الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك على أن من حبسه عذر شرعي يكون له أجر من عمل العمل على الوجه الشرعي (1).
المبحث التاسع: صلاة الجماعة الثانية مشروعة لمن فاتته صلاة الجماعة الأولى
مع الإمام في المسجد (2)؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي
(1) انظر: الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص102، ومجموع فتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، 12/ 165.
(2)
تكرار الجماعة في المسجد الواحد له صور، منها:
الصورة الأولى: أن يكون إعادة الجماعة أمراً راتباً، بأن يكون في المسجد جماعتان دائماً: الجماعة الأولى، والجماعة الثانية، أو أكثر، فهذا بدعة.
الصورة الثانية: أن يكون إعادة الجماعة أمراً عارضاً، والإمام الراتب هو الذي يصلي بالمسجد، لكن أحياناً يتخلف رجلان، أو ثلاثة، أو أكثر لعذر، فهذا هو محل الخلاف، فمن العلماء من يقول: لا تعاد الجماعة، بل يصلون فرادى، ومنهم من قال: بل تعاد، وهذا هو الصواب وهو الصحيح، وهو مذهب الحنابلة، للأدلة المذكورة في متن هذه الرسالة.
الصورة الثالثة: أن يكون المسجد في طريق الناس، أو سوقهم، فيأتي الرجلان والثلاثة يصلون ثم يخرجون، ثم يأتي غيرهم فيصلون فلا تكره الإعادة في هذا المسجد أيضاً، قال الإمام النووي في المجموع، 4/ 222:((إذا لم يكن للمسجد إمام راتب فلا كراهة في الجماعة الثانية بالإجماع)). وانظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 4/ 226 - 232. وفي المسألة صور أخرى: انظر: صلاة الجماعة للعلامة صالح بن غانم السدلان، ص100.
وحده، فقال:((ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟)) (1). ولفظ الترمذي: جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((أيُّكم يتّجرُ على هذا؟)) فقام رجل فصلى معه. ولفظ الإمام أحمد: أن رجلاً دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من يتصدق على هذا فيصلي معه؟)) فقام رجل من القوم فصلى معه. قال الإمام الشوكاني رحمه الله: ((فقام رجل من القوم فصلى معه)) هو أبو بكر الصديق كما بيّن ذلك ابن أبي شيبة)) (2).
والحديث يدل على مشروعية الدخول مع من دخل في الصلاة منفرداً، وإن كان الداخل قد صلى في جماعة (3). قال الترمذي رحمه الله: ((وهو قول غير واحد من أهل
(1) أبو داود، برقم 574، والترمذي، برقم 220، وأحمد، 3/ 45، 64، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 209 وابن حبان، 6/ 157، برقم 2397 - 2399، وأبو يعلى، 2/ 321، برقم 1075، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 316، برقم 535، وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات الأسباب آخر صلاة التطوع.
(2)
نيل الأوطار، 2/ 380.
(3)
نيل الأوطار، 2/ 380.
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم من التابعين. قالوا: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صُلِّيَ فيه جماعة، وبه يقول أحمد وإسحاق)) (1). وهذا هو الصواب؛ لعموم الأدلة الدالة على أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة؛ ولحديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه وفيه:((وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى)) (2). ومن قال: إن فضل الجماعة يختص بالجماعة الأولى فعليه الدليل المخصص، ومجرد الرأي ليس بحجة (3)، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه جاء ذات يوم والناس قد صلوا، فجمع أصحابه فصلى بهم جماعة (4). والمقصود أن الجماعة الثانية
(1) قال الترمذي: ((وقال آخرون من أهل العلم: يصلون فرادى، وبه يقول سفيان، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، يختارون الصلاة فرادى)).سنن الترمذي، الحديث رقم 220.
(2)
أبو داود، برقم 554، والنسائي، برقم 843، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 110،وفي سنن النسائي،1/ 183،وتقدم تخريجه في وجوب صلاة الجماعة.
(3)
مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/ 166.
(4)
البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، قبل الحديث رقم 645، في ترجمة الباب، ولفظه:((وجاء أنس إلى مسجدٍ قد صُلِّيَ فيه فأذَّن وأقام وصلى جماعة)) قال ابن حجر في فتح الباري، 2/ 131:((وصله أبو يعلى في مسنده، من طريق الجعد أبي عثمان))، قال: مر بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة، فذكر نحوه، قال: وذلك في صلاة الصبح، وفيه:((فأمر رجلاً فأذن وأقام، ثم صلى بأصحابه))، وفي رواية ابن أبي شيبة، من طرق عن الجعد، والبيهقي من طريق أبي عبد الصمد عن الجعد نحوه، وقال: مسجد بني رفاعة، وقال:((فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه)) قال الحافظ ابن حجر: ((وهو يؤيد ما قلنا من إرادة التجميع في المسجد))، فتح الباري، 2/ 131.
مشروعة لمن فاتته الجماعة الأولى، وهذا هو الأصل ولا يخرج منه إلا بدليل (1)، والله الموفق سبحانه وتعالى (2).
(1) مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/ 166
(2)
أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)) أبو داود، برقم 579، والنسائي، 2/ 114، برقم 860 وأحمد 2/ 19، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 115، فقال ابن عبد البر:((اتفق أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه على أن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لاتصلوا صلاة في يوم مرتين)) أن ذلك أن يصلي الرجل صلاة مكتوبة ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة الفرض أيضاً، وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها له نافلة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره، وقوله صلى الله عليه وسلم للذين أمرهم بإعادة الصلاة في جماعة:((إنها لكم نافلة)) فليس ذلك ممن أعاد الصلاة في يوم مرتين؛ لأن الأولى فريضة والثانية نافلة)). الاستذكار لابن عبد البر، 5/ 357 - 358، وبيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، 23/ 260 - 261، أن حديث ابن عمر في النهي عن إعادة الصلاة مرتين في الإعادة مطلقاً من غير سبب، ولا ريب أن هذا منهي عنه، وأما حديث ابن الأسود فهو إعادة مقيدة بسبب اقتضى الإعادة، فسبب الإعادة حضور الجماعة الراتبة، أو إعادة الصلاة؛ ليحصل من فاتته صلاة الجماعة على فضل الجماعة، وقال الإمام الخطابي:((هذه صلاة الإيثار والاختيار، دون ما كان له سبب كالرجل يدرك الجماعة وهم يصلون فيصلي معهم ليدرك فضيلة الجماعة، توفيقاً بين الأخبار ورفعاً للاختلاف بينها))، معالم السنن، 1/ 301، وانظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، 2/ 287،ونيل الأوطار للشوكاني،2/ 296 - 298 و380،و1/ 508 - 510، ومجموع فتاوى ابن باز، 12/ 165 - 175، وقال الإمام ابن عبد البر أيضاً في جواز إعادة الجماعة في المسجد لمن فاتته الجماعة الأولى:((وممن أجاز ذلك ابن مسعود، وأنس، وعلقمة، ومسروق، والأسود، والحسن، وقتادة، وعطاء على اختلاف عنه)) الاستذكار، 4/ 68، وقال ابن قدامة في المغني،
3/ 10: ((ولا يكره إعادة الجماعة في المسجد، ومعناه أنه إذا صلى إمام الحي وحضر جماعة أخرى استحب لهم أن يصلوا جماعة)).