الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكَلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُبِّ الْغِنَى الَّذِي يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ الْغِنَى مِنَ الْمَالِ، وَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْ سُؤَالِ اللهِ عز وجل الْغِنَى
6050 -
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلٍ لَهُ وَغَنَمٍ، فَأَتَاهُ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ، قَالَ: يَا أَبَتِ، أَرَضِيتَ أَنْ تَكُونَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَالنَّاسُ بِالْمَدِينَةِ يَتَنَازَعُونَ فِي الْمُلْكِ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ صَدْرَ عُمَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اسْكُتْ يَا بُنَيَّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" إِنَّ اللهَ عز وجل يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ "
6051 -
وَحَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى "
⦗ص: 323⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقَالَ قَائِلٌ: فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْغَنِيَّ، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْهُمَا سُؤَالُهُ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ عز وجل الْغِنَى، فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى تَفْضِيلِهِ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْغِنَى الْمَذْكُورَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَ هُوَ الْغِنَى بِالْمَالِ، وَكَيْفَ يُظَنُّ ذَلِكَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو ذَرٍّ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، أَنَّهُ قَالَ:" مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ أُحُدًا ذَهَبًا يَأْتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ، وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا دِينَارًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، أَوْ أَقُولُ بِهِ فِي عِبَادِ اللهِ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا "، وَلَكِنَّ الْغِنَى الْمَذْكُورَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، غِنَى النَّفْسِ الْقَاطِعِ عَنِ الْمَالِ الَّذِي يَقْطَعُ عَنْ طاعاتِ اللهِ عز وجل، وَيَشْغَلُ الْقُلُوبَ عَمَّا سِوَاهُ، وَيَقْطَعُهُ عَنْهُ
6052 -
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُحَمَّدِ
⦗ص: 324⦘
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ " فَالْغِنَى الْمَحْمُودُ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلِينَ هُوَ هَذَا الْغِنَى الَّذِي تَتَفَرَّغُ بِهِ الْقُلُوبُ عَنِ الدُّنْيَا، وَعَنِ الِاهْتِمَامِ لَهَا، وَتُقْبِلُ مَعَهَا إِلَى أَضْدَادِ ذَلِكَ، مِمَّا يَحْمَدُهُ اللهُ عز وجل مِنْ أَهْلِهِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خِلَافُ هَذَا، أَوْ يَكُونُ أَحَدٌ عِنْدَ اللهِ بِمَنْزِلَةٍ أَفْضَلَ مِنَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي هُوَ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ أَضَّدَادُ مَا ظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَهُ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.