الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ الْآخَرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ يَتَيَمَّمُ لِلْوُضُوءِ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ نَائِبٌ عَنْ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ.
وَالتَّيَمُّمُ عَنْ الْجَنَابَةِ نَائِبٌ عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْجَسَدِ فَلَا يُجْزِئُ مَا نَابَ عَنْ غَسْلِ بَعْضِ الْبَدَنِ عَمَّا يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِهِ، وَالْغَسْلُ فِي الْجُرْحِ لَمْ يَنُبْ عَنْ غَيْرِهِ، وَالْحُكْمُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْجُرْحِ غَسْلُ تِلْكَ اللَّمْعَةِ فَأَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ.
[بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَبَائِرِ]
فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ السَّادِسُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَبَائِرِ (رُخِّصَ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مُسْتَحَاضَةٍ بِحَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ مَسْحُ جَوْرَبٍ جُلِّدَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ وَخُفٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُمْسَحُ عَلَى ظُهُورِ الْخُفَّيْنِ وَبَاطِنِهِمَا. ابْنُ الطَّلَّاعِ: نَفْسُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فَرْضٌ وَالِانْتِقَالُ إلَيْهِ مِنْ الْغَسْلِ رُخْصَةٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَشْهُورُ جَوَازُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فِي الْوُضُوءِ بَدَلَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَالْمَرْأَةُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالرَّأْسِ مِثْلُ الرَّجُلِ
فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلِلْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ تَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهَا وَلَا تَتَّبِعُ غُضُونَهُمَا وَهُوَ تَكْسِيرُ أَعْلَاهُمَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُمْسَحُ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوْقِهِمَا وَتَحْتِهِمَا جِلْدٌ مَخْرُوزٌ وَقَدْ بَلَغَ الْكَعْبَيْنِ فَلْيُمْسَحْ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ قَالَ: لَا يُمْسَحُ عَلَيْهِمَا. وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ جِلْدٌ مَخْرُوزٌ يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَهَذَا كَالْخُفِّ. اللَّخْمِيِّ: الْجُرْمُوقُ شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنْ غَيْرِ الْجِلْدِ وَيُعْمَلُ عَلَيْهِ الْجِلْدُ. الْبَاجِيُّ: وَجْهُ رِوَايَةِ مَنْعِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لِمَشَقَّةِ خَلْعِهِ وَلُبْسِهِ، بِخِلَافِ الْجُرْمُوقِ فَإِنَّهُ كَالنَّعْلِ. أَبُو عُمَرَ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ الْمُجَلَّدَيْنِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ. الْجُزُولِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي الْجَوْرَبِ وَالْجُرْمُوقِ هَلْ هُمَا اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ؟
(وَلَوْ عَلَى خُفٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ لَبِسَ خُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ لَبِسَ آخَرَ مِنْ
فَوْقِهِمَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا أَيْضًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ لَبِسَ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ مَسَحَ الْأَعْلَى مِنْهُمَا. (بِلَا حَائِلٍ كَطِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَيَنْزِعُ مَا بِأَسْفَلِ الْخُفِّ مِنْ طِينٍ قَبْلَ الْمَسْحِ.
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْخُفِّ وَهَذَا حَائِلٌ دُونَ الْخُفِّ فَوَجَبَ نَزْعُهُ كَمَا لَوْ لَفَّ عَلَى الْخُفِّ خِرْقَةً لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَاسِحَ عَلَى غَيْرِ الْخُفِّ. وَانْظُرْ إنْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى الريحية وَالْغَلَصَاتِ.
قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: يُمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا أُبَالِي لَبِسَهُمَا بِخِرَقٍ أَوْ بِجَوْرَبٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِيهِمَا بِغَيْرِ لِفَافَةٍ. (إلَّا الْمِهْمَازَ) سُمِعَ سَحْنُونَ يَمْسَحُ عَلَى الْمَهَامِيزِ وَلَا يَنْزِعُهُمَا.
(وَلَا حَدَّ) التَّلْقِينُ: الْمَسْحُ جَائِزٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ لِمُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ لَا يَقْطَعُهُ، إلَّا الْخَلْعُ أَوْ حُدُوثُ مَا يُوجِبُ الْغَسْلَ.
(بِشَرْطِ جِلْدٍ) ابْنُ يُونُسَ: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ عَلَى الْخِرَقِ إذَا لَفَّ بِهَا رِجْلَيْهِ. (طَاهِرٍ) اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَجِلْدٍ وَلَوْ دُبِغَ "(خُرِزَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يُمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ جِلْدٌ
مَخْرُوزٌ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُمْسَحُ عَلَى ذِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ، اُنْظُرْ السِّبَاطَ الَّذِي بِالْقَفْلِ هَلْ الْقَفْلُ كَالْخَرَزِ، نَقَلَ الْبُرْزُلِيِّ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ.
(وَسَتَرَ مَحَلَّ الْفَرْضِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا كَانَ الْخُفُّ دُونَ الْكَعْبَيْنِ فَلَا يُمْسَحُ عَلَيْهِ (وَأَمْكَنَ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِهِ) الْبَاجِيُّ: يُمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ إذَا كَانَ مِنْ الصِّحَّةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِهِ غَالِبًا.
(بِطَهَارَةِ مَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ لَمْ يُمْسَحْ عَلَيْهِمَا إذَا تَوَضَّأَ. ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُهُ لُبْسُهُ عَلَى طَهَارَةِ حَدَثٍ بِالْمَاءِ وَلَوْ بِالْغَسْلِ (كَمُلَتْ) ابْنُ رُشْدٍ: الْمَشْهُورُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إنْ لَبِسَ الْيُمْنَى قَبْلَ غَسْلِ الْيُسْرَى إلَّا إنْ نَزَعَهَا وَلَبِسَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ.
(بِلَا تَرَفُّهٍ) الْبَاجِيُّ: إنَّمَا يُبِيحُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا لَبِسَهُمَا لِلْوَجْهِ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمَشْيِ فِيهِمَا أَوْ التَّوَقِّي بِهِمَا.
(أَوْ عِصْيَانٍ بِلُبْسِهِ) ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُحْرِمٌ. الشَّيْخُ: لِعِصْيَانِهِ بِلُبْسِهِمَا وَلَوْ لَبِسَهُمَا لِعِلَّةٍ مَسَحَ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا نَصَّ فِي الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. اُنْظُرْ الْفَرْقَ السَّبْعِينَ مِنْ قَوَاعِدِ الْقَرَافِيُّ ذَكَرَ فِيهِ مَنْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ مَغْصُوبٍ أَوْ حَجَّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ.
(أَوْ سَفَرِهِ)
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي مِنْ التَّرَخُّصِ بِسَبَبِ عِصْيَانِ السَّفَرِ إلَّا رُخْصَةٌ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي السَّفَرِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ لَا التَّيَمُّمُ وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ، وَنَحْوُ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ فِي الْمُضْطَرِّ فِي سَبَبِ الْمَعْصِيَةِ. اُنْظُرْ فِي الْقَصْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ:" غَيْرَ عَاصٍ بِهِ ".
(فَلَا يُمْسَحُ وَاسِعًا) الْجَلَّابُ: لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْوَاسِعَيْنِ فَإِنْ خَرَجَتْ رِجْلُهُ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفِّ إلَى سَاقِهِ بَطَلَ مَسْحُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَقِبَهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى سَاقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ جُلَّ رِجْلِهِ (وَمُخَرَّقٌ قَدْرُ ثُلُثِ الْقَدَمِ) ابْنُ رُشْدٍ: مَدْلُولُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الثُّلُثَ آخِرُ حَدِّ الْيَسِيرِ وَأَوَّلُ حَدِّ الْكَثِيرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُمْسَحَ عَلَى مَا دُونَ الثُّلُثِ وَلَا يُمْسَحُ عَلَى مَا كَانَ خَرْقُهُ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ أَعْنِي ثُلُثَ الْقَدَمِ مِنْ الْخُفِّ لَا ثُلُثَ جَمِيعِ الْخُفِّ (وَإِنْ بِشَكٍّ) ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ أَشْكَلَ الْخَرْقُ فَلَمْ يُدْرَ أَمِنَ الْكَثِيرِ هُوَ أَمْ مِنْ الْقَلِيلِ فَلَا مَسْحَ عَلَيْهِ. (كَمُنْفَتِحٍ صَغُرَ) ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا يُمْسَحُ عَلَى الْخَرْقِ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ مُلْتَصِقًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ
كَالشَّقِّ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْقَدَمُ، وَأَمَّا إنْ اتَّسَعَ الْخَرْقُ وَانْفَتِحْ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ الْقَدَمُ فَلَا يُمْسَحُ عَلَيْهَا لَا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا جِدًّا.
(أَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ كَمَّلَ أَوْ رِجْلًا فَأَدْخَلَهَا حَتَّى يَخْلَعَ الْمَلْبُوسَ قَبْلَ الْكَمَالِ) ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ غَسَلَ رِجْلًا فَأَدْخَلَهَا فِي الْخُفِّ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى فَأَدْخَلَهَا، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ، وَكَذَلِكَ يُخْتَلَفُ فِيمَنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا فِي الْخُفَّيْنِ ثُمَّ غَسَلَ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ انْتَهَى.
وَنَصُّ السَّمَاعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ فَجَهِلَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ قَبْلُ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ بَقِيَّةَ وُضُوئِهِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَ وُضُوئِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَقِيلَ لِسَحْنُونٍ: لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَقَدْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَكَرَ وَقَدْ جَفَّ وُضُوءُهُ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: إلَّا أَنْ يَخْلَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ أَنْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ لَبِسَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ، وَكَذَلِكَ إذَا لَبِسَ خُفَّهُ الْيُمْنَى قَبْلَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَلَا يَمْسَحُ. ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ رَأَى أَنَّهُ كُلَّمَا غَسَلَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ طَهُرَ ذَلِكَ الْعُضْوُ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ إذَا لَبِسَهُمَا بَعْدَ أَنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ لِلْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ وُضُوءَهُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَجَوَازُ
الْمَسْحِ أَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ» (وَلَا مُحْرِمٌ لَمْ يَضْطَرَّ وَفِي غَصْبٍ تَرَدُّدٌ) تَقَدَّمَ الْفَرْعَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَعِصْيَانٌ بِلُبْسِهِ " وَقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ " لَا نَصَّ فِي الْخُفِّ الْمَغْصُوبِ " قَالَ: وَقِيَاسُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ يُرَدُّ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ آكِدٌ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَغْصُوبِ الْمَاءِ يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَالثَّوْبُ يُسْتَتَرُ بِهِ، وَالْمُدْيَةُ يُذْبَحُ بِهَا، وَالْكَلْبُ يُصَادُ بِهِ، وَالصَّلَاةُ بِالدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ يُرَدُّ بِأَنَّهَا عَزَائِمُ.
(وَلَا لَابِسٍ لِمُجَرَّدِ الْمَسْحِ أَوْ لِيَنَامَ وَفِيهَا يُكْرَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْمَرْأَةِ تُخَضِّبُ رِجْلَيْهَا بِالْحِنَّاءِ وَهِيَ عَلَى وُضُوءٍ فَتَلْبَسُ خُفَّيْهَا لِتَمْسَحَ عَلَيْهِمَا إذَا أَحْدَثَتْ أَوْ نَامَتْ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهَا، قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ عَلَى وُضُوءٍ فَأَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَبُولَ فَقَالَ: أَلْبِسُ خُفِّي كُلَّمَا أَحْدَثْتُ مَسَحْتُ عَلَيْهِمَا قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَذَا فِي النَّوْمِ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ وَالْبَوْلُ عِنْدِي مِثْلُهُ. وَاخْتَارَ التُّونِسِيُّ الْجَوَازَ وَعَنْ أَصْبَغَ غَيْرُهُ.
وَقَالَ التُّونِسِيُّ: وَمَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ الْمَسْحِ وَالْحَاضِرُ إنَّمَا يَلْبَسُ خُفَّيْهِ فِي الْحَضَرِ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ فِي غَسْلِهِمَا فَأُجِيزَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ فَعَمَلُهَا الْحِنَّاءَ فِي رِجْلَيْهَا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى: وَأَجَازَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ خُفَّيْهِ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ. أَصْبَغُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ قَالَ: وَإِنْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا أَجْزَأَهُ. بَهْرَامَ: نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ، وَشَهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ انْتَهَى.
وَانْظُرْ قَدْ يَتَرَجَّحُ بِهَذَا أَنَّ مَنْ عَادَتُهُ الْقِيَامُ بِاللَّيْلِ وَصَلَاةُ الضُّحَى وَهُوَ يَتَوَرَّعُ عَنْ الْمَسْحِ لِلْفَرِيضَةِ فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْسَحَ لِلضُّحَى وَقِيَامِ اللَّيْلِ فَذَلِكَ أَفْضَلُ، وَلَمْ أَزَلِ أُرَشِّحُ هَذَا الْمَعْنَى فِي تَسْخِينِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ كَمَا حَكَاهُ تَاجُ الدِّينِ فِي تَنْوِيرِهِ قَالَ: إنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ لِي شَيْخِي: يَا بُنَيَّ بَرِّدْ الْمَاءَ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ السُّخْنَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بِكَزَازَةٍ، وَإِذَا شَرِبَ الْمَاءَ
الْبَارِدَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ اسْتَجَابَ كُلُّ عُضْوٍ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، رَاجِعْهُ فِي التَّنْوِيرِ.
(وَكُرِهَ غَسْلُهُ وَتَكْرَارُهُ) ابْنُ شَاسٍ: يُكْرَهُ الْغَسْلُ وَالتَّكْرَارُ. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ نَوَى بِغَسْلِهِ مَسْحَهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ غَسَلَ طِينَهُ لَمْ يُجْزِهِ (وَتَتَبُّعُ غُضُونِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَتَّبِعُ الْغُضُونَ وَهُوَ تَكْسِيرُ أَعْلَاهُ.
(وَبَطَلَ بِغُسْلٍ وَجَبَ) تَقَدَّمَ نَصُّ التَّلْقِينِ لَا يَقْطَعُهُ إلَّا حُدُوثُ مَا يُوجِبُ الْغَسْلَ أَوْ الْخَلْعَ.
(وَبِخَرْقِهِ كَثِيرًا) سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ: مَنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى الظُّهْرَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَصْرُ حَتَّى تَخَرَّقَ خُفُّهُ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ مَعًا وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ.
ابْنُ رُشْدٍ: فَإِنْ أَخَّرَ خَلْعَهُمَا حِينَ انْخَرَقَ الْخُفُّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ.
(وَبِنَزْعِ أَكْثَرِ رِجْلٍ لِسَاقِ خُفِّهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْجَلَّابِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ جُلَّ رِجْلِهِ. (لَا الْعَقِبِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الْخُفُّ وَاسِعًا وَكَانَ الْعَقِبُ يَزُولُ وَيَخْرُجُ إلَى السَّاقِ وَيَجُولُ لِلْقَدَمِ إلَّا أَنَّ الْقَدَمَ كَمَا هِيَ فِي الْخُفِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَإِذَا نَزَعَهُمَا أَوْ أَعْلَيَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا بَادَرَ لِلْأَسْفَلِ كَالْمُوَالَاةِ) اُنْظُرْ إذَا نَزَعَ إحْدَاهُمَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ خُفًّا عَلَى خُفٍّ أَوْ لَا فَرْقَ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَقَدْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا: إنَّهُ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مَكَانَهُ وَيُجْزِئُهُ وَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ، فَإِنْ نَزَعَ خُفًّا وَاحِدًا فَلْيَنْزِعْ الْآخَرَ وَيَغْسِلْ رِجْلَيْهِ مَكَانَهُ وَيُجْزِئُهُ، وَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ سَاعَةً أَعَادَ الْوُضُوءَ.
وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: حَدُّ ذَلِكَ مِقْدَارُ مَا يَجِفُّ فِيهِ الْوُضُوءُ. الْجَلَّابُ: فَإِنْ أَخَّرَ
ذَلِكَ نَاسِيًا غَسَلَهُمَا حِينَ يَذْكُرُ وَيَبْنِي.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ نَزَعَ الَّذِي يَلْبَسُ خُفَّيْنِ عَلَى خُفَّيْنِ الْأَعْلَى مِنْهُمَا مَسَحَ الْأَسْفَلَ مَكَانَهُ وَكَانَ عَلَى وُضُوئِهِ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: فَإِنْ نَزَعَ فَرْدًا مِنْ الْأَعْلَى مَسَحَ ذَلِكَ الرِّجْلَ عَلَى الْأَسْفَلِ مَكَانَهُ وَيُجْزِئُهُ، ثُمَّ إنْ لَبِسَ الْفَرْدَ الَّذِي نَزَعَ ثُمَّ أَحْدَثَ مَسَحَ عَلَيْهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ: فَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ نَزْعِ الْفَرْدِ الْأَعْلَى وَبَيْنَ الْفَرْدِ الْأَسْفَلِ.
(وَإِنْ نَزَعَ رِجْلًا وَعَسُرَتْ الْأُخْرَى وَضَاقَ الْوَقْتُ فَفِي تَيَمُّمِهِ أَوْ مَسْحِهِ عَلَيْهِ أَوْ إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ وَإِلَّا مُزِّقَ أَقْوَالٌ) ابْنُ بَشِيرٍ: إذَا نَزَعَ إحْدَى خُفَّيْهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَزْعِ الْأُخْرَى وَخَافَ فَوَاتَ الصَّلَاةِ فَقِيلَ يَتَيَمَّمُ.
وَقَالَ الْإِبْيَانِيُّ: يَغْسِلُ الرِّجْلَ الْوَاحِدَةَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْأُخْرَى مِنْ فَوْقِ الْخُفِّ وَيَصِيرُ ذَلِكَ ضَرُورَةً
كَالْجَبِيرَةِ. وَقِيلَ: يَخْرِقُ الثَّانِي، وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا إنْ كَانَ الْخُفُّ قَلِيلَ الثَّمَنِ فَلْيَخْرِقْهُ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَلْيَغْرَمْ لَهُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الثَّمَنِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِ كَالْجَبِيرَةِ.
(وَنُدِبَ نَزْعُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ) التَّلْقِينُ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُقِيمِ خَلْعُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ لِلْغُسْلِ الْكَافِي: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَمْسَحَ أَكْثَرَ مِنْ جُمُعَةٍ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ.
(وَوَضَعَ يُمْنَاهُ عَلَى طَرَفِ أَصَابِعِهِ وَيُسْرَاهُ تَحْتَهَا وَيُمِرُّهُمَا لِكَعْبَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَرَانَا مَالِكٌ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مِنْ ظَاهِرِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى وَوَضَعَ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ مِنْ بَاطِنِ خُفِّهِ فَأَمَرَّهُمَا إلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ وَذَلِكَ أَصْلُ السَّاقِ (وَهَلْ الْيُسْرَى كَذَلِكَ أَوْ الْيُسْرَى فَوْقَهَا تَأْوِيلَانِ) الرِّسَالَةُ: وَكَذَلِكَ بِجَعْلِ يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ فَوْقِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَدِهِ الْيُمْنَى مِنْ تَحْتِهَا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهَكَذَا أَرَانَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَا: وَإِنَّ مَالِكًا أَرَاهُمَا كَذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ شَبْلُونٍ الْقَرَوِيُّ: بَلْ يَجْعَلُ الْيُمْنَى مِنْ فَوْقِ الْقَدَمَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفِعْلَ إنْ
اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ الْجَارِحَتَانِ قُدِّمَتْ فِيهِ الْيُمْنَى فِي فِعْلٍ، الرَّاجِحُ إنْ تَيَسَّرَ، فَإِنْ شُقَّ تُرِكَ كَالرُّكُوبِ، ابْنُ عَرَفَةَ فِي صِفَةِ مَسْحِهِ بَعْدَ زَوَالِ طِينِهِ سِتٌّ. الْكَافِي: وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ (وَمَسَحَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ وَبَطَلَتْ إنْ تَرَكَ أَعْلَاهُ لَا أَسْفَلَهُ فَفِي الْوَقْتِ) الْجَلَّابُ: وَيُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلِهِمَا وَإِنْ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا دُونَ أَسْفَلِهِمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ أَسْفَلِهِمَا دُونَ أَعْلَاهُمَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ إيجَابًا.