الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدمة
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَاْ وَمِنْ سَيِّئَاْتِ أَعْمَاْلِنَاْ، مَنْ يَهْدِهِ اْللَّهُ فَلَا مُضِلَّ له وَمَنْ يُضْلِلْ َلَا هَاْدِيَ له، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اْللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. {يَاْ أَيُّهَاْ اْلَّذِيْنَ آمَنُوْاْ اْتَّقُوْاْ اْللَّهَ حَقَّ تُقَاْتِهِ وَلَا تَمُوْتُنَّ إِلَاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ} 1.
إنَّ خير الحديث كتاب اللَّه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار4.
وبعد: فإن طلب العلم الشرعي والاشتغال بعلم الكتاب السنة والبحث والقراءة والاطلاع على كتب أهل العلم من أجلِّ الأعمال، وهو قربة إلى الله تعالى لمن أحسن النية والقصد، وهو أيضا مساهمة في خدمة العلم وطلابه، وقد أشار النووي إلى ضرورة وجود هذين الهدفين في الباحث قبل الإقدام على
1 سورة آل عمران، الآية: 102 0
2 سورة الأحزاب، الآيتان: 70-71.
3 سورة النساء، الآية: 1 0
4 هذه الخطبة تسمى: خطبة الحاجة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدمها بين يدي خطبه، وكذلك السلف الصالح في خطبهم ودروسهم وكتبهم ومختلف شؤونهم، وقد خصص لها فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله رسالة أسماها (خطبة الحاجة) .
البحث والكتابة والتصنيف فيقول في باب آداب المعلم: “وينبغي أن يعتني بالتصنيف إذا تأهل له1، فبه يطلع على حقائق العلم ودقائقه ويثبت معه لأنه يضطره إلى كثرة التفتيش والمطالعة والتحقيق والمراجعة والاطلاع على مختلف كلام الأئمة ومتفقه وواضحه من مشكله: وصحيحه من ضعيفه: وجزله من ركيكه، وما لا اعتراض عليه من غيره وبه يتصف المحقق بصفة المجتهد”.
ويقول: “وينبغي أن يكون اعتناؤه من التصنيف لما لم يسبق إليه أكثر، والمراد بهذا أن لا يكون هناك مصَنَّف يغني عن مصَنَّفِهِ في جميع أساليبه، فإن أغنى عن بعضها فليصنف من جنسه ما يزيد زيادات يحتفل بها مع ضم ما فاته من الأساليب وليكن تصنيفه فيما يعم به ويكثر الاحتياج إليه”2.
ويقول حاجي خليفة: “ثم إن التأليف على سبعة أقسام لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها وهي: إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه، أو شيء ناقص يتممه، أو شيء مغلق يشرحه، أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه، أو شيء متفرق يجمعه، أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه”3.
وذكر ابن خلدون: “أن الناس حصروا مقاصد التأليف التي ينبغي اعتمادها وإلغاء ما سواها فعدوها سبعة وذكر منها: أن تكون مسائل قد وقعت غير مرتبة في أبوابها ولا منتظمة فيتقصد المطلع على ذلك أن يرتبها ويهذبها ويجعل كل مسئلة في بابها”4.
وحسب علمي فإن أحدا من المصنفين والمؤلفين لم يفرد شهداء أحد رضي
1 الأهلية للتصنيف تختلف باختلاف أنواع المصنفات وفنونها وأهميتها، وأسأل الله العلي القدير أن يوفقني للتصنيف بما يَنفع ويُفيد.
2 النووي، المجموع شرح المهذب 1، 29 - 30.
3 كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: ص 35.
الله عنهم بمؤلف خاص.
ولما كان هذا الموضوع لم يسبق إليه، ولا يوجد مصنف يغني عنه بجميع أساليبه، كما أن معلوماته متفرقة، وتحتاج إلى جمع وتصنيف.
استحق أن يصنف فيه، واتنطبقت عليه الشروط التي ذكرها العلماء المشار إليها آنفا للتأليف.
لذا: رأيت أن من المفيد القيام بهذا العمل لذكر أسماء هؤلاء الشهداء وسيرهم العظيمة؛ ولألقي شيئا من الضوء على مآثرهم وتضحياتهم بالمال والنفس في سبيل الله، وهو مساهمة في تمجيد ذكر هؤلاء الأبطال وإشهارهم والإشادة بهم؛ وذكر أعظم فضل لهم وهو الاستشهاد ليذكروا بذلك ويترحم ويترضى عليهم ويدعى لهم بالمغفرة، وهذا من أقل ما يستحقونه.
ولا يخفى على كل مسلم ما لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسله من فضل على أمة محمد صلى الله عليه وسله، فقد جاهدوا من أجل نشر كلمة التوحيد، وفي سبيل ذلك لقوا أشد العذاب والأذى، فقدموا كل غال ونفيس: وضحوا بأموالهم وأوقاتهم بل وأرواحهم لإعلاء كلمة الله.
ومن أوائل هؤلاء الرجال الصادقين ثلة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسله الأولين وهم الذين استشهدوا في غزوة أحد التي وقعت في شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة النبوية.
وقد سرد أسماءهم: محمد بن إسحاق بن يسار المُطَّلِبي في كتابه السير ورتبهم على قبائلهم، فصدرهم بالمهاجرين ثم الأوس من الأنصار، ثم الخزرج منهم.
وكما هو معلوم فإن كتاب السير والمغازي لابن إسحاق مفقود إلا جزء يسير منه من رواية محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق ينتهي في أوائل غزوة أحد، بتحقيق الدكتور سهيل زكار، وأيضاً بتحقيق وتعليق الدّكتور محمّد حميد الله، وليس فيه قائمة شهداء أحد.
ونقل لنا ابن هشام هذه القائمة في تهذيبه لسيرة ابن إسحاق وقد اعتمدت عليه فيها في بحثي هذا1.
وسرد ابن حزم قائمة بأسماء شهداء أحد2كما ذكر الذهبي3عقب ترجمة مصعب بن عمير رضي الله عنه في سير أعلام النبلاء قائمة بأسمائهم أيضا، ولم يذكر أنه اعتمد في ذكرها على ابن إسحاق إلا أنها تشبه إلى حد كبير قائمة ابن إسحاق التي ذكرها عنه ابن هشام في تهذيبه للسيرة؛ ووجه اختلاف قائمة الذهبي عن قائمة ابن إسحاق؛ أن الذهبي أسقط ذكر ثلاثة من الشهداء ممن ذكرهم ابن إسحاق، وأضاف سبعة.
فقد أضاف من الأوس: مالك بن أمية، وعوف بن عمرو، ومالك حليف سبيع بن حاطب، وعمير بن عدي، ومن الخزرج: إياس بن عدي، ومن بني الحرث بن الخزرج: عمرو بن إياس، ومالك بن إياس.
وأسقط: سعد بن الربيع، وثابت بن وقش، وأنيس بن قتادة.
وإضافته لـ: مالك بن أمية، وعوف بن عمرو وقعت عقب ذكره لحنظلة ابن أبي عامر، والذي يظهر لي أن الذهبي وهم في ذكر مالك هذا فإن صنيع ابن هشام يوهم أن مالك بن أمة ـ وليس أمية ـ ممن استشهد يوم أحد وسبب ذلك أن ابن هشام عقب على ابن إسحاق بالتعريف بجدِّ أبي سفيان بن الحارث وجدِّ حنظلة غسيل الملائكة.
والنص في تهذيب سيرة ابن إسحاق لابن هشام هكذا: “ومن بني عمرو بن عوف ثم من بني ضبيعة بن زيد: أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد،
1 عزوت إلى كتاب ابن هشام هذا باسم: (تهذيب سيرة ابن إسحاق لابن هشام) وذكرته في قائمة المصادر والمراجع بالاسم الذي طبع على جلدته: (السيرة النبوية لابن هشام) .
2 ابن حزم، جوامع السيرة النبوية: 132-137.
3 سير أعلام النبلاء: 1،149-150.
وحنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن نعمان بن مالك بن أمة، وهو غسيل الملائكة قتله شداد بن الأسود بن شعوب الليثي رجلان (قال ابن هشام: قيس بن زيد ابن ضبيعة، ومالك بن أمة بن ضبيعة) قال ابن إسحاق: ومن بني عبيد بن زيد.... الخ”.
فمن جعل مالك بن أمة ممن استشهد في أحد ظن أن قوله: (ومالك بن أمة ابن ضبيعة) إنما هو من استدراكات ابن هشام على ابن إسحاق في ذكر من استشهد بأحد، لكن ابن هشام لم يستدرك أحدا من الشهداء في ثنايا كلام ابن إسحاق، إنما جعل استدراكاته بعد فراغ ابن إسحاق من ذكرهم، ومداخلات ابن هشام اقتصرت على التوضيح والتعريف فقط.
وهذه منها فإن ابن هشام في مداخلته هذه إنما يعرف بجدِّ أبي سفيان: (قيس) وجدَّ حنظلة: (مالك بن أمة) وأنهما ابنا ضبيعة حيث أورد ابن إسحاق هذين الصحابيين رضي الله عنهما فيمن استشهد من بني ضبيعة فأراد ابن هشام زيادة في الربط والتوضيح بأنهما وصل نسبهما إلى ضبيعة.
وليس في الصحابة أحد باسم: مالك بن أمة؛ وفيهم: مالك بن أمية واحد فقط وهو:”مالك بن أمية بن عمرو السلمي من حلفاء بني أسد بن خزيمة شهد بدرا واستشهد يوم اليمامة”1، كما أنه لا يوجد في الصحابة أحد باسم: عوف بن عمرو.
وسرد أسماء شهداء أحد ابن سيد الناس المتوفى سنة 734? في كتابه السيرة النبوية المسمى: (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير)2.
وممن سرد أسماء شهداء أحد من الباحثين المعاصرين: حسين أحمد الباكري3في
1 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/372، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/234، وابن حجر، الإصابة: 3/338.
2 ابن سيد الناس، عيون الأثر: 1/437-442.
3 انظر الصفحات: 354 – 369.
رسالته لنيل درجة الماجستير وعنوانها: (مرويات غزوة أحد جمع وتحقيق ودراسة) .
فقد أورد الشهداء الذين ذكرهم ابن إسحاق ولم يترجم لهم، إنما ذكر الاسم ومعلومات قليلة جدا عن الشهيد دون عزو للمعلومات إلى المصادر، ورتب الشهداء على حروف المعجم.
ولما جمعت أسماء الشهداء من كتب السيرة وتراجم الصحابة رضي الله عنهم زادوا على المائة، والثابت في صحيح البخاري وغيره أنهم سبعون وهو المشهور من كلام العلماء، فغالب من ذكروا زيادة على السبعين إنما ذكروا على سبيل الوهم أو الغلط.
وهؤلاء المختلف فيهم يحتاج كل واحد منهم لدراسة فاحصة دقيقة، ووضع منهج للترجيح بينهم، مما يطيل البحث ويشعب جوانبه؛ ويزيد في عدد صفحاته عن الرقم المحدد، مما لا يتناسب مع قواعد نشر البحوث في المجلات العلمية.
ولعزمي على نشر هذا البحث في مجلة الجامعة الإسلامية، ورغبة في أن يكون مناسبا من حيث الحجم رأيت أن أقتصر على من ذكرهم ابن إسحاق لأنه أقدم من وصلنا ذكره لأسماء شهداء أحد، ولإجماع كتب تراجم الصحابة التي طالعتها على استشهادهم في غزوة أحد.
وسأقوم بإذن الله بتخصيص بحث آخر أجمع فيه: “شهداء أحد الذين لم يذكرهم ابن إسحاق في كتابه المغازي”.
واعتمدت في ذكر أسماء الشهداء وترتيبهم على ما ذكره ابن إسحاق من خلال تهذيب سيرة ابن إسحاق لابن هشام، ثم ترجمت لكل شهيد منهم رضي الله عنهم من عدد من كتب التراجم، حتى خرجت بترجمة تعرِّف بالشهيد وتشمل: اسمه، ونسبه، وشيئا من سيرته رضي الله عنه، ثم ما يتعلق بشهوده غزوة أحد واستشهاده فيها، وقصة استشهاده إن وجدت.
وعلى ضوء ما تجود به المصادر من معلومات عن الصحابي الشهيد تتسع أو
تضيق ترجمته، فبعضهم لم يصل إلى نصف صفحة، وبعضهم يزيد عن ذلك كثيرا.
ومن المصنفات التي اعتمدت عليها في الترجمة لهم:
كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد، وكتاب الاستيعاب لابن عبد البر، وكتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، وكتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، وكتاب الإصابة في معرفة الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني.
وراجعت مصادر أخرى فأضفت منها معلومات إلى تراجمهم كالكتب الستة وغيرها من كتب الحديث والتاريخ.
وحرصت على استيعاب معلومات الكتب التي ترجمت للصحابة، وسبكت منها ترجمة للشهيد، تضمنت ما احتوته من معلومات عنه، فخرجت بترجمة له أقرب إلى التكامل؛ حيث أن المصادر يكمل بعضها بعضا؛ فبعضهم يختصر في موضع يبسط فيه آخر.
ورتبت المصادر في الحاشية على وفياتهم ليعرف تسلسل الفكرة أو المعلومة، وأول من أوردها.
وراعيت الدقة بعزو كل ما أورده من معلومات في ترجمة الشهيد، وذلك في ذكر: اسمه، وأسماء أجداده، ونسبته، وقبيلته، وكنيته، ولقبه، وتحريت مزيدا في الدقة في ذلك.
مما يساعد للوصول إلى الحقيقة في الصحابة المختلف في استشهادهم في غزوة أحد لتشابه بينهم وبين أحد الشهداء في الاسم أو اسم الأب أو اسم الجد، أو النسب أو النسبة أو اللقب أو الكنية.
ولذلك كثرت الإحالات إلى الحاشية عند سرد نسب الصحابي، وهذا الصنيع وإن كان فيه تكرار في بعض الحواشي، إلا أنني رأيته ضروريا لإعطاء القارئ صورة أقرب لواقع محتويات ترجمة الصحابي في هذه المصنفات.
وتحاشيت طريقة العزو الإجمالي التي قد توهم أن المصادر المذكورة اتفقت
جميعا على إيراد جميع المعلومات بجزئياتها، مع أن الحقيقة قد لا تكون كذلك، بل قد ينفرد أحد هذه المصادر بمعلومة واحدة فقط ولا يشارك بقية المصادر في باقي المعلومات.
وهي طريقة تشبه إلى حد كبير طريقة الإسناد الجمعي التي تجنبها المحدِّثون والرواة؛ عدا قلة منهم أمثال: ابن إسحاق في بعض رواياته، والواقدي الذي ينتهجها في كثير من رواياته، وتلميذه ابن سعد إلا أن استخدامه لها نادرا.
والرواية التي يَستخدم فيها المصنفُ الإسنادَ الجمعي تختلط متونها ببعض فإن كان في الرواة راوٍ لا يعتد به؛ فإن المتن كله يكون ضعيفا؛ حتى وإن كان باقي الرواة ثقات؛ وسبب ذلك اختلاط معلوماتهم بمعلومات الراو الضعيف وعدم تميزها.
وقسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول:
ذكرت في المقدمة: أهمية البحث، والمصادر التي سبقت في تناول موضوع البحث، ومنهجي في البحث.
وتضمن التمهيد: عرضا مختصرا لغزوة أحد، وفضل شهداء أحد رضي الله عنهم.
وعنونت الفصل الأول: (من استشهد من المهاجرين في غزوة أحد) ذكرت فيه الاختلاف في عدد من استشهد في أحد من المهاجرين، ثم ترجمت لشهداء أحد الذين ذكرهم ابن إسحاق.
أما الفصل الثاني فعنوانه: (من استشهد من الأوس في غزوة أحد) مهدت له بالتعريف بالأوس وذكر قبائلهم ثم ترجمت لمن ذكرهم ابن إسحاق في شهداء أحد من الأوس.
والفصل الثالث عنوانه: (من استشهد من الخزرج في غزوة أحد) مهدت له أيضا بالتعريف بالخزرج وذكرت قبائلهم ثم ترجمت لمن ذكرهم ابن إسحاق في
شهداء أحد من الخزرج.
ثم ختمت البحث بخاتمة، وذيلته بفهرس للمصادر والمراجع، وفهرس للموضوعات.
وفي ختام هذه المقدمة أحمد الله تعالى الذي منَّ عليَّ بنعمه الكثيرة التي لا تُعد ولا تُحصى، ومنها إتمام هذا البحث، الذي كان حلما منذ عامين فتحقق، فأشكره على فضله وعظيم إنعامه.
ولا أدعي أن البحث جاء على ما أريده تماما، وذلك لما يعتري البشر وأعمالهم من النقص، فقد وصفهم الله بالضعف فقال:{وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} 1.
كتب عبد الرحيم البيساني إلى العماد الأصفهاني2 معتذرا عن كلام
1 جزء من الآية: 28 من سورة النساء: أي: ضعف في نفسه، وضعف في عزمه وهمته، وذكر ابن أبي حاتم أن موسى عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسله: “وإن أمتك أضعف أسماعا وأبصارا وقلوبا” (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/479) .
2 البيساني هو: عبد الرحيم بن علي بن الحسين بن الحسن اللخمي الشامي البيساني الأصل، ولد سنة تسع وعشرين وخمس مائة، سمع من ابن عساكر وغيره، قال الذهبي: “كان بارعا في الترسل وبلاغة الإنشاء، وله في ذلك اليد البيضاء، والمعاني المبتكرة، والباع الأطول، لا يدرك شأوه، ولا يشق غباره، مع الكثرة” كان حافظا للقرآن، وقرأ الجمع بين الصحيحين توفي سنة ست وتسعين وخمس مائة من الهجرة (الذهبي، سير أعلام النبلاء: 21/338-344) .
والعماد الإصفهاني هو: عمادالدين أبوعبد الله محمد بن محمد بن حامد بن عبد الله الأصبهاني الكاتب، ولد سنة تسع عشرة وخمس مائة بأصبهان، ساد في علم الترسل، وصنَّف التصانيف، واشتهر ذكره، كان فريد عصره نظما ونثرا، كان جامعا للفضائل: الفقه، والأدب، والشعر الجيد، وله اليد البضاء في النثر والنظم، توفي سنة سبع وتسعين وخمس مائة من الهجرة (الذهبي، سير أعلام النبلاء: 21/345-350) .
استدركه عليه: “إنه قد وقع لي شيءٌ وما أدري أوقع لك أم لا؟ وها أنا أخبرك به وذلك أني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده:
“لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل”.
ثم علق البيساني بقوله: “وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر”1.
أسأل الله أن يرزقني حسن النية والعمل، وأن يجعله عملا صالحا متقبلا، وصلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: 1/18، وقد اشتهرت نسبت هذه العبارة للعماد الأصفهاني على أنها من كلامه؛ ولم أقف على ذلك، إنما قيلت له كما ذكرت والله أعلم.
التمهيد: غزوة أحد1 وفضل شهداء أحد
غزوة أحد إحدى مغازي النبي صلى الله عليه وسله، تنسب إلى جبل أحد وهو جبل يقع شمال المدينة النبوية، أخبر النبي صلى الله عليه وسله أنه من جبال الجنة فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي حميد قال: أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، حتى إذا أشرفنا على المدينة قال:"هذه طابةُ وهذا أُحُدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه"2.
في سفح هذا الجبل وقبل أكثر من أربعة عشر قرنا، وبالتحديد في منتصف شوال من العام الثالث من الهجرة3 وقعت غزوة أحد بين فئتين من أهل ذاك العصر: فئة تؤمن بالله واليوم الآخر وهم: أصحاب النبي صلى الله عليه وسله الذين التفوا حوله بقلوبهم فهم المجتمع الإسلامي الصافي من كل الشوائب، وبين فئة كافرة بالله مشركة وهم: مشركو قريش ومن أطاعهم.
هذه الغزوة هي الغزوة الوحيدة التي قاتل فيها صلى الله عليه وسله بنفسه، وفيها ضرب أبي ابن خلف بحربة، وهي المرة الوحيدة التي يضرب بها أحداً من الناس بيده4.
1 وقعت الغزوة بجانب جبل أحد فنسبت إليه ويقع هذا الجبل شمال المدينة النبوية ويبلغ ارتفاعه ما يزيد على العشرين ومائة مترا، ويبعد عن المسجد النبوي خمسة أكيال ونصف الكيل بدءاً من باب المجيدي أحد أبواب المسجد النبوي من المبني القديم (أ. د. أكرم ضياء العمري، السيرة النبوية الصحيحة: 2/378) .
2 البخاري، الجامع الصحيح: 8/125.
3 أجمع علماء السيرة على أن الغزوة كانت في شوال من السنة الثالثة، انظر كتاب السير والمغازي لابن إسحاق: 324، وانظر أقوالهم في:(مرويات غزوة أحد، حسين الباكري: 43) .
4 نقل الحلبي عن شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك (الصالحي، سبل الهدى والرشاد: 4/9)، وقال الحلبي في السيرة الحلبية عقب سرده لقصة ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن خلف: “قال في النور: ولم يقتل بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم قط أحدا إلا أبي بن خلف؛ لا قبل ولا بعد” (السيرة الحلبية
2/511-512) .
وسبب هذه الغزوة أن المشركين أرادوا أن يثأروا لقتلاهم في غزوة بدر التي وقعت قبل أحد بسنة وشهر1 وليخلصوا طرقهم التجارية إلى الشام من سيطرة المسلمين، وليستعيدوا مكانتهم عند العرب التي تأثرت لهزيمتهم في بدر2.
فقد أجمعت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسله بأحابيشها ومن أطاعهم من قبائل: بني كنانة، وأهل تهامة3 وبلغ عددهم: ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فرس4 وثماني نسوة 5.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسله رؤيا تتعلق بالغزوة فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسله قال: “رأيت في رؤيايَ أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء به الله من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقْرا والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد” 6.
ولما علم المسلمون بقدوم المشركين لغزو المدينة شاور رسول الله صلى الله عليه وسله أصحابه في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة جيش المشركين ولما استمع عليه الصلاة والسلام لآراء الصحابة وقد رأى بعضهم البقاء في المدينة ورأى آخرون الخروج منها لملاقاتهم خارجها، انطلق صلى الله عليه وسله فلبس لأمته، فتلاوم
1 ابن إسحاق، كتاب السير والمغازي: 322، حسين الباكري، مرويات غزوة أحد: 46، وأ د. أكرم ضياء العمري، السيرة النبوية الصحيحة: 2/378.
2 حسين الباكري، مرويات غزوة أحد: 46، وأ د. أكرم ضياء العمري، السيرة النبوية الصحيحة: 2/378.
3 ابن إسحاق، كتاب السير والمغازي: 322-323.
4 ابن إسحاق، كتاب السير والمغازي:326.
5 انظر أسماءهن في كتاب السير والمغازي لابن إسحاق: 323-324، وفي تهذيب سيرة ابن إسحاق لابن هشام: 3/62.
6 رواه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: 7/374-375.
الصحابة وقالوا: عرض نبي الله صلى الله عليه وسله بأمر وعرضتم بغيره، وأرسلوا عمه حمزة بن عبد المطلب يعتذر عنهم ويقول له: أمرنا لأمرك تبع فلما أخبر حمزة رضي الله النبي صلى الله عليه وسله بذلك قال له عليه الصلاة والسلام: “إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز” 1.
خرج المسلمون من المدينة رافعين راية سوداء، وثلاثة ألوية: لواء للمهاجرين يحمله مصعب بن عمير، ولواء الأوس يحمله أسيد بن حضير، ولواء الخزرج يحمله الحباب بن المنذر، وقد اجتمع تحت هذه الألوية: جيش تعداده ألف نفس كانوا في بادىء الأمر خليطا فيهم: مسلمون صادقون، وفيهم متظاهرون بالإسلام من أتباع عبد الله بن أبي بن سلول، منهم مئتا دارع، ومعهم فرسان فقط.
1 جاء ذلك في رواية طويلة رواها ابن إسحاق في كتاب السير والمغازي: 324-325، عن جمع من شيوخه فيهم عدد مبهمون جمع رواياتهم كلها في متن واحد، وذكره كذلك ابن هشام في تهذيبه لسيرة ابن إسحاق:(3/60-63)، ورواه الإمام أحمد في المسند:(3/351) بإسناده عن أبي الزبير عن جابر به نحوه وذكر هـ الطبري في التفسير: (4/164-165) وصدره بقوله: (ذُكر لنا) ، ورواه الطبراني ومن طريقه الحافظ ابن حجر (تغليق التعليق
5/330-331) بإسناده عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس بمثل رواية الحاكم، ورواه الحاكم في المستدرك (2/128-129) بإسناده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما به نحوه ولفظه: “ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه” وقال الحاكم: “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه” وأقره الذهبي فقال في التلخيص: صحيح، وذكر رواية الحاكم هذه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/341) وقال: وهذا سند حسن، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (7/40-41) بإسناده من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة به نحوه، ونقله عنه ابن كثير في البداية والنهاية (4/12-13)، وصحح الألباني المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمجموع الطرق؛ انظر تعليقاته على فقه السيرة لمحمد الغزالي: ص 269.
ولبس رسول الله صلى الله عليه وسله درعين، وخرج الجيش متجها إلى أحد، وبالقرب من موقع المعركة، ولما كان الفريقان يرى بعضهم بعضا؛ انسحب رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش، وذلك إنما هو تصفية وتنقية لجيش المسلمين قال تعالى:{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ، وقال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} .
ورأى بعض الصحابة قتال المنافقين أتباع رأس المنافقين الذين انسحبوا من الجيش قال تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} .
وهمَّ بعض المسلمين بالعودة إلى المدينة ولكن الله تولاهم فقاوموا الضعف الذي ألم بهم قال تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} .
ولما وصل جيش المسلمين ميدان المعركة: تفقد النبي صلى الله عليه وسله جيش المسلمين واستعرض صغار الصحابة الذين لا طاقة لهم بالقتال فلم يجزهم، ونظم عليه الصلاة والسلام صفوف الجيش وجعل ظهورهم إلى جبل أحد ووجوههم تستقبل المدينة، وجعل خمسين من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير رضي الله عنهم فوق جبل عينين المقابل لجبل أحد من جهة الجنوب لحماية المسلمين من التفاف المشركين عليهم وإحاطتهم بهم، وشدد عليه الصلاة والسلام على هؤلاء الصحابة بألا يبرحوا مكانهم مهما تغيرت الظروف فقال لهم: “لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينون” 1.
التقى الفريقان واشتد القتال بين المسلمين والمشركين، وأبدى المسلمون رغم قلة العدة والعدد بطولة فائقة حتى قتلوا من المشركين وجرحوا وتراجع
1 رواه البخاري في صحيحه، (الجامع الصحيح مع فتح الباري: 7/349) .
المشركون وانهزموا، فلما رأى الرماة هزيمة المشركين قالوا لأميرهم عبد الله بن جبير: الغنيمة الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون، فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسله؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ثم انطلقوا يجمعون الغنائم1.
وبعد نزول الرماة وانكشاف ظهور المسلمين: رأى خالد بن الوليد وكان على خيالة المشركين الفرصة سانحة فالتف حول المسلمين، وشجع ذلك المشركين فعادوا للقتال من جديد وأحاطوا بالمسلمين من جهتين وفقد المسلمون مواقعهم الأولى وأخذوا يقاتلون دون تخطيط فأخذوا يتساقطون شهداء في ميدان المعركة في سفح جبل أحد.
وهؤلاء الشهداء استحقوا أفضل ما يجزى به شهيد لأنهم شهداء غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسله، وأضافوا إلى ذلك فضل صحبة النبي صلى الله عليه وسله وغير ذلك من فضائل الصحابة رضوان الله عليهم الكثيرة.
ولشهداء أحد رضي الله عنهم فضل ومزيّة على غيرهم من شهداء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فقد وردت آيات وأحاديث في فضلهم رضوان الله عليهم، فمما نزل فيهم من القرآن: قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} 2.
نزلت هذه الآية في شهداء أحد عامة 3 أو في أحدهم وهو أنس بن النضر رضي الله عنه، لما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ترى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر الخزرجي: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
1 انظر: المصدر السّابق.
2 سورة الأحزاب، الآية رقم:23.
3 انظر: فتح الباري لابن حجر: 8/518.
عَلَيْهِ 1} 2، ونزل فيهم أيضا قوله جل وعلا:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَفَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} 3.
قال ابن كثير: “يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار”4.
روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسله: "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترِد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا: ياليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله عز وجل أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 5} 6.
وفي الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسله فقال "يا جابر مالي أراك منكسرا مهتما قلت يا رسول الله استشهد أبى وترك عيالا وعليه دين قال أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك قلت بلى يا رسول الله قال إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا وما كلم أحدا قط إلا من
1 سورة الأحزاب، الآية رقم:23.
2 البخاري، الجامع الصحيح: 8/518.
3 سورة آل عمران، الآيات: 169 - 171.
4 ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 1/426.
5 سورة آل عمران، الآية رقم:169.
6 أحمد، المسند: 1/265، وبتحقيق د. عبد الله التركي وآخرين: 4/218.
وراء حجاب فقال له يا عبدى تمنَّ أعطك قال يا رب تردنى إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب تعالى ذكره إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال يا رب فأبلغ من ورائي" فأنزل الله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
…
الآية} 1.
وسيأتي في تراجم الشهداء أحاديث أخرى تدل على فضل شهداء أحد.
1 ابن عبد البر، الاستيعاب: 2/339-341، وابن الأثير، أسد الغابة: 3/242-244، وابن حجر، الإصابة: 2/350، ورواه الترمذي وحسنه، السنن: 5/230-231.
الفصل الأول: من اشتسهد من المهاجرين في غزوة أحد
حمزة بن عبد المطلب
…
الفصل الأول: من استشهد من المهاجرين في غزوة أحد
اختلف في عدد من استشهد من المسلمين في غزوة أحد من المهاجرين فقيل: أربعة1 وحكى ابن سيد الناس عن موسى بن عقبة أنه زاد خامسا2 وقيل: ستة3كما ذكر ابن سيد الناس أن ابن سعد زاد على الخمسة الذين ذكرهم موسى بن عقبة ستة فجعلهم أحد عشر شهيدا من قريش وحلفائهم، وأن ابن عبد البر زادهم حتى جعلهم أربعة عشر4وفيما يأتي تراجم الأربعة الذين ذكرهم ابن إسحاق في كتاب المغازي:
1-
حمزة بن عبد المطلب5:
حمزة بن عبد المطلب بن هاشم6بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبوعمارة7، وأمه: هالة بنت وهيب بن عبدمناف بن زهرة، عم النبي صلى الله عليه وسله 8،
1 ابن حبان، السيرة النبوية وأخبار الخلفاء: ص226، وابن حزم، جوامع السيرة النبوية: ص 132، وابن كثير، البداية والنهاية: 4/47،والفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم له: ص150.
2 ابن سيد الناس، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: 1/437.
3 الحلبي، السيرة الحلبية: 2/547.
4 ابن سيد الناس، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: 1/437.
5 ذكره ابن إسحاق فيمن استشهدوا في أحد من المهاجرين: من قريش من بني هاشم بن عبد مناف (تهذيب سيرة ابن إسحاق، لابن هشام: 3/122)، وذكره من شهداء أحد: ابن سعد، الطبقات الكبرى: 2/42، والبخاري، الجامع الصحيح: 7/374، والذهبي، سير أعلام النبلاء: 1/149.
6 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/271.
7 ابن الأثير، أسد الغابة: 1/528، وابن حجر، الإصابة 1/353، وانظر ترجمته في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد: 3/8-19.
8 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/271.
وأخوه من الرضاعة1 وقريبه من جهة أمه2.
ولد رضي الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وسله بسنتين وقيل بأربع3 وأسلم في السنة الثانية من البعثة4وقيل بل كان إسلامه بعد دخول النبي صلى الله عليه وسله دار الأرقم في السنة السادسة من مبعثه صلى الله عليه وسله 5ولما أسلم حمزة علمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسله قد امتنع، وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه6ولازم حمزة رضي الله عنه نصر رسول الله صلى الله عليه وسله وهاجر معه، وآخى النبي صلى الله عليه وسله بينه وبين زيد بن حارثة 7.
1 قال الحافظ ابن حجر: “عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب كما ثبت في الصحيحين” (ابن حجر، الإصابة 1/353)، ولم أقف ـ لا في الصحيحين ولا في أحدهما ـ على ما ذكره الحافظ من: أن ثويبة هي التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة، والذي فيهما أن حمزة أخ للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة دون تحديد المرأة التي أرضعتها. (انظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، لمحمد فؤاد عبد الباقي 2/103، والبخاري مع الفتح 5/253، ومسلم 2/1071) وأن ثويبة أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا سلمة (انظر: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، لمحمد فؤاد عبد الباقي 2/103- 104، والبخاري مع الفتح 9/158، ومسلم: 2/1072) .
2 فإن أم حمزة هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة إبنة عم آمنة بنت وهب بن عبد مناف أم النبي صلى الله عليه وسلم (ابن حجر، الإصابة 1/353) .
3 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/271، وابن حجر، الإصابة 1/353-354،وقال ابن عبد البر في ترجمة حمزة رضي الله عنه: “كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين وهذا لا يصح عندي لأن الحديث الثابت أن حمزة وعبد الله بن عبد الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن يكون أرضعتهما في زمانين” ولم أقف على الحديث الثابت المشار إليه في كلام ابن عبد البر وسبق تعقبي على ابن حجر في عزوه للشاهد منه إلى الصحيحين.
4 ابن عبد البر، الاستيعاب: 271، وابن الأثير، أسد الغابة: 1/528.
5 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/271.
6 الذهبي، سير أعلام النبلاء: 1/172.
7 ابن حجر، الإصابة 1/354.
كان يقال له: أسد رسوله، ويكنى: أبا عمارة، وأبا يعلى بابنيه: عمارة، ويعلى1 رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسله لقبه: أسد الله2وسيد الشهداء3أو: خير الشهداء4، وعقد له رسول الله صلى الله عليه وسله لواء وأرسله في سرية فكان ذلك أول لواء عقد في الإسلام في قول المدائني5.
شهد رضي الله عنه بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا مشهورا: فقد قتل شيبة ابن ربيعة، وشارك في قتل عتبة بن ربيعة أو بالعكس على اختلاف في ذلك، وقتل: طعيمة بن عدي6 وقيل إنه قتل: سباعا الخزاعي يومئذ؛ وقيل: بل قتله يوم أحد قبل أن يقتل7.
شهد رضي الله عنه أحدا وقَتل أكثر من ثلاثين نفسا من المشركين قبل أن يُقتل8 قتله رجل يقال له وحشي مولى لجبير بن مطعم، وكان جبير بن مطعم قد قال لمولاه وحشي: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، فتربص وحشي لحمزة رضي الله عنه حتى قتله9.
فقد كان حمزة يقاتل في أحد بين يدي النبي صلى الله عليه وسله بسيفين فقال قائل: أي
1 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/271.
2 ابن حجر، الإصابة 1/354.
3 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/273، والذهبي، سير أعلام النبلاء: 1/173، وابن حجر، الإصابة 1/354.
4 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/273.
5 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/271 ولم يذكر المدائني، ابن حجر، الإصابة 1/354.
6 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/273، وابن الأثير، أسد الغابة: 1/529.
7 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/273.
8 ابن حجر، الإصابة 1/354.
9 البخاري، الجامع الصحيح: 7/367، وابن عبد البر، الاستيعاب: 1/273.
أسد، فبينا هو كذلك إذا عثر عثرة وقع منها على ظهره، فانكشفت الدرع عن بطنه، فطعنه وحشي الحبشي بحربة أو برمح فأنفذه1.
وقد روى البخاري في صحيحه تفصيل قصة استشهاده من رواية القاتل نفسه فقد قال وحشي: إن حمزة قتل طُعَيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر. قال: فلما أن خرج الناس عام عينين -وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد- خرجت مع الناس إلى القتال فلما اصطفوا للقتال خرج سِبَاع فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال: يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسله؟ قال: ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه قال فكان ذاك العهد به.
فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسله رسولا فقيل لي إنه لا يهيج الرسل قال فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسله فلما رآني قال: "آنت وحشي؟ " قلت: نعم. قال: "أنت قتلت حمزة؟ " قلت: قد كان من الأمر ما بلغك. قال: "فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني". قال: فخرجت فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسله فخرج مسيلمة الكذاب قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان قال فإذا رجل قائم في ثلمة2جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس قال: فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه قال: ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته3.
1 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/274-275، وابن الأثير، أسد الغابة: 1/530.
2 الثُّلْمَةُ: فُرْجَةُ المكسور والمهدوم (الفيروز آبادي، القاموس المحيط: ص 1402) .
3 البخاري، الجامع الصحيح: 7/367-368.
عاش رضي الله عنه دون الستين 1 ودفن هو وعبد الله بن جحش في قبر واحد2.
ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسله قال: لولا أن تجد صفية لتركت دفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع، وكان قد مثل به يومئذ فقد بقرت3هند بنت عتبة عن بطن حمزة رضي الله عنه فأخرجت كبده وجعلت تلوك4كبده ثم لفظتها فقال النبي صلى الله عليه وسله "لو دخل بطنها لم تدخل النار"، فلم يمثل بأحد ما مثل بحمزة، قطعت هند كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه، وبقرت بطنه5.
وعلّق ابن عبد البر رواية من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسله وقف على حمزة حين استشهد" فبكى ولما رأى ما مُثِّل به: شهق، فلم ير منظرا كان أوجع لقلبه منه فقال: رحمك الله أي عم فلقد كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات"6.
ورثاه: كعب بن مالك - وقيل: عبد الله بن رواحة -بأبيات منها:
بكت عيني وحق لها بكاها
…
وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا
…
لحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا
…
هناك وقد أصيب به الرسول
1 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/273، وابن حجر، الإصابة 1/354.
2 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/273، وابن الأثير، أسد الغابة: 1/531.
3 البَقْرُ: الفتح، والكشف (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: 1/145) .
4 الَّلوكُ: أهون المضغ، أو مضغ صلب، أو علك الشيء (الفيروز آبادي، القاموس المحيط: ص 1230) .
5 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/274، وابن الأثير، أسد الغابة: 1/530.
6 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/275.
أبا يعلى، لك الأركان هُدَّت
…
وأنت الماجد البَرُّ الوصول
عليك سلام ربك في جنانٍ
…
يخالطها نعيمٌ لا يزول
ألا يا هاشمَ الأخيار صبرا
…
فكل فعالكم حسنٌ جميل
رسولُ الله مصْطَبرٌ كريم
…
بأمر الله ينطق إذ يقول
إلى أن قال:
ألا يا هندُ لا تبدي شماتا
…
بحمزة إنَّ عزكم ذليل
ألا يا هندُ فابكي لا تملي
…
فأنت الواله العَبْرَى الثكولُ1
جاء في بعض الروايات: أن معاوية رضي الله عنه حفر العين في خلافته فكشفت بعض قبور شهداء أحد، فوجدوا أجسادهم رطابا يتثنون، وذلك على رأس أربعين سنة، وأصاب المر2 رجل حمزة فطار منها الدم3.
1 ابن عبد البر، الاستيعاب: 1/275-276، وابن الأثير، أسد الغابة: 1/530-531.
2 المر: المسحاة أو مقبضها (الفيروز آبادي، القاموس المحيط: 610) .
3 ابن الأثير، أسد الغابة: 1/532.
2-
عبد الله بن جحش
1:
عبد الله بن جحش بن رياب بن يعمر2 بن صبرة بن مرة بن كبير بن غَنْم ابن دودان بن أسد بن خزيمة3 الأسدي حليف بني عبد شمس4 ويكنى أبا
1 ذكره ابن إسحاق فيمن استشهدوا في أحد من المهاجرين: من قريش من بني أمية بن عبد شمس (تهذيب سيرة ابن إسحاق، لابن هشام: 3/122)، وقال عنه: “حليف لبني أسد بن خزيمة”، وذكره في شهداء أحد أيضا: ابن سعد، الطبقات الكبرى: 2/42، والذهبي، سير أعلام النبلاء: 1/149.
2 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/91، وابن حجر، الإصابة: 2/286.
3 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/91.
4 ابن حجر، الإصابة: 2/286.
محمد، وأمه: أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي1.
أحد السابقين إلى الإسلام2 هاجر إلى الحبشة3 وعاد إلى مكة لما بلغ مهاجري الحبشة إسلام أهل مكة4 ذكره ابن إسحاق في أول من قدم المدينة من المهاجرين5 وفيمن شهد بدرا6 آخى النبي بينه وبين عاصم بن ثابت7.
وبعثه في سرية8 وقال لأصحابها: “لأبعثن عليكم رجلا أصبركم على الجوع والعطش”، قال سعد رضي الله عنه: فبعث علينا عبد الله بن جحش فكان أول أمير في الإسلام9 ورايته في تلك السرية هي أول راية عقدت في الإسلام ـ على قول ـ 10 ونسبت إليه فيما بعد فسميت: (سرية: عبد الله بن جحش) .
رُوى أن رسول الله صلى الله عليه وسله يوم خرج إلى أحد نزل عند الشيخين11 فأصبح هناك فجاءته أم سلمة بكتف مشوية فأكلها ثم جاءته بنبيذ فشرب ثم أخذه
1 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/91.
2 ابن حجر، الإصابة: 2/286.
3 ابن هشام، تهذيب سيرة ابن إسحاق 1/324.
4 ابن هشام، تهذيب سيرة ابن إسحاق 1/365.
5 ابن هشام، تهذيب سيرة ابن إسحاق 1/470.
6 ابن هشام، تهذيب سيرة ابن إسحاق 1/679.
7 ابن حجر، الإصابة: 2/287.
8 انظر تفاصيل السرية في تهذيب سيرة ابن إسحاق لابن هشام 1/601-607.
9 جاء ذلك في ما رواه الإمام أحمد في المسند: (1/178) ، والبغوي عن سعد بن أبي وقاص عنه. وانظر مسند الإمام أحمد (الفتح الرباني للساعاتي 23/25-26)، والإصابة: 2/287.
10 ابن حجر، الإصابة 2/287.
11 أُطُمان سميا بهذا الاسم لأن شيخا وشيخة كانا يتحدثان في موضعه، وهو موضع عسكر فيه رسول صلى الله عليه وسلم ليلة خرج لقتال المشركين بأحد (ياقوت الحموي، معجم البلدان: 3/380) .
رجل من القوم فشرب منه ثم أخذه عبد الله بن جحش فعب1فيه فقال له رجل بعض شرابك أتدري أين تغدو قال نعم ألقى الله وأنا ريان أحب إلي من أن ألقاه وأنا ظمآن اللهم إني أسألك أن أستشهد وأن يمثل بي فتقول فيم صنع بك هذا فأقول فيك وفي رسولك2.
وقد دعا عبد الله بن جحش رضي الله عنه يوم أحد أن يرزقه الله الشهادة؛ فاستجيب له3 جاء في بعض الروايات: أن عبد الله بن جحش قال لسعد بن أبي وقاص يوم أحد: ألا تأتي فندعوا؟ قال سعد: فخلونا في ناحية فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقينا القوم4 غدا فلَقِّني رجلا شديدا حرده5 أقاتله فيك ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبه. قال: فأَمَّنَ عبد الله بن جحش، ثم قال عبد الله: اللهم ارزقني رجلا شديدا حرده أقاتله فيك حتى يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا لقيتك قلت هذا فيك وفي رسولك فتقول صدقت. قال سعد: فكانت دعوة عبد الله خيرا من دعوتي فلقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط6.
وفي رواية أنه قال في دعائه إذ ذاك: اللهم إذا لاقوا هؤلاء غدا فإني أقسم عليك لما يقتلوني ويبقروا بطني ويجدعوني فإذا قلت لي لم فعل بك هذا فأقول
1 العَبُّ: الشرب بلا تنفس (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: 3/168) .
2 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/91.
3 ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل 5/22، وابن حجر، الإصابة: 2/287.
4 في مطبوعة الإصابة: (اليوم) وهو تصحيف ظاهر.
5 الحرد: القصد والمنع (الفيروز آبادي، القاموس المحيط: ص353) والمقصود لقني رجلا قويا خبيرا بفنون القتال وقصد عدوه ومنع نفسه منه، ليكون قتاله أعظم للأجر وأبلغ.
6 ابن حجر، الإصابة: 2/287، وذكر أن ابن شاهين أخرج نحوه، وكذا ابن المبارك في:(الجهاد) مرسلا.
اللهم فيك فلما التقوا فعلوا ذلك به وقال الرجل الذي سمعه أما هذا فقد استجيب له وأعطاه الله ما سأل في جسده في الدنيا وأنا أرجو أن يعطى ما سأل في الآخرة1.
قال الزبير: كان يقال له المجدع في الله وكان سيفه انقطع يوم أحد فأعطاه النبي صلى الله عليه وسله عرجونا2 فصار في يده سيفا فكان يسمى العرجون قال وقد بقي هذا السيف حتى بيع من بغاء التركي بمائتي دينار.
قتله أبوالحكم بن الأخنس بن شَريق3ودفن هو وحمزة في قبر واحد وكان له يوم قتل نيف وأربعون سنة4
1 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/90-91.
2 العُرْجُون: هو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العَذْق (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: 3/203) والعَذْق: النخلة بحملها (الفيروز آبادي، القاموس المحيط: ص 1171) .
3 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 2/42، وابن حجر، الإصابة: 2/287.
4 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/91، وابن حجر، الإصابة: 2/287.
3 -
مصعب بن عمير
1:
مصعب بن عمير بن هاشم2 بن عبد مناف3 بن عبد الدار بن قصي4
1 ذكره ابن إسحاق فيمن استشهدوا في أحد من المهاجرين: من قريش من بني عبد الدار ابن قصي (تهذيب سيرة ابن إسحاق، لابن هشام: 3/122) ،والبخاري، الجامع الصحيح: 7/374.
2 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116، وابن عبد البر، الاستيعاب: 3/468، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
3 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة: 3/421-422.
4 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116، وابن عبد البر، الاستيعاب: 3/468، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
ابن كلاب1بن مرة2 العبدري3 القرشي4 يكنى أبا محمد5، أبا عبد الله6 وأمه: خناس بنت مالك بن المضرب بن وهب بن عمرو بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، ويلقب: مصعب الخير، وزوجته: حمنة بنت جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد ابن خزيمة7.
كان من جلة الصحابة وفضلائهم8 وكان فتى مكة شبابا وجمالا وسبيبا وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه مليئة كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه وكان أعطر أهل مكة، يلبس الحضرمي من النعال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول: ما رأيت بمكة أحدا أحسن لمة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير9.
عن سعد بن أبي وقاص قال كان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة وأجوده حلة مع أبويه10 ثم جهد في الإسلام جهدا شديدا حتى إن جلده
1 ابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
2 ابن الأثير، أسد الغابة: 4/405.
3 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/468، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
4 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/468، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405.
5 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116.
6 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/468، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
7 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116.
8 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/468، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405.
9 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116 من طريق الواقدي.
10 ابن حجر، الإصابة:3/421-422.
يتحشف1كما يتحشف جلد الحية2.
سبق مصعب رضي الله عنه إلى الإسلام3 وهاجر إلى الحبشة4 مع أول من هاجر إليها5 قال أبو عمر أسلم قديما والنبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم6 وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه فعلمه عثمان بن طلحة فأعلم أهله فأوثقوه فلم يزل محبوسا إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة7 ثم رجع إلى مكة فهاجر إلى المدينة8 بعد العقبة الأولى ليعلم الناس القرآن ويصلي بهم9 روى البخاري أن مصعبا وابن أم مكتوم هما: أول من قدم المدينة وكانوا يُقرئون القرآن10.
وشهد بدرا11 ثم شهد أحدا ومعه اللواء12 فاستشهد13 روى البخاري
1 المتحشف: اللابس للحشيف: وهو الخلق (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: 1/391) .
2 ابن الأثير، أسد الغابة: 4/406.
3 ابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
4 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/468، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
5 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/468.
6 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116، وابن عبد البر، الاستيعاب: 3/470، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
7 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116، وابن عبد البر، الاستيعاب: 3/471، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
8 ابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
9 ابن الأثير، أسد الغابة: 4/405.
10 البخاري، الجامع الصحيح: 7/260، والذهبي، سير أعلام النبلاء: 1/146.
11 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/468، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
12 ابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
13 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/470، وابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، وابن حجر، الإصابة:3/421-422.
في صحيحه عن خباب أن مصعبا ممن مضى ولم يأخذ من أجره شيئا قتل يوم أحد وترك نمرة1 إذا غُطي بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غُطيت بها رجلاه بدا رأسه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسله أن يُغطى رأسه ويجعل على رجليه شيء من إذخر2.
قال ابن عبد البر: “ولم يختلف أهل السير أن راية رسول الله صلى الله عليه وسله يوم بدر ويوم أحد كانت بيد مصعب بن عمير فلما قتل يوم أحد أخذها علي بن أبي طالب رضي الله عنه”3.
وقاتل مصعب رضي الله عنه في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسله حتى قتل4 قتله ابن قمئة الليثي5 وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسله فرجع إلى قريش فقال قتلت محمدا فلما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسله اللواء علي بن أبي طالب ورجالا من المسلمين6 وكان رضي الله عنه يوم قتل ابن أربعين سنة وأزيد شيئا ويقال إن فيه نزلت وفي أصحابة: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ”7.
1 النمرة: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب فهي نمرة
…
كأنها أخذت من لون النمر، لما فيها من السواد والبياض (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: 5/118) .
2 البخاري، الجامع الصحيح: 7/226، والذهبي، السير: 1/146.
3 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/472.
4 الذهبي، السير: 1/148.
5 ابن إسحاق، تهذيب سيرة ابن إسحاق: 3/122،وابن سعد، الطبقات الكبرى:2/42، وابن عبد البر، الاستيعاب: 3/470، ابن الأثير، أسد الغابة: 4/405، والذهبي، السير: 1/148.
6 الذهبي، السير: 1/148.
7 ابن هشام، تهذيب سيرة ابن إسحاق: 3/122، وابن عبد البر، الاستيعاب: 3/470، ابن الأثير، أسد الغابة: 4/405.
وتألمت كثيرا زوجة مصعب بن عمير (حَمْنَة بنت جحش) لما سمعت بخبر استشهاد زوجها فقد لقيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راجع من أحد فنُعي إليها أخوها عبد الله بن جحش، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت، وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن زوج المرأة منها لبمكان، لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها1.
روى الطبراني عن عبد الله بن عمر قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب ابن عمير حين رجع من أحد فوقف عليه وعلى أصحابه فقال: "أشهد أنكم أحياء عند الله فزوروهم وسلموا عليهم فوالذي نفس محمد بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة"2.
وزاد ابن الأثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على مصعب بن عمير وهو منجعف3 على وجهه يوم أحد شهيدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا} 4.
1 ذكره ابن إسحاق فيما ذُكر له دون إسناد (ابن هشام، تهذيب سيرة ابن إسحاق 3/98) وعنه الطبري (تاريخ الأم والملوك: 2/529) .
2 المعجم الأوسط: (4/97-98)، ومن طريق الطبراني رواه أبو نعيم:(حلية الأولياء: 1/108)، وقال الهيثمي:"رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة وهو متروك"(مجمع الزوائد: 6/123) وقال أيضا: "رواه الطبراني في الكبير وفيه أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني"(مجمع الزوائد: 3/60) .
3 منجعف: أي مصروع (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث: 1/276) .
4ابن الأثير، أسد الغابة: 4/407-408، ولم أقف على هذا النص مسندا.
كان لمصعب رضي الله عنه من الولد ابنة يقال لها: زينب، فزوجها عبد الله ابن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فولدت له ابنة يقال لها: قريبة1 ولم يعقب مصعب إلا من ابنته زينب2.
1 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116.
2 ابن الأثير، أسد الغابة: 4/408.
3 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/116.
4 ابن الأثير، أسد الغابة: 4/408.
4-
شماس بن عثمان1:
شماس بن عثمان بن الشريد2 بن هرمي بن عامر بن مخزوم القرشي3 المخزومي من بني عامر بن مخزوم، اسمه عثمان ولقب شماس4 لوضائته5 وأمه: صفيه بنت ربيعة بن عبد شمس6.
كان شماس من أحسن الناس وجها7 ولذلك لقب بهذااللقب، فقد قدم
1 ذكره ابن إسحاق فيمن استشهدوا في أحد من المهاجرين: من قريش من بني مخزوم بن يقظة (تهذيب سيرة ابن إسحاق، لابن هشام: 3/122) ، وابن سعد، الطبقات الكبرى: 2/42، والذهبي، سير أعلام النبلاء: 1/149.
2 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/245،وابن عبد البر، الاستيعاب: 2/156، 3/89، ابن حجر، الإصابة: 2/155.
3 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/245، وابن عبد البر، الاستيعاب: 3/89، وابن الأثير، أسد الغابة: 2/376، ابن حجر، الإصابة: 2/155.
4 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/245، وابن عبد البر، الاستيعاب: 2/156، 3/89، ابن الأثير، أسد الغابة: 2/376.
5 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/245.
6 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/245، وابن عبد البر، الاستيعاب: 2/156، 3/89، ابن الأثير، أسد الغابة: 2/377.
7 ابن حجر، الإصابة: 2/155.
شماسا1 من الشمامسة فى الجاهلية كان جميلا فعجب الناس من جماله فقال عتبة بن ربيعة وكان خال شماس: أنا آتيكم بشماس أحسن منه فأتى بابن أخته عثمان بن عثمان فسُمِّيَ شماسا من يومئذ وغلب ذلك عليه 2.
رُوى أن رسول الله صلى الله عليه وسله آخى بيه وبين حنظلة بن أبي عامر3.
أسلم شماس أول الإسلام4 وكان من مهاجرة الحبشة، ثم شهد بدرا، وقتل يوم أحد شهيدا 5 قتله أبيّ بن خلف الجُمَحي6 وكان يوم قتل ابن أربع وثلاثين سنة7 وليس له عقب8.
قال الحافظ ابن حجر: “واتفقوا على أنه استشهد بأحد وشذ أبو عبيد فقال إنه استشهد ببدر”9.
وكان عثمان هذا يقي رسول الله صلى الله عليه وسله بنفسه يوم أحد فقال صلى الله عليه وسلم "ما شبهته يومئذ إلا بالجُنة" يعني بضم الجيم وزاد في رواية ما أوتى من ناحية إلا وقاني
1 الشَّمَّاسُ: من رُءوسِ النَّصَارى الذي يحلق وسط رأسه لازما للبيعة ((الفيروز آبادي، القاموس المحيط: ص 712) .
2 ابن عبد البر، الاستيعاب: 3/89.
3 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/345.
4 ابن الأثير، أسد الغابة: 2/377.
5 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/245، وابن عبد البر، الاستيعاب: 2/156، 3/89، ابن الأثير، أسد الغابة: 2/377.
6 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 2/42.
7 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/245-246، وابن عبد البر، الاستيعاب: 2/156، ابن الأثير، أسد الغابة: 2/377.
8 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 3/245-246.
9 ابن عبد البر، الاستيعاب: 2/156 -157، وابن الأثير، أسد الغابة: 2/377، وابن حجر، الإصابة: 2/155.
إلى مضاجعهم فأدرك المنادي رجلا واحدا لم يكن دفن فرد وهو
شماس بن عثمان
المخزومي1.
وزوجته: نُعم بضم النون بنت حسان أنشد لها ابن إسحاق أبياتا ترثي زوجها لما استشهد بأحد:
يا عين جودي بدمع غير إبساس2
…
على كريم من الفتيان لباس
صعب البديهة ميمون نقيبته
…
حمال ألوية ركاب أفراس
أقول لما خلت منه مجالسه
…
لا يبعد الله منا قرب شماس3
1 ابن سعد، الطبقات الكبرى: 2/44.
2 الإبساس: الجدب (الفيروز آبادي، القاموس المحيط: ص682) .
3 ابن حجر، الإصابة: 4/419.