و (12/ 534)، «ميزان الاعتدال» (4/ 183)، «سير أعلام النبلاء» (5/ 165)، «المغني» (2/ 145)، «الموقظة» (ص 32)، «من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث» (ص 405)(267)، «جامع التحصيل» للعلائي (ص 244)، «نصب الراية» (1/ 58 ـ 59)، «شرح التبصرة والتذكرة» للعراقي (2/ 187)، «البدر المنير» لابن الملقن (2/ 147 ـ 159)، «تهذيب التهذيب» (8/ 48)، «تقريب التهذيب» ـ ط. عوامة ـ (ص 453)، «نزهة النظر شرح نخبة الفكر» (ص 85)، «تعريف أهل التقديس» (60)، «فتح المغيث» للسخاوي (4/ 158)، «تدريب الراوي» (2/ 730)، «صحيفتا عمرو بن شعيب وبهز بن حكيم عند المحدثين والفقهاء» لمحمد بن علي بن الصديق (ص 55 ـ 142)، «صحائف الصحابة» للصويان (ص 65 ـ 91)].

ص: 450

وَلِحَدِيْثِ عَائِشَةَ فِيْ «الْصَّحِيْحَيْنِ» ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَتْ:«كَانَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْطَعُ يَدَ الْسَّارِقِ، فِيْ رُبْعٍ فَصَاعِدَاً» (1).

وَفِيْ رِوَايَةٍ «لِمُسْلِمٍ» ، وَغَيْرِهِ، أَنَّ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُقْطَعُ يَدُ الْسَّارِقِ إِلَّا فِيْ رُبْعِ دِيْنَارٍ فَصَاعِدَاً» (2).

وَفِيْ لَفْظٍ «لِأَحْمَدَ» رحمه الله تَعَالَى: «اقْطَعُوْا فِيْ رُبْعِ دِيْنَارٍ، وَلَا تَقْطَعُوْا فِيْمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» . وَكَانَ رُبْعُ الْدِّيْنَارِ يَوْمَئِذٍ: ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَالْدِّيْنَارُ: اثْنَى عَشَرَ دِرْهَمَاً. (3)

وَأَمَّا الْخَمَّارُ، فَلِحَدِيْثِ أَنَسٍ فِيْ «الْصَّحِيْحَيْنِ»:«أَنَّ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِيْ الْخَمْرِ بِالْجَرِيْدِ وَالْنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُوْ بَكْرٍ أَرْبَعِيْنَ» (4).

وَفِيْ «مُسْلِمٍ» مِنْ حَدِيْثِهِ (5) أَنَّ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ، فَجُلِدَ بِجَرِيْدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِيْنَ.

(1) أخرجه: «البخاري» (6791)، و «مسلم» (1684).

(2)

أخرجه: «مسلم» (1684).

(3)

أخرجه: أحمد في «مسنده» (41/ 60)(24515)، وانظر:«نيل الأوطار» ـ ط. دار ابن الجوزي ـ (13/ 324).

(4)

أخرجه: «البخاري» (6773)، و «مسلم» (1706)

(5)

أي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 451

قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُوْ بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، اسْتَشَارَ الْنَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الْرَّحْمَنِ: أَخَفُّ الحُدُوْدِ ثَمَانِيْنَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ (1).

وَفِيْ «الْبُخَارِيِّ» ، وَغَيْرِهِ، مِنْ حَدِيْثِ عُقْبَةَ رضي الله عنه قَالَ:«جِيءَ بِالْنُّعْمَانِ أَوْ بِابْنِ الْنُّعْمَانِ شَارِبَاً، فَأَمَرَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ فِيْ الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوْهُ، فَكُنْتُ فِيْمَنْ يَضْرِبُ بِالْنِّعَالِ وَالجَرِيْدِ» (2).

وَفِيْهِ أَيْضَاً مِنْ حَدِيْثِ الْسَّائِبِ بْنِ يَزِيْدَ قَالَ: «كُنَّا نُؤْتَى بِالْشَّارِبِ فِيْ عَهْدِ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم، وَفِيْ إمْرَةِ أَبِيْ بَكْرٍ، وَصَدْرَاً مِنْ إِمْرَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَنَقُوْمُ إِلَيْهِ نَضْرِبُهُ بِأَيْدِيْنَا، وَالْنِّعَالِ، وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ صَدْرَاً مِنْ إِمْرَةِ عُثْمَانَ، فَجَلَدَ فِيْهَا أَرْبَعِيْنَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْ فِيْهَا، وَفَسَقُوْا، جَلَدَ ثَمَانِيْنَ» (3).

وَفِيْهِ أَيْضَاً مِنْ حَدِيْثِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ، نَحْوُهُ. (4)

(1) أخرجه: «مسلم» (1706).

(2)

أخرجه: «البخاري» (6774).

(3)

أخرجه: «البخاري» (6779).

(4)

أخرجه: «البخاري» (6777)، وانظر الأحاديث في «نيل الأوطار» للشوكاني ـ ط. ابن الجوزي ـ (13/ 362).

ص: 452

وَأَمَّا المُنَافِقُ (1) وَهُوَ الْسَّابُّ لله وَلِرَسُوُلِهِ، أَوْ لِلْكِتَابِ أَوْ الْسُّنَّةِ، أَوْ الْطَّاعِنِ فِيْ الْدِّيْنِ، فَهَذِهِ الْأَفْعَالُ مُوْجِبَةٌ لِلْكُفْرِ، فَفَاعِلُهَا مُرْتَدٌّ.

قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (2)

وَقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ (3) بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (4)

وَقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (5).

وَقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (6).

وَلَا حُرْمَةَ لَهُ الْبَتَّةَ، يُقْتَلُ وَلَا دِيَةَ لَهُ؛ لِمَا أَخْرَجَ «أَبُوْ دَاوُدَ» مِنْ

(1) ينظر لبيان صفات المنافقين: «مدارج السالكين» لابن القيم ـ ط. الصميعي ـ (2/ 931 - 957)، و «طريق الهجرتين» لابن القيم ـ ط. عالم الفوائد ـ (2/ 878 ـ 893).

(2)

سورة النساء، آية (145).

(3)

نهاية الورقة [28] من المخطوط.

(4)

سورة النساء، آية (138).

(5)

سورة النساء، آية (140).

(6)

سورة التحريم، آية (9).

ص: 453

حَدِيْثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ يَهُوْدِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَقعُ فِيْهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَبْطَلَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم دَمَهَا. (1)

(1) أخرجه: أبو داود في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (6/ 417)(4362)، ومن طريقه:[البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 60) و (9/ 200)، والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (2/ 169) (547)]، وابن بطة في «سننه» ـ كما ذكره ابن تيمية في «الصارم المسلول» (2/ 125) ـ، من طريق جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن علي رضي الله عنه.

وأخرجه: الإمام أحمد، ومن طريقه:[الخلال في «أحكام أهل الملل والردة» (ص 257) (730)]، وابن أبي شيبة في «مصنفه» ـ ط. عوامه ـ (20/ 137)(37432) عن طريق جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، لم يذكر علياً، فهو مرسل.

وقد صحح إسنادَه الألبانيٌّ في «الإرواء» (5/ 91). وجوَّد الحديثَ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله حيث قال في كتابه «الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم» (2/ 126): (وهذا الحديثُ جَيِّدٌ، فإنَّ الشعبي رأى عَلِيَّاً، وروى عنه حديث شُرَاحَة الهمْدانية، وكان على عهدِ علي قدْ نَاهَزَ العشرين سنة، وهو كوفيٌّ، فقد ثبت لقاؤهُ عليَّاً، فيكون الحديثُ مُتَّصِلاً؛ ثم إن كان فيه إرسالٌ لأن الشعبي يبْعُدُ سماعُه من علي؛ فهو حُجَّةٌ وِفَاقاً؛ لأن الشعبيَّ عندَهم صحيحُ المراسيل، لا يعرفون له مُرسَلاً إلا صحيحاً، ثم هُوَ مِنْ أعلمِ الناس بحديث علي، وأعلمهم بثقات أصحابه، وله شاهد من حديث ابن عباس الذي يأتي، فإن القصة إمَّا أن تكون واحدة، أو يكون المعنى واحداً؛ وقد عمل به عوامُّ أهلِ العلم، وجاء ما يوافِقُهُ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومِثْلُ هذا المُرسَلِ لمْ يتردّد الفقهاءُ في الاحتجاج بهِ). =

ص: 454

وَأَخْرَجَ «أَبُوْ دَاوُدَ» ، وَ «الْنَّسَائِيُّ» ، مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ، تَشْتُمُ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَتَلَهَا، فَأَهْدَرَ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَمَهَا (1).

= وقد نقل هذا الكلام أيضاً تلميذُه ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (3/ 1400).

وانظر في تفصيل مسألة سماع الشعبي من علي في كتاب «الثقات التابعون المتكلم في سماعهم من الصحابة .. » د. الهاجري (2/ 463 ـ 474) وانتهى إلى أن الشعبي أدرك علياً، وكان معه بالكوفة، وقد رآه، ووصَفَه، وسمعَ مِنهُ، وحفظ عنه أشياء.

وانظر في مراسيل الشعبي: «شرح علل الترمذي لابن رجب (1/ 296)، «الحديث المرسل» لحصة الصغيِّر (1/ 348).

وقد ورد الحديث مرسلاً من قول أبي إسحاق الهمداني، أخرجه: مسدد في «مسنده» كما في «إتحاف الخيرة المهرة» للبوصيري (4/ 198)(3418)، وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» (4/ 210) عن أبي إسحاق الهمداني، عن عبدالله بن معقل.

(1)

أخرجه: الإمام أحمد كما في «أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد ابن حنبل» للخلال (ص 257)(728)، وأورده ابن تيمية في «الصارم المسلول» (2/ 142 ـ 143)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (3/ 1401)، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ، قال: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَتَلَهَا، فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا، =

ص: 455

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا كَانَتْ تَشْتُمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَلَا إِنَّ دَمَ فُلَانَةَ هَدَرٌ» . (مرسل)

وأخرجه: أبو داود في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (6/ 416)(4361)، ومن طريقه:[الدارقطني في «سننه» (4/ 117) (3195)، وابن الجوزي في «التحقيق» (2/ 355) (1919)]، والنسائي في «المجتبى» (7/ 107)(4070)، وفي «السنن الكبرى» (3/ 445)(3519)، وابن أبي عاصم في «الديات» ـ ط. الصميعي (ص 533)(299)، ومن طريقه:[الضياء المقدسي في «المختارة» (12/ 158) (178)]، والطبراني في «المعجم الكبير» (11/ 278)(11984)، ومن طريقه:[الضياء المقدسي في «المختارة» (12/ 157) (177)]، وأبو جعفر البختري الرزاز في «حديثه» ـ كما في «مجموع فيه مصنفاته» ـ ط. البشائر ـ (ص 345)(477/ 233)، ومن طريقه:[البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 60) و (10/ 131)]، والحاكم في «المستدرك» 04/ 394) (8044)، كلهم من طريق إِسْرَائِيلَ، عَنْ عُثْمَانَ الشَّحَّامِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا، فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ، فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ:«أَنْشُدُ الله رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ» ، فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، =

ص: 456

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ، وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا، فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ، وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ» . هذا لفظ أبي داود.

قال الحاكم: حديث صحيح، على شرط مسلم.

قال ابن عبدالهادي في «المحرر» ـ ط. دار العطاء ـ (ص 402)(1154): [رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَاسْتدلَّ بِهِ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْنه عبد الله، و «المِغْوَل» بِالمُعْجَمَةِ: قَالَ الْخطابِيّ «معالم السنن» (6/ 199): (هُوَ شَبيه للمشمل، ونصله دَقِيق مَاض)، والمشمل: السَّيْف الْقصير].

قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث والأثر» (3/ 397): (المِغْوَل بِالْكَسْرِ: شِبْه سَيْف قَصِير، يَشتَمِل بِهِ الرجُل تَحْت ثِيابه فَيُغَطِّيه. وَقِيلَ: هُوَ حَدِيدة دَقيقة لَهَا حدٌّ ماضٍ وقَفاً. وَقِيلَ: هُوَ سَوط فِي جَوْفه سَيْف دَقِيقٌ يَشُده الفَاتِك عَلَى وسَطه ليَغْتَالَ بِهِ النَّاسَ).

وقال ابن عبدالهادي في «تنقيح التحقيق» ـ ط. أضواء السلف ـ (4/ 621)(3101) عن الحديث: (إسناده جيد؛ فإن عكرمة احتجَّ به البخاري، وأكثر الأئمة، وعثمان الشحام احتجَّ به مسلم وغيره، وباقي الإسناد مخرج لهم في الصحيحين).

وقال ابن حجر في «بلوغ المرام» (ص 138)(1204): رواه أبوداود، ورواته ثقات.

وقال الألباني في «إرواء الغليل» (5/ 92): إسناده صحيح على شرط مسلم. =

ص: 457

وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ ابْنُ المُنْذِرِ (1)

عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

= والحديث استدلَّ به الإمام أحمد في رواية عبدالله، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في «الصارم المسلول» (2/ 142)، وعنه ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (3/ 1403)، وابن عبدالهادي ـ كما سبق ـ.

(1)

هو: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، المحدث الفقيه.

وُلِدَ سنة 241 هـ، روى عن: أبي حاتم الرازي، وعباس الدوري، وعبدالله بن الإمام أحمد، وروى عنه: ابن حبان، وابن عدي، وأبو بكر بن المقرئ. قال عنه النووي:(له من التحقيق ما لا يُدَانَى فيه، وهو اعتمادُه ما دلَّتْ عليه السنةُ الصحيحة عموماً أو خصوصاً بلا مُعارِض، فيَذكُر مذاهبَ العلماء، ثم يقول فى أحد المذاهب: وبهذا أقول، ولا يقول ذلك إلا فيما كانت صفته كما ذكرته، وقد يذكر دليلَهُ فى بعض المواضع، ولا يلتزم التقيُّد فى الاختيار بمذهبٍ أحدٍ بعَينِه، ولا يتعصَّب لأحدٍ، ولا على أحدٍ على عادة أهل الخلاف، بل يدورُ مع ظهورِ الدليل ودلالة السنة الصحيحة، ويقول بها مع مَن كانت .. ) علَّق الذهبي بقوله: (قُلْتُ: مَا يَتَقَيَّدُ بِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ إِلَاّ مَنْ هُوَ قَاصِرٌ فِي التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ، كَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ زَمَانِنَا، أَوْ مَنْ هُوَ مُتَعَصِّبٌ، وَهَذَا الإِمَامُ فَهُوَ مِنْ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، جَارٍ فِي مِضْمَارِ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، وَتِلْكَ الحَلَبَةِ رحمهم الله).

من مؤلفاته: «تفسير القرآن» ، و «الأوسط» ، و «الإجماع» ، و «الإشراف على مذاهب العلماء» .

توفي رحمه الله في مكة، سنة 318 هـ. =

ص: 458

وَجَبَ قَتْلُهُ (1).

وَنَقَلَ أَبُوْ بَكْرِ الْفَارِسِيِّ (2)

ـ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْشَّافِعِيَّةِ ـ فِيْ كِتَابِ «الْإِجْمَاعِ» : «أَنَّ مَنْ سَبَّ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَا هُوَ قَذْفٌ صَرِيْحٌ، كَفَرَ بِاتِّفَاقِ

= ينظر في ترجمته: [«تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 196)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (14/ 490)، «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (3/ 102)، مقدمة تحقيق «الأوسط» ـ ط. دا رالفلاح ـ].

(1)

«الإجماع» لابن المنذر (ص 174)، و «الأوسط» لابن المنذر أيضاً ـ ط. دار الفلاح ـ (13/ 483)، وانظر «الإقناع في مسائل الإجماع» لأبي الحسن ابن القطان» (2/ 270)، و «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (10/ 290)، (15/ 169)، (35/ 123)، و «الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم» لشيخ الإسلام ابن تيمية، و «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (3/ 1357)، و «زاد المعاد» لابن القيم (5/ 58)، «فتح الباري» لابن حجر (12/ 281)، «نواقض الإيمان القولية والعملية» د. عبدالعزيز العبداللطيف (ص 164 ـ 175).

(2)

هو: أبو بكر أحمد بن الحسن بن سهل الفارسي، من فقهاء الشافعية. من مؤلفاته: عيون المسائل في نصوص الشافعي، والذخيرة في أصول الفقه، والانتقاد على المزني، توفي رحمه الله سنة (350 هـ).

ينظر: [«طبقات الشافعية» للسبكي (2/ 184)، «معجم المؤلفين» لكحالة (1/ 121)].

ص: 459

الْعُلَمَاءِ، فَلَوْ تَابَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ حَدَّ قَذْفِهِ الْقَتْلُ، وَحَدُّ الْقَتْلِ لَا يَسْقُطُ بِالْتَّوْبَةِ» (1)؛ وَإِذَا مَاتَ عَلَيِهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِالله وَبِدِيْنِهِ، مُرْتدٌّ عَنِ الْإِسْلَامِ أَقْبَحَ رِدَّةٍ، إِذَا ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، أَوْ أَظْهَرَ ذَلِكَ فِيْ قَلْبِهِ، فَاللهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُبْدِيْهِ اللهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَعِبْرَةٍ بَاهِرَةٍ، كَمَا فِيْ حَدِيْثِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلَاً قَالَ فِيْ غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، فِيْ مَجْلِسٍ يَوْمَاً مَّا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ، أَرْغَبَ بُطُوْنَاً، وَلَا أَكْذَبَ أَلْسُنَاً، وَلَا أَجْبَنَنَا (2)

عِنْدَ الْلِّقَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ فِيْ المَجْلِسِ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ، لَأُخْبِرَنَّ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، قَالَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ مُتَعَلِّقَاً بِحَقَبِ نَاقَةِ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم، وَالْحِجَارَةُ تَنْكُبُهُ، وَهُوَ يَقُوْلُ: يَا رَسُوْلَ الله، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوْضُ وَنَلْعَبُ، وَرَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ

(1) نقله ابن حجر في «فتح الباري» (12/ 281).

(2)

هذه اللفظة في حديث زيد بن أسلم، ومحمد بن كعب؛ وأما في حديث ابن عمر ف «أَجْبنَ» ..

ص: 460

تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (1).

(1) الحديث صحيح.

أخرجه: عبدالله وهب ـ كما في «تفسير ابن كثير» ـ ط. طيبة ـ (4/ 171)، ومن طريقه:[ابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/ 1829) (10047)]، والطبري في «تفسيره» ـ ط. هجر ـ (11/ 543) عن هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَجُلٌ في غزوة تبوك في مجلس مَا رَأَيْتُ مِثْلَ قُرائنا هَؤُلَاءِ، أرغبَ بُطُونًا، وَلَا أكذبَ أَلْسُنًا، وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ. فَقَالَ رَجُلٌ فِي المجلس: كذبتَ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ. لَأُخْبِرَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَزَلَ الْقُرْآنُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: وَأَنَا رَأَيْتُهُ مُتَعَلِّقًا بحَقَب نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَنكُبُه الْحِجَارَةُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}

وأخرجه أيضاً: أبو الشيخ، وابن مردويه في «تفسيره» ـ كما في «الدر المنثور» ـ ط. هجر ـ (7/ 425).

هشام بن سعد، أبو عبّاد المدني، ويقال: أبو سعيد، القُرشي مولاهم.

صَدوقٌ، وهو مِنْ أَثبَتِ الناسِ في زيد بن أَسْلَم.

قال ابن معين ـ في رواية ابن أبي خيثمة ـ: صالح، ليس بمتروك الحديث. وقال ابن المديني: صالح وليس بالقوي. وقال العجلي: جائز الحديث، وهو حسن الحديث. وقال =

ص: 461

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أبو زرعة الرازي: شيخ محلّه الصدق، وهو أحبّ إليّ من محمد بن إسحاق.

وقد صحَّحَ له الدارقطني في «سننه» (1/ 37)، وأقره ابن حجر في «الفتح» (1/ 299).

وقال أبو داود: هشام بن سعد أثبت النّاس في زيد بن أسلم. وقال الساجي: صدوق.

وقال ابن سعد: كان كثير الحديث يُستضعف، وكان مُتشيّعاً. وقال ابن معين ـ في رواية الدوري، والنّسائي: ضعيف. وقال ابن معين ـ في رواية معاوية بن صالح ـ: ليس بذاك القوي، وقال في رواية ابن أبي مريم: ليس بشيء. وقال أحمد بن حنبل: لم يكن بالحافظ. وقال مرّة: ليس بمحكم الحديث. وقال أيضاً: كان يحيى بن سعيد ـ يعني القطّان ـ لا يروي عنه. وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، ولا يحتج به، هو ومحمد بن إسحاق عندي واحد. وقال النسائي في موضع آخر: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: ومع ضعفه يكتب حديثه. وذكره البسوي في الضعفاء. وقال أبو زرعة الرازي كما في «سؤالات البرذعي له» : واهي الحديث، قال البرذعي: أتقنت ذلك عن أبي زرعة، وهشام عند غير أبي زرعة أجل من هذا الوزن، فتفكرت فيما قال أبو زرعة فوجدت في حديثه وهماً كبيراً.

قال الذهبي في «من تكلم فيه وهو موثق .. » ، وفي «الكاشف»: حسن الحديث.

وقال في «سيرأعلام النبلاء» : المحدّث الصادق. وقال ابن حجر في «النكت على كتاب ابن الصلاح» : (هشام بن سعد قد ضُعِّف من قبل حفظه، وأخرج له مسلم، فحديثه في رتبة الحسن). =

ص: 462

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال في «تقريب التهذيب» : صَدوقٌ له أوهامٌ، ورُمي بالتشيع.

والراجح أنه صدوق، حسن الحديث، نزل عن درجة التوثيق لضعف حفظه، وغالب الأقوال السابقة تدل على التوسط فيه، وحديثه عن زيد بن أسلم خاصّة قويّ؛ لقول أبي داود:(أثبت النّاس في زيد بن أسلم)، وقد أخرج له مسلم من حديثه عن زيد بن أسلم. وقد روى له البخاري تعليقاً، والباقون.

ت 160 هـ وقيل: قبلها.

[«الطبقات» لابن سعد ـ ط. الخانجي ـ (7/ 576)، «تاريخ ابن معين» رواية الدوري (2/ 617) ورواية ابن محرز (1/ (158)، «العلل» للإمام أحمد 2/ (3343)، «الثقات» للعجلي (2/ 329)، «سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي» ـ ط. الفاروق ـ (149)(936)، «الضعفاء والمتروكون» للنسائي (611)، «الجرح والتعديل» (9/ 61)، «المجروحون» لابن حبان (2/ 437)، «الكامل» لابن عدي (7/ 108)، «تهذيب الكمال» (30/ 204)، «سير أعلام النبلاء» (7/ 344)، «الكاشف» (3/ 222)، «ميزان الاعتدال» (5/ 423)، «من تكلم فيه وهو موثّق أو صالح الحديث» (ص 521)، «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (1/ 464)، «تهذيب التهذيب» (11/ 39)، «تقريب التهذيب»

ـ ط. عوامة ـ (ص 603)].

ـ زيد بن أسلم القرشي العدوي، أبو أسامة، ويقال: أبو عبد الله، المدني، الفقيه، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

مُتَّفَقٌ عَلى تَوْثِيقِهِ. قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» : ثقة، عالم، وكان يرسل. ت =

ص: 463

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 136 هـ.

ينظر: [«الجرح والتعديل» (3/ 555)، «تهذيب الكمال» (10/ 12)، «سير أعلام النبلاء» (5/ 316)، «تقريب التهذيب» ـ ط. عوامة ـ (ص 256)].

وهذا إسناد صحيح.

وأخرج: ابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/ 1830)(10051)، والواحدي في «أسباب النزول» (265)، [وابن المنذر في «تفسيره»، والعقيلي، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والخطيب في «رواة مالك» كما ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (7/ 427)] من طريق مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَسِيرٍ قُدَّامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْحِجَارَةُ تَنْكُبُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:{أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} .

وقد روى القصة: محمد بن كعب، ومجاهد، وقتادة، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وكلها مراسيل ضعيفة، لكنها تتقوى بحديث ابن عمر.

حديث محمد بن كعب، أخرجه: ابن جرير في «تفسيره» (11/ 545)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/ 1829)(10046).

وحديث مجاهد، أخرجه: ابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/ 1830)(10048).

وحديث قتادة، أخرجه: ابن جرير في «تفسيره» (11/ 544 ـ 545)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/ 1830)(10049).

وحديث سعيد بن جبير، أخرجه: ابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/ 1830)(10050). =

ص: 464

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: (وَقَدْ أَمَرَ اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ أَنْ يَقُوْلَ لَهُمْ: قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ)(1).

فَقَدْ كَفَّرَ اللهُ المُنَافِقِيْنَ فِيْ غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ (2)، وَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ.

وَلَا حُرْمَةَ أيْضَاً لِمَنْ دُونَه، لِمَنْ عَصَى فِيْ حَدِّهِ.

وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّ عُمَرَ سَمِعَ صَوْتَ بُكَاءٍ، فَدَخَلَ وَمَعَهُ غَيْرُهُ، فَمَالَ عَلَيْهِمْ ضَرْبَاً، حَتَّى بَلَغَ الْنَّائِحَةَ، فَضَرَبَهَا حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا، وَقَالَ:«اضْرِبْ فَإِنَّهَا نَائِحَةٌ، وَلَا حُرْمَةَ لَهَا» (3).

= وحديث زيد بن أسلم، أخرجه: ابن جرير في «تفسيره» (11/ 543)

وقد جَمَعَ شيخُ الإسلام ابن تيمية في «الصارم المسلول» (2/ 71)، وكذا الشيخُ محمدُ بن عبدالوهاب في «كتاب التوحيد» ـ «تيسير العزيز الحميد» للشيخ: سليمان بن عبدالله (2/ 1229) الحديثَ في سياق واحد من رواية ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة، وغيرهم ـ دخل حديث بعضهم في بعض ـ.

(1)

«مجموع الفتاوى» (7/ 272)، وسيأتي بقية كلام شيخ الإسلام في الصفحة التالية.

(2)

يُنظر: «الصارم المسلول» لابن تيمية (2/ 78 ـ 79)، و «طريق الهجرتين» لابن القيم ـ ط. عالم الفوائد ـ (2/ 878 ـ 893).

(3)

ضعيف. قال ابن شبَّة في «أخبار المدينة» ـ ط. شلتوت ـ (3/ 799): حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه =

ص: 465

- قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (1)، لَيْسَ مُوْجِبُهُ كَلَامُهُمُ الَّذِيْ سَمِعُوْهُ، وَإِنَّمَا مُوْجِبُهُ كُفْرُهُمْ (2) المُتَقَدِّمُ فِيْ المَدِيْنَةِ).

أَقُوْلُ: قَدْ قَالَ اللهُ: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، فَالْتَّكْفِيْرُ صَدَرَ بَعْدَ الْإِيْمَانِ.

- قَوْلُهُ: (وَلِابْنِ الْقَيِّمِ، وَابْنِ تَيْمِيَّةَ، بَعْضُ الْاسْتِدْلَالِ).

= سَمِعَ صَوْتَ بُكَاءٍ فِي بَيْتٍ، فَدَخَلَ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَأَمَالَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً حَتَّى بَلَغَ النَّائِحَةَ فَضَرَبَهَا حَتَّى سَقَطَ خِمَارُهَا، فَعَدَلَ الرَّجُلُ، فَقَالَ:«اضْرِبْ فَإِنَّهَا نَائِحَةٌ وَلَا حُرْمَةَ لَهَا، إِنَّهَا لَا تَبْكِي بِشَجْوِكُمْ، إِنَّهَا تُهَرِيقُ دُمُوعَهَا عَلَى أَخْذِ دَرَاهِمِكُمْ، إِنَّهَا تُؤْذِي أَمْوَاتَكُمْ فِي قُبُورِهِمْ، وَتُؤْذِي أَحْيَاءَكُمْ فِي دُورِهِمْ، إِنَّهَا تَنْهَى عَنِ الصَّبْرِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِهِ، وَتَأْمُرُ بِالْجَزَعِ، وَقَدْ نَهَى اللهُ عَنْهُ» .

وهذا إسناد ضعيف؛ للانقطاع بين الأوزاعي وعمر رضي الله عنه.

فائدة: طُبع كتابُ ابن شَبَّة بعنوان «أخبار المدينة» ، تحقيق الشيخ: عبدالله الدويش، وأما طبعة شلتوت فعنوانه «تاريخ المدينة المنورة» ، وذكر الشيخ: بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه «طبقات النسَّابين» (ص 91) أن الاسم الصحيح «أخبار المدينة» والتسمية بـ «تاريخ المدينة المنورة» تَصَرُّفٌ مِنَ النَّاشِرين.

(1)

سورة التوبة، آية (65 ـ 66).

(2)

في المخطوطة «كفر المتقدم» ، والتصحيح من كلام المردود عليه، المنقولِ كاملاً في أول الكتاب.

ص: 466

أَقُوْلُ: فَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَيِّمِ لَا يُخَالِفُ كَلَامَ الله، عَلَى حَسَبِ الْطَّاقَةِ، خُصُوْصَاً فِيْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ صَرِيْحٌ أَنَّ المُتَقَدِّمَ الْإِيْمَانُ فِيْ (1) قُلُوْبِهِمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، فَكَيْفَ يُعَارِضُ الْآيَةَ، وَيُؤَوِّلُهَا عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهَا، الَّذِيْ تَكَلَّمَ بِهِ رَبُّ الْعَالَمِيْنَ، لَكِنْ لَمَّا أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ المَقَالَةَ، تَغَيَّرَتْ جِبِلَّتُهُ، وَكَثُفَتْ طَبِيْعَتُهُ، وَضَعُفَتْ قَرِيْحَتُهُ، وَدَجَى عَلَى قَلْبِهِ الجَهَلُ؛ حَرَّفَ الْآيةَ، عَلَى مَا يَلِيْقُ لِمَذَهَبْهِ (2) الْفَاسِدِ، تَحْرِيْفَ الجَاهِلِيْنَ، فَمَا يَجِدُ مَا يَنْتَصِرُ بِهِ لِتَحْرِيْفِهِ الْبَاطِلِ مِنَ الْأَدِلَّةِ غَيْرَ الْنِّسْبَةِ الْكَاذِبَةِ، فَقَالَ:(وَلِابْنِ الْقَيِّمِ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ بَعْضُ الِاسْتِدْلَالِ)؛ لِيتَوَارَى بِكَلَامِهِمَا عَنْ شَنِيْعَتِهِ الْبَاطِلَةِ، وَلَمْ يَدْرِ المِسْكِيْنُ كَيْفَ كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِيْ ذَلِكَ، أَمْ أَنَّهُ يَدْرِيْ، لَكِنْ عَسَفَهُ هَوَاهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَال (3) رحمه الله:(وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَقُوْلَ لَهُمْ: قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ، وَقَوْلُ مَنْ يَقُوْلُ (4):

إِنَّهُمْ كَفَرُوْا بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ بِلِسَانِهِمْ، مَعَ كُفْرِهِمْ أَوَّلَاً بِقُلُوْبِهِمْ، لَا يَصِحٌّ؛ لِأَنَّ الْإِيْمَانَ بِالْلِّسَانِ مَعَ كُفْرِ الْقَلْبِ، قَدْ قَارَنَهُ

(1) نهاية الورقة [29] من المخطوط.

(2)

كذا، ولعلها: بمذهبه.

(3)

أي شيخ الإسلام ابن تيمية.

(4)

في «مجموع الفتاوى» زيادة: عن مثل هذه الآيات ..

ص: 467

الْكُفْرُ، فَلَا يُقَالُ: قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوْا كَافِرِيْنَ فِيْ نَفْسِ الْأَمْرِ؛ وَإِنْ أُرِيْدَ أَنَّكُمْ أَظْهَرْتُمْ الْكُفْرَ بَعْدَ إِظْهَارِكُمْ الْإِيْمَانَ، فَهُمْ «لَمْ» (1) يُظْهِرُوْا لِلْنَّاسِ إِلَّا لِخَوَاصِّهِمْ، وَهُمْ مَعَ خَوَاصِّهِمْ مَا زَالُوْا كَذِلَكَ (2)«بَلْ لَمَّا نَافَقُوْا، وَحَذِرُوْا أَنْ تَنْزِلَ سُوْرَةٌ، تُبَيِّنُ مَا فِيْ قُلُوْبِهِمْ مِنَ الْنِّفَاقِ، وَتَكَلَّمُوْا بِالْاسْتِهْزَاءِ؛ صَارُوْا كَافِرِيْنَ بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ» (3)، وَلَا يَدُلُّ الْلَّفْظُ عَلَى أَنَّهُمْ مَا زَالُوْا مُنَافِقِيْنَ) (4).

وَقَالَ رحمه الله فِيْ مَوْضِعٍ آخَرَ: (فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَفَرُوْا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّا تَكَلَّمْنَا بِالْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ لَهُ، بَلْ إِنِّمَا كُنَّا نَخُوْضُ وَنَلْعَبُ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ الله كُفْرٌ، وَلَا يَكُوْنُ هَذَا إِلَّا مِمَّنْ شَرَحَ صَدْرَهُ بِهَذا الْكَلَامِ، وَلَوْ كَانَ الإِيْمَانُ فِيْ قَلْبِهِ، مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَالْقُرْآنُ مُبَيِّنٌ (5) أَنَّ إِيْمَانَ الْقَلْبِ؛ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ الْظَّاهِرَ بِحَسَبِهِ، كَقَوْلِهِ: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ

(1) سقطت من المخطوطة.

(2)

في «مجموع الفتاوى» : ما زالوا هكذا.

(3)

سقطت من المخطوطة.

(4)

«مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (7/ 272).

(5)

في «مجموع الفتاوى» : يُبَيِّن.

ص: 468

وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} (1)(2)

فَنَفَى الْإِيْمَانَ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ الْرَّسُوْلِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ المُؤْمِنِيْنَ إِذَا دُعُوْا إِلَى الله وَرَسُوْلِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ؛ سَمِعُوْا وَأَطَاعُوْا، فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِيْمَانِ). انْتَهَى (3).

- قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ صَفَّيْن، صَفّ مُسْلِمِيْنَ، وَصَفّ مُشْرِكِيْنَ، فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ فَقَاتَلَ مَعَ المُشْرِكِيْنَ، لَمْ يَكُنْ مُرْتَدَّاً، وَإِنِّمَا هَذَا رَجُلٌ مَا قَدِرَ عَلَى قَاتِلِ أَبِيْهِ، فَرَاحَ يَمَّ صَفِّ المُشْرِكِيْنَ، فَقَاتَلَ مَعَهُمْ؛ لِيَقْتُلَ مَنْ قَتلَ

(1) سورة النور، آية (47 ـ 51).

(2)

في المخطوطة أورد الآية (47) ثم قال: إلى قوله: وأولئك هم المفلحون، وفي «مجموع الفتاوى» ساق الآيات.

(3)

«مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (7/ 220 ــ 221).

ص: 469

أَبِيْهِ) (1).

أَقُوْلُ: قَالَ أَهْلُ الْلُّغَةِ: فَإِنَّ لَفْظَةَ (مَعْ) تُفِيْدُ الْاجْتِمَاعَ، تَقُوْلُ: خَرَجْنَا مَعَاً، أَيْ فِيْ زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَكُنَّا مَعَاً: أَيْ فِيْ مَكَانٍ وَاحِدٍ، مَنْصُوْبٍ عَلَى الْظَّرْفِيَّةِ، وَقِيْلَ: عَلَى الحَالِ، أَيْ مُجْتَمِعِيْنَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَعَلْنَا مَعَاً، وَفَعَلْنَا جَمِيْعَاً، أَنَّ (مَعَاً) تُفِيْدُ الْاجْتِمَاعَ حَالَةَ الْفِعْلِ، وَ (جَمِيْعَاً) بِمَعْنَى كُلُّنَا، وَيَجُوْزُ فَيْهِمَا الْاجْتِمَاعُ وَالْافْتِرَاقُ. انْتَهَى. (2)

قُلْتُ: وَالْفَاعِلُ يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُوْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، قَوْلِهِ:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (3)

(1) ينظر في الرد على مثل هذا: «مصباح الظلام» للشيخ: عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ص 246) وما بعدها.

(2)

النص من «المصباح المنير» للفيومي ـ ط. التقدم في مصر (2/ 113).

وانظر في معنى (مع)«رصف المباني» للمالِقِي ـ ط. الخراط ـ (ص 328)، «الجنى الداني» للمُرادي (ص 305)، «مغني اللبيب» لابن هشام ـ تحقيق د. الخطيب، ط. الكويت ـ (4/ 232).

(3)

سورة المائدة، آية (33).

ص: 470

قَالَ أَهْلُ الْتَّفْسِيْرِ وَ

(1): هَذِهِ تَعُمُّ المُشْرِكَ وَغَيْرَهُ، مِمَّنْ ارْتَكَبَ مَا تَضَمَّنَتْهُ، وَلَا اعْتِبَارَ بِخُصُوْصِ الْسَّبَبِ، بَلْ الاعْتِبَارُ بِعُمُوْمِ الْلَّفْظِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ (2) فِيْ «تَفْسِيْرِهِ» : (وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيْ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ مُرَتَّبٌ (3) فِيْ المُحَارِبِيْنَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ (4) فِيْ المُرْتَدِّيْنَ وَالْيَهُوْدِ) (5). انْتَهَى.

قَالَ فِيْ «شَرْحِ الْدُّرَرِ» : (وَقَدْ اخْتَلَفَ الْنَّاسُ فِيْ سَبَبِ نُزُوْلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ الجُمْهُوْرُ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيْ الْعُرَنِيِّيْنَ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْشَّافِعِيُّ، وَأَبُوْ ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الْرَّأَيِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيْمَنْ خَرَجَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ بِقَطْعِ الْطَّرِيْقِ، وَيَسْعَى فِيْ الْأَرْضِ فَسَادَاً؛ وَقَالَ

(1) كلمة ملحقة في هامش الصفحة، لم يظهر منها إلا حرفان، ربما اللفظة:(والحديث).

(2)

سبقت ترجمته في (ص).

(3)

كذا في المخطوط، وفي بعض نسخ القرطبي المخطوطة، وجاء في مطبوعتي التفسير (مُتَرَتِّبٌ)«تفسير القرطبي» ـ ط. المصرية ـ (6/ 150)، ـ ط. التركي ـ (7/ 435).

(4)

نهاية الورقة [30] من المخطوط.

(5)

«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ـ ط. التركي ـ (7/ 435).

ص: 471

ابْنُ المُنْذِرِ (1): قَوْلُ مَالْكٍ صَحِيْحٌ.

قَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ مُحَتَجَّاً لِهَذَا الْقَوْلِ: إِنَّ قَوْلَهُ فِيْ هَذِهِ الْآيَةِ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (2) تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْشَّرْكِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوْا عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْشِّرْكِ إِذَا وَقَعُوْا فِيْ أَيْدِيْنَا (3) فَأَسْلَمُوْا، أَنَّ دِمَاءَهُمْ تَحْرُمُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ) (4).

وَقَالَ الْضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِيْ قَوْمٍ مِنَ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ، فَنَقَضُوْا الْعَهْدَ.

(1)«الإشراف على مذاهب العلماء» لابن المنذر (1/ 529)، وانظر:«الأوسط» لابن المنذر ـ ط. الفلاح ـ (12/ 389).

(2)

سورة المائدة، آية (34).

(3)

تصحَّفَت في المخطوطة إلى (الدنيا).

(4)

لم أجد النص في «شرح الدرر» المسمَّى «الدراري المضية في شرح الدرر البهية» للشوكاني، وكذا في حاشيته:«الروضة الندية في شرح الدرر البهية» لشيخ المؤلف: صديق حسن خان، وإنما وجدتُه في تفسيره «فتح البيان في مقاصد القرآن» (3/ 405) وهو منقول من تفسير الشوكاني «فتح القدير» (2/ 40). وانظر للفائدة:«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ـ ط. التركي ـ (7/ 431)، و «الروضة الندية» لصديق خان (2/ 619).

ص: 472

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِيْ قَوْمِ هِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ.

وَقَالَ سَعِيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ فِيْ نَاسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ، وَعُكْلٍ. (1)

قُلْتُ: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ قَدْرَ شِبْرٍ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ (2) الإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ). رَوَاهُ «أَحْمَدُ» ، وَ «أَبُوْ دَاوُدَ» ، وَ «الحَاكِمُ» ، مِنْ حَدِيْثِ أَبِيْ ذَرٍّ بِلَفْظِ:(شِبْرٍ).

وَلَمْ يَقُلْ أَبُوْ دَاوُدَ: قَدْرَ شِبْرٍ. (3)

(1) ينظر: «الأوسط» لابن المنذر ـ ط. الفلاح ـ (12/ 389)، «زاد المسير» لابن الجوزي (2/ 343)، و «تفسير القرطبي» (7/ 431)، و «إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري» للقَسْطلاني (10/ 2).

(2)

قال ابن الأثير رحمه الله في «النهاية في غريب الحديث والأثر» (2/ 190): (الرِّبْقَةُ فِي الْأَصْلِ: عُرْوة فِي حَبْل تُجعل فِي عُنُق الْبَهِيمَةِ أَوْ يَدِهَا تُمْسِكُهَا، فَاسْتَعَارَهَا لِلْإِسْلَامِ، يَعْنِي مَا يَشدُّ بِهِ المُسلم نفْسَه مِنْ عُرَى الْإِسْلَامِ: أَيْ حُدُودِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ. وَتُجْمَعُ الرِّبْقَةُ عَلَى رِبَقٍ، مِثل كِسرة وكِسر. وَيُقَالُ للحَبْل الَّذِي تكونُ فِيهِ الرِّبْقَةُ: رِبْقٌ، وتُجْمع عَلَى أَرْبَاقٍ ورِبَاقٍ).

(3)

الحديث حسنٌ؛ لشواهده.

أخرجه: الإمام أحمد في «مسنده» (35/ 445)(21561)، وأبو داود في «سننه»

ـ ط. الرسالة ـ (7/ 136)(4758)، وعبدالله بن أحمد في زوائده على المسند =

ص: 473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (35/ 444)(21560)، ومن طريقه:[المزي في «تهذيب الكمال» (8/ 190)]، وابن أبي عاصم في «السنة» (2/ 433)(892)، والبزار في «البحر الزخار» (9/ 445)(4058)، وأبو بكرالشافعي في «الغيلانيات» (1/ 575)(746)، والحاكم في «المستدرك» (1/ 203)(401)(402)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 270)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1/ 276)(448)، والخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (1/ 413)، وفي الثامن من «الخلعيات» (63)(64) من طريق مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ وُهْبَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»

ـ

لفظة «قيد» ، جاءت عند ابن أبي عاصم، والحاكم.

ـ

مُطَرِّف بن طَرِيف الكوفي، ثقة فاضل. «تقريب التهذيب» (ص 563).

ـ

سليمان بن الجهم بن أبي الجهم الأنصاري الحارثي، أبو الجهم الجوزجاني، مولى البراء، ثقة. «تقريب التهذيب» (ص 284).

ـ

خالد بن وَهْبان، ابن خالة أبي ذر. مجهول. «تقريب التهذيب» (ص 277).

قال الحاكم: (خالد بن وَهبان لم يجرح في رواياته، وهو تابعي معروف، إلا أن الشيخين لم يخرجاه؛ وقد رُوي هذا المتن عن عبدالله بن عمر بإسناد صحيح على شرطهما).

وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة خالد، لكن للحديث شواهد كثيرة، يرتقي بها لدرجة الحسن، منها:

ما في الصحيحين، وسيأتي ذكرهما. =

ص: 474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وسيأتي.

حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه، عند أحمد في «مسنده» (28/ 405)(17170)، والطيالسي (2/ 481)(1258)، والترمذي (2863)، وأبو عبيد في «الخطب والمواعظ» (ص 166)(95)، وابن بطة في «الإبانة» (1/ 291)(124)، والآجري في «الشريعة» (1/ 273)(4)، والطبراني في «الكبير» (3/ 286)(3427)، والحاكم في «المستدرك» (1/ 582)(1534)، والبيهقي في «الكبرى» (8/ 270)، وغيرهم.

حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عند البزار (11/ 22)(4695)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (2/ 66)، والطبراني في «الكبير» (10/ 289)(10687)، والضياء المقدسي في «المختارة» (11/ 51)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 416)، وغيرهم.

حديث أبي أمامة رضي الله عنه، عند ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/ 333)(2881).

حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، عند الطبراني في «الكبير» (20/ 86)(163)، و «مسند الشاميين» (3/ 260)(2211).

حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، عند ابن أبي عاصم في «السنة» (2/ 499)(1050).

حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه موقوفاً، عند ابن أبي شيبة في «المصنف» (15/ 625)(31066)، وابن بطة في «الإبانة» (1/ 289)(120)، والسرقسطي في «الدلائل» (2/ 607)، والرامهرمزي في «الأمثال» (ص 118)، وغيرهم. =

ص: 475

وَقَالَ الحَاكِمُ فِيْ رِوَايَتِهِ: قِيْدَ شِبْرٍ.

وَرَوُاهُ «الحَاكِمُ» مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ، بِلَفْظِ:«مَنْ خَرَجَ مِنَ الجَمَاعَةِ قِيْدِ شِبْرٍ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، حَتَّى يُرَاجِعَهُ» . (1)

= وانظر في الموضوع: «الأحاديث الواردة في لزوم الجماعة دراسة حديثية فقهية» د. حافظ بن محمد الحكمي، «الأمر بلزوم جماعة المسلمين» للشيخ د. عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم رحمه الله، و «مفهوم جماعة المسلمين» د. عبدالرحمن بن معلا اللويحق.

(1)

أخرجه: الحاكم في «المستدرك» (1/ 203)(403) من طريق عبدالله بن صالح، عن الليث، عن يحيى بن سعيد، عن خالد بن أبي عمران، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعاً، فذكره، وفيه زيادة.

قال الحاكم عقبه: صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه: الدولابي في «الكنى والأسماء» (2/ 635)(1134) من طريق الفرج بن يزيد أبي شيبة الكلاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن الشعبي، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

والطبراني في «المعجم الكبير» (12/ 440)(13604)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 415) من طريق حنش، عن عطاء، عن ابن عمر رضي الله عنهما، مرفوعاً، بنحوه.

وقد أخرج مسلم في «صحيحه» (1850) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم:(مَنْ خَلَعَ يَدَاً مِنْ طَاعَةِ؛ لَقِيَ اللهَ يَومَ القِيَامَةِ لاحُجَّةَ لَهُ، ومَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ؛ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّةً).

ص: 476

وَأَخْرَجَ «الْبُخَارِيُّ» ، وَ «مُسْلِمٌ» مِنْ حَدِيْثِ أَبِيْ مُوْسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ:«مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا الْسِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» . (1)

وَأَخْرَجَهُ «مُسْلِمٌ» مِنْ حَدِيْثِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ. (2)

وَأَخْرَجَ «مُسْلِمٌ» مِنْ حَدِيْثِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الْطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمِيْتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» . (3)

وَأَخْرَجَ «مُسْلِمٌ» مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ: «مَنْ نَزَعَ يَدَاً مِنْ طَاعَةِ إِمَامِهِ؛ فَإِنَّهُ يَأَتِيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ» (4).

فَهَذَا حَالُ مَنْ كَانَ يُقَاتِلُ مَعَ المُشْرِكِيْنَ؛ لِنِفَاقٍ فِيْ قَلْبِهِ، أَوْ لِعَدَمِ هِجْرَةٍ

(1) أخرجه: «البخاري» (7071)، و «مسلم» (98)(100).

(2)

أخرجه: «مسلم» (99)(101).

(3)

أخرجه: «مسلم» (1848).

وفي «البخاري» (7053)، و «مسلم» (1849) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَن رَأَى مِنْ أَمِيرهِ شَيْئَاً يَكْرَهُهُ؛ فليَصْبِرْ عَليه، فإنَّهُ مَن فارق الجماعَةَ شِبْرَاً فماتَ، إلا مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّةً» .

(4)

أخرجه: «مسلم» (1851) لكن بلفظ: «مَنْ خَلَعَ يَدَاً مِنْ طَاعَةِ؛ لَقِيَ اللهَ يَومَ القِيَامَةِ لاحُجَّةَ لَهُ، ومَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ؛ مَاتَ مِيْتَةً جَاهِلِيَّةً» .

ولمْ أجِدْهُ باللفظ الذي ذَكَرَهُ المؤلِّفُ.

ص: 477

إِلَى الْإسْلَامِ؛ لِعَصَبِيَّةٍ، حَمِيَّةً لِأَبٍ، أَوْ ابْنٍ، أَوْ أَخٍ، أَوْ لِقَرَابَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الحَمِيَّةِ لِغَيْرِ الله وَرَسُوْلِهِ، فَيَكُونُ مُنَازَعَةً لله وَلِرَسُوْلِهِ، وَمُشَاقَّةً لِلْمُسْلِمِيْنَ، كَمَا قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (1)

وَقال تعالى: : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (2)

وَيَكُوْنُ أَيْضَاً تَكْثِيْرَاً لِسَوَادِ المُشْرِكِيْنَ.

وَفِيْ «صَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْرَّحَمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ:

(قُطِعَ عَلَى أَهْلِ المَدِينَةِ بَعْثٌ، فَاكْتُتِبْتُ فِيْهِمْ (3)، فَلَقِيْتُ عِكْرِمَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَنَهَانِيْ أَشَدَّ الْنَّهْيِ، وَقَالَ: أَخْبَرَنِيْ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسَاً مِنَ المُسْلِمِيْنَ، كَانُوْا مَعَ المُشْرِكِيْنَ، يُكَثِّرُوْنَ سَوَادَهُمْ «عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم» (4)، يَأَتِيْ الْسَّهْمُ فَيُصِيْبُ أَحَدَهُمْ، فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ

(1) سورة النساء، آية (115).

(2)

سورة آل عمران، آية (103).

(3)

في «البخاري» : فيه.

(4)

زيادة من البخاري، وفي أحد الموضعين بدون لفظة «عهد» .

ص: 478

تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} الآيَةَ (1)(2).

فَالمُقِيْمُ فِيْ صَفِّ المُشْرِكِيْنَ لِلْقِتَالِ مِنَ المُسْلِمِينَ، أَعْذَارُهُ الْبَاطِلَةُ غَيْرُ (3) مَقْبُوْلَةٍ، فَإِنَّهُ ارْتِدَادٌ عَنِ الْإِسْلَامِ ـ نَعُوْذُ بِالله مِنْ ذَلِكَ ـ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ يُقَاتِلُ فِيْ صَفِّ المُشْرِكِيْنَ عَلَيْهِمْ، فَلَا بَأَسَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ تَأيِيْدٌ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَتَقَوِيَةٌ لِإِيْمَانِهِمْ، وَزُهْدٌ فِي الْدُّنْيَا، وَرَغْبَةٌ لِمَا عِنْدَ الله مِنَ الْفَوْزِ.

كَمَا أَخْرَجَ «الحَاكِمُ» مِنْ حَدِيْثِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلَاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله، لَوْ انْغَمَسْتُ فِي المُشْرِكِيْنَ، فَقَاتَلْتُهُمْ، أَلِيَ الجَنَّةُ؟ قَالَ:«نَعَمْ» . فَانْغَمَسَ الْرَّجُلُ فِيْ صَفِّ المُشْرِكِيْنَ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (4).

(1) سورة النساء، آية (97).

(2)

أخرجه: «البخاري» (4596)(7085).

(3)

نهاية الورقة [31] من المخطوط.

(4)

أخرجه: الحاكم في «المستدرك» (2/ 103)(2463) قال: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنَزِيُّ، قال: حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قال: حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا حَمَّادٌ، قال: أَنْبَأَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي رَجُلٌ أَسْوَدُ مُنْتِنُ الرِّيحِ، قَبِيحُ الْوَجْهِ، لَا مَالَ لِي، فَإِنْ أَنَا قَاتَلْتُ هَؤُلَاءِ حَتَّى أُقْتَلَ، فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ:«فِي الْجَنَّةِ» فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«قَدْ بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ، وَطَيَّبَ رِيحَكَ، وَأَكْثَرَ مَالَكَ» وَقَالَ لِهَذَا أَوْ لِغَيْرِهِ: «لَقَدْ رَأَيْتُ زَوْجَتَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، نَازَعَتْهُ جُبَّةً لَهُ مِنْ صُوفٍ، تَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُبَّتِهِ» .

قال الحاكم: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ). وصحَّحَهُ ابنُ المُلقِّن في «البدر المنير» (9/ 97).

وفي «البخاري» (4046)، و «مسلم» (1899) من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رجل: أينَ أنا يارسول الله إن قُتِلتُ؟ قال: «في الجنة» .فألقى تمرات كُنَّ في يَدِهِ، ثمَّ قَاتَلَ حتَّى قُتِلَ.

فائدة: لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالة مطبوعة بعنوان «قاعدة في الانغماس في العدو، وهل يُباح» طُبِعَت في «مكتبة أضواء السلف» في الرياض.

ص: 479

وَقَدْ عَابَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم مَنْ يُقَاتِلُ فِيْ صَفِّ المُسْلِمِيْنَ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ خَالِصَةً لِوْجْهِ الله، وَلَمْ يُعُدَّهُ فِيْ سَبِيْلِ الله، فَضْلَاً عَمَّنْ كَانَ يُقَاتِلُ فِيْ صَفِّ المُشْرِكِيْنَ، لِعُذْرٍ فَاسِدٍ، وَطَوِيَّةٍ نَاكِبَةٍ عَنْ الحَقِّ.

كَمَا أخْرَجَ «الْبُخَارِيُّ» ، وَ «مُسْلِمٌ» ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَبِيْ مُوْسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الْرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالْرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْذِّكْرِ، وَالْرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِيْ سَبِيْلِ الله؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ الله هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيْلِ الله) (1).

(1) أخرجه: «البخاري» (2810)(3126)، و «مسلم» (1904).

ص: 480

- قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا: إِيْش مَعْنَى:

وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ

وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ)

أَقُوْلُ: أَرَادَ بِذَلِكَ الْامْتِحَانَ، فَبِئِسَ الْصَّنِيْعُ صَنِيْعُهُ، فَإِنَّ الِمرَاءَ بِالْعِلْمِ وَالجِدَالَ، يُوْرِثُ الْضَغَائِنَ، وَالنِّفَاقَ.

أَمَّا الْبَيْتُ الْأَوَّلُ: فَالَّذِيْ قَالَهُ ابْنُ المُعْتَزِّ رحمه الله وَمَعْنَاهُ:

أَنَّ فِيْ كُلِّ شَيءٍ لله آيَةً، تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ الْرَّبِّ جل جلاله، فَكَيْفَ لَا يَعْتَبِرُ المُشْرِكُونَ؟ فَيَدْعُوْنَ غَيْرَهُ (1)! ! قَالَ ابْنُ المُعْتَزِّ:

فَيَا عَجَبَاً كَيْفَ يُعْصَى الإِلَهُ

أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِدُ

وَفِي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ (2)

(1) العبارةُ مُوهِمَةٌ، وَغَيْرُ سَلِيْمَةٍ، والأنسب في العبارة:(فكيف يدعوا المشركون غيرَ الله؟ ! أفلا يعتبرون؟ ! ).

(2)

نَسَبَهُمَا لابنِ المعتز: ابنُ كثير في «تفسيره» (1/ 133، 198)، وعبدُالرحمن بنُ حسن في «فتح المجيد» (2/ 690).

ونُسِبَا في أكثر المصادر إلى أبي العتاهية، وهما في «ديوانه» (45)، ونُسِبَا إليه في «الحماسة البصرية» (2/ 423)، و «محاضرات الأدباء» للراغب ـ ط. صادر ـ (4/ 82)، و «التمثيل والمحاضرة» للثعالبي (ص 11)، و «تاريخ بغداد» للخطيب ـ ط. الغرب ـ (7/ 226)، و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (13/ 453)، و «المنتظم» لابن الجوزي (10/ 241)، و «البداية والنهاية» لابن كثير ـ ط. الفكر ـ (10/ 232).

ونُسِبَا أيضاً إلى أبي نواس، كما في «المحاسن والأضداد» للجاحظ (ص 120)، وابن خَلِّكَان في «وفيات الأعيان» (7/ 138).

وهما أيضاً في «ديوان لبيد بن ربيعة بشرح الطوسي» (ص 280).

ص: 481

قُلْتُ: قَالَ اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} (1)، فَلَا يَعْتَبِرُوْنَ بِهَا، فَيُفْرِدُوْنَ لَهُ الْعِبَادَةَ.

وَكَثِيَراً مَا ذَكَرَ اللهُ مِنَ الْآيَاتِ الْدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ ـ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ ـ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (2)

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ

(1) سورة يوسف، آية (105).

(2)

سورة فصلت، آية (37).

ص: 482

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)} (1)(2).

وَالْقُرْآنُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، دَالٌّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ الْرَّبِّ ـ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ ـ كَمَا قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (3).

وَلَوْ ـ أَيْضَاً ـ اعْتَبَرَ المُشْرِكُوْنَ بِسُجُوْدِ الجَمَادَاتِ وَالحَيَوَانَاتِ غَيْرِ النَّاطِقَةِ لِرَبِّ العَالمَيْنَ؛ لَمَا سَجَدُوْا لِغَيْرِهِ، كَمَا قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (4).

(1) نهاية الورقة [32] من المخطوط.

(2)

سورة الروم، الآيات (20 ـ 24).

(3)

سورة الإسراء، آية (88).

(4)

سورة الحج، آية (18).

ص: 483

أَفَلَا يَعْتَبِرُوْنَ بِسُجُوْدِ مَنْ فِيْ الْسَّمَاوَاتِ، وَمَنْ فِيْ الْأَرْضِ، وَالْشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالْنُّجُوْمِ، وَالجِبَالِ، وَالْشَّجَرِ، وَالْدَّوَابِّ، لِرَبِّ الْعَالمَيِنَ؟ !

وَكَمْ مِنْ عَجْمَاءَ تَكَوْنُ أَفْقَهَ مِنْ إِنْسَانٍ؟ !

كَمَا جَاءَ فِي «مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ» : (لَا تَتَّخِذُوْا ظُهُوْرَ الْدَّوَابِّ مَنَابِرَ، رُبَّ مَرْكُوْبٍ خَيْرٌ وَأَكْثَرُ ذِكْرَاً لله مِنْ رَاكِبِهِ)(1).

(1) الحديث حسن، إلا الجملة الأخير «رب مركوب خير

» فضعيفة.

أخرجه: الإمام أحمد في «مسنده» (24/ 407)(15650) من طريق عبدالله بن لهيعة، قال: حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن ابن معاذ بن أنس، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فذكره.

وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة ـ كما سبق في ترجمته (ص 385) ـ؛ وقد خالفه الليث بن سعد ـ كما سيأتي ـ.

وأخرجه: الإمام أحمد أيضاً (24/ 392، 404)(15629)(15646)، ومن طريقه:[ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (9/ 388)] من طريق عبدالله بن لهيعة.

وأخرجه: ابن عبدالحكم في «فتوح مصر» ـ ط. الفكر ـ (ص 324)(165)، والبغوي في «معجم الصحابة» (1/ 41) (21) ومن طريقه:[ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (9/ 387)]، من طريق الليث بن سعد.

والطبراني في «المعجم الكبير» (20/ 193)(432) من طريق رشدين. =

ص: 484

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ثلاثتهم: (ابن لهيعة، والليث بن سعد، ورشدين) عن زبَّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«ارْكَبُوهَا سَالِمَةً وَدَعُوهَا سَالِمَةً، وَلَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ، لِأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ، وَالْأَسْوَاقِ فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا هِيَ أَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ» .

هذا لفظ الإمام أحمد. ولفظ ابن عبدالحكم إلى قوله: ولاتتخذوها كراسي.

وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف زبَّان بن فائد، قال عنه في «تقريب التهذيب» (ص 248): ضعيف الحديث، مع صلاحه وعبادته.

وأخرج: أحمد في «مسنده» (24/ 399)(15639)، والدارمي في «مسنده» (3/ 1745)(2710)، وابن خزيمة في «صحيحه» ـ ط. الميمان ـ (4/ 242)(2544)، وابن عبدالحكم في «فتوح مصر» ـ ط. الفكر ـ (ص 324)(165)، والبغوي في «معجم الصحابة» (1/ 40) (20) ومن طريقه:[ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (9/ 387)]، والحارث في «مسنده» كما في «بغية الباحث» ـ ط. المدينة ـ (2/ 838)(886)، وابن حبان في «صحيحه» (12/ 437)(5619)، والطبراني في «المعجم الكبير» (20/ 193)(431)، والحاكم في «المستدرك» (1/ 612)(1625)، و (2/ 109)(2486)، وعنه:[البيهقي في «السنن الكبرى» 5/ 255)]، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (9/ 387) من طريق الليث بن سعد، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن ابن معاذ بن أنس، عن أبيه رضي الله عنه ـ وكان من أصحاب رسول الله =

ص: 485

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= صلى الله عليه وسلم ـ أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ارْكَبُوا هَذِهِ الدَّوَابَّ سَالِمَةً، وَايْتَدِعُوهَا سَالِمَةً، وَلَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ» .

قال الحاكم: صحيح الإسناد.

ذكر البغوي أنه لم يرو سهل عن أبيه إلا هذا الحديث.

ليس عند الطبراني الجملة الأخيرة (ولاتتخذوها كراسي)

وأخرج: أحمد في «مسنده» (29/ 590)(18052)، والدارمي في «مسنده» (3/ 1746)(2711)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1/ 31)(40)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (3/ 27)، وابن عبدالحكم في «فتوح مصر» ـ ط. الفكر ـ (ص 324)(165)، وابن سمعون في «أماليه» (1)، ومن طريقه:[الآبنوسي في «مشيخته» (ص 35) (147)، وابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» ـ ط. الكتب العلمية ـ (5/ 96)]، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (9/ 388) من طريق الليثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ارْكَبُوا هَذِهِ الدَّوَابَّ سَالِمَةً، وَايْتَدِعُوهَا سَالِمَةً، وَلَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ»

صرَّح الليث بسماعه من سهل عند الطحاوي، وابن عساكر، وعند ابن عبدالحكم قال الليث: وحدثني سهل بن معاذ نفسه عن أبيه.

فدل على أن الليث بن سعد يرويه عن يزيد بن أبي حبيب، ثم رواه بعلوٍ عن سهل بن معاذ.

ـ سهل بن معاذ بن أنس الجهني، شامي، نزل مصر.

لابأس به، إلا في روايات زبَّان عنه. =

ص: 486

فَلَوْ تَفَكَّرَ المُشْرِكُوْنَ فِيْ عَظَمَةِ الْرَّبِّ جل جلاله وَجَبَرُوْتِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَقُدْرَتِهِ؛ لَمَا تَعَبَّدُوْا وَسَجَدُوْا لِغَيْرِهِ.

كَمَا أَخْرَجَ «سَعِيْدُ بْنُ مَنْصُوْرٍ» ، وَ «أَحْمَدُ» ، وَ «عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ» ،

= وثَّقَه: العجلي، وذكره ابن حبان ـ وأخرج له في صحيحه ـ، وابن خلفون في «الثقات» ، وقال ابن حبان: لايُعتبر حديثه ما كان من رواية زبَّان بن فائد عنه. وخرَّج له ابن خزيمة، والحاكم، وابن الجارود.

ضعَّفَهُ: ابن معين في رواية ابن أبي خيثمة عنه. وذكره ابن حبان في «المجروحين» ، وقال:(منكر الحديث جداً، فلستُ أدري أوقع التخليط في حديثه منه، أو من زبان بن فائد؛ فإن كان من أحدهما؛ فالأخبار التي رواها أحدهما ساقطة، وإنما اشتبه هذا؛ لأن راويها عن سهلِ بنِ معاذ زبانُ بن فائد إلا الشئ بعد الشئ).

قال ابن حجر: لابأس به، إلا في روايات زبَّان عنه.

[«الثقات» للعجلي (1/ 440)، «الثقات» لابن حبان (4/ 321)، «المجروحون» لابن حبان ـ ط. الصميعي ـ (1/ 441) «تهذيب الكمال» (12/ 208)، «إكمال تهذيب الكمال» لمغلطاي (6/ 143)، «ميزان الاعتدال» للذهبي ـ ط. الرسالة ـ (2/ 223)، «تقريب التهذيب» (ص 292)].

وقد صحَّحَ الحديثَ العلَاّمةُ الألباني رحمه الله في «السلسلة الصحيحة» (1/ 59)(21) دون الزيادة «فرب مركوب خير من راكبها، وأكثر ذكراً لله منه» ، ضعفها؛ لأجل زبَّان، وابن لهيعة.

ص: 487

وَ «الْبُخَارِيُّ» ، وَ «مُسْلِمٌ» ، وَ «الْتِّرْمِذِيُّ» ، وَ «الْنَّسَائِيُّ» ، وَ «ابْنُ جَرِيْرٍ» ، وَ «ابْنُ المُنْذِرِ» ، وَ «الْدَّارَقُطْنِيُّ فِيْ الْصِّفَاتِ» ، وَ «ابْنُ مَرْدَوَيْهٍ» وَ «الْبَيْهَقِيُّ فِيْ الْأَسْمَاءِ وَالْصِّفَاتِ» ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ الله! إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ الْسَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبِعٍ، وَالْأَرَضِيْنَ عَلَى إِصْبِعٍ، وَالْشَّجَرَ عَلَى إِصْبِعٍ، وَالمَاءَ وَالْثَّرَى عَلَى إِصْبِعٍ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى إِصْبِعٍ، فَيَقُوْلُ: أَنَا المَلِكْ.

فَضَحِكَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيْقَاً لِقَوْلِ الحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (1)(2).

(1) سورة الزمر، آية (67).

(2)

أخرجه: سعيد بن منصور في «تفسيره» (7/ 208)(1871)، وأحمد في «مسنده» (6/ 69)(3590)، و (7/ 164، 377)(4087)(4368)، والبخاري في «صحيحه» (4811)(7415)، ومسلم في «صحيحه» (2786)، و «الترمذي» (3238)، والنسائي في «الكبرى» (7/ 135، 155)(7640)(7689)، و (10/ 239)(11386)، وابن جرير في «تفسيره» (20/ 248)(30466)، والدارقطني في «الصفات» ـ ط. الغنيمان ـ (ص 21) من رقم (19) إلى (27)، وانظر =

ص: 488

وَأَخْرَجَ «أَحْمَدُ» ، وَ «الْتِّرْمِذِيُّ» وَصَحَّحَهُ، وَ «ابْنُ جَرِيْرٍ» ، وَ «ابْنُ مَرْدَوَيْه» ، وَ «الْبَيْهَقِيُّ» ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ يَهُوْدِيٌّ بِرَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ، قَالَ: كَيْفَ تَقُوْلُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللهُ السَّمَاوَاتِ عَلَى ذِهْ وأَشَارَ بِالْسَّبَّابَةِ، وَالْأَرَضِيْنَ عَلَى ذِهْ، وَالجِبَالَ عَلَى ذِهْ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى ذِهْ، كُلُّ ذَلِكَ يُشِيْرُ بِأَصَابِعِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (1)(2).

= «العلل» للدارقطني (5/ 177)(805)، وابن مردويه في «تفسيره» ـ كما في «الدر المنثور» (12/ 691)، وهو في «مجلسين من أمالي ابن مردويه» ـ ط. البشائر، ضمن لقاءات العشر الأواخر من رمضان، عدد (105)، حديث (18) و (19) و (20) و (21)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/ 164)(730)(731)(733)، وأما عبد بن حميد، وابن المنذر ـ فكما ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (12/ 691).

وانظر لبيان طرقه كلها: عمل المحققين في «تفسير سعيد بن منصور» (7/ 208 ـ 212)(1871)؛ وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (13/ 397).

(1)

سورة الزمر، آية (67).

(2)

ضعيف.

أخرجه: أحمد في «مسنده» (4/ 125)(2267)، و (5/ 129)(2988)، والترمذي في «جامعه» (3240)، وابن جرير في «تفسيره» (20/ 249)(30468)، وابن مردويه في «تفسيره» ــ كما في «الدر المنثور» (12/ 692) ـ. =

ص: 489

وَأخرج «عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ» ، وَ «الْبُخَارِيُّ» ، وَ «مُسْلِمٌ» ، وَ «الْنَّسَائِيُّ» ، وَ «ابْنُ مَاجَه» ، وَ «ابْنُ مَرْدَوَيْه» ، وَ «ابْنُ جَرِيْرٍ» ، وَ «الْبَيْهَقِيُّ فِيْ الْأَسْمَاءِ وَالْصِّفَاتِ» ، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ:

(يَقْبِضُ اللهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِيْ الْسَّمَاءَ بِيَمِيْنِهِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: أَنَا المَلِكُ،

= وأخرجه أيضاً: ابن أبي عاصم في «السنة» (1/ 240)(545)، وعبدالله بن الإمام أحمد في «السنة» (1/ 266)(494) و (2/ 483)(1113)، وابن خزيمة في «التوحيد» (1/ 184)، والطبراني في «الأوسط» ـ ط. الحرمين ـ (5/ 67)(4689) من طريق أبي كُدَينة، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضُّحَى، عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وهذا إسناد ضعيف؛ لأجل عطاء، فإنه قد اختلط.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

ـ

أبو كُدينة هو يحيى بن المهلَّب البَجَلي، صدوق. «تقريب التهذيب» (ص 628).

ـ

عطاء بن السائب الثقفي الكوفي، صدوق، اختلط. «تقريب التهذيب» (ص 422). قال ابن معين:(كل شئ من حديث عطاء بن السائب ضعيفٌ إلا ما كان من حديث شعبة، وسفيان، وحماد بن سلمة). وقال أيضاً: (جميع مَن روى عن عطاء روى عنه في الاختلاط إلا شعبة وسفيان). واستثنى بعضهم: حماد بن زيد، ووهيب، وابن عيينة، وزائدة، وأيوب. ينظر:«معجم المختلطين» لمحمد طلعت (ص 226 ـ 240).

ـ

مسلم بن صُبيح الهمْداني، أبو الضحى الكوفي العطار، مشهور بكنيته، ثقةٌ فاضلٌ. «تقريب التهذيب» (ص 559).

ص: 490

(أَيْنَ المُلُوْكُ)(1)، أَيْنَ مُلُوْكُ الْأَرْضِ) (2).

وَأَخْرَجَ «سَعِيْدُ بْنُ مَنْصُوْرٍ» ، وَ «أَحْمَدُ» وَالْلَّفْظُ لَهُ، وَ «عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ» ، وَ «الْبُخَارِيُّ» ، وَ «مُسْلِمٌ» ، وَ «الْنَّسَائِيُّ» ، وَ «ابْنُ مَاجَه» ، وَ «ابْنُ جَرِيْرٍ» ، وَ «ابْنُ المُنْذِرِ» ، وَ «ابْنُ أَبِيْ حَاتَمٍ» ، وَ «أَبُوْ الْشَّيْخِ» ، وَ «ابْنُ مَرْدَوْيِه» ، (3) وَ «الْبَيْهَقِيُّ فِيْ الْأَسْمَاءِ وَالْصِّفَاتِ» ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (4) وَرَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ هَكَذَا بِيَدِهِ يُحرِّكُهَا، يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ، يُمَجِّدُ الْرَّبُ

(1) زيادة ليست في المصادر.

(2)

أخرجه: عبد بن حميد في «تفسيره» ـ كما في «الدر المنثور» (12/ 693)، والبخاري في «صحيحه» (4812) و (7382) و (6519)، ومسلم في «صحيحه» (2787)، والنسائي في «السنن الكبرى» (7/ 137)(7645)، وابن ماجه في «سننه» (192)، وابن مردويه في «تفسيره» ـ كما في «الدر المنثور» (12/ 693)، وابن جرير في «تفسيره» (20/ 250)(30472)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (1/ 82)(43) و (2/ 170)(736).

(3)

نهاية الورقة [33] من المخطوط.

(4)

سورة الزمر، آية (67).

ص: 491

نَفْسَهُ: أَنَا الجَبَّارُ، أَنَا المُتَكَبِّرُ، أَنَا المَلِكُ، أنَا الْعَزِيْزُ، أنَا الْكَرِيْمُ، فَرَجَفَ بِرَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم المِنْبَرُ، حَتَّى قُلْنَا لَيَخِرَّنَّ) (1).

وَأَخْرَجَ «أَحْمَدُ» ، وَ «عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ» ، وَ «الْتِّرْمِذِيُّ» ، وَ «الحَاكِمُ» وَصَحَّحَاهُ (2)، وَغَيْرُهُمْ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيْ آخِرِهِ: قُلْتُ: فَأَيْنَ الْنَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُوْلَ الله؟ قَالَ: (عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ). (3)

(1) أخرجه: سعيد بن منصور في «تفسيره» ـ كما في «الدر المنثور» (12/ 693) ـ، وأحمد في «مسنده» (9/ 304)(5414) ـ واللفظ له ـ، وعبد بن حميد في «تفسيره» ـ كما في «الدرالمنثور» (12/ 693) ـ، والبخاري في «صحيحه» (4712)، ومسلم في «صحيحه» (2788)، والنسائي في «السنن الكبرى» (7/ 139)(7648)(7649)، وابن ماجه في «سننه» (198)(4275)، وابن جريرفي «تفسيره» (20/ 247)(30463)، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في «تفسيرهما» ـ كما في «الدرالمنثور» (12/ 693) ـ، وأبو الشيخ في «العظمة» (2/ 437، 450، 456) رقم (131)(137)(139)، وابن مردويه في «تفسيره» ـ كما في «الدرالمنثور» (12/ 693) ـ وهو في «مجلسين من أمالي ابن مردويه» ـ ط .. البشائر، ضمن لقاءات العشر الأواخر من رمضان، عدد (105) حديث رقم (24)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (1/ 96)(52)، و (2/ 53)(629).

(2)

في «الدر المنثور» : وصححه.

(3)

إسناده صحيح. =

ص: 492

وَأَخْرَجَ «عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ» ، وَ «ابْنُ مَرْدَوَيْه» ، عَنْ مَسْرُوْقٍ أَنَّ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِيَهُوْدِيٍّ: اذْكُرْ «مِنْ» (1) عَظَمَةِ رَبِّنَا، فَقَالَ: الْسَّمَاوَاتُ عَلَى الخِنْصِرِ، وَالْأَرَضُوْنَ عَلَى البِنْصِرِ، وَالجِبَالُ عَلَى الْوُسْطَى، وَالمَاءُ عَلَى الْسَّبَّابَةِ، وَسَائِرُ الخَلْقِ عَلَى الْإِبْهَامِ، فَقَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (2)(3).

= أخرجه: أحمد في «مسنده» (41/ 349)(24856)، وعبد بن حميد في «تفسيره» ـ كما في «الدر المنثور» (12/ 693 ـ 694) ـ، والترمذي في «جامعه» (3241)، والنسائي في «السنن الكبرى» (10/ 240)(11389)، وابن أبي عاصم في «الأوائل» (180)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 437)(3630)، وعنه:[البيهقي في «البعث والنشور» (ص 317) (573)]، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (8/ 183)، والبغوي في «شرح السنة» (15/ 250)(4415) من طريق عبدالله بن المبارك، عن عنبسة بن سعيد، عن حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد قال: قال: ابن عباس رضي الله عنهما.فذكره. وبعضهم ذكره مطولاً.

وهذا إسناده صحيح.

عنبسة بن سعيد هو ابن الضريس، ثقة. كما في «التقريب» (ص 462).

وحبيب بن أبي عمرة القصَّاب، ثقة. «تقريب التهذيب» (ص 189).

قال الترمذي عقب الحديث: حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

(1)

زيادة من «الدر المنثور» .

(2)

سورة الزمر، آية (67).

(3)

ضعيفٌ. =

ص: 493

وَأَخْرَجَ «عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ» ، وَ «ابْنُ أَبِيْ حَاتَمٍ» ، وَ «أَبُوْ الْشَّيْخِ» ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:(يَطْوِيْ اللهُ الْسَّمَاوَاتِ الْسَّبْعَ بِمَا فِيْهَا مِنَ الخَلِيْقَةِ، وَالْأَرَضِيْنَ الْسَّبْعَ بِمَا فِيْهَا الخَلِيْقَةُ، يَطْوِيْ ذَلِكَ كُلَّهُ بِيَمِيْنِهِ، فَيَكُوْنُ ذَلِكَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ خَرْدَلَةٍ)(1).

= أخرجه: عبد بن حميد، وابن مردويه في «تفسيرهما» ـ كما في «الدر المنثور» للسيوطي (12/ 696) ـ، وهو ضعيف؛ لإرساله، ويُغْنِي عنْهُ ما سَبَق من حديث ابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم.

(1)

أخرجه: عبد بن حميد في «تفسيره» ـ كما في «الد رالمنثور» للسيوطي (12/ 696)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» ـ كما في «تفسير ابن كثير» ـ ط. طيبة ـ (5/ 382)، وأبو الشيخ في «العظمة» (2/ 445)(135) من طريق محمد بن سلمة، قال: حدثنا أبو الواصل، عن أبي المليح الأزدي، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً عليه.

ـ محمد بن سلمة بن عبدالله الباهلي الحراني، ثقة. «تقريب التهذيب» (ص 511).

ـ

عبدالحميد بن واصل الباهلي البصري، أبو واصل. روى عن أنس، وعن ابن مسعود ـ مرسل ـ، وأبي أمية الحبطي، روى عنه: عبدالكريم الجزري، وشعبة، ومحمد بن سلمة الباهلي، وعتاب بن بشير. ترجم له البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ وذكره ابن حبان في «الثقات» ، وخرَّج حديثَه الضياءُ المقدسي في «المختارة» (6/ 270)(2290).

ص: 494

وَأَخْرَجَ «ابْنُ جَرِيْرٍ» ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:(مَا «فِيْ» (1) الْسَّمَاوَاتِ الْسَّبْعِ، وَالْأَرَضِيْنَ الْسَّبْعِ (2) فِيْ يَدِ الله عز وجل إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ فِيْ يَدِ أَحَدِكُمْ) (3).

= قال عنه الحسيني في «التذكرة» : مجهول.

ينظر: [«التاريخ الكبير» (6/ 45)، «الجرح والتعديل» (6/ 18)، «الثقات» لابن حبان (5/ 126)، «التذكرة» للحسيني (4/ 2209) (9113)، «تعجيل المنفعة» (2/ 561)].

ـ

أبو المليح الأزدي ـ لم أقف عليه ـ.

ـ أوس بن عبدالله الربعي، أبو الجوزاء البصري الأزدي، ثقة، يرسل كثيراً. «تقريب التهذيب» (ص 155).

(1)

سقطت من المخطوطة، والإضافة من المصدرالمنقول منه «الدر المنثور» للسيوطي (12/ 697).

(2)

في «السنة» لعبدالله بن أحمد، زيادة:«وما فيهما» .

(3)

أخرجه: عبدالله بن الإمام أحمد في «السنة» (2/ 476)(1090)، وابن جرير في «تفسيره» (20/ 246)(30459) من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً عليه.

ـ

معاذ بن هشام الدستوائي، صدوق ربما وهم. «تقريب التهذيب» (ص 565).

ـ

هشام بن أبي عبدالله الدَّسْتَوائي، ثقة ثبت، وقد رمي بالقَدَر. «تقريب التهذيب» (ص 603). =

ص: 495

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ـ

عمرو بن مالك النُّكري. قال عنه ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» : (ص 155): (عمرو بن مالك النكري أبو مالك، والد يحيى بن عمرو، وقعت المناكير في حديثه من رواية ابنه عنه، وهو في نفسه صدوق اللهجة، مات سنة تسع وعشرين ومائة)، وقال في «الثقات» (7/ 228): عَمْرو بْن مَالك النكري، كنيته أَبُو مَالك من أهل الْبَصْرَة، يروي عَنْ: أبي الجوزاء؛ روى عَنْهُ: حَمَّاد بْن زيد، وجعفر بْن سُلَيْمَان، وَابْنه يَحْيَى بْن عَمْرو، وَيعْتَبر حَدِيثه من غير رِوَايَة ابْنه عَنْهُ، مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة). وثَّقه الذهبي في «الميزان» ـ ط. الرسالة ـ (3/ 288). وقد نقل ابن حجر في «التهذيب» عن ابن حبان، فوقع في خلد بين ترجمتين من «الثقات» ، وبناء عليه قال عنه في «التقريب» (ص 456): صدوق، له أوهام.

والراجح أنه صدوق الحديث إلا إذا كان من رواية ابنه عنه.

وقد وجدتُ تحقيقاً جيداً في كتاب «تنبيهات على كتب تخريج كتاب التوحيد» لناصر الفهد (ص 93 ـ 100)، أنقله هنا بتمامه؛ للفائدة؛ خاصة مع تتابع بعض أهل العلم المعاصرين على تضعيفه هذا الحديث الموقوف.

قال الشيخ: ناصر الفهد: [وروي عن ابن عباس قال: «ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم» . قال في «النهج السديد» (ص 281): (ضعيف. رواه ابن جرير من طريق عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس، وعمرو فيه جهالة، ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: «يخطئ ويغرب». ا. هـ. وقال في «الدر النضيد» (ص 181): ضعيف. أخرجه: ابن جرير عن عمرو بن مالك النكري عن ابن عباس رضي الله عنهما، به، وعمرو بن مالك المذكور في ترجمته من التهذيب أن ابن حبان أورده في «الثقات» وقال: =

ص: 496

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يخطئ ويغرب». ا. هـ. [وذكروا نحو هذا في حاشية [القول المفيد على كتاب التوحيد (3/ 297 ح 1)].

وقال في «ضعيف كتاب التوحيد» (ص 54): (في سنده عمرو بن مالك النكري ترجم له البخاري في «التاريخ الكبير» وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» وابن حبان في «الثقات» والذهبي في «الميزان» وابن حجر في «التهذيب» ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وأما ابن عدي فقال في «الكامل»: منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث، وسمعت أبا يعلى يقول: عمرو بن مالك النكري كان ضعيفًا، ثم ذكر ابن عدي له أحاديث مناكير، ثم قال: ولعمرو غير ما ذكرت أحاديث مناكير بعضها سرقها من قوم ثقات). ا. هـ.

قلت (الكلام للفهد): والكلام على هذا من وجهين:

-

الوجه الأول: أن هذا الحديث حسن على أقل الأحوال، وقد أخطأ الثلاثة جميعًا في تضعيفه، وأخطئوا جميعًا في كلامهم على عمرو بن مالكٍ هذا، وسبب هذا ـ والله أعلم ـ نقل بعضهم من بعض.

فإن عمرو بن مالك النكري هذا قد قال عنه ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» (ص 155): «وقعت المناكير في حديثه من رواية ابنه عنه وهو في نفسه صدوق اللهجة» . ا. هـ، وذكره أيضًا في «الثقات» (7/ 228) فقال:(عمرو بن مالك النكري كنيته أبو مالك، من أهل البصرة، يروي عن أبي الجوزاء، روى عنه حماد بن زيد وجعفر بن سليمان وابنه يحيى بن عمرو، ويعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه، مات سنة تسع وعشرين ومائة). ا. هـ. =

ص: 497

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وهذا توثيق معتبر مقبول من ابن حبان ـ رحمه الله تعالى ـ لأنه عن علم ومعرفة به واعتبار لأحاديثه، ومثل هذا يقبل من ابن حبان كتوثيق غيره من الحفاظ، بخلاف توثيق المستورين الذين لا يعرفون، ولا يعرفهم هو أيضًا فإنه هو المردود، فلا يقول قائل هنا: إن هذا توثيق ابن حبان وهو يوثق المجهولين. حاشية: [قال المعلمي رحمه الله تعالى في [التنكيل (1/ 437)]: (والتحقيق أن توثيقه ـ أي ابن حبان ـ على درجات:

الأولى: أن يصرح به كأن يقول (كان متقنًا) أو (مستقيم الحديث) أو نحو ذلك.

الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم.

الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يُعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.

الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذاك الرجل معرفة جيدة.

الخامسة: ما دون ذلك.

فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل) ا. هـ. وهنا توثيقه من الأولى فإنه ذكر أنه صدوق اللهجة].

وقال عنه ابن حجر في «تقريبه» : (صدوق له أوهام) حاشية: [والتقريب كما هو معروف مختصر من التهذيب، وقد وهم ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في الأصل وهو التهذيب في نقله عن ابن حبان ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ، لذا فإنني أعتقد بأن قوله في التقريب (له أوهام) هو بناءً على هذا الوهم والله أعلم]. الكاشف].

وقال الذهبي في «كاشفه» (2/ 294): (وُثق)، وقال عنه في «ميزان الاعتدال» (3/ 286) رقم 6436:(ثقة) وأخرج له أيضاً ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» . =

ص: 498

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فحديثه حسن على أقل الأحوال، والحديث المذكور ليس في متنه نكارة، بل له شواهد في معناه مرفوعة وموقوفة، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ إلى صحته فقال في «الفتاوى» (16/ 439):(مثل ما في الصحاح في تفسير قوله تعالى? وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ? قال ابن عباس: (ما السماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم). ا. هـ، ومن هنا يُعلم مدى علم الشيخ سليمان بن عبد الله ـ رحمه الله تعالى ـ بالحديث والرجال عندما صحَّحَهُ.

ـ

الوجه الثاني: أن قوله في «الدّر النضيد» : (وعمرو بن مالك في ترجمته من التهذيب أن ابن حبان أورده في الثقات ثم قال: (يخطئ ويغرب). ا. هـ، وكذلك قوله في «النهج السديد» ـ وهو قد نقله من التهذيب قطعاً لا من الثقات ـ:(ذكره ابن حبان في الثقات وقال: (يخطئ ويغرب). ا. هـ.

وهذا الكلام وَهمٌ من ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ تبعه عليه هؤلاء ولم يرجعوا إلى الأصل! ! فإن ابن حبان رحمه الله إنما قال ذلك في عمرو بن مالك النكري البصري وهو من شيوخ شيوخه، ومن شيوخ أبي يعلى الموصلي صاحب المسند، حيث قال في الثقات (8/ 487):(عمرو بن مالك النكري، من أهل البصرة يروي عن الفضيل ابن سليمان، ثنا عنه إسحاق بن إبراهيم القاضي وغيره من شيوخنا، يغرب ويخطئ). ا. هـ.

وهذا الرجل هو الذي أورده ابن عدي في الكامل (5/ 150) واتهمه بسرقة الأحاديث، وظن صاحب «ضعيف كتاب التوحيد» أنه عمرو بن مالك الموجود في سند حديث =

ص: 499

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الباب، مع أنه بقليل من التأمل في الأسانيد التي ذكرها ابن عدي في الكامل يتضح البون الشاسع بين الرجلين.

أما عمرو بن مالك النكري الذي يروي عن أبي الجوزاء هنا فهو من طبقةٍ متقدمة يروي عن التابعين، وقد فرق بينهم ابن أبي حاتم فسكت عن عمرو بن مالك النكري، وضعّف عمرو بن مالك الراسبي «الجرح والتعديل» (6/ 259)، وكذلك فرق بينهم الذهبي في «الميزان» (3/ 285) فقال: (عمرو بن مالك الراسبي البصري لا النكري، هو شيخ، حدث عن الوليد بن مسلم، ضعفه أبو يعلى، وقال ابن عدي: يسرق الحديث، وتركه أبو زرعة، وأما ابن حبان فذكره في الثقات

أما: عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء؛ عمرو بن مالك الجنبي عن أبي سعيد الخدري وغيره ـ تابعي ـ، فثقتان. ا. هـ. حاشية:[تجد الذهبي هنا وثّق عمرو بن مالك النكري، بخلاف ما يقوله صاحب [ضعيف كتاب التوحيد] حيث قال: (ترجم له الذهبي في الميزان ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً) وهذا وهم، فإنه إن كان يقصد المتقدم فقد وثقه، وإن كان يقصد المتأخر فقد ضعفه].

ولا أدري كيف تداخلت الترجمتان في ثقات ابن حبان على ابن حجر، فإنه أخذ من ترجمة عمرو بن مالك النكري المتقدم (يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه)، ومن ترجمة عمرو بن مالك النكري المتأخر (يغرب ويخطئ)، وجعلها كلها في ترجمة المتقدم، ونقل هؤلاء هذا الكلام عنه، وحكموا بضعف الحديث بناءً على ذلك، وهو خطأ كما تقدم والله تعالى أعلم. انتهى كلام الفهد.

ص: 500

وَأَخْرَجَ أَبُوْ الْشَّيْخِ فِيْ «الْعَظَمَةِ» ، عَنْ أَبِيْ ذَرِّ قَالَ: قَالَ لِيْ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرِيْ مَا الْكُرْسِيُّ؟ )، فَقُلْتُ: لَا، قَالَ:(مَا الْسَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَمَا فِيْهِنَّ فِيْ الْكُرْسِيِّ، إِلَّا كَحَلْقَةٍ أَلْقَاهَا مُلْقٍ فِيْ أَرْضٍ فَلَاةٍ، وَمَا الكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلْقَةٍ أَلْقَاهَا مُلْقٍ فِيْ أَرْضٍ فَلَاةٍ، وَمَا الْعَرْشُ إِلَّا كَحَلْقَةٍ أَلْقَاهَا مُلْقٍ فِيْ أَرْضٍ فَلَاةٍ، وَمَا المَاءُ وَالرِّيْحُ إِلَّا كَحَلْقَةٍ أَلْقَاهَا مُلْقٍ فِيْ أَرْضٍ فَلَاةٍ، وَمَا جَمِيْعُ ذَلِكَ فِيْ قَبْضَةِ الله عز وجل إِلَّا كَحَبَّةٍ وَأَصْغَرَ مِنَ الحَبَّةِ فِيْ كَفِّ أَحَدِكُمْ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (1)(2).

(1) سورة الزمر، آية (67).

(2)

ضعيف.

أخرجه: أبو الشيخ في «العظمة» (2/ 635)(252)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن أشعث بن عبدالله التميمي، عن عبدالعزيز بن عمر أو عمران ـ الشك من ابن عياش ـ أنَّ أبا ذر

الحديث.

وهذا إسناد ضعيف جداً؛ لانقطاعه بين عبدالعزيز وأبي ذر؛ وفيه أيضاً: إسماعيل بن عياش الحِمصي، صدوقٌ في روايته عن أهل بلده، مخلِّطٌ في غيرهم. «تقريب التهذيب» (ص 148)، وروايته هنا عن غير أهل بلده، ولذلك لم يضبط الرواية.

وأشعث بن عبدالله التميمي، ترجم له ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 274)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. =

ص: 501

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وعبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز القرشي الأموي، صدوق يخطئ. (ت في حدود 150 هـ). «تقريب التهذيب» (ص 390)، وعبدالعزيز بن عمران بن عبدالعزيز بن عمر بن عبدالرحمن بن عوف القرشي، متروكٌ، احترقت كتبه، فحدَّث من حفظه، فاشتد غلَطُه، وكان عارفاً بالأنساب. (ت 197 هـ)«تقريب التهذيب» (ص 390).

وأخرجه: الحكيم الترمذي في «الرد على المعطلة» (ق 97/ب) ـ كما ذكره محقق كتاب «العظمة» ـ من طريق سهل بن سلم، عن الأشعث بن عبدالله، عن عبدالعزيز بن عمر، عن رجل من أهل الشام، عن أبي ذر .. فذكر نحوَه.

وهذا ضعيف أيضاً؛ لجهالة الأشعث، والراوي عن أبي ذر.

وللحديث طرق أخرى عن أبي ذر ـ كلها ضعيفةٌ ـ، وليس فيها التفصيل المذكور في الطريق السابق.

أخرج: محمد بن عثمان بن أبي شيبة في «العرش» (58) ومن طريقه: ابن بطة في «الإبانة» ـ الرد على الجهمية ـ (3/ 181)(136) عن الحسن بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا أحمد بن علي الأسدي، عن المختار بن غسان العبدي، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: دخلتُ المسجد الحرام، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدَه، فجلستُ إليه، فقلت: يا رسول الله، أيُّما آية أُنزلتْ عليكَ أفضل؟ قال:«آية الكرسي، وما السماوات السبع في الكرسي، إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي، كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة» .

وهذا إسناد ضعيف؛ إسماعيل بن مسلم البصري ثم المكي، أبو إسحاق. ضعيف. «تقريب التهذيب» (ص 149).

وأحمد بن علي الأسدي، لم أجده. =

ص: 502

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والمختار بن غسان التمار الكوفي، قال في «التقريب» (ص 552): مقبول. أي حيث يتابع، وإلا فلين الحديث ـ كما ذكر اصطلاحه في مقدمة التقريب ـ.

وأخرج: ابن حبان في «صحيحه» (2/ 77)(361)، وأبو الشيخ في «العظمة» (2/ 648)(259)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (1/ 166)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/ 300)(862) من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني الدمشقي، عن أبيه، عن جده، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر

فذكره.

إبراهيم بن هشام، قال أبو زرعة: كذاب، وقال ابن الجنيد: ينبغي أن لا يُحدَّثَ عنه. وذكره ابن حبان في «الثقات» ، وخرج له في «صحيحه» .وضعفه أبو الطاهر المقدسي، وقال الذهبي في «الميزان» في ترجمة «يحيى بن سعيد القرشي»:(والصواب إبراهيم بن هشام أحد المتروكين الذين مشَّاهم ابن حبان، فلم يُصِبْ).

ينظر: «ميزان الاعتدال» ـ ط. الرسالة ـ (1/ 104)، و (5/ 118)، «لسان الميزان» ـ ط. أبي غدة ـ (1/ 382).

وأخرج: ابن مردويه في «تفسيره» ـ كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 680): أخبرنا سليمان بن أحمد، قال: أخبرنا عبد الله بن وهيب الغزي، قال: أخبرنا محمد بن أبي السَّرِيّ العسقلاني، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي، عن القاسم بن محمد الثقفي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده، ما السموات السبع، والأرضون السبع عند الكرسي، إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة» . =

ص: 503

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سليمان بن أحمد، هو الطبراني، وعبدالله بن وهيب، مجهول الحال، كما في «إرشاد القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني» (ص 399)، ومحمد بن المتوكل بن عبدالرحمن الهاشمي العسقلاني المعروف بابن أبي السَّرِي، قال عنه في «التقريب» (ص 534): صدوق عارف، له أوهام كثيرة.

محمد بن عبدالله التميمي، ثقة. «تقريب» (ص 520).

القاسم بن محمد، الراوي عن أبي إدريس الخولاني، قال في «التقريب» (ص 482): مجهول، وانظر:«تهذيب الكمال» (23/ 442).

وأخرج: ابن جرير في «تفسيره» (4/ 539)(5820)، وأبو الشيخ في «العظمة» (2/ 587)(220) من طريق عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، مرفوعاً.

وهذا ضعيف؛ لضعف عبدالرحمن، وانقطاعه، قال ابن كثير في «البداية والنهاية» ـ ط. هجر ـ (1/ 24):(أَوَّلُ الْحَدِيثِ مُرْسَلٌ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ مُنْقَطِعٌ).

وأخرج: أبو الشيخ في «العظمة» (2/ 569)(206)، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 168)، وابن عدي في «الكامل» (7/ 244)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/ 299)(861) من طريق يحيى بن سعيد السعدي البصري، قال: حدثنا عبدالملك بن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير الليثي، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي آية أنزلها الله عليك أعظم؟ قال:«آية الكرسي» ، ثم قال:«يا أبا ذر، ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة» . =

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وهذا إسناد ضعيف جداً، فيه يحيى بن سعيد، قال العقيلي: لايُتابَع عليه، وقال ابن حبان: يروي المقلوبات والملزقات، لايجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وقال ابن عدي: يعرف بهذا الحديث، وهو منكر من هذا الطريق. «ميزان الاعتدال» (5/ 118).

وذكر الذهبي في كتابه «العلو» (1/ 847)(278) أن الخبر منكر.

وأخرج: ابن أبي عمر في «مسنده» ـ كما في «إتحاف الخيرة المهرة» (1/ 231) من طريق أبي رافع، عن يزيد بن رومان، عمن أخبره، عن أبي ذر رضي الله عنه.

وهذا ضعيف جداً؛ لجهالة الراوي عن أبي ذر، وضعف أبي رافع وهو إسماعيل بن رافع بن عويمر. كما في «التقريب» (ص 146).

وللحديث شاهد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في «رده على المريسي» (1/ 423)، لكن في إسناده الحكم بن ظهير، وهو متروك الحديث.

ومرسل مجاهد، أخرجه: سعيد بن منصور في «سننه» ـ التفسير ـ (3/ 952)، ومن طريقه: البيهقي في «الأسماء والصفات» (2/ 301)(863) من طريق الأعمش، عن مجاهد.

تابعه ليث بن أبي سليم ـ وهو ضعيف ـ عن مجاهد. أخرجه: عبدالله بن أحمد في «السنة» (1/ 246)(456)، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في «العرش» (45)، وأبو الشيخ في «العظمة» (2/ 633)(249).

وحديث أبي ذر صحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (109) بمجموع طرقه.

والراجح أنه ضعيف، لشدة ضعف هذه الطرق، خاصةً والحديث في باب الاعتقاد. =

ص: 505

وَأَخَرَجَ «مُسْلِمٌ» عَنْ أَبِيْ ذَرٍّ، عَنِ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ عز وجل أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِيْ، إِنِّيْ حَرَّمْتُ الْظُّلْمَ عَلَى نَفْسِيْ وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِيْ، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُوْنِيْ أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِيْ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُوْنِيْ أُطْعِمْكُمْ،

يَا عِبَادِيْ كُلُّكْمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُوْنِيْ أَكْسِكُمْ، يَا عِبَادِيْ، إِنَّكُمْ تُخْطِئُوْنَ بِالْلَّيْلِ وَالْنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الْذُّنُوْبَ جَمِيْعَاً، فَاسْتَغْفِرُوْنِيْ أَغْفِرْ لَكُمْ،

يَا عِبَادِيْ، لَنْ تَبْلُغُوْا ضُرِّيْ فَتَضُرُّوْنِي، وَلَنْ (1)

تَبْلُغُوْا نَفْعِيْ فَتَنْفَعُوْنِيْ، يَا عِبَادِيْ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ عَلَى أَتْقَىَ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِيْ مُلْكِيْ شَيْئَاً، يَا عِبَادِيْ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِيْ شَيْئَاً، يَا عِبَادِيْ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوْا فِيْ صَعِيْدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوْنِيْ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا

= وانظر في «العرش» : كتاب «العرش» لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة، و «العرش» للذهبي، و «الرسالة العرشية» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله.

(1)

نهاية الورقة [34] من المخطوط ..

ص: 506

عِنْدِيْ إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِيْ، إِنَّمَا هِيْ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيْكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُوْمَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) (1).

وَأَمَّا الْبَيْتُ الْثَّانِيُّ، وَهُوَ قَوْلُهُ:

(وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ)

أَقُوْلُ: هَذَا الْبَيْتُ قَالَهُ الْبَلْبَانِيُّ (2)، مِنْ أَئِمَّةِ الْاتِّحَادِيَّةِ، إِضَافَةً إِلَى بَيْتِ ابْنِ المُعْتَزِّ الْسَّابِقِ، لِيَمْتَزِجَ الحَقُّ بِالبَاطِلِ، كَيْ يَكُوْنَ فِيْهِ إِشْكَالٌ، حَتَّى لَا يُخْلِصَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَهَذَا لَيْسَ فِيْهِ إِشْكَالٌ، وَلَا تَشْكِيْكٌ، حَتَّى يُوْضَعَ لِلامْتِحَانِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَهْلِ وَاضِعِهِ لِلْامْتِحَانِ، فَهَذَا غَايَةُ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِبَارَاتِ المُشْكِلَةِ، وَهُوَ فِي الحَقِيْقَةِ أَسْهَلُ مَا كَانَ، لَكِنَّ هَذِهِ صِفَةُ الجَاهِلِ، يَكُوْنُ الوَاضِحُ عِنْدَهُ مُشْكِلَاً، وَالْمُشْكِلُ وَاضِحَاً.

وَمَعْنَى الْبَيْتِ، يَعْنِيْ أَنَّ فِيْ كُلِّ شَيءٍ آيَةً لله، تَدُلُّ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى أَنَّهُ

(1) أخرجه: مسلم في «صحيحه» (2577).

(2)

يُنظر: «جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية» لشمس الدين الأفغاني (3/ 1356).

ص: 507

ـ أَيْ الرَّبُّ عَيْنُهُ ـ أَيْ عَيْنَ الشَّيءِ المَذْكُوْرِ، وَهِيَ المَوْجُوْدَاتُ مِنْ جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ، فَالْضَّمِيْرُ مِنْ قَوْلِهِ: عَيْنُهُ، عَائِدٌ إِلَى الشَّيءِ، فَإِذَا حَذَفْتَ الضَّمِيْرَيْنِ، فَتَقْدِيْرُ البَيْتِ: وَفِيْ كُلِّ شَئٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الخَالِقَ عَيْنُ الشَّئِ.

يَعْنِيْ أَنَّ وُجُوْدَ كُلِّ مَخْلُوْقٍ عَيْنُ وُجُوْدِ الخَالِقِ، وَهَذَا اعْتِقَادُ أَهْلِ الاتِّحَادِ، كَابْنِ عَرَبِيٍّ، وَابْنِ سَبْعِيْنَ، وَابْنِ الفَارِضِ، وَابْنِ سِيْنَا، وَالقَنَوِيِّ، وَالرُّوْمِيِّ، وَالتِّلْمِسَانِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ، مِمَّنْ قَالَ بِالْاتِّحَادِ (1).

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله فِيْ رِسَالَةٍ (2) أَرْسَلَهَا إِلَى الْشَّيْخِ أَبِيْ الْفَتْحِ نَصْرِ المِنْبَجِيِّ (3)، تَكَلَّمَ فِيْهَا عَلَى بَعْضِ أَئِمَّةِ الْاتِّحَادِيَّةِ، كَابْنِ عَرَبِيٍّ، وَالْرُّوْمِيِّ، وَالْتِّلْمِسَانِيِّ، وَابْنِ سَبْعِيْنَ، وَنَحْوِهِمْ قَالَ: (وَأَمَّا ابْنُ سَبْعِيْنَ، فَإِنَّهُ فِيْ الْبُدُوِّ وَالْإِحَاطَةِ، يَقُوْلُ أَيْضَاً بِوِحْدَةِ الْوُجُوْدِ، وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ غَيْر، وَكَذَلِكَ ابْنُ الْفَارِضِ فِيْ آخِرِ نَظْمِ الْسُّلُوْكِ، لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ، هَلْ يَقُوْلُ مِثْلَ قَوْلِ

(1) انظر: «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (2/ 81).

(2)

انظرها في: «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (2/ 452 ـ 479).

(3)

المتوفَّى سنة (719 هـ)، وهو صُوْفِيٌّ، وَمِنْ أشدِّ أَعْداء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. يُنظر:«الدرر الكامنة» لابن حجر» (1/ 157)، «جلاء العينين في محاكمة الأحمدين» للآلوسي (ص 24)، و «دعوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ عرضٌ ونقد» للشيخ د. عبدالله بن صالح الغصن (ص 72).

ص: 508

الْتِّلْمِسَانِيِّ أَوْ قَوْلِ الْرُّوْمِيِّ، أَوْ قَوْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ (1)، وَهُمْ إِلَى كَلَامِ الْتِّلْمِسَانِيِّ أَقَرَبُ، لِكَنْ مَا رَأَيْتُ فِيْهِمْ مَنْ كَفَرَ مِثْلَ هَذَا الْكُفْرِ الَّذِيْ مَا كَفَرَهُ أحَدٌ قَطُّ، مِثْلَ الْتِّلْمِسَانِيِّ، وَآخَرَ يُقَالُ لَهُ: الْبَلْبَانِيُّ، مِنْ مَشَايِخِ شَيْرَازَ، وَمِنْ شِعْرِهِ:

وَفِيْ كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ

انْتَهَى (2).

(1) ابن عربي كما في «مجموع الفتاوى» .

(2)

يحسُنُ إيرادُ تَكمِلةٍ من كلام ابن تيمية رحمه الله عن هؤلاء الاتحادية:

وأيضًا:

وَمَا أَنْتَ غَيْرَ الْكَوْنِ بَلْ أَنْتَ عَيْنُهُ

وَيَفْهَمُ هَذَا السِّرَّ مَنْ هُوَ ذَائِقُهُ

وأيضًا:

وَتَلْتَذُّ إنْ مَرَّتْ عَلَى جَسَدِي يَدِي

لِأَنِّي فِي التَّحْقِيقِ لَسْت سِوَاكُمْ

وأيضًا:

مَا بَالُ عِيسِك لَا يُقِرُّ قَرَارَهَا

وَإِلَامَ ظِلُّك لَا يَنِي مُتَنَقِّلًا

فَلَسَوْفَ تَعْلَمُ أَنَّ سَيْرَك لَمْ يَكُنْ

إلَّا إلَيْك إذَا بَلَغْت الْمَنْزِلَا

وأيضًا:

مَا الْأَمْرُ إلَّا نَسَقٌ وَاحِدٌ

مَا فِيهِ مِنْ حَمْدٍ وَلَا ذَمَّ

وَإِنَّمَا الْعَادَةُ قَدْ خَصَّصَتْ

وَالطَّبْعُ وَالشَّارِعُ فِي الْحُكْم =

ص: 509

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأيضًا:

يَا عَاذِلِي أَنْتَ تَنْهَانِي وَتَأْمُرُنِي

وَالْوَجْدُ أَصْدَقُ نهاء وَأَمَّارٍ

وأيضًا:

فَإِنْ أُطِعْك وَأَعْصِ الْوَجْدَ عُدْت

عَنْ الْعِيَانِ إلَى أَوْهَامِ أَخْبَارِ

عَمِي

فَعَيْنُ مَا أَنْتَ تَدْعُونِي إلَيْهِ إذَا

حَقَّقْته تَرَهُ الْمَنْهِيَّ يَا جَارِي

وأيضًا:

وَمَا الْبَحْرُ إلَّا الْمَوْجُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ

وَإِنْ فَرَّقَتْهُ كَثْرَةُ الْمُتَعَدِّد

إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَشْعَارِ، وَفِي النَّثْرِ مَا لَا يُحْصَى؛ وَيُوهِمُونَ الْجُهَّالَ أَنَّهُمْ مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الْهُدَى الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْأُمَّةِ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالْأَوْزَاعِي، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، والْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ، وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِي، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَبِشْرٍ الْحَافِي، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَشَقِيقٍ البلخي، وَمَنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةٌ. إلَى مِثْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِثْلُ: الْجُنَيْد بْنِ مُحَمَّدٍ القواريري، وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري، وَعُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ إلَى أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ، إلَى مِثْلِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الكيلاني، وَالشَّيْخِ عَدِيٍّ، وَالشَّيْخِ أَبِي الْبَيَانِ، وَالشَّيْخِ أَبِي مَدِينٍ، وَالشَّيْخِ عَقِيلٍ، وَالشَّيْخِ أَبِي الْوَفَاءِ، وَالشَّيْخِ رَسْلَانَ، وَالشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، وَالشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ اليونيني، وَالشَّيْخِ الْقُرَشِيِّ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَخُرَاسَانَ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين. =

ص: 510

قُلْتُ: فَإِنَّهُمْ أَخَذَوْا بِالْعَقْلِ، وَتَرَكُوْا الْنَّقْلَ، فَإِنَّهُمْ قَالَوْا: إِذَا جَازَ أَنْ تَكُوْنَ هَذِهِ الْصِّفَةُ، هِيَ الأُخْرَى، وَالْصِّفَةُ هِيَ المَوْصُوْفَ؛ جَازَ أَنْ يَكُوْنَ المَوْجُوْدُ الوَاجِبُ القَدِيْمُ الخَالِقُ، هُوَ المَوْجُوْدَ المُمْكِنَ المُحْدَثَ المَخْلُوْقَ (1) ـ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُوْلُوْنَ عُلُوَّاً (2) كَبِيْرَاً ـ، وَهَذَا الاتِّحَادُ فِيْ غَايَةِ الْتَّعْطِيْلِ لِرَبِّ الْعَالمَيِنَ (3).

= كُلُّ هَؤُلَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَكْفِيرِ هَؤُلَاءِ، وَمَنْ هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ هُوَ خَلْقَهُ وَلَا جُزْءًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا صِفَةً لِخَلْقِهِ بَلْ هُوَ سبحانه وتعالى مُتَمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ، بَائِنٌ بِذَاتِهِ الْمُعَظَّمَةِ عَنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الْكُتُبُ الْأَرْبَعَةُ الْإِلَهِيَّةُ؛ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ فَطَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ الْعُقُولُ.

وَكَثِيراً مَا كُنْت أَظُنُّ أَنَّ ظُهُورَ مِثْلِ هَؤُلَاءِ أَكْبَرُ أَسْبَابِ ظُهُورِ التَّتَارِ وَانْدِرَاسِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ مُقَدِّمَةُ الدَّجَّالِ الْأَعْوَرِ الْكَذَّابِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ وَلَكِنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ وَأَعْظَمُ

إلى آخر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ينظر: «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (2/ 472 ـ 473).

(1)

ينظر: «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (12/ 596).

(2)

نهاية الورقة [35] من المخطوط.

(3)

قال ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»

ـ ط. الصميعي ـ (5/ 3823):

[وَقَدْ تَقَسَّمَتِ الطَّوَائِفُ التَّوْحِيدَ وَسَمَّى كُلُّ طَائِفَةٍ بَاطِلَهُمْ تَوْحِيداً. =

ص: 511

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فَأَتْبَاعُ أَرِسْطُو، وَابْنِ سِينَا، وَالنَّصِيرِ الطَّوْسِيِّ، عِنْدَهُمُ التَّوْحِيدُ: إِثْبَاتُ وُجُودٍ مُجَرَّدٍ عَنِ الْمَاهِيَّةِ وَالصِّفَةِ، بَلْ هُوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ، لَا يَعْرِضُ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَاهِيَّاتِ، وَلَا يَقُومُ بِهِ وَصْفٌ، وَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَعْتٍ، بَلْ صِفَاتُهُ كُلُّهَا سُلُوبٌ وَإِضَافَاتٌ، فَتَوْحِيدُ هَؤُلَاءِ: هُوَ غَايَةُ الْإِلْحَادِ وَالْجَحْدِ وَالْكُفْرِ، وَفُرُوعُ هَذَا التَّوْحِيدِ: إِنْكَارُ ذَاتِ الرَّبِّ، وَالْقَوْلُ بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ، وَأَنَّهَا حِرْفَةٌ مِنَ الْحِرَفِ، كَالْوِلَايَةِ وَالسِّيَاسَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ عَدَدَ الْأَفْلَاكِ وَلَا الْكَوَاكِبِ، وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الْمُعَيَّنَةِ الْبَتَّةَ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَلْبِ شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ الْعَالَمِ وَلَا شَقِّ الْأَفْلَاكِ وَلَا خَرْقِهَا، وَأَنَّهُ: لَا حَلَالَ وَلَا حَرَامَ، وَلَا أَمْرَ وَلَا نَهْيَ، وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ، فَهَذَا تَوْحِيدُ هَؤُلَاءِ.

وَأَمَّا الِاتِّحَادِيَّةُ، فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْحَقَّ الْمُنَزَّهَ هُوَ عَيْنُ الْخَلْقِ الْمُشَبَّهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَحَقِيقَتُهُ وَمَاهِيَّتُهُ، وَأَنَّهُ آيَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَهُ فِيهِ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَيْنُهُ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَقِّقِيهِمْ مِنْ خَطَأِ التَّعْبِيرِ، بَلْ هُوَ نَفْسُ الْآيَةِ، وَنَفْسُ الدَّلِيلِ، وَنَفْسُ الْمُسْتَدِلِّ، وَنَفْسُ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ، فَالتَّعَدُّدُ: بِوُجُوه واعْتِبَارَاتٍ وَهْمِيَّةٍ، لَا بِالْحَقِيقَةِ وَالْوُجُودِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ عَيْنُ النَّاكِحِ، وَعَيْنُ الْمَنْكُوحِ؛ وَعَيْنُ الذَّابِحِ، وَعَيْنُ الْمَذْبُوحِ، وَعَيْنُ الْآكِلِ، وَعَيْنُ الْمَأْكُولِ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ: هُوَ السِّرُّ الَّذِي رَمَزَتْ إِلَيْهِ هَرامِسُ الدُّهُورِ الْأَوَّلِيَّةِ، وَرَامَتْ إِفَادَتَهُ الْهِدَايَةُ النَّبَوِيَّةُ، كَمَا قَالَهُ مُحَقِّقُهُمْ وَعَارِفُهُمْ ابْنُ سَبْعِينَ.

وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا التَّوْحِيدِ: أَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مُؤْمِنُونَ كَامِلُو الْإِيمَانِ، عَارِفُونَ بِاللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا عَبَدُوا عَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا غَيْرَهُ، وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنَّه لَا فَرْقَ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْخَمْرِ، وَالزِّنَا وَالنِّكَاحِ، الْكُلُّ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ هُوَ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ، وَإِنَّمَا الْمَحْجُوبُونَ عَنْ هَذَا السِّرِّ قَالُوا: هَذَا حَرَامٌ وَهَذَا حَلَالٌ، نَعَمْ هُوَ حَرَامٌ =

ص: 512

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ فِي حِجَابٍ عَنْ حَقِيقَةِ هَذَا التَّوْحِيدِ، وَمِنْ فُرُوعِهِ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ ضَيَّقُوا الطَّرِيقَ عَلَى النَّاسِ، وَبَعَّدُوا عَلَيْهِمُ الْمَقْصُودَ، وَالْأَمْرُ وَرَاءَ مَا جَاءُوا بِهِ، وَدَعَوْا إِلَيْهِ.

وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ، فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: إِنْكَارُ عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ بِذَاتِهِ، وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَإِنْكَارُ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَقَوَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، وَكَلَامِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَمَحَبَّةِ الْعِبَادِ لَهُ، فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي إِنْكَارِ التَّوْحِيدِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ.

وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ، فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: هُوَ إِنْكَارُ قَدَرَ اللَّهِ، وَعُمُومِ مَشِيئَتِهِ لِلْكَائِنَاتِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَمُتَأَخِّرُوهُمْ ضَمُّوا إِلَى ذَلِكَ: تَوْحِيدَ الْجَهْمِيَّةِ، فَصَارَ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ عِنْدَهُمْ: إِنْكَارَ الْقَدَرِ، وَإِنْكَارَ حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى، وَرُبَّمَا سَمَّوْا إِنْكَارَ الْقَدَرِ، وَالْكُفْرَ بِقَضَاءِ الرَّبِّ وَقَدَرِهِ: عَدْلًا، وَقَالُوا: نَحْنُ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ.

وَأَمَّا الْجَبْرِيَّةُ، فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: هُوَ تَفَرُّدُ الرَّبِّ تَعَالَى بِالْخَلْقِ وَالْفِعْلِ، وَأَنَّ الْعِبَادَ غَيْرُ فَاعِلِينَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا مُحْدِثِينَ لِأَفْعَالِهِمْ، وَلَا قَادِرِينَ عَلَيْهَا، وَأَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَمْ يَفْعَلْ لِحِكْمَةٍ، وَلَا غَايَةٍ تُطْلَبُ بِالْفِعْلِ، وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ قُوًى وَطَبَائِعُ وَغَرَائِزُ وَأَسْبَابٌ، بَلْ مَا ثَمَّ إِلَّا مَشِيئَةٌ مَحْضَةٌ تُرَجِّحُ مَثَلًا عَلَى مَثَلٍ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ وَلَا حِكْمَةٍ وَلَا سَبَبٍ الْبَتَّةَ.

وَأَمَّا صَاحِبُ الْمنَازِلِ ـ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ ـ فَالتَّوْحِيدُ عِنْدَهُمْ: نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مُمْكِنٍ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْعَبْدِ رَبَّهُ، فَعِنْدَهُمْ:

مَا وَحَّدَ الْوَاحِدُ مِنْ وَاحِدٍ

إِذْ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ

وَالثَّانِي: تَوْحِيدٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الرَّبِّ نَفْسَهُ، وَكُلُّ مَنْ يَنْعَتُهُ سِوَاهُ فَهُوَ مُلْحِدٌ، فَهَذَا تَوْحِيدُ الطَّوَائِفِ، وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ؟ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ: وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ رُسُلُ اللَّهِ، وَنَزَلَتْ بِهِ كُتُبُهُ: فَوَرَاءَ ذَلِكَ كُلِّهُ، وَهُوَ نَوْعَانِ: تَوْحِيدٌ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْإِثْبَاتِ، وَتَوْحِيدٌ فِي الْطَّلَبِ وَالْقَصْدِ. =

ص: 513

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فَالْأَوَّلُ: هُوَ إثباتُ حَقِيقَةِ ذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَأَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَعُلُوِّهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَتَكَلُّمِهِ بِكُتُبِهِ، وَتَكْلِيمِهِ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِثْبَاتِ عُمُومِ قَضَائِهِ، وَقَدَرِهِ، وَحِكْمَتِهِ، وَقَدْ أَفْصَحَ الْقُرْآنُ عَنْ هَذَا النَّوْعِ كُلَّ الْإِفْصَاحِ.

كَمَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَدِيدِ، وَسُورَةِ طَهَ، وَآخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَأَوَّلِ سُورَةِ «تَنْزِيلُ» السَّجْدَةِ، وَأَوَّلِ سُورَةِ آلَ عِمْرَانَ، وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ بِكَمَالِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

النَّوْعُ الثَّانِي: مِثْلُ مَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ «قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ» وَقَوْلِهِ: «قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ .... الْآيَةَ» [آل عمران: 64] وَأَوَّلِ سُورَةِ «تَنْزِيلُ الْكِتَابِ» وَآخِرِهَا، وَأَوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ وَوَسَطِهَا وَآخِرِهَا، وَأَوَّلِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَآخِرِهَا، وَجُمْلَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَالِبِ سُوَرِ الْقُرْآنِ، بَلْ كُلُّ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِنَوْعَيِ التَّوْحِيدِ. بَلْ نَقُولُ قَوْلًا كُلِّيًّا: إِنَّ كُلَّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّوْحِيدِ، شَاهِدَةٌ بِهِ، دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ: إِمَّا خَبَرٌ عَنِ اللَّهِ، وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَهُوَ التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ الْخَبَرِيُّ، وَإِمَّا دَعْوَةٌ إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَخَلْعُ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ، فَهُوَ التَّوْحِيدُ الْإِرَادِيُّ الطَّلَبِيُّ، وَإِمَّا أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَإِلْزَامٌ بِطَاعَتِهِ فِي نَهْيِهِ وَأَمْرِهِ، فَهِيَ حُقُوقُ التَّوْحِيدِ وَمُكَمِّلَاتُهُ، وَإِمَّا خَبَرٌ عَنْ إكَرَامِهِ لِأَهْلِ تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، وَمَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَمَا يُكْرِمُهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَهُوَ جَزَاءُ تَوْحِيدِهِ وَإِمَّا خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَمَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّكَالِ، وَمَا يَحِلُّ بِهِمْ فِي الْعُقْبَى مِنَ الْعَذَابِ، فَهُوَ جزاء مَنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ التَّوْحِيدِ .... ]. إلى آخر كلام ابن القيم رحمه الله. =

ص: 514

قَالَ الجُرْجَانِيُّ فِي «الْتَّعْرِيْفَاتِ» : (وَالْاتِّحَادُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:

الْنَّوْعُ الْأَوَّلُ: هُوَ تَصْيِيْرُ الْذَّاتَيْنِ ذَاتَاً وَاحِدَةً، وَلَا يَكُوْنُ إِلَّا فِيْ الْعَدَدِ، مِنَ الْاثْنَيْنِ فَصَاعِدَاً.

وَالْثَّانِيُّ: الْاتِّحَادُ فِيْ الْجِنْسِ، يُسَمَّى مُجَانَسَةً، وَفِيْ الْنَّوْعِ مُمَاثَلَةً، وَفِيْ الخَاصَّةِ مُشَاكَلَةً، وَفِيْ الْكَيْفِ مُشَابَهَةً، وَفِيْ الْكَمِّ مُسَاوَاةً، وَفِيْ الْأَطْرَافِ مُطَابَقَةً، وَفِيْ الْإِضَافَةِ مُنَاسَبَةً، وَفِيْ وَضْعِ الْأَجْزَاءِ مُوَازَنَةً.

الْنَّوْعُ الْثَّالِثُ: وَهُوَ شُهُوْدُ الْوُجُوْدِ، الحَقِّ الْوَاحِدِ المُطْلَقِ، الَّذِيْ لِكُلِّ مَوْجُوْدٍ بِالحَقِّ، فَيَتَّحِدُ بِهِ الْكُلُّ، مِنْ حَيْثُ كَوْنِ كُلِّ شَيْءٍ مَوْجُوْدَاً بِهِ، مَعْدُوْمَاً بِنَفْسِهِ، لَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ لَهُ وُجُوْدَاً خَاصَّاً اتَّحَدَ بِهِ «فَإِنَّهُ مُحَالٌ» (1).

وَقِيْلَ: الْاتِّحَادُ: امْتِزَاجُ الْشَّيْئَيْنِ، وَاخْتِلَاطُهُمَا حَتَّى يَصِيْرَ الْأَشْيَاءُ وَاحِدَ الْاتِّصَالِ، نِهَايَاتِ الْاتِّحَادِ.

وَقِيْلَ: الْاتِّحَادُ هُوَ: الْقَوْلُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَفِكْرٍ). انْتَهَى (2).

= وانظر: «حقيقة التوحيد بين أهل السنة والمتكلمين» د. عبدالرحيم بن صمايل السلمي، رسالة ماجستير من أم القرى، طُبِعت في مجلد (576 صفحة)، في دار المعلمة في الرياض.

(1)

زيادة من «التعريفات» .

(2)

«التعريفات» للجرجاني (ص 22).

ص: 515

قُلْتُ: وَقَدْ شَارَكَهُمْ فِيْ كُفْرِهِمْ، الحُلُوْلِيَّةُ الَّذِيْنَ قَالُوْا بِالحُلُوْلِ، إِنَّ الخَالِقَ حَالٌّ فِيْ المَخْلُوْقِ ـ تَعَالَى اللهُ عَمَّا قَالُوْا عُلُوَّاً كَبِيْرَاً ـ.

وَقَالَ أَيْضَاً: (الحُلُوْلُ نَوْعَانِ: سِرْيَانِيُّ، وَجوَارِيُّ.

أَمَّا الْسِّرْيَانِيُّ: فَهُوَ عِبَارَةُ اتِّحَادِ الجِسْمَيْنِ، بِحَيْثُ تَكُوْنُ الإِشَارَةُ إِلَى أَحَدِهِمَا، إِشَارَةٌ إِلَى الْآخَرِ، كَحُلُوْلِ مَاءِ الْوَرْدِ فِيْ الْوَرْدِ، فَيُسَمَّى الْسَّارِيُّ حَالَّاً، وَالمَسْرِيُّ فِيْهِ مَحَلَّاً.

وَالْحُلُوْلُ الجَوَارِيُّ: عِبَارَةٌ عَنْ أَحَدِ الجِسْمَيْنِ ظَرْفَاً لِلْآخَرِ، كَحُلُوْلِ المَاءَ فِيْ الْكُوْزِ). انْتَهَى (1).

وَقَالَ المُلْحِدُ ابْنُ عَرَبِيٍّ (2) فِيْ تَعِرِيْفِ الحَقِيْقَةِ: هِيَ سَلْبُ آثَارِ أَوْصَافِكَ عَنْكَ، بِأَوْصَافِهِ، بِأَنَّهُ الْفَاعِلُ بِكَ، فِيْكَ، مِنْكَ، لَا أَنْتَ، مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا (3).

(1)«التعريفات» (ص 125).

(2)

أُفرِدَتْ في ترجمتِه ومَذهَبِهِ رَسائلُ كَثِيرةٌ جِدَّاً، أَوْعَبُهَا:«ابن عربي ـ عقيدته، وموقف علماء المسلمين منه، من القرن السادس إلى القرن الثالث عشر ـ» للشيخ د. دغش بن شبيب العجمي، مجلدٌ في (927 صفحة)، طبع في مكتبة أهل الأثر في الكويت 1432 هـ.

(3)

يُنظر: «التعريفات» (ص 290).

ص: 516

وَقَالُوْا: إِنَّ كَلَامَ الخَالِقِ هُوَ عَيْنُ كَلَامِ الَمخْلُوْقِ، وَأَنَّ ذَاتَهُ لَيْسَتْ مُبَايِنَةً عَنْ ذَوَاتِ المَخْلُوْقَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَمْ يَرْفَعُوْا أَبْصَارَهُمْ بِالْدُّعَاءِ إِلَى الْسَّمَاءِ، بَلْ يَخْفِضُوْنَ رُؤُوْسَهُمْ إِلَى صُدُوْرِهِمْ، فَيَدْعُوْنَ، وَلَا يُشِيْرُوْنَ بِالْسَّبَّابَةِ إِلَى الْسَّمَاءِ؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ اللهَ فِيْهِمْ، وَفِيْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ المَخْلُوْقَاتِ ـ تَعَالَى اللهُ عَمَّا قَالُوْا عُلُوَّاً كَبِيْرَاً ـ.

وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَا قَالَ فِيْ الْرَّدِّ عَلَيْهِم ابْنُ القَيِّمِ فِيْ «نُوْنِيَّتِهِ» ، قَالَ:

وَأَتَتْ طَوَائِفُ الْاتِّحَادِ بِمِلَّةٍ

طَمَّتْ عَلَى مَا قَالَ كُلُّ لِسَان

قَالُوْا كَلَامُ الله كُلُّ كَلَامٍ هَذَا

الخَلْقِ مِنْ جِنٍّ وَمِنْ إِنْسَان

نَظْمَاً وَنَثْرَاً زُوْرُهُ وَصَحِيحُهُ

صِدْقَاً وَكَذِبَاً وَاضِحَ الْبُطْلَان

فَالْسَّبُّ وَالْشَّتْمُ الْقَبِيْحُ وَقَذْفُهُمُ

لِلْمُحْصَنَاتِ وَكُلُّ نَوْعِ أَغَان

وَالْنَّوْحُ وَالْتَّعْزِيْمُ وَالْسِّحْرُ المُبِيْنُ

وَسَائِرُ الْبُهْتَانِ وَالهَذَيَان

هُوَ عَينُ قَوْلِ الله جل جلاله

وَكَلَامُهُ حَقَّاً بِلَا نُكْرَانِ (1)(2)

وَقَالَ فِيْ مَوْضِعٍ آخَرَ:

(1) نهاية الورقة [36] من المخطوط.

(2)

«الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» المشهورة ب «النونية» لابن القيم ـ ط. دار ابن خزيمة ـ (ص 85) البيت رقم (815 - 819)، ـ ط. عالم الفوائد ـ (2/ 248).

ص: 517

فَاسْأَلْ بِهِمْ ذَا خِبْرَةٍ تَلْقَاهُمُ

أَعْدَاءُ كُلِّ مُوَحِّدٍ رَبَّان

وَاسْأَلْ بِهِمْ ذَا خِبْرَةٍ تَلْقَاهُمُ

أَعْدَاءُ رُسُلِ الله وَالْقُرْآن

صُوْفِيُّهُمْ عَبْدُ الْوُجُودِ المُطْلَقِ المَعْـ

ـدُوْمِ عِنْدَ الْعَقْلِ فِيْ الْأَعْيَان

أوْ مُلْحِدٌ بِالْاتِّحَادِ يَدِيْنُ لَا لِلتَّوْ

حِيْدِ مُنْسَلِخٌ مِنَ الْأَديَان

مَعْبُوْدُهُ مَوْطُوءُهُ فِيْهِ يَرَى

وَصْفَ الجَمَالِ وَمَظهَرَ الْإِحْسَانِ (1)

وَرَدَّ عَلَيْهِمُ المُحَقِّقُوْنَ رُدُوْدَاً لَا تُحْصَرْ، وَأَبْطَلُوْا مَذْهَبَهُمْ، وَأَثْبَتُوْا عُلُوَّ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ عَنْ مَخْلُوْقَاتِهِ بِذَاتِهِ، لَيْسَ فِي مَخْلُوْقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا فِيْ ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوْقَاتِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ سَلَفِ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهِا.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ـ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ـ فِيْ بَعْضِ رَسَائِلِهِ: (وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَائِنٌ عَنْ مَخْلُوقَاتِه بِذَاتِهِ، وَصِفَاتِهَ، لَيْسَ فِيْ مَخْلُوْقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا فِيْ ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوْقَاتِهِ، وَأَنَّ أَقْوَالَ أَهْلِ الْتَّعْطِيْلِ وَالْاتِّحَادِ الَّذِيْنَ عَطَّلُوْا الْذَّاتَ وَالْصِّفَاتَ وَالْكَلَامَ وَالْأفْعَالَ؛ بَاطِلَةٌ، وَأقْوَالَ أهْلِ الحُلُوْلِ الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ الحَلُولَ فِيْ الْذَّاتِ وَالْصِّفَاتِ، بَاطِلَةٌ.

وَالصَّوَابُ فِيْ هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ، مَذْهَبُ سَلَفِ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، أَنَّهُ

(1)«الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» (النونية) لابن القيم (ص 84) البيت رقم (804 ــ 808) ـ ط. عالم الفوائد ـ (2/ 245).

ص: 518

سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمَاً إذَا شَاءَ، وَأنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيْئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّ كَلِمَاتِهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَهُوَ بَائِنٌ «مِنْ» (1) مَخْلُوْقَاتِهِ). انْتَهَى. (2)

قُلْتُ: وَكَلَامُهُ حَقٌّ، وَيَشْهَدْ لَهُ الْقُرْآنُ، وَالْأَحَادِيْثُ الْنَّبَوِيَّةُ، وَكَلَامُ أَئِمَّتِهَا، كَمَا سَيَأَتِي ـ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى ـ بِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَيْفَ شَاءَ، مِنْ غَيْرِ تَمْثِيْلٍ، وَلَا تَشْبِيْهٍ، وَلَا تَكْيِيِفٍ (3)، كَمَا يَلِيْقُ بِجَلَالِهِ، بَائِنٌ عَنْ

(1) سقطت من المخطوطة.

(2)

النقل فيه تقديم وتأخير، والنص كما يلي من «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (12/ 598): [

وَالصَّوَابُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّ كَلِمَاتِهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَأَنَّهُ نَادَى مُوسَى بِصَوْتِ سَمِعَهُ مُوسَى، وَإِنَّمَا نَادَاهُ حِينَ أَتَى؛ لَمْ يُنَادِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ صَوْتَ الرَّبِّ لَا يُمَاثِلُ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ، كَمَا أَنَّ عِلْمَهُ لَا يُمَاثِلُ عِلْمَهُمْ؛ وَقُدْرَتَهُ لَا تُمَاثِلُ قُدْرَتَهُمْ؛ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَائِنٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ، وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَإِنَّ أَقْوَالَ أَهْلِ التَّعْطِيلِ وَالِاتِّحَادِ الَّذِينَ عَطَّلُوا الذَّاتَ أَوْ الصِّفَاتِ أَوْ الْكَلَامَ أَوْ الْأَفْعَالَ؛ بَاطِلَةٌ، وَأَقْوَالُ أَهْلِ الْحُلُولِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ فِي الذَّاتِ أَوْ الصِّفَاتِ؛ بَاطِلَةٌ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ بَسَطْنَاهَا فِي الْوَاجِبِ الْكَبِيرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ].

(3)

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله كما في «مجموع فتاويه» (5/ 16): (الفرق بين التمثيل والتكييف: أن التمثيل ذِكْرُ كيفية الصفة مقيَّدة بمُمَاثِلٍ، والتكييف ذِكْرُ كيفية الصفة غير مقيَّدَةٍ بمُمَاثِلٍ.

مثال التمثيل: أن يقول قائلٌ: يد الله كيد الإنسان، ومثال التكييف: أن يتخيَّل لِيَدِ اللهِ كيفيةً مُعَيَّنةً لامثيل لها في أيدي المخلوقين، فلا يجوز هذا التخيُّل).

وقال في (5/ 22): والفرق بين التمثيل والتشبيه: أن التمثيل يقتضي المساواة من كل وجْهٍ، بخلافِ التشبيه).

ص: 519

مَخْلُوْقَاتِهِ، وَعِلْمُهُ مُحْيِطٌ بِالْكُلِّ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَيْسَ فِيْ مَخْلُوْقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا مِنْ صِفَاتِهِ سبحانه وتعالى.

أمَّا الْقُرْآنُ فَقُوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (1).

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِيْ وَصْفِ كِتَابِهِ الْعَزِيْزِ: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} (2).

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} (3).

(1) سورة الأعراف، آية (54).

(2)

سورة طه، آية (4 ـ 5).

(3)

سورة الفرقان، آية (59).

ص: 520

وَقَالَ تَعَالَى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} (1).

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْدَّالَّةِ عَلَى عُلُوِّ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ عَلَى عَرْشِهِ، فَالْاسْتِوَاءُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ الإِمَامُ، وَأَهْلُ الحَدِيْثِ كَافَّةٌ: مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ

مَجْهُوْلٌ، وَالْسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ (2)(3).

(1) سورة السجدة، آية (5).

(2)

نهاية الورقة [37] من المخطوط.

(3)

صحيح.

أخرجه: الدارمي في «الرد على الجهمية» (104)، واللالكائي في «شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة» (3/ 441)(664)، والصابوني في «عقيد أهل الحديث» (ص 180 ـ 181)، وأبو نعيم في «الحلية» (6/ 325)، ومن طريقه:[الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (8/ 95، 100)]، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/ 305)(867)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (7/ 151). بإسناد جيد كما قال ابن حجر في «الفتح» (13/ 406)، وصححه الذهبي في «العلو» (2/ 952)(344).

وثبت هذا القول أيضاً عن ربيعة الرأي، وهو شيخ الإمام مالك، أخرجه: اللالكائي في «شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة» (3/ 441)(665)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/ 305)(868)، وابن قدامة في «إثبات العلو» (90)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتوى الحموية» ـ ط. المنهاج ـ (ص 290): (وروى الخلال بإسناد كلهم ثقات عن سفيان بن عيينة قال: سئل ربيعة الرأي

فذكره.

وقد روي مثله عن أم سلمة رضي الله عنها أخرجه: اللالكائي في «شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة» (3/ 440)(663)، والصابوني في «عقيد أهل الحديث» (ص 178)، لكنه ضعيف، لايثبت عنها. وانظر:«مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (5/ 365).

ص: 521

وَأَمَّا الْأَحَادِيْثُ فَمِنْهَا: حَدِيْثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ الْسُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ لِيْ غَنَمٌ بَيْنَ أُحُدٍ وَالجَوَّانِيَةِ، فِيْهَا جَارِيَةٌ لِيْ، فَأَطْلَعْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا الْذِّئِبُ قَدْ ذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِيْ آدَمَ، فَآسَفْتُ، فَصَكَكْتُهَا، فَأَتَيْتُ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ الله، أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ:«ادْعُهَا» ، فَدَعَوْتُهَا، فَقَالَ لَهَا:«أَيْنَ اللهُ؟ » ، قَالَتْ: فِيْ الْسَّمَاءِ، قَالَ:«مَنْ أَنَا؟ » ، فَقَالَتْ: أَنْتَ رَسُوْلُ الله، قَالَ:«أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» .

هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، رَوَاهُ جمَاعَةٌ مِنَ الْثِّقَاتِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِيْ كَثِيْرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِيْ مَيْمُوْنَةَ (1)، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ السُّلَمِيِّ.

أَخْرَجَهُ «مُسْلِمٌ» ، وَ «أَبُوْ دَاوُدَ» ، وَ «الْنَّسَائِيُّ» ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ

(1) في المخطوطة «ميمون» ، والتصحيح من مصادر التخريج، وكتاب «العلو» .

ص: 522

فِيْ تَصَانِيْفِهِمْ (1). قَالَهُ الْإِمَامُ الْذَّهَبِيُّ (2) فِيْ كِتَابِهِ «الْعُلُوِّ» (3).

(1) أخرجه: مسلم في «صحيحه» (537)، وأبو داود في «سننه» (930)(3282)، والنسائي في «سننه» (1218).

(2)

هو الشيخ الإمام المحدث المقرئ المؤرخ: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني ثم الدمشقي، أبو عبدالله الذهبي. ولد في دمشق، سنة (673 هـ). من شيوخه: ابن تيمية، والبرزالي، والمزي. من تلاميذه: العلائي، وابن كثير، وعبدالوهاب السبكي.

من مؤلفاته: «تاريخ الإسلام» ، «سير أعلام النبلاء» ، «الكبائر» ، «العلو» ، «العرش» ، «ميزان الاعتدال».قال عنه ابن ناصر الدين الدمشقي:(الشيخ الإمام الحافظ الهمام، مفيد الشام، ومؤرخ الإسلام، له دراية بمذاهب الأئمة وأرباب المقالات، قائماً بين الخلف بنشر السنة ومذهب السلف). وقال ابن كثير: (الشيخ الحافظ الكبير

وقد خُتِمَ به شيوخ الحديث وحفَّاظه). توفي رحمه الله في دمشق بتاريخ (3/ 11/748 هـ).

ينظر في ترجمته: [«طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (9/ 100)، «البداية النهاية» لابن كثير (14/ 225)، الوافي بالوفيات» للصفدي (2/ 164)، «الرد الوافر» لابن ناصر الدين (ص 65)، «الدرر الكامنة» لابن حجر (3/ 336)، «شذرات الذهب» لابن العماد (1/ 61)، «البد رالطالع» للشوكاني ـ ط. الفكر ـ (ص 626) (411)، «الذهبي وكتابه تاريخ الإسلام» د. بشار معروف عواد، «مقدمة تحقيق د. عبدالله بن صالح البراك لكتاب العلو» (1/ 40 ـ 103)].

(3)

«العلو للعلي العظيم وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها» للذهبي ـ ط. دار الوطن ـ (1/ 249) حديث رقم (2). =

ص: 523

وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ «مُسْلِمٌ» مِنْ حَدِيْثِ جَابِرٍ، قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِيْ خُطْبَةِ عَرَفَةَ: (أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، يَرْفَعُ أَصَابِعَهُ إِلَى الْسَّمَاءِ، وَيَنْكُبُهَا (1) إِلَيْهِمْ، وَيَقُوْلُ: الْلَّهُمَّ اشْهَدْ) (2).

وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَ «أَبُوْ دَاوُدَ» ، وَ «الْتِّرْمِذِيُّ» وَصَحَّحَهُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْرَّاحِمُوْنَ يَرْحَمُهُمُ

الْرَّحْمَنُ، ارْحَمُوْا مَنْ فِيْ الْأَرْضِ؛ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِيْ الْسَّمَاءِ) (3).

= من هنا بدأ المؤلف في النقل باختصار وانتقاء من كتاب «العلو» ، وينتهي النقل في (ص 544)

(1)

كذا في كتاب «العلو» ، وذكرها في «النهاية» ، قال ابن الأثير في «النهاية في غريب الحديث والأثر» (5/ 112):(أي يُمِيلُها إليهم، يُرِيدُ بِذَلك أن يُشْهِدَ اللَّه عليهمْ. يُقَالُ: نَكَبْتُ الإناءَ نَكْبَاً ونَكَّبْتُه تَنْكِيبَاً: إذا أمَالَهُ وَكَبَّهُ). وفي نسخ «صحيح مسلم» (وينكتها).

(2)

أخرجه: مسلم في «صحيحه» (1218).

(3)

أخرجه: ابن المبارك في «مسنده» (1/ 165)(270)، وابن وهب في «الجامع» (1/ 22)(146)، والحميدي في «مسنده» (1/ 503)(602)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (13/ 50)(25864)، وأحمد بن حنبل في «مسنده» (11/ 33)(6494)، والحسين المروزي في «البر والصلة» (ص 67)(128)، والبخاري في «التاريخ الكبير» ـ الكنى ـ (ص 64)(574)، وأبو داود في «سننه» ـ ط. الرسالة ـ (7/ 297)(4941)، والترمذي في «جامعه» ـ ط. الرسالة ـ (4/ 50)(2037) وفي ترقيم عبدالباقي =

ص: 524

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (1924)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص 48)(69)، وابن أبي الدنيا في «العيال» (1/ 426)(257)، وابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» ـ الجزء المفقود ـ (ص 136)(188)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص 566)، والطبراني في «المعجم الكبير» (13/ 456)(14317)، وفي «المعجم الأوسط» (9/ 23)(9013)، والحاكم في «المستدرك» (4/ 157)(7274)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (9/ 14)، وفي «شعب الإيمان» (13/ 401)(10537)، وفي «الأسماء والصفات» (2/ 429)(853)، وفي «الآداب» (ص 33)(28)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (4/ 423)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (29/ 11)، وابن قدامة في «إثبات العلو» (ص 66)(1)، والمزي في «تهذيب الكمال» (34/ 191)، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (17/ 656) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي قابوس مولى عبدالله بن عمرو، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الترمذي: (حسن صحيح). وصححه: الحاكم، والعراقي، والذهبي كما في «معجم الشيوخ» (1/ 23)، والألباني في «الصحيحة» (2/ 594)(925).

ـ

أبو قابوس، مولى عبدالله بن عمرو، لم يرو عنه إلا عمرو بن دينار، ذكره ابن حبان في «الثقات» ، وقد صحح حديثَه الترمذي، والحاكم. قال الذهبي في «الميزان»:(لايُعرف، تفرد عنه عمرو بن دينار، وقد صحح خبره الترمذي). وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» : مقبول. أي حيث يتابع، وإلا ليِّن الحديث، كما ذكر اصطلاحه في المقدمة.

وقد توبع كما ذكره ابن ناصر الدين الدمشقي في «مجالس في قوله تعالى: لقد منَّ الله على المؤمنين .. » لابن ناصر الدين الدمشقي (ص 37 ـ 38). =

ص: 525

وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَ «الْبُخَارِيُّ» مِنْ حَدِيْثِ عِيْسَى بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ، وَثَابِتٍ أَيْضَاً عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَفْخَرُ (1) عَلَى أَزْوَاجِ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقَوْلُ: زَوَّجَكُنَّ أَهْلِيْكُنَّ، وَزَوَّجَنِيْ اللهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتْ.

وَلَفْظُ عِيْسَى: كَانَتْ تَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ أَنْكَحَنِيْ فِيْ الْسَّمَاءِ.

= ينظر: [«التاريخ الكبير» ـ الكنى ـ للبخاري (ص 64)، «الثقات» لابن حبان (5/ 588)، «تهذيب الكمال» (34/ 191)، «ميزان الاعتدال» للذهبي ـ ط. الرسالة ـ (5/ 278)، «تهذيب التهذيب» (12/ 203)، «تقريب التهذيب» (ص 689)].

وهذا الحديث معروف ب «الحديث المسلسل بالأولية» كل راوٍ يقول: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه.

وهو مسلسل إلى ابن عيينة.

ينظر: «مجالس في قوله تعالى: لقد منَّ الله على المؤمنين .. » لابن ناصر الدين الدمشقي (ص 33)، و «ملء العَيبة» لابن رشيد الفهري (ص 132)، و «البلدانيات» للسخاوي (ص 47)، و «الجواهر المكللة في الأخبار المسلسلة» للسخاوي ـ ط. دار الفتح ـ (ص 58).

(1)

في المخطوطة «تفتخر» ، والتصحيح من «العلو» ـ وهو المصدر الذي نقل منه المؤلف، ومن «البخاري» أيضاً.

ص: 526

وَفِي لَفظٍ: أنَّها قَالَتْ لْلْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: زَوَّجَنِيْكَ الْرَّحْمَنُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ. (1)

وَمِنْهَا: حَدِيْثُ أَبِيْ سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا تَأَمَنُوْنِيْ، وَأَنَا أَمِيْنُ مَنْ فِيْ الْسَّمَاءِ، يَأَتِيْنِيْ خَبَرُ الْسَّمَاءِ صَبَاحَاً وَمَسَاءً).

مُتَّفَقٌ عليه مِنْ حَدِيْثِ عِمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ عَبْدِ الْرَّحْمَنِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْهُ، مُطَوَّلَاً. (2)

وَمِنْهَا: حَدِيْثُ أَبِيْ هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم: (لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيْمُ عليه السلام فِيْ الْنَّارِ، قَالَ: الْلَّهُمَّ إنَّكَ وَاحِدٌ فِيْ الْسَّمَاءِ، وَأَنَا فِيْ الْأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ)(3).

قَالَ الْإمَامُ الْذَّهَبِيُّ: هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ (4)، روَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ إِسْحَاقَ (5).

(1) أخرجه: البخاري في «صحيحه» (7420)(7421)، وانظر «العلو» للذهبي (1/ 284، 422)(17)(68).

(2)

أخرجه: البخاري في «صحيحه» (3344)(7432)، ومسلم في «صحيحه» (1064).

(3)

في المخطوطة «عبدك» ، والتصحيح من «العلو» ، ومصادر التخريج.

(4)

في كتاب «العلو» (1/ 290) قال: هذا حديث حسن الإسناد.

(5)

ضعيفٌ. =

ص: 527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أخرجه: الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص 43)(75)، وفي «نقضه على المريسي» (ص 490)، وأبو يعلى في «مسنده» ـ كما في «تفسير ابن كثير» (5/ 351) ـ، والبزار في «البحرالزخار» (16/ 19)(9047)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (1/ 19)، ومن طريقه:[ابن قدامة في «إثبات العلو» (ص 93)، والذهبي في «ميزان الاعتدال» (4/ 294)]، والخطيب في «تاريخ بغداد» (12/ 62) من طريق أبي هاشم محمد بن يزيد الرفاعي، قال: حدثنا إسحاق بن سليمان، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه

الحديث.

قال الذهبي في «العلو» : رواه جماعةٌ عن إسحاق.

لم أجد الروايات المتابِعَة لأبي هشام في الرواية عن إسحاق ـ والله أعلم ـ.

ـ محمد يزيد بن محمد بن كثير العجلي، أبو هشام الرفاعي الكوفي قاضي بغداد.

روى عنه: مسلم، والترمذي، وابن ماجه (وأخرجوا له)، وبقي بن مخلد، وأبو بكر بن أبي خيثمة.

وثَّقه: الدارقطني في رواية، والبرقاني وقال: أمرني الدارقطني أن أخرج حديثه في الصحيح. وذكره ابن حبان في «الثقات» وقال: كان يخطئ، ويخالف.

توسط فيه جماعة: قال ابن معين في رواية: ما أرى به بأساً، وقال العجلي ومسلمة: لابأس به.

ضعفه جماعة: قال البخاري: رأيتهم مجتمعين على ضعفه، وقال مرة: يتكلمون فيه. وصرح بضعفه كما في رواية الترمذي عنه، وضعفه أيضاً: النسائي، وقال ابن نمير: =

ص: 528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= كان أضعفنا طلباً وأكثرنا غرائب. وقال أبو حاتم: ضعيف يتكلمون فيه، هو مثل مسروق بن المرزبان. [قال في «التقريب» عن مسروق هذا: صدوق له أوهام].

قال الدارقطني: تكلم فيه أهل بلده. قال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وكذَّبه عثمان بن أبي شيبه، واتهمه بسرقة الحديث.

قال الذهبي في «من تكلم فيه وهو ثقة أو صالح الحديث» : روى عنه مسلم، وله مناكير جمَّة.

وأورده في «الميزان» ورمز له بالصحة.

قال ابن حجر في «التقريب» : (ليس بالقوي

وذكره ابن عدي في شيوخ البخاري، وجزم الخطيب بأن البخاري روى عنه، لكن قد قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه .. ).

والراجح أنه ضعيف، خاصة مع قول البخاري:(مجمعين على ضعفه)، وأهل بلده أدرى به، وهم يتكلمون فيه.

ينظر: [«تاريخ ابن معين رواية ابن محرز» (344)، «التاريخ الصغير» للبخاري (2/ 357)، «الضعفاء» للنسائي (551)، «الثقات» لابن حبان (9/ 109)، «تاريخ بغداد» ـ ط. الغرب ـ (4/ 595)، «تهذيب الكمال» (27/ 24)، «ميزان الاعتدال» ـ ط. الرسالة ـ (4/ 294)، «من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث» (ص 477) (323)، «تقريب التهذيب» (ص 543)]

ـ

إسحاق بن سليمان الرازي، أبو يحيى الكوفي. ثقة. «تقريب التهذيب» (ص 141). =

ص: 529

وَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَ «مُسْلِمٌ» مِنْ طَرِيْقِ ابْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُوْلَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِيْ بِيَدِهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُوْ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَتَأَبَى عَلَيْهِ؛ إِلَّا كَانَ الَّذِيْ

= ـ

عيسى بن أبي عيسى واسمه عبدالله، بن ماهان، أبو جعفر الرازي التميمي مولاهم، مشهور بكنيته. صدوق، سئ الحفظ، خصوصاً عن مغيرة. «تقريب التهذيب» (ص 657).

ـ

عاصم بن بَهْدَلة، وهوابن أبي النَّجود الأسدي مولاهم، الكوفي المقرئ. صدوق له أوهام، حُجَّةٌ في القراءة، وحديثه في الصحيحين مَقرونٌ. «تقريب التهذيب» (ص 321).

ـ

ذكوان أبو صالح السمَّان الزيات المدني، ثقة ثبت، وكان يجلب الزيت إلى الكوفة. «تقريب التهذيب» (ص 238).

قال البزار عقب الحديث: (وَهَذَا الحديثُ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ إلا أبو جعفر، ولا عن أبي جعفر إلا إسحاق، ولم نسمعه إلا من أبي هشام).

قال الذهبي في «الميزان» عقب الحديث: غريب جداً.

وقال في كتاب «العلو» (1/ 290)(21): هذا حديث حسن الإسناد، رواه جماعة عن إسحاق.

وتعقبه الألباني في «مختصر العلو» (ص 12). وقال الذهبي أيضاً في كتابه «الأربعين في صفات رب العالمين» (ص 55)(29): إسناده حسن. وحسَّنه المناوي في «التيسير» (2/ 302). وضعفَه الألباني في «السلسلة الضعيفة» (3/ 360)(1216).

ص: 530

فِيْ الْسَّمَاءِ سَاخِطَاً عَلَيْهَا، حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا زَوْجُهَا) (1).

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيْثِ الْدَّالَةِ عَلَى عُلُوِّ رَبِّ الْعَالمَيِنَ عَلَى عَرْشِهِ، ومُبَايَنَتِهِ عَنْ مَخْلُوْقَاتِهِ، خِلَافَاً لِلاتِّحَادِيَّةِ وَالحُلُوْلِيَّةِ، الَّذِيْنَ كَفَرُوْا بِرَبِّ الْعَالمَينَ، يَقُوْلُوْنَ: إنَّهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوْقَاتِهِ ـ تَعَالَى اللهُ عَمَّا قَالُوْا عُلُوَّاً (2) كَبِيْرَاً ـ.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ـ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ـ: (إِنَّمَا أَلجَأَهُمْ لِهَذَا الاتِّحَادِ، فِرَارُهُمْ مِن تجَدُّدِ الْأَحْوَالِ لِلْبَارِئ ـ تَعَالَى ـ مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ الحَوَادِثَ تَقُوْمُ بِالْقَدِيْمِ، وَإِنَّ الحَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، لَكِنْ نَفُوْا ذَلِكَ عَنْ الْبَارِئ، لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ لَا صِفَةَ لَهُ، بَلْ هُوَ وُجُوْدٌ مُطْلَقٌ، وَقَالُوْا بِأَنَّ الْعِلْمَ نَفْسُ عَيْنِ «الْعَالِمِ، وَالْقُدْرَةَ نَفْسُ عَيْنِ» (3) الْقَادِرِ، وَالْعِلْمُ وَالْعَالمُ مَثِيْلٌ (4) وَاحِدٌ، وَالمُرِيْدُ وَالْإِرَادَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَجَعَلُوْا هَذِهِ الْصِّفَةَ هِيْ الْأُخْرَى، وَجَعَلُوْا الْصِّفَاتِ هِيَ المُوْصُوْفِ) (5). انْتَهَى.

(1) أخرجه: مسلم في «صحيحه» (1436).

(2)

نهاية الورقة [38] من المخطوط.

(3)

ساقطة من المخطوط.

(4)

في «مجموع الفتاوى» : شئ واحد.

(5)

«مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام (12/ 595 ـ 596).

ص: 531

وَأَمَّا كَلَامُ أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ فِيْ هَذَا الْشَّأَنِ، فَهُوَ إِثْبَاتُ عُلُوِّ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٍ عَنِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَإثْبَاتُ صِفَاتِهِ، وَأَسْمَائِهِ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلَامُ رَبِّ الْعَالمِيْنَ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَالْتَّحْذِيْرُ مِنْ مَذْهَبِ الحُلُوْلِيَّةِ وَالْاتِّحَادِيَّةِ.

قَالَ الْإمَامُ الْحَافِظُ الْزَّاهِدُ أبُوْ بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ الْآجُرِّيّ (1)

فِيْ كِتَابِ «الْشَّرِيْعَةِ فِيْ الْسُّنَّةِ» ، فَمِنْ أَبْوَابِهِ: الْتَّحْذِيْرُ مِنْ مَذْهَبِ الحُلُولِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: (الَّذِي يَذْهَبُ إِليْهِ أهْلُ الْعِلْمِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَعِلْمُهُ مُحِيْطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، قَدْ أَحَاطَ بِجَمِيْعِ مَا خَلَقَ فِيْ الْسَّمَاوَاتِ الْعُلَى، وَبِجَمِيْعِ مَا فِيْ سَبْعِ أَرَضِيْنَ، تُرْفَعُ إِلَيْهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ.

(1) هو الإمام المُحَدِّث: محمد بن الحسين بن عبدالله الآجُرِّي، أبو بكر البغدادي، الآجُرِّي نِسبةً إلى درب الآجُرّ في بغداد.

من شيوخه: جعفر الفريابي، وابن صاعد، وابن أبي داود؛ من تلاميذه: أبو نعيم الأصبهاني، وابن بطة، وابن بشران.

من مؤلفاته: «الشريعة» ، و «كتاب الأربعين» ، و «أخلاق العلماء» ، و «تحريم النرد والشطرنج» ، و «صفة الغرباء» ، و «التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة» .توفي رحمه الله في مكة سنة (360 هـ).

ينظر في ترجمته: [» تاريخ بغداد» (3/ 35)، «الأنساب» للسمعاني (1/ 68)، «سير أعلام النبلاء» (16/ 133)، «العقد الثمين» للفاسي (2/ 3)].

ص: 532

فَإِنْ قِيْلَ: فَأَيُّ شَيْءٍ مَعْنَى قَوْلِهِ: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} ؟

قِيْلَ: عِلْمُهُ، وَاللهُ عَلَى عَرْشِهِ، وَعِلْمُهُ مُحِيْطٌ بِهِمْ، كَذَا فسَّرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ.

وَالْآيَةُ يَدُلُّ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا عَلَى أَنَّهُ الْعِلْمُ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ، وَهَذَا قَوْلُ المُسْلِمِيْنَ) (1).

وَقَالَ الْإمَامُ الْزَّاهِدُ أبُوْ عَبْدِ الله ابْنُ بَطَّةَ الْعُكْبُرِيُّ ـ شَيْخُ الحَنَابِلَةِ ـ (2)

فِيْ كِتَابِ «الْإِبَانَةِ» مِنْ جَمْعِهِ: (بَابُ الْإيْمَانِ بِأَنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَعِلْمُهُ مُحِيْطٌ بِخَلْقِهِ.

(1) النص من كتاب «العلو للعليِّ الغفار» تأليف الإمام الذهبي (2/ 1267)، وقد اختصركلام الآجري، انظر:«الشريعة» للإمام الآجُرِّيّ ـ ط. دار الوطن ـ (3/ 1072 ــ 1076).

(2)

هو الإمام: عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة العكبري الحنبلي.

ولد سنة (304 هـ)، من شيوخه: الآجري، وابن صاعد، والبغوي؛ من تلاميذه: أبو نعيم الأصبهاني، وابن أبي الفوارس.

من مؤلفاته: «الإبانة الكبرى» ، «الإبانة الصغرى» ، «السنن» ، «إبطال الحِيَل» ، «صلاة الجماعة» .

توفي رحمه الله سنة (387 هـ) في «عُكْبَرا» بلدة صغيرة على نهر دجلة على الجانب الشرقي.

ينظر في ترجمته: [«تاريخ بغداد» (12/ 100)، «سير أعلام النبلاء» (16/ 529)، «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (3/ 256)، «معجم البلدان» (4/ 142)].

ص: 533

أَجْمَعَ المُسْلِمُوْنَ مِنْ الْصَّحَابَةِ وَالْتَّابِعِيْنَ، أَنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ.

فَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَهُوَ مَعَكُمْ» ، فَهُوَ كَمَا قَالَتْ الْعُلَمَاءُ: عِلْمُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَهُوَ فِيْ الْسَّمَاوَاتِ وَفِيْ الْأَرْضِ» ، مَعْنَاهُ: أنَّهُ هُوَ اللهُ فِيْ الْسَّمَاوَاتِ، وَهُوَ اللهُ فِيْ الْأَرْضِ، وَتَصْدِيقُهُ فِيْ كِتَابِ الله:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} (1).

وَاحْتَجَّ الجَهْمِيُّ بِقَوْلِهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} فَقَالَ: إِنَّ اللهَ مَعَنَا وَفِيْنَا، وَقَدْ فَسَّرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ ذَلِكَ عِلْمُهُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِيْ آخِرِهَا: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .

ثُمَّ إنْ ابْنَ بَطَّةَ سَرَدَ بِأَسَانِيْدِهِ أَقْوَالَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ عِلْمُهُ، وَهُمْ: الْضَّحَّاكُ، وَالْثَّوْرِيُّ، وَنُعَيْمُ بْنُ (2) حَمَّادٍ، وَأَحمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإسْحَاقُ بْنُ رَاهَوْيَةَ) (3).

(1) سورة الزخرف، آية (84).

(2)

في المخطوطة: نعيم وحماد. والتصحيح من «العلو» و «الإبانة» .

(3)

النص من كتاب «العلو للعليِّ الغفار» تأليف الإمام الذهبي (2/ 1283 ـ 1284)، وقد اختصر كلام الإمام ابن بطة، انظر:«الإبانة» ـ قسم الرد على الجهمية ـ ط. دار الراية (3/ 136 ــ 161).

ص: 534

وَقَالَ الْإِمَامُ أبُوْ الْقَاسِمِ الحَافِظُ هِبَةُ الله بْنُ الحَسَنِ الْطَّبَرِيُّ الْشَّافِعِيُّ (1)، مُصَنِّفُ كِتَابِ «شَرْحِ اعْتِقَادِ أَهْلِ الْسُّنَّةِ» ، قَالَ فِيْهِ:(وَأَنَّ اللهَ عَلَى عَرْشِهِ، قَالَ اللهُ عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (2)، وَقَالَ:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (3)، وَقَالَ:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (4).

(1) هو الإمام: هِبَة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري الأصل، أبو القاسم اللالكائي، نِسْبَةً إِلى بَيْعِ اللوالك التي تُلبس في الأرجل ـ على خلاف القياس ـ.

من شيوخه: أبو مسعود الدمشقي صاحب الأطراف، أبو حامد الإسفراييني، ومحمد ابن عبدالرحمن المخلِّص.

من تلاميذه: الخطيب البغدادي، أبو الحسن العكبري المعروف بابن جدا، وابنه محمد ابن هبة الله اللالكائي.

من مؤلفاته: «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين مِنْ بَعْدِهم» ، «كرامات الأولياء» ، «أسماء رجال الصحيحين»؛ قال الخطيب:(عاجلته المنية، فلم يُنشَر عَنْهُ كثير شيء من الحديث).

توفي رحمه الله في «الدينور» سنة (418 هـ).

ينظر في ترجمته: [«تاريخ بغداد» (16/ 108)، «سير أعلام النبلاء» (17/ 419)، «اللباب في تهذيب الأنساب» لابن الأثير (3/ 401)، «المنتظم» لابن الجوزي (8/ 34)].

(2)

سورة فطر، آية (10).

(3)

سورة الملك، آية (16).

(4)

سورة الأنعام، آية (18).

ص: 535

فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ أَنَّهُ فِيْ الْسَّمَاءِ، وَعِلْمُهُ بِكُلِّ (1) مَكَانٍ.

رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ.

وَمِنَ الْتَّابِعِينَ: رَبِيْعَةٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَمُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ.

وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ) (2).

وَقَالَ الإِمَامُ أبُوْ بَكْرٍ (3) أَحْمَدُ بنُ محمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْدَلُسِيُّ الطَّلَمَنْكِيُّ (4) المَالِكِيُّ =

(1) نهاية الورقة [39] من المخطوط.

(2)

النص من كتاب «العلو للعليِّ الغفار» للذهبي (2/ 1310)، وقد اختصر كلام الإمام اللالكائي، انظر:«شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة» للإمام اللالكائي ـ ط. دار طيبة ـ (3/ 429 ـ 430).

(3)

كذا، والصواب أبو عمر، كما في كتاب «العلو» ، وفي ترجمته.

(4)

هو الإمام المحدث: أبو عمر أحمد بن محمد بن عبدالله المعَافِري الأندلسي الطَّلَمَنْكِي المالكي. «طَلَمَنْكَه» مدينة في الأندلس. قال عنه ابن بشكوال: (كان سيفاً مجرَّداً على أهل الأهواء والبدع، قامعاً لهم، غيوراً على الشريعة).

من مؤلفاته: «الوصول إلى معرفة الأصول» .

توفي رحمه الله سنة (429 هـ).

ينظر في ترجمته: [«سير أعلام النبلاء» (17/ 566)، «الصلة» لابن بشكوال (1/ 44)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض (4/ 749)، «الوافي بالوفيات» للصفدي (8/ 32)، «معجم البلدان» (4/ 39)].

ص: 536

فِيْ كِتَابِ «الأُصُوْلِ (1)

فِي مَعْرِفَةِ الأُصْوْلِ»، وَهُوَ مُجَلَّدَانِ (2):(أَجْمَعَ المُسْلِمُوْنَ مِنْ أَهْلِ الْسُّنَّةِ، أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (3)، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ، أَنَّهُ عِلْمُهُ، وَأَنَّ اللهَ فَوْقَ الْسَّمَاوَاتِ بِذَاتِهِ، مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، كَيْفَ شَاءَ.

(1) كذا في المخطوطة، وسماه بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتوى الحموية» (ص 244)، و «درء التعارض» (2/ 35)، و «منهاج السنة» (1/ 28)، وابن القيم في «اجتماع الجيوش» (ص 142)؛ ويُسَمَّى:«الوصول إلى معرفة الأصول» كما في «العلو» (2/ 1315)، و «درء التعارض» لابن تيمية (6/ 250)، و «بيان تلبيس الجهمية» ـ ط. المجمع ـ (1/ 186) و (3/ 398)، و «الصواعق المرسلة» لابن القيم (4/ 1284).

والكتاب مفقود، وقد وقف عليه الذهبي، قال في «سير أعلام النبلاء» (16/ 569):(رأيتُ له كتاباً في السنة في مجلدين، عامَّتُهُ جيِّد .. ).

وقد أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، ونقل منه، كما في «مجموع الفتاوى» (3/ 260، 379)، (17/ 75)، و «درء التعارض» (1/ 247) و (6/ 250)، و «بيان تلبيس الجهمية» ـ ط. المجمع ــ (1/ 171) و (6/ 26)، و «منهاج السنة» (1/ 304) و (2/ 269، 367) و (4/ 156)، وابن القيم في «الصواعق المرسلة» (4/ 1284)، و «اجتماع الجيوش» (ص 142).

(2)

في المخطوطة كأنها «مجلدات» ، والتصحيح من «العلو» (2/ 1315)، و «سير أعلام النبلاء» (16/ 569).

(3)

سورة الحديد، آية (4).

ص: 537

وَقَالَ أَهْلُ الْسُّنَّةِ فِيْ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1).

إنَّ الْاسْتِوَاءَ مِنَ الله عَلَى عَرْشِهِ، عَلَى الحَقِيْقَةِ لَا عَلَى المَجَازِ.

فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ وَالجَهْمِيَّةِ: لَا يَجُوْزُ أَنْ يُسَمَّى (2) بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ عَلَى الحَقِيْقَةِ، وَيُسَمَّى بِهَا المَخْلُوْقِ.

فَنَفَوْا عَنِ الله الحَقَائِقَ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَأَثْبَتُوْهَا لِخَلْقِهِ، فَإِذَا سُئِلُوْا: مَا حَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا الْزَّيْغِ؟ !

قَالُوْا: الاجْتِمَاعُ فِيْ التَّسْمِيَةِ (3) يُوْجِبُ التَّشْبِيْهَ.

ثُمَّ سَرَدَ سَائِرَ الْعَقِيْدَةِ (4).

(1) سورة طه، آية (5).

(2)

في «العلو» زيادة: (يُسَمَّى الله عز وجل).

(3)

تصحَّفت في المخطوطة إلى «التشبيه» ، والتصحيح من «العلو» .

(4)

كان الأَولى بالمؤلِّف رحمه الله أن لايقف في نقله على هذه الجملة، حيث أورد شبهتهم، ولم ينقل الجواب من كلام الطَّلَمَنْكِيّ رحمه الله وإليك جوابه:

قال: (قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خُوطبنا بها، لأن المعقول في اللغة أن الاشتباه في اللغة لايحصل بالتسمية، وإنما تشتبه الأشياء بأنفسها، أو بهيئات فيها، كالبياض بالبياض، والسواد بالسواد، والطويل بالطويل، والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب اشتباهاً؛ لاشتبهت الأشياء كلها، لشمول اسم الشئ لها، وعموم تسمية الأشياء به.

فنسألهم: أتقولون: إن الله موجود؟ فإن قالوا: نعم. قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبهاً للموجودين؛ وإن قالوا: موجود، ولا يوجب وجوده، الاشتباه بينه وبين الموجودات. قلنا: فكذلك هو حي، عالم، قادر، مريد، سميع، بصير، متكلم، يعني ولا يلزم من ذلك اشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات). انظر:«العلو للعليِّ الغفار» للذهبي (2/ 1315 - 1316).

ص: 538

وَقَالَ الحَافِظُ الحُجَّةُ أَبُوْ نَصْرٍ عُبَيْدُ الله بْنُ سَعِيْدٍ الْوَائِلِيُّ السَّجْزِيُّ (1)

فِيْ كِتَابِ «الإِبَانَةِ» الَّذِيْ أَلَّفَهُ فِيْ الْسُّنَّةِ: (أَئِمَّتُنَا كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَحَمَّادِ ابْنِ سَلَمَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالْفُضَيْلٍ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقِ، مُتَّفِقُوْنَ عَلَى أَنَّ اللهَ بِذَاتِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَعِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى الْسَّمَاءِ الْدُّنْيَا، وَأَنَّهُ يَغْضَبُ، وَيَرْضَى، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ)(2)(3).

(1) هو الإمام: أبو نصر عُبيد الله بن سعيد الوائلي البكري السجستاني.

من شيوخه: أبو أحمد الحاكم، وأبو عبدالرحمن السلمي؛ من تلاميذه: سهل الإسفراييني، وجعفر السراج. قال الذهبي:(له «الإِبَانَةِ الكُبْرَى فِي أَنَّ القُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ»، وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ، دَالٌّ عَلَى سَعَةِ عِلمِ الرَّجُلِ بِفَنِّ الأَثَرِ). وله كتاب «المؤتلف والمختلف» .

توفي رحمه الله في مكة، سنة (444 هـ).

ينظر في ترجمته: [«سير أعلام النبلاء» (17/ 654)، «العقد الثمين» (5/ 307)، «اللباب في تهذيب الأنساب» لابن الأثير (3/ 352)].

(2)

أورد الذهبي بعد هذا النقل في «العلو» (2/ 1321): (هذا الذي نقله عنهم مشهورٌ محفوظٌ، سوى كلمة «بذاته» فإنها من كِيْسِهِ؛ نسَبَهَا إِلَيْهِم بِالمعنى؛ لِيُفَرِّقَ بين العرش، وبين ما عداه من الأمكنة). وهذ اللفظة تُوَرَدُ في مَعْرِضِ الرَّدِّ على النُّفَاةِ، بِخِلَاف ما يُكْتَبُ عِنْدَ التَّأصِيلِ وَالتَّألِيْفِ. انظر: تعليق سماحة الشيخ ابن باز على «فتح الباري» (1/ 508)، «فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم» (1/ 209)، «معجم المناهي اللفظية» للشيخ: بكر أبو زيد (93، 101)، وكذا في التمهيد الذي كتبه على «رسالة ابن أبي زيد القيرواني» (ص 22 ــ 25)، ومقدمة الشيخ الألباني على «مختصر العلو» (18 ـ 19)، و «جلاء العينين» (ص 354). أفاده الشيخ د. عبدالله بن صالح البراك في تحقيقه لكتاب «العلو» للذهبي (2/ 1292 ـ 1293).

(3)

«العلو للعليِّ الغفار» للذهبي (2/ 1321)، وكتاب «الإبانة في مسألة القرآن» للسجزي من الكتب المفقودة، وقد أشار للمعنى أعلاه ــ بإختصار ــ في كتابه «الرد على من أنكر الحرف» (ص 126)، وذكره ابن تيمية في «نقض التأسيس» (2/ 38، 416، 417)، وفي «درء التعارض» (6/ 250)، ونُقِلَ عن الإمام السجزي نحواً مما ذُكِرَ أعلاه، يُنظر:«نقض تأسيس الجهمية» لابن تيمية (1/ 446)، «الصواعق المرسلة» لابن القيم (4/ 1284)، و «السير» للذهبي (1/ 656). أفاد ما سبق د .. عبدالله البراك في تحقيق كتاب «العلو» (2/ 1321).

ص: 539

وَقَالَ الإِمَامُ العَلَّامَةُ حَافِظُ المَغْرِبِ أَبُوْ عُمَرَ يُوْسُفُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِالبَرِّ النَّمَرِيُّ الأَنْدَلُسِيِّ (1)

صَاحِبُ «الْتَّمْهِيْدِ» ، وَ «الاسْتِذْكَارِ» ،

(1) هو الإمام المحدث الفقيه النسَّابة: يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النَّمَرِي الأندلسي، أبو عمر المالكي.

وُلِدَ سنة (368 هـ).

من شيوخه: ابن الفرَضي، وأبو عمرالطلمنكي، وأبو عمر الباجي.

من تلاميذه: ابن حزم، وأبو علي الغساني، وأبو عبدالله الحميدي.

من مؤلفاته: «التمهيد» و «الاستذكار» كلاهما على الموطأ للإمام مالك، و «الاستيعاب في أسماء الصحابة» ، و «جامع بيان العم وفضله» ، و «الكافي في فقه الإمام مالك» ، و «القصد والأمم في نسب العرب والعجم»؛ قال عنه الذهبي:(كان مُوَفَّقاً في التآليف، معاناً عليه، ونفع الله بتواليفه). وقال: (وكان في أصول الديانه على مذهب السلف، لم يدخل في علم الكلام، بل قفا آثار مشايخه رحمهم الله).

توفي رحمه الله سنة (463 هـ)

ينظر في ترجمته: [«ترتيب المدارك» للقاضي عياض (4/ 808)، «سير أعلام النبلاء» (18/ 153)، «الصلة» لابن بشكوال (2/ 677)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان (7/ 66)، «الديباج المذهب» لابن فرحون (2/ 367)].

ص: 540

وَ «الاسْتِيْعَابِ» ، وَ «الْعِلْمِ» ، وَالْتَّصَانِيْفِ الْنَّفِيْسَةِ (1)، لَمَّا انْتَهَى إِلَى شَرْحِ حَدِيْثِ الْنُّزُوْلِ مِنَ «المُوَطَّأ»:(هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ (2)، لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الحَدِيْثِ فِيْ صِحَّتِهِ (3)، وَفِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى فِيْ الْسَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، كَمَا قَالَتْ الجَمَاعَةُ، وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى المُعْتَزِلَةِ (4)، وَهَذَا أَشْهَرُ عِنْدَ

(1) ينظر: «سير أعلام النبلاء» (18/ 157 ـ 158).

(2)

في «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» (7/ 128): (هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ).

(3)

«التمهيد» (7/ 129) و (22/ 80).

(4)

في «التمهيد» زيادة: و «الجهمية» ، ثم قال بعد مناقشة وبيان: وهذا أشهر

ـ كما ذكرالمؤلف هنا، باختلاف يسير ـ.

ص: 541

الْعَامَّةِ وَالخَاصَّةِ، وَأَعْرَفُ مِنْ «أَنْ» (1) يُحْتَاجَ إِلَى كَثِيْرٍ (2) مِنْ حِكَايَتِهِ، لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ لَمْ يُوْقِفْهُمْ (3) عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ) (4).

وَقَالَ أَيْضَاً: (أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْصَّحَابَةِ وَالْتَّابِعِيْنَ، الَّذِيْنَ حُمِلَ عَنْهُمُ الْتَّأَوِيْلُ، قَالُوْا فِيْ تَأَوِيْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} (5): هُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَعِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَمَا خَالَفَهُمْ فِيْ ذَلِكَ أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ).

وَقَالَ أَيْضَاً: (أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُوْنَ عَلَى الإِقْرَارِ بِالْصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالْسُّنَّةِ، وَحَمْلِهَا عَلَى الحَقِيْقَةِ لَا عَلَى المَجَازِ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُوْنَ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ؛ وَأَمَّا الجَهْمِيَّةُ وَالمُعْتَزِلَةُ وَالخَوَارِجُ، فَكُلُّهْمْ يُنْكِرُوْنَهَا (6)، وَلَا يَحْمِلُ مِنْهَا شَيْئَاً عَلَى الحَقِيْقَةِ، وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ، وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَقَرَّ بِهَا نَافُوْنَ لِلْمَعْبُوْدِ) (7).

(1) سقطت من المخطوطة، والتصحيح من «العلو» ، و «التمهيد» .

(2)

في «العلو» : أكثر.

(3)

كذا في «العلو» ، وبعض نسخ «التمهيد» ؛ وجاء في الطبعة المغربية «لم يُؤَنِّبْهُمْ» .

(4)

«التمهيد» (7/ 134).

(5)

سورة المجادلة، آية (7).

(6)

في «العلو» : ينكرها.

(7)

«التمهيد» لابن عبدالبر (7/ 139، 145).

ص: 542

وقَالَ أبُو بَكْرٍ الخَلَّالِ: أَنْبَأنَا المَرُّوْذِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمُّدُ بْنُ الْصَّبَّاحِ الْنَّيْسَابُوْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُوْ دَاوُدَ الخَفَّافِ: سُلَيْمَانُ (1) بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ راهَوْيَه: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) أَجَمَعَ أَهْلُ الْسُّنَّةِ (3)، أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ فِيْ أَسْفَلِ الْأَرْضِ الْسَّابِعَةِ) (4).

انْتَهَى مُلَخَّصَاً مِنْ كِتَابِ «الْعُلُوِّ» جَمْعِ الإِمَامِ الْعَلَّامَةِ الذَّهَبِيِّ رحمه الله (5).

(1) نهاية الورقة [40] من المخطوط.

(2)

سورة طه، آية (5).

(3)

في «العلو» : إجماع أهل العلم.

(4)

علَّق الذهبي بقَوْلِهِ: (اسْمَعْ وَيْحَكُمْ إلى هَّذَا الإمَامِ كيفَ نقَلَ الإِجْمَاعَ عَلَى هَذِهِ المسْأَلَةِ الشَّرِيفَةِ كَمَا نقَلَهُ في زمَانِهِ قُتَيبَةَ المذْكُور). يعني: الإمام قتيبة بن سعيد. «العلو للعليِّ الغفار» للذهبي (2/ 1103، 1128).

(5)

في مسألةِ عُلُوِّ الله تبارك وتعالى على خَلْقِهِ، وَاسْتِوَائِهِ عَلى عَرْشِهِ، اسْتِوَاءً يَلِيْقُ بِهِ، ألَّفَ فِيْهَا أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ رحمهم الله قديماً وحديثاً كتباً مُفْرَدَةً، زيادةً على ما تضمَّنَتْ مُصَنَّفَاتُهُم المُطوَّلَةُ المُسْنَدَةُ وغَيْرُهَا، في العَقِيْدَةِ، وَالحَدِيْثِ، وَقَدْ نَقَلَ كَثِيْرَاً مِنْهَا الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِهِ «العُلُوّ» .

من الرسائل المفردة: «الرسالة العرشية» لشيخ الاسلام في «مجموع الفتاوى» (6/ 545)، «اجتماع الجيوش» لابن القيم، «الهيئة السَّنِية في الهيئة السُّنية» للسيوطي، «إثبات العلو» للشيخ حمود التويجري، «عُلُوِّ اللهِ على خَلْقِهِ» د. موسى الدويش، «الرحمن على العرش =

ص: 543

وَقالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ نَاصِرُ السُّنَّةِ، مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، أَبُو محَمَّدٍ عَبْدُ الله بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ قُدَامَةَ المَقْدِسِيُّ ـ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ـ (1)

فِيْ «ذَمِّ الْتَّأَوِيْلِ» :

= استوى بين التنزيه والتشويه» د. عوض منصور، «إثبات علو الله على خلقه والرد على المخالفين» لأسامة بن توفيق القصَّاص، «الرحمن على العرش» لعبدالله السبت، «العرش» لابن أبي شيبة، و «العرش» للذهبي، «قاعدة جليلة في إثبات علو الله تعالى على جميع خلقه» و «مسألة في العلو» كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ طبعتا ضمن جامع الرسائل (1/ 61) و (3/ 181، 193) بتحقيق عزير شمس ـ، «إثبات صفة العلو» لابن قدامة، «مختصر العلو» للألباني، «أين الله ـ دفاع عن حديث الجارية ـ رواية ودراية» لسليم الهلالي، «تكحيل العين بجواز السؤال عن الله ب (أين) والرد على أهل الضلال والمَيْن» لصادق بن سليم صادق، دراسة د. البراك في مقدمة تحقيقه ل «العلو» (1/ 183 ــ 241).

وانظر: مقدمة تحقيق د. عبدالله البراك لكتاب «العلو» (24 ـ 29)، و «دليل المكتبة العقدية» للشيخ د. محمد بن عبدالعزيز بن محمد الشايع (ص 342).

(1)

هو الإمام الفقيه: مُوفَّق الدين، أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قُدَامة المقدسي ثم الدمشقي.

وُلِدَ سنة (541 هـ) هو وعبدالغني المقدسي ابنا خالة، وأما الضياء المقدسي صاحب «الأحاديث المختارة» فهو ابن أخت الموفَّق.

من مؤلفاته: «البرهان في مسألة القرآن» ، و «المغني في شرح مختصر الخِرَقي» ، «لمعة الاعتقاد» ، «ذم التأويل» ، «منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين» ، «الكافي» ، و «المقنع» ، و «العمدة» ثلاثتهم في فقه الحنابلة، «روضة الناظر في أصول الفقه» . =

ص: 544

(مَذْهَبُ الْسَّلَفِ رحمهم الله الإِيْمَانُ بِصِفَاتِ الله ـ تَعَالَى ـ وَأَسْمَائِهِ، الَّتِيْ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِيْ كِتَابِهِ وَتَنْزِيْلِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا، وَلَا نَقْصٍ مِنْهَا، وَلَا تَجَاوُزٍ لَهَا، وَلَا تَفْسِيْرٍ لَهَا، وَلَا تَأَوِيْلٍ لَهَا بِمَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا، وَلَا تَشْبِيْهٍ بِصِفَاتِ المَخْلُوْقِيْنَ، وَلَا سِمَاتِ المُحْدَثِيْنَ، بَلْ أَمَرُّوْهَا كَمَا جَاءَتْ، وَرَدُّوْا عِلْمَهَا إِلَى قَائِلِهَا، وَمَعْنَاهَا إِلَى الُمتَكَلِّمِ بِهَا (1)، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ -رحمه الله تعالى-: آمَنْتُ بِمَا جَاءَ عَنْ الله، عَلَى مُرَادِ الله، وَبِمَا جَاءَ عَنِ رَسُوْلِ الله، عَلَى مُرَادِ رَسُوْلِ الله.

وَعَلِمُوْا أَنَّ المُتَكَلِّمَ بِهَا صَادِقٌ لَا شَكَّ فِيْ صِدْقِهِ، فَصَدَّقُوْهُ

وَلمْ يَعْلَمُوْا حَقِيْقَةَ مَعْنَاهَا (2)، فَسَكَتُوْا عَمَّا لَمْ يَعْلَمُوْا،

= توفي رحمه الله في دمشق، سنة (620 هـ)

ينظر في ترجمته: [«المنهج الأحمد في ذكر أصحاب أحمد» للعُليمي (4/ 148)، «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري (3/ 107)، «سير أعلام النبلاء» (22/ 165)، «الذيل على طبقات الحنابلة» لابن رجب (3/ 281 ـ 298)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/ 88)].

(1)

ينظر التعليق في الحاشية التالية.

(2)

التفويض على قسمين:

1.

تفويض معنى: وهو مذهب المفوِّضَة، وهم شرٌّ من المؤوِّلة كما قال ابن تيمية ـ. =

ص: 545

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 2. تفويض كيفية: وهو مايعتقده أهل السنة والجماعة في صفات الله عز وجل.

ينظر: «مذهب التفويض في نصوص الصفات ـ عرضٌ، ونقد ـ» لأحمد بن عبدالرحمن القاضي، و «الاحتجاج بالآثار السلفية على إثبات الصفات الإلهية والرد على المفوِّضَة والمشبِّهَة والجهمية» لعادل آل حمدان (ص 263) وما بعدها.

عبارة ابن قدامة هذه، مع عبارته الشهيرة في «لمعة الاعتقاد» من العبارات المشكلة، وقد اختلف المعاصرون في مقصده منها.

مع اعتقاد الجميع إمامة أبي محمد ابن قدامة رحمه الله، وجهاده في نصر السنة وقمع البدعة، وقد قال ابن رجب رحمه الله في «ذيل طبقات الحنابلة» (3/ 291):(وتصانيفه فِي أصول الدين فِي غاية الْحَسَن، أكثرها عَلَى طريقة أئمة المحدثين، مشحونة بالأحاديث والآثار، وبالأسانيد، كَمَا هِيَ طريقة الإِمام أَحْمَد وأئمة الْحَدِيث. وَلَمْ يكن يرى الخوض مَعَ المتكلمين فِي دقائق الْكَلام، ولو كَانَ بالرد عَلَيْهِم. وَهَذِهِ طريقة أَحْمَد والمتقدمين. وَكَانَ كثير المتابعة للمنقول فِي بَاب الأصول وغيره، لا يرى إطلاق مَا لَمْ يؤثر من العبارات، ويأمر بالإقرار والإمرار لما جاء فِي الكتاب والسنة من الصفات، من غَيْر تفسير ولا تكييف، ولا تمثيل ولا تحريف، ولا تأويل ولا تعطيل).

عبارة ابن قدامة ـ كما نقلها المؤلف ـ من «ذم التأويل» : (

ولم يعلموا حقيقة معناها .. )

وقال ابن قدامة رحمه الله أيضاً في «لمعة الاعتقاد» (ص 5): (وكل ما جاء في القرآن أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن وجب الإيمان به، وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل. =

ص: 546

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً، وترك التعرض لمعناه، ونرد علمه إلى قائله، ونجعل عهدته على ناقله اتباعاً لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين بقوله سبحانه وتعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} ، فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ، وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم، ثم حجبهم عما أملوه، وقطع أطماعهم عما قصدوه، بقوله سبحانه:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «تعليقه على لمعة الاعتقاد» (ص 32): (تقسيم نصوص الصفات وطريقة الناس فيها:

تنقسم نصوص الكتاب والسنة الواردة في الصفات إلى قسمين: واضح جلي؛ ومشكل خفي، فالواضح ما اتضح لفظه ومعناه فيجب الإيمان به لفظاً، وإثبات معناه حقًّا بلا رد ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل؛ لأن الشرع ورد به فوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول والتسليم.

وأما المشكل فهو ما لم يتضح معناه لإجمال في دلالته أو قصر في فهم قارئه، فيجب إثبات لفظه لورود الشرع به، والتوقف في معناه وترك التعرض له؛ لأنه مشكل لا يمكن الحكم عليه فنرد علمه إلى الله ورسوله.

وقد انقسمت طرق الناس في هذا المشكل إلى طريقين: =

ص: 547

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الطريقة الأولى: طريقة الراسخين في العلم الذين آمنوا بالمحكم والمتشابه وقالوا

{كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وتركوا التعرض لما لا يمكنهم الوصول إلى معرفته والإحاطة به تعظيمًا لله ورسوله وتأدباً مع النصوص الشرعية وهم الذين أثنى الله عليهم بقوله:

{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}

الطريقة الثانية: طريقة الزائغين الذين اتبعوا المتشابه طلبا للفتنة وصدًّا للناس عن دينهم وعن طريقة السلف الصالح فحاولوا تأويل هذا المتشابه إلى ما يريدون لا إلى ما يريه الله ورسوله، وضربوا نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض وحاولوا الطعن في دلالتها بالمعارضة والنقص ليشككوا المسلمين في دلالتها ويعموهم عن هدايتها وهؤلاء هم الذين ذمهم الله بقوله:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} .

تحرير القول في النصوص من حيث الوضوح والإشكال:

إن الوضوح والإشكال في النصوص الشرعية أمر نسبي، يختلف به الناس بحسب العلم والفهم فقد يكون مشكلاً عند شخص ما هو واضح عند شخص آخر؛ والواجب عند الإشكال اتباع ما سبق من ترك التعرض له والتخبط في معناه، أما من حيث واقع النصوص الشرعية فليس فيها بحمد الله ما هو مشكل لا يَعرف أحدٌ من الناس معناه فيما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم؛ لأن الله وصف القرآن بأنه نور مبين، وبيان للناس وفرقان، وأنه أنزله تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة، وهذا يقتضي أن لا يكون في النصوص ما هو مشكل بحسب الواقع بحيث لا يمكن أحد من الأمة معرفة معناه). =

ص: 548

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال ابن قدامة رحمه الله في «روضة الناظر» ـ تحقيق د. النملة ـ (1/ 277): [وفي كتاب الله سبحانه محكم ومتشابه كما قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} .

قال القاضي: المحكم: المفسر، والمتشابه: المجمل؛ لأن الله سبحانه سمَّى المحكمات أم الكتاب، وأم الشيء: الأصل الذي لم يتقدمه غيره؛ فيجب أن يكون المحكم غير محتاج إلى غيره بل هو أصل بنفسه وليس إلا ما ذكرنا.

وقال ابن عقيل: المتشابه هو الذي يغمض عِلْمُه على غير العلماء والمحققين، كالآيات التي ظاهرها التعارض، كقوله تعالى:(هذا يوم لا ينطقون) وقال في أخرى: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا)، ونحو ذلك.

وقال آخرون: المتشابه الحروف المقطعة في أوائل السور، والمحكم ما عداه.

وقال آخرون: المحكم: الوعد والوعيد والحرام والحلال؛ والمتشابه: القصص والأمثال.

والصحيح أن المتشابه ما ورد في صفات الله سبحانه مما يجب الإيمان به ويحرم التعرض لتأويله كقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)(بل يداه مبسوطتان)(لما خلقت بيدي)(ويبقى وجه ربك)(تجري بأعيننا)، ونحوه. فهذا اتفق السلف رحمهم الله على الإقرار به، وإمراره على وجهه، وترك تأويله، فإن الله سبحانه ذم المبتغين لتأويله، وقرنهم في الذم بالذين يبتغون الفتنة، وسماهم أهل زيغ؛ وليس في طلب تأويل ما ذكروه من المجمل وغيره ما يذم به صاحبه بل يمدح عليه، إذ هو طريق إلى معرفة الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، ولأن في الآية قرائن تدل على أن الله سبحانه منفرد بعلم تأويل =

ص: 549

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= المتشابه، وأن الوقف الصحيح عند قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} لفظاً ومعنى، أما اللفظ فلأنه لو أراد عطف الراسخين لقال: ويقولون آمنا به بالواو، وأما المعنى فلأنه ذم مبتغي التأويل، ولو كان ذلك للراسخين معلوماً؛ لكان مبتغيه ممدوحاً لا مذموماً، ولأن قولهم: آمنا به، يدل على نوع تفويض وتسليم لشيء لم يقفوا على معناه، سيما إذا اتبعوه بقولهم: كل من عند ربنا، فذكرهم ربهم ها هنا يعطي الثقة به، والتسليم لأمره، وأنه صدر منه وجاء من عنده كما جاء من عنده المحكم.

ولأن لفظه (أما) لتفصيل الجمل فذكره لها في الذين في قلوبهم زيغ من وصفه إياهم، لابتغاء المتشابه وابتغاء تأويله؛ يدل على قسم آخر يخالفهم في هذه الصفة، وهم الراسخون، ولو كانوا يعلمون تأويله لم يخالفوا القسم الأول في ابتغاء التأويل.

وإذ قد ثبت أنه غير معلوم التأويل لأحد، فلا يجوز حمله على غير ما ذكرناه؛ لأن ما ذكر من الوجوه لا يعلم تأويله كثير من الناس

فإن قيل: فكيف يخاطب الله الخلق بما لا يعقلونه؟ ! أم كيف ينزِّل على رسوله ما لا يطلع على تأويله؟ !

قلنا: يجوز أن يكلفهم الإيمان بما لا يطلعون على تأويله؛ ليختبر طاعتهم، كما قال تعالى:(ولنبلونكم حتى تعلم المجاهدين منكم والصابرين)، (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم

) الآية، (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس)، وكما اختبرهم بالإيمان بالحروف المقطعة، مع أنه لايُعلم معناها. والله أعلم]. انتهى من «روضة الناظر» . =

ص: 550

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مع العلم أن هذا التقرير من ابن قدامة ليس اختصاراً من «المستصفى» للغزالي

ـ ط. الرسالة ـ (1/ 202)، فبينهما في هذا المبحث فرق كبير.

وقال ابن قدامة رحمه الله في «تحريم النظر في كتب الكلام» (ص 36): [وَلَا خلاف بَين أهل النقل سنيهم وبدعيهم فِي أَن مذْهَب السلف رضي الله عنهم فِي صفات الله سبحانه وتعالى الْإِقْرَار بهَا والإمرار لها وَالتسليم لقائلها وَترك التعرُّض لتفسيرها بذلك جَاءَت الْأَخْبَار عَنْهُم مجملة ومفصلة

فَروِيَ عَن مَالك بن أنس وَالْأَوْزَاعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمعمر بن رَاشد فِي الْأَحَادِيث فِي الصِّفَات أمروها كَمَا جَاءَت.

وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي كتاب الْعلم مَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من نقل الثِّقَات وَصَحَّ عَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم فَهُوَ علم يدان بِهِ

وَمَا أحدث بعدهمْ وَلم يكن لَهُ أصل فِي مَا جَاءَ عَنْهُم فَهُوَ بِدعَة وضلالة وَمَا جَاءَ فِي أَسمَاء الله وَصِفَاته عَنْهُم نسلم لَهُ وَلم نناظر كَمَا لم يناظروا وَرَوَاهَا السّلف وسكتوا عَنْهَا وَكَانُوا أعمق النَّاس علما وأوسعهم فهما وَأَقلهمْ تكلفا وَلم يكن سكوتهم عَن عي، فَمن لم يَسعهُ مَا وسعهم فقد خَابَ وخسر.

وروى مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة أَنه أجمع أهل الْعلم فِي الْمشرق وَالْمغْرب على أَن هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِي الصِّفَات لَا تفسَّر أَو كَمَا قَالَ. وَقَالَ حنبلي سَأَلت أَبَا عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رضي الله عنه عَن هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي تروي أَن الله تبارك وتعالى يرى وَأَنه ينزل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا وَأَنه يضع قدمه وَمَا أشبه ذَلِك فَقَالَ أَبُو

عبد الله رضي الله عنه نؤمن بهَا ونصدق بهَا وَلَا نرد مِنْهَا شَيْئا إِذا كَانَت بأسانيد صِحَاح وَلَا نرد على الرَّسُول صلى الله عليه وسلم قَوْله ونعلم أَن مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم حق =

ص: 551

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَلَا يُوصف الله تَعَالَى بِأَكْثَرَ مِمَّا وصف بِهِ نَفسه بِلَا حد وَلَا غَايَة (لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير) فَنَقُول كَمَا قَالَ وَنصفه كَمَا وصف نَفسه لَا نتعدى ذَلِك وَلَا نزيل عَنهُ صفة من صِفَاته لشناعة شنعت.

نؤمن بِهَذِهِ الْأَحَادِيث ونقرها ونمرها كَمَا جَاءَت بِلَا كَيفَ وَلَا معنى إِلَى على مَا وصف بِهِ نَفسه تبارك وتعالى وَهُوَ كَمَا وصف نَفسه سميع بَصِير بِلَا حد وَلَا تَقْدِير صِفَاته مِنْهُ وَله لَا نتعدى الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْخَبَر وَلَا نعلم كَيفَ ذَاك إِلَّا بِتَصْدِيق الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وتثبيت الْقُرْآن وَقَالَ أَبُو عبد الله حَدثنَا وَكِيع يَوْمًا بِحَدِيث من هَذِه الْأَحَادِيث فاقشعر زَكَرِيَّاء بن عدي فَقَالَ وَكِيع وَغَضب أدركنا الْأَعْمَش وسُفْيَان يحدثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَلَا يُنْكِرُونَهَا وَهَذَا مِمَّا لَا نعلم فِيهِ بَين سلفنا رحمهم الله اخْتِلَافاً وَالْمُنكر لَهُ إِمَّا جَاهِل أَو متجاهل قَلِيل الدّين وَالْحيَاء لَا يخَاف من الله تَعَالَى إِذا كذب وَلَا يستحيي من النَّاس إِذا كذب وَنحن على طَريقَة سلفنا وجادة أَئِمَّتنَا وَسنة نَبينَا صلى الله عليه وسلم مَا أحدثنا قولا وَلَا زِدْنَا زِيَادَة بل آمنا بِمَا جَاءَ وأمررناه كَمَا جَاءَ وَقُلْنَا بِمَا قَالُوا وسكتنا عَمَّا سكتوا عَنهُ وسلكنا حَيْثُ سلكوا فَلَا وَجه لنسبة الْخلاف والبدعة إِلَيْنَا ..... ]

وقال أيضاً: (ص 53): [وَإِذا انسدَّ بَاب التَّأْوِيل من هَذِه الطّرق كلهَا مَعَ أَن فِي وَاحِد مِنْهَا كِفَايَة لم يبْق إِلَّا الطَّرِيق الْوَاضِح وَالْقَوْل السديد وسلوك سَبِيل الله تَعَالَى الَّتِي دلّت على استقامتها الْآثَار وسلكها الصَّحَابَة الْأَبْرَار وَالْأَئِمَّة الأخيار وَمضى عَلَيْهَا الصالحون واقتفاها المتقون وَأوصى بلزمها الْأَئِمَّة الناصحون الصادقون وَهِي الْإِيمَان بالألفاظ والآيات وَالْأَخْبَار بِالْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ الله تَعَالَى وَالسُّكُوت عَمَّا لَا نعلمهُ من مَعْنَاهَا وَترك =

ص: 552

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الْبَحْث عَمَّا لم يكلفنا الله الْبَحْث عَنهُ من تَأْوِيلهَا وَلم يطلعنا على علمه وَاتِّبَاع طَرِيق الراسخين الَّذين أثنى الله عَلَيْهِم فِي كِتَابه الْمُبين حِين قَالُوا {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} فَهَذَا الطَّرِيق السَّلِيم الَّذِي لَا خطر على سالكه وَلَا وَحْشَة على صَاحبه وَلَا مَخَافَة على مقتفيه وَلَا ضَرَر على السائر فِيهِ من سلكه سلم وَمن فَارقه عطب وَنَدم وَهُوَ سَبِيل الْمُؤمنِينَ الَّذِي دلّت عَلَيْهِ السّنة وسلكه صَالح الْأمة (وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيراً)، وعائب هَذِه الْمقَالة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يعيب الْإِيمَان بالألفاظ أَو السُّكُوت عَن التَّفْسِير أَو الْأَمريْنِ مَعًا، فَإِن عَابَ الْإِيمَان بالألفاظ فَهِيَ قَول رب الْعَالمين وَرَسُوله الصَّادِق الآمين صلى الله عليه وسلم فعائبها كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم؛ وَلِأَن عائب الْإِيمَان بِمَا لَا يَخْلُو من أَن يكون مُؤمنا بهما أَو كَافِراً فَإِن كَانَ مُؤمنا بهما فَكيف يعيب مَا هُوَ عَلَيْهِ وَإِن كفر بهما خرج من الْإِسْلَام وَكفر بِالْإِيمَان، قَالَ الله تَعَالَى (وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ)، وَإِن عَابَ السُّكُوت عَن التَّفْسِير أَخطَأ، فإننا لَا نعلم لَهَا تَفْسِيراً وَمن لم يعلم شَيْئاً وَجب عَلَيْهِ السُّكُوت عَنهُ وَحرم عَلَيْهِ الْكَلَام فِيهِ، قَالَ الله تَعَالَى (وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم)، وَذكر الله تَعَالَى فِي المُحرمَات:(وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ)

]

وقال أيضاً: (ص 59): [وَأما إيمَاننَا بِالْآيَاتِ وأخبار الصِّفَات فَإِنَّمَا هُوَ إِيمَان بِمُجَرَّد الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا شكّ فِي صِحَّتهَا وَلَا ريب فِي صدقهَا وقائلها أعلم بمعناها فَآمَنا بها على الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَ رَبنَا تبارك وتعالى فجمعنا بين الْإِيمَان الْوَاجب وَنفي التَّشْبيه الْمحرم، وَهَذَا أَسد وَأحسن من قَول من جعل الْآيات وَالْأَخْبار تجسيماً وتشبيهاً =

ص: 553

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وتحيَّل على إِبْطَالهَا وردهَا، فحملها على معنى صِفَات المخلوقين بِسوء رَأْيه وقبح عقيدته، ونعوذ بِاللَّه من الضلال الْبعيد.

فصل

وَأما قَوْله: هاتوا أخبرونا مَا الَّذِي يظْهر لكم من معنى هَذِه الْأَلْفَاظ الْوَارِدَة فِي الصِّفَات؟

فَهَذَا قد تسرع فِي التجاهل والتعامي، كَأَنَّهُ لَا يعرف مُعْتَقد أهل السّنة وَقَوْلهمْ فِيهَا وَهُوَ قَوْله وَقد تربى بَين أَهلهَا وَعرف أَقْوَالهم فِيهَا وَإِن كَانَ الله سبحانه وتعالى قد أبكمه وأعمى قلبه إِلَى هَذَا الْحَد بِحَيْثُ لَا يعلم مقالتهم فِيهَا مَعَ معاشرته لَهُم واطلاعه على كتبهمْ ودعواه الْفَهم فَالله على كل شَيْء قدير.

وَكم قد شرح هُوَ مقَالَة أهل السّنة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين الْحق فِيهَا بعد تَوْبَته من هَذِه الْمقَالة وَبَين أَنه إِذا سَأَلنَا سَائل عَن معنى هَذِه الْأَلْفَاظ قُلْنَا لَا نزيدك على ألفاظها زِيَادَة تفِيد معنى بل قرَاءَتهَا تَفْسِيرهَا من غير معنى بِعَيْنِه وَلَا تَفْسِير بِنَفسِهِ وَلَكِن قد علمنَا أَن لَهَا معنى فِي الْجُمْلَة يُعلمهُ الْمُتَكَلّم بهَا فَنحْن نؤمن بهَا بذلك الْمَعْنى وَمن كَانَ كَذَلِك كَيفَ يسْأَل عَن معنى وَهُوَ يَقُول لَا أعلمهُ؟ ! وَكَيف يسْأَل عَن كَيْفيَّة مَا يرى أَن السُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَالْكَلَام فِي تَفْسِيره خطأ والبحث عَنهُ تكلّف وتعمق أَو مَا سمع حِكَايَة مَالك بن أنس رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي الله عَنهُ حِين سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى: (الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى) كَيفَ اسْتَوَى فاطرق حَتَّى علاهُ الرحضاء ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ الاسْتوَاء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة ثمَّ أَمر الرجل فَأخْرج]. =

ص: 554

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال ابن القيم «الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة» (3/ 924 ـ 925): [

وكذلك قال ابن الماجشون والإمام أحمد وغيرهما من السلف: إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وإن كنا نعلم تفسيره ومعناه.

وقد فسر الإمام أحمد الآيات التي احتج بها الجهمية من المتشابه، وقال: إنهم تأولوها على غير تأويلها، وبين معناها، وكذلك الصحابة والتابعون فسَّروا القرآن، وعلموا المراد بآيات الصفات، كما علموا المراد من آيات الأمر والنهي، وإن لم يعلموا الكيفية، كما علموا معاني ما أخبر الله به في الجنة والنار، وإن لم يعلموا حقيقة كنهه وكيفيته؛ فمن قال من السلف: إن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله بهذا المعنى فهو حق؛ وأما من قال إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد منه لا يعلمه إلا الله، فهذا غلط؛ والصحابة والتابعون وجمهور الأمة على خلافه

].

وانظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (13/ 294 ـ 307)، و (17/ 361) وما بعدها.

والعبارة التي تحدث عنها أهل العلم المعاصرون ـ فيما وقفتُ عليه ـ هي عبارة ابن قدامة في «لمعة الاعتقاد» فقط.

واختلفوا فيها، فقيل:

1)

إن ابن قدامة مُفوِّض. (قاله الشيخ: عبدالرزاق عفيفي ـ كما سيأتي ـ).

2)

إن عبارته في اللمعة من عبارات المفوضة، وأما هو فمن أئمة السنة والجماعة. (قاله الشيخ: محمد بن إبراهيم ـ كما سيأتي ـ، وأما الشيخ صالح الفوزان، فقد نقد اللفظة فقط، وبيَّن عقيدة أهل السنة والجماعة في الصفات، ولم يتكلم في ابن قدامة). =

ص: 555

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 3)

يريد تفويض الكيفية. (كثيرٌ من المعاصرين، منهم الشيخ: ابن جبرين، ود. علي الشهراني في رسالته الماجستير «منهج ابن قدامة في تقرير عقيدة السلف، وموقفه من المخالفين لها» ـ طبعت في مؤسسة بيت الأفكار ـ.

4)

ربما مُدْخَلَةٌ عليه. (قالها الشيخ عبدالله بن عقيل، كما «التكميل على الإكليل في وصف الرحلة والمقروءات على العلامة الشيخ: عبدالله بن عقيل» د. وليد المنيس (ص 31).

5)

عند ابن قدامة تفويض جزئي، في أحاديث مشكلة في الصفات. (د. يوسف الغفيص في شرحه).

6)

أنَّ مَنْ أشكل عليه شئٌ من أحاديث الصفات؛ فعليه أن يُفوِّض معناها إلى الله.

7)

أراد معالجة انحراف في وقته؛ من طائفة غلت في تفصيل معاني الصفات. (د. يوسف الغفيص في شرحه).

8)

عنده اضطرابٌ في الباب.

قال الشيخ العلَّامة: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله (1/ 202): [(قول صاحب اللمعة: وجب الايمان به لفظًا): وأما كلام صاحب اللمعة، فهذه الكلمة مما لوحظ في هذه العقيدة، وقد لوحظ فيها عِدة كلمات أخذت على المصنف، إذ لا يخفى أن مذهب أَهل السنة والجماعة هو الإيمان بما ثبت في الكتاب والسنة من أَسماء الله وصفاته لفظًا ومعنى، واعتقاد أَن هذه الأَسماءَ والصفات على الحقيقة لا على المجاز، وأَن لها معاني حقيقة تليق بجلال الله وعظمته. وأدلة ذلك أَكثر من أَن تحصر. ومعاني هذه الأَسماء ظاهرة معروفة من القرآن كغيرها لا لبسَ فيها ولا إشكال ولا غموض، =

ص: 556

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فقد أخذ أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه القرآن، ونقلوا عنه الأَحاديث، لم يستشكلوا شيئًا من معاني هذه الآيات والأَحاديث؛ لأَنها واضحة صريحة، وكذلك مَن بعدهم من القرون الفاضلة، كما يروى عن مالك لما سئل عن قوله سبحانه:«الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» قال: الاستواءُ معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وكذلك يروى معنى ذلك عن ربيعة شيخ مالك، ويروى عن أُم سلمة مرفوعًا وموقوفًا.

أما كُنْهُ الصفة وكيفيتها فلا يعلمه إلا الله سبحانه، إذْ الكلام في الصفة فَرْعٌ عن الكلام في الموصوف، فكما لا يعلم كيف هو ـ إلا هو ـ فكذلك صفاته. وهو معنى قول مالك: والكيف مجهول.

أَما ما ذكره في «اللمعة» فإنه ينطبق على مذهب المفوِّضة، وهو من شَرُّ المذاهب وأخبثها.

والمصنِّف رحمه الله إمام في السُّنَّة، ومِن أَبعَدِ الناس عن مذهب المفوضة وغيرهم من المبتدعة. والله أَعلم]. انتهى كلام الشيخ محمد بن إبراهيم.

قال الشيخ: عبد الرزاق عفيفي كما في «فتاويه» (1/ 153): لما سئل: عن بعض عبارات الإمام ابن قدامة في «لمعة الاعتقاد» التي يُفهم منها التفويض؟

قال رحمه الله: (مذهب السلف هو التفويض في كيفية الصفات لافي المعنى، وقد غلِطَ ابنُ قدامة في «لمعة الاعتقاد»، وقال: بالتفويض. ولكن الحنابلة يتعصبون للحنابلة، ولذلك يتعصب بعض المشايخ في الدفاع عن ابن قدامة، ولكنَّ الصحيح أنَّ ابنَ قدامة مُفوِّضٌ). =

ص: 557

وَأَخَذُوْا (1) ذَلِكَ الْآخِرُ (2) عَنْ الْأَوَّلِ، وَوَصَّى بَعْضُهُمْ بَعْضَاً بِحُسْنِ الْاتِّبَاعِ،

= والذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ من خلال النصوص السابقة أن الشيخ الإمام ابن قدامة رحمه الله عنده تفويض جزئي، في أحاديث من أحاديث الصفات يرى أنها مشكلة، وأنها من المتشابه؛ والحقُّ أن أحاديث الصفات كلّها ليست من المتشابه، وليس في شئ منها إشكال، وللصفات معنى معروف في لسان العرب، نؤمن به لفظاً ومَعْنَى، ونفوِّض كيفيتها إلى الله تعالى.

مع أن عدداً من علمائنا لم يتكلموا إلا على لفظة «لمعة الاعتقاد» ، ولو اطلعوا على النصوص الأخرى؛ لزاد الأمرَ وضوحاً، وبعُدَ عن التكلف في حمله على تفويض الكيفية ـ والله تعالى أعلم ـ.

وانظر ـ زيادة على ماسَبَقَ من المراجع ـ: «منهج ابن قدامة في تقرير عقيدة السلف، وموقفه من المخالفين لها» د. علي الشهراني ـ رسالة ماجستير، من جامعة الإمام ـ طبعت في مؤسسة بيت الأفكار ـ، و «جهود ابن قدامة في خدمة العقيدة» لسعد بن محمد النباتي ـ ماجستير في أم القرى ـ، «شرح لمعة الاعتقاد» للشيخ العلَاّمة: صالح الفوزان (ص 38)(ص 296) ـ مهم ـ، «تعليقات ابن سحمان على شرح العقيدة السفارينية» (1/ 95)، «شرح لمعة الاعتقاد» للشيخ: صالح آل الشيخ ـ ط. المنهاج ـ (ص 27)، و «الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد» للشيخ: عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين رحمه الله (ص 69)، «شرح لمعة الاعتقاد» للشيخ د. يوسف الغفيص ـ منشور في الشبكة والموسوعة الشاملة ـ، «اتِّهَامَاتٌ لاتَثْبُت» للشيخ: سليمان الخراشي (ص 101).

(1)

في «ذم التأويل» : وَأَخَذَ ذَلِكَ.

(2)

في «المخطوطة» : آخر عن الأول.

ص: 558

وَالْوُقُوْفِ حَيْثُ وَقَفَ أَوَّلُهُمْ، وَحَذَّرُوْا مِنَ الْتَّجَاوُزِ لَهُمْ، وَالْعُدُوْلِ عَنْ طَرِيْقِهِمْ، وَبَيَّنُوْا لَنَا سَبِيْلَهُمْ، وَمَذْهَبَهُمْ، وَنَرْجُوْا أَنْ يَجْعَلَنَا اللهُ مِمَّنِ اقْتَدَى بِهِمْ، فِيْ بَيَانِ مَا بَيَّنُوْهُ، وَسُلُوْكِ الْطَّرِيْقِ الَّذِيْ سَلَكُوْهُ) انْتَهَى (1).

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ نُصُوْصِ الْقُرْآنِ، وَالأَحَادِيْثِ، وَأَقْوَالِ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، أَنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، لَيْسَ فِيْ خَلْقِهِ شَيْءٌ مِنْهُ جل جلاله.

جَمَعَ اللهُ قُلُوْبَنَا عَلَى التَّقْوَى، وَعَصَمَنَا مِنْ اتِّبَاعِ الهَوَى، آمِيْنَ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيْمٌ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

(1)«ذم التأويل» لابن قدامة (ص 9).

ص: 559

تَمَّ بِقَلَمِ الْفَقِيْرِ إِلَى الله، عَبْدِهِ وَابْنِ عَبْدِهِ، عَبْدِ الله بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ سُعُوْدٍ آلِ بْنِ بلِيْهِدْ (1) غَفَرَ اللهُ لَهُ، وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِمَشَايِخِهِ، وَإِخْوَانِهِ المُسْلِمِيْنَ، آمِيْنَ.

حُرِّرَ فِيْ (28 شوال (2) 1314 هـ).

ثُمَّ وُضِعَ بَعْدَ هَذِهِ الخَاتِمَةِ، فِيْ آخِرِ وَرَقَةٍ:

مِنْ عَقِيْدَةِ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ ــ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ـ:

(1) ناسخُ الكتاب، سبقت ترجمته في (ص 146).

(2)

في المخطوط (ل)، وَهُوَ اخْتِصَارٌ لِ (شوال)، يُنْظَر:«سراج الكتبة» لمصطفى طموط (ص 83)، «الإملاء» لحسين والي (ص 138 ـ 139)، و «معجم الرموز والإشارات» للمامقاني (ص 99)، «نشأة الإخوان والأرطاوية» لعبدالله الماضي (ص 282)، «أهمية الوثائق المحلية في تاريخ الأفراد والأسر» للشيخ: محمد بن ناصر العبودي (ص 32).

ص: 560

القصيدة اللامية

ص: 561

تَمَّتْ (1)

(1) سقط من المخطوطة بيتان، وهُمَا:

قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه

وإذا استدل يقول: قال الأخطل

والنار يصلاها الشقي بحكمة

وكذا التقي إلى الجنان سيدخل

والصورة ـ أعلاه ـ «اللامية» ، أخذتُها من مقدِّمَةِ النَّاشر لِ «شرح عمدة الفقه ـ كتاب المناسك ـ» لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ ط. مكتبة المنهاج في الرياض ـ.

لكن في المخطوطة:

وأقول في القرآن ما جاءت به

آياته فهو القديم المنزل

بهذه العبارة «القديم المنزل» ، وليس:«الكريم المنزل» ، وسيأتي بيان أن الأصحَّ في «اللامية»:«القديم» .

وهذة «اللامية» تُنْسَبُ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والصحيح أنها ليست له.

طُبِعَتْ بتحقيق الشيخ د. هانئ الجبير في «مجلة الحكمة» عدد (14)(1418 هـ)(ص 320 ـ 321).

وشَرَحَهَا: أحمد بن عبدالله المرداوي رحمه الله في كتابه «اللآلئ البهية في شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية» ـ ط. دار المسلم ـ.

ذكر المرداوي في مقدِّمَةِ شَرْحِهِ (ص 3) أنها تُنْسَبُ لِشَيْخِ الإسلام.

وكذا قال ابن سحمان رحمه الله في «تنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة» (ص 21): (وأما ما ذكره في «القول السديد» في الأبيات التي نَسَبَهَا لشيخ الإسلام ـ قدس الله روحه ـ إنْ صَحَّ النقل بذلك عنه ـ حيث قال: =

ص: 562

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأقول في القرآن ما جاءت به

آياته فهو القديم المنزل

فهذا القول ـ إنْ صَحَّ ـ لا ينافي كونه سبحانه يتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً لأهل الكلام من المبتدعة، وغيرهم. والله أعلم).

سُئلَ الشيخ: ابنُ عثيمين في دَرْسِ «شرح السفارينية» ـ ط. دار البصيرة ـ (ص 427) عن قول ابن تيمية:

وأقول في القرآن ما جاءت به

آياته فهو القديم المنزل

فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (هذه أولاً تحتاجُ إِلى إِثْبَاتِ أنَّها لِشيخ الإسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وعَلَى تَقْدير ثُبُوتِها فإنَّ هَذا لَعَلَّهُ فِي أوَّلِ طَلَبِهِ؛ لأَنَّ القَوْلَ بِأَنَّهُ قَدِيْمُ هُوَ المشهورُ عِنْدَ أكثرِ النَّاسِ، فربما قال هذِهِ في أوَّلِ طَلَبِهِ؛ لكنَّ الظَّاهِرَ أنَّهَا لَا تَصِحُّ أَصْلاً عَنْ الشَّيْخِ).

قال د. عبدالعزيز آل عبداللطيف: (جاء في بعض النُّسَخِ: «فهو الكريم المنزل»، ويحتمل أنَّ بعضَهم عَدَّلَه إلى «الكريم»؛ لأجل مجانبة الإشكال، مع أن هذا التعديل خِلافُ النُّسَخِ الخطيَّة، وشرحِ المرداوي، إضافةً إلى أنَّ وصفَ القرآن بالكريم هو تحصيل حاصل؛ إذْ لم يُنَازَعْ في هذا الوصف).

وقد ذكر هذه المنظومة الشيخُ: بكر أبو زيد رحمه الله في الكتب المنحولة على شيخ الإسلام، كما في «المداخل إلى آثار شيخ الإسلام ابن تيمية، وما لحقها من أعمال» (ص 72).

وهذه القصيدة لم يذكرها أحدٌ من تلامذة شيخ الإسلام، ومترجميه. =

ص: 563

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقد جاء في «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (6/ 297) مايفيد بأنها ليست له: [وقد أنشد فيهم المنشد:

قبحاً لمن نبذ القرآن وراءه

فإذا استدل يقول قال الأخطل

حَيْثُ لمْ يَنْسِبِ البَيْتَ لَهُ.

إضافةً إلى ماقاله د. آل عبداللطيف: «إن هذه المنظومة ـ مع قِصَرِها ـ لاتخلو من اختلاف واضطراب في عدد أبياتها، ولاتستوعب جُمَل مسائل الاعتقاد، وهي مبعثرة المضامين، ضعيفة الترتيب .... ولو فرضنا ثبوت هذه المنظومة فيمكن القول: إنها مما نظمه المؤلف في أول أمره، ؛ فقوله: إن القرآن قديم ـ بإطلاق ـ، قد رجع عنه، وأثبت الصفات الاختيارية ـ كما ثبت تقريره ـ» .

ينظر: «رسائل ومسائل منسوبة لابن تيمية ـ دراسة عقدية ـ» للشيخ د. عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف (ص 24 ـ 28).

تَمَّ الْانْتِهَاءُ مِنَ تَحْقِيْقِ الْكِتَابِ، وَالْعِنَايَةِ بِهِ.

وَالحَمْدُ لِلهِ الَّذِيْ بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الْصَالِحَاتُ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

كَتَبَهُ: إِبْرَاهِيْمُ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبْدِالْرَّحْمَنِ المُدَيْهِشْ.

مَدِيْنَةُ الْرِّيَّاض (10/ 6/ 1433 هـ).

ص: 564