الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَرْكِهِ مَالِكَ الْبَعِيرِ الَّذِي اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّهُ يُجِيعُهُ وَيُدْئِبُهُ فِي الْعَمَلِ بِتَرْكِ أَخْذِهِ إِيَّاهُ بِعَلَفِهِ
5842 -
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:" أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، وَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا، لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ حَائِطَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ سَرْوَ رَأْسِهِ وَذِفْرَاهُ، فَشَكَا، فَقَالَ: " مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ " فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: " أَوَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ تَعَالَى، شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ فِي الْعَمَلِ "
⦗ص: 64⦘
وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ ذِفْرَى الْبَعِيرِ هُوَ مَا بَعْدَ أُذُنَيْهِ، وَمَعْنَى السَّرْوِ الْمَذْكُورِ فِيهِ: هُوَ أَسْرَى مَا فِيهِ وَأَعْلَاهُ، فَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَيْهِ بِقَوْلِ رَاوِيهِ، أَيْ: مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى ذِفْرَاهُ، وَعَلَى سَرْوِ مَا فِيهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِسُكُونِهِ. وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبِ ذَلِكَ الْبَعِيرِ بَعْدَ وُقُوفِهِ عَلَى تَشَكِّيهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ يُجِيعُهُ وَيُدْئِبُهُ فِي الْعَمَلِ:" أَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا " يَعْنِي أَخَذْتَهُ بِإِعْلَافِهِ بِمَا يُخْرِجُهُ مِنْ مَالِكِي بَنِي آدَمَ فِي مَمَالِيكِهِمُ الَّذِينَ يُجِيعُونَهُمْ.
⦗ص: 65⦘
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنَ الْفِقْهِ، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْفِقْهِ فِيهَا، فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: مَنْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ يُجِيعُهَا، لَمْ يُؤْخَذْ بِإِعْلَافِهَا، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَيُؤْمَرُ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، وَتَرْكِهِ إِجَاعَتِهَا، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: بَلْ يُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ بِهِ وَيُحْبَسُ فِيهِ، كَمَا يُفْعَلُ بِهِ فِيمَنْ يَمْلِكُهُ مِنْ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ بِأَخَرَةٍ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِإِجْمَاعِهِمْ، وَإِجْمَاعِ مُخَالِفِيهِمْ عَلَى الْأَخْذِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكِينَ الْآدَمَيِّينَ. فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِمُخَالِفِيهِمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْآدَمَيِّينَ تَجِبُ لَهُمُ الْحُقُوقُ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْحُقُوقُ، فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَمَالِيكَ الْآدَمَيِّينَ يَجْنُونَ الْجِنَايَاتِ، فَيُؤْخَذُونَ بِهَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْحُقُوقُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا يَجِبُ لَهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ لَهُمْ عَلَيْهِ وَكَانَتْ إِلَيْهَا، ثُمَّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْحُقُوقُ بِجِنَايَاتِهِمْ، فَكَانُوا كَذَلِكَ أَيْضًا فِي تَرْكِهِ وُجُوبَ الْحُقُوقِ لَهُمْ عَلَى مَالِكِيهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ بِخِلَافِ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ النَّاسِ يُؤْمَرُونَ فِيهِمْ بِتَقْوَى اللهِ عز وجل، وَبِتَرْكِ التَّضْيِيعِ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَى مَالِكِيهِمْ فِي التَّجَاوُزِ مَا عَلَى غَيْرِ مَالِكِيهِمْ فِيهِ