الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا كَانَ مِنْهُ فِي الَّذِي طُعِنَتْ رِجْلُهُ بِقَرْنٍ، فَسَأَلَ الْقَوَدَ فَأَقَادَهُ، فَشُلَّتْ رِجْلُ الْمُقْتَصِّ، وَبَرَأَتْ رِجْلُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ
5849 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ قَالَ: طَعَنَ رَجُلٌ آخَرَ بِقَرْنٍ فِي زِحَامٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَقِدْنِي. فَقَالَ: " انْتَظِرْ " ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ عز وجل، فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَأَقَادَهُ، فَبَرَأَ الْآخَرُ، وَشُلَّتْ رِجْلُ الْأَوَّلِ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَقِدْنِي مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: " لَيْسَ لَكَ شَيْءٌ، قُلْتُ لَكَ: انْتَظِرْ فَأَبَيْتَ " هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ
⦗ص: 77⦘
يُونُسُ إِمْلَاءً فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَقَدْ كَانَ الْمُزَنِيُّ حَدَّثَنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بِغَيْرِ شَكٍّ فِيهِ، وَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ لِلرَّجُلِ:" انْتَظِرْ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَمِنْ أَخْذِهِ لَهُ بِالْقَوَدِ لَمَّا سَأَلَهُ إِيَّاهُ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَا عَلَى أَنَّ أَتَيْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِنَا مَعَ انْقِطَاعِهِ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ قَدْ كَانَ حَدَّثَ بِهِ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَذَكَرَ
⦗ص: 78⦘
لِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْهُ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى يَبْرَأَ مِنَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ
5850 -
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
⦗ص: 79⦘
جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيِدِ بْنِ رُكَانَةَ " أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَقَالَ: " حَتَّى تَبْرَأَ ". ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَقَادَهُ، فَعَرَجَ الْمُسْتَقِيدُ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: حَقِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَبْعَدَ اللهُ عَنْ ذَلِكَ، لَا شَيْءَ لَكَ " فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ، فَعَقَلْنَا أَنَّ مَنْعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَجْنِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوَدِ حِينَ سَأَلَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَقَدْ وَجَبَ لَهُ الْقَوَدُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ وَجَبَ لَهُ لَمَا مَنَعَهُ مِنْهُ، وَأَوْفَاهُ الْوَاجِبَ مِنْهُ، وَلَمَّا سَأَلَهُ الْقَوَدَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَجَابَهُ إِلَيْهِ فَأَقَادَهُ، دَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ وَجَبَ لَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا أَخَذَ لَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ لَهُ. وَكَانَ جُمْلَةُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ الْقَوَدَ مِنَ الْجِنَايَةِ عِنْدَ وُقُوعِهَا عَلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ مِنَ الْجَانِي، قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَوَدِ، هَلْ وَجَبَ لَهُ حِينَئِذٍ فَيُقِيدَ، أَوْ لَمْ يَجِبْ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى مَا تَتَنَاهَى إِلَيْهِ جِنَايَتُهُ مِنْ ذَهَابِ نَفْسِ الْمَجْنِي عَلَيْهِ، أَوْ مِنْ سَلَامَتِهَا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ ذَهَابِ أَعْضَائِهِ بِهَا، أَوْ سَلَامَةِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَنِهِ، أَوْ مِنْ بُرْءٍ مِنَ الْجِنَايَةِ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: لَا يَجِبُ لَهُ الْقَوَدُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى مَا تَئُولُ إِلَيْهِ الْجِنَايَةُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَجْعَلُ كَأَنَّهُ جُنِيَ عَلَيْهِ مَا تَنَاهَتْ إِلَيْهِ جِنَايَتُهُ، وَيُوَفَّى مَالَهُ فِي ذَلِكَ، لَوْ كَانَ الْجَانِي قَصَدَ بِهِ إِلَيْهِ فِيهِ مِنْ قَوَدٍ، وَمَا
⦗ص: 80⦘
سِوَى ذَلِكَ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَجِبُ لَهُ الْقِصَاصُ مِنَ الْجَانِي حِينَ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا جَنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكَافُؤٍ أَوْ زِيَادَةٍ مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي، فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ بِهِ فِعْلَانِ: قَوَدًا مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِيهِ إِلَّا فِعْلٌ وَاحِدٌ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ: الشَّافِعِيُّ. وَلَمَّا مَنَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي الْبَابِ مِنَ الْقَوَدِ حِينَ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ، عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ لَهُ، وَأَنَّهُ أَقَادَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَقَادَهُ بِأَنْ كَانَ هُوَ الْوَقْتَ الَّذِي كَانَ وَجَبَ لَهُ فِيهِ الْقَوَدُ عَلَى الْجَانِي عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ مَنَعَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ مِنَ الْقَوَدِ مِنَ الْجَانِي بَعْدَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقَادَهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ فِي حَالٍ أُخْرَى، عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّمَا مَنَعَهُ مِنَ الْقَوَدِ فِي الْحَالِ الْأُولَى انْتِظَارًا لِحَالٍ سِوَاهَا، وَلَا حَالَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الْبُرْءُ مِنَ الْجِنَايَةِ، وَمَا يَئُولُ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهَا مِنْ ذَهَابِ نَفْسِ الْمَجْنِي عَلَيْهِ مِنْهَا، أَوْ مِنْ ذَهَابِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ مِنْهَا، أَوْ مِنْ سَلَامَةِ نَفْسِهِ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ رَفْعِ الْقَوَدِ عَنِ الْجَانِي لِلْمَجْنِي عَلَيْهِ حَتَّى يُوقَفَ إِلَى مَا تَتَنَاهَى إِلَيْهِ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ، فَيُوَفَّى حِينَ ذَلِكَ الْوَاجِبَ لَهُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ مِمَّنْ حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ هُوَ هَذَا الْقَوْلَ أَيْضًا، لَأَنَا وَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْجِنَايَةِ لَوْ كَانَتْ خَطَأً، فَمَاتَ مِنْهَا الْمَجْنِي عَلَيْهِ، أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ دِيَةَ النَّفْسِ لَا دِيَةَ مَا سِوَاهَا مِنَ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ الْمَقْصُودِ
⦗ص: 81⦘
بِالْجِنَايَةِ إِلَيْهِ لَا مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا ذَهَبَ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ مِنْ ذَهَابِ الْأَعْضَاءِ الْمَقْطُوعَةِ إِذَا كَانَ الْبُرْءُ مِنْهَا، وَيَكُونُ لَا حُكْمَ لَهَا إِذَا ذَهَبَتِ النَّفْسُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ، وَيَعُودُ الْحُكْمُ لِلنَّفْسِ لَا لِمَا سِوَاهَا، وَيَجِبُ الْقَوَدُ فِيهَا لَا فِي الْأَعْضَاءِ الذَّاهِبَةِ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ الَّتِي وَجَبَ الْقَوَدُ فِيهَا. وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ