المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الأجوبة عما رمي به - عيون الأثر - جـ ١

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌ترجمة المؤلف 671 هـ- 734 ه

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته:

- ‌علومه وسيرته:

- ‌حياته:

- ‌مصنفاته:

- ‌تقديم

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ذكر الكلام في محمد بن إسحاق والطعن عليه

- ‌ذكر الأجوبة عما رمي به

- ‌ذكر نسب سيدنا ونبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب

- ‌ذكر حمل آمنة بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر وَفَاةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌ذكر مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تسميته محمدا وأحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر الخبر عن رضاعة صلى الله عليه وسلم وما يتصل بذلك من شق الصدر

- ‌ذكر الخبر عن وفاة أمه آمنة بنت وهب وحضانة أم أيمن له وكفالة عبد المطلب إياه

- ‌ذكر وفاة عبد المطلب وكفالة أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكره سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام وخبره مع بحيرى الراهب وذكر نبذة من حفظ الله تعالى لرسوله عليه السلام قبل النبوة

- ‌ذكر رعيته صلى الله عليه وسلم الْغَنَمَ

- ‌شهوده صلى الله عليه وسلم يوم الفجار ثم حلف الْفُضُولِ

- ‌ذكر سفره عليه السلام إلى الشام مرة ثانية وتزويجه خديجة عليها السلام بعد ذلك

- ‌ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذِكْرُ مَا حُفِظَ مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ وَالْكُهَّانِ وعبدة الأصنام من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ما تقدم

- ‌خبر سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌خَبَرُ قِسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الإِيَادِيِّ

- ‌خبر سواد بن قارب وكان يتكهن في الجاهلية وكان شاعرا ثم أسلم

- ‌خَبَرُ مَازِنِ بْنِ الْغضُوبَةِ

- ‌ذكر المبعث

- ‌متى وجبت له صلى الله عليه وسلم النبوة

- ‌كم كانت سِنُّهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ بُعِثَ

- ‌خبر بَعْثُهُ عليه السلام إِلَى الأَسْوَدِ وَالأَحْمَرِ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار

- ‌ذكر صلاته عليه السلام أول البعثة

- ‌ذكر أَوَّلُ النَّاسِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر دُعَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قومه وغيرهم إلى الإسلام

- ‌ذكر مَا لَقَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أذى قومه وصبره وما منّ الله به من حمايته له

- ‌ذكر انْشِقَاقُ الْقَمَرِ

- ‌ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة

- ‌ذكر إِسْلامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه

- ‌ذكر الخبر عن دخول بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف في الشعب وما لقوا من سائر قريش في ذلك

- ‌ذكر خبر أهل نجران

- ‌ذكر وَفَاةُ خَدِيجَةَ وَأَبِي طَالِبٍ

- ‌ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطَّائِفِ

- ‌ذكر إِسْلامُ الْجِنِّ

- ‌خبر الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ

- ‌ذكر الحديث عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه وَفَرْضُ الصَّلاةِ

- ‌حديث الْمِعْرَاجُ

- ‌ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ

- ‌بَدْءُ إِسْلامِ الأَنْصَارِ وَذِكْرُ الْعَقَبَةِ الأُولَى

- ‌ذكر الْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ

- ‌ذكر إِسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حَضِيرٍ على يدي مصعب بن عمير

- ‌ذكر البراء بن معرور وصلاته إلى القبلة وذكر العقبة الثالثة

- ‌وهذه تسمية من شهد العقبة

- ‌(ذكر فوائد تتعلق بخبر هَذِهِ الْعَقَبَةِ)

- ‌ذكر الهجرة إلى المدينة

- ‌ذكر يوم الزحمة

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأَخْبَارِ

- ‌أَحَادِيثُ الْهِجْرَةِ وَتَوْدِيعُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ

- ‌حَدِيثُ الْغَارِ

- ‌حَدِيثُ الْهِجْرَةِ وَخَبَرُ سراقة بن مالك بن جعشم

- ‌حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأَخْبَارِ

- ‌ذكر دخوله عليه السلام الْمَدِينَةَ

- ‌بِنَاءِ الْمَسْجِدِ

- ‌ذكر الموادعة بين المسلمين واليهود

- ‌شرح ما فيه مِنَ الْغَرِيبِ

- ‌ذكر المواخاة

- ‌بَدْءُ الأَذَانِ

- ‌إِسْلامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ

- ‌خبر مخيريق

- ‌خبر عبد الله بن أبي بن سَلُول وَأَبِي عَامِرٍ الْفَاسِقِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الراهب

- ‌جماع أبواب مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه وسراياه

- ‌ذكر الخبر عن عَدَدُ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وبعوثه

- ‌غَزْوَةُ وَدَّانَ

- ‌بَعْثُ حَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الحرث

- ‌سرية سعد بن أبي وقاص إِلَى الْخَرَّازِ

- ‌غزوة بواط [1]

- ‌غزوة العشيرة

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الأولى

- ‌سرية عبد الله بن جحش

- ‌تحويل القبلة

- ‌ذكر فرض صيام شهر رمضان وزكاة الْفِطْرِ وَسُنَّةُ الأُضْحِيَةِ

- ‌ذكر المنبر وحنين الجذع

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى

- ‌ذكر الخبر عن مهلك أبي لهب

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار

- ‌تسمية من شهد بدرا من المسلمين

- ‌شُهَدَاءُ بَدْرٍ

- ‌عدد قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ

- ‌مشاهير قتلى بدر

- ‌أَسْرَى بَدْرٍ

- ‌ذِكْرُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَسْرَى بدر بعد ذلك

- ‌فَضْلُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا

- ‌ما قيل من الشعر في بدر

- ‌فَصْلٌ

- ‌سَرِيَّةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ

- ‌سَرِيَّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعٍ

- ‌غزوة السويق

- ‌غَزْوَةُ قَرْقَرَة الْكدر

- ‌سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ

- ‌خَبَرُ محيصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ ابْنِ سُنَيْنَةَ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر

- ‌غزوة غطفان بناحية نجد

- ‌غَزْوَةُ بُحْرَانَ

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى القردة اسم ماء

الفصل: ‌ذكر الأجوبة عما رمي به

‌ذكر الأجوبة عما رمي به

قلت: أما ما رمي به من التدليس والقدر والتشيع فلا يوجب رد روايته ولا يوقع فيها كبير وهن، أما التدليس فمنه القادح في العدالة وغيره، ولا يحمل ما وقع ها هنا من مطلق التدليس على التدليس المقيد بالقادح في العدالة، وكذلك القدر والتشيع لا يقتضي الرد إلا بضميمة أخرى ولم نجدها هاهنا. وأما قول مكي بن إبراهيم أنه ترك حديثه ولم يعد إليه فقد علل ذلك بأنه سمعه يحدث أحاديث في الصفات فنفر منه، وليس في ذلك كبير أمر، قد ترخص قوم من السلف في رواية المشكل من ذلك وما يحتاج إلى تأويله، ولا سيما إذا تضمن الحديث حكما أو أمرا آخر، وقد تكون هذه الأحاديث من هذا القبيل.

وأما الخبر عن يزيد بن هارون أنه حدث أهل المدينة عن قوم، فلما حدثهم عنه أمسكوا، فليس فيه ذكر لمقتضى الإمساك، وإذا لم يذكر لم يبق إلا أن يحول الظن فيه، وليس لنا أن نعارض عدالة مقبولة بما قد تظنه جرحا.

وأما ترك يحيى القطان حديثه فقد ذكرنا السبب في ذلك وتكذيبه إياه روايته عن وهيب بن خالد عن مالك عن هشام، فهو ومن فوقه في هذا الإسناد تبع لهشام، وليس ببعيد من أن يكون ذلك هو المنفر لأهل المدينة عنه في الخبر السابق عن يزيد بن هارون، وقد تقدم الجواب عن قول هاشم فيه عن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني بما فيه مغني.

وأما قول ابن نمير أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة، فلو لم ينقل توثقه وتعديله لتردد الأمر في التهمة بها بينه وبين من نقلها عنه. وأما مع التوثيق والتعديل

ص: 18

فالحمل فيها على المجهولين المشار إليهم لا عليه، وأما الطعن على العالم بروايته عن المجهولين فغريب، قد حكى ذلك عن سفيان الثوري وغيره، وأكثر ما فيه التفرقة بين بعض حديثه وبعض، فيرد ما رواه عن المجهولين ويقبل ما حمله على المعروفين، وقد روينا عن أبي عيسى الترمذي قال: سمعت محمد بن بشار يقول:

سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ألا تعجبون من سفيان بن عيينة، لقد تركت لجابر الجعفي لما حكى عنه أكثر من ألف حديث، ثم هو يحدث عنه. قال الترمذي:

وقد حدث شعبة عن جابر الجعفي وإبراهيم الهجري ومحمد بن عبيد الله العرزمي وغير واحد ممن يضعف في الحديث.

وأما قول أحمد يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا، وقد تتحد ألفاظ الجماعة وإن تعددت أشخاصهم، وعلى تقدير أن لا يتحد اللفظ فقد يتحد المعنى، روينا عن واثلة بن الأسقع قال: إذا حدثتكم على المعنى فحسبكم. وروينا عن محمد بن سيرين قال: كنت أسمع الحديث من عشرة، اللفظ مختلف والمعنى واحد، وقد تقدم من كلام ابن المديني أن حديثه ليتبين فيه الصدق، يروى مرة: حدثني أبو الزناد، ومرة: ذكر أبو الزناد. الفصل إلى آخره ما يصلح لمعارضة هذا الكلام، واختصاص ابن المديني سفيان معلوم، كما علم اختصاص سفيان بمحمد بن إسحق. وأما قوله: كان يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه، فلا يتم الجرح بذلك حتى ينفي أن تكون مسموعة له، ويثبت أن يكون حدث بها ثم ينظر بعد ذلك في كيفية الأخبار، فإن كان بألفاظ لا تقتضي السماع تصريحا فحكمه حكم المدلسين، ولا يحسن الكلام معه إلا بعد النظر في مدلول تلك الألفاظ، وإن كان يروى ذلك عنه مصرحا بالسماع ولم يسمع فهذا كذب صراح واختلاق محض، لا يحسن الحمل عليه إلا إذا لم يجد للكلام مخرجا غيره. وأما قوله: لا يبالي عمن يحكي عن الكلبي وغيره، فهو أيضا إشارة إلى الطعن بالرواية عن الضعفاء لمحل ابن الكلبي من التضعيف، والراوي عن الضعفاء لا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يصرح باسم الضعيف أو يدلسه، فإن صرح به فليس فيه كبير أمر، روى عن شخص ولم يعلم حاله، أو علم وصرح به ليبرأ من العهدة. وإن دلسه فإما أن يكون عالما بضعفه أولا، فإن لم يعلم فالأمر في ذلك قريب، وإن علم به وقصد بتدليس الضعيف وتغييره وإخفائه ترويج الخبر حتى يظن أنه من أخبار أهل الصدق

ص: 19

وليس كذلك، فهذه جرحة من فاعلها، وكبيرة من مرتكبها، وليس في أخبار أحمد عن ابن إسحق ما يقتضي روايته عن الضعيف وتدليسه إياه مع العلم بضعفه حتى ينبني على ذلك قدح أصلا. وجواب ثان: محمد بن إسحق مشهور بسعة العلم وكثرة الحفظ، فقد يميز من حديث الكلبي وغيره مما يجري مجراه ما يقبل ما يرد، فكتب ما يرضاه ويترك ما لا يرضاه، وقد قال يعلى بن عبيد، قال لنا سفيان الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل له: فإنك تروي عنه؟ فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه. ثم غالب ما يروى عن الكلبي أنساب وأخبار من أحوال الناس وأيام العرب وسيرهم، وما يجري مجرى ذلك مما سمح كثير من الناس في حمله عمن لا تحمل عنه الأحكام، وممن حكى عنه الترخص في ذلك الإمام أحمد، وممن حكى عنه التسوية في ذلك بين الأحكام وغيرها يحيى بن معين، وفي ذلك بحث ليس هذا موضعه.

وأما قول عبد الله عن أبيه: لم يكن يحتج به في السنن، فقد يكون لما أنس منه التسامح في غير السنن التي هي جل علمه من المغازي والسير طرد الباب فيه، وقاس مروياته من السنن على غيرها وطرد الباب في ذلك يعارضه تعديل من عدله، وأما قول يحيى: ثقة وليس بحجة، فيكفينا التوثيق ولو لم يكن يقبل الأمثل العمري [1] ومالك لقل المقبولون.

وأما ما نقلناه عن يحيى بن سعيد من طريق ابن المديني ووهب بن جرير فلا يبعد أن يكون قلد مالكا لأنه روى عنه قول هشام فيه، وأما قول يحيى: ما أحب أن احتج به في الفرائض، فقد سبق الجواب عنه فيما نقلناه عن الإمام أحمد رحمهم الله، على أن المعروف عن يحيى في هذه المسألة التسوية بين المرويات من أحكام وغيرها، والقبول مطلقا أو عدمه من غير تفصيل.

وأما ما عدا ذلك من الطعن فأمور غير مفسرة ومعارضة في الأكثر من قائلها بما يقتضي التعديل، وممن يصحح حديثه، ويحتج به في الأحكام أبو عيسى الترمذي رحمه الله وأبو حاتم بن حبان، ولم نتكلف الرد عن طعن الطاعنين فيه إلا لما عارضه من تعديل العلماء له وثنائهم عليه، ولولا ذلك لكان اليسير من هذا الجرح كافيا في

[ (1) ] أي عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.

ص: 20

رده أخباره، إذ اليسير من الجرح المفسر منه وغير المفسر كاف في رد من جهلت حاله قبله، ولم يعدله معدل، وقد ذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب (الثقات) فأعرب عما في الضمير، فقال: تكلم فيه رجلان: هشام ومالك، فأما هشام فأنكر سماعه من فاطمة، والذي قاله ليس مما يجرح به الإنسان في الحديث، وذلك أن التابعين كالأسود وعلقمة سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا إليها، بل سمعوا صوتها، وكذلك ابن إسحق، كان يسمع من فاطمة والستر بينهما مسبل. قال: وأما مالك فإنه كان ذلك منه مرة واحدة ثم عاد له إلى ما يحب، وذلك أنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من ابن إسحق، وكان يزعم أن مالك من موالي ذي أصبح، وكان مالك يزعم أنه من أنفسها، فوقع بينهما لذلك مفاوضة، فلما صنف مالك الموطأ قال ابن إسحق: ائتوني به فأنا بيطاره، فنقل ذلك إلى مالك فقال: هذا دجال من الدجاجلة يروى عن اليهود، وكان بينهما ما يكون بين الناس، حتى عزم محمد على الخروج إلى العراق، فتصالحا حينئذ وأعطاه عند الوداع خمسين دينارا ونصف ثمرته تلك السنة. ولم يكن يقدح فيه مالك من أجل الحديث، إنما كان ينكر عليه تتبعه غزوات النبي صلى الله عليه وسلم من أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وقريظة والنضير، وما أشبه ذلك من الغرائب عن أسلافهم. وكان ابن إسحق يتتبع ذلك عنهم ليعلم ذلك من غير أن يحتج بهم، وكان مالك لا يروي الرواية إلا عن متقن صدوق. قلت: ليس ابن إسحق أبا عذرة هذا القول في نسب مالك، فقد حكى شيء من ذلك عن الزهري وغيره، والرجل أعلم بنسبه، وتأبى له عدالته وإمامته أن يخالف قوله علمه، وأما قول ابن إسحق: أنا جهبذها، فقد أتى أمرا إمرا، وارتقى مرتقى وعرا، ولم يدر ما هنالك من زعم أنه في الإتقان كما لك، وقد ألقته آماله في المهالك من أنفه في الثرى وهو يطاول النجوم الشوابك.

وأما الواقدي فهو محمد بن عمر بن واقد أبو عبد الله المديني، سمع ابن أبي ذئب، ومعمر بن راشد، ومالك بن أنس، ومحمد بن عبد الله ابن أخي الزهري، ومحمد بن عجلان، وربيعة بن عثمان، وابن جريج، وأسامة بن رزين، وعبد الحميد بن جعفر، والثوري، وأبا معشر، وجماعة، روى عنه كاتبه محمد بن سعد وأبو حسان الزيادي ومحمد بن إسحق الصاغاني وأحمد بن الخليل البرجلاني وعبد الله بن الحسين الهاشمي وأحمد بن عبيد بن ناصح ومحمد بن شجاع الثلجى

ص: 21

والحرث بن أبي أسامة وغيرهم. ذكره الخطيب أبو بكر وقال: هو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحد عرف أخبار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم، من المغازي والسير والطبقات، وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، والأحداث التي كانت في وقته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث، وغير ذلك، وكان جوادا كريما مشهورا بالسخاء، وقال ابن سعد: محمد بن عمر بن واقد أبو عبد الله مولى عبد الله بن بريدة الأسلمي، كان من أهل المدينة، قدم بغداد في سنة ثمانين ومائة في دين لحقه، فلم يزل بها، وخرج إلى الشام والرقة، ثم رجع إلى بغداد فلم يزل بها إلى أن قدم المأمون من خراسان، فولاه القضاء بعسكر المهدي، فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين، ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وذكر أنه ولد سنة ثلاثين ومائة في آخر خلافة مروان بن محمد. وكان عالما بالمغازي واختلاف الناس وأحاديثهم، وقال محمد بن خلاد: سمعت محمد بن سلام الجمحي يقول: محمد بن عمر الواقدي عالم دهره، وقال أبراهيم الحربي:

الواقدي آمن الناس على أهل الإسلام. وقال الحربي أيضا: كان الواقدي أعلم الناس بأمر الإسلام، فأما الجاهلية فلم يعمل فيها شيئا، وقال يعقوب بن شيبة: لما انتقل الواقدي من الجانب الغربي إلى هاهنا يقال إنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر [1]، وقيل: كانت كتبه ستمائة قمطر [2] . وقال محمد بن جرير الطبري: قال ابن سعد: كان الوافدي يقول: ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه، وحفظي أكثر من كتبي. وروى غيره عنه قال: ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته: هل سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل؟ فإذا أعلمني مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه أو نحو هذا الكلام، وقال ابن منيع: سمعت هارون الفروي يقول: رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة فقلت: أين تريد؟ قال: أريد أن أمضي إلى حنين حتى أرى الموضع والوقعة، وقال إبراهيم الحربي: سمعت المسيبي يقول:

رأيت الواقدي يوما جالسا إلى إسطوانة في مسجد المدينة وهو يدرس، فقلنا له: أي

[ (1) ] الوقر: الحمل الثقيل.

[ (2) ] القمطر: ما تحفظ فيه الكتب وتصان خوفا من التلف، وجمعها: قماطر.

ص: 22

شيء تدرس؟ فقال: حزبي من المغازي. وروينا عن أبي بكر الخطيب قال: وأنا الأزهري قال: أنا محمد بن العباس قال: أنا أبو أيوب قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول: وأخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي: ثنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري: ثنا محمد بن أيوب بن المعافي قال: قال إبراهيم الحربي: سمعت المسيبي يقول: قلنا للواقدي: هذا الذي تجمع الرجال تقول: ثنا فلان وفلان، وجئت بمتن واحد، لو حدثتنا بحديث كل رجل على حدة؟ قال: يطول، فقلنا له، قد رضينا، قال: فغاب عنا جمعة ثم أتانا بغزوة أحد، عشرين جلدا، وفي حديث البرمكي: مائة جلد، فقلنا له: ردنا إلى الأمر الأول. معنى اللفظين متقارب، وعن يعقوب بن شيبة قال: ومما ذكر لنا أن مالكا سئل عن قتل الساحرة فقال: أنظروا هل عند الواقدي في هذا شيء؟ فذاكروه ذلك، فذكر شيئا عن الضحاك بن عثمان، فذكروا أن مالكا قنع به. وروى أن مالكا سئل عن المرأة التي سمت النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ما فعل بها؟ فقال: ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم، قال: فلقي الواقدي قال: يا أبا عبد الله: ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي سمته بخيبر فقال: الذي عندنا أنه قتلها: فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها. وقال أبو بكر الصاغاني:

لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه، حدث عنه أربعة أئمة، أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو عبيد، وأحسبه ذكر أبا خيثمة ورجلا آخر. وقال عمرو الناقد: قلت للدراوردي: ما تقول في الواقدي؟ قال: لا تسألني عن الواقدي، سئل الواقدي عني.

وذكر الداروردي الواقدي فقال: ذلك أمير المؤمنين في الحديث، وسئل أبو عامر العقدي عن الواقدي فقال: نحن نسأل عن الواقدي: إنما يسأل هو [1] عنا، ما كان يفيدنا الأحاديث والشيوخ بالمدينة إلا الواقدي.

وقال الواقدي: لقد كانت ألواحي تضيع، فأوتي بها من شهرتها بالمدينة يقال:

هذه ألواح ابن واقد.

وقال مصعب الزبيري: والله ما رأينا مثله قط. قال مصعب: وحدثني من سمع عبد الله بن المبارك يقول: كنت أقدم المدينة فما يفيدني ولا يدلني على الشيوخ إلا الواقدي. وقال مجاهد بن موسى: ما كتبت عن أحد أحفظ منه. وسئل عنه مصعب

[ (1) ] والمعنى: إنما يسأل الواقدي عنا.

ص: 23

الزبيري فقال: ثقة مأمون، وكذلك قال المسيبي. وسئل عنه معن بن عيسى فقال: أنا أسأل عنه: هو يسأل عني.

وسئل عنه أبو يحيى الزهري فقال: ثقة مأمون. وسئل عنه ابن نمير فقال: اما حديثه عنا فمستو، واما حديث أهل المدينة فهم أعلم به.

وقال يزيد بن هارون ثقة. وقال عباس العنبري: هو أحب إليّ من عبد الرزاق.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ثقة. وقال إبراهيم: وأما فقه أبي عبيد فمن كتاب محمد بن عمر الواقدي الاختلاف والإجماع كان عنده. وقال إبراهيم الحربي: من قال أن مسائل مالك بن أنس وابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي فلا يصدق، لأنه يقول: سألت مالكا، وسألت ابن أبي ذئب.

وقال إبراهيم بن جابر: حدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: كتب أبي عن أبي يوسف ومحمد ثلاثة قماطر، قلت له: كان ينظر فيها؟ قال: كان ربما نظر فيها، وكان أكثر نظره في كتب الواقدي.

وسئل إبراهيم الحربي عما أنكره أحمد على الواقدي فقال: إنما أنكر عليه جمعه الأسانيد ومجيئه بالمتن واحدا. وقال إبراهيم: وليس هذا عيبا، فقد فعل هذا الزهري وابن إسحق.

قال إبراهيم: لم يزل أحمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل بن إسحق إلى محمد بن سعد، فيأخذ له جزءين من حديث الواقدي فينظر فيهما ثم يردهما، ويأخذ غيرهما، وكان أحمد بن حنبل ينسبه لتقليب الأخبار كأنه يجعل ما لمعمر لابن أخي الزهري وما لابن أخي الزهري لمعمر.

وأما الكلام فيه فكثير جدا قد ضعف، ونسب إلى وضع الحديث، وقال أحمد:

هو كذاب، وقال يحيى: ليس بثقة. وقال البخاري والرازي والنسائي: متروك الحديث، وللنسائي فيه كلام أشد من هذا، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدى: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه. قلت: سعة العلم مظنة لكثرة الأغراب، وكثرة الأغراب مظنة للتهمة، والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم، فكثرت بذلك غرائبه. وقد روينا عن علي بن المديني أنه قال: للواقدي عشرون ألف حديث لم نسمع بها. وعن يحيى بن معين: أغرب الواقدي علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين

ص: 24

ألف حديث، وقد روينا عنه من تتبعه آثار مواضع الوقائع وسؤاله من أبناء الصحابة والشهداء ومواليهم عن أحوال سلفهم ما يقتضي انفرادا بروايات وأخبار لا تدخل تحت الحصر، وكثيرا ما يطعن في الرّاوي برواية وقعت له من أنكر تلك الرواية عليه واستغربها منه، ثم يظهر له أو لغيره بمتابعة متابع أو سبب من الأسباب براءته من مقتضى الطعن فيتخلص بذلك من العهدة.

وقد روينا عن الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه أنه قال: ما زلنا ندافع أمر الواقدي حتى روى عنه معمر عن الزهري عن نبهان عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم «أفعمياوان أنتما» فجاء بشيء لا حيلة فيه، والحديث حديث يونس لم يروه غيره.

وروينا عن أحمد بن منصور الرمادي قال: قدم علي بن المديني بغداد سنة سبع ومائتين، والواقدي يومئذ قاض علينا، وكنت أطوف مع علي على الشيوخ الذين يسمع منهم، فقلت: أتريد أن تسمع من الواقدي؟ ثم قلت له بعد ذلك: لقد أردت أن أسمع منه، فكتب إلى أحمد بن حنبل، كيف تستحل الرواية عن رجل روى عن معمر حديث نبهان مكاتب أم سلمة، وهذا حديث يونس تفرد به. قال أحمد بن منصور الرمادي: فقدمت مصر بعد ذلك، فكان ابن أبي مريم يحدثنا به عن نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن نبهان، وقد رواه أيضا يعقوب بن سفيان عن سعيد بن أبي مريم عن نافع بن يزيد كرواية الرمادي، قال الرمادي: فلما فرغ ابن أبي مريم من هذا الحديث ضحكت، فقال: مم تضحك؟ فأخبرته بما قال علي وكتب إليه أحمد، فقال لي ابن أبي مريم: إن شيوخنا المصريين لهم عناية بحديث الزهري، وكان الرمادي يقول: هذا مما ظلم فيه الواقدي فقد ظهر في هذا الخبر أن يونس لم ينفرد به وإذ قد تابعه عقيل، فلا مانع من أن يتابعه معمر، وحتى لو لم يتابعه عقيل لكان ذلك محتملا، وقد يكون فيما رمى به من تقليب الأخبار ما ينحو هذا النحو. قد أثبتنا من كلام الناس في الواقدي ما يعرف به حاله والله الموفق. وربما حصل إعلام في بعض الأحيان بغريبة توجد في الخبر وتنبيه على مشكل يقع فيه متنا أو إسنادا على وجه الإيماء والإشارة لا على سبيل التقصي وبسط العبارة، وسميته بعيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير. والله المسؤول أن يجعل ذلك لوجهه الكريم خالصا، وأن يؤوينا إلى ظله إذا الظل أضحى في القيامة قالصا، بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.

ص: 25