الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُمُسٍ خُمِّسَ فِي الإِسْلامِ، وَيُقَالُ: إِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّفَ غَنَائِمِ نَخْلَة حَتَّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ، فَقَسَّمَهَا مَعَ غَنَائِمِ بَدْرٍ، وَأَعْطَى كُلَّ قَوْمٍ حَقَّهُمْ، وَفِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ سُمِّي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ أمير المؤمنين [1] .
تحويل القبلة
قُرِئَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيِّ وَأَنَا حَاضِرٌ فِي الرَّابِعَةِ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ النَّفِيسِ بْنِ بُورنداز قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ. وَأَقَرَّ بِهِ قَالَ: أَنَا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَنَا أَبُو عَطَاءِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ: أَنَا حَاتِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْفَرِيزَنِيُّ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ وَجَابِرُ بْنُ عبد الله بن فورحة، ثَنَا مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْهَرَوِيُّ عَنْ يَزِيدَ بن عطاء عن أبي إسحق عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَقَدْ صَلَّيْنَا بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس سنة عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهَا صَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ، ثُمَّ أَتَى قَوْمًا مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ لَهُمْ وَهُمْ رُكُوعٌ: أَشْهَدُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَاسْتَدَارُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فَاسْتَقْبَلُوهَا. رواه البخاري. وغيره من حديث أبي إسحق عَنِ الْبَرَاءِ.
وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَعْدٍ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا أبو إسحق عَنِ الْبَرَاءِ. الْحَدِيثَ وَفِيهِ: وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاةٍ صَلَّاهَا الْعَصْرَ، وَصَلَّاهَا مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّاهَا [2] مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ، وكانت اليهود قد أعجبهم، إذا كَانَ يُصَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَهْل الْكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ [3] وَفِيهِ: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى:
[ (1) ] لقب بلقب أمير المؤمنين لأنه كان مؤمرا على جماعة من المؤمنين في السرية المذكورة.
[ (2) ] وعند ابن سعد: صلى.
[ (3) ] أنظر طبقات ابن سعد (1/ 243) .
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [1] وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَلاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ كَانَ بِهَا، وَاخْتَلَفُوا: كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ؟ وَفِي أَيِّ صَلاةٍ كَانَ التَّحْوِيلُ؟ وَفِي صَلاتِهِ عليه السلام قَبْلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ كَيْفَ كَانَتْ؟ فَأَمَّا مُدَّةُ صَلاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ فَقَدْ رُوِّينَاهُ أَنَّهُ كَانَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ ثَمَانِيَةَ عشر شهرا، وروينا بضعة عشر شهرا.
قَالَ الْحَرْبِيُّ: ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَصَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَمَامَ السَّنَةِ، وَصَلَّى مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ في رجب. وكذلك روينا عن ابن إسحق قَالَ: وَلَمَّا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ عَنِ الشَّامِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ، وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ تَمَامِ هَذَا الْكَلامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إِنَّ الْقِبْلَةَ صُرِفَتْ فِي جُمَادَى.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُ: إِنَّمَا صُرِفَتْ صَلاةُ الظُّهْرِ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، كَذَا وَجَدْتُهُ عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ،
وَالَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَعْدٍ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ:[2] وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَخْنَسِيِّ وَعَنْ غَيْرِهِمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكان يجب أَنْ يُصْرَفَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ:«يَا جِبْرِيلُ، وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ صَرَفَ وَجْهِي عَنْ قِبْلَةِ يَهُودَ» فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَادْعُ رَبَّكَ وَسَلْهُ، وَجَعَلَ إِذَا صَلَّى إِلَى بَيْتِ المقدس يرفع رأسه إلى السماء، فنزلت [عليه][3] قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [4] فَوُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، إِلَى الْمِيزَابِ،
وَيُقَالُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ من الظهر في مسجده
[ (1) ] سورة البقرة: الآية 143.
[ (2) ] وأوله عند ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس قال:
…
[ (3) ] زيدت على الأصل من لفظ ابن سعد.
[ (4) ] سورة البقرة: الآية 144.
بِالْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يُوَجِّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَاسْتَدَارَ إِلَيْهِ وَدَارَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَيُقَالُ: بَلْ زَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فِي بَنِي سَلَمَةَ، فَصَنَعَتْ لَهُ طَعَامًا، وَحَانَتِ الظهر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يُوَجِّهَ إلى الكعبة [فاستدار إلى الكعبة واستقبله][1] الْمِيزَابَ، فَسُمِّيَ الْمَسْجِدُ: مَسْجِدَ الْقِبْلَتَيْنِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الإثنين للنصف مِنْ رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. وَفَرْضُ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا. قَالَ مُحَمَّد بْنُ عُمَرَ: وَهَذَا الثَّبْتُ عِنْدَنَا [2] .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الصَّحِيحُ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ المسيب وابن إسحق. وَقَدْ رُوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَرُوِيَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَرُوِيَ بَعْدَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلا، وَأَمَّا الصَّلاةُ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ فَفِي خَبَرِ الْوَاقِدِيِّ، هَذَا أَنَّهَا الظُّهْر، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ قَبْلَ هَذَا أَنَّهَا الْعَصْرُ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَرَّ رَجُلٌ بِقَوْمٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ ركوع في صلاة الفجر [وقد صلي ركعة][3] فَنَادَى: أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَمَالُوا إِلَى الْكَعْبَةِ [4] . وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، ثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاقَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: صَلَّيْنَا إِحْدَى صَلاتَيِ الْعَشِيِّ، فَقَامَ رَجُلٌ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَنَحْنُ فِي الصَّلاةِ فَنَادَى: إِنَّ الصَّلاةَ قد وجهت نحو الكعبة [فتحول أبو انحرف][5] إمامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان [6] . وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مَا يُعَارِضُ مَا قبلهما لأن بلوغ التحويل غير التحويل.
[ (1) ] وردت في الأصل: فأستقبل، وما أثبتناه من طبقات ابن سعد.
[ (2) ] انظر طبقات ابن سعد (1/ 241) .
[ (3) ] زيدت على الأصل من طبقات ابن سعد.
[ (4) ] انظر طبقات ابن سعد (1/ 241) .
[ (5) ] وردت في الأصل: تحول أو تحرف، وما أثبتناه من طبقات ابن سعد.
[ (6) ] انظر طبقات ابن سعد (1/ 243) .
وَقُرِئَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ وَثَّابٍ الصُّورِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ: أَخْبَرَكُمُ الشيخان أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأُخْوَةِ الْبَغْدَادِيُّ نَزِيلُ أَصْبَهَانَ، وَأَبُو الْمَجْدِ زَاهِرُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الثَّقَفِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ إِجَازَةً، قَالَ الأَوَّلُ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَقَالَ الثَّانِي: أَنَا أَبُو الْوَفَاءِ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالا: أَنَا أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُوسَى بْنِ شمة قال: أنا بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمَقَانِعِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ظُهَيْرٍ قَالَ: وَثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ.
وَأَمَّا كَيْفَ كَانَتْ صَلاتُهُ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ؟ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: كَانَتْ صَلاتُهُ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ حِينِ فُرِضَتِ الصَّلاةُ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ بِالْمَدِينَةِ إِلَى وَقْتِ التَّحْوِيلِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُقْرِئِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ آنِفًا قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمَقَانِعِيُّ. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ظُهَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي كِتَابِ (النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ) لَهُ قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [1] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَا نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرْآنِ حَدِيثَ الْقِبْلَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى فَرَضَ عَلَى رَسُولِهِ الصَّلاةَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ وَالْغَدَاةَ، وَالْمَغْرِبَ ثَلاثًا، فَكَانَ يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ وَوَجْهُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: ثُمَّ زِيدَ فِي الصَّلاةِ بِالْمَدِينَةِ حِينَ صَرَفَهُ اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمَغْرِبَ فَتُرِكَتْ كَمَا هي، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِيهِ قَالَ: فَصَلَّاهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ سَنَةً حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قِبَلَ الْكَعْبَةِ، لأَنَّهَا قِبْلَةُ آبَائِهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، قَالَ: وَصَلَّاهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
قَالَ: وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صَلَّى رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ،
قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ عليهما
[ (1) ] سورة البقرة: الآية 142.
السَّلامُ: «وَدِدْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَنِي إِلَى الْكَعْبَةِ» فَقَالَ جِبْرِيلُ: لَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَبْتَدِئَ اللَّهَ جَلَّ وَعَلا بِالْمَسْأَلَةِ وَلَكِنْ إِنْ سألتني أَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي السَّمَاءِ يَنْتَظِرُ جِبْرِيلَ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ وَقَدْ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُمْ رُكُوعٌ، فَصَرَفَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ إِلَى الْكَعْبَةِ.
الْحَدِيثَ، وَفِيهَ: فَلَمَّا صَرَفَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا وَلَّاهُمْ عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ وَقَالَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ: فَكَيْفَ بِصَلاتِنَا الَّتِي صَلَّيْنَا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَكَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنْ إِخْوَانِنَا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَقُولُ قَبِلَ اللَّهُ عز وجل مِنَّا وَمِنْهُمْ أَمْ لا، وَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَانَ ذَلِكَ طَاعَةً، وَهَذَا طَاعَةً، نَفْعَلُ مَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَتِ الْيَهُودُ: اشْتَاقَ إِلَى بَلَدِ أَبِيهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُرْضِيَ قَوْمَهُ، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى قِبْلَتِنَا لَرَجَوْنَا أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ أَنْ يَأْتِيَ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ: تَحَيَّرَ عَلَى مُحَمَّد دِينُهُ فَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَكُمْ، وَعَلِمَ أَنَّكُمْ أَهْدَى مِنْهُ، وَيُوشِكُ أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الفرق كلها، فَأَنْزَلَ فِي الْمُنَافِقِينَ: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إِلَى دِينِ الإِسْلامِ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [1] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، وَأَنْزَلَ فِي الْمُؤْمِنِينَ: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ [2] يَقُولُ: إِلَّا لِنَبْتَلِيَ بِهَا وَإِنَّمَا كَانَ قِبْلَتُكَ الَّتِي تُبْعَثُ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ تَلا: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ [3] قال:
من اليقين، قال المؤمنين: كَانَتِ الْقِبْلَةُ الأُولَى طَاعَةً، وَهَذِهِ طَاعَة، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [4] قَالَ: صَلاتَكُمْ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ مُطِيعِينَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ
قَالَ لرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ.
يَقُولُ تَنْتَظِرُ جِبْرِيلَ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْكَ: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [5] يَقُولُ تُحِبُّهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
[ (1) ] سورة البقرة: الآية 142.
[ (2) ] سورة البقرة: الآية 143.
[ (3) ] سورة البقرة: الآية 143.
[ (4) ] سورة البقرة: الآية 143.
[ (5) ] سورة البقرة: الآية 144.
[1]
نحو الكعبة وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [2] أَيْ إِنَّكَ تُبْعَثُ بِالصَّلاةِ إِلَى الْكَعْبَةِ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْيَهُودِ: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ قل: لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِكُلِّ آيَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ أَنَّهَا إِلَى الْكَعْبَةِ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [3] قَالَ: يَعْرِفُونَ أَنَّ قِبْلَةَ النَّبِيِّ الَّذِي يُبْعَثُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عليهما السلام قِبَلَ الْكَعْبَةِ، كَذَلِكَ هُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَهُمْ يَعْرِفُونَهُ بِذَلِكَ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ، وَهُمْ يَكْتُمُونَ ذَلِكَ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [4] يَقُولُ: مِنَ الشَّاكِّينَ، قَالَ: ثُمَّ أَنْزَلَ فِي قُرَيْشٍ وَمَا قَالُوا، فَقَالَ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ [5] قَالَ: لِكَيْلا يَكُون لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [6] يَعْنِي: قُرَيْشًا، وَذَلِكَ قَوْلُ قُرَيْشٍ قَدْ عَرَفَ مُحَمَّد أَنَّكْمُ أَهْدَى مِنْهُ فَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَكُمْ، ثُمَّ قال: فَلا تَخْشَوْهُمْ قَالَ: فَحِينَ قَالُوا: يُوشِكُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دِينِكُمْ يَقُولُ: لا تَخْشُوا أَنْ أَرُدَّكُمْ فِي دينهم قال: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ [7] أَيْ أُظْهِرُ دِينَكُمْ عَلَى الأَدْيَانِ كُلِّهَا. كُلُّ هَذَا عَنِ السُّدِّيِّ مِنْ كِتَابِهِ فِي (النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخ) وَهُوَ يَرْوِي لَنَا بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ يَتَخَلَّلُ سِيَاقَ خَبَرِهِ فَوَائد عَنْ بَعْضِ رُوَاةِ الْكِتَابِ ثُمَّ يَقُولُ جَامِعُهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا وَعَودة إِلَى الأَوَّلِ: رَجع إِلَى السُّدِّيِّ: ثُمَّ يَقُولُ عَنْهُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا، فِي أَخْبَارٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُتَغَايِرَةٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيُحْتَمَلُ الانْقِطَاعُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى الاتِّصَالِ، وَالسُّدِّيُّ هَذَا هُوَ الْكَبِيرُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ وَعَبْدِ خَيْرٍ رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَزَائِدَةُ، وَكَانَ يَجْلِسُ بِالْمَدِينَةِ فِي مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: السُّدّ، فنسب إليه،
[ (1) ] سورة البقرة: الآية 144.
[ (2) ] سورة البقرة: الآية 147.
[ (3) ] سورة البقرة: الآية 146.
[ (4) ] سورة البقرة: الآية 147.
[ (5) ] سورة البقرة: الآية 150.
[ (6) ] سورة البقرة: الآية 150.
[ (7) ] سورة البقرة: الآية 150.
احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ آخرون. والسدي الصعير هُوَ مُحَمَّد بْنُ مَرْوَانَ الْمَذْكُورُ فِي الإِسْنَادِ إِلَيْهِ مُضَعَّفٌ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهُ عليه السلام صَلَّى أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ صُرِفَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قَال أَبُو عُمَرَ: ذَكَرَ سُنَيْدٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ صُرِفَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّتِ الأَنْصَارُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ قُدُومِهِ عليه السلام بِثَلاثٍ، وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قُدُومِهِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْكَعْبَةِ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَزَعَمَ نَاسٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيَجْعَلُ وَرَاءَ ظَهْرَهُ الْكَعْبَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَيَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ، يَجْعَلُ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقَدْ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَرَأْتُ عَلَى الإِمَامِ الزَّاهِدِ أَبِي إسحق إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَضْلِ بْنِ الْوَاسِطِيِّ بِسَفْحِ قَاسِيُونَ: أَخْبَرَكُمُ الشَّيْخُ أَبُو الْبَرَكَاتِ دَاوُدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُلاعِبٍ الْبَغْدَادِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ السَّلامِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَكْرَانَ بْنِ الزَّاهِرِيِّ سَمَاعًا عَلَيْهِمَا، الأَوَّلُ بِالشَّامِ، وَالثَّانِي بِالْعِرَاقِ قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْبُسْرِيِّ بْنِ الزَّاغُونِيِّ- زَادَ ابْنُ مُلاعِبٍ: وَأَبُو مَنْصُورٍ أنوشتَكِينُ بْنُ عبد الله الضرواني- قَالَ: أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بن محمد بن البسري- وقال ابن الزغواني- أَنَا الشَّرِيفُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ قَالا: أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُخَلِّصُ، ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الأَرُزِّيُّ أَبُو عَلِيٍّ بِالْبَصْرَةِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ (يَعْنِي الأَعْمَشَ) عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ.
وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: مَا خَالَفَ نَبِيٌّ نَبِيًّا قَطُّ فِي قِبْلَةٍ وَلا فِي سُنَّةٍ، إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مِنْ حِينِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سنة عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ قَرَأَ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً [1][2] .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ وَتَوَجُّهُهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَمَّا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يَتَبَيَّنْ تَوَجُّهُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِلنَّاسِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ.
قَالَ السهيلي: وكرر البارئ سبحانه وتعالى الأَمْرَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فِي ثَلاثِ آيَاتٍ، لأَنَ الْمُنْكِرِينَ لِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ كَانُوا ثَلاثَةَ أَصْنَافٍ: الْيَهُودَ، لأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِالنَّسْخِ فِي أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ، وَأَهْلُ الرِّيبِ وَالنِّفَاقِ اشتد إِنْكَارُهُمْ لَهُ لأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ نَسْخٍ نَزَلَ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٌ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: نَدِمَ مُحَمَّدٌ عَلَى فِرَاقِ دِينِنَا، وَكَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَيِه فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَدْعُونَا إِلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَقَدْ فَارَقَ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ، وَآثَرَ عَلَيْهَا قِبْلَةَ الْيَهُودِ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ حِينَ أَمَرَهُ بِالصَّلاةِ إِلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [3] عَلَى الاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، أَيْ: لَكِنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا منه لا يَرْجِعُونَ وَلا يَهْتَدُونَ، وَذَكَرَ الآيَاتِ إِلَى قوله لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [4] أَيْ: يَكْتُمُونَ مَا عَلِمُوا مِنْ أَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ قِبْلَةُ الأَنْبِيَاءِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ (النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ) لَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَنْبَسَةُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لا يُعَظِّمُ إِيلياءَ [5] كَمَا يُعَظِّمُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ، قَالَ: فَسِرْتُ مَعَهُ وَهُوَ وَلِي عَهْدٍ، قَالَ: وَمَعَهُ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ سُلَيْمَانُ وَهُوَ جَالِسٌ فِيهَا: وَاللَّهِ إِنَّ فِي هَذِهِ الْقِبْلَةِ الَّتِي صَلَّى إِلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ وَالنَّصَارَى لَعَجَبًا، قَالَ: خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَقْرَأُ الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، وَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَلَمْ تَجِدْهَا الْيَهُودُ فِي
[ (1) ] سورة الشورى: الآية 13.
[ (2) ] انظر طبقات ابن سعد (1/ 243) .
[ (3) ] سورة البقرة: الآية 150.
[ (4) ] سورة البقرة: الآية 146.
[ (5) ] إيلياء: بيت المقدس.
الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّ تَابُوتَ السكينة كان عَلَى الصَّخْرَةِ، فَلَمَّا غَضِبَ اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ رَفَعَهُ، فَكَانَتْ صَلاتُهُمْ إِلَى الصَّخْرَةِ عَلَى مُشَاوَرَةٍ مِنْهُمْ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا: أَنَّ يَهُودِيًّا خَاصَمَ أَبَا الْعَالِيَةِ فِي الْقِبْلَةِ، فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: إِنَّ مُوسَى عليه السلام كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَيَسْتَقْبِلُ الْبَيْتَ الْحَرَامِ، فَكَانَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَتَهُ، وَكَانَتِ الصَّخْرَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ الْيَهُودِيُّ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَسْجِدُ صَالِحٍ النَّبِيِّ عليه السلام، فقال أبو العالية: فإن صَلَّيْتُ فِي مَسْجِدِ صَالِحٍ، وَقِبْلَتُهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَأَخْبَرَ أَبُو الْعَالِيَةِ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَقِبْلَتُهُ إِلَى الْكَعْبَةِ.
قُلْتُ: قَدْ تقدم في حديث البراءة أَنَّ رَجُلا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ أَتَى قَوْمًا مِنَ الأَنْصَارِ فَأَخْبَرَهُمْ وَهُمْ رُكُوعٌ فَاسْتَدَارُوا، وَلَمْ يُسَمَّ الْمُخْبر فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَالرَّجُلُ هُوَ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكِ بْنِ أَسَافٍ الشَّاعِرُ ابن عدي بن زيد بن جشم بن حارية بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرٍو النَّبِيت بْنِ مَالِكِ بْنِ الأَوْسِ، عَمَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ زَمَانًا، وَأَسْلَمَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ الْغَزْوَ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَرَكْعَتَيْنِ إِلَى الْكَعْبَةِ يَوْمَ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ، ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ فَأَخْبَرَهُمْ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الرَّجُلَ بِذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ نَسَبَهُ، إِنَّمَا قَالَ: عَبَّادُ بْنُ نَهِيكٍ فَقَطْ، وَنَسَبَهُ الْخطمِيَّ، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئا، فَخَطْمَةُ هُوَ:
عَبْد اللَّهِ بْنُ جُشَمَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الأَوْسِ، لَيْسَ هَذَا مِنْهُ، هَذَا حَارِثِي، وَبَنُو خطمةَ تَأَخَّرَ إسلامهم.