المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى - عيون الأثر - جـ ١

[ابن سيد الناس]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌ترجمة المؤلف 671 هـ- 734 ه

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌ولادته:

- ‌علومه وسيرته:

- ‌حياته:

- ‌مصنفاته:

- ‌تقديم

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌ذكر الكلام في محمد بن إسحاق والطعن عليه

- ‌ذكر الأجوبة عما رمي به

- ‌ذكر نسب سيدنا ونبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب

- ‌ذكر حمل آمنة بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر وَفَاةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌ذكر مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر تسميته محمدا وأحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر الخبر عن رضاعة صلى الله عليه وسلم وما يتصل بذلك من شق الصدر

- ‌ذكر الخبر عن وفاة أمه آمنة بنت وهب وحضانة أم أيمن له وكفالة عبد المطلب إياه

- ‌ذكر وفاة عبد المطلب وكفالة أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكره سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام وخبره مع بحيرى الراهب وذكر نبذة من حفظ الله تعالى لرسوله عليه السلام قبل النبوة

- ‌ذكر رعيته صلى الله عليه وسلم الْغَنَمَ

- ‌شهوده صلى الله عليه وسلم يوم الفجار ثم حلف الْفُضُولِ

- ‌ذكر سفره عليه السلام إلى الشام مرة ثانية وتزويجه خديجة عليها السلام بعد ذلك

- ‌ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى

- ‌ذِكْرُ مَا حُفِظَ مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ وَالْكُهَّانِ وعبدة الأصنام من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ما تقدم

- ‌خبر سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌خَبَرُ قِسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الإِيَادِيِّ

- ‌خبر سواد بن قارب وكان يتكهن في الجاهلية وكان شاعرا ثم أسلم

- ‌خَبَرُ مَازِنِ بْنِ الْغضُوبَةِ

- ‌ذكر المبعث

- ‌متى وجبت له صلى الله عليه وسلم النبوة

- ‌كم كانت سِنُّهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ بُعِثَ

- ‌خبر بَعْثُهُ عليه السلام إِلَى الأَسْوَدِ وَالأَحْمَرِ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار

- ‌ذكر صلاته عليه السلام أول البعثة

- ‌ذكر أَوَّلُ النَّاسِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر دُعَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قومه وغيرهم إلى الإسلام

- ‌ذكر مَا لَقَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أذى قومه وصبره وما منّ الله به من حمايته له

- ‌ذكر انْشِقَاقُ الْقَمَرِ

- ‌ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة

- ‌ذكر إِسْلامُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه

- ‌ذكر الخبر عن دخول بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف في الشعب وما لقوا من سائر قريش في ذلك

- ‌ذكر خبر أهل نجران

- ‌ذكر وَفَاةُ خَدِيجَةَ وَأَبِي طَالِبٍ

- ‌ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطَّائِفِ

- ‌ذكر إِسْلامُ الْجِنِّ

- ‌خبر الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ

- ‌ذكر الحديث عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه وَفَرْضُ الصَّلاةِ

- ‌حديث الْمِعْرَاجُ

- ‌ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ

- ‌بَدْءُ إِسْلامِ الأَنْصَارِ وَذِكْرُ الْعَقَبَةِ الأُولَى

- ‌ذكر الْعَقَبَةُ الثَّانِيَةُ

- ‌ذكر إِسْلَامُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حَضِيرٍ على يدي مصعب بن عمير

- ‌ذكر البراء بن معرور وصلاته إلى القبلة وذكر العقبة الثالثة

- ‌وهذه تسمية من شهد العقبة

- ‌(ذكر فوائد تتعلق بخبر هَذِهِ الْعَقَبَةِ)

- ‌ذكر الهجرة إلى المدينة

- ‌ذكر يوم الزحمة

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأَخْبَارِ

- ‌أَحَادِيثُ الْهِجْرَةِ وَتَوْدِيعُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ

- ‌حَدِيثُ الْغَارِ

- ‌حَدِيثُ الْهِجْرَةِ وَخَبَرُ سراقة بن مالك بن جعشم

- ‌حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأَخْبَارِ

- ‌ذكر دخوله عليه السلام الْمَدِينَةَ

- ‌بِنَاءِ الْمَسْجِدِ

- ‌ذكر الموادعة بين المسلمين واليهود

- ‌شرح ما فيه مِنَ الْغَرِيبِ

- ‌ذكر المواخاة

- ‌بَدْءُ الأَذَانِ

- ‌إِسْلامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ

- ‌خبر مخيريق

- ‌خبر عبد الله بن أبي بن سَلُول وَأَبِي عَامِرٍ الْفَاسِقِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الراهب

- ‌جماع أبواب مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه وسراياه

- ‌ذكر الخبر عن عَدَدُ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وبعوثه

- ‌غَزْوَةُ وَدَّانَ

- ‌بَعْثُ حَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الحرث

- ‌سرية سعد بن أبي وقاص إِلَى الْخَرَّازِ

- ‌غزوة بواط [1]

- ‌غزوة العشيرة

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الأولى

- ‌سرية عبد الله بن جحش

- ‌تحويل القبلة

- ‌ذكر فرض صيام شهر رمضان وزكاة الْفِطْرِ وَسُنَّةُ الأُضْحِيَةِ

- ‌ذكر المنبر وحنين الجذع

- ‌غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى

- ‌ذكر الخبر عن مهلك أبي لهب

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذه الأخبار

- ‌تسمية من شهد بدرا من المسلمين

- ‌شُهَدَاءُ بَدْرٍ

- ‌عدد قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ

- ‌مشاهير قتلى بدر

- ‌أَسْرَى بَدْرٍ

- ‌ذِكْرُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَسْرَى بدر بعد ذلك

- ‌فَضْلُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا

- ‌ما قيل من الشعر في بدر

- ‌فَصْلٌ

- ‌سَرِيَّةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ

- ‌سَرِيَّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعٍ

- ‌غزوة السويق

- ‌غَزْوَةُ قَرْقَرَة الْكدر

- ‌سَرِيَّةُ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ

- ‌خَبَرُ محيصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ ابْنِ سُنَيْنَةَ

- ‌ذكر فوائد تتعلق بهذا الخبر

- ‌غزوة غطفان بناحية نجد

- ‌غَزْوَةُ بُحْرَانَ

- ‌سرية زيد بن حارثة إلى القردة اسم ماء

الفصل: ‌ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى

‌ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى

وَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا وَثَلاثِينَ سَنَةً اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَإِنَّمَا حَمَلَ قُرَيْشًا عَلَى بِنَائِهَا أَنَّ السَّيْلَ كَانَ أَتَى من فوق الردم الذي صنعوا فأخرجه، فَخَافُوا أَنْ يَدْخَلُهَا الْمَاءُ، وَكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ، فَأَرَادُوا أَنْ يُشَيِّدُوا بُنْيَانَهَا، وَأَنْ يَرْفَعُوا بَابَهَا حَتَّى لا يَدْخُلَ إِلَّا مَنْ شَاءُوا، وَأَعَدُّوا لِذَلِكَ نَفَقَةً وَعُمَّالا، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَيْهَا لِيَهْدِمُوهَا عَلَى شَفَقٍ وَحَذَرٍ مِنْ أَنْ يَمْنَعَهُمُ اللَّهُ الَّذِي أَرَادُوا.

قال ابن إسحق: ثُمَّ إِنَّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتِ الْحِجَارَةَ لِبُنْيَانِهَا كُلُّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ بَنَوْهَا حَتَّى بَلَغَ الْبُنْيَانُ مَوْضِعَ الرُّكْنِ، فَاخْتَصَمُوا فِيهِ، كُلُّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إِلَى مَوْضِعِهِ دُونَ الأُخْرَى، حَتَّى تَحَاوَرُوا وَتَخَالَفُوا وَأَعَدُّوا لِلْقِتَالِ، فَقَرَّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً دَمًا، ثُمَّ تَعَاقَدُوا هُمْ وَبَنُو عَدِيٍّ عَلَى الْمَوْتِ، وَأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي ذَلِكَ الدَّمِ فِي تِلْكَ الْجَفْنَةِ، فَسُمُّوا: لَعَقَةَ الدَّمِ، فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَوْ خَمْسًا، ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ، فَتَشَاوَرُوا وَتَنَاصَفُوا، فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَسَنَّ قُرَيْشٍ كُلِّهَا قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ فِيمَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ يَقْضِي بَيْنَكُمْ، فَفَعَلُوا، فَكَانَ أَوَّلُ دَاخِلٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الأَمِينُ رَضِينَا، هَذَا مُحَمَّدٌ،

فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:

هَلُمَّ إِلَيَّ ثَوْبًا، فَأُتِيَ بِهِ فَأَخَذَ الرُّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: لِتَأْخُذْ كُلُّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه.

ص: 66

وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّهَا كَانَتْ تِسْعَ أَذْرُعٍ مِنْ عَهْدِ إِسْمَاعِيلَ، يَعْنِي ارْتِفَاعَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا سَقْفٌ، فَلَمَّا بَنَتْهَا قُرَيْشٌ قَبْلَ الإِسْلامِ زَادُوا فِيهَا تِسْعَ أَذْرُعٍ، فَكَانَتْ ثَمَانِ عَشْرَةَ ذِرَاعًا، وَرَفَعُوا بَابَهَا عَنِ الأَرْضِ، فَكَانَ لا يُصْعَدُ إِلَيْهَا إِلَّا فِي دَرَجٍ أَوْ سُلَّمٍ، وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ لَهَا غَلَقًا تُبَّعٌ، ثُمَّ لَمَّا بَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ زَادَ فِيهَا تِسْعَ أَذْرُعٍ، فَكَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَعَلَى هَذَا هِيَ إِلَى الآنَ.

وَكَانَ بِنَاؤُهَا فِي الدَّهْرِ خَمْسَ مَرَّاتٍ:

الأُولَى: حِينَ بَنَاهَا شِيثُ بْنُ آدَمَ عليهما السلام.

وَالثَّانِيَةُ: حِينَ بَنَاهَا إِبْرَاهِيمُ على القواعد الأولى.

الثالثة: حِينَ بَنَتْهَا قُرَيْشٌ قَبْلَ الإِسْلامِ بِخَمْسَةِ أَعْوَامٍ.

وَالرَّابِعَةُ: حِينَ احْتَرَقَتْ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِشَرَرَةٍ طَارَتْ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ فَوَقَعَتْ فِي أَسْتَارِهَا فَاحْتَرَقَتْ، وَقِيلَ: إِنَّ امْرَأَةً أَرَادَتْ أَنْ تُجَمِّرَهَا فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنَ الْمِجْمَرَةِ فَاحْتَرَقَتْ، فَشَاوَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي هَدْمِهَا مَنْ حَضَرَ فَهَابُوا هَدْمَهَا وَقَالُوا: نَرَى أَنْ تُصْلِحَ مَا وَهَى وَلا تَهْدِمَ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ بَيْتَ أَحَدِكُمُ احْتَرَقَ لَمْ يَرْضَ لَهُ إِلَّا بِأَكْمَلِ إِصْلاحٍ، وَلا يَكْمُلُ إِصْلاحُهَا إِلَّا بِهَدْمِهَا، فَهَدَمَهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا فِي الْحَفْرِ، فَحَرَّكُوا حَجَرًا مِنْهَا فَرَأَوْا تَحْتَهُ نارا وهولا أفزعهم، فأمرهم أن يغزوا الْقَوَاعِدَ، وَأَنْ يَبْنُوا مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الْحَفْرُ. وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ سَتَرَهَا حِينَ وَصَلَ إِلَى الْقَوَاعِدِ، فَطَافَ النَّاسُ بِتِلْكَ الأَسْتَارِ فَلَمْ تَخْلُ مِنْ طَائِفٍ، حَتَّى لَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ يَوْمَ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ اشْتَدَّتِ الْحَرْبُ وَاشْتَغَلَ النَّاسُ، فَلَمْ يُرَ طَائِفٌ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ إِلَّا جَمَلٌ يَطُوفُ بِهَا.

فَلَمَّا اسْتَتَمَّ بُنْيَانَهَا أَلْصَقَ بَابَهَا بالأرض، وعمل لها خلفا أَيْ بَابًا آخَرَ مِنْ وَرَائِهَا، وَأَدْخَلَ الْحَجَرَ فِيهَا، وَذَلِكَ لِحَدِيثٍ

حَدَّثَتْهُ بِهِ خَالَتُهُ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَلَمْ تَرِي قَوْمَكِ حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ عَجَزَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ» . ثُمَّ قَالَ عليه السلام: «لَوْلا حِدْثَانُ قَوْمَكِ بِالْجَاهِلِيَّةِ لَهَدَمْتُهَا وَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا وَأَلْصَقْتُ بَابَهَا بِالأَرْضِ وَلأَدْخَلْتُ الْحَجَرَ فِيهَا أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام.

قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ:

فَلَيْسَ بِنَا الْيَوْمَ عَجْزٌ عَنِ النَّفَقَةِ، فَبَنَاهَا عَلَى مُقْتَضَى حَدِيثِ عَائِشَةَ. فَلَمَّا قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: لَسْنَا مِنْ تَخْلِيطِ أَبِي خُبَيْبٍ بِشَيْءٍ، فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهَا جَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ

ص: 67

الْمَعْرُوفُ: بِالْقُبَاعِ، وَهُوَ أَخُو عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الشَّاعِرِ وَمَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَحَدَّثَاهُ عَنْ عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، فَنَدِمَ وَجَعَلَ يَنْكُثُ فِي الأَرْضِ بِمِخْصَرَةٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُ أَبَا خُبَيْبٍ وَمَا تَحَمَّلَ مِنْ ذَلِكَ. فَهَذِهِ الْمَرَّةُ الْخَامِسَةُ.

فَلَمَّا قَامَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهَا عَلَى مَا بَنَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ وَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ تَجْعَلَ هَذَا الْبَيْتَ مَلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ بَعْدَكَ، لا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يُغَيِّرَهُ إِلَّا غَيَّرَهُ فَتَذْهَبُ هَيْبَتُهُ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، فَصَرَفَهُ عَنْ رَأْيِهِ فِيهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ بُنِيَ فِي أَيَّامِ جَرْهَمٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لأَنَّ السَّيْلَ كَانَ قَدْ صَدَّعَ حَائِطَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بُنْيَانًا، وَإِنَّمَا كَانَ صَلاحًا لِمَا وَهَى مِنْهُ، وَجِدَارًا يُبْنَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيْلِ، بَنَاهُ عَامِرٌ الْجَادِرُ. وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَهَا شِيثٌ عليه السلام خَيْمَةً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، يَطُوفُ بِهَا آدَمُ وَيَأْنَسُ بِهَا، لأَنَّهَا أُنْزِلَتْ إِلَيْهِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَ قَدْ حَجَّ إِلَى مَوْضِعِهَا مِنَ الْهِنْدِ. وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: إِنَّ آدَمَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهَا. ذَكَرَهُ ابن إسحق فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكَّائِيِّ. وَفِي الْخَبَرِ أَنَّ مَوْضِعَهَا كَانَ غُثَاءَةً [1] عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَلَمَّا بَدَأَ اللَّهُ يَخْلُقُ الأَشْيَاءَ خَلَقَ التُّرْبَةَ قَبْلَ السَّمَاءِ، فَلَمَّا خلق السماء وقضاهن سبع سموات دحى الأَرْضَ، أَيْ بَسَطَهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها [2]، وَإِنَّمَا دَحَاهَا مِنْ تَحْتِ مَكَّةَ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرَى. وَفِي التَّفْسِيرِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حين قال للسموات وَالأَرْضِ: ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [3] لَمْ يُجِبْهُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ إِلَّا أَرْضُ الْحَرَمِ فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ الْحَدِيثَ

[ (1) ] الغثاء: ما يحمله السيل من رغوة ومن فتات الأشياء التي على وجه الأرض، والغثاء أيضا: رغوة القدر.

[ (2) ] سورة النازعات: الآية 30.

[ (3) ] سورة فصلت: الآية 11.

ص: 68