الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آنف الذكر: ((هذا الحديث يدل على جواز إمامة الصبي إذا عقل وميَّز، وكثير من الفقهاء يقول: لا يؤمُّ، ولا يُعتدُّ به في المصافة، وهذا قول غلط وضعيف، والصواب أنه يؤمُّ ويصافّ، وقد صفَّ أنسٌ مع اليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم (1)، والأصل في الفرائض والنوافل سواء، إلا ما خصه الدليل، وحديث عمرو هذا يدل على جواز إمامة العاقل المميز، ويحمل الشك على السبع؛ لأن الغالب أن المميز ابن سبع، ولقوله صلى الله عليه وسلم:((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين)) (2) فإذا كان يتقن الصلاة قدم)) (3)، أي إذا كان أكثرهم قرآنًا.
المبحث الثامن: تدرك الجماعة بإدراك ركعة، ولا يُعتدُّ بركعة لا يُدْرك ركوعها
؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك
(1) مسلم، برقم 658، وتقدم تخريجه في صلاة التطوع.
(2)
أبو داود، برقم 495، وأحمد، 2/ 180، وصححه الألباني في إرواء الغليل،
1/ 266، و2/ 7، وتقدم تخريجه في منزلة الصلاة في الإسلام.
(3)
سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم 435.
الصلاة)) (1)؛ وإذا أدرك الركوع قبل أن يقيم الإمام صلبه من ركوعه فقد أدرك الركعة (2)؛ لحديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ (3)) (4). وزاد أبو داود فيه: ((فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف)) (5).
ومما يدل على أن من أدرك الركوع قبل أن يقيم الإمام صلبه
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الصلاة ركعة، برقم 580، ومسلم، كتاب المساجد، باب متى يقوم الناس للصلاة، برقم 607.
(2)
انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 381، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/ 161.
(3)
ولا تعد: قيل: معناها: لا تُعِدْ صلاتك فإنها صحيحة، وقيل: لا تَعْدُ: من العدو والسعي، وقيل: لا تَعُدْ، من العود: أي لا تَعُدْ ساعياً إلى الدخول في الركوع قبل وصولك الصف، وهذا هو الأقرب، واختاره الصنعاني في سبل السلام،3/ 109، وابن باز في مجموع الفتاوى، 12/ 160، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 430، وقال ابن عبد البر:((زادك الله حرصاً ولا تعد)) معناه عند أهل العم: ((زادك الله حرصاً إلى الصلاة ولا تعد إلى الإبطاء عنها)). الاستذكار، 6/ 250، وقال ابن قدامة:((بل إنما يعود النهي إلى المذكور والمذكور الركوع دون الصف))، المغني، 2/ 77.
(4)
البخاري، كتاب الأذان، بابٌ: إذا ركع دون الصف، برقم 783.
(5)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يركع دون الصف، برقم 684، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 133.
فقد أدرك الركعة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدُّوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة)) (1).
وفي لفظ لابن خزيمة والدارقطني والبيهقي: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه)) (2). وهذا مذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف: أن من أدرك الإمام راكعاً فكبر وركع وأمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة، ومن لم يدرك ذلك
(1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع، برقم 893، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 169، وقال الإمام ابن باز ((وحديث أبي هريرة قد جاء من طريقين يشد أحدهما الآخر، وتقوم بمثلهما الحجة)). انظر مجموع فتاوى ابن باز، 12/ 161.
(2)
سنن الدارقطني، كتاب الصلاة، باب من أدرك الإمام قبل إقامة صلبه فقد أدرك الصلاة، 1/ 346، برقم 1، وسنن البيهقي الكبرى، كتاب الصلاة، باب إدراك الإمام في الركوع، 2/ 89، وصحيح ابن خزيمة، كتاب الصلاة، باب ذكر الوقت الذي يكون فيه المأموم مدركاً للركعة إذا ركع إمامه قبل، 3/ 45، برقم 1595، قال الألباني في حاشيته على صحيح ابن خزيمة، 3/ 45: ((إسناده ضعيف لسوء حفظ قرّة، لكن الحديث له طرق أخرى وشواهد كما حققته في صحيح أبي داود
(832)
، والإرواء (89)، قلت الطبعة التي عندي صحيح أبي داود، 1/ 169، والإرواء 2/ 260، وحسنه في صحيح أبي داود وصححه في الإرواء.
فقد فاتته الركعة فلا يُعتد بها، وهذا مذهب الإمام مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وروي ذلك عن علي، وابن مسعود، وزيد، وابن عمر رضي الله عنهم (1). أما من تأخر عن صلاة الجماعة لعذر وهو من المحافظين دائماً على صلاة الجماعة، ثم جاء وأدرك جزءاً من الصلاة أقل من ركعة فقد فاتته صلاة الجماعة، لكن له أجر وفضل الجماعة لحسن نيته ولعذره؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي
(1) وهذا القول هو الصواب الذي عليه جمهور الأئمة، وهو المتفق عليه عند أصحاب المذاهب الأربعة كما تقدم، ورجحه: الإمام ابن عبد البر، والإمام النووي، والشوكاني في قوله الثاني، والإمام ابن باز رحمهم الله.
والقول الثاني: إن من أدرك الإمام راكعاً ودخل معه في الركوع لا يعتد بتلك الركعة؛ لأن قراءة الفاتحة فرض ولم يأتِ به، روي هذا القول عن أبي هريرة ورجحه البخاري في كتابه ((جزء القراءة))، وحكاه عن كل من يرى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم، ورجحه الشوكاني في قوله الآخر في النيل وبسط أدلته.
والصواب القول الأول كما تقدم. انظر: مجموع هذه الأقوال في عون المعبود شرح سنن أبي داود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، 3/ 145 - 161، فقد أبدع في النقل، وانظر: المجموع للنووي، 4/ 215، والاستذكار لابن عبد البر، 5/ 64 - 68 و6/ 245 - 250، والمغني لابن قدامة، 3/ 76، ونيل الأوطار للشوكاني،
1/ 784 - 792، و2/ 381، وسبل السلام للصنعاني، 3/ 108، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/ 157 - 162، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/ 240 - 244.
- صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً)) (1)؛ ولحديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)) (2)؛ ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك: ((إن أقواماً بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر)). وفي لفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: ((إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم)) قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال:((وهم بالمدينة، حبسهم العذر)) (3). فدلَّ
(1) أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيمن خرج يريد الصلاة فسُبِق بها، برقم 564، والنسائي، كتاب الإمامة، باب حد إدراك الجماعة، برقم 855، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح، 6/ 137:((إسناده قوي))، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 113، وقد سبق تخريجه في فضل الصلاة.
(2)
البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة، برقم 2996.
(3)
البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو برقم 2838، وبرقم 4423.