المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في موجبات التيمم] - التاج والإكليل لمختصر خليل - جـ ١

[محمد بن يوسف المواق]

الفصل: ‌فصل في موجبات التيمم]

[بَاب فِي التَّيَمُّمِ] [

‌فَصَلِّ فِي مُوجِبَات التَّيَمُّم]

فَصْلٌ ابْنُ شَاسٍ: الْبَابُ الْخَامِسُ فِي التَّيَمُّمِ

(يَتَيَمَّمُ ذُو مَرَضٍ وَسَفَرٍ) ابْنُ حَارِثٍ: يُتَيَمَّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ

ص: 477

الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنْ فِعْلِ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا (أُبِيحَ) شَرَطَ الْقَاضِي إبَاحَةَ السَّفَرِ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: يَلْزَمُ

ص: 479

الْقَائِلَ لَا يَتَيَمَّمُ الْعَاصِي: أَنْ لَا يَمْسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ إنْ انْكَسَرَ وَلَا يَأْكُلُ فِي رَمَضَانَ وَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ، اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَعِصْيَانٌ بِلُبْسِهِ ".

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: غَيْرُ وَاجِبٍ حَمْلُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَجُوزُ السَّفَرُ فِي طَرِيقٍ يَتَيَقَّنُ فِيهِ عَدَمَ الْمَاءِ طَلَبًا لِمَالٍ وَرَعْيِ الْمَوَاشِي، وَيَجُوزُ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ وَنَحْوِ هَذَا فِي الْإِكْمَالِ فَانْظُرْهُ.

(لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ وَلَوْ لِنَفْلٍ أَوْ مَسِّ مُصْحَفٍ، وَمَنَعَهُ ابْنُ أَبِي مَسْلَمَةَ لِغَيْرِ الْفَرْضِ. الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ: وَالْمَرِيضُ كَذَلِكَ.

(وَحَاضِرٌ صَحَّ لِجِنَازَةٍ إنْ تَعَيَّنَتْ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْجِنَازَةُ الْمُتَعَيِّنَةُ. قَالَ الْقَاضِي: كَفَرْضٍ (وَفَرْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ:

ص: 481

يُتَيَمَّمُ فِي الْحَضَرِ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، وَكَذَلِكَ الْمَسْجُونُ، وَكَذَلِكَ مَنْ خَافَ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ إنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ أَنْ يَذْهَبَ الْوَقْتُ فَلْيَتَيَمَّمْ وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ. انْتَهَى نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: وَمَنْ خَافَ إنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَعَهُ ذَهَبَ الْوَقْتُ وَهُوَ إنْ تَيَمَّمَ يُدْرِكُ فَلْيَتَوَضَّأْ.

وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَتَيَمَّمُ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَشَاغُلِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ أَوْ رَفْعِهِ مِنْ الْبِئْرِ وَإِنَّمَا وُضِعَ التَّيَمُّمُ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ.

(غَيْرِ جُمُعَةٍ) ابْنُ الْقَصَّارِ: وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْجُمُعَةِ إنْ تَوَضَّأَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِأَنَّ الظُّهْرَ هِيَ الْأَصْلُ، فَإِنْ فَاتَهُ فَرْضُ الْجُمُعَةِ لَمْ يَفُتْهُ وَقْتُ الظُّهْرِ الْمُخْتَارُ. وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُهَا ظُهْرًا وَلَا يُعِيدُ. تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ.

(لَا سُنَّةٍ) ابْنُ بَشِيرٍ: مَذْهَبُ

ص: 483

الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلسُّنَنِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ مَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَلَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ بِتَيَمُّمٍ إلَّا مُسَافِرٌ.

(إنْ عَدِمُوا مَاءً كَافِيًا) التَّلْقِينُ: مِنْ شُرُوطِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ عَدَمُ بَعْضِهِ فَإِنْ وُجِدَ دُونَ الْكِفَايَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِعْمَالُهُ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ:

ص: 486

إنْ كَانَ مَعَ الْجُنُبِ قَدْرُ وُضُوئِهِ فَقَطْ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

(أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ) الْمَازِرِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ لِخَوْفِ حُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ ابْنُ وَهْبٍ: وَيَتَيَمَّمُ الْمَبْطُونُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَعَهُمَا هُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى

ص: 488

الْوُضُوءِ بِهِ لِضَعْفِهِمَا أَوْ لِضَرَرِ الْمَاءِ بِهِمَا. ابْنُ الْقَصَّارِ: وَيَتَيَمَّمُ الصَّحِيحُ إذَا خَافَ نَزْلَةً أَوْ حُمَّى. الْبَاجِيُّ: وَنَحْوَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَيَمَّمُ: إلَّا إنْ خَافَ التَّلَفَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلًا مِنْ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَسْحٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحُكْمُ بَيْنَ خَوْفِ الْمَرَضِ أَوْ خَوْفِ التَّلَفِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ.

(أَوْ عَطَشَ مُحْتَرَمٍ مَعَهُ) رَوَى ابْنُ نَافِعٍ: يَتَيَمَّمُ ذُو الْمَاءِ يَخَافُ الْعَطَشَ أَوْ الضَّرَرَ. الْمَازِرِيُّ: وَالظَّنُّ كَالْعِلْمِ. ابْنُ رُشْدٍ: خَوْفُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعَطَشِ كَخَوْفِهِ

ص: 490

عَلَى نَفْسِهِ سَوَاءٌ ابْنُ بَشِيرٍ: وَكَذَا خَوْفُهُ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ أَمْكَنَ بَيْعُهُ أَوْ بَيْعُ لَحْمِهِ بِرُخْصِ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْمَاءَ وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ أُلْغِيَ.

(أَوْ بِطَلَبِهِ تَلَفَ مَالٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْبَاجِيِّ: يَجُوزُ لَهُ الْمَقَامُ

ص: 492

عَلَى حِفْظِ مَالِهِ وَإِنْ أَدَّى لِلتَّيَمُّمِ.

وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُتَيَمَّمُ لِلْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ بَعِيدٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَعَلَّهُ فِي عَدَمِ غَلَبَةِ ظَنِّ الْخَوْفِ.

(أَوْ خُرُوجَ وَقْتٍ) تَقَدَّمَ نَصُّهَا مَنْ خَافَ فِي حَضَرٍ إنْ رَفَعَ الْمَاءَ

ص: 493

مِنْ الْبِئْرِ خَرَجَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ. (كَعَدَمِ مُنَاوِلٍ) الرِّسَالَةُ: قَدْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ (أَوْ آلَةٍ) التَّلْقِينُ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ مِنْ تَشَاغُلٍ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَوَاتَ الْوَقْتِ لِضِيقِهِ أَوْ لِتَأَخُّرِ الْمَجِيءِ بِهِ أَوْ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ لِعَدَمِ الْآلَةِ الَّتِي تُوَصِّلُهُ إلَيْهِ كَالدَّلْوِ وَالرَّشَا (وَهَلْ إنْ خَافَ فَوَاتَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ خِلَافٌ) تَقَدَّمَ مُخْتَارُ ابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَفَرْضٌ ".

(وَجَازَ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَسُّ

ص: 494

مُصْحَفٍ وَقِرَاءَةٌ وَطَوَافٌ وَرَكْعَتَاهُ بِتَيَمُّمٍ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ إنْ تَأَخَّرَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَتَنَفَّلَ قَبْلَهَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ لِلْفَرِيضَةِ قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِتَيَمُّمِ

ص: 495

الْفَرِيضَةِ. التُّونِسِيُّ: مَا لَمْ يَطُلْ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَهُ أَنْ يُوتِرَ بِتَيَمُّمِ الْعِشَاءِ وَيُصَلِّي مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ.

وَفِي الْمَجْمُوعَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ لِلْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَلَهُ أَنْ يَرْكَعَ بِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرَ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فَلَهُ أَنْ يُوتِرَ بِهِ. الْبَاجِيُّ: وَإِنْ صَلَّى نَوَافِلَ مُتَّصِلَةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ.

وَفِي الْمُوَطَّأِ: يَتَيَمَّمُ الْجُنُبُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ وَيَتَنَفَّلُ. الْبَاجِيُّ: وَيَطُوفُ وَيَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَإِنْ اُضْطُرَّ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ انْتَهَى. اُنْظُرْ هَذَا. وَلِلْمَازِرِيِّ: لَا نَصَّ فِي جُنُبٍ لَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا وَسَطَ مَسْجِدٍ، وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ:" لَا يَدْخُلُ الْجُنُبُ الْمَسْجِدَ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ " دُخُولُهُ لِأَخْذِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ. ابْنُ عَرَفَةَ: ذَكَرَ ابْنُ الدَّقِيقِ أَنَّ الْحَسَنَ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ هَذَا بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: لَا يَدْخُلُ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ فَقَالَ: كَذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ مَالِكٌ فِي الثَّالِثَةِ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ لِأَخْذِ الْمَاءِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ مَالِكٌ.

وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ مَنْ قَالَ مِنْ حَلَفَ ثَلَاثَةً لَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْفَيْءُ إلَّا بِالْحِنْثِ فَصَارَ لَا يَصِلُ لِلْحَلَالِ إلَّا بِالْحَرَامِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ.

(لَا فَرْضٌ آخَرُ وَإِنْ قَصْدًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُصَلِّي مَكْتُوبَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ.

ص: 496

وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: وَلَوْ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ. (وَبَطُلَ الثَّانِي وَلَوْ مُشْتَرَكَةً) ابْنُ رُشْدٍ: بَيِّنَ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ سَمَاعُ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَوَاتٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَعَادَ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. الْبَاجِيُّ: لَا يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاتَيْ فَرْضٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتَيْهِمَا لِوُجُوبِ دُخُولِ الْوَقْتِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ وَلِوُجُوبِ طَلَبِ الْمَاءِ.

(لَا بِتَيَمُّمٍ لِمُسْتَحَبٍّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ لِنَوْمٍ لَا يَنْوِي بِهِ صَلَاةً وَلَا مَسَّ مُصْحَفٍ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِهِ وَلَا يَمَسُّ مُصْحَفًا.

(وَلَزِمَ مُوَالَاتُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ فَرَّقَ تَيَمُّمَهُ وَكَانَ أَمْرًا قَرِيبًا أَجْزَاهُ،

ص: 501

وَإِنْ تَبَاعَدَ ابْتَدَأَ التَّيَمُّمَ كَالْوُضُوءِ قَالَ: وَتَنْكِيسُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ.

(وَقَبُولُ هِبَةِ مَاءٍ لَا ثَمَنٍ) بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إذَا وَهَبَ الرَّجُلَ مَاءً لِوُضُوئِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُهُ لِمِنَّةِ قَبُولِهِ إذْ لَا يُدْرِكُهُ فِي ذَلِكَ مِنَّةٌ لِأَنَّ الْمَاءَ مُبْتَذَلٌ لَا يُمَنُّ بِهِ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ. قَالَ غَيْرُهُ: لَوْ وَهَبَ لَهُ ثَمَنَ الْمَاءِ وَهُوَ لَا يَجِدُ، الثَّمَنَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، لِأَنَّ هَذَا مَالٌ تُدْرِكُهُ فِيهِ الْمِنَّةُ.

(أَوْ قَرْضُهُ) ابْنُ عَلَاقٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إذَا أُقْرِضَ ثَمَنَ الْمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِخِفَّةِ مَشَقَّةِ الْمِنَّةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا أَذْكُرُ فِي مَذْهَبِنَا فِي هَذَا نَصًّا. اُنْظُرْ قَدْ أَتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِهَذَا فِقْهًا مُسَلَّمًا غَيْرَ مَعْزُوٍّ.

(وَأَخْذُهُ بِثَمَنٍ اُعْتِيدَ لَمْ يَحْتَجْ لَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ إلَّا بِالثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الدَّرَاهِمِ تَيَمَّمَ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ فَلْيَشْتَرِهِ مَا لَمْ يَرْفَعُوا عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ، فَإِنْ رَفَعُوا تَيَمَّمَ حِينَئِذٍ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ رُخْصٍ كَالدِّرْهَمَيْنِ اشْتَرَاهُ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ مِثْلَيْهِ (وَإِنْ بِذِمَّتِهِ) مُقْتَضَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَدِمَ ذُو مَاءٍ مَاتَ " أَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ فَانْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَقَدِمَ ذُو مَاءٍ ".

(وَطَلَبُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَوْ تَوَهَّمَهُ لَا تَحَقَّقَ عَدَمُهُ طَلَبًا لَا يَشُقُّ بِهِ) الْمُوَطَّأُ: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَغِيَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ تَحَقَّقَ فِقْدَانُهُ فَقَطْ الْبَاجِيُّ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي الْجَرْيِ لِإِدْرَاكِ الْمَاءِ، وَلَا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَشْيِهِ الْمُعْتَادِ، وَلَا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ طَرِيقِهِ أَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْعُدُولِ لَهُ إلَى الْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ الَّتِي يَعْدِلُ لَهَا عَنْ الطَّرِيقِ وَالْخُرُوجِ إلَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ فَاتَهُ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يُحَدَّ فِيهِ حَدًّا، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فِي نِصْفِ الْمِيلِ إلَّا الْعَنَاءَ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: " الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ الضَّعِيفُ بِخِلَافِ

ص: 503

الْقَوِيِّ ". اُنْظُرْ قَيَّدُوا هَذَا أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ لُبْسًا وَالثَّمَنَ الَّذِي يَشْتَرِيه بِهِ. ابْنُ شَاسٍ: إنْ تَوَهَّمَ وُجُودَ الْمَاءِ تَرَدَّدَ فِي طَلَبِهِ إلَى حَدٍّ لَا يَدْخُلُ فِيهِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَلَا مَشَقَّةٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الطَّلَبُ عَنْ الْمُتَوَهِّمِ لَوْلَا الِاحْتِيَاطُ.

(كَرُفْقَةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ حَوْلَهُ مِنْ كَثِيرَةٍ إنْ جَهِلَ بُخْلَهُمْ بِهِ)

ص: 504

سُمِعَ أَشْهَبُ يَسْأَلُ مَنْ يَلِيهِ وَمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُعْطِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِي الرُّفْقَةِ يَسْأَلُهُمْ وَلَكِنْ يَسْأَلُ مَنْ يَلِيهِ وَيَرْجُو ذَلِكَ مِنْهُ.

قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ فَلَا يَسْأَلُهُمْ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَوْ تَرَكَ طَلَبَ الْمَاءِ عِنْدَ مَنْ يَلِيهِ مِمَّنْ يَرْجُو وُجُودَهُ عِنْدَهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ إيَّاهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا.

(وَنِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَنْوِيُّ التَّيَمُّمِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ لَا رَفْعُ الْحَدَثِ عَلَى الْمَعْرُوفِ.

(وَنِيَّةُ أَكْبَرَ إنْ كَانَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ وَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا أَعَادَ التَّيَمُّمَ وَأَعَادَ الْفَرِيضَةَ.

قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: أَبَدًا، ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا أَصْوَبُ فَكَمَا لَا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ عَنْ الْغُسْلِ فَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ بَدَلُهُ عَنْ بَدَلِ الْغُسْلِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَغَسْلُ الْوُضُوءِ عَنْ غَسْلِ مَحَلِّهِ ". (وَلَوْ تَكَرَّرَتْ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ نَوَى الْجَنَابَةَ

ص: 506

ثُمَّ أَحْدَثَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ يَنْوِي الْجَنَابَةَ.

(وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ) الْبَاجِيُّ: التَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيُسْتَبَاحُ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ بِشُرُوطٍ.

(وَتَعْمِيمُ وَجْهِهِ) ابْنُ عَرَفَةَ: يَعُمُّ الْوَجْهَ مَسْحًا. ابْنُ شَعْبَانَ: وَلَا تُتَّبَعُ غُضُونُهُ (وَكَفَّيْهِ لِكُوعَيْهِ) ابْنُ يُونُسَ: عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ الْوَاجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ التَّيَمُّمُ إلَى الْكُوعَيْنِ

ص: 510

ابْنُ شَعْبَانَ: وَعَلَيْهِ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِ. أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا رَأَيْت هَذِهِ لِغَيْرِهِ. (وَنَزْعُ خَاتَمِهِ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَيَنْزِعُ

ص: 511

خَاتَمَهُ.

(وَصَعِيدٌ طَهُرَ) ابْنُ حَبِيبٍ: التَّيَمُّمُ الْقَصْدُ، وَالصَّعِيدُ التُّرَابُ، وَالطَّيِّبُ الطَّاهِرُ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ غَيْرُهُ: الصَّعِيدُ الْأَرْضُ نَفْسُهَا وَمِنْهُ {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] وَيَجْمَعُ اللَّهُ الْخَلَائِقَ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ. ابْنُ رُشْدٍ: الصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا التَّيَمُّمَ بِالرَّمَلِ وَالْجَبَلِ وَالْحَصَا.

(كَتُرَابٍ وَهُوَ الْأَفْضَلُ) ابْنُ رُشْدٍ: الِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُتَيَمَّمَ عَلَى الْحَصْبَاءِ وَشَبَهِهَا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ.

(وَلَوْ نُقِلَ) ابْنُ رُشْدٍ: التَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْأَرْضِ جَائِزٌ مِثْلُ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْمَرِيضِ فِي طَبَقٍ أَوْ

ص: 513

إلَى الرَّاكِبِ عَلَى الْمَحْمَلِ أَوْ يَكُونُ مَرِيضًا فَيَتَيَمَّمُ جِدَارًا إلَى جَانِبِهِ إنْ كَانَ مِنْ طُوبٍ نِيءٍ.

(وَثَلْجٍ) رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيٌّ وَابْنُ وَهْبٍ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالثَّلْجِ انْتَهَى. نَقَلَ الْبَاجِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَتَيَمَّمُ عَلَى الثَّلْجِ إنْ عَدِمَ الصَّعِيدَ.

(وَخَضْخَاضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: أَيُتَيَمَّمُ عَلَى الْجَبَلِ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْمَدَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي الطِّينِ يَكُونُ وَلَا يَقْدِرُ الرَّجُلُ عَلَى تُرَابٍ قَالَ: يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى الطِّينِ وَيُخَفِّفُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَسَوَاءٌ كَانَ خَضْخَاضًا أَوْ غَيْرَ خَضْخَاضٍ مِمَّا لَيْسَ بِمَاءٍ

ص: 515

(وَفِيهَا خَفَّفَ يَدَيْهِ رُوِيَ بِجِيمٍ وَخَاءٍ) عِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ يُخَفِّفُ وَضْعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَيُخَفِّفُهُ قَلِيلًا. عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.

(وَجَصٍّ لَمْ يُطْبَخْ) الْجَلَّابُ: لَا بَأْسَ بِالتَّيَمُّمِ بِالْجَصِّ (وَالنُّورَةِ قَبْلَ طَبْخِهَا وَمَعْدِنٍ) اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَذْهَبِ: مَعْدِنُ الشَّبِّ وَالزِّرْنِيخِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْكُحْلِ وَالزَّاحُ كَالْأَرْضِ.

وَفِي السُّلَيْمَانِيَّةِ: إنَّمَا تُكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذَا بَانَتْ عَنْ الْأَرْضِ فِي أَيْدِي النَّاسِ.

(غَيْرِ نَقْدٍ وَجَوْهَرٍ) قَالَ مَالِكٌ: لَا يُتَيَمَّمُ عَلَى الرُّخَامِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ

ص: 516

الزُّمُرُّدِ وَالْيَاقُوتِ اللَّخْمِيِّ: وَيُمْنَعُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (وَمَنْقُولٍ كَشَبٍّ) تَقَدَّمَ نَصُّ السُّلَيْمَانِيَّةِ إنَّمَا تُكْرَهُ إذَا بَانَتْ عَنْ الْأَرْضِ.

(وَمِلْحٍ) اُنْظُرْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ

ص: 517

بِالتَّيَمُّمِ عَلَى الصَّفَا وَالسَّبْخَةِ. عِيَاضٌ: الصَّفَا الْحِجَارَةُ الَّتِي لَا تُرَابَ عَلَيْهَا وَالسَّبْخَةُ الْأَرْضُ الْمَالِحَةُ.

(وَلِمَرِيضٍ حَائِطُ لَبِنٍ أَوْ حَجَرٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْجِدَارُ إنْ سَتَرَهُ جَصٌّ أَوْ جِيرٌ مُنِعَ وَإِلَّا سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ إذَا كَانَ طُوبًا نِيئًا ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ حَجَرًا جَازَ إنْ لَمْ يَجِدْ مُنَاوِلًا وَلَا تُرَابًا، ابْنُ رُشْدٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ مُوسَى: لَا بَأْسَ أَنْ يُتَيَمَّمَ بِتُرَابٍ تُيُمِّمَ بِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَتَعَلَّقْ بِهِ مِنْ أَعْضَاءِ

ص: 518

التَّيَمُّمِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ التُّرَابِ.

(لَا بِحَصِيرٍ) الْجَلَّابُ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى حَصِيرٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ.

(وَخَشَبٍ) ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عِنْدَنَا بِالْحَشِيشِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.

وَقَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ الْقَصَّارِ. الْوَقَارُ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى الْخَشَبَةِ، الْمَازِرِيُّ: فِيهَا نَظَرٌ. اللَّخْمِيِّ: إنْ فُقِدَ سِوَى مَا مُنِعَ وَضَاقَ الْوَقْتُ

ص: 519

تَيَمَّمَ بِهِ.

(وَفِعْلُهُ فِي الْوَقْتِ) ابْنُ عَرَفَةَ: شَرْطُهُ لِلْفَرْضِ دُخُولُ وَقْتِهِ. ابْنُ يُونُسَ: أَنْكَرَ الْقَابِسِيُّ الْجَمْعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَيَمِّمًا لِلْآخِرَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا. سَمِعَ أَبُو زَيْدٍ: مَنْ تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَتَنَفَّلُ بِتَيَمُّمِهِ ذَلِكَ وَلَا يَقْرَأُ بِهِ فِي الْمُصْحَفِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَفَّلَ وَطَالَ مُكْثُهُ فِي

ص: 520

الْمَسْجِدِ لَا يَتَنَفَّلُ تَنَفُّلًا آخَرَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ وَلْيَتَيَمَّمْ تَيَمُّمًا آخَرَ.

(فَالْآيِسُ أَوَّلَ الْمُخْتَارِ) أَبُو عُمَرَ: مَنْ رَجَا الْمَاءَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ لَمْ يَتَيَمَّمْ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا فِي أَوَاخِرِ الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا وَإِنْ يَئِسَ مِنْهُ تَيَمَّمَ أَوَّلَ الْوَقْتِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَكَذَلِكَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: فِي الْيَائِسِ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ لَمْ يُعِدْ (وَالْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ أَوْ وُجُودِهِ وَسَطَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ الْمُسَافِرُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَاءِ أَوْ كَانَ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ وَيَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ فَلْيَتَيَمَّمْ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ، ثُمَّ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْمَاءِ يَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ وَلَا يُعِيدُ الَّذِي لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِنْهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا غَيْرَ مُوقِنَيْنِ بِإِدْرَاكِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَلَا آيِسَيْنِ مِنْهُ كَانَ لَهُمَا حُكْمٌ بَيْنَ حُكْمَيْنِ وَذَلِكَ وَسَطَ الْوَقْتِ، وَوَجْهُ إعَادَةِ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْمَاءِ وَيَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ قَدْ بَانَ تَفْرِيطُهُ لِخَطَئِهِ فِي تَقْدِيرِهِ، وَاَلَّذِي لَا عِلْمَ عِنْدَهُ لَمْ يُفَرِّطْ وَلَا أَخْطَأَ فِي تَقْدِيرِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعِيدَ. (وَالرَّاجِي آخِرَهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْكَافِي اسْتِحْبَابًا.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ أَخَّرَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَرَاجٍ قَدِمَ (وَفِيهَا تَأْخِيرُهُ الْمَغْرِبَ لِلشَّفَقِ) الْبَاجِيُّ: الْوَقْتُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ الْمُخْتَارُ. ابْنُ عَبْدُوسٍ: وَهُوَ فِي الْعِشَاءِ ثُلُثُ اللَّيْلِ.

ص: 521

أَبُو إِسْحَاقَ: وَفِي الصُّبْحِ الْإِسْفَارُ الَّذِي يَقْرُبُ طُلُوعَ الشَّمْسِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَفِي الظُّهْرِ أَنْ يَبْلُغَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَفِي الْعَصْرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ تَغِيبُ لَهُ الشَّمْسُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ قَرْيَتِهِ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ قَالَ: إنْ طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ الْمَاءَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مَضَى إلَى الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطْمَعُ بِذَلِكَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى.

(وَسُنَّ تَرْتِيبُهُ وَإِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَتَجْدِيدُ ضَرْبَةٍ لِيَدَيْهِ) عِيَاضٌ: مِنْ سُنَنِ التَّيَمُّمِ التَّرْتِيبُ بِتَقْدِيمِ مَسْحِ الْوَجْهِ ثُمَّ مَسْحِ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَتَجْدِيدِ الضَّرْبَةِ لِلْيَدَيْنِ.

(وَنُدِبَ تَسْمِيَةٌ وَبَدْءٌ بِظَاهِرِ يُمْنَاهُ بِيُسْرَاهُ إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ مَسْحُ الْبَاطِنِ لِآخِرِ الْأَصَابِعِ ثُمَّ يُسْرَاهُ كَذَلِكَ) عِيَاضٌ: مِنْ فَضَائِلِ التَّيَمُّمِ التَّسْمِيَةُ أَوَّلَ تَيَمُّمِهِ وَإِمْرَارُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى مِنْ فَوْقِ الْكَفِّ إلَى الْمِرْفَقِ.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَضَعُ يُسْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِ أَطْرَافِ أَصَابِعِ يُمْنَاهُ مَاسِحًا إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ بَاطِنِهَا إلَى بَاطِنِ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ثُمَّ الْيُسْرَى.

قَالَ مَالِكٌ: فِي رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَى بَاطِنِ الْكُوعَيْنِ ثُمَّ الْكَفِّ بِالْكَفِّ. وَكَذَا ذَكَرَهَا التُّونِسِيُّ لِبَعْضِهِمْ تَفْسِيرًا لِلْمُدَوَّنَةِ. اُنْظُرْ الرِّسَالَةَ وَرَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ.

وَفِي الرِّسَالَةِ: وَلَوْ مَسَحَ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى أَوْ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى كَيْفَ شَاءَ وَتَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَأَوْعَبَ الْمَسْحَ لَأَجْزَأَهُ انْتَهَى.

وَانْظُرْ هَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ صِفَتُهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: وَعَلَى التَّيَمُّمِ بِالصَّفَا لَا تُعْتَبَرُ صِفَةٌ.

(وَبَطَلَ بِمُبْطِلِ الْوُضُوءِ) عِيَاضٌ: مِنْ مُفْسِدَاتِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَحْدُثَ بَعْدَهُ. (وَبِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) التَّلْقِينُ: مَنْ تَيَمَّمَ فَوَجَدَ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَبَطَلَ عَلَيْهِ تَيَمُّمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مِنْ الضِّيقِ بِحَيْثُ يَخْشَى مَعَهُ فَوَاتَ الصَّلَاةِ إنْ تَشَاغَلَ بِهِ (لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيَهُ)

ص: 522

مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ ذَكَرَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالْمَاءِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ تَمَادَى وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. ابْنُ يُونُسَ: الَّذِي ذَكَرَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ حِينَ قِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَمَالِكًا لَهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْعِلْمِ بِهِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ تَمَامِهَا وَمَالِكٌ لَهُ حِينَ الْقِيَامِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ هُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ وَغَيْرُ مَالِكٍ لَهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَحَصَلَ لَهُ مِنْهَا عَمَلٌ بِإِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُبْطِلَهُ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَهُوَ كَالْأَمَةِ تُعْتَقُ بَعْدَ رَكْعَةٍ وَرَأْسُهَا مُنْكَشِفٌ قَالَ أَصْبَغُ: تَتَمَادَى وَلَا تُعِيدُ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَوْ عَتَقَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلِمَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَهَذِهِ تُعِيدُ كَمَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ.

وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْأَمَةِ تُعْتَقُ فِي الْفَرِيضَةِ إنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا خِمَارًا وَلَا وَصَلَتْ إلَيْهِ فَلَا تُعِيدُ، وَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى أَخْذِهِ فَلَمْ تَأْخُذْهُ أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ، وَخَالَفَتْ التَّيَمُّمَ. وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَوْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ، وَالْأَمَةُ تَقْدِرُ أَنْ تَسْتَتِرَ وَلَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" فَإِنْ عَلِمَتْ فِي صَلَاةٍ بِعِتْقٍ ".

(وَيُعِيدُ الْمُقْصِرُ فِي الْوَقْتِ وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعِدْ) ابْنُ شَاسٍ: مَنْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَفْعَلْ لِأَنَّهُ نَسِيَ أَنْ يُعِيدَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ، فَهَلْ يُعِيدُ بَعْدَهُ؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ وَهُوَ الْأَصْلُ انْتَهَى. اُنْظُرْ إذَا تَذَكَّرَ وَتَرَكَ الْإِعَادَةَ عَمْدًا. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:" وَمَعَهُ ذِكْرُ تَرْتِيبِ حَاضِرَتَيْنِ ".

(كَوَاجِدِهِ بِقُرْبِهِ) سَمِعَ مُوسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ

ص: 524

نَزَلُوا بِصَحْرَاءَ وَلَا مَاءَ لَهُمْ ثُمَّ وَجَدُوا مَاءً قَرِيبًا جَهِلُوهُ أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ. ابْنُ رُشْدٍ: الْإِعَادَةُ اسْتِحْبَابٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ عِلْمَ مَا غَابَ عَنْهُ مِمَّا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ.

(أَوْ رَحْلِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ وَنَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ أَوْ جَهِلَهُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ يُونُسَ: وَجْهُ إعَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ غَيْرُ عَادِمٍ لِلْمَاءِ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ أَبَدًا لِقَوْلِهِ عليه السلام: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» فَجَعَلَ لَهُ بِهَذَا حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ وَذَلِكَ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ (لَا إنْ ضَلَّ رَحْلُهُ) ابْنُ شَاسٍ: لَوْ ضَلَّ رَحْلُهُ فِي الرِّحَالِ وَبَالَغَ فِي طَلَبِهِ حَتَّى خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ.

(وَخَائِفِ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ وَمَرِيضٍ عَدِمَ مُنَاوِلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: الْخَائِفُ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ عَلَى الْمَاءِ يَتَيَمَّمُ فِي وَسَطِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ الَّذِي يَجِدُ الْمَاءَ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ وَالْخَائِفُ الَّذِي يَعْرِفُ مَوْضِعَ الْمَاءِ وَيَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ، ثُمَّ إنْ وُجِدَ يَعْنِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ الْمَاءُ فِي الْوَقْتِ أَعَادُوا. ابْنُ يُونُسَ: الْأَصْوَبُ أَنَّهُ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ.

(وَرَاجٍ قَدَّمَ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إدْرَاك الْمَاء فِي الْوَقْتِ أَخَّرَ. ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ تَيَمَّمَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَصَلَّى أَعَادَ الصَّلَاةَ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ حِينَ حَلَّتْ الصَّلَاةُ وَجَبَ الْقِيَامُ

ص: 525

لَهَا وَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِالْإِعَادَةِ اسْتِحْبَابًا وَالْوَقْتُ قَائِمٌ (وَمُتَرَدِّدٌ فِي لُحُوقِهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْخَائِفُ الَّذِي يَعْرِفُ مَوْضِعَ الْمَاءِ وَيَخَافُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ.

(وَنَاسٍ ذَكَرَ بَعْدَهَا) ابْنُ شَاسٍ: إنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ ذَكَرَ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَى الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ يُقْطَعُ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ:" أَوْ رَحْلِهِ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيَهُ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَصَحَّتْ إنْ لَمْ يُعِدْ ".

(كَمُقْتَصَرٍ عَلَى كُوعَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ إلَى الْكُوعَيْنِ أَعَادَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ.

(لَا عَلَى ضَرْبَةٍ) رَوَى مُحَمَّدٌ: إنْ تَيَمَّمَ بِوَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ. وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ فِي النَّاسِي. الْكَافِي: لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ.

(وَكَمُتَيَمَّمٍ عَلَى مَصَبِّ بَوْلٍ وَأُوِّلَ بِالْمَشْكُوكِ وَبِالْمُحَقَّقِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْوَقْتِ لِلْقَائِلِ بِطَهَارَةِ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ تَيَمَّمَ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَلِيُعِدْ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ حَبِيبٍ: هَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِنَجَاسَةِ التُّرَابِ، فَإِنْ عَلِمَ فَيُعِيدُ أَبَدًا. أَبُو الْفَرَجِ: قَوْلُهُ: " يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ " أَرَاهُ يُرِيدُ إذَا لَمْ تَطْهُرْ النَّجَاسَةُ ظُهُورًا بِحُكْمٍ لَهَا بِهِ فَيَصِيرُ مَشْكُوكًا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ هَذَا فَلَعَلَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ بِالْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَالْمُتَوَضِّئُ بِالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ، أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يَنْتَقِلُ إلَى مَاءٍ طَاهِرٍ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ مَعْرِفَتَهُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُتَيَمِّمُ إذَا انْتَقَلَ إلَى تُرَابٍ آخَرَ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التُّرَابُ نَجِسًا لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالْمُشَاهَدَةِ كَمَا هِيَ فِي الْمَاءِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَخِّرْ بِالْإِعَادَةِ كَمَا قَالُوا: مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ مَكَّةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِبْلَةِ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ لَأَعَادَ أَبَدًا لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْقِبْلَةِ حَقِيقَةً.

(وَمُنِعَ مَعَ عَدَمِ مَاءٍ تَقْبِيلُ مُتَوَضِّئٍ وَجِمَاعُ مُغْتَسِلٍ إلَّا لِطُولٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يُمْنَعُ وَطْءُ الْمُسَافِرُ وَتَقْبِيلُهُ لِعَدَمِ مَاءٍ يَكْفِيهِمَا، وَلَيْسَ كَذِي شَجَّةٍ لَهُ الْوَطْءُ لِطُولِ أَمْرِهِ وَلِقُرْبِ الْأَوَّلِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَكَسُوا حُكْمَهُمَا لِعَكْسِ وَصْفَيْهِمَا. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْمَنْعُ اسْتِحْبَابٌ وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ.

وَفِي الطِّرَازِ: مَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُتَوَضِّئَ الْعَادِمَ الْمَاءِ مِنْ

ص: 526

الْبَوْلِ إنْ خَفَّتْ حَقْنَتُهُ انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ يَقْدِرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ شُرُوطِهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَمَعَ مَا تَقَدَّمَ لِعِيَاضٍ وَالْبَاجِيِّ وَأَبِي عُمَرَ قَبْلَ قَوْلِهِ:" وَحَاضِرٌ صَحَّ ".

(وَإِنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ تَيَمَّمَ خَمْسًا) ابْنُ عَرَفَةَ: عُمُومُ رِوَايَةِ تَعَدُّدِهِ لِلْمَنْسِيَّاتِ يُوجِبُ تَعَدُّدًا عَلَى مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ.

(وَقُدِّمَ ذُو مَاءٍ مَاتَ وَمَعَهُ جُنُبٌ إلَّا لِخَوْفِ عَطَشٍ كَكَوْنِهِ لَهُمَا وَضَمِنَ قِيمَتَهُ) ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَيِّتُ أَوْلَى بِمَائِهِ لِغُسْلِهِ مِنْ جُنُبٍ حَيٍّ، وَالْحَيُّ أَوْلَى لِعَطَشِهِ وَيُغَرَّمُ قِيمَتُهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا فَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ الْحَيُّ أَوْلَى بِالْمَاءِ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ.

ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا كَانَ الْحَيُّ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُغَارِمُهُ إيَّاهُ، فَإِذَا اغْتَسَلَ الْحَيُّ بِالْمَاءِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ الْمَيِّتِ مِنْهُ لِوَرَثَتِهِ.

وَانْظُرْ لَوْ أَرَادَ وَرَثَتُهُ أَنْ يُقَاوِمُوهُ إيَّاهُ. هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ أَمْ لَا؟ فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ وَأَجْنَبَ الثَّانِي وَانْتَقَضَ وُضُوءُ الثَّالِثِ، فَالْحَيُّ الَّذِي انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْلَى بِنَصِيبِهِ مِنْهُ، عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُيَمِّمُوا الْمَيِّتَ وَيَتَيَمَّمُ الْحَيُّ الْجُنُبُ أَيْضًا إذْ لَيْسَ فِيمَا يَبْقَى مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ أَخْذِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ

ص: 527

الْوُضُوءُ نُصِيبَهُ مِنْهُ مَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَا يَكْفِي وَاحِدًا مِنْهُمَا لَكَانَ الْحَيُّ أَوْلَى بِهِ.

ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِنْ اجْتَمَعَ حَائِضٌ وَجُنُبٌ فَهِيَ أَوْلَى. الطَّرَّازُ: هُمَا سَوَاءٌ. الْكَافِي: وَقِيلَ الْجُنُبُ أَوْلَى. وَسَمِعَ سَحْنُونَ فِي رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا مَاءٌ قَدْرَ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا فَإِنَّهُمَا يَتَقَاوَمَانِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَبْتَاعَ الْمَاءَ لِوُضُوئِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا لَمْ يُرْفَعْ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنُ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاوِمَ صَاحِبَهُ فِيهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ التَّقَاوُمَ شِرَاءٌ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ مُقَاوَمَةٍ أَوْ تَرَكَهُ فِي الْمُقَاوَمَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ عَلَيْهِ الْقَدْرَ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ أَبَدًا، إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اشْتِرَاءِ الْمَاءِ بِمَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ بِهِ، وَلَوْ كَانَا مُعْدَمَيْنِ لَكَانَ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَاهُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَبِيعَانِهِ فَيَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ وَيَتَيَمَّمَانِ لِصَلَاتِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مُتَيَمِّمَيْنِ لَمْ يَنْتَقِضْ تَيَمُّمُهُمَا إلَّا أَنْ يُحِبَّا أَنْ يَتَسَاهَمَا عَلَيْهِ، فَمَنْ صَارَ لَهُ بِالسَّهْمِ مِنْهُمَا تَوَضَّأَ بِهِ وَانْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ، إنْ كَانَ مُتَيَمِّمًا وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ حَظِّ صَاحِبِهِ مِنْهُ دَيْنًا فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْدَمًا لَكَانَ لِلْمُوسِرِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيُؤَدِّيَ لِشَرِيكِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى حَظِّهِ مِنْهُ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ أَسْلَمَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ مُقَاوَمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَبَدًا، وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا حَتَّى بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ وَحَاضَتْ، أَنَّ الصَّلَاةَ سَقَطَتْ عَنْهَا، وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْجُنُبِ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِ فَأَرَاقَ الْمَاءَ أَوْ نَجِسَ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ. وَهَذَا أَيْضًا هُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ فِي كُلِّ مَنْ فَرَّطَ وَضَيَّعَ الْحَزْمَ حَتَّى اُضْطُرَّ لِلتَّيَمُّمِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ أَبَدًا.

(وَتَسْقُطُ صَلَاةٌ وَقَضَاؤُهَا بِعَدَمِ مَاءٍ وَصَعِيدٍ) رَوَى مَعْنٌ وَالْمَدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا مَا يَتَيَمَّمُ بِهِ كَمَنْ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ مَرِيضٍ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ مَاءً وَلَا تُرَابًا أَنَّهُ لَا

ص: 528